حوار سياسي،مع شابة فلسطينية، في الداخل الفلسطيني
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
استكمالاللقاءاتي وحواراتي مع سيدات عربيات، بهدف معرفة مشاكلهن والتحاور في قضايا تهمالمرأة العربية بشكل عام، التقيتُ بشابة فلسطينية من عرب الداخل المحتل، في العام1948م، وهي من قضاء مدينة الناصرة، الواقعة فيمنطقة الجليل الأعلى، في شمال فلسطين المحتلة، تدعى ولاء خليلية، تبلغ من العمر ثلاثوعشرون عاما، متقدة الذكاء، وتملك ثقافة وطنية عميقة، شخصيتها رائعة وخلاقة من أسرة فلسطينية عريقة، معظم افرادها،يحملون الشهادات الدراسية الجامعية، اضافة لثقافتهم الوطنية الواسعة والعميقة، وهيتعتز بفلسطينيتها وعروبتها كثيرا، تحمل شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية مناحدى جامعات الداخل الفلسطيني المحتل. وهي ايضا كاتبة وأديبة وشاعرة مبتدئة، بدايةحديثي معها، سألتها فيما اذا كانت من اسرة فلسطينية منفتحة أم لا، كونهم، علىاحتكاك مباشر مع المجتمع الاسرائيلي. اجابتوقالت: حقيقة، نحن يمكن اعتبارنا من اسرة متعلمة، ومثقفة كثيرا، لكننا اسرة متشددةجدا في نفس الوقت، وتشددنا هذا نابع من خوفنا وغيرتنا ايضا، مع أن الخوف الزائد أنالا أحبه، فنحن فلسطينيون عرب، وعاداتنا وتقاليدنا واحدة، لكننا نعيش مع يهودصهاينة، ومعروفون عنهم، بإجرامهم بحق الشعب الفلسطيني، منذ عشرات السنين، وما زالتصور ارهابهم الوحشي ضدنا، مائلة أمام أعيننا، وتَعْلَقُ في أذهاننا، نحن الفلسطينيون، في كل مكان، منذاحتلالهم لأراضينا في العام 1948م.قلتلها : كنت قد ارسلت لك مقالا بعنوان: (أهمية زيارة الفلسطينيون لدولة الاحتلالالصهيوني) هل قرأتيه، وما هو رأيك فيه؟؟؟قالت:نعم قرأته، وهو جيد جدا، ورائع، وأعجبني كثيرا، وقد يكون مدخلا جيدا لحوارنا هذا.قلتلها: ما هو رأيك بالمرأة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، على الأقل في مدينةالناصرة ، هل هي متحررة من القيود الاجتماعية ام لا؟؟؟ وهل تملك حريتها الشخصيةكما تعتقدين؟؟؟؟قالتوأجابت: باعتقادي، ليس بعد، لم تأخذ المرأة الفلسطينية حريتها كاملةً .. ما زالتْتعاني من القيود، ومن عوائق اجتماعية جمَّة، منها العادات والتقاليد كما تعلم، ومنقيود الأسرة بشكل عام، والأمكنة الشاغرة .. فهناك العديد من الامكنة، تحتاج لقوةوصمود، للحصول عليها. الناصرة بشكل عام، ربما تجد النساء فيها حرية وتحرر أكثر، منأي أماكن أخرى.قلتلها: هل الاختلاط ظاهرة موجودة لديكم في الناصرة، على الأقل بين الأهل والأسرالقريبة والصديقة، ام ان الوضع العام لا يسمح بذلك؟؟؟قالت:أبداً، فالاختلاط موجود، لأن مدارسنا كلها مختلطة، من صفوف الروضة، وحتى الصفوف الأكاديميةالعليا في الجامعات، فهناك اختلاط بالدراسة، بين الشباب والشابات، وفي المناسبات كالأفراحوخلافه.قلتلها: هل هناك مشاكل بين الجنسين، نتيجة لهذا الاختلاط بحدود المعقول ؟؟؟