كتاب الشيخ... بين القانون والشريعة
التعقيدات الإدارية تشكل الحائل الأكبر دون تسجيل الزواج
الزواج لغة: يعني الاقتران، وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى: ((وإذا النفوس زوجت)) أي قرن كل فرد بقرينه، وعُرّف الزواج في قانون الأحوال الشخصية بأنه: (عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل، وقد حفلت السور القرآنية بإبراز جانب الحكمة والغاية من الزواج، إذ قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) سورة الروم الآية 7.
وينعقد الزواج بتحقق أركانه من إيجاب يصدر من أحد العاقدين وقبول من الثاني، وبتوافر شروطه الشرعية والقانونية، ويعتبر فاسداً كل زواج تم ركنه بالإيجاب والقبول واختل بعض شرائطه.
ولأن هذه المؤسسة هي أساس بناء المجتمع ويترتب عليها حقوق وواجبات والتزامات كثيرة تبدأ منذ لحظة ارتباط الرجل والمرأة ولا تنتهي بموتهما بل تمتد إلى أولادهم وورثتهم من بعدهم، وعلى ذلك فإن هذه الرابطة مقدسة حفظ لها الشرع قدسيتها، وضمنها القانون بأحكامه، لذا اشترط المشرع في قانون الأحوال الشخصية -الذي هو من أكثر القوانين التصاقاً بحياة الناس- أن يتم عقد الزواج داخل محكمة الأحوال الشخصية المختصة وأن يسجل بسجلاتها الرسمية وذلك ضماناً للحقوق وحفظاً للأنساب.
وعلى الرغم من وضوح كل من الشرع والقانون لكن -ونتيجة تعقد الحياة وتفاوت الشرائح الاجتماعية وعياً وأخلاقاً وسلوكيات- يبقى هناك الكثير من النساء مازلن يبحثن عن نافذة للتخلص من شبح حقوق ضائعة، أو أطفال يبحثون عن اسم وهوية ونسب.
الزواج خارج المحكمة:
كثيرة هي الحالات التي يلجأ فيها البعض إلى إبرام عقد القران خارج المحكمة، وذلك لأسباب سنتطرق إليها خلال تحقيقنا هذا، حيث يقوم رجل دين بعقد القران طبقاً للتعاليم الدينية، ليصبح الرجل والمرأة زوجاً وزوجة بحكم الشرع والمجتمع بعيداً عن مظلة القانون.
وقبل التطرق إلى (كتاب الشيخ) ما له وما عليه، علينا أن نوضح الخلط القائم بخصوصه حيث يعتبره البعض زواجاً عرفياً، بينما يصر الآخرون على وصف الزواج العرفي باللاشرعية.
فما هو الزواج العرفي إذاً؟
العرفي منسوب إلى العرف، والعرف في لغة العرب "العلم"، كما عرفت مجلة البحوث الفقهية الزواج العرفي بأنه "اصطلاح حديث يُطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوباً أم غير مكتوب".
وتُظهر هذه التعريفات للزواج العرفي أنه لا فرق بينه وبين الزواج الشرعي، ولكن هناك فرقاً بينه وبين الزواج الرسمي، فالزواج حتى يكون رسمياً لابد من توثيقه في الدائرة الخاصة بالتوثيق في الدولة، أما الزواج الشرعي فلا يلزم التوثيق فيه.
إذن كتاب الشيخ أو الزواج العرفي هو زواج شرعي لأن أركانه وشرائطه قائمة من حيث الإيجاب والقبول، والإشهار، ووجود الولي لكن ينقصه التثبيت.
أما زواج السر بين رجل وامرأة من غير ولي ولا شهود فهو باطل، وهو ليس زواجاً ولا عرفياً.
وما تطرقنا إليه في تحقيقنا هو ليس زواج السر (الباطل شرعاً وقانوناً) بل هو كتاب الشيخ أو الزواج العرفي.
