منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 45678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 121
  1. #51
    سلام الله عليك أستاذ أسامه:
    سؤال سريع وأنامن المتابعين إنشاء الله:
    ما رأيك بتحليلات فضائية روسيا اليوم السياسية؟
    اوردت قسما منها عير هذا الموضوع الذي يهمني رأيك فيه أيضا:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32741-القائد-المخطط-للثورات-العربية-بالصور&p=136771#post136771

    مع تحيات:
    ناجي أبو عيسى
    غزة

  2. #52
    السلام عليكم
    ومن جديد أستاذ أسامة ومازلت تثلج صدورنا بفكرك النير ادام الله الإيمان والصحة والعطاء وبإذن الله الله معنا وبعد:
    اعتذر لمعلومتي الناقصة ولاأدري إن الاسم الذي أبحث عنه يتطابق مع ماورد هنا:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32760-اندرس-بهرينغ-بريفيك-والرصاص-المتشظي
    لكن المعلومة التي اعرفها واتمنى التصويب إن امكن:
    ان هذا العالم الامريكي الذي أسلم قال بعد إسلامه وبعد انحسن:
    أعطوني 40 شابا مسلما يعرفون احكام الإسلام ويطبقون...وأنا أفتح لكم الامريكيتين وأجعلهما يجثوان على ركبيتهما بأسلامهم...
    إلى أي حد نعتبر أن الإسلام هو الحل؟ وأي إسلام؟
    مع التحية والشكر والتقدير



    ..............................


    تحية طيبة أستاذتنا العزيزة ريمة


    أما بعد


    بداية يبدو أن هناك تداخلا ماَّ بين الموضوعات، فقد دخلتُ الرابط المرفق، لأجد خبرا صحفيا عن مُنفذ عملية النروج الإرهابية، وهو صاحب الاسم المذكور "أندرسن بهرينغ بريفيك"، وليس هذا الاسم لعالم أميركي، بل لقاتل نرويجي. ويبدو أن الأسماء تداخلت والروابط تشابكت أيضا، لذلك اقتضى التنويه حتى لا يتم إرسال هذا الرابط لغيري على اعتبار أنه يتحدث عن الشخصية التي استشهدت بقولها بخصوص الإسلام والمسسلمين، بينما هي شخصية قاتل نازي عنصري أبعد ما تكون عن ذلك.


    وعودة الآن إلى أسئلتك المثيرة كعادتها دائما..


    سؤال الشاعرة والأديبة ريمة الخاني


    إلى أي حد نعتبر أن الإسلام هو الحل؟ وأي إسلام؟


    الإجابة..
    إن هذا السؤال يثير قضايا متشعبة وشديدة الترابط والتعلق بعضها بالبعض الآخر.



    لكي يكون الإسلام ضرورة يجب أن يكون إرسال الأنبياء الذين جاءوا بهذا الإسلام، والذين كانوا يدينون به هو في ذاته ضرورة. إن ضرورة الإسلام للبشرية تتعلق بإيماننا بضرورة الأنبياء والرسل لها، فإذا لم يكونوا يمثلون ضرورة، فمن باب أولى أن لا يكون الإسلام الذي هو جوهر رسالتهم ضرورة.. هذا أولا..


    وحتى إذا كان الأنبياء والرسل ضرورة، فعلينا أن نتأكد إن كانوا ضرورة دائما وفي كل شيء، أم أنهم ضرورة مؤقتة وفي بعض الشيء. لأن بالإمكان أن نكتشف أن ضرورتهم كانت من هذا القبيل الأخير، أي مؤقتة زمانا ومحصورة موضوعا. وبالتالي فإذا كانت ضرورتهم مؤقتة وليست شاملة، فمن باب أولى أن يكون الإسلام الذي جاءوا به، يتسم هو أيضا بضرورة مؤقتة ولموضوعات محصورة ومحدودة وغير شاملة.. وهذا ثانيا..


    ما يدفعنا إلى التساؤل على النحو السابق المثير للجدل وغير المسبوق في الموروث الإسلامي التقليدي، هو واقعة أن الأنبياء أرسلوا وعلى نحو واسع الانتشار وشديد التتابع، إلى درجة يمكن معها القول بأنهم غطوا كل مكان وكل زمان قبل بعثة آخر الأنبياء، ثم فجأة توقف إرسالهم.


    فإن كان إرسالهم ضرورة ليبلغونا بضرورة، فلماذا توقف إرسالهم فجأة زمانا ومكانا؟


    أي إذا كان الإسلام الذي كانوا يُرْسَلون إلينا به، يمثل ضرورة بموجب كون نبواتهم ضرورة، فلماذا نستغني فجأة عن الأنبياء ولا نستغني عن الإسلام ذاته، وهو المادة التي جاء بها الأنبياء أنفسهم؟! كيف نستغني عن ناقل الوحي ولا نستغني عن الوحي ذاته؟!!


    وبتبسيط للمسألة.. إذا كنا قد استغنينا عن الطائرات والقطارات والسفن والشاحنات والمركبات والسيارات وكل وسائل النقل التي قد تخطر على البال، وانتفت حاجتنا إليها، فيما يتعلق بنقل بضاعة مُحددة كانت تأتينا بها تلك الوسائل من مكان مُحدد أيضا، فهل يمكن لهذا الاستغناء عن "الوسيلة" أن يعني شيئا آخر غير الاستغناء الفعلي عن "البضاعة" التي كنا ننقلها عبرها ذاتها؟!


    هذا السؤال الخطير هو الذي تثيره المعضلة الكامنة في واقعة أن النبوات والرسالات مثلت في التاريخ الإنساني لحظة آلت إلى زوال. ولهذا السبب نجد لزاما علينا أن نعالج هذه المسألة بدقة وعمق وحذر حتى نتبين جوهر "الضرورة" الكامنة في "الإسلام"، وإلى أيِّ وجهة تتجه!!


    في واقع الأمر فإن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يكن آخر الأنبياء والرسل، بل كان النبي والرسول قبل الأخير!!


    أرجو عدم التسرع والانفعال والتحلي بالحلم والصبر والتريث، فعندما تتعرفون معي على النبي الذي استلم الراية بعد محمد عليه الصلاة والسلام، والذي مهَّد له "محمد" بوصفه آخر حلقة في سلسلة الأنبياء والرسل المبعوثين رحمة للعالمين، سوف تبتسمون وتضحكون وتدركون أن ما أقوله هو عين الحقيقة!!


    بين مصطلحي النبوة والرسالة..


    إن تحديد معاني الألفاظ ودلالات المصطلحات، يُعَدُّ بِمثابة الاستهلال الضروري عند الحديث في أي موضوع لِلَّفْظِ وللمصطلح فيه أهمية حقيقية في سياق تحليله وسبر أغواره. كذلك هو مفهوم النبوة. إن لفظ النبي في اللغة العربية لفظ مُكتَنَفٌ بالتحليق في فضاءات الحركة، خاصة عند تَحَسُّس علاقة التكامل والتداخل التي تربطه بلفظ الرسول. إنه – أي النبي – لفظ اِشْتُقَّ بطريقتين متباينتين، أو بتعبير أدق أُرْجِعَ إلى اشتقاقين متباينين، بناء على تصورين مختلفين لبنائه المعتقدي. فهو في أحد هذين التصورين مشتق من "النَّبَأ" ومعناه الخبر. والنبي بهذا المعنى هو المُنْبِئُ عن الله أو المخبر عنه. وهو في التصور الثاني مشتق من "النَّبْوَة أو النَّباَوَة" وهي المكان المرتفع. والنبي على هذا الأساس هو إنسان رفيع المستوى عالي المنزلة والمكانة عند الله بناء على مقومات ذاتية فيه بطبيعة الحال، وهو الأمر الذي كان وراء اختياره نبيا مُخبراً عن الله.


    إن الفرق بين هذين الاشتقاقين ليس عابرَ الدلالة، بل هو ذو وقعٍ تصوري معتقدي خطير أثَّر على "البناء النَّبَوِي" في نَسَقِه المعرفي الوظيفي تأثيرا كبيرا، ليس أدل عليه من حقيقة أن من تَبَنَّوا المعنى الأول – الذي يعني المخبر – هم في تاريخ الحضارة الإسلامية – كنموذج عن الحضارات الدينية – من عزلوا النُّبُوَّةَ عن الواقع وربطوها بِمطلقاتٍ تعمل في فراغ وكأنَها ظاهرة لا تخص عالم البشر. فأساءوا إليها كظاهرةٍ مسيئين بالتالي إلى أطرافها الثلاثة، الله والنبي والإنسان، إنهم الأشاعرة ومن دار في فلكهم. وأن من تَبَنَّوا المعنى الثاني – أي النبي بمعنى الإنسان رفيع المنزلة – هم في ذات التاريخ من أصروا على أن للنُّبُوَّة بعداً إنسانيا متحررا من طلسميات الإطلاق، وعلى علاقة ما بواقع البشر وهو ينمو ويتحول ويتطور، ليعطوا لظاهرة النبوة بالتالي معنىً موضوعيا ذا دلالة، واضعين – إلى حدٍّ ما – كلاًّ من الإنسان والنبي والله في مكانه الصحيح. إنهم المعتزلة ومن دار في فلكهم.


    وإنه بصرف النظر عن الجذر الاشتقاقي الذي يرجع إليه لفظ "النبي"، هل هو "النبأ" أم "النَّبْوَة والنَّباوَة". فمن الواضح أنه لفظ ينطوي بموجب ذلك الجذر أياًّ كان، على عناصر حركية شديدة الدلالة ولا يمكن التنكر لها. فالإِنْباَءُ حركة مفعمة بالحيوية، والارتفاع صفة تعطي إحساسا مُسْتَغْرَقاً بالانطلاق والاندفاع، وبالتالي بالحركة الدائبة والمستمرة.


    يبدو ذلك أكثر جلاءً عندما نضع هذه المعاني والأحاسيس الحيوية والحركية المحلقة، في مواجهةٍ دلاليةٍ مع المعاني والأحاسيس التي تنطوي عليها لفظة "رسول"، التي تعود إلى جذر اشتقاقي يُغَلِّفُنا فور سماعه بالمعاني المقابلة تماما لحيوية لفظ النبي. فلفظ رسول يرجع إلى الجذر "رسل" الذي لا يُمكنه أن يزودنا إلاَّ بمعاني البطء والتؤدة وعدم الاستعجال. أليست عبارة "على رِسْلِكَ"، هي التي نوجهها إلى كل من نريد منه ألاَّ يستعجلَ في أمر ماَّ؟!


