فتنة "عمارة" أم فتنة صحافةبقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود.........................................
فى الوقت الذي يسعى فيه العقلاء إلى تطويق الفتنة والإثارة بين الأكثرية العددية ، والأقلية الدينية ، فإن هناك نفراً من أهل الإفك والبهتان ، وخاصة فى المجال الصحفي، لا يريدون بهذا الوطن خيراً ، ويعملون على إشعال النار فى سبيل مكاسبهم التافهة وأرباحهم القليلة ..
اعتذر " محمد عمارة " عن كلمتين نقلهما عن الإمام الغزالي، التقطهما المتربّصون به وبكل صوت يدفع عن الإسلام ويذود ، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، وتقدم عمارة بشجاعة لا يملكها هؤلاء واعتذر عن عدم تحققه من النصّ المنسوب إلى حجة الإسلام الغزالى .
ودعا كثير من العقلاء إلى طيّ صفحة الموضوع ، بعد أن أعلنت الجهة ناشرة الكتاب سحبه من السوق ، وحذف الكلمتين اللتين لم يقصدهما عمارة ، ولكن الفجور الصحفي لدى البعض أبى إلا أن يعيد ويزيد ، ويلت ويعجن ، وتجاوز الأمر الصحف الورقية إلى الصحف الإلكترونية ، وطرح الموضوع على القراء وسؤالهم عن رأيهم فيما كتبه عمارة ، مما فتح المجال أمام تعليقات مثيرة وضارة ، تعمّق التعصب وتزرع الفتنة خاصة لدى الجانب الذي يعتقد أنه معتدى عليه ، أو إنه مضطهد !
إن كتاب عمارة يهدف بالدرجة الأولى إلى حماية البناء الداخلي للأمة من الشروخ والانقسامات والتوترات من خلال ما يقوم به البعض مذهبياً أو طائفياً من تكفير للبعض الآخر ، وينتقد فى جرأة محمودة ، ما يقوم به بعض الشيعة أو بعض الوهابية أو بعض الصوفية من تكفير لغيرهم أو لمخالفيهم ، وفى إطار هذا الانتقاد يأتي بنصوص يُطلق عليها اسم " الفحش الفكري" ، لأنها تخالف جوهر الإسلام وقواعده وأصوله ؛ وتعبّر عن تعصّب بغيض ، ومراهقة فكرية لا يقبلهما الإسلام ، ولا يُقرّهما . وفى ثنايا كتابه يُصحح كثيراً من الأوهام والضلالات ، فضلاً عن إشارته إلى الدور الخارجي فى تأجيج الفتن وزرع الانقسامات لتحقيق مصالحة وغاياته الاستعمارية .. ويستشهد بكثير من الوقائع والأحداث ، للتدليل على صحة كلامه ، بل إنه يستشهد بكاتب نصراني مصري نشر وثائق فى جريدة " وطني "التي تعبر عن لسان الكنيسة المصرية فى 2/7/2006م تحت عنوان " المخططات الخطيرة " وذكر فيها أن " بونابرت " عندما جاء ليحتل مصر سنة 1798م راهن على الأقباط النصارى فى مصر ، وعلى اليهود فى فلسطين دون أن يكنّ أي احترام لا للأقباط ولا لليهود .. لقد تحدث بونابرت عما سماه " الأمة القبطية " فقال :
" سوف يسعدني أن أحميها .. وأعيد لها الكرامة والحقوق التي لا يمكن فصلها عن الإنسان " أما " الثمن " الذي أراده من الأقباط ، فهو – بنص عبارته – " مطالبة أبناء الأمة القبطية بالكثير من الحماسة ، والإخلاص فى خدمة الجمهورية الفرنسية "!!
ولنتدبر – جميعاً – كلمات بونابرت عن النصارى التي يقول فيها :
" إنهم أناس لئام فى البلاد ، ولكن يجب مراعاتهم لأنهم الوحيدون الذين فى يدهم مجمل الإدارة للبلاد .. لقد حصلت على سجلات هائلة حول قيمة الضرائب المفروضة على مصر " !
ويُعلق " عمارة " على هذا النص بقوله : ألا قاتل الله الطائفية .. واللعب بأوراقها ، ولعن الله الخبثاء الذين يسلكون سبيل المذهبية لخلخلة النسيج الاجتماعى فى مجتمعات الإسلام " ( ص 98 ).
رجل يرفض الطائفية لا يمكن أن يدعو إلى استباحة دماء غير المسلمين ، فضلاً عن المسلمين المخالفين فى المذهب ، بل إن عنوان كتابه يحمل هذا المعنى " فتنة التكفير بين الشيعة .. والوهابية .. والصوفية " .
لقد صدر الكتاب فى ذى الحجة 1427هجرية = ديسمبر 2006م ، أى قبل شهرتقريبا ، ومع ذلك ، فقد علا الضجيج بصورة مريبة ، ولم يتوقف الأمر عند محمد عمارة بل تجاوزه إلى الإسلام والتشريعات الإسلامية ، وتم تقديم الرجل إلى النيابة العامة ، وخضع للتحقيق ، ولم يُغن اعتذاره عنه شيئاً ، فى الوقت الذى لم يُحاكم فيه صاحب عبارة الموت الذى قتل أكثر من ألف شخص قبل عام حتى الآن !!
