منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 5 من 13 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 121
  1. #41

    حياك الله أستاذ أسامة والسلام عليكم :
    كمارأيت كثافة عطائك وكتاباتك وافكارك فإلى أي مصدر تعزي هذا الامر؟
    وأمام عمرك الشاب ماشاء الله نرى زخم العطاء فما تفسير ذلك؟ بصدق وشفافية؟ هل هو إدمان وحالة تواؤم وتوحد نفسي وفكري مع البحث والمتابعة؟
    وكما ذكرت الدكتورة بنان هل يصل الباحث إلى درجة يطغى فيها البحث على وقته امام التزام الحياة الاجتماعية؟
    وكيف تنظم وقتك داخل رمضان وخارجه؟
    وسامح فضولي.
    أديبه

  2. #42
    السادة المحترمون
    تحية وبعد
    شكرا للشاعر والناقد عبد الرحيم محمود، وللأستاذة ريمة، وللكاتبة أديبة على أسئلتهم
    وفي ما يلي ما يدور في خاطري من أفكار حول ما طرحتموه من تساؤلات
    أسامة عكنان
    ***********
    سؤال الشاعر والناقد عبد الرحيم محمود:
    هل ترى أن العالم العربي يتجه نحو مرحلة أفضل ـ أم أننا نسير نحو غير ذلك ؟
    ***************
    بعض مناطق الوطن العربي يمر بحالة تغييرات ثورية، وبعضها يمر بحالة تغييرات إصلاحية، والبعض الآخر ينتظر ويترقب.. إننا إذن في حالة مخاض.. فهل هذا الوطن سيتمخض عن مرحلة أفضل من حاضره أم انها ستكون أسوأ منه؟ السؤال على هذا النحو يأخذ طابع الإطلاق والتعميم، وبالتالي فهو سؤال غير علمي، ولا يستقيم أمر الإجابة عليه، إذا لم نحدد مجموعة من المعايير، تكون هي مرجعياتنا عند إصدار الأحكام، وعند إجراء المقارنات. فلكي تعرف أين ستقف في اللحظة القادمة، يُفترض أن تعرف أين أنت واقفٌ الآن. وإلا فلن تظفر بإجابة، لا بل لن يكون للسؤال أي معنى موضوعيا. وإذن فأين يقف الوطن العربي الآن؟!على هذا الصعيد أيضا لن نظفر بإجابات لها دلالة بخصوص "أين سنقف غدا؟"، إذا لم نحدد مكونات الواقع التي نريد أن نعرف بخصوصها "أين نقف اليوم؟"، لتتم المقارنة بعد ذلك بين وقفتي الغد واليوم، فيما يتعلق بهذه المُكونات تحديدا. كأن نسأل "أين نقف اليوم بخصوص الوضع الثقافي؟"، أو "أين نقف اليوم بخصوص الوضع التنموي؟"، أو "أين نقف اليوم بخصوص حالة الحريات والديمقراطية؟"، أو "أين نقف اليوم بخصوص حقوق المرأة؟"، أو بخصوص "حالة التعليم"، أو بخصوص "الوحدة العربية"، أو بخصوص "تحرير الأرض المحتلة".. إلخ، ليكون الحديث عن وقفة الغد في ضوء المتغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة، متمحورا حول القضايا التي تم الحديث عن مكان وقوفنا بخصوصها اليوم. ومع أن الأمور مترابطة بعضها إلى البعض الأخر بشكل عنكبوتي، بحيث أن أي تغيير يحدث على صعيد المُكَوِّن المجتمعي "س" سيؤثر حتما وبشكل من الأشكال في اتجاه إحداث تغييرات على صعيد المكونات "ع" و"ل" و"ك" و"ق".. إلخ، إلا أن التحديد الذي أشرنا إليه لضمان نوعٍ من المعيارية هو أمرٌ مطلوب وضروري في كل الأحوال.وكي نجعل من حديثنا، حديثا في الإستراتيجيات وفي الكُلِّيات الأقدر على إعطائنا تصوراتٍ "مُحَصِّلِيَّة" الطابع تكون ذات دلالة في الموضوع، بدل حصره في الجزئيات وإغراقه في التفاصيل، التي لا تؤشر هي في ذاتها على مُحَصِّلَة المسارات التاريخية، إلا بقدر ما تتم قراءتُها في الإطار الكلي الذي تتحرك فيه ومن خلاله، فإننا سوف نُلَخِّص المُكونات المعيارية التي ستكون بمثابة مرجعياتٍ لنا في الحكم على التَّغَيُّر المرتقب إن كان تصاعديا أو نكوصيا، تقدميا أو تراجعيا، في العناصر الكلية التالية التي رافقت وترافق التغييرات العميقة التي تحدث في الوطن العربي الآن، والتي هي في العادة رفيق كل الثورات الإنسانية، وكل أنواع الحراك الذي يُحْدِثُ منعطفاتٍ شديدةً في تاريخ الأمم والشعوب..أولا.. الثورة والأزمة، أيهما السبب وأيهما النتيجة.. وهو المُكَوِّن الذي سنعرف من خلاله إن كانت الأزمة التي نعاني منها الآن، أشد وأعمق، أم أنها ستكون كذلك لاحقا بعد التغيير..ثانيا.. الثورة والأجندات الخارجية.. وهو المُكَوِّن الذي سنعرف من خلاله إن كان التدخل الخارجي في شؤوننا سيخف ويتقلص بعد التغيير، أم أنه سيزيد..ثالثا.. الثورة والتغيُّر في مواقع الشرعيات.. وهو المُكَوِّن الذي سنعرف من خلاله إن كانت شرعية سلطة الشعب ستتحقق بعد التغيير بشكل أفضل منه الآن، أم أن الذي سيحصل هو العكس..رابعا.. الثورة وانشقاق المثقفين.. وهو المُكَوِّن الذي سنعرف من خلاله إن كان حال الثقافة العربية بعد التغيير هو حال ثقافة أكثر انشقاقا عن المنظومات القديمة والمتراجعة والمتخاذلة، أم أن هذا القدرَ من الانشقاق المنشود لن يتحقق..خامسا.. الثورة أكبر استثمار في التنمية المستدامة.. وهو المُكَوِّن الذي سنعرف من خلاله إن كانت هذه الثورات سوف تنجز لنا منتجات مجتمعية أقوى اقتصاديا، أم أن العكس هو الذي سيحصل..فلنتابع هذا التحليل بتؤدة وروية مع الاعتذار المسبق عن الإطالة والإسهاب الذين تقتضيهما طبيعته..
    ************
    أولا.. الثورة والأزمة، أيهما السبب وأيهما النتيجة..
    إن واحدة من الظواهر الملازمة للثورات الاجتماعية من حيث ردةُ فعلِ النظام الذي تستهدفه، هو أن ذلك النظام يصر على وصف الحالة التي تَنْتُجُ عن الثورة خلال صيرورة أحداث الحراك الثوري، بأنها "أزمة"، وبأن ما سينتج عن هذه "الثورة" هو أيضا أزمة، يبدأ بالحديث عن مردودها السلبي على المجتمع وعلى الدولة، ليتطور الحديث عن الثورة، من القول بأنها احتجاجات أثارت "أزمة"، إلى كونها احتجاجات أحدثت "فوضى" اجتماعية، منذرةً في حال استمرارها بـ "انهيار" الدولة ككل.ورغم أن هذا هو ديدن كل الأنظمة البوليسية التي تتم الثورة عليها، فإننا باستقرائنا للكثير من الثورات التي عرفتها البشرية، ونخص منها بالذكر ما عرفه القرن الماضي، لا نرى أيا منها أدى إلى انهيار الدولة أو إلى فوضى من تلك التي كانت تتحدث عنها الأنظمة المخلوعة قبل خلعها، بل إن العكس تماما هو ما كان يحصل غالبا إن لم يكن دائما.إن هناك عملية تضليل مُمَنْهَجَة تَتَّبِعُها كل القوى المضادة للثورات الشعبية، مُمَثَّلَة بالدرجة الأولى في المؤسسات الثقافية المُؤَصِّلَة والمُرَوِّجَة للأنظمة القمعية والبوليسية.. عمليةُ تضليل تعكس المعادلة، وتقلب الحقيقة، وتُزَوِّرُ الواقع، فتجعل السبب نتيجة والنتيجة سببا.من حيث المبدأ لا يوجد شعب يتمتع بالحرية والعدالة ثم يقوم بتفجير ثورة، لأن كل الثورات إنما تنطلق من أجل "الحرية" و"العدالة"، فإذا كانت هاتان القيمتان متوفرتين ومتحققتين في المجتمع بالقدر الذي يحول دون حدوث التناقضات بين بنائيه الفوقي والتحتي، فلمَ الثورة، ولأي غاية يُفترض أن يثور الناس إذن؟!الثورة في جوهرها هي عملية حراكٍ جمعي واعٍ، يدفع إليه تراكمٌ متنامٍ للاحتقان المجتمعي، الناتج عن عدم تجاوبِ البناء الفوقي في المجتمع، مع متطلبات البناء التحتي فيه وهو ينمو ويتطور، تجاوبا طبيعيا وموضوعيا، إلى أن يصل البناءان إلى مستوى من التناقض يستحيل معه أن يتعايشا بدون صدام واحتكاك يهدف إلى إعادة إنتاج المجتمع وعلاقاته وبُناه الفوقية بشكل يضمن حالةً من التوافق مع بُناه التحتية.أي أن الثورة لا يمكنها أن تصبح ضرورة، ولا أن تتحول من ثمَّ إلى أمرٍ واقعٍ وإلى حالةِ حراكٍ موضوعية، إلا بوجود أزمة عميقة ومتجذرة سبقتها وأدت إليها وجعلتها الحل الوحيد الممكن للحفاظ على بُنية المجتمع. كما أنها – أي الثورة – بناء على ما سبق، هي عملية اجتماعية حاسمة، تستبقُ حالةَ الفوضى والانهيار اللتين تكون الأزمة المستفحلة التي تسبب فيها النظام القمعي البوليسي، قد بدأت تنذر بقربهما في ظل النظام القائم نفسه، باعتباره نظاما خلق بسياساته القمعية والبوليسية المتراكمة كل عناصر تلك الأزمة.إن المجتمع بثورته لا يسبب أزمة وإنما يستجيب لأزمة تتطلب التعاطي معها بإيجابية، سعيا نحو حلها وتفكيك عناصرها، للتخلص من تداعياتها، استباقا لانهيار الدولة وعموم الفوضى في المجتمع بسبب تلك الأزمة ذاتها. وكأنها نوع من حصون المقاومة الذاتية يلجأ إليها المجتمع قبل حدوث الانهيار الشامل والفوضى العارمة في بُناه ومؤسساته. إن الثورة بهذا المعنى هي فعل إيجابي يدافع به الكائن الاجتماعي الحي عن نفسه من الفناء والاندثار اللذين تظهر نُذُرُهما في الأفق بسبب ممارسات "نظام اللاحرية" الذي يُنْتِجُ حتما "نظامَ اللاعدالة". وهذا يعني أن المجتمع الذي تصل حالة الاحتقان فيه إلى حدودها القصوى دون أن يثور للتخلص من حالة الاحتقان تلك، إنما هو مجتمع يستسلم لحالة التفكك والانهيار والفوضى التي ستقضي عليه قضاءً تاما، ليُعَبِّرَ عن أقصى درجات السلبية وعدم استحقاق الحياة أصلا.وبتعبير أدق، فإن المجتمع المأزوم بتداعيات ممارسات "نظام اللاحرية"، هو مثل الجسم المريض، الذي يجد نفسه معنيا باستخدام كل وسائل دفاعه كي يقضي على الفيروسات والميكروبات التي تهاجمه، سعيا للتخلص منها والعودة إلى وضع السلامة من المرض. إنه يثور على الأزمة الداخلية التي سببتها تلك الفيروسات المهاجِمَة لتجنب الانهيار التام وعموم الفوضى التي ستؤدي إلى الموت حتما.إن حالة الغليان الاجتماعي التي نلاحظها إبان الأحداث الثورية أو قُبَيْلَها أو بُعَيْدَها، تشبه حالة الحرارة المرتفعة التي تُسَبِّبُها مقاومة الجسم لأعدائه ومهاجميه والحريصين على إفنائه وانهيار قواه. أما حالة عدم التوازن الكامل التي تعقبُ مباشرة لحظات التغيير الثوري، فهي أشبه بفترات النقاهة التي يمر بها الجسم وهو ينتقل من حالة الانتصار على المرض إلى جالة التعافي التام، حيث تكون قواه غير متوازنة خلال تلك الفترة، لكنه لا يلبث أن يعود كما كان من قبل بل وأفضل وأقوى.إن المجتمع الذي تصل عناصر القمع والبوليسية والاستعباد والظلم الاجتماعي فيه حدودَها القصوى، هو مجتمع مأزومٌ وصلت إمكانات أزمته إلى أقصى درجاتها، بعد أن تكون كل عناصر المرونة فيه قد استُنْفِذَت في التعامل مع هذه الأزمة، دون تحقيق نتائج ملموسة على صعيد "الحرية"، وهو عندئذ يجد نفسه معنيا بالثورة، للتعامل مع الأزمة بما يليق بها من أدواتٍ فرضتها مستوياتها تلك.وكما أن الفيروسات التي تصيب الجسم تستمر في الدفاع عن نفسها باستماتةٍ وهي تحاول الإبقاء على عناصر الأزمة القاتلة مُتَمَكِّنَة من الجسم الذي أَزَّمَتْه، فكذلك النظام البوليسي القمعي يفعل الشيء نفسَه، إلى نهاية المعركة التي لن تهدأ إلا باستسلام أحد الطرفين وانهياره. فإما انتصار "نظام الحرية" بانتصار الثورة، وإما بقاء واستمرار "نظام اللاحرية"، حتى لو تم ذلك بتقديم بعض التنازلات هنا، وبإلقاء بعض الفتات هناك.من هنا يتجلى لنا أن الانهيار والفوضى والأزمة التي تتحدث عنها الأنظمة في سياق خوضها لمعركة البقاء والاستمرار في مواجهة ثورات الشعوب، إنما هي محاولات يائسة للقفز على الحقائق، ولشرخ الصفوف، ولاستخدام سلاح الإرهاب ضد الثائرين، أو على الأقل ضد الفئات الصامتة التي لم تحسم أمرها بعد. ولعله لهذا السبب تتشابه الأنظمة البوليسية أو "أنظمة اللاحرية"، في الطُّرُق النمطية التي تتبعها في مواجهة الثورات الشعبية.فلكي يكون للزَّعْم بأن الفوضى والانهيار هي مصير المجتمع والدولة، جراء الثورة التي يجب أن تظهر كعمل تخريبي غير مسؤول، معنىً واقعيا ملموسا وذا دلالة، كان من الطبيعي أن يتم سحب الجهاز الأمني من الشوارع والمدن والتجمعات السكنية، وترك كافة الأماكن الحضرية نهبا للسلب والترويع، عبر تهريب السجناء والمجرمين من السجون ومراكز التوقيف في لحظات الذروة الثورية، وعبر استخدام فئات مأجورة يكون النظام – على مدى سنوات حكمه البوليسية – قد انشأها ودربها وعمل على ربطها به حياتيا بشكل طفيلي يجعلها لا تضمن حياتها ووجودها إلا في بقائه واستمراره، كي تستميت في الدفاع عنه، مدخرا إياها لمثل هذه المواقف.وهذا على وجه التحديد هو ما فعله النظامان البوليسيان "التونسي" و"المصري" قبل سقوطهما، وما تفعله الأنظمة الأخرى الواقعة في المآزق نفسها في كل من اليمن وليبيا وسوريا، وهو أيضا ما فعل بعضا منه النظام الأردني في تعامله مع بعض التظاهرات التي لم تكن تعجبه، عندما أدخل بعض مرتزقته وبلطجيته على الخط، ليتسبب تدخلهم في أكثر من موقعة في عشرات الإصابات.تفعل الأنظمة ذلك عندما يتبين لها أن الثورة في الشارع أصبحت أكبر من أن تُواجَه بأدوات النظام المعدة لهذا الغرض، أو عندما يراد خلط الأوراق بشكل أو بآخر. إنها آلية من آليات دفع الثورة لتُواجَه بالشعب الذي تدعي أنها تمثله وتدافع عن حقوقه المسلوبة، وذلك عبر إشعار ذلك الشعب بأن الثورة تسببت له في كارثة أمنية، كي لا يساندها إن كان يفكر في ذلك. إنها خطوات استباقية لمحاصرة الثورة بفكَّي كَماشَة، أحدهما الجهاز البوليسي القمعي للنظام، وثانيهما جماهير الشعب المرعوبة على أمنها وعلى حياتها ومالها وعرضها، وذلك في اللحظات المبكرة من عمر الثورة، وقبل أن تلتحم بها بعدُ، ذلك الالتحام الذي يجعل مصير النظام على المحك التاريخي.ولعل النظام المصري المخلوع ذهب بعيدا في هذه اللعبة العازفة على وتر الترهيب من الفوضى وانهيار الأمن، عندما تجاوز مسألةَ إرهابِ الخطوطِ الخلفية والمَدَد الشعبي للثورة، بتلك الفئات المأجورة التي عُرِفَت في يوميات الثورة المصرية بفئة "البلطجية"، عَقبَ انسحاب المؤسسة الأمنية بالكامل من الشارع المصري، بأن عاد ليستخدمها استخداما غيرَ مسبوقٍ في الموروث المضاد للثورات، مهاجما بها الثوارَ أنفسَهم، لإرهابهم وقتلهم وترويعهم وشرخ صفوفهم ودفعهم إلى التراجع والانكفاء، في محاولةٍ لإشعار جميع المراقبين والمتابعين لصيرورة الأحداث – وخاصة جماهير الشعب المصري التي كان هذا النظام يحاول استدرار تعاطفها واستنفار مخاوفِها في الوقت ذاته، مستغلا حيرتَها وترددَها وبساطتَها – بأن الأمر في طريقه لأن يتحول إلى حرب أهلية، وإلى صراع بين فئات الشعب المتعارضةِ المصالحِ والمتناقضةِ في الرؤى والأهداف، عندما ظهر هؤلاء البلطجية في صورة المدافع عن النظام والمؤيد له بشكل بدائي وهمجي من الواضح أن النظام لم يكن يهتم به كثيرا، بقدر ما كان يهتم بنتائجه على الأرض.والنظام المصري المخلوع إذ فعل ذلك ولجأ إليه، فلكي يدفع بالجميع إلى الاعتراف له بمشروعية قبضته الأمنية التي كانت قادرة على حماية البلد من أمر كهذا. لقد كان النظام المصري بشعا في ممارسته لهذه السياسة، منذ بدأت الثورة تثبت أنها لغةُ الشارع المصري المُعْلَنَة، وأنها أداتُه الفعلية الوحيدة في المطالبة بحقوقه، المتمثلة أولا وقبل كل شيء في تحرُّرِه من الاستبداد، بالرحيل الكامل وغير المنقوص لنظام الاستبداد.مع أن ما فعله النظام المصري تكرر وما يزال يتكرر في كل بلد عربي ثار فيه الشعب ضد النظام. إنها محاولات مستميتة لإخافة الشعب من الثورة بالعزف على وتر كاذب ومشروخ بأن الأزمة قادمة بسبب الثورة، في تجاهل تام لحقيقة أن الأزمة زائلة لأن الثورة انطلقت!!
    يتبع

  3. #43
    ثانيا.. الثورة والأجندات الخارجية..
    عندما تسيطر على "نظامِ لاحريةٍ" يترنحُ أمام زخمِ ثورةٍ شعبيةٍ، حالةٌ من الارتباك وانعدام التوازن وفقدان عناصر القدرة على التعامل العقلاني مع صيرورة الأحداث في يوميات تلك الثورة، فإنه يصبح نظاما غيرَ قادر على التحرُّرِ من الكذب والتدليس والادعاء، بل وغيرَ قادر على التفريق بين ما يمكنه أن يُصَدَّقَ وما لا يمكنه أن يُصَدَّقَ، حتى لو اضطر إلى استجداء البقاء والمغفرة، بإهانة من يستجديهم، دون أن يدرك أنه يفعل ذلك. ليصبح في نهاية المطاف نظاما أبلها تختلط في ممارساته وأفعاله إفرازات الوعي بإفرازات اللاوعي، والسلوكات الهستيرية بالسلوكات الهلوسية. ونحن هنا لا نتحدث بشكل عاطفي انطباعي، بل بشكل علمي يرتكز إلى قواعد وقوانين ومبادئ "علم النفس".إن هكذا نظام يمارس مجددا كذبتَه التي كذَبها عبر سنين هيمنته وقمعه وبوليسيته فصدَّقَها، لأنه بالفعل ما يزال يصدقها، ويظن أن من كان ساكتا عنها تصديقا أو ضعفا أو نفاقا أو خوفا أو جهلا، هو بالفعل ما يزال كذلك. إن نظاما كهذا في ظرفٍ كهذا، لا يجد غضاضة في عرض تنازلٍ قد يتمثل في "إقالة حكومةٍ"، أو في "تغيير وجوه حزبيةٍ ومؤسسية"، أو في "الوعد بإحداثِ بعض التغييرات الشكلية في مرفق هنا أو مرفق هناك" بل وحتى في تأليف مسرحيات "إصدار القوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات والحريات".. إلخ، متخيلا ومتصورا أن الثائرين الذين لم يصدقوه عبر عقودٍ من الزمن، لأنه كان دائما يَعِدُ ويكذب، هذا إن وعد أصلا، سيصدقونه الآن إذا ظهر بمظهر المتباكي على نفسه ممن خذلوه وخانوه من رموزه الذين وثق فيهم، فلم يكونوا في مستوى ثقته، مع أنه لم يُغَيِّر لا مفردات خطابه، ولا طريقته الاستعلائية في الحديث، حتى وهو يستجدي ويستغفر.وإذا كانت هذه هي حالةُ "نظام اللاحرية" في لحظاتِ احتضاره بوجه عام، فإن قيام هذا النظام بإهانة الجماهير بما يعتقد أنه يخيفها ويردعها، كما كان يفعل معها دائما إبان سطوته وسيطرته، يُعَدُّ أكثرَ مظاهر الحُمْقِ والبلاهة والاختلالات النفسية، التي تسرِّع في انهياره وانطواء صفحته إلى الأبد. ليس هناك ما هو أكثر إهانةً لشعبِ ثائر يُعَبِّرُ بثورته عن أسمى درجات وعيه بنفسه واكتشافه لذاته واستخدامه الفعال لقدراته الإنسانية لأجل استرداد حريته المسلوبة، من أن يتم وصف أدائه الثوري الذي يعيد به بناء هويته الوطنية والثقافية والأخلاقية، بأنه ليس منطلقا من ذاته، ولا هو من وحي إرادته وصيرورة بحثه عن حريته، بل هو مرتبط بأجندات خارجية مشبوهة ومعادية، تستخدمه لزعزعة استقرار الوطن، وللقفز على مصالحه بشكل انتهازي يوظف حاجته إلى الحرية والعدل أبشع توظيف. وفي الوقت ذاته، ليس هناك نظامٌ أحمق من ذلك الذي يتهم شعبا بأكمله بالخيانة والتواطؤ والارتباط بالأجنبي ضد مصالح الوطن. لأن السؤال المدوي الذي يطرح نفسه هو: هل يخون الشعب نفسه؟!إن الخيانة سلوك مشين يمارسه بعضُ القليلِ ضد مصلحة الكلِّ الكثير، وليس العكس. لا يمكن لشعبٍ أن يخون نظامه السياسي، بينما يمكن لنظام سياسي أن يخون شعبه. الشعب ليس مضطرا لخيانة النظام، لأنه بكل بساطة هو صانعه وواضعه، ويملك بالبساطة نفسها حق عزله وإلقائه في القمامة. رفض الشعب لنظامه السياسي حق مشروع لا يناقش، أما اعتداء النظام على أي حق من حقوق الشعب فهي خيانة لا تناقش.ولكن ولأن النظام القمعي الذي يكون قد تربع على عرش الهيمنة عقودا طويلة من الزمن عوَدَّته على استمراء الكذب والاعتقاد بصدقه وصحته، يهيؤ له بسبب ما يرَوِّجُه مثقفو الانتهازية والدجل والنفاق المنتفعين والمسترزقين منه، أنه هو الأصل والأساس، وأنه هو الوطن والشعب، وأن فكرته وسياسته هي المرجع والمعيار، وبالتالي فكل من يخرج عليه – ولا يهم النظام هنا إن كان هذا الذي يخرج عليه كثيرا أم قليلا، فردا أو أمة بأكملها – هو الخائن، ولأن الثورة تخرج عليه، فإنها ومع أنها تمثل كل الشعب أو معظمة على الأقل، فهي الخائنة وهي المرتبطة، لأنها تريد أن تزعزع استقراره هو تحديدا بصفته الأساس والمرجع والمعيار الذي يُعْتَبُر الحفاظ عليه تيرموميتر الوطنية والانتماء والولاء للأمة وللوطن.لقد صرخت المناضلة القبطية "سالي توما" وهي واحدة من القيادات الفعلية لثورة شباب مصر ردا على "عمر سليمان"، وقبله ردا على رئيسه المخلوع، وبعده ردا على كل أعوانه الإعلاميين ممن كان ديدنُهم تزويرَ الوعي الشعبي المصري، باتهام الثورة بأنها تخدم أجنداتٍ أجنبيةً أريد لها أن تكون هي "إيران"، وأخرى داخلية أريد لها أن تكون هي "الإخوان".. صرخت متسائلة أمام العالم، في بث حي ومباشر على قناة الجزيرة، خلال يوميات الثورة المصرية: "أي أجندة أجنبية أو داخلية من تلك التي تُتَّهَم بها الثورة المصرية، يمكن لطبيبة مصرية قبطية تزين صدرَها بالصليب أن تخدمَها، هل هي الأجندة الإيرانية أم الأجندة الإخوانية؟!لتتجلى في كلمتها المزلزلة تلك، حقيقة الحقائق كلها، ألا وهي أن الذي يخدم أجندات أجنبية لا يستطيع أن يفعل أكثر من تفجير دار للعبادة هنا أو اغتيال بريء هناك، أما من يحرك شعبا ليسقط الاستبداد، ويحشد أمة لتثور ضد نظام ديكتاتوري فاسد، إنما يخدم أجندة واحدة وحيدة، هي أجندة الشعب والشعب فقط، وأن كل من يقف في وجه هذه الأجندة هو المشبوه المتآمر الذي يخدم كل أجندات أعداء ذلك الشعب، وأن أكبر طعنة لشرف أي شعب هي أن تتهم ثورته بأنها تستخدمه لتخدم غيرَه. وبالتالي فالثورات تهدم فيما تهدمه كل أشكال التبعية وخدمة الأجندات الخارجية الأجنبية.
    ثالثا.. الثورة والتغيّر في مواقع الشرعيات..
