* الأمل .. والهزيمة *
................................
صباح الخامس من يونيو 1967 ..
الدنيا غير الدنيا، فى الشوارع، ووسائل المواصلات، والوجوه المطلة من الشرفات والنوافذ، والواقفين أمام البيوت، وفى النواصي، والجالسين على المقاهي. دوامات من الأسئلة والمناقشات والتحليلات والتوقعات، وأجهزة الراديو ـ على آخرها ـ تعلن بدء الهجوم الإسرائيلي، وعشرات الطائرات التى بدأ تساقطها، والحرفيون الذين اعتدت رؤيتهم حول عربة الفول أمام دار الجمهورية، مضوا ناحية كشك الشاي والقهوة المجاور، يتابعون الأنباء الجميلة ..
رددت الأغنيات حتى حفظتها : طول ما أملى معايا .. وف إيدىّ سلاح ، ولا يهمك يا ريس .. م الأمريكان يا ريس، خلّى الصحارى الواسعة تشرب دمهم .. خلّى الصقور الجارحة تنهش لحمهم .. وأغنيات وأناشيد أخرى كثيرة. الثمار الناضجة تدلت، فليس أمامنا إلا أن نمد أيدينا ونلتقطها. إذاعة أحمد سعيد تعلن توالى سقوط الطائرات. زميلي فى الجريدة عبد الحميد عبد النبى يوبخ ـ بقسوة ـ زميلنا جمال فكرى لتخوفه من إعلان انسحاب القوات المصرية إلى خط الدفاع الثاني. معنى ذلك ـ فى تقديره ـ وهو العسكري السابق ـ وقوع الهزيمة. هذه كلمات خيانة!.. سكت جمال فكري، وإن امتد أصبعه ـ بعفوية ـ يمسح دموعاً طفرت من عينيه ..
فى اليوم التالي، أذاع الراديو أغنية "وطني وصباي وأحلامي". كنت قد استمعت إليها من قبل كثيراً، وأحببتها، لكنها حركت فى داخلي ما يشبه القلق أو الخوف. ثم غنى محمد فوزي "بلدي أحببتك يا بلدي" فقارب الشك التيقن ..
عدت إلى جهاز التلكس بالجريدة، أتابع برقيات وكالات الأنباء. تبينت فجاجة الثمار ، وأدركت حجم المأساة ..
فى مساء التاسع من يونيو أذهلني تنحى عبد الناصر. اخترقت مع الملايين ظلمة القاهرة، أهتف بعودة عبد الناصر. أحبه، لكن السؤال يمتد بمساحة القلق والخوف فى داخلي: هل يترك القبطان السفينة فى عز مواجهتها للعاصفة؟!