عثمانُ يـحيا دهره بـحيائه ... كحياء مؤمنةٍ بسدر جنان
فاق الملائك في الحياء حياؤه... رمز السخاءِ بسائر الأكوان
ومُــبَشراً بـجنانه وبِحُورها .... من خير فِرْدَوسٍ لخير بَــــنان
الأخت الشاعرة رهام:
تنحصر الإشارات الحمراء في هذه الأبيات الثلاثة ، وهي من أعظم الأبيات التي أعتز بقرضها لأنها تشتمل على رموز إنسانية نادرة تجلت في سيدنا عثمان.
وسأبدأ بتوضيح المراد باستخدام (البَنان) بفتح الباء وهي الأصابع . (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) فإذا كانت اليد هي رمز العمل، فالبنان هي رمز العمل الدقيق ، ولا يمكن القيام بالأعمال الدقيقة بدون أصابع دقيقة متمرسة ، وفي ذلك إشارة إلى بنان سيدنا عثمان فكان يقوم بأعماله بأدق ما يكون وقد أشرت إلى مثل هذا العمل التام الكامل ، فعندما هاجروا للمدينة أصيب المسلمون بالعطش الشديد لنقص الماء الشروب ، وطلب الرسول من أي مسلم أن يشتري من الماء ما يسقي الناس ، فقام سيدنا عثمان بشراء بئر "رومة" التي كان يملكها يهودي ووهب ماءها لسائر المسلمين مجاناً. فسلمت هذه البنان . أفلا يستحق على ذلك وحده التبشير بالجنة؟
وكان سيدنا عثمان ممن يكتبون القرآن وممن نسخ المصاحف ووزعها للأمصار، فسلمت هذه البنان واستحقت البشارة بالجنة.
هل أصبح معنى البيت واضحاً وظهرت أهمية استعمال البَنان هنا ودلالتها ؟
أما البيتان الأولان فهما رأس القصيدة وعمادها وأساسها، وقد أردت منها بيان العلاقة بين الحياء والحياة ، ولا حياء لمن لم يكن قلبه حياً بالإيمان ، وعلى قدر الإيمان تكون درجة الحياء. ومما تميز به سيدنا عثمان عن باقي الصحابة حياؤه ، فقد تجاوز بدرجته حياء الملائكة حتى كانت تستحيي منه . وأردت تشبيه حيائه بأنه يفوق حياء امرأة تعيش في أعلى درجات الجنة عند سدرة المنتهى التي لم يتجاوزها إلا النبي عليه الصلاة والسلام.
ولقد قرأت حديثاً لإجلال النبي عليه الصلاة والسلام لحياء عثمان حتى هزه أكثر من منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في هذا الباب.. وإليكم خلاصة عن هذه الحادثة التي أبكتني كثيراً :
جاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه لحاجة عند رسول الله وكان مضجعاً في حجرته فاستقبله على هذه الحالة (وهو مضطجع ولم يعدل من الغرفة شيئاً) وكذلك الحال عندما قصده سيدنا عمر ، ثم جاء عثمان يطلبه لحاجته ، فانتفض النبي عليه الصلاة والسلام وأصلح حال الغرفه ثم استقبل عثمان وهو جالس حتى قضى حاجته وذهب . فاستغربت أمنا عائشة وسألته أن جاء أبوها وعمر واستقبلهما وهو مضطجع ولم يصلح الغرفة ، فماذا حدث عندما جاء عثمان وهو زوج ابنتيه ... (ليس غريبا) فبين لها السبب عليه الصلاة والسلام وقال بمعنى ألا أستحيي ممن تستحي منه الملائكة..
فالبيتان الأولان ركزت فيهما على بيان خصوصية حياء هذا الرجل ومنزلة حياته ومنزلته عند النبي عليه الصلاة والسلام، حتى قال له عندما ماتت زوجته الثانية لو كان عندي ثالثة لزوجتكها.
صلى الله على النبي محمد وهو أشد حياء من عثمان ورضي الله تعالى عن عثمان ذي النورين.
هل بقي شيء غير واضح ؟
أسأل الله تعالى أن يوصل المعنى المطلوب للقلوب.
لم أقرأ بيتاً شعرياً واحداً (ربما لتقصيري وجهلي) يتكلم عن خصوصية هذا الرجل العظيم في الحياء وهو ثالث الخلفاء الراشدين ذي الفتوح العظيم. ولذلك قد يكون هذا التركيز في مطلع القصيدة مختلفاً عن تركيز باقي الشعراء. فكان استغرابكم وليس ذلك بغريب.
صلى الله على النبي وآله ورضي الله تعالى عن أصحابه وأزواجه جميعاً
بوركتم.