منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1

    "تنكة" سمنٍ فارغة.

    كلنا لاجئون لأن التراب الذي يحتوينا لا يستطيع تحملنا للأبد
    لنذهب إلى زمكانٍ آخر , سورية الجنوبية , أيار, من عام ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعةٍ وسبعين.

    نظراتهُ الجاثيةُ على وجهها ما فتئت تنخرُ فيه لتكشفَ أنهُ المختنقُ بطهرِ أرضٍ انصهرَ بخلاياها لاجئاً
    آمناً مذ شرعوا باللجوءِ غير آمنين عندما صيِّرت لأجلهم لفظةُ "النكبة ".

    فتتت أمهُ محاولاته في الإيغارِ أعمق...

    ـ البدوية "نزهة" أتاها المخاضُ وهي في الحصاد ولدت وصرت طفلها لوحدها وتابعت عملها... يا لجبروتِ
    العربيات.
    نزعَ إلى طمرِ الخجلِ المتنامي من ملاحمه.
    ألم تنتهي منْ تجديلِ هذا الحبلِ بعدْ ؟! ... وصمتٌ خُلقْ.
    تململَ وراحتْ شفتاهُ تنهرصان قبل أن تستطيعا دفعَ قلقِ تساؤلٍ تعاظمت رغبتهُ في التعري من سريرته.
    ـ هل انتصروا منذ أشهر ؟! هلْ خرجوا منَ الحربِ منتصرين ؟! ... إذاً لماذا لمْ نعدْ إلى دارنا حيثُ منْ
    تحلفينَ برؤوسهم كلَّ يوم؟!
    ألقتْ إليهِ الحبلِ ورمتْ بهِ خارجَ سياجِ البيتِ الحجري, لتؤوبَ إلى غسيلٍ برمَ منَ الدعكِ بيدين لا تلتفتانِ
    بدفئهما إلا لدعواتٍ وصلواتٍ تهفها الروح لأجل دارها حيث ثمَّ منْ تحلفُ بمفاتيحهمْ كلَّ يومْ .

    الحبلُ أصبحَ في يدهْ وينقصهُ الآن "تنكة" سمنٍ فارغة .
    استحضرَ كلماتِ جدهِ المتساقطة كزهرِ لوزٍ يبحثُ عن تربةٍ خصبة!:
    "تنكة" سمنٍ فارغة وحبل هما ما تحتاجهُ لتستطيعَ السباحةَ في البركة .أحكمْ إغلاقَ العلبةِ المكعبة واربطها
    بحبلٍ على ظهركَ واقفزْ إلى الماء لتطفو بك كما تطفو الشهادةُ بأرواحهم للبعيد ...
    لنا الحبالُ وللأغنياءِ الأحزمةُ فهم يستعيضونَ عن الحبالِ التي تجدلها النساء بالأحزمةِ الجلدية ,,, لا لشيء إلا
    للتمايزِ فتلكَ الأحزمة تتركُ سيوراً جلدية ملتهبة على الجسد.

    لو أن أمهُ تقبل أن تأخذَ تنك السمن من وكالة اللاجئين لحظي بواحدة ولما احتاجَ أن يسدرَ في الأروقةِ العشوائيةِ
    متأملاً أن تنبجسَ له الأرضُ بواحدة.
    يتابعُ جرَّ أقدامهَ في الترابِ متمتماً بحنق :
    ـ " إن أخذناها فنحن نأخذ ثمن الأرض " ضجرتْ من هذه العبارةِ التي تكررينها
    ما علاقة السكر والأرز والشاي , السمنُ والزيت الذي يوزعنه بالعودة.
    ظلَّ يردد تلك الجملة يغنيها تارةً ويحكيها بتهدجٍ ساخرٍ تارةً أخرى وتارة تتراقصُ أقدامهُ على وقعها فيرنم
    جزءاً منها ويتركُ لأقدامهِ أن تعزفَ الآخر.
    فجأةً انبجست الأرضُ بعلبِ السمنِ الفارغة !
    شاحنةٌ تابعةٌ للوكالة كانت قد قُلبت هاهنا وتمَّ سحبها.
    أخبرته بذلكَ بقعة الأرض المتعرقة بالسمنِ والزيتِ المخلوطين بحمولات الوكالة من أرزٍ وخلافه, المهم أنه
    وجد علبَ سمنٍ فارغة. استلب إحداهن وتقافزَ إلى البركة.
    كان مع هرولته يحاولُ إحكامَ الطرقِ على الغطاء بعد أن حشى أطرافه بما استطاع أن يلملمه من مزق أقمشةٍ
    بالية فهو لم يحتكم على قرشٍ واحد ليستطيع أن يلحمهُ عند الحداد.
    وصل إلى البركة والأرض التي تفضلتْ عليهِ بتلكَ العلبة لم ترض عوضاً عنها إلا ابتلاعه !
    بضع أطفالٍ وشبانٍ يسبحون والكثير من العلب الملقية على التراب تركها أصحابها بعد أن عافوا السباحة ...