    وإذن ففي الوقت الذي تُمَرِّغُنا لفظة النبي وبالتالي لفظة النُّبُوَّة في عالمٍ من الإحساس بالحركة النَّشِطَة التي لا تنقطع، فإننا نجد أنفسنا وقد غرقنا في عالمٍ من الهدوء والبطء وربما السكون عندما نتعامل مع لفظة "رسول" أو لفظة "رسالة". ولكن ما معنى ذلك؟ وما هي دلالته؟


    لا يمكننا فهم هذا الفرق الهائل بين وقع اللفظتين علينا، أي بين ديناميكية النبوة من جهة وما يمكنه أن يقارب استاتيكية الرسالة من جهة أخرى، إلاَّ باعتباره مظهرا ضروريا من مظاهر الفرق بين دور كل من النبي والرسول في الواقع الإنساني. وهذا على وجه التحديد ما أنبأنا به التاريخ – تاريخ النبوات والرسالات – حين كشف لنا بكل وضوح عن أن مهمة الأنبياء لم تكن تتجاوز إصلاح الشرائع السابقة وتطهيرها مِماَّ علق بها من مداخلات بشرية حَرَفَتْها عن وجهتها الوظيفية المنوطة بها، وذلك دون المساس بجوهر هذه الشرائع أو بُناها التحتية التي تقوم عليها. النبي إذن هو بتعبير آخر مُجرد مصلح اجتماعي وليس أكثر. وهو لا يَملك إلاَّ أن يؤطرَ دعوتَه الإصلاحية هذه في ضوء المنظومة الدينية التي جاء بها رسول سابق.


    التاريخ نفسه كشف لنا عن أن مهمة الرسل تختلف جذريا عن مهمة الأنبياء. لقد كانوا – أي الرسل – يأتون بشرائع جديدة، وبتعبير آخر كانوا يقيمون أديانا جديدة بكل معنى الكلمة. وبالتالي فالرسل هم أنبياء وُسِّعَتْ دائرة وظيفتهم لتتجاوز الدعوات الإصلاحية إلى الدعوات الثورية. لقد كان الرسل ثوارا حقيقيين يقلبون كل الموازين بعد أن غدا الواقع مُهَيَّئاً لِتَقَبُّلِ ثوريتهم وما يترتب عليها من نتائج انقلابية في الحياة. لهذا السبب كَثُرَ عدد الأنبياء بشكل ملفت في حين أن عدد الرسل كان قليلا. لأن الإصلاح الذي أنيط بالنبي هو عملية يتطلبها الواقع الإنساني باستمرار، وربَّما في كل جيل، كشكل من أشكال التجاوب السريع مع مستوى متدنٍ من التطور حصل ضمن أسس المرحلة السائدة نفسها.


    أما عملية الانقلاب الديني الثوري، فهي – بحكم طبيعتها – لا يمكنها أن تكون من متطلبات الواقع الإنساني إلاَّ عند المنعطفات التاريخية الكبرى التي من شأنها أن تنقله لا من طور إلى طور آخر ضمن دائرة الأسس العامة نفسها، بل من طور إلى طور مختلف جذريا يتطلب أسسا ومفاهيم جديدة جِدَّة تامة. وهكذا يبدو واضحا السِّرُّ الكامن في كون النبوة لفظة مفعمة بالحركة والحيوية، في حين أن لفظة الرسالة تغمرنا بالسكون والتؤدة والبطء. من هنا يمكننا أن نفهم المعنى الحقيقي للقول المنسوب إلى رسول الإسلام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام عندما سُئِلَ عن عدد الأنبياء فقال.. "مائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفا". وعندما سئل عن عدد الرسل فقال.. "ثلاث مائة وثلاثة عشر". إن صَحَّت الرواية طبعا.


    إن هناك إذن علاقة جدلية من نوع خاص بين النبوة والرسالة، تجعل من كل منهما وعاء ينطوي على الآخر أو لحظة في وجود الأخرى. ففي كل نبوة رسالة مرتقبة، وفي كل رسالة نبوات مرتقبة. إن النبوات كامنة في الرسالة بالقوة، تبدأ بالانبثاق منها إلى حيز الوجود نبوة بعد نبوة. لكن كل نبوة من هذه النبوات وهي تتوارث عملية الإصلاح وترتيب مسار التطور الإنساني، تنطوي بالقوة أيضا على الرسالة التي ستظهر في لحظة ما – كنتيجة للتراكم التطوري – إلى حيز الفعل، باعتبار ذلك التطور هو ما أحدثته النبوات لتهيئة الواقع لاحتضان ثورة رسالية جديدة، بكل ما لكلمة ثورة من معنى.


    وهنا يجدر بنا أن نوضح أن لفظة النبوة – بناءً على ما سبق – أشمل بكثير من لفظة الرسالة. فكل الرسل أنبياء، لكن ليس كل الأنبياء رسلاً. فالأنبياء إذن أعم. ونحن عندما نتحدث عن الرسالات إنما نتحدث عن بعض النبوات أو عن حالات محددة ومعينة من النبوات. بينما عندما نتحدث عن النبوات فإننا نكون بصدد الحديث عن الظاهرة ككل، وهي الظاهرة التي تعتبر الرسالات محطات خاصة وقليلة جدا فيها.


    ففي الوقت الذي يمكننا وصف الرسالة بأنها ظاهرة خاصة ومحدودة، فإنه يمكننا التأكيد على أن النبوة تمتاز بأنها ظاهرة عامة وشاملة لا تخص شعبا دون شعب ولا تقتصر على عصر أو جيل دون العصور أو الأجيال الأخرى لدى نفس الشعب. إنها ظاهرة كانت شائعة على مستوى العالم منذ أقدم الأزمان. "ولذلك لا يوجد شعب لم يعرف بشكل أو بآخر وحي الآلهة. فقد ظهر أناس مُلْهَمون في كل زمان ومكان تقريبا يؤمنون بأنهم وُهِبوُا قوى روحية لم تتوفر لغيرهم. حيث وُجِدَ في المجتمعات الأكثر بدائية أناس يختصون بالاتصال مع القوى التي تسود الإنسان أو تسيطر عليه، يمثلون الجماعة في علاقتها مع المقدس. وقد حفل تاريخ الديانات بطائفة من هؤلاء الذين نسميهم وسطاء. واللافت أن الأمر لا يقف عند مجرد شيوع الظاهرة وعموميتها على هذا النحو، بل يتعداه إلى ضربٍ من التشابه القوي بين رؤى الشعوب المختلفة للنبوة. فقد اتسم تفكير المصريين والعبرانيين والإغريق حول الإلهام والنبوة بقدرٍ كبير من التشابه. وكذلك تحدث الوثنيون واليهود والمسيحيون في عصر الإمبراطورية الرومانية عن الوحي بتعبيرات واحدة". (كتاب النبوة، دكتور على مبروك، ص 56،57).


    ومادامت النبوة ظاهرة عامة رافقت الإنسان منذ وعى ذاتَه والعالمَ من حوله، فلا شك في أن ظهورَها في حياته من حيث المبدأ، ومرافقتَها له بعد ذلك على مدى حقبٍ وأجيالٍ وعصور، مرتبط بظاهرة أو بظواهر أخرى كانت تُحَتِّمُ ظهورها إلى حيز الوجود. إن الحديث عن الظواهر التي كانت ترافق ظهور النبوات ببعدِها العياني يكشف لنا عن تَكْوِينٍ أساسي في بُنْيَةِ ظاهرة النبوة لا يمكنها أن تنفصل عنه، إنه ظاهرة الأزمة التي يكشف تاريخ النبوات ارتباط ظهورها – أي النبوات – بعمقها – أي الأزمات – في الواقع.


    وبهذا المعنى لا تغدو الأزمة ظاهرة غريبة بل هي من صميم البناء التكويني الأساسي للعالم. فإذا كانت النبوة هي بمثابة التَّجَلِّي الإلهي في التاريخ الإنساني، فإن الأزمة ستمثل حتما واحدا من أهم مبررات هذا التَّجلي، مادام قد ارتبط بها وجود النبوة، أي وجود التجلي الإلهي التاريخي ذاته. وهكذا يمكن القول أن ظهور الأزمة هو إرهاص ينبئ بقرب حلول مرحلة سَيُعاَدُ فيها بناء الواقع عبر النُّبُوَّة. وخلاصة القول أن النبوة قد ارتبطت بالأزمة ارتباطا عضويا وجوديا إلى درجة دفعت البعض إلى المبالغة بالقول: "إن الرب كان يسبب الأزمات التاريخية حتى يبرر ظهور الأنبياء".


    الدور الوظيفي للنبوة..


    بعيدا عن أي تفسير للنبوة والرسالة ينبعث من ذوات المفسرين وما يختلج في دواخلها من آلام وآمال أو أمراض أو معاناة. فالنبوة كما هي في الواقع وكما فرضت نفسها علينا، لا تُقْرَأ ولا يمكنها أن تُقْرَأ على أنها شيء آخر غير ذلك الحبل السري الرفيع الذي يربط العالم من حولنا بوصفه رحما، بعقولنا (وعينا) بوصفها جنينا وجد نفسه فجأة في رحمٍ يحاصره ويخيفه ويُشْعِرُه بالوحشة والاغتراب، وهو مع ذلك لا يفهمه. إنها القناة التي يغتذي منها الجنين، وهو بِجَنيِنِيَّتِه عاجزٌ عن استخدام غيرها للاغتذاء استخداما فعالا.


    وكلما كبر الجنين صغر الحبل السري. فإذا تَحَرَّرَ هذا الجنين من سطوة ما كان يحول بينه وبين الاعتماد على ذاته للاغتذاء، فإن هذا الحبل السري ينقطع لانتفاء الحاجة إليه، لأنه في الواقع أدى دورَه وانتهى الأمر. للنبوة إذن وظيفة، وهي مرتبطة بهذه الوظيفة وجودا وعدما. ووظيفتها هي تَغْذِيَةُ هذا الجنين بِما يجعله يعيش حياة صحية وسليمة في الرحم الذي ينمو فيه. وهذا يعني قطعا أن أهمية النبوة في حياتنا هي من أهمية وظيفتها ومن مدى حاجتنا إليها كي تؤديَها.


    إذا كانت حاجتنا للفحم الحجري كمصدر للطاقة تجعله يكتسي أهميته باعتباره ذا وظيفة لا ينافسه فيها وجودٌ غيره، فمنذ اللحظة التي حل فيها النفط بِمزاياه العديدة التي تتفوق على مزايا الفحم، بديلا له، تضاءلت أهميته وتراجعت، لأن وظيفته في حياتنا أصبحت منوطةً بغيره مِماَّ هو أعلى منه كفاءة. هكذا هي النبوة في حياتنا، إن لها وظيفة محددة علينا أن نعيَها بدقة قبل أن نحكم على حاجتنا إليها إن كانت لا تزال قائمة أم أنها انتهت.