ومن المفارقات أن أحد المحامين النصارى ممن يُقيمون فى أمريكا أرسل رسائل بالبريد الإليكترونى يسفر فيها عن وجه طائفى كالح وقبيح ، ويُهاجم الإسلام والمسلمين ، ويعدّهم غزاة لمصر يجب أن يرحلوا عنها ، ويُعلن أن النصارى هم أصحاب مصر الحقيقيين ، ولم يمض على هذه الرسائل أيام ، حتى خرج من يوصف بأنه سكرتير الأنبا يدعو إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالدين الرسمى للدولة ومصدر التشريع ، انطلاقاً من أن النصارى " هم أصحاب البلد "! فى عبارات صريحة لا تقبل تأويلاً !
وهذا الأمر لم يلفت نظر فريق " الفجور الصحفى " الذى يلعب بالورقة الطائفية ولا يترك فرصة إلا واهتبلها للتشهير بالإسلام والمسلمين ، لدرجة أن كذبوا على أحد قادة الإخوان وزعموا أنه سيُضاعف الجزية على النصارى حين يتولى الحكم ؛ وثبت بعد إذاعة كلامه أنه لم يشر إلى شيء من ذلك . ولكن فريق الفجور الصحفى ، أذاع ونشر ، وتوسع فى الإذاعة والنشر، وصدق الأكذوبة ، اعتقاداً منه أنه ينال من خصوم السلطة ، ولكنه فى الحقيقية ينال من الإسلام وتشريعاته ، ويُشوّه قيمه الرفيعة التى تحمل الرفق والرحمة والمودة والمسالمة !
فريق " الفجور الصحفي "لا يتكلم أبداً عن الذين يؤصّلون للطائفية وللجيتو وينشرون فرية أنهم " أصحاب البلد "، وغيرهم غريبٌ غازِ مستعمرٌ ، يجب معاملته معاملة المحتل الذى تجب مقاومته حتى يرحل ، وتتحرر " الإسكندرية " كما تحررت " جوبا " وفقاً لتعبير أحدهم !
نحن نريد من فريق " الفجور الصحفى " أن يُطالب هؤلاء بالاعتذار عن " اللعب بالنار " ، والاستقواء بعدوّ المصريين جميعاً .. وأعتقد أن فريق " الفجور الصحفى " لن يفعل ، لأن بحثه عن الارتزاق وإرضاء السلطة البوليسية الفاشية ، يمنعانه من العمل الصحفى النزيه ، ففى الوقت الذى تُتاح فيه الفرصة "لأصحاب البلد " للإدلاء بأقوالهم وتصريحاتهم وآرائهم المعادية للمجتمع وللإسلام وللمسلمين ، وللسلطة نفسها ، فإنها لا تُتاح للرد عليهم ومواجهتهم بالتى هى أحسن !
فهل هذا موقف صحيح ، مهنيا على الأقل ؟
بالتأكيد هو موقف مريب ، وغريب ، خاصة إذا ربطناه بتلك الحملة المسعورة على بعض الجماعات الإسلامية التى يُحاربها النظام ويسعى إلى استئصالها ، وهى حملة دفعت ببعضهم إلى وصف الإخوان المسلمين مثلا بأنهم أخطر من تجار المخدرات ! هل هذا معقول ؟
إن الفجور الصحفى الذى يوقف كل أدبياته على تشويه الإسلام ومحاربته تحت مسميات حركية ( التقدم ، التنوير ، حرية التعبير ، المواطنة ...) ، وفى الوقت نفسه يدخل فيما يُسمى " حوارا" مع النظام ، نظير مكاسب سياسية هزيلة ورخيصة ، إنما يطرح ظاهرة غريبة على الصحافة والصحفيين ، الذين اشتهر العديد منهم بالوقوف فى صف الشعب ووحدته ، وتقدمه الحقيقى لا الإنشائى .
هناك شخص اسمه "زكريا بطرس" يطل من إحدى الفضائيات ، يسبّ الإسلام والمسلمين منذ سنوات، ومع ذلك تفرد له بعض الصحف الورقية والمواقع الإليكترونية مساحات عريضة ليتقوّل ويتخرّص ويدّعى ..ولا يتيح لأحد أن يردّ عليه ويكشف ادعاءاته وتخرّصاته وتقوّلاته السفيهة !وهناك من أمثاله كثير!!
وهناك مئات المواقع الإليكترونية التى تُهاجم الإسلام بصراحة ووقاحة وفجاجة ، ويتجاهلها فريق " الفجور الصحفى " الذى يصرّ على ذبح " محمد عمارة " وتقديمه قرباناً " لأصحاب البلد " !
إن الذين يلعبون بالورقة الطائفية فى مصر أو غيرها من بلاد العرب والإسلام ، قد يكسبون بعض المكاسب مؤقتاً ، ولكنهم على المدى المنظور سيخسرون ، بعد أن يخسر الوطن كثيراً من أمنه ووجوده ومستقبله ..
أناشد محرري "الفجور الصحفي" أن يحترموا المهنة والأخلاق ، وأن يوقظوا ضمائرهم ، ويتجهوا إلى العدوّ الحقيقى للأمة ، وهو عدوّ متوحش له أذرع عديدة ، لها أسماء عديدة منها : الاستبداد ، القهر ، التخلف ، الأمية ، الفقر ، الضعف ، الفساد ، التزوير ، الكذب ، النفاق ، الكسل ، الجبن ، السطحية ، الضحالة ، مثقفو الحظيرة ، اليسار المتأمرك ....
.............................................
*المصريون ـ في 30 - 1 - 2007م.