أجابتوقالت: بلى، ثمة مشاكل بين الجنسين، لا بد من حدوث مشاكل بالتأكيد .. فكل منالجنسين، يَودُ اثباتْ نفسه وقدراته، ولا بد من حدوث نقاشات حادة، ينتج عنها سوء تفاهم،او ما شابه ذلك.قلت:وهل انت مع الاختلاط ام ضده ولماذا؟؟؟قالت:مع وضد في نفس الوقت... لأنه في النهاية، لا محالة، فكلا الجنسين سيختلطان فيالمرحلة الاكاديمية شئنا أم ابينا... وعدم الاختلاط بين الجنسين في المراحلالسابقة، يمكن أن يحدث العديد من المشاكل الكبيرة جدا. فعدم الاختلاط مشكلة يصعبحلها.قلتلها: هل تحتكون مع الأُسَرْ اليهودية بشكل او بآخر؟؟؟ وهل هناك نوع من التقارببينكم وبينهم، وتفاعل ام لا؟؟؟قالتوأجابت:هناك تفاعل بين اليهود، وبيننا، كعرب فلسطينيين، ونتعامل معهم على أساسالمر الواقع، لأننا تحت إحتلال .. فإذا اردتُ أن أدفع فاتورة الكهرباء مثلاً، اوالضرائب .. والتأمين وخلافه، فلا مناص من الاحتكاك بهم والتعامل معهم، وحتى شركاتالهواتف الخلوية بأنواعها، وتحديد موعد في المشفى، فالمسئولين كلهم من اليهود، حتىالمحاضرين في الجامعات كذلك، بالطبع هناك، بعض الموظفين العرب، لكنهم قلة.قلتلها: هل يمكن القول ان علاقاتكم مع بعض، طبيعية وخالية من المشاكل، ام هناك حقددفين، وغير ظاهر بينكما؟؟؟ وهل يتعاملون معكم باحتقار، ام يتعاملون معكم كباقيالبشر؟؟؟قالتوأجابت: نحن نتعامل معهم، بحكم الأمر الواقع كما قلت لك، لأننا مجبرين على ذلك،وذلك بسبب الاحتلال ... وهناك من الجانبين، حقدْ وبغضْ دفين.. غالبية اليهود، يُظهرونعلى الملأ، كرههم لنا كعرب فلسطينيين، والعكس صحيح، فنحن كذلك نكرههم، لأنهم يحقدون علينا، ويحتلون اراضينا,قلت:هل يوجد نوع من الصداقات بين الشباب العرب واليهود او لا يوجد بالمرة؟؟؟اجابتوقالت: لا بد أن تجد صداقات بينهم .. فليس جميع اليهود حقيقةً، يكرهون العرب،الغالبية منهم تكره العرب الفلسطينيون فعلا، لكن ليس جميعهم ... لأن هناك منهم منيشعر معنا.. فعلاً، ويُسعدْ بصداقة العربي، بل يتعلمون منا، ويقلدوننا في الكثيرمن عاداتنا وتقاليدنا، ومنذ سنوات قليلة، بدأن الشابات اليهوديات، في الدخول في الديانةالاسلامية، واعتناق الاسلام، ومنهن أصبحن يلبسن الحجاب كذلك.قلتلها: هل المرأة الفلسطينية متأثرة بطبيعة المرأة اليهودية، وتحررها وبحريتهاالشخصية وتقليدها ببعض ممارساتها؟؟؟أجابتوقالت: بالنسبة للمرأة الفلسطينية، لا يمكنني أن أقول أنها متأثرة بحريتها، ..لأنالحرية الحقيقية، هي في حرية الفكر، وليس حرية الملبس والخروج والعمل فقط.قلت:هل تشعرون بأنكم في يوم من الأيام، ستكونون احراراً، وتتخلصوا من إحتلال اليهودالصهاينة؟؟؟؟ الا تملك المرأة الفلسطينية حرية الفكر والتعبير ؟؟؟أجابتوقالت:هذا ما نتمناه فعلا ... نتمنى الحرية على أرضنا ..لأن من الصعب أن تُسجن فيبيتك، وتعيش على أرضك، كونك مقيد في التحرك، وفي كل شيء، نحن نشعر بأننا في سجنكبير.المرأةالفلسطينية لديها الفكر والقدرات والإبداعات .. لكن الواقع بحدوده الجغرافية، وبعضمن العادات والتقاليد، تصعب على المرأة تحقيق ما تريده، وإذا حققته، فسيكون هذابصعوبة، وله ثمن باهظ، وتكون قد عانتْ كثيرا من أجله.