من المجتمع صور حقيقة وحكايات:
تروي الآنسة أمينة (29 عاماً) تجربتها التي انقضى عليها أربع سنوات ومازالت حتى الآن تدفع ثمن ورقة قررت مستقبلها، تقول: تعرفت عليه في العمل، وطلب مني إعطاءه فرصة للتعارف لكني رفضت حرصاً على سمعتي ولاسيما أنني من بيئة محافظة، فعرض التقدم لخطبتي، ورغم ترددي لكوني لا أعرفه جيداً لكني وافقت بناء على استشارة والدتي وأخواتي البنات، إلا أن والدي رفض مبدأ الخطبة واشترط حضور الشيخ وعقد الكتاب تجنباً لكلام الناس، وأصبحت زوجته شرعاً، وبعد مضي أقل من شهر على تعارفنا لم أعد أسمع عنه شيئاً إلى أن انتهت قصتنا بعد ثلاثة أشهر بكلمة (أنت طالق) تاركة له حقها في المهر كثمن افتدت بها نفسها، ليذهب هو في سبيله ولتقع هي تحت ضغط العائلة من جهة والمجتمع من جهة أخرى.
ولدى سؤالنا لها: لماذا لم تتزوج بعد ذلك؟ قالت بحسرة: لأن جميع المتقدمين إليها كانوا إما مطلقين وإما أرامل.
أمينة اليوم ليست نادمة على تجربتها فقط، ولكنها تنصح جميع الفتيات بعدم التفريط بحقوقهن والخضوع لعادات المجتمع لأنه عندما يقع المحظور فإن أقرب الناس سيقفون في الاتجاه المعاكس مطلقين أحكامهم السلبية.
ولكن هل تستطيع الفتاة أن تقف دائماً ضد عادات الأسرة، وهل كتاب الشيخ يحمي الفتاة حقاً من القيل والقال، ومن ألسنة الجيران؟
تروي لنا ريم حكاية صديقتها لمى التي أحبته لدرجة أقنعت فيها أهلها بقبوله صهراً رغم أنهما مازالا في السنة الجامعية الثالثة، وافق الوالد على الشاب مشترطاً هو الآخر أن يتم عقد الكتاب لدى الشيخ الذي اعتاد عقد جميع زيجات العائلة، وكزوج وزوجة أمام الله وعبيده مارست لمى حقوقها الشرعية لتكون النتيجة طفلاً أراد له والده ألا يبصر النور، فأقنعها بإجهاضه لكونهما لا يستطيعان تحمل أعباء بناء أسرة، ولأن هذا الزواج لا تبعة من ورائه إلا كلمة يلقيها من بيده الحل والربط أصبحت لمى مطلقة تعاني احتقار الأهل وشفقة المجتمع ولا ذنب لها إلا زوج لجأ إلى الرابطة الشرعية كوسيلة للحصول على غاياته دون أي تفكير بتبعة أو مسؤولية.
ولكن لماذا يؤجل أغلبية الناس تسجيل الزواج في المحكمة مكتفين بعقد شرعي؟
يحكم الأمر جملة من الأسباب الاجتماعية والقانونية والشرعية، ولكل شخص أو عائلة أو بيئة طقوسها وآرائها في مدى الإقبال أو العزوف على عقد الكتاب خارج المحكمة.
أحمد شاب جامعي لم يؤدي خدمته الإلزامية، يقول لنا "ماذا أفعل إذا كنت راغباً في الزواج ولكني لا أملك هذا الحق"
لجا أحمد والكثير من أمثاله -ممن هم بحاجة لتقديم رخصة بالزواج للعسكريين ولمن هم سن في الخدمة الإلزامية- إلى كتاب الشيخ ريثما يصبح قادراً على تسجيل زواجه وتثبيته في السجلات الرسمية، وإلى ذلك الوقت ستبقى زوجته وعائلته تحت رحمة الظروف، وإن كان أحمد حريص على ضمان حقوق زوجته المستقبلية فإن الكثيرين يمكن لهم التنصل من مسؤولياتهم تاركين ورائهم زوجة وأطفالاً وأسرة مهددة بالتشرد والضياع لسنوات في أروقة المحاكم ريثما يتم ثبوت الدعوة في حال امتلكت المرأة الوعي القانوني والقدرة على المطالبة بحقوقها.