    إن التحليل الدقيق إذن هو الذي سيكشف لنا عن الحقيقة في موضوع النبوة. فإذا كانت هذه الوظيفة هي مِماَّ تستمر الحاجة إليه بلا انقطاع، فلا شك في أنها مهمة في حياتنا بلا انقطاع. وإذا تبين لنا أن تلك الوظيفة قد آلت إلى ضمور وانقراض، فلا شك في أن الموظف الذي يؤديها سيؤول إلى التقاعد ويُحالُ على المعاش.


    أرسل الله الأنبياء على مدىً زمني طويل، ثم توقف بعد ذلك فجأة. أُمَمٌ وشعوبٌ لم يبعث لهم إلاَّ قِلَّةً من أنبيائه، وأمم وشعوب أخرى كثر أنبياؤهم إلى درجة تزامنهم وتعاصرهم في أحيان كثيرة، إلى الحد الذي أدى بالبعض إلى القول بأن النُّبُوَّة في بعض الأمم كانت ذات دلالات وظيفية عامة، بحيث أن كل من كانت له وظيفة عامة هامة كان يُعَدُّ نبيا، كما هو حال بني إسرائيل. أقوام خاطبهم الله بطريقة فيما خاطب غيرهم بطرق مختلفة. وأيضا فقد شرع الله لأناس ما لم يشرعه لغيرهم، وطلب من أناس ما لم يطلبه من غيرهم، وأخبر أناسا بِما لم يخبر به غيرهم. لا بل إننا نراه أحيانا وقد أخبر أناسا عن أشياء محددة بصورة تبدو مغايرة – في بعض جوانبها على الأقل – عن الصورة التي أخبر بِها آخرين عن الأشياء نفسها. ثم فجأة وبعد كل ذلك تنقطع الصلة بين السماء والأرض، وينقطع الأنبياء. ويعود الإنسان وحيدا كما كان قبل دخول الأنبياء إلى حياته، مع فارق وحيد هو أنه في تلك العصور الغابرة كان يشعر بالوحشة إذا تأخر الله عن إيناسه بتأخره في إرسال نبي، بينما الإنسان الآن لا يبالي بوحدته ولا يستوحش منها على الإطلاق.


    وإذن فما الذي كان يَحدث قبل ذلك ولماذا؟ ثم ما الذي حدث فجأة ولماذا؟


    هناك أسلوبان للإجابة على هذا السؤال. الأول سائد غير صحيح، نظرا لعجزه عن الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه. والثاني موضوعي صحيح ومحيط، لكنه غائب عن ساحة الفكر عموما.


    فماذا بشأن الإجابة السائدة أو التفسير السائد لهذه الظاهرة مَحل التساؤل؟


    الإنسان قاصر بطبعه عن معرفة مصلحته وعن التمييز بين ما يضره وما ينفعه، إن لم يكن في جميع جوانب حياته، ففي جوانب كثيرة ومهمة منها على الأقل. والإنسان بهذا القصور المطبوع فيه لا يلبث أن ينحرف عن الجادة في التصورات وفي السلوكات. لذا وجب إرشاده، فكانت النُّبُوَّة وكان الدين من ثم كتَجَلٍّ لها، ليُبْعِداه عن الانحراف عند الوقوع فيه.


    هذه هي خلاصة التفسير التقليدي السائد لوظيفة النبوة.


    لكن هذا التفسير ينطوي على خلل عميق. فإذا كان الإنسان قاصرا بطبعه عن معرفة ما يضره وما ينفعه في جوانب مهمة في حياته. وإذا كان حاله يتطلب الإرشاد المستمر من الله عبر الأنبياء كي لا ينحرف عن الجادة أو كي يعود إليها بعد انحراف. فلماذا يتم إيقاف اتصال الأرض بالسماء في لحظة محددة من الزمن؟ هل يعني ذلك مثلا، أن الإنسان وبعد اللحظة التي قرر فيها الله أن يقطع صلتَه بالأرض من خلال قطع النبوة، لم يعد ينحرف لا في السلوك ولا في التصور، وبالتالي فهو لم يعد في حاجة إلى نبي جديد أو إلى وحي جديد يستنير ويسترشد به وبِهديه؟ أو لا يعني ذلك من ثم أن الإنسان قد أصبح في كل تصرفاته ومعتقداته وتصوراته خارج دائرة الانحراف الموجبة لتدخل السماء، وأنه مهما ذهب بعيدا في سلوكه وفي تصوره، فسيبقى مستغنيا عن حضور نبي جديد ينبهه ويلجم جموحَه؟


    من جهة أخرى، ألا يعني هذا الانقطاع المُسَبَّبِ بالكف عن الحاجة إلى وحي جديد، الاستغناءَ حتى عن الوحي الأخير الذي مثَّلَ آخر صلة رسمية بين السماء والأرض، وذلك على قاعدة عدم وجود حالة تُعَدُّ خروجا عنه أو انحرافا عن تعاليمه ومبادئه، مادام الأمر في كل الحالات لن يتطلب لا نبيا جديدا ولا وحيا جديدا، كما كان عليه الحال في الحِقَبِ السابقة عند الخروج عن تعاليم الأنبياء والابتعاد والانحراف عنها؟


    ولن نقبل في هذا المقام أيَّ رَدٍّ على تلك التساؤلات ينطوي على مقولة أن الوحي الأخير كان كافيا لمنع الانحراف إذا تم الالتزام به، لأن هذا الرد نفسه لا يحسم المعضلة بل يبقيها معلقة. فمقولة "عدم الانحراف إذا تم الالتزام"، هي مقولة كانت لصيقة بدعوى كل نبي، وبكل التعاليم النبوية، وهي أيضا دعوى حملها كل رسول. فما من نبي إلاَّ وكان يؤكد لمن يُبْعَثُ إليهم أن الالتزام بتعاليمه موجب لمنع الانحراف والزلل، وما كان التدخل من جديد بنبي جديد أو بوحي جديد، إلاَّ بعد الانحراف الحاصل بسبب عدم الالتزام بالتعاليم ابتداءً.


    نعم، إن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة لا توجد على الإطلاق في صيغة التفسير السابق، سيبقى قائما وملحا ويبحث عن الرد المقنع. لماذا يتم اعتماد أسلوب التدخل السماوي المباشر بنبي جديد لإنقاذ الإنسان من زلل عدم الالتزام بالتعاليم أو الانحراف عنها فيما قبل آخر وحي، بينما لا يُصار إلى انتهاج ذلك النهج واعتماد ذلك الأسلوب بعده؟


    ما الذي حصل في واقع البشر أو ربَّما في السماء، كي يتغير المنهج بهذه الصورة الدرامية المربكة؟!


    إن اختتام السماء لعلاقتها بالبشر عن طريق النبوة برحلتي مكة ويثرب العربيتين، لا يمكنه أن يعني في ضوء التفسير التقليدي سالف الذكر إلاَّ واحدا من أمرين. فإما أن النبوة الأخيرة جَسَّدَت صيغة لا يُمكن للإنسان أن يخرج عن تعاليمها مهما حصل ومهما حاول، وهو ما يصلح أرضية قد تكون مقنعة لتبرير انتفاء الحاجة إلى تجديدها أو حقنها بنبوة جديدة. وإما أن الإنسان غيرُ مطالب بعدم الخروج عن تعاليمها، وذلك كي يكون لعدم التجديد في حال الخروج معنىً معقولا ومقبولا.


    والأمران غير صحيحين على أرضية التفسير التقليدي نفسه، فلا الإنسان باق في دائرة تلك التعاليم، ولا هو في حِلٍّ من الالتزام بها، فأنصار هذا التفسير نفسه ما فتئوا يطالبون الإنسان باتباعها، فيما يطالبون أتباعها المنحرفين عنها بالعودة إليها للفوز بالنجاة في الدنيا والآخرة. وهكذا فقد كان لزاما على هذا التفسير بعد أن استشعر المأزق أن يُحاول إخراج نفسه منه. فماذا فعل؟


    لقد لجأ إلى الالتفافة التالية.


    إن الصيغة الدينية التي رسمها الله للإنسان منذ البداية، هي الصيغة التي جَسَّدَها لنا آخر اتصال سماوي بالأرض. ولكن هذه الصيغة لم يكن مُمْكِنا تثبيتها وتكريسها في واقع هذا الإنسان منذ لحظات حياته ونشأته الإنسانية الواعية الأولى. بل كان لابد من حِقَبٍ زمنية طويلة مفعمة بالتطور وبالنمو الإنساني على جميع الصعد، كي يتمكن من التعامل مع تلك الصيغة النهائية.


    وهكذا فقد ظلت هذه الصيغة مرافقة له، وتنمو مع نُمُوِّه شيئا فشيئا متغيرة ببطء شديد لمواكبة قدراته وحاجاته المتنامية، إلى أن وصل الإنسان إلى المستوى المطلوب القادر على استيعابها بهيئتها تلك، أي التي تم الإيحاء بها إلى آخر الأنبياء، فتم إقرارها من ثم كصيغة غير قابلة للتغير. وهكذا فقد تم إذن الاستغناء عن تجديد النبوة والاكتفاء بآخر حلقاتها، مادامت الصيغة النهائية الهدف قد أصبحت رهن إشارة الإنسان، وهو قادر على التعامل معها، في حين أنه كان قبلها غير قادر على استيعابها لو أوحي إليه بها. فكان الأنبياء يُبْعَثوُن هنا وهناك ليقربوه منها على ما يتمكن من استيعابِه مستواه.


    لكن هذه المحاولة الالتفافية للخروج من المأزق، لم تقم فقط بنسف الأساس الذي يُفترَضُ أن الصيغة التفسيرية التقليدية انطلقت منه، بل هي أدت أيضا إلى نتيجة ذات دلالة مفارقة لمضمونها ذاته. فعلى الرغم من أنها مُحاولة تنطوي على نوع خجول وحذر من الاعتراف بتطور الإنسان ومواكبة النبوة لهذا التطور بالتغيير المتواصل في الصيغ الدينية التي جسدتها النبوات، فإنها تقف عاجزة عن تبرير التوقف عن بعث الأنبياء بعد آخر اتصال سماوي بالأرض. فهي قد طرحت تفسيرا للاتصال، لكنه تفسير يعجز عن تبرير الانقطاع، وبالتالي فهو لم يعد منطقيا حتى في تفسيره لذلك الاتصال أساسا، لأن الاتصال هو عدم الانقطاع، وكيف يمكن لعدم الانقطاع أن يكون عاجزا عن تفسير عكسه وهو الانقطاع؟!