قلتلها: هل ترغبون بالتواصل والتفاعل مع الشعب الفلسطيني، في الضفة والقدس وقطاع غزة،ام انتم لستم معنيين بذلك، ولا يهمكم الأمر.أجابتوقالت:نسعد كثيرا بالتواصل معهم .. نحن كلنا شعب واحد، وعلى ارض واحدة، وقضيتناواحدة، فهم ليسوا شعبا اخرا، لأننا فعلاً شعباًواحداً.قلت:هل تتابعون التفاعلات السياسية وخلافها، في كل من الضفة وغزة، والمشاكل التي تحدثبيننا، وحتى المواضيع الصغيرة منها، أم تهتمون بالموضوعات الكبيرة فقط؟؟؟اجابتوقالت: بالتأكيد، نحن نتابعها كثيراً .. وانأ شخصيا أتابع كل أحداثها وتفاصيلها... من أحداث ومشاريع، وفعاليات وحفلات اجتماعية، من اضرابات الأسرى واحياء ذكرىالنكبة، والعدوان المتكرر على شعبنا في الضفة وقطاع غزة، وكل شيء، حتى لو كانتبعيداً عنا.قلتلها: أنا لا اقصدك انت شخصيا، بل بشكل عام، كافة ابناء شعبنا في الداخل؟؟؟اجابتوقالت:بشكل عام، اكيد، والدليل على ذلك، أننا في نهاية كل اسبوع، نقضيه في اسواق الضفة الغربية والقدس، وفيالمسجد الأقصى، ولدينا دائما، شعار نحمله معنا، اينما حللنا، يجب ان يستفيد ابناءجلدتنا العرب الفلسطينيون من مصروفاتنا، افضل من ان يستفيد اليهود الصهاينة مننقودنا، فنحن نأخذ كل احتياجاتنا من الضفة والقدس، وفي نفس الوقت، فان اسعارهاافضل من أسعار الداخل، خاصة ان معظمهم من اليهود الصهاينة.قلتلها: لو طُلبَ من الفلسطينيين في الداخل، الانضمام ارضاً وشعباً، لدولة فلسطينية، تقامفي الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود العام 1967م، هل تعتقدين ان كل الشعب، سيوافقعلى ذلك.أجابتوقالت: دولة على ارض فلسطين، ولما لا، فنحن سنكون كلنا فلسطينيون عرب في الدولة،مع ملاحظة اننا لن نتنازل عن حقوقنا التاريخية في فلسطين، ففلسطين كلها لنا منالنهر الى البحر، ولا يمكننا التنازل عن شبر واحد منها.قلتلها: هل انت تَعتبري شخصك، انسانة سياسية، وواجب عليك، وعلى كل فلسطيني، ان يكونسياسيا، ويمارس دوراً سياسياً في الداخل؟؟؟أجابتوقالت: أن أكون انسانة سياسية، فهذه كلمة كبيرة عليَّ الآن شخصيا، فأنا في اولالطريق، وهذه الكلمة لها أبعاد كثيرة، لكن علينا جميعا، أن نملك الحس الوطني والانتماءلفلسطين، ونتمنى أن نملك دوراً سياسياً فاعلاً، لكن للأسف، دورا كهذا الآن، غيرموجود لأسباب كثيرة قد تعرفها.قلتلها: كيف تنظرون لاتفاق اوسلو، وحل الدولتين، والسلام مع دولة إسرائيل ؟؟؟ وهل انتم تعتقدون، ان السلطة الفلسطينية، تسيربالطريق الصحيح ام لا ؟؟؟ أو لديكم وجهة نظر مغايرة لنا ؟؟؟أجابتوقالت: السؤال الذي يطرح نفسه ... هل فعلا سيكون هناك سلام؟؟ وهل فعلا بعد كل هذهالسنوات من المفاوضات، ومن الاعتقال والقتل والتعذيب للفلسطينيين، وكرههم الواضحلنا، والظاهر للجميع، سيكون هناك سلام بيننا؟؟؟قلتلها: هل تعتقدين لو ان القيادة استشارتْ، القيادة السياسية لديكم بالحل، سيكونالوضع افضل لدينا.أجابتوقالت: برأيك ما هو الحل ؟؟ اذا كانوا هم اليهود أنفسهم، يقولون لنا دائما ..