وكثيراً ما يكون تساهل الأهل أو جهلهم وأحياناً طيبة قلبهم سبباً لضياع مستقبل الابنة التي دائماً تكون الحمالة التي يعلق عليها الجميع أخطائهم وتجاربهم وتعصبهم، والسيدة امتثال هي نموذج وعبرة ، تقول: تزوجت من رجل غير سوري، بعقد لم نثبته في المحكمة كونه جاء إلى سورية في زيارة عاجلة، امتثال التي بعرف المجتمع دخلت سن العنوسة وجدت في الرجل الخليجي زوجاً مقتدراً يستحق المغامرة خاصة أنه صديق لأحد أقارب العائلة، لكن ذلك لم يكن الضامن لمستقبلها فانتقلت من شبح العنوسة إلى سجن الطلاق لتكتشف أنها الزوجة الثانية التي سرعان ما تخلى عنها تحت ضغط أبنائه،طبعاً دون أن تنال حقها في المهر أو النفقة.
هل كتاب الشيخ هو وسيلة للتمتع وقضاء الرغبات؟
من خلال لقائنا بأشخاص كثر وجدنا أن كتاب الشيخ ليس حصراً بالعائلات المحافظة أو المتزمتة دينياً ولكن يلجأ إليه الكثيرون هرباً من تبعات وتعقيدات الزواج الرسمي كما ادعى بعضهم، كما أن البعض قد يلجأ إليه تبعاً لمفهوم الحلال والحرام ولكن ما نلحظه في المجتمع في الآونة الأخيرة أن هذا الكتاب بات هدفاً بحد ذاته بل بات وسيلة ليس فقط لتسهيل اللقاء للتعارف وتبادل الآراء بين الشاب والفتاة بل ونتيجة التحليل المربوط بكتاب الشيخ قد يصل الأمر إلى درجة المعاشرة التي يحللها الكتاب ولكن يرفضها المجتمع الذي يستهجن دخول الرجل بزوجته قبل يوم العرس،
فهل أًصبح كتاب الشيخ هدفاً بحد ذاته ؟ وهل يلجأ البعض إلى كتاب الشيخ طلباً لنافذة تحلل لكل من الشاب والفتاة الاستمتاع بما يمنعه المجتمع؟
ربما نعم ومعظم الأشخاص الذين التقيناهم قالوا بأن البعض يجد في كتاب الشيخ سبيلاً سهلاً للحصول على المتعة خصوصاً وأن حدود العلاقة بين الرجل والمرأة قد تأخذ مناحي أكثر تحرراً بعد عقد الكتاب فمن الناحية الشرعية لا شيء يمنع.
وهنا نستشهد برأي للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ورد في موقعه الالكتروني حيث يقول مجيباً على سؤال أحدهم حول حكم الخلوة بالمرأة المعقود عليها عقداً شرعياً " المرأة المعقود عليها تصبح زوجة لمن عقد نكاحها عليه، ويجوز للزوج الخلوة بزوجته بالبداهة."
وفي معرض رده على سؤال آخر حول حدود العلاقة بين الخطيب وخطيبته، وماالمسموح وما المحرم شرعاً؟ يقول الدكتور البوطي بأن تمتع الخطيب بخطيبته هو "مغامرة خطيرة غير مأمونة العواقب"، و"لا يجوز أن يلتقيا على أي نوع من أنواع المتعة الزوجية" ويضيف " غير أن كلا من الخطيبين إن كان يشعر أن ابتعاده عن صاحبه أمر شاق لا صبر عليه، فمن السهولة بمكان أن تتوج الخطبة بعقد شرعي يتم على أصوله حتى وإن حالت الظروف في تلك الفترة دون تسجيله في سجلات القضاء، وعندئذ ينعقد الرباط الزوجي بينهما، ويحل لهما كل أنواع المتعة الزوجية"
وهنا قد يلجأ بعض الشباب إلى استسهال الأمر، ويكون كتاب الشيخ وسيلة
لإشباع الحاجات العاطفية والجنسية, دونما تكلفة أو عناء قد يسببها الزواج الرسمي. وقد نبه الأستاذ المحامي نجاة قصاب حسن في كتابه قانون الأحوال الشخصية إلى مثل هذه التصرفات منبهاً الفتاة وأهلها إلى ضرورة الحذر وتوثيق عقد الزواج في المحكمة مخافة أن يتلاعب الشاب بمستقبل الفتاة وحقوقها.
ماذا يقول القانون؟
توجهنا بالسؤال إلى الأستاذ المحامي رأفت قسطي الذي بادرنا بالقول أن كتاب الشيخ هو حلال شرعاً ويمكن تثبيته بالمحكمة ، أما بالنسبة لضمان الحقوق فهو يعتبر بأنه يضمن الحقوق وخاصة للزوجة حيث بإمكانها أن ترفع دعوى تثبيت زواج ويحق لها المطالبة بحقوقها كاملة في المهر والنفقة ونسب الأولاد.
ويقول الأستاذ قسطي بأن الأصل في الزواج قديماً كان يأخذ الصفة العرفية حتى من دون عقد كان يكفي الإشهار من قبل الشهود.
ويضيف السيد قسطي من خلال الحالات الكثيرة التي يصادفها في عمله بأن كتاب الشيخ يتحدد السوء أو المنفعة منه باختلاف مقاصد الأشخاص، ولدى سؤالنا له فيما إذا كانت تعقيدات الزواج الرسمي هي الدافع وراء ابتعاد البعض عنه والإقبال على عقد كتاب خارج المحكمة، أجابنا موضحاً بأن إجراءات الزواج الرسمي هي بسيطة لا تعقيد فيها ولا تكلفة مادية.
أما بالنسبة للآثار القانونية المترتبة على العقد خارج المحكمة فقد أوضح لنا بأن هذا العقد هو صحيح من حيث آثاره كلها إلا التسجيل، ويحق للزوجة أن تقيم الدعوى مطالبة بمهرها وبنفقتها ونفقة طفلها ويحكم لها بذلك دون أن يحكم لها بالتسجيل الذي يظل موقوفاً حتى تستكمل الأوراق أو تحمل المرأة حملاً ظاهراً أو تلد ولداً فيسجل الزواج لمصلحة الولد، أما الغرامات التي تقع على كل من الزوجين وفقاً لأحكام المواد 469 وما يليها من قانون العقوبات فهي لا تتجاوز 250 ليرة سورية وهذه الغرامة تشمل كلاً من العاقدين والشهود ورجل الدين.
مما سبق نجد أن النص القانوني واضح لكن التطبيق العملي كثيراً ما يأخذ سنوات طويلة كي تتمكن المرأة من الحصول على حقوقها، وكثيراً ما يماطل الزوج في الاعتراف بنسب الأولاد إليه خاصة إذا تم عقد الكتاب شفهياً دون ورقة مكتوبة.
ما هو حكم الشرع؟
من الناحية الشرعية فإن كتاب الشيخ الذي تمم أركانه هو عقد صحيح شرعاً ولا يختلف اثنان على صحته ولكن ماذا يقول رجال الدين في الآثار المترتبة عليه.
توجهنا بالسؤال إلى الدكتور محمد حبش الذي وجد في كتاب الشيخ إساءة،وقال أن ما يجري عبر كتابات الشيوخ هو اغتيال لمقاصد النكاح في الإسلام.
ويرى في موقف الأهل الذين يصرون بدافع الحلال والحرام إلى عقد كتاب (براني) بأن هذا التصرف نابع من تعصب وجهل، وفيه إساءة كبيرة لأنه تفريط بحق شرعي هو حق الخطوبة التي يدافع عنها الدكتور حبش كثيراً ويوضح أهميتها بقوله بأن الناس يتعاملون مع العقد على أنه بداية الخطوبة..بينما في حقيقة الأمر فإن العقد هو نهاية فترة الخطوبة.
ويدعو الدكتور حبش عبر مركز الدراسات الإٍسلامية إلى الحد من تدخل الشيوخ وإلى التشدد في أمور الزواج لما فيه ضماناً لحقوق الزوجين،
أما أحد الشيوخ( الذي رفض أن يذكر اسمه) فهو على الرغم من يقينه بشرعية هذا الكتاب، وعلى الرغم من أنه يقوم شخصياً بعقد القران لكنه يفضل أن يتم اللجوء إلى المحكمة لتثبيته حفاظاً على حقوق الطرفين وعدم حدوث أي أضرار تسيء إلى المجتمع ككل في نهاية الأمر.
وختاما
فإن حكم كتاب الشيخ في الشرع الإسلامي كحكم الشرط اللازم ولكن الغير كافي إذ يتوجب لهذا العقد أن يسجل قانونا ليصبح مكتمل النصاب من وجهة نظر القانون وهنا يصبح العقد كافيا ومحققا لشروطه وضامنا لحقوق جميع الأطراف بعيدا عن أي تعقيدات قانونية قد تنجم عن تجاهل أحد جوانب القانون .
سيلفا كورية