    أما وجه العجز في هذه الصيغة عن تفسير سبب الانقطاع، فيكمن في أنها تفترض أن الإنسان عاش بعد آخر نبي في واقعٍ لم يعد يتطور على الإطلاق بالقدر الذي يتطلب أنبياءً جدداً يواكبون بما يُوحَى به إليهم تطورَه الحاصل. وأن حالةً من الجمود والثبات والسكون الموحش المخيف اجتاحت عالم البشر فجأة، بحيث أن التغير في التفكير والسلوك والمفاهيم والمعارف والأخلاق والعلوم، منذ رحل ابن مكة البار إلى جوار ربه وإلى الآن، بل وإلى يوم القيامة، لا يعد شيئا يذكر بالقياس للتَّغَيُّر الذي اجتاح بني إسرائيل – وهم أكثر الأمم القبلية التي شهدها التاريخ تخلفا وهمجية – في حقبة من تاريخهم، والذي تطلب أن يكون ابن مريم العذراء وابن خالته يوحنا المعمدان ووالد هذا الأخير نبي الله زكريا، مبعوثين إليهم في نفس الوقت. أو أنه لا يعد شيئا يذكر بالقياس للتطور الحاصل في السنين التي احتاجها الإنسان كي ينتقل فقط من استخدام الحجر إلى استخدام الآلات المعدنية في الصيد، وهي المدة الزمنية التي تزعم لنا تلك الصيغة ذاتها أن الله قد بعث فيها لكل أمة وشعب وقبيلة وعشيرة، بل ربما لكل عائلة كبيرة ظهرت إلى الوجود نبيا أو حشدا من الأنبياء.


    يتضح إذن ومن مُختلف الأوجه عجزُ التفسير التقليدي السائد عن الكشف عن أسرار وأسباب انقطاع علاقة الأرض بالسماء. ما يوجب علينا البحثَ عن تفسير آخرَ يكون أقدر على استجلاء الموضوع من كافة جوانبه. ولعل التفسير الموضوعي الغائب عن ساحات التفكير الديني في العادة، هو الحل. فما هو جوهر هذا التفسير؟ وكيف ينظر إلى المسألة؟


    منذ وعى الإنسان ذاتَه ومحيطَه بالصورة البدائية للوعي، شعر بالاغتراب والوحشة والقلق والخوف، بسبب أن باكورة مظاهر وعيه قد تَجَلَّت في إدراكه لوجود قوة عليا خفية يأنس إليها، كان من المفروض أن تكون معه وإلى جواره كي تخفف عنه وطأة هذا الإحساس المرير بالاغتراب. وراح يحيك الأساطير والقصص حولها مفسرا بعفوية بدائية سر عدم وجودها إلى جواره. فانبثقت فكرة الخطيئة إلى الوجود، كأول مظهر من مظاهر تعبير وعي الإنسان آنذاك عن طبيعة العلاقة بينه وبين تلك القوة.


    وقد كان تصور الإنسان للخطيئة ولتلك القوة التي أحبها وأنس بمجرد ذكرها وحياكة القصص المفعمة بالأمل حولها وحول علاقته بها، تصورا بدائيا جدا وبالغ الفجاجة، كانعكاس طبيعي لمستوى الوعي المتدني آنذاك، وهو الوعي الذي كان أبعد ما يكون عن التجريد سواء في تصوره لتلك القوة (الله)، أو حتى في تصوره لذاته (الإنسان)، في علاقتهما مع واقعه (الطبيعة والعالم من حوله).


    إن الإنسان الذي كانت هذه التصورات الفَجَّة عن الإله وعن نفسه وعن الخطيئة وعن العالم هي بواكير وعيه، وجد نفسَه فجأة مضطرا إلى التعامل مع واقعٍ لا يفهمه ومع طبيعةٍ تخيفه، لأنه بدأ يعي ما يدور حوله من ظواهرها – بحكمِ إنسانيته التي قفزت بمستوى وعيه – وكان مبعثُ الخوف عنده هو عجزُه عن فهم ما يراه. هذا الخوف فاقمَ إحساس الاغتراب لديه، وفاقم بالتالي إقحام الميثولوجيا في تفسيره لما يراه. فتكونت لديه جراء ذلك ونتيجة لهذا التداخل بين تصوراته عن الإله والمرتكزة إلى انجذاب فطري إليه، وبين تصوراته عن الخطيئة كمحاولة لتفسير ترك هذا الإله له وحيدا بلا سند على الأرض، علاوة على تصوراته عن ظواهر الطبيعة التي وعى وجودها ولم يفهم كيف تحدث، فأخافته دافعة إياه إلى إقحامها وإقحام تصوراته الفجة عنها في منظومات الإله والخطيئة..


    نقول.. تكونت لدى الإنسان البدائي جراء ذلك بواكير المنظومات المعرفية الميثولوجية شبه المتكاملة. فإذا كانت الخطيئة هي ظل الإنسان في هذه المنظومة المعرفية، فإن التصورات الأسطورية عن الطبيعة هي ظل العالم فيها، والتصورات الأسطورية عن القوة الخفية هي ظل الله، ما يؤكد أن هذه المنظومة المعرفية البدائية كانت شديدة الفجاجة وأبعد ما تكون عن التجريد والصفاء.


    إن الإنسان في تعامله مع واقعه كان يؤثر فيه ويتأثر به، فتتنامى بذلك معارفه وتتغير بالتالي أنماط حياته وتصوراته عن ذاته وعن الإله وعن الطبيعة من حوله. وكل خطوة يخطوها الإنسان في هذا المسار التطوري كانت بحكم كونها نموا في وعيه تُخفف لديه من دواعي الإحساس بالاغتراب وتضاعف من دواعي الاطمئنان والشعور بالثقة النابعة في الأساس عن عدم العجز أمام الطبيعة وأمام ظواهرها. هذا العجز راح يتقلص ويتضاءل حقبة بعد حقبة وزمنا بعد آخر إلى أن تلاشى تَماما. وهذه الثقة راحت تنمو شيئا فشيئا إلى أن اكتملت مُقَرِّرَةً أن الإحساس بالاغتراب قد اختفى ولم يعد له وجود.


    وبين هاتين النقطتين الواقعتين على محور التطور. نقطة بدء الإحساس بالاغتراب وانعدام الثقة والشعور بالعجز، في أقصى درجاتها، مع ما ينتج عن ذلك من خوف وقلق ووحشة، ونقطة تلاشي الإحساس بالاغتراب واكتمال الثقة وانعدام الشعور بالعجز، مع ما ينتج عن ذلك من إقدام واطمئنان وسكينة.. نقول.. بين هاتين النقطتين ناضلت النبوة وكافحت لِتُبْقيِ على هذا التوازن الدقيق الدافع إلى الأمام دوما، في رحلة طويلة مباركة ومنظمة، قادها الله بكل تؤدة وحكمة مُعَبِّراً لنا من خلالها عن أعلى درجات المسؤولية تجاهنا كمخلوقات واعية بدأت ضئيلة في وعيها ثم راحت تنمو وتكبر بهذا الوعي في حاضنة النبوة العظيمة.


    إن الأنبياء بُعِثوا حتما لهدف تحقق وانتهى بآخرهم، وإلاَّ لما كان هناك مبرر لانقطاع النبوة وصلة الأرض بالسماء عبر الأنبياء. وبما أن تطور الإنسان وعيا وواقعا لم يتوقف عند اللحظة الأخيرة للنبوة، ولن يتوقف إلى الأبد. وبما أن الانحراف بمفهومه المتداول دينيا هو أيضا لم يتوقف. فلا شك إذن في أنه لا الانحراف ولا التطور هما سبب بعث الأنبياء ولا هما جوهر الدور الوظيفي للنبوة. وإن كان من الممكن أن يكونا إلى جانب السبب الرئيسي سببين ظاهريين وهامشيين.


    فما هو السبب الجوهري إذن؟!


    نستطيع أن نتخذ من الطفل منذ ولادة أول مستويات الوعي لديه نموذجا يشبه الإنسان عندما بدأ يعي ذاتَه وما حوله. ومن الأب وهو يرعاه ويتابعه ويوجهه نموذجا للدور المسؤول يشبه دور الله في حياة الإنسان. عندما تبدأ بواكير الوعي لدى الطفل، يبدأ يحس بحاجته لأبيه جراء الخوف الذي يشعره بسبب عجزه عن فهم ما يدور حوله وجراء الوحشة التي يُحسها إذا افتقد هذا الأب الحاني المُوَجِّه المالئ لحياته بالأمل والدفء والأمان.


    إن الأب من جهته يدرك – بحكم طبائع الأمور – حاجةَ طفله إليه، فيخلق في وعيه كل دواعي إشعاره بأنه قريب منه وحانٍ عليه ومهتم به وشاعر بالمسؤولية تجاه احتياجاته وتجاه مخاوفه. إن إحساس الطفل من أبيه بهذا الاهتمام يدفعه إلى الاطمئنان وإلى الاندفاع في حياته بعيدا عن القلق، فتأخذ حياته بالنمو في وسطٍ مفعم بدواعي الاستقرار والسكينة، وتبدأ معارفه، وبالتالي وعيه بالاكتمال وسط هذه الظروف وفي هذه البيئة الآمنة. ولعل هذا ما يبرر أن أيَّ طفلٍ يفتقد أباه وهو في تلك المرحلة من حياته سواء بالموت أو بالسفر أو بالطلاق من أمه، سوف يعاني من نقص ماَّ سينعكس على كامل حياته إن لم يتم تعويضه بشكل أو بآخر عن ذلك النقص.


    يستمر الأب في التدخل في حياة طفله وفي توجيهها وفي ملء الفراغات المعرفية التي تفرض نفسها على واقع الطفل من حين لآخر. وهو – أي الأب – في مرحلة من مراحل عمر طفله يعالج القضايا المطروحة من خلال تدخله بطرق تتناسب مع وعي طفله في تلك المرحلة العمرية. ومع تقدم الطفل في السن وبالتالي في مستويات الوعي بذاته وبمحيطه، تبدأ تكتمل تصوراته ومفاهيمه، وتنتظم وتنضبط مُكَوِّنات وعيه، ويَتَّخِذُ تَدَخُّلُ أبيه في حياته شكلا أرقى وأقلَّ فجاجة، ويصبحُ قائما على تفسيرات أكثر عقلانية لما يطرحه الطفل من تساؤلات.


    يبدأ إحساس الطفل بالوحشة يتلاشى مع ازدياد ثقته بنفسه بسبب تَقَلُّص عجزه عن فهم ما يدور حوله من ظواهر كانت تُعْجِزُه قبل ذلك، فيلجأ إلى أبيه متقبلا منه أي تفسير يقدمه له. أما الأب الذي كان فيما مضى يضطر إلى أن يقدم تفاسيره غالبا في إطار غير عقلاني وربما غير واقعي أيضا (ميثولوجي)، يغدو منذ تلك اللحظات المتقدمة في وعي طفله معنيا بتخفيف حدة اللاعقلانية والميثولوجيا – إن صح التعبير – من تفسيراته.


    في مرحلة أكثر تقدما من عمر الطفل، وبالتالي من وعيه، يحس بأنه قد استغنى عن تدخل أبيه مُكْتَفِيا منه بِمجمل توجيهاته السابقة كأرضية خام يستخدمها للاستمرار في حياته وفي تنمية معارفه. يحدث ذلك بسبب انتهاء كل بواعث الخوف من المجهول لديه، واكتمال عنصر الثقة بالنفس وبالقدرات الذاتية على الاستمرار في الحياة بدون تدخلِ هذا الأب. الأب بدوره عندما يصل طفله إلى هذه المرحلة يتجاوب معها، ويكف عن التدخل في حياته مكتفيا بحصيلة تدخلاته السابقة التي كانت بكل محتوياتها المعرفية والتوجيهية السبب الذي ساعد الطفل على الوصول إلى هذا المستوى من النضوج بهذه السرعة وبهذه الكفاءة.


    وهكذا يبدأ الانفصال المعرفي بين الطفل وأبيه. وإذ يكتفي الأب بالمراقبة وعدم التدخل، يبدأ الطفل الذي ربما أصبح شابا، بالاعتماد على نفسه نظرا لتوفر دواعي ذلك لديه. قد يتخبط وقد يتعثر، ولكن لا بأس، إنه تعثر الواثق من نفسه الذي ستساعده عثرته على الاستفادة استفادة عظيمة، خلافا لإنجاز الطفل الذي قد يُبْقي الطفل متشككا فيه إن لم يأخذ المباركة والثناء والتشجيع من أبيه على هذا الإنجاز.


    الطفل عندما أصبح شابا مستغنيا عن تدخل أبيه مكتفيا بحصيلة معارفه منه وبفهمه لواقعه وبحصيلة خبراته الخاصة، هو لم يصل في الواقع إلى أقصى درجات الوعي، لأن الوعي لا يتوقف في مسيرة التطور ويواصل النماء باستمرار، وما يزال الإنسان يعي ويتعلم حتى يموت. لكنه وصل في الواقع إلى درجة عالية من الثقة بقدراته الذاتية ومن الشعور بالأمان بحيازته لتلك القدرات، مَكَّنَتْه من عدم الإحساس بالاغتراب حتى وهو ينفصل معرفيا عن أبيه. إذن فالوصول إلى هذا المستوى من الثقة الكافية للاعتماد على الذات بالارتكاز إلى حصيلة معارف كافية كأرضية ومنطلق بما يترتب على ذلك من إحساس بالإقدام والأمان.. نقول.. إن الوصول إلى هذا المستوى من الثقة هو الهدف من تدخل الأب في حياة طفله وتوجيهها في مراحل الوعي المتدني.


    وبالتالي فإذا تحقق ذلك فلن تكون للتدخل عندئذ أية معانٍ.


    نستطيع أن نلاحظ ملاحظة هامة أخرى في حياة الطفل الذي بدأ بالاستقلال عن حياة أبيه معتمدا على نفسه في بناء حياته. فإذا كان الطفل الذي أصبح شابا قد يشعر في بدايات حياته المستقلة أنه رغم استقلاله مازال في حاجة إلى أن يستفيد مِماَّ تعلمه من أبيه وإلى أن يُوَظِّفَه في حياته، لأنه ما يزال مفيدا وإيجابيا، فإنه في مرحلة متقدمة من عمره قد يُحِسُّ بأن حصيلة أبيه التي كانت خادمة له في وقت مبكر من شبابه قد غدت عبئا عليه في مرحلة كهولته، بحيث لم يعد استخدامها يساعده على النماء والتقدم، بل هو يعرقله، فنراه عندئذ يضعها جانبا ويُكَوِّن لنفسه منظومة جديدة من المعارف والقيم والمفاهيم يراها أقدر على مساعدته على الاستمرار في حياته المنطلقة والمندفعة.


    قد نكون أطلنا في شرح هذا المثال، لكننا فعلنا ذلك كي نترك لخيالنا الفرصة الكاملة لإجراء الإسقاطات اللازمة كي يتفهم استنتاجَنا النهائي والأخير فيما يتعلق بالدور الوظيفي للنبوة وهو ما سوف نختصره فيما يلي..


    إن للنبوة وظيفة محددة اقتضتها مسؤولية الله الناتجة عن صفة العدل فيه سبحانه وتعالى، تجاه هذا المخلوق الذي ابتلاه وبالتالي أَكْرَمَه بالوعي. إنها تخفيفُ حِدَّة إحساسه بصقيع الاغتراب وبوحشة الوحدة مادامت طبيعة الإنسان أن يكون مُتَوَحِّداً مع الله بشكل ماَّ، لا مغتربا عنه، وإشعارُه بالأمان وهو يواجه هذا الوجود الضاري الذي ظهر أول ما ظهر غير مفهوم بالنسبة إليه، وخَلْقُ مقومات ثقته بنفسه وبقدراته شيئا فشيئا، ومساعدتُه ما أمكن وبِما لا يتعارض مع غاية الوجود وحكمته، على صَبِّ اندفاعته الوعيوية في الاتجاه الصحيح لمسيرته العقلية المتنامية دوما وإلى الأبد. ومادامت هذه هي وظيفة ظاهرة النبوة في حياة الإنسان، فهذا يعني قطعا أن النبوة ستتوقف حالما تنتهي من أدائها على أكمل وجه، وهذا هو ما كان. والقراءة المنصفة للتاريخ تؤكد ما ذهبنا إليه.


    وهكذا فإن اكتمال النبوة يُمثل بدايةً للتاريخ لا نهاية له، لأن التاريخ إنما يبدأ بالعقل ولا ينتهي به. فلو انتهى التاريخ عند اكتمال البُنى الأساسية للعقل، لعنى ذلك أن الغاية من الوجود هي غاية خرقاء حمقاء. إن كل من لم يَفْهَم النبوة باعتبارها تَجَلِّياً إلهيا في التاريخ لغاية مساعدة الإنسان على تَعَقُّلِ الوجود، يعجز عن فهم أي معنى لبقاء الوجود ولاستمرار التاريخ طويلا بعد آخر الأنبياء. لذلك ما فتئ الذين غابت عنهم حقيقة النبوة، ينتظرون الساعة منذ رحيل الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام. كل جيل راح ينتظرها إلى درجة أن زخرت النقليات الإسلامية تحديدا بمئات بل بآلاف النصوص التي تتحدث عن علاماتها وأماراتها وأحداثها الكبرى والصغرى.


    لا بل إن المسلمين راحوا مع كل أزمة كبرى تَحُلُّ بساحتهم سياسيا أو اقتصاديا، أو حتى نتيجةً لكارثة طبيعية مدمرة، يستقرئون علامات الساعة في تفاصيلها، إلى درجة لجوئهم إلى استخدام أبشع أنواع التأويل وخداع النفس وأكثرها فجاجة وتكلفا لأجل الاطمئنان إلى أن ما يحدث لهم إنما هو من أمارات النهاية وإرهاصات القيامة. أليس المسلمون عندما يشاهدون في حياتهم أمرا عصيا على الفهم أو القبول، يقولون بكل ثقة ويقين: " هذا آخر الزمن"، إلى أن غدا هذا ديدنَهم؟!


    إنها في واقع الأمر روح الترقب للحدث الكبير الذي تَمَّ العجز عن تصور معنى وغاية حقيقيين للفترة التي تفصله عن آخر الأنبياء، مادامت النبوة لم تكن في نظرهم أكثر من قرار إلهي بالتدخل وقرار آخر بالتوقف، دون أي دلالات تاريخية أخرى من أي نوع. بينما الحقيقة أن موت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان إيذانا ببداية التاريخ الفعلي للإنسان العقلي. ولقد أثبت كَمُّ التطور الهائل الذي شهدته البشرية في القرون التي تلت وفاته، أن هذا التحليل صحيح صحة تامة.


    إن الوعي الإنساني حقَّقَ لنفسه بالنبوة درجة عالية من التقدم تؤهله لإكمال مسيرة تطوره ونمائه معتمدا اعتمادا كليا على قواه الخاصة، التي فجرتها النبوات في البعد التاريخي. النبوة إذن تُحَقِّقُ أرقى صُوَرِها حينما تعي ضمنا حاجتها إلى إلغاء نفسها وتحييد دورها. وهو ما يعني أن هذا الرُّقِي ينطوي على تَصَوُّرٍ واضح وفهمٍ عميق لاستحالة استمرار حاجة الإنسان إلى قائدٍ لمسيرته، نظرا لتعارض ذلك على الفور مع جوهر اعتماد الوعي على مقوماته الذاتية في استكمال المسيرة.


    وهكذا تتجلى عظمة النبوة وبَهاؤُها في إنسانية جوهرها، هذه الإنسانية التي تبدو وحدها المسؤولة عن بناءِ النَّسَق النبوي في الزمان وفي المكان بالصورة التي اختطها واتخذها لنفسه هذا النسق، لما في هذه الصورة بالتحديد من دلالات على تاريخية النبوة ولا مُطْلَقيتها. لم تكن النبوة إذن قرارا إلهيا مستقلا عن الواقع البشري، على الوعي الإنساني أن يتكيف معه ويتحرك في ضوئه.


    لقد بدأت النبوة أول ما بدأت بقرار إنساني عبرت عنه استجابة الله لمستوى وعيه وهو يقرر حاجته إليها، ثم توالت وتواترت في سياق جدلي مثير ورائع ومبهر. نبوة يطلبها الإنسان فتأتيه استجابة من السماء، فتؤثر في وعيه وتُفَعِّله وتطوره وتوصله بذلك إلى مرحلة وعيوية جديدة، تبدأ بالمطالبة ضمنا بنبوة جديدة للتعامل مع أزمات وقضايا جديدة، فتستجيب السماء لهذا النداء الضروري الكامن في أغوار الوعي والحاجة الإنسانيين، بتَجَلٍّ إلهي في نبوة جديدة نشأت متأثرة بالواقع لتؤثر فيه دافعة به إلى الأمام.


    وهكذا استمرت هذه السمفونية الجدلية المحكمة البديعة إلى أن تَحَقَّقَت منها الغاية وتَحَقَّقَ المراد، فانسحبت كظاهرة، من الوجود لا بقرارٍ منها، بل بقرار من الإنسان الذي أبدى ضمنا اكتفاءَه منها وعدم حاجته إليها واستغناءَه عنها. فكما أن بزوغَ فجر ظاهرة النبوة كان استجابةً من الله لحاجةٍ ولنداءٍ إنسانيين، فكذلك غروب شمسِها كان استجابة من الله لحاجة ولنداء إنسانيين عملا في الاتجاه المقابل.


    وأخيرا فإنه لمما يستدرجنا إليه الواقع وتدفعنا إليه طبائع الأمور أن نعلن أن النبوة فوق كونها رفيقا آنس الإنسان وأحياه مطمئنا في كنف الله الذي كان يتجلى عبرها من حين لآخر، فإنها وجود ديناميكي حي مفعم بالحركة اتخذ بعد آخر لحظات نسقها الديني، وهي لحظة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم شكلا آخر مختلفا، وجدت استمرارها من خلاله في الدور الذي يقوم به العلماء الذين أخبر عنهم رسول الإسلام بأنهم ورثة الأنبياء.


    العلماء إذن بعد نبوة محمد هم الذين تكتسب بهم ظاهرة النبوة صفة الديمومة والاستمرار في اللحظة الإنسانية المجتمعية. وإنه بانزواء ظاهرة النبوة يبزغ فجر العلم والعقل. ختم الله النبوات الدينية البشرية، عندما أعلن الواقع مولد العقل الإنساني. أليس مثيرا للدهشة أن يكون انتهاء عهد النبوات بداية فعلية للتاريخ، تاريخ العقل والعلم؟! لن نعيي أنفسنا في الإثبات، فالواقع أوضح من أن يُسْتَدَلَ عليه بشيء. وإنه إذا كان الأنبياء والرسل متمايزين في الدور المنوط بكل منهم من حيث أن النبي مصلح في إطار ما هو قائم من أسس، بينما الرسول ثائر وقائد لتغيير ثوري، فكذلك العلماء، فرب عالم نبي، ورب عالم رسول. رب عالم مصلح ورب عالم ثائر قائد لانقلاب قد يغير وجه العالم والتاريخ والحضارة. والعالِم هنا بالمعنى الواسع لمصطلح عالِم. ولعل الفلاسفة هم في الواقع من أهم الفئات التي تسهم في وراثة تركة النبوة.


    وأخيرا، وكي نستخلص النتيجة التي ما سقنا كل هذا التحليل إلا بغرض التوصل إليها، نقول.. إذا كانت ضرورة النبوة في حياتنا قد تجلَّت في مرحلتين، لكل واحدة منهما شكلُ ضرورتها الخاص بها، هما مرحلة النبوة الدينية المتجسدة في نبوة الرجال، ومرحلة النبوة العلمية التي ورثت نبوة الرجال متجسدة في نبوة العقل، فلا شك في أن الإسلام الذي هو مادة تلك النبوة وموضوعها الدائم، سيدور مع هذه النبوة حيث دارت.


    أي أن الإسلام إذا كان يتجلى لنا في كل نبوة من نبوات الرجال عبر الوحي الذي ينقله لنا الرجل النبي، فإنه – أي الإسلام – لا شك ومن الضروري والمحتَّم أن يتجلى لنا في زمن نبوة العلم والعقل عبر المعرفة الموضوعية التي يجسدها لنا كل من هذا العلم وذاك العقل. وإذن فهذا الشكل الجديد من الإسلام هو الحل، وهو الإسلام الضرورة، وهو الإسلام الحقيقة المتواصلة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فحيثما كان العقل، وحيثما كان العلم، فثمَّ - قطعا ويقينا – الإسلام.


    ولك سيدتي أنت وكامل فريق فرسان الثقافة، بالغ الشكر والتقدير والامتنان على أن أتحتم لي فرصة نقل هذه الأفكار إلى كل المعنيين عبر موقعكم الأغر.


    مع رجاء الانتباه أثناء نشره على الصفحة المقررة له، إلى ضرورة تنسيقه والحفاظ على فقراته وعنونته ونظام ترقيمة..إلخ، وتجنب التداخل بين سطوره وفقراته وعناوينه ومتونه، تسهيلا للقراءة وتحقيقا للمنفعة، فكثيرة هي المقالات والردود والإجابات التي لم يتحقق فيها هذا المطلب الفني، فكانت قطعا مرهقة للقراء.


    أسامة عكنان

  3. #53
    السلام عليكم
    حقيقة كان تحليلك منطقي ودقيق وفلسفي إلى حد ما...
    ولكن السؤال مازال حاضرا بعد ذلك..
    ماذا على الصعيد العملي والحياتي , ومن خلال المرجعيات البشرية التي نعاني نقصا من طرفها في قيادة الحياة الدينية لو جاز التعبير؟ ام هناك تكاملا ناقصا نراه بيننا؟
    مع الاعتذار للفضول مع جزيل الشكر للتركم بالإجاية.
    وسامحنا
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #54
    سلام الله عليك أستاذ أسامه:
    سؤال سريع وأنامن المتابعين إنشاء الله:
    ما رأيك بتحليلات فضائية روسيا اليوم السياسية؟
    اوردت قسما منها عير هذا الموضوع الذي يهمني رأيك فيه أيضا:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32741-القائد-المخطط-للثورات-العربية-بالصور&p=136771#post136771
    مع تحيات: ناجي أبو عيسى
    غزة
    ***********
    الأخ العزيز ناجي أبو عيسى من غزة
    تحية إكبار وإجلال لكم ولصمودكم وبعد
    فإنني دخلت على الرابط الوارد في رسالتك، ووجدت قصة كنت قد قرأتها منذ عدة أشهر على شبكة الإنترنت.لم أعثر على الحوار الذي أشار إليه أحد الروابط الداخلية، ربما لأنني لم أعلم عن أي حوار تتحدث.المهم،كي أتجنب تكرار ما ذكرته في إجاباتي على أسئلة سابقة، فإنني أتمنى عليك أن تقبل مني إحالتك إليها، فبالإمكان العودة إليها، ففيها ما يغنينا عن التكرار.ولكني أود أن أسرد في هذه العجالة مجموعة مختصرة ومكثفة من قناعاتي بخصوص مسائل أحسست بأن لها علاقة ما بموضوع الرابط المذكور، وهي ليست جديدة على كل حال، وهي تُعْرَض كنتائج لا مجال لإثباتها في هذه العجالة، ويمكن أن تكون مواضيع لحوارات مطولة قادمة، أو أن يحالَ بشأنها إلى أماكن سبق وأن أثبتت فيها.. فأنا لست ممن يؤمنون بفكرة المؤامرة على الإطلاق.ولا أعتبر أن اليهود يتحكمون في العالم كما تشير إلى ذلك أساطير السياسة والتاريخ المزورة قديما وحديثا.والماسونية في الوقت الراهن ليست أكثر من مؤسسة جوسسة أميركية وغربية تستهدف علية القوم من مثقفين ورجال مال وصحفيين وكتاب وفنانين وإعلاميين وأدباء ووجهاء وسيدات مجتمع وفاعلي منظمات مجتمع مدني وحزبيين ونقابيين بل ورجال دين أيضا.. إلخ، لتطل من خلالهم على مجتمعاتهم، ولتمرر عبرهم سياساتها، فيما كانت – أي الماسونية - منظمة جماهيرية ساهمت إلى جانب تنظيم "اليعاقبة" في نهاية القرن الثامن عشر في الثورة الفرنسية، إلى أن استغلها نابليون محولا إياها إلى أداة استخبارية لسياساته التوسعية في أوربا وخارج أوربا، وانتشرت في كل مكان غزاه نابليون. ثم انتقلت إلى كل مكان في العالم بعد ذلك. وأصبحت القوى العظمى تتوارث مؤسساتها ونواديها ومحافلها، وتمارس خداعها وتضليلها في تصوير نفسها على غير حقيقتها كي تحقق أهدافها في صمت وهدوء.والثورات تصنعها الشعوب وليس المؤامرات، سواء كانت يهودية أو غير يهودية.وبرتوكولات حكماء صهيون وثيقة مزورة أسهمت في نشرها وإحاطتها بالألغاز، الأجهزة الأمنية الاستخبارية لروسيا القيصرية، التي كانت تلاحق اليهود والشيوعيين على حد سواء، فربطت هؤلاء بهؤلاء كي تُنَفِّر الروس من الشيوعيين، لأن الشعب الروسي كان يكره اليهود، فكانت خطوة أمنية ذكية ربط الشيوعيين الذين يشكلون خطرا على روسيا القيصرية الإقطاعية، باليهود المبغوضين من قبل المواطنين الروس.وكتاب أحجار على رقعة الشطرنج والكتب الشبيهة به، هي من أكبر أدوات التضليل المعرفي في التاريخ. ومعظم ما فيها من معلومات لا أساس لها من الصحة وغير مسنود بحقائق، وهي مجرد تكريس للأساطير التي تعلي من شأن اليهود وتضعهم في بوتقة أكبر من بوتقتهم.وكل دعاوى تحكم اليهود في سياسة الولايات المتحدة لا أساس لها من الصحة، كل ما في الأمر أن المسألة تتلخص في تلاقي مصالح تظهر التواؤم الدائم في المواقف.كما أنني أعتبر اليهود أقل شأنا من يكونوا بالشكل المرسوم لهم في إدارة الأزمات والتحكم في مسار الثورات والشعوب وكل الانقلابات.فهذا هراء وتجديف وهرطقة سياسية، يلجأ إليها من لا يريد أن يتعب عقله في التفكير وتحليل الأمور، ومن يرفض الاستسلام للعلم والعقل، ويستسهل الخرافة والأسطورة في تفسير الأحداث، لأنها لا تكلفه سوى الاستسلام لمصدرها المقدس، بينما العقل والعلم يلزمانه التفكير الذي لا يرغب في اللجوء إليه.ومن كان من هؤلاء فهو لا يريد أن ينجز أو يتحرك أو يناضل بالشكل الصحيح، أما من يفعل ذلك عن قناعة منه ويقين، فإنما يخدم اليهود أنفسهم والإمبريالية نفسها، أكثر مما يخدم نفسه وأمته وقضاياه.ولست ممن يؤمنون برسم خطط السياسة والتغيير على أساس نصوص تنبؤية وردت في التراث ونُسِبت إلى النبي الكريم زورا وبهتانا. فللسياسة أدواتها العلمية التي تتحول بدونها إلى أعمال غوغائية لا قيمة لها.كما أنني أؤمن إيمانا قاطعا بسنن حركة التاريخ وبإمكانات الشعوب على التغيير.وأعترف بأن الأعداء يحاولون دائما القفز على منجزاتنا واختراقها، وهذا حقهم في ضوء عداوتهم لنا.لكن هذا لا يعني أنهم هم الذين يرسمون كل شيء في حياتنا.حتى الشيء الجميل في واقعنا راحت الأكاذيب وعقليات المؤامرة تنسبه إليهم، لأن أحدا لا يريد أن يقر لنا بإمكانياتنا وقدراتنا على زعزعة خطط هؤلاء ومشاريعهم، ولا حتى على القدرة على مقاومتهم.ولا أحد يريد أن ينسب إلينا الإبداع وتعليم البشرية أصول الثورة والتغيير والسياسة والقيادة.يريدون شعوبنا ومثقفينا دائما عالة عليهم حتى في ثوراتهم.إنه منهج التثبيط والتيئيس القائم على التهويل والتسطيح، وهو المنهج الذي لا أجد نفسي مقتنعا منه بشيء.أدعو الجميع إلى العلمية والموضوعية والعقلانية، فمن كانت عنده معرفة مسنودة بمرجعية عقلية وعلمية وفق ما تتيحه قواعد تلك المرجعيات من قواعد للاستدلال، فليتقدم وليتحفنا بها، وسيجدنا مصغين له كل الإصغاء، وإلا فليقف متفرجا مستمعا، فهذا أفضل له ولغيره.ليس هذا ردا على أسئلتك أخي العزيز ناجي، لكنها خلاصة موقف من قضايا حساسة تثار دائما بشكل مغلوط أحسست من خلال ما رأيته من مادة منشورة ومعروضة في الرابط الذي اقترحته، بضرورة ذكرها.

    وفي النهاية فإنني أحيلك إلى المادة التي كتبتها في هذا الشأن سواء خلال هذا اللقاء أو في دراسات كانت تنشر لي في موقع "الفرسان" وفي غيره من المواقع.وكل تحياتي لكم، واستصغاري لنفسي، عندما أكتفي بالثرثرة أمام هاماتكم العالية، وأنتم تواجهون كل ذلك الجبروت بصدوركم العارية وبجوعكم وعطشكم وإصراركم.
    أسامة عكنان

  5. #55
    السؤال مازال حاضرا
    ماذا على الصعيد العملي والحياتي, ومن خلال المرجعيات البشرية التي نعاني نقصا من طرفها في قيادة الحياة الدينية لو جاز التعبير؟ أم هناك تكاملا ناقصا نراه بيننا؟
    أستاذة ريمة:
    بعد التحية والاحترام:
    طوت البشرية الصفحة الأولى من حضارتها، عندما انتهت مرحلة الإسلام الذي أنجزته "نبوة الوحي" برحيل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، لتفتحَ صفحةً جديدةً من صفحات حضارتها، تحتاج فيها إلى الإسلام الذي تنجزُة "نبوة العقل". إن مسيرة نبوات الوحي التي بدأت مع بواكير الوعي الإنساني المهزوز والمضطرب والمرتبك، وانتهت باستكمال مبررات ثقة الوعي الإنساني بقدرته على المعرفة بدون مساندةٍ من نبوات الوحي، هي التي مهدت الطريق، لبروز العقل كنبي آخير ودائم وأبدي. وبالتالي فهي التي مهدت الطريق وعَبَّدَتْها أمام ولادة "إسلام نبوة العقل"، من قلب ورحم "إسلام نبوة الوحي". لقد كانت هذه المسيرة تَغُذُّ السيرَ بالإنسان وهي تُعِدَّه لاحتضان تلك اللحظة الحضارية الفارقة من تاريخه، لحظة العبور إلى البدايات الأولى لـ "نبوة العقل"، من النهايات الأخيرة لـ "نبوة الوحي"، كما يعبر الزمن من الليل إلى النهار، ومن النهار إلى الليل.إن نبوتا "الوحي" و"العقل" تتداخلان وتتمازجان وتتتابعان زمانيا، على النحو نفسه الذي يتداخل ويتمازج ويتتابع به الليل والنهار. عندما يقترب النهار من طيِّ صفحته، لفتح الطريق أمام الليل، في رحلة تبادلِ مواقعِ السيادة على الزمن، فإنه يبدأ بـ "التَّلَيُّل" إن صح التعبير، أي أنه يبدأ يفقد "نهاريتَه" لصالح "ليليَّة" الليل القادم، إلى أن يختفي تماما ولا يبقى سوى الليل. وهذا الأمر نفسه يحدث لنبوتا "الوحي" و"العقل" وهما تتبادلان مواقع السيادة على الحضارة وعلى التاريخ. "نبوة وحي" تَتَعَقْلَن تدريجيا إلى أن تفقد وَحْيَوِيَّتِها لصالح "نبوة العقل" القادمة، إلى أن تختفي "نبوة الوحي" هذه تماما، مُبْقِيَة فقط على "نبوة العقل" سيدةً للكون وللحضارة وللتاريخ.إن مستوى التباين - في المحتوى والمضمون – بين "نبوة الوحي" و"نبوة العقل"، يقتضي مستوىً في التباين شبيها به، بين "إسلام نبوة الوحي" و"إسلام نبوة العقل". فالإسلام الأول هو إفراز النبوة الأولى، والإسلام الثاني هو إفراز النبوة الثانية. ولأن النبوتين مختلفتان قطعا وبشكل جوهري، فكان لابد أن يختلف الإسلامان الأول والثاني بشكل جوهري أيضا. ولأن "إسلام نبوة العقل" هو – في الواقع – إسلامٌ قيد التَّشَكُّل، وما يزال يمرُّ بمرحلته الجنينية، فقد كان من الطبيعي ألا تكون له مرجعياتٌ على قدرٍ من الكثرة والتونع والانتشار، شبيهٍ بقَدْرِ كثرةِ وتنوعِ وانتشارِ مرجعياتِ "إسلام نبوة الوحي".من هنا لم يكن غريبا ولا مستهجنا، أن نرى بين كلِّ ألفِ مرجعٍ من المرجعيات التي تُصَنَّف على أنها مرجعياتٌ تُعْنى بالشأن الديني الإسلامي على صعيد الفكر والفلسفة والدعوة، مرجعا واحدا أو مرجعين فقط يمثلان في منتجاتهما الفكرية والفلسفية والدعوية، "إسلام نبوة العقل"، بينما من السهل والميسور، أن نرى باقي الألف يمثلون مرجعيات لـ "إسلام نبوة الوحي". وهذه الظاهرة – ظاهرة النُّدْرَة في مرجعيات "إسلام نبوة العقل" – طبيعية لكنها مؤقتة وإلى زوال. وبالتالي فهناك ما يشبه المعركة على سيادة وإدارة وتوجيه "عقل المسلم"، سعيا من أحد طرفي هذه المعركة لجعله ينسلخُ من خضوعه لـ "إسلام نبوة الوحي"، ويتماهى مع "إسلام نبوة العقل"، وسعيا من طرفها الآخر إلى الضدِّ المثمثل في البقاء داخل أطر التفكير والحركة التي يتيحها ويسمح بها ويشرعنها "إسلام نبوة الوحي".ومع كل خطوة يخطوها "إسلام نبوة العقل" باتجاه التربع على عرش السيادة المعرفية الدينية الإسلامية، تزداد المرجعيات التي تمثله تعدادا ونوعا، على حساب التراجع في المرجعيات المُمَثِّلَة لـ "إسلام نبوة الوحي"، تعدادا ونوعا أيضا، وبهذا الازدياد تبدأ عناصر التكامل المؤسسي في منظومة "إسلام نبوة العقل" يتجلى للعيان، متيحا لهذا الإسلام من ثمَّ اتخاذ المواقع الأكثر تأثيرا والأكثر قدرة على الانتشار والحظوة بالقبول الإنساني على الصعيد العالمي.مع رجاء أن أكون قد لامست بعضا من فضاءات سؤالك القيِّم سيدتي
    أسامة عكنان

  6. #56
    وأهلا بك من جديد أستاذنا ومازلت تدفعني نحو الاعمق..في لجة ثقافية عالية أفضلها.وبعد:
    مادمنا نعرف صميم المشكلة..كيف الخروج منها برأيك إذن؟ بل كيف سنقدم الهام من خلال القناة التي نحن بحاجة إليها؟ ومن هم الذين تقع على عاتقهم من المفكرين الملتزمين بقضايا امتهم ان يتكاتفوا مع من يجعل للعقل مرتبة عالية في العطاء؟كيف يجب ان نكون او كيف يجب ان تكون عليه الأمور ؟ فمن غير المعقول اننحلل ونتوقف فقط..
    مع جزيل شكري وامتناني لسعة الصدر.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #57
    هذا الزخم الابداعي المرتكز على همة قديرة تكون بمستوى الهموم لااقول هموم أمتنا فحسب بل الهم الانساني
    لقد قرات هنا سيرة عامرة بالتوهج مسكون فيها قدر التجديد تحتضن فلسفة النهضة


    أحيي شخصك الكريم
    وأنت على ثغر من ثغور الاسلام
    إنه الاعلام


    الإعلام الذي نبهنا ناعوم تشومسكي في كتابه الهام : تصنيع الطاعة
    الى أهمية ان نفرق بين المعرفة والأدوات المعرفية وذكر الاعلام وكيف هو اليوم يتحكم في مفاصل الخريطة الإنسانية مؤسسا لبشاعتها

    أشكرك بحجم البهاء

    ولي عودة محاور ايها الحبيب

  8. #58
    تحية متجددة لا تنقطع بحجم اليقين في غَدِنا الأفضل

    بداية أود لفت انتباه الأستاذة ريمة وكل الطاقم الفني لموقع الفرسان، إلى أنني لاحظت أنكم تذكرون اسم كاتب المادة، سواء كانت سؤالا أو إجابة وبياناته، في مساحة تقع على يمين الصفحة، موجود فيها عبارتان هما "بياناتي"، و"توقيعي"، وأحيانا تلفت انتباهي في أسفل الكلام عبارة "تم التجديد عن طريق ....... وتوردون الاسم". ووجدت هذا أكثر من مرة حيث توجد إجاباتي، ما يولد الانطباع أن "بياناتي"، و"توقيعي" و"التجديد المشار إليه" وكامل الصفحة، بما فيها العمود الأيمن التعريفي، هو من إعداد صاحبه من حيث المحتوى على الأقل.. وهنا يأتي ما أريد لفت الانتباه إليه.. فأن تُذْكَر "الصفة المعنوية" للشخص في مساحة تظهر أنها من وحي رغبته، ومن وحي تعريفه هو بنفسه، يعني أنه هو من وصف نفسه بتلك الصفة. وإذا كان الكثيرون يفعلون ذلك ولهم الحق فيه للتعريف بأنفسهم. فأنا من جهتي لم أقل عن نفسي ولا عرفتها بصفة "فيلسوف"، فهذه صفة كبيرة وخطيرة وعظيمة، ليس من حق أي شخص أن يصف نفسه بها، بل يصفه بها الآخرون إذا رأوا أنه يستحقها. وهي تشبه صفة "مبدع" أو "عبقري" أو "فنان". إنها صفات تقييمية، والمرء معيب في حقه أن يُقَيِّمَ نفسَه فيسبغ عليها صفات "مبدع" أو "عبقري" أو "فنان" أو "فيلسوف". لذلك أرجو أن تحذف هذه الكلمة من مساحة التعريف، لأنها على النحو الذي تظهر فيه توحي بأنني أنا قائلها عن نفسي وأنا ما قلتها وما كنت لأقولها ومعيب في حقي أن أقولها. أنا مجرد كاتب، قد أصل إلى مرتبة باحث، ولأنني كتبت روايات قد أكون روائيا، فهذه صفات حرفية ومهنية تعبر عن الحقيقة، وليست انطباعية تقيمية، تعبر عن المكانة المعنوية. أنا لست فيلسوفا إلا بقدر ما يرى الآخرون المتخصصون والمتمكنون وأصحاب الرأي والحكمة أنني كذلك. فليس أسوأ في حق المرء من أن يقول عن نفسه ما يفترض أن يقوله غيره. وإذا كان لا بد من وضعها، وإذا كنتم فعلا ترون أني أستحق صفة "فيلسوف"، مع أنني أشك في استحقاقي لهذه الصفة، فحبذا لو وضعت في مكان لا أظهر فيه متحدثا عن نفسي، فأنا لست فيلسوفا في كل الأحوال وإن كنت أتمنى أن أرقى إلى هذا المقام المعرفي الراقي.. أنا في هذا اللقاء مسؤول فقط عن ما أجيب به على أسئلتكم العظيمة.ولكم ىبالغ شكري وتقديري لتفهمكم؟

  9. #59
    أما بالنسبة لسؤال الأستاذة ريمة وهو..
    مادمنا نعرف صميم المشكلة..كيف الخروج منها برأيك إذن؟ بل كيف سنقدم الهام من خلال القناة التي نحن بحاجة إليها؟ ومن هم الذين تقع على عاتقهم من المفكرين الملتزمين بقضايا امتهم ان يتكاتفوا مع من يجعل للعقل مرتبة عالية في العطاء؟ كيف يجب ان نكون او كيف يجب ان تكون عليه الأمور؟ فمن غير المعقول ان نحلل ونتوقف فقط!
    الإجابة
    لست مع منهج "قل كلمتك وامشي"، وأخشى ما أخشاه أن تنطبق علينا الآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".الناس في تعارض أقوالهم مع أفعالهم نوعان.. نوع يقول شيئا ويفعل بخلافه، فيناقض نفسه، ويقع في أخطر المحظور. وهذا النوع على وجه التخصيص هو الذي قصدت إليه الآية الكريمة – على ما أفهم من سياقها الذي وردت فيه – ونوع يقول شيئا لا يفعله، وإن لم يفعل ما يناقضه، وهو إن لم يناقض نفسه كما فعل سابقه، إلا أنه أهان وعيَه، لأن أرقى مراتب الوعي عند الإنسان تتجسَّد في أن يتناغمَ المرءُ معه بأن يتحمل المسؤولية المترتبة عليه سلوكيا وحركيا ودعويا، جراء ذلك الوعي.وإذن فالخطوة الأولى للخروج من مشكلة ندرة مرجعيات "إسلام نبوة العقل"، هي أن تقوم هذه القلة بالعمل الدؤوب على إظهار هذا الإسلام وتأصيله وشرحه وتوضيحه، وتنمية مؤسساته، وتحمُّل الأخطار والمعاناة لأجل ذلك. فالفئة الأخرى التي تمثل مرجعية "إسلام نبوة الوحي" من القوة والنفوذ والتأثير على العوام من الناس، بحيث أنها لا تسكت أمام أي تنامٍ في مساحات تأثير مرجعيات "إسلام نبوة العقل". من هنا فهي قد تلجأ إلى استخدام أساليب وأدوات عديدة لقمع هذه المرجعيات ومنع تأثيرها من التمدد، بدءا من تسفيه الرأي والاتهام بمعاداة تاريخ الأمة وإجماعها ومرجعياتها العلمية المحترمة وإهانة كل ذلك والاستهتار به، والخروج على ما قرره السلف والصحابة، مرورا بالتشهير وتوجيه التهم بخدمة الأجندات المعادية للإسلام والمسلمي، وانتهاء بالإيذاء الجسدي الذي قد يصل إلى حد القتل والتصفية.ولدينا من واقع الصراع والتنافس بين هاتين المرجعيتين على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة، ما يثبت صحة ادعائنا. فبعض من تم تصنيفهم على أنهم مرجعيات "إسلام نبوة العقل"، قُتلوا غدرا، وآخرون حوكموا ونزعت عنهم صفة الإسلام واتهموا بالردة والكفر، وطردوا من بلادهم، أو أنهم اضطروا للهرب نجاة بأنفسهم من التصفية أو الملاحقة القانونية، وآخرون شُهِّرَ بهم وتم وسمهم بأنبى الصفات وأقذعها.. إلخ. وليس هذا المقام مقام استعراض لنماذج المواجهة المختلفة بين الفريقين. ويكفينا أن أدركنا أن هناك معركة حقيقية على الصعيد الفكري والفلسفي من جهة أولى، وعلى الصعيد المؤسسي والتنظيمي من جهة ثانية، وعلى الصعيد الإعلامي والدعوي من جهة ثالثة، بل وعلى الصعيد السياسي من جهة رابعة بين هذين الفريقين.وبالتالي فليس أمامنا إلا أن نؤكد على ضرورة أن يعي أنصار "إسلام نبوة العقل" – بوصفهم وريثا شرعيا وموضوعيا ومنطقيا لـ "إسلام نبوة الوحي" بعد أن حققت هذه الأخيرة مهمتها التاريخية في تمهيد الطريق لـ "إسلام نبوة العقل" - طبيعةَ رسالتهم ومهمتهم، وأن يعلموا علم اليقين، أنها مهمة كبيرة وخطيرة ولا تقل أهمية ولا خطورة ولا مصيرية عن مهمات الأنبياء والرسل الذين كانوا يُبعثون حينما يبعثون كي يُحدثوا انقلابات في واقع مجتمعاتهم يقوم على هدم معظم إن لم يكل كل الأسس التي تقوم عليها تلك المجتمعات، لإعادة بنائها من جديد على أسس جديدة.من المؤكد سيكون هناك ضحايا في الطريق. لكنها سُنَّة الكون الذي خلقه الله على هذا النحو، وعلينا أن نتعامل معها كما هي، وألا نحاول التنصل من رسالتنا ومسؤولياتنا بحجة وجود هذا العداء وهذه المواجهة. ولكي أكون أكثر وضوحا وتحديدا، أستطيع أن ألخص ما على أنصار ومرجعيات "إسلام نبوة العقل" أن يفعلوه، في ما يلي..
    1 – إيجاد الأطر التنظيمية ذات الطابع المؤسسي لفكرهم ولتوجهاتهم الثقافية التجديدية والعقلانية، والتي ستكون في الغالب مؤسسات ثقافية وعلمية ودعوية. مع استغلال الشبكة العنكبوتية لتحقيق ذلك بأقصى ما يمكن الاستغلال، فهي أنسب مكان لإنشاء مثل هذه البُنى التنظيمية الفعالة، والقادرة على الوصول إلى أكبر قطاعات من المثقفين والمهتمين، على الأقل في المراحل الأولى.
    2 – دعم نشر وترويج وتوزيع وترجمة كل الأعمال الفكرية "الفلسفية، والاقتصادية، والسياسية، والتاريخية، والإعلامية، والاجتماعية، والأنثروبولوجية، والنفسية، والأدبية"، التي تُعَدُّ تجسيدا لـ "إسلام نبوة العقل"، سواء من خلال الكتاب المقروء، أو الكتاب الرقمي أو غيرهما إن وجد "الصحيفة، المجلة، الدورية، النشرة.. إلخ".
    3 – إنتاج الأعمال الفنية "الإذاعية، والمسرحية، والتلفزيونية، والسينمائية"، التي تجسد النموذج المستهدف وهو "إسلام نبوة العقل". وما لا شك فيه أن تشكيل عناصر الفن القادر على تجسيد هذه الصورة للإسلام، أمر ممكن ومتاح وليس بالمستحيل.4 – العمل على إنتاج البرامج والأفلام الوثائقية التلفزيونية والبرامج الإذاعية التي تُجَسِّد "إسلام نبوة العقل"، بشتى أنواع التوثيق والبرمجة الممكنتين تلفزيونيا وإذاعيا.
    5 – استخدام الإعلام بأكفإ استخدام ممكن، للترويج لـ "إسلام نبوة العقل"، عبر إنشاء محطات إذاعية تنتشر حيث يلزم، لبث هذا الفكر الجديد، وعبر الحرص على امتلاك قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية لهذا الغرض تبث عبر الأقمار الصناعية لكل مناطق الوطن العربي، ولا مانع لاحقا من امتلاك قناة تبث بلغات أجنبية لإيصال هذا الفكر الإسلامي العقلاني الجديد إلى العالم.
    6 – عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل لمناقشة القضايا التي يثيرها العالم المعاصر وكيفية معالجتها في ضوء "إسلام نبوة العقل". وهو الأمر الذي سيشكل فرصة حقيقية لتلاقح الأفكار والفلسفات والمناهج والرؤى المختلفة ضمن إطار "إسلام نبوة العقل".
    7 – توحيد صفوف العاملين في حقل نشر "إسلام نبوة العقل" والترويج له، عبر إنشاء مؤسسة تنظيمية مركزية الإدارة على مستوى العالم، وذات فروع على مستوى الوطن العربي والإسلامي، تضم في صفوفها جميع من يمكنهم أن يندرجوا بسبب فكرهم أو مواقفهم في إطار المناصرة بـ "إسلام نبوة العقل"، على أن تتابع هذه المؤسسة العالمية، شؤون هذا التيار التجديدي وترعى منتجات أفراده، وتشجعهم وتقويهم وتدافع عنهم، وتتيح لهم ولمنتجاتهم فرص التفاعل والانتشار.. إلخ.
    8 – أي أمور أخرى قد تساعد بشكل أو بآخر على تحقيق الإستراتيجية العامة التي من شأنها تفعيل "إسلام نبوة العقل" على كل الصعد، مما لم يذكر سابقا.هذا ما يفعله كل من يرى نفسه يمثل اتجاها فكريا أو ثقافيا جديدا أيا كان، ويريد له أن ينتشر ويؤثر في الإنسانية أو في قطاع منها على الأقل.
    مع بالغ تحياتي

  10. #60
    أما بالنسبة للأخ الفاضل خليل حلاوجي
    فلك مني ألف تحية، وأشكرك على هذا الإطراء، أتمنى أن أكون عند حسن الظن هذا. وأنا في انتظار الانتفاع بحوار يدور بيننا على صفحات هذا الموقع الأغر.ولك التحية
    أسامة عكنان

صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 45678 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 12:24 PM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 06:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 03:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 09:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 08:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •