فضيلة الجنرال وفقه الأولويات!
بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
.......................................
من المؤكد أن فضيلة الجنرال زقزوق يملك قدرة جيدة على الكلام والجدل، ومحاولة الإقناع بما يقول . وقد خرج علينا مؤخرا بمقال يتحدث فيه عن ترتيب الأولويات ، ويحمل على الذين يحجون ويعتمرون مرات عديدة ، والذين يبنون المساجد والمعاهد الدينية تقربا إلى الله بوصف ذلك من الهامشيات التي تسبق الضرورات مثل التكافل الاجتماعي ، وتوفير الموارد المالية من العملات الصعبة للدولة. فمصر بها مائة ألف مسجد وثمانية آلاف معهد ديني ، وليست في حاجة إلى مزيد ، ولكن المطلوب هو حماية المحرومين من الوقوع فريسة في يد من لا يرحم بتجنيدهم لأغراض دنيئة لنشر الفوضى والتطرف والإرهاب ، وتدمير المجتمع بالمخدرات ، والأعمال المنافية للآداب!
ولاشك أن معاليه يحتاج في هذا السياق أن يطبق مايقول على نفسه أولا ، قبل أن يقوله للناس ليقتدوا به وينفذوا رؤيته على أرض الواقع .. أما وهو لايطبق شيئا مما يقول على نفسه ؛ فلن يجد صدى لكلامه ، ولن تسمع أذن ممايقوله شيئا .
ومنذ عشرات السنين ؛تكلم الدعاة والفقهاء عن فقه الأولويات الذي يسبق الثانويات ، وفقه الضرورات الذي يأتي قبل فقه الهامشيات ، ولكن الواقع القائم لم يستجب لهذا الكلام ،لأن المسألة بها ظروف وملابسات على قدر كبير من العداء للإسلام والمسلمين .
وأول أعداء الإسلام هو الاستبداد الذي يجعل الإسلام تهمة وجريمة وإرهابا وخروجا على الإنسانية ، وما أكثرالذين سجنوا واعتقلوا وعذّبوا بسبب تمسكهم بالإسلام دينا وعقيدة وشريعة ، وما أكثر الذين فقدوا أوراحهم وأعمارهم وأموالهم بسبب انتمائهم إلى الإسلام ؛ وما أكثرالذين حوربوا ، وعتّم عليهم ، وتم إقصاؤهم لكونهم لا يقبلون بغير الإسلام بديلا ..
وللتمثيل لا الحصر ، أقول لفضيلة الجنرال زقزوق الذي علق عليه الناس يوما بعض الأمل في خدمة الأسلام والمسلمين ففجعهم بوقوفه في صف الاستبداد وأعوانه ؛ إن مصر المسلمة ،شهدت على مدي نصف قرن أو يزيد ما يلى :
- إقصاء للإسلام وقيمه بتدمير الأزهر ، وتلويث الإعلام ، وتغريب التعليم .
- صاركل من يؤمن بالإسلام منهجا للحياة والمستقبل يوضع في خانة ( مطلوب!).
- صار الخطاب الديني الأميركي هو البديل العملى للإسلام ،ومن يخرج عليه فهو إرهابي يجب سحقه وتدميره .
ومن اللافت أن يدعو معالى الجنرال إلى معالجة الخلل في ترتيبات لأولويات ، وهو أول من يمارس هذا الخلل ، ويتعامل بالمقلوب في ترتيب الهامشيات والضرورات ، وسأضرب مثالا على ذلك تمثل في إصراره الغريب والمريب على توحيد الأذان في مدينة القاهرة ، وإنفاق أموال المسلمين ( الأوقاف ) على أمر لا يمثل ضرورة ملحة ، مع أن هذه الأموال يمكن إنفاقها على " المحرومين " ورعاية الفقراء ،أو الدفاع عن الإسلام في مواجهة الهجمة الصليبية العاتية التي لم تبق للإسلام فضيلة واحدة ، وتدعو الناس صراحة إلى التخلى عن دينهم وعقيدتهم باسم التنوير – الذي يعني في مفهومه الغربي الإلحاد وعدم الإيمان بما وراء الطبيعة – أو التقدمية التي تعني الشيوعية ، أو التحرر الذي يعني الإباحية بمفهوم الغرب طبعا !
هل توحيد الأذان يمثل أولوية لها أهمية على رعاية المحرومين والفقراء والدفاع عن الإسلام ؟
لنفترض أن القاهرة كلها لا يوجد بها غير مؤذن واحد في مسجد الكخيا .. ألا يكفي شرعا لإعلام من حول المسجد في القاهرة كلها بموعد الصلاة ودخولها ؟ هل تعدم القاهرة ذات الملايين العشرين في النهار ؛ أن تجد شخصا متطوعا في كل مسجد يقيم الأذان حسبة لله تعالى ، بدلا من "الريسيفيرات " وأجهزة الاتصال مع الإذاعات والتلفزيونات ؟
هل تجسدت مشكلات الإسلام والمسلمين في قضية واحدة هي توحيد الأذان ؟ أو إن المسألة لها وجه آخر؛ يخدم الاستبداد ، ويؤصل للخطاب الديني الأميركي الذي تفرضه أميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة ؟ثم أليس من الواجب على مولانا فضيلة الجنرال المنزعج من مائة ألف مسجد وثمانية آلاف معهد ديني ،أن يأخذ بمنهج الخطاب الديني الأميركي الذي يتبناه فضيلته، ويسيرعلى خطى "أصحاب البلد" الذين يرفعون شعار " كنيسة لكل مواطن" ، فيكون هناك شعار " مسجد لكل ألف مواطن " على الأقل؟
إن أصحاب الكنائس يا فضيلة الجنرال يفتحونها ليل نهار، أربعا وعشرين ساعة ،ويمارسون فيها الأنشطة الدينية والثقافية والفكرية ، ولايستطيع أحد أن يعترض على أي نشاط منها حتى لو كان دعوة إلى نفي اللغة العربية ،أو طرد المسلمين الغزاة من مصر ، أوتعميق الإيمان بأن أصحاب الكنائس هم أصحاب البلد الأصليون الذين يجب أن يتحرروا من المسلمين الغزاة !
ولعلك ياصاحب المعالى تطالع مثلا جريدة الكنيسة " وطني "في عددهاالصادر بتاريخ الأحد 21/1/2007م = 13طوبة1723ش =2 محرم 148ه- لترى على صفحتهاالأخيرة برنامجا مطولا باسم " أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين " يبدأ من 22/1/2007 حتى 31/1/2007، وتتوزع فعالياته على جميع الكنائس التي تصلى من أجل الوحدة ، وتتنوع موضوعاته ومحاضراته التي تبدأ في وقت واحد هو تمام السابعة مساء ..
هل يستطيع مسجد من المساجد المائة ألف أن يعقد ندوة وعظية دون موافقة ( حبايبنا الحلوين ) ،ولوكان صاحبها في مثل علمك ومركزك وجاهك؟
الضرورة الأهم يافضيلة الجنرال ، هي تحرير الإسلام من قبضة الاستبداد الذي ينفذ الخطاب الديني الأميركي بصرامة غير معهودة ، ويصر على نفى الخطاب الإسلامي الحقيقي ومطاردته ووصمه بكل النعوت البشعة لتنفير الناس من الإسلام والمسلمين ،وهو مايجعلهم على غير وعي بالأولويات والثانويات ،بل يدفع الكثيرين إلى تدمير المجتمع بالمخدرات والأعمال المنافية للآداب!
لوأنك ياصاحب المعالى تأملت الأمر جيدا لعرفت أن الخطاب الديني الأميركي يحرم الناس من عمل الخيرات ، والدخول في ميدان التكافل الاجتماعي ،لأنه يعدهم " أصوليين " أي متطرفين ،أي إرهابيين ، أي مجرمين ، أي لا يحق لهم الوجود فضلا عن التعبير عن أنفسهم ،لذا يبحث كثير منهم عن إنفاق ماله في الحج والعمرة حتي لايتهم بتمويل تنظيمات غير مشروعة ،أو تمويل الإرهاب ،وأظنك تعلم يا فضيلة الجنرل ؛ أن أميركا فرضت على دولة إسلامية لها مكانتها أن تحل جمعية خيرية كبيرة كانت تعالج الفقر والجوع في البلاد العربية وإفريقية وآسيا،بعد أن اتهموها كذبا بتمويل الإرهاب!
وكثيرا ما تخرج الأبواق الموالية للاستبداد والخطاب الديني الأميركي باتهام من يقيمون المستوصفات المجانية للفقراء أو تقديم المساعدات للمحتاجين والمعدمين ،بأنهم إرهابيون تأتيهم الأموال من الخارج (!) لتجنيد هؤلاء من أجل الوصول إلى الحكم !
ألا قاتل الله الاستبداد وأعوانه!
هناك من الضرورات – يامعالى الجنرال – الكثير ممايتعلق بك وبوزارتك ،وفى مقدمته استرداد الأوقاف المنهوبة من جانب الكبار، وليس البسطاء الذين أقاموابيوتا متواضعة على أرض الأوقاف تحمى لحمهم من البرد والقيظ ،أو راحوا يستغلون مساحات زراعية محدودة يتعيشون عليها..هناك أوقاف ضائعة يجب استردادها ،وهناك أوقاف يجب إعادتها إلى الأزهر ليؤدي رسالته كما ينبغي مثلما أعيدت أوقاف النصارى ،وهناك أموال يجب توفيرها بدلامن الإسراف ، وهناك واجبات على وزارة الأوقاف يجب أن تقوم بها وخاصة في زماننا ، ليس أهمها الدعوة إلى عدم تكرار الحج والعمرة أوعدم بناء المساجد والمعاهد .. هذه الواجبات أنت أعرف الناس بها، ولكنك فيما يبدولاتقدر على أدائها بسبب الاستبداد اللعين ،والخطاب الدينى الأميركي المهين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم !
..........................................
*المصريون : بتاريخ 6 - 2 - 2007م.