    عندما تطالب حركة شعبية ما بإحداث تغييراتٍ، سواء كانت هذه التغييرات في "منظومة الحرية" أو في "منظومة العدالة"، وتتوجه بمطالبها تلك إلى مؤسسات النظام القائم ذاتها، مكتفية بالتأكيد على ضرورة تنفيذه لمطالبها، التي غالبا ما تكون في مثل هذه الحالة، مطالبَ تنصب نحو "نظام العدالة"، وقلما تتجه نحو "نظام الحرية"، وإن اتجهت نحوها فإنها تكون شكلية ومحدودة ولا تمس جوهرَ قواعد الحرية في المجتمع، فإننا بإزاء حركة شعبية ذات طبيعة "إصلاحية". أما عندما لا تكتفي الحركة الشعبية بتوجيه مطالبها إلى مؤسسات النظام، وتصر على أن مطالبَها تنطوي ضمنا على إحداث تغيير في أسس ذلك النظام وقواعده والأصول التي يقوم عليها، والتي غالبا ما تتجلى عبر قواعد ومفاهيم "نظام الحرية"، فإننا في واقع الأمر بإزاء حركة شعبية ذات طبيعة "ثورية".إن "الثورة" إذن هي الحركة الشعبية التي تتجه نحو إحداث تغييرات في منظومة العلاقات الحاكمة لمفاهيم وقواعد "الحرية" في المجتمع، حتى لو امتلكت هذه الحركة رؤيتَها الخاصة بتنظيم قواعد ومفاهيم "العدالة"، التي تعي الحركة الشعبية الثورية جيدا، أن الاكتفاء بالمطالبة بإحداث تغييرات على مستواها، لا قيمة لها على صعيد إحداث التغيير في منظومة قواعد ومفاهيم "الحرية"، لأن طبيعة الأمور تشير إلى أن منظومة مفاهيم وقواعد "الحرية" تمثل وعاءً ينطوي على منظومة قواعد ومفاهيم "العدالة"، بينما العكس ليس صحيحا.فقد تتحقق بعض مظاهر العدالة في بعدها الاجتماعي أو الاقتصادي في ظل نظام شمولي ديكتاتوري أحادي الرؤية تكاد تنعدم فيه قواعد "الحرية". أي أن تَحَرُّكَ النظام الحاكم المتجاوب نسبيا مع متطلبات المجتمع فيما يتعلق بمنظومة قواعد ومفاهيم "العدالة"، أمرٌ ممكن، بدون المساس الجوهري بمنظومة مفاهيم وقواعد "الحرية". إلا أن هذا التحركَ النسبي الممكن نفسُه، مرتبط بمستوى الحرية ذاتِه، بحيث أن مستوى معينا من "العدالة"، قد لا يمكن تحقيقه بدون إحداث تغييرات جوهرية في "نظام الحرية". وهذا يعني أن ذلك المستوى من العدالة عندما يصبح مطلبا من مطالب البُنية الفوقية للمجتمع، حَتَّمَتْه وقائع بُنْيَتِه التحتية، فلن تتاحَ فرصة تحقيقه، إلا بإحداثِ التغيير في "نظام الحرية" نفسِه.من هنا فإن "أنظمة اللاحرية" البوليسية الطابع تحاول تَجَنُّبَ أن يمسَّ الحراك الاجتماعي المطلبي المُنْصَب باتجاه "العدالة"، بُنية "نظام الحرية" السائد بشكل جوهري، عبر تقديم بعض التنازلات غير الجوهرية في "نظام العدالة"، تُبْقي الحركة المطلبية عند حدودها المطلبية دون أن تتجاوزها إلى دعوات بهدم النظام. ولكن عندما يصبح "نظام العدالة" المطلوب شعبيا، ينطوي ضمنيا على مطالبات بتغييرات جوهرية في "نظام الحرية" كي يتحَقَّق، فإن النظام يصبح معنيا بالحرب على جبهة مصيره، جبهة حياته أو موته، ألا وهي جبهة الأسس والقواعد الناظمة لـ "الحرية".إن الحد الفاصل بين "الحركة الشعبية الإصلاحية" التي تمارس فعلَها الحركي في إطار الدعوات المطلبية الاجتماعية تحت سقف الحرية السائد في نظام ما، وبين "الحركة الشعبية الثورية"، التي تقفز بفعلها الحركي إلى مدياتٍ أوسع من مجرد الإطار المطلبي ضمن سقف الحرية السائد، مُصِرَّةً على إعادة إنتاج قواعد الحرية في المجتمع، بشكل يتيح مشاركةً فعليةً في السلطة من شأنه إتاحة الفرصة لتغيير قواعد "العدالة" تغييرا جوهريا..نقول.. إن الحد الفاصل بين هاتين الحركتين، هو في حقيقته حدٌّ فاصل بين شرعيَّتَيْن، إحداهما هي الشرعية الدستورية القائمة، التي تُغَطِّي على سوءات "نظام الحرية" الموجود، والذي هو في الواقع "نظام لاحرية"، وتعطيه شرعيَّتَه، أما الثانية فهي شرعية ثورية، تتولى مهمة هدم الشرعية الدستورية القائمة، لتقيم على أنقاضها شرعيةً دستورية جديدة.من هنا يتضح لنا بجلاء أن الصراع بين النظام والحركات الإصلاحية هو صراع على إعادة ترتيب قواعد "العدالة" ضمن الشرعية الدستورية الواحدة التي يتفق عليها الجميع، وهو ما يجعل عمليات الإصلاح في ظل أنظمة "اللاحرية" البوليسية التي ما وُجِدَت ولا نشأت في الأساس إلا لحماية منظومات "اللاعدالة"، مجرد عمليات ترقيع كاذبة لا تنجح سوى في ترحيل مُكَوِّنات التناقض بين الحركات الشعبية والنظام، إلى المراحل التي يُفترض معها أن تقفز الحركة من دور "الإصلاح" إلى دور "الثورة". في حين أن الصراع بين النظام والحركات الثورية هو صراعٌ على إعادة ترتيب قواعد "الحرية"، أي أنه في جوهره صراع بين شرعيتين، لن يستقيم أمر المجتمع بدون أن تقضي إحداهما على الأخرى وتزيحها من طريقها بشكل كامل.إن حالة اللاَّتَوَقُّف في تطور البُنى التحتية للمجتمع، بما يتطلب لا توقفا مقابلا في تجاوب البُنى الفوقية مع هذا التطور، يجعل حلَّ التناقضات النسبية الناشئة عن ذلك التطور يتحقَّقُ في ظل الديمقراطيات الحقيقية بشكل إصلاحي، حتى على صعيد تغيير قواعد "الحرية". لذلك كانت الديمقراطية التي تحتكم إلى منظومات قواعد "الحرية"، هي الحل الأنسب في ظل الثقافة الإنسانية المعاصرة السائدة، لتجَّنُّب الثورات وحصر الحركات الشعبية المطلبية في دوائر الفعل الإصلاحي. إن الديمقراطية الفعلية والفاعلة، هي الضمانة على إبقاء التناقضات بين الثقافات والرؤى والبرامج المتنافسة في المجتمع، قابلة للحل في إطار الشرعية الدستورية دونما حاجة إلى إسقاط تلك الشرعية وبناء شرعية جديدة على أنقاضها.إن "نظام الحرية" الديمقراطي إذا لم يقدر على ضمان حل التناقضات التي تفرضها طبيعة العلاقة بين البناءين التحتي والفوقي في المجتمع خلال صيرورتهما التطورية، هو نظام ينطوي على خلل، وسوف تتم الحاجة إلى الثورة عليه يوما ما بسبب ذلك الخلل، لأنه إنما يُعَبِّرُ بهذا الخلل عن فجوة أو ثغرة تَعْبُرُ منها الاحتقانات المؤدية إلى استفحال التناقض الموجب للثورة في المستقبل، وهو الأمر الذي يدفع إلى التشكيك في مدى ديمقراطية ذلك النظام من حيث المبدأ.إن أي نظام قمعي بوليسي من أنظمة "اللاحرية" يحرص على أن يحشرَ أي حركة شعبية مطلبية، وبصرف النظر عن مستويات تناقضها معه ومع بُناه الفوقية، في دائرة الإصلاح والإصلاح فقط، لأن في ذلك ضمانا للاعتراف بالشرعية الدستورية التي يقوم عليها هو ذاته، وضمانا لعدم المساس الجوهري بمنظومة مفاهيم وعلاقات "الحرية" السائدة. وعندما تقعُ "الحركة الشعبية الثورية" في شَرَكِ تحويرِ مطالبها، من كونها تتعلق بإحداث تغييرات جوهرية في منظومات "الحرية"، إلى جعلها تتعلق فقط بإحداث تغييرات شكلية في تلك المنظومات أو إلى التركيز فقط على إحداث التغييرات في منظومات "العدالة"، فهذا يعني أن النظام قد نجح في حرفها عن مسارها الثوري، ونجح بالتالي في استحلاب اعترافها بالشرعية الدستورية التي يقوم عليها، فيصبح مُحَصَّنا عندئذ من الانهيار والسقوط.ولعل هذه المسألة هي أهم المسائل التي تضع الحركاتِ الثوريةَ على محكِّ الاختبارات الفاصلة في تاريخها، فهي التي تكشف عن مدى وعيها بذاتها، وعن مدى إدراكها لطبيعة نفسِها، وعن مدى تفهُّمِها لمضمون رسالتها، ولأفق اندفاعها الثوري، وعن مدى ثقتها بنفسها، ويقينها بنجاحها، وبقدراتها على إحداث الانقلاب بإسقاط النظام السائد. إن طبيعة الحراك الثوري تقتضي أن يتم النمو في الأداء الشعبي بشكل متصاعد في المطالب، التي قد تبدأ في إطار إصلاحي لتتحول إلى إطار ثوري في سياق الصيرورة الثورية.فإذا تمكَّن النظام من النجاح خلال معركة كسر العظم بين الطرفين، في جعل النمو في الأداء الشعبي الثوري يتم بشكل سلبي، بأن تبدأ سقوف المطالب بالتراجع بدل التزايد، فإن مصير الحركة الشعبية الثورية يدخل دائرة الخطر بكل تأكيد. يجب على الثوار وعلى كل صناع الثورات أن يدركوا جيدا وأن يعوا على الدوام، أن الثورة تفرض صراعا وجوديا بين شرعيتين، وبالتالي فلن نستطيع اعتبارها ناجحة إلا في حال تمكنت من إسقاط الشرعية التي يقوم عليها النظام الذي ثارت ضده، لتقيم على أنقاضها شرعيتها الجديدة التي ستبني بها نظاما جديدا.في "ثورة مصر"، حاول النظام المخلوع على مدى ثمانية عشر يوما أن يَجُّرَّ الثورةَ والثوارَ إلى عباءة الدستور الذي يُظَلِّلُه ويمنحُه شرعيتَه، كي تفقدَ الثورة مقولةَ أنها خَلَقَت شرعيَّتها التي أسقطت النظام وشرعيته منذ أول أيامها. فمعظم الحوارات والنقاشات والتحليلات التي تابعها جميع المراقبين، كانت تنحصر فضلا عن صيرورة الأحداث اليومية، في معادلة شدٍّ وجَذبٍ بين ثوارٍ يصرون على أنهم لا يعترفون بشرعية نظام أسقطته ثورتهم وأسقطه الشعب الذي يمثلونه، وبين رئيس ونائب رئيس ورئيس وزراء يصرون على عرض كل التنازلات والحلول التي يستطيعون تقديمها تحت عباءة الدستور الذي يبقي نظامهم شرعيا.ولأن هذه المعادلة هي نوع من المبارزة بالسيف حتى الموت، فما كان أمامها إلا أن تؤديَ إلى موت أحد الطرفين عندما يعجز عن الاستمرار ويفقد أسلحته ويحرق كل سفنه وأوراقه. وكان النظام المخلوع هو من انهار بالضربة القاضية في الساعات الأخيرة من اليوم الثامن عشر من أيام الثورة، لأن ثوار مصر الشباب أدركوا أن ثورتهم التي انطلقت حركةً إصلاحية وانعطفت إلى ثورة بعد برهة من الممارسات البوليسية الدموية للنظام، فرضت معادلةً قوامُها التناقض بين شرعيتين، يمثلون هم إحداهما فيما يمثل النظام الثانية، وبالتالي، فإن لم يهزموا النظام بالضربة القاضية، فإنه ىسيهزمهم وسيفقدون الكثير إن لم يفقدوا كل شيء، تأكيدا لقاعدة أن "الثورة الكاملة إذا كانت انتصارا، فإن نصف الثورة" هي كارثة حقيقية.ومن هنا يأتي تأكيدنا على أن أي ثورة عربية من الثورات الراهنة إذا فشلت في تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجل تحقيقها، أو تلك التي انعطفت باتجاهها خلال الأحداث، وتفشل بالتالي في تغيير مواقع الشرعيات، سوف تكون نتائج فشلها الوخيمة على الحياة أكثر إضرارا بالدولة من النظام السابق قبل الثورة عليه. أي وبكلمة أخرى، إن المعركة عندما تصبح معركة تبادل سيادة شرعيات، إحداهما شرعية ثورة الشعب، فإن الخير كل الخير في أن تنتصر الشرعية الجديدة وتثبت أقدامها.
    رابعا.. الثورة وانشقاق المثقفين..