    رمى "تنكة" السمن الفارغة التي كان يحتضنها وفرَّ باكياً كذئبٍ يبحث عن حافةِ الأرضِ يتوحدُ معها ويصرخ ... ويصرخ ...

    وعند القاع !
    "الحبل , الأحزمة الجلدية , البندقية , الوكالة , اللاجؤون , "علبة فارغة" , الأرض"
    كلماتٌ أخذت تعبث بفكر ذاك الفتى الصغيرِ الواقفِ على سقفِ غرفةٍ
    يُخزنُ فيها التبن كان السقف مكونا من ثلاثة أقواسٍ تضج بالعظمة تصلُ بينها صخورٌ بازلتيةٌ ضخمة ويسترها
    التراب يتوسطها فتحة ليلقى التبن منها.
    ظلَّ يحملق من فتحة السقف في ذاك الاتساع حيث أخذ المساء يشرب الضوء المتبقي. دفعه أحد مجانين القرية
    فأسقطه من تلك الفتحة لم يعنه أي ألمٍ طاوله,
    لكنه شهقَ جراء خوفٍ عمّدته به جنية العتمة. يعود الحبل الذي لا يزال في كفه ليمسده بطمأنينة أمٍ يتناهى إليه
    رجع صياحها على أب ذلك المجنون ...
    (الجسد مساحة صمت الليل ليكف السكون تجاعيد آلامه ويتذكر اعتمال الهواجس)
    علمته ملائكة العتمة كيف يحافظ على هدأته إلى أن تلتقفه أمه فظلَّ يهمهم
    "إن أخذناها فنحن نأخذ ثمن الأرض "
    "إن أخذناها فنحن نأخذ ثمن الأرض ".

  2. #2

    رد: "تنكة" سمنٍ فارغة.

    هم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ...ويعطون بالمقابل لمن باع
    كان السرد متقنا قويا
    لك تقديري واعتزازي
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    قاص ومترجم
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,153

    رد: "تنكة" سمنٍ فارغة.

    نص قوي زاخر بأوجاع وآلام الوطن
    تقبل التقدير الذي أنت أهل له

  4. #4

    رد: "تنكة" سمنٍ فارغة.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
    نص قوي زاخر بأوجاع وآلام الوطن
    تقبل التقدير الذي أنت أهل له
    أشكر لك هذا المرور اللطيف . نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5

    رد: "تنكة" سمنٍ فارغة.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    هم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ...ويعطون بالمقابل لمن باع
    كان السرد متقنا قويا
    لك تقديري واعتزازي
    ولك تحيتي وشكري.

    دائما ما نقول هم .... أحيانا يجب أن نقول نحن نحن نقتلنا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحايا

  6. #6

    رد: "تنكة" سمنٍ فارغة.

    هذه اللغة احبها...
    قوية جزلة معبره وتشوق القارئ لارتشاف مابين السطور
    استمتعت وسررت
    مودتي
    هشام

المواضيع المتشابهه

  1. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 10:36 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 08:03 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 09:43 AM
  4. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 07:52 AM
  5. شموس البلاد "تضع النقاط على الحروف
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-19-2009, 12:07 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •