موضوع من خلال تجربتي الاجتماعية وعدة قراءات متناثرة وعلى طريقة الإضافة الفكرية البسيطة كما أدعوها:
الشخصية الهادئة جذابة ملفتة، رزينة ورصينة، تثير الغربة في الحديث وسبر أغوارها، ورغم هذا يواجه الاجتماعي شخصيات صامتة، يعتبرها غامضة، غريبة تتعمد أن تكون كتومة، بحيث يشعر المتحدث، وكأنه يروي قصة حياته، دون أن يجد أي حافز من الطرف الآخر لمبادلته نفس الحوار، وهذا مايجعل أفراد كثيرين ينفرون من تلك الشخصية بعد وقت ،رغم أن أسباب صمتها عديدة، ولو عرفت جيدا، لكان استفزازها ومساعدتها سهلة جدا ومن تلك الأسباب:
1- ضعف المقدرة على التعبير عن الذات، وطول عهد بعزلة وانطواء، مما قد يؤدي لاعتياد على الاستماع دون التعبير.
2- مركب النقص، حيث يكون هذا الفرد الصامت، في مجتمع فضولي اجتماعي، كثير الهذر والمزاح، يشعر فيه بخوف من الإيذاء الشخصي، خاصة أنه يجد غيره من الأفراد مسرورين على غراره، حيث يشعر بمركب النقص المادي أو الثقافي أو المكانة الاجتماعية.
3- الصمت المنطقي، وهو عمق فكري، يمنع هذا الطرف الصامت من الخوض في أي حديث، دون معرفة واختبار الوسط الاجتماعي الثقافي المادي الذي هو وسطه، مما يجعل الناس يأخذون عنه فكرة مغلوطة، لكنها عادة منطقية عند هؤلاء ، لأن الفكر هنا يناقش في دماغه ويقارن مع حقائق كان اطلع عليها سابقا، فلايقبل التحدث إلا من خلال إضافات مميزة وعلامات فارقة.
4- الشخصيات الباطنية، وهي التي لاتفضل الحديث عن خصوصياتها أبدا، ولاعن خلفيات فكرها، لأمور تخصها مثل الحسد وعدم التكافؤ، خوف التنافر، وعدم تفضيل ذلك كمذهب حياة، وهي شخصيات إما أنها تتمتع بوقار شديد، أو بعناد وثبات على طبيعتها الاستثنائية.
5- الخبرة الاجتماعية القصيرة المدى، والتي تشعر الصامت بالارتباك مقابل خبرة وفنية الحوار عند الطرف الآخر، وهذه الحالة تعتبر أسهل الحالات، وذلك لأنها غير أصيلة بالنفس، لكنه الوسط الجديد الذي وضع فيه.
6- عدم الراحة النفسية التي يشعرها الصامت، سواء من خلال الوسط الاجتماعي الذي وجد فيه حديثا، أو لأنه يتعرض لظلم متعمد، مما يجعله يلجأ للصمت، خاصة لمن يزجر كثيراـ ولايحترم رأيه، وهذه تعتبر من الحالات التي يمكن تدراكها من خلال خوض الحياة واختبارها، دون الانحراف الطارئ الذي يخشى منه.وهذا مناط بالأهل الذي يشجعون من البدايات إن لم يكونوا مساهمين في ذلك.
7- صمت التقدير أو التكبر، وهو صمت مؤقت، يفكر الصامت بنفسه طوال الوقت، ويبحث عن التقدير له، ولايتكلم إلا مع من يحترمه ويقدره.خاصة لو كان الوسط الذي جلس فيه دونه في الحالة الاجتماعية والمادية والثقافية.
8- الشخصية الانطوائية عموما، سواء من جراء الوسط الاجتماعي الزاجر بقسوة، الذي يلحق تلك الشخصية الملفتة، أو الطبيعة الإنسانية في الأصل.
9- الصمت الطارئ، وهو الصمت الناتج عن فترة محرجة في حياة المرء، من معوقات حياتية أو خلافات طارئة على وشك الحدوث ففضل الصمت، وهو صمت الحكمة.
ينقسم التعامل مع تلك الشخصية أقسام عديدة منها:
1- اللجوء للصمت مقابل صمت الطرف الآخر والانشغال بغير الحديث.
2- محاولة الاستفزاز له، بإدراج حقائق يعرفها الطرف الآخر فيكشفها له الاجتماعي، وغالبا تلك الأساليب تزيد الهوة.
3- اللجوء لأحاديث هامشية، ليشعر الطرف الثاني بالارتياح، ومن ثم يبدأ بالانبساط في الحديث، وهذا مأمول في العلاقات المتكررة.
4-أسلوب المواجهة، ويعتمد على الأسئلة المقابلة للحقائق التي أدرجها الطرف الأول، وهي تحتاج لفن وتفهم لطبيعة الطرف الآخر في كيفية وضع الأسئلة.
وتبقى الأساليب مرهونة بنوع الشخصية التي تعتبر مركبة، وقد تحوي عدة أسباب مما ورد سابقا، لذا فهي تفضل الانعزال، وهذه الأنواع خاصة الصعبة منها، من الصعب تلمس نوعية انفعالاته في تلك المواقف الاجتماعية الخاصة، حيث يبدو من الصعب الخوض معه في نقاشات طويلة، تلك الشخصيات تحتاج أولا لاحترام طبيعتها الخاصة، ومحاولة تفهمها عن قرب رويدا رويدا، وعدم إرغام على الحديث، بل تركه يسترسل من تلقاء نفسه، من خلال حديث شيق لايمس خصوصيته، محاولة الرفق به، فهو أشبه بالزجاج العاكس سريع التهشم.فهو يشعر بغربة داخلية وحساسية مفرطة، يجب ألا نوقطها فيه.
من جهة أخرى لايعني الصمت أنه شخص فاشل أو غير ذكي الخ..بل يحب علينا احترام طبيعته الخاصة، فربما يحمل بذور نجاح غير واضحة للعيان، هذا إن لم يكن ناجحا سلفا، حيث يتميز الناجحون من قلة الحديث عن أنفسهم عموما، إما لعدم البوح بأسرار العمل بالخطأ أو لأنه تعود القيادة فباتت قلة الكلام أكثر مايلائم شخصيته الحالية.وهؤلاء يمتلكون قوة ملاحظة، ورادار ومسجل دماغي قوي، لطول تأملهم فيما حولهم.يعتبرون عموما من الأوفياء حتى لو لم نتبين ذلك بداية، لأنهم انتقائيين عموما ودقيقي الملاحظة والتحقيق في اتخاذ الصحبة، خاصة أن المبدعين منهم يفضلون العمل بمفردهم، او في الظل، لذا استثمارهم وكسبهم لطرف ما ليس سهلا البتة.لذا لايمكن اعتبار الشخصية الكتومة سلبية دوما، بل علينا الاقتراب بحذر منها، لمعرفتها عن كثب.
الجمعة 24-1-2020
د. ريمه عبد الإله الخاني.