تستطيعون الخروج من هنا، والسفر لأي دولة عربية اخرى، فهناك العديد من الدولالعربية مفتوحة لكم، لكن نحن، لدينا دولة يهودية واحدة، لا أكثر، اذهبوا أنتم الىهناك. لقدمنعوا عنا لم الشمل، ولم يسمحوا لنا، كنساء فلسطينيات في الداخل هنا، حتى من الزواجمن رجال، من الضفة الغربية، والعكس كذلك.قلتلها: هل تؤيدين حل الدولتين، كفلسطينية تعيشين في الداخل؟؟؟قالت:دولة فلسطينية في الضفة وغزة على حدود العام 1967م، هذا يعني التنازل عن أراضيفلسطين التاريخية، وهذا يعني التخلي عن حق العودة، ويعني لهم محاربتنا نحن وطردنامن ديارنا، ولن يتركونا في اراضينا وأملاكنا، وسنصبح في الأخير، لاجئون، لأن هدفهمهو التخلص منا وطردنا من بيوتنا واراضينا.قلتلها: نحن نعلم اهدافهم جيدا وسياساتهم، نحن نقبل بهذا الحل، كحل مرحلي، فالمثلالفلسطيني يقول: (خُذْ ثمَّ طالب)، و(اتْمسْكَنْحتى تِتْمَكَنْ). والليل مهما طال، لا بد ان يظهر بعده الفجر، والضعيف، لا يبقىطول عُمره، ضعيفاً، والقوي، لا يبقى طول عُمره، قوياً.قالت:أكيد،لهذا السبب قلت لك، أنني لن أرضى عن فلسطين كاملةً بديلاً، ولن آخذْ قطعة الآن، وأتنازلعن الباقي، ومن ثمَّ’ أحاول الحصول على الجزء الآخر في وقت لاحق، لأنهم هم أذكياء أيضا،ويعرفون ذلك، ولا بد لهم أن يأخذوا بالحسبان، هذا الأمر، ويضعونه في أي اتفاقيةبيننا وبينهم، اذا ما تم هذا الأمر، حينها، كيف تطالبهم، لو استطعتَ ذلك.قلتلها: انا قلت لك خذ ثم طالب، وشعبنا لا يمكن ان ينسى حقوقه التاريخية، وأرضه وأملاكه،حتى بعد مئات السنين، فالاتحاد السوفييتي، كدولة عظمى، انهار بعد 70 سنة، وأصبح مقَّسما،اسرائيل عمرها الآن 64 سنة فقط.قالت:يكفيناشرفاً وفخراً، بأن هناك العديد من الفلسطينيين اللاجئين في الخارج، يحملون مفاتيحبيوتهم القديمة، وعندهم أمل، بأنهم سيعودون، وستعود فلسطين لهم.قلتلها:صحيح، نحن لدينا الأمل، ولا يمكن ان نتنازل عن حقوقنا وحق العودة، فهو حق مقدس،يجب ان نحشد كل طاقاتنا، من اجل العودة، وان ننسق جهودنا ومطالبنا، بينالفلسطينيين في كل أنحاء العالم، هذا ما نسعى له، وما نطالب به. قلتلها: ماذا تعتقدي على الفلسطينيين عمله، ولم يعملوه بعد؟قالت:هناك الكثير كي يعملوه، بس أول شيء وأهم شيءْ بنظري .. هو الاتحاد والتوافق فيمابيننا، وعدم الانقسام، لأن اليهود يستغلوا الانقسام بشكل كبير جدا ضدنا.قلتلها: انهاء الانقسام موضوع مهم، ولكنه ليس هو الحل.قالت:اكيد، هناك حلول أخرى كثيرة، منها تحقيق مقولة بن غوريون والتي يهابها ويخافها حيثقالها قبل وفاته لأبناء شعبه من "اليهود" وهي انه عليهم أن يخافوا منالعرب اذا ما تعلموا أن يقراوا الكتبوعندما يتعلموا أن يقفوا بانتظام في الصفوف، " فللأسف فإن أمة إقرأْ لا تقرأْ... وقد اشُتهرنا بالفوضى، وعدم الانتظام، وقلة صبرنا كذلك. قلتلها: انت على فكرة، شخصية رائعة وخلاقة، ولك مستقبل زاهر.قالت:هذه شهادة أعتز بها جدا، وأشكرك كثيرا على ذلك.
إنتهى موضوعحوار سياسي
، مع شابةفلسطينية، في الداخل الفلسطيني