    لكل نظامٍ سياسي ثقافتُه التي يرتكز إليها، ومثقفوه الذين يدافعون عنه ويتبنَّوْنه ويُرَوِّجون له. وبتلك الثقافة وبهؤلاء المثقفين، يعمل النظام على تأصيل سياساته وأيديولوجيته، وعلى تدعيم نفسه بين أفراد الشعب، مستخدما في ذلك ما يتاح له من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بدءا من المدارس، مرورا بدور العبادة، وانتهاء بكافة وسائل الإعلام وبالجامعات ومعاهد التعليم العالي، مستهدفا المواطن منذ ولادته، عبر إعادة إنتاج الثقافة الأسرية التي يتأسس في أحضانها ويتكون من خلال تقاليدها، ومتطورا معه خطوة بخطوة، مؤسسا للولاءات في نفسه وروحه وعقله، بما يتناسب مع تركيبة المصالح التي يمثلها ذلك النظام.ومع ذلك فإن الأنظمة البوليسية لا تستطيع منعَ بروز التناقضات بينها وبين هؤلاء الذين قضت عقودا من الزمن وهي تحقنهم بكل عناصر الولاء المزيَّف والتغييب الثقافي، إلى الحد الذي يتحولون معه إلى مادة خام لحراكٍ شعبيٍّ يطالب بالتعديل والتغيير والتطوير، بل وبالهدم وإعادة البناء أحيانا. تُرى ما الذي يجعل أولئك الذين لم يعرفوا عبر كافة مؤسسات التنشئة التي عاشوا حياتهم وهو يتمرَّغون في أكاذيبها، ثقافةً غير تلك التي يروِّج لها النظام، والذين لم يروا في محيطهم وفي بيئتهم إلا كل ما يؤسس لسياساته ويُنتج الولاءات له ولرموزه، يشعرون بتناقضهم معه وبرغبتهم في التحرك ضده حراكا قد يبدأ إصلاحيا ينطوي على نوع من المهادنة النسبية، وقد ينقلب إلى حراك ثوري غير مهادنٍ؟ أي نوع من الثقافات يتكون بعيدا عن أعين النظام وعن وقع آلته القمعية وعن كل ماكينات بلدوزره الإعلامي والتربوي، فيُنْتج كلَّ ذلك التناقض الذي لا يقبل المساومة، ويبدأ بالتململ والتحرُّك، إلى أن يتمردَ فيثور على بناءٍ متجذِّر الأساسات؟يحلو للكثيرين القولُ بأن تطورَ وسائل الاتصال، وتحولَ العالم من خلالها – وعلى رأسها السماوات المفتوحة عبر الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية – إلى قرية صغيرة، يتم التواصل بين أفرادها بأسهل وأسرع مما كان يتم به التواصل التقليدي بين أفرادٍ يقيمون في شارع واحد في قرية صغيرة في الريف، هو الذي أتاح الفرصة للناس كي يتعرفوا ويتبادلوا المعارف ويطلعوا على أنماط حياة مختلفة وعلى ثقافات متباينة.. إلخ، فكان من الطبيعي أن يساعدَ ذلك على معرفة مواطنِ الخلل في بُنى الأنظمة السياسية البوليسية، وعلى بَدْءِ تكوُّن عناصر التناقض معها.إلا أن واقع الحال من خلال الاستقراء يردُّ على هذه النظرية ويفنِّدُها إلى حدٍّ كبير. فأعظم الثورات ومعظمها، حصل في المجتمعات في كل العهود والأزمنة، وقبل أن تكون هناك وسائل اتصال عالمية كتلك التي يظن الكثيرون أنها هي التي أتاحت الفرصة لكثرة الثورات وسهولتِها، والتي ساعدت الشعوبَ من ثمَّ على تفعيل تناقضاتها مع الأنظمة البوليسية. هذا فضلا عن أن تاريخ الإنسانية كلِّه، حتى في الأزمنة التي لم تكن فيها وسائل اتصالات بالمعنى المادي لوسائل الاتصالات موجودة أساسا، شهد ثورات غيرت مجرى التاريخ ومصير الأمم والشعوب، مثل "الثورة الأميركية، الثورة الإنجليزية، الثورة الفرنسية، الثورة البولشيفية، ثورات الوحدة الألمانية، ثورات الوحدة الإيطالية، ثورات الزنج والقرامطة وغيرهما في ظل الإمبراطوريتين الأموية والعباسية العربيتين، ثورة العبيد في إسبرطة، ثورات تحرر دول أميركا اللاتينية خلال القرن التاسع عشر، الثورات ضد الاستعمار خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ثورة عرابي وسعد زغلول وقبلهما ثورة مقاومة نابليون في مصر.. إلخ".علاوة على كل ما سبق فإن أهم الثورات التي حررت الشعوب من الاستعمار والتي أعادت إنتاج المجتمعات غير المستعمرة وفق أنظمة عدالة وحرية مختلفة عن سابقتها، حصلت خلال القرن العشرين في الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية ولغاية انهيار الاتحاد السوفياتي وتَفَكُّكِه نهايةَ العقد التاسع، وهي الفترة التي كان معظم جزئها الأول لا يعرف غير الإذاعات وسيلة للتواصل – وهي وسيلة لم تكن متاحة في المجتمعات بالشكل الذي يسمح بالقول بأنها وسيلة تواصل حقيقية بين الناس – والتي دخل في جزئها الباقي جهاز التلفزيون مَحَلِّي البث أداة جديدة للتواصل، وهي الوسيلة التي عانى انتشارها بين الناس من صعوبات أكبر من صعوبات انتشار المذياع.أي أن القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية لم تدخلا حياة البشر كأدوات للتواصل والاتصال إلا بعد حدوث كل تلك الثورات في العالم. لا بل إن الواقع يؤكد على أن وتيرة الثورات قد هدأت وخفت بشكل ملفتٍ على مدى العقدين الأخيرين اللذين شهدا اقتحام الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية عالم الاتصالات والتواصل بين الناس. فأربعون عاما من التواصل عبر المذياع، ثم عبره وعبر التلفزيون المحلي البث، غيرت وجه العالم، بينما عشرون عاما من التواصل غير المسبوق عبر الشبكة والفضاء، لم تحدث خلالها أي ثورة اجتماعية بالمعنى الحقيقي الذي كان يحدث في الحقبة السابقة.ونستطيع القول بكل ثقة وبدون أدنى مبالغة، أن عقدي "الفضائيات والشبكة العنكبوتية" الماضيين لم تحدث خلال انتشارها وسائل للاتصال والتواصل على مستوى كوكبنا الأرضي، سوى ثورات ما يطلق عليه الربيع العربي. إذن فعلينا أن نبحث عن إجابة على تساؤلنا السابق في مكان آخر، وأن نفهم من واقع الحال أن لوسائل الاتصال والتواصل المعاصرة دورا في الثورات غير الدور الذي تُؤَسِّس له الإجابة على تساؤلنا السابق إياه.إن وسائل الاتصال وأدوات التواصل بين الناس لها دور تنظيمي وإجرائي وإداري وترويجي في كل نوعٍ من الحراك يحتاج إليها، وليس لها أي دور تكويني أو تخليقي فعلي في ذلك الحراك، بما في ذلك القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية، بوصفها آخر ما توصل إليه الإنسان من أدواتٍ للتواصل بين البشر. وعلينا ألا ننسى أن النظام البوليسي نفسه يستخدمها أيضا لأجل الترويج لثقافته، وكثيرا ما ينجح في تحقيق هوامش لا يستهان بها في معركته.فالإعلام الأميركي – على سبيل المثال – وهو الإعلام المروِّج لثقافة الاستهلاك، ولحضارة الغريزة، ولاقتصاد السوق، وللبراجماتية المطلقة، وللميكافيللية السياسية، ولديمقراطية الثروة، هو من التغَوُّل والاتساع والهيمنة بحيث غدا يعتبر الأقدر بلا منازع على استخدام كل وسائل الاتصال والتواصل في العالم، وعلى رأسها الفضائيات والشبكة العنكبوتية، للترويج لتلك الثقافة البائسة، التي أصبحت بفعل ذلك التَّغَوُّل هي الأكثر انتشارا في العالم على مختلف الصعد رغم بؤسها الأخلاقي. وكل من يستخدمون هذه الأدوات ممن يعارضون الثقافة الأميركية في العالم، ما يزالون في واقع الأمر يتحركون على هوامش محدودة مما يتاح عبر تلك الأدوات.خلاصة القول أن أدوات الاتصال والتواصل، هي مجرد أوعية وأسلحة تُستخدم إما بكفاءة وإما بعدم كفاءة، في معركةٍ هي في الأساس معركةٌ بين ثقافاتٍ ومنظوماتِ قيمٍ. فكل أدوات التواصل تلك لا قيمة ولا أثر ولا دور لها في صنعِ ثورةٍ، إذا لم تكن تلك الثورة قد تكوَّنت أَجِنَّتُّتها وتطورت ونمت في أوعية ومؤسسات وقنوات البُنية الثقافية للمجتمع.إن التناقضات بين البُنى الفوقية في "نظام اللاحرية" و"اللاعدالة"، وبين البُنى التحتية في المجتمع تولد وتتخلَّق وتتكون وتتطور بشكل حتمي وضروري في البُنى المجتمعية نفسها، وتبدأ بفرزِ ثقافتها بشكل أو بآخر، بتسارعٍ أو بتباطؤٍ، بشكلٍ منظم أو غير منظم، في ضوء مُكَوِّنات الحراك الثقافي في المجتمع، وبصرف النظر عن مستوى التطور في أدوات الاتصال والتواصل فيه.إن نظام "اللاحرية" و"اللاعدالة" قادر بطبيعته المتعارضة مع ناموس الحرية والعدالة الكوني، على فرز هذه الثقافة المتناقضة مع بُناه الفوقية، في بُنى المجتمع التحتية، سواء كان هذا النظام في مستوى تطور الولايات المتحدة على صعيد وسائل الاتصال والتواصل، أو على مستوى تخلف المجتمعات القبلية البدائية في دول إفريقيا السوداء. في ضوء ما سبق، من الطبيعي التأكيد على أن إرهاصات أي حراك شعبي، إصلاحيا كان هذا الحراك أو ثوريا، تتجلى أول ما تتجلى في تجاذبات الساحة الثقافية في المجتمع.إن التناقضات بين البناءين الفوقي والتحتي، والتي تحدثنا عنها كثيرا حتى الآن، تتكون في العمق، حيث العلاقات الإنسانية في أبسط مُكَوِّناتها، والتقاليد الاجتماعية في طابعها الأسري والعائلي والجِواري الحميم، وحيث الاحتياجات الحياتية اليومية من أكل وشرب ولبس واستمتاع بالحد الأدنى من ملذات الحياة المتاحة لقلة يُرى أنها مستأثرة بأفضل ما في البلاد من خيرات بدون سبب مفهوم، وأنماط المعاناة المختلفة، وحيث تدور المقارنات بين ما يحدث هنا في أحياء الفقر، وما يحدث هناك في القصور وأحياء الثراء، وحيث تتكون أَجِنَّة التساؤلات حول العدل والظلم، وحول الحرية والعبودية، وحيث الحديث عن آلة النظام وعن قمعه، وعن الأمن والشرطة والجيش، وحيث الخوف أو الشجاعة، وحيث التردد أو الإقدام، وحيث تبدأ معادلات الفرز الطبقي تتكون على مستوى الإحساس والشعور، مرفقة بكل ما ينبثق عن الذهن الجمعي من أساطير ومواقف وأخلاقيات، في جلسات المقاهي، ومسامرات الأسر، وتطلعات الأطفال وهم يلعبون في الأزقة والطرقات، وادعاءات المراهقين وهم ينسبون لأنفسهم ما يعرفون أنه أبعد ما يكون عنهم لمجرد أنهم سمعوا عنه أو رأوه هناك لدى مراهقي مناطق يحلمون بها فقط، ولا يأملون بمضاهاتها إلا في كذبهم البريء بعضهم على البعض الآخر في العشوائيات وبين القبور، أو على أكثر تقدير وهم يتجولون في الشوارع الراقية، فقط ليتفاخروا فيما بينهم بأنهم لامسوا تلك المناطق الساحرة بأرجلهم وبأنفاسهم المسمومة بالفقر والألم، ومشاعر المراهقات وهن ينظرن نظرة الحالمات بالمستحيل إلى مستقبلٍ بسيط في بيت زوجية هادئ هانئ، بغرفة نوم وثيرة في حي هادئ، وحزن الشباب المُقَيَّد والمحروم، وأسف الشيوخ على سوء الحال، وحيث تبدأ بالتشكل الأَجِنَّةُ الأولى للرغبة في المساواة وفي الامتلاك كما يمتلك الآخرون، وفي التَّحَرُّر وفي الانطلاق، وهي الأَجِنَّة التي تتطور مُتَحَوِّلَةً إلى تساؤلات عن الحق والواجب، وعن الوطن والمواطنة، وعمن له الحق وعمن ليس له ذلك، وعن الدولة والسلطة، وعن النظام والشعب.. إلخ.نعم، هكذا وهناك تتكون التناقضات التي تتحول مع مرور الوقت ومع استفحال الحالة، إلى مردود ثقافي يُجَلِّي نفسَه في أشكال مختلفة من الرفض أو التحدي أو التعبير أو التَّنظير أو الإقدام، التي يُكَشِّر النظام البوليسي عن أنيابه في التعامل معها، كي يمنعَها حتى من الكشف عن أن حالة من الرفض له موجودة في المجتمع، وإن تكن نسبية وقليلة، إلى أن تبدأ بالتأطُر والتَّحَوُّل إلى ظاهرة تُسَمى في علم الثورات بـظاهرة "انشقاق المثقفين". لا مجال لثورة في مجتمع لم تتجلَّى فيه هذه الظاهرة، لأن في عدم تجليها دليلا على أن مُسَبِّبات الثورة لم تَتَّخِذ بعد الطابع القادر على تكوينها وتخليقها على شكل حراكٍ فاعل.إن أي ثورة يعَبِّر عنها حراك شعبي ما ضد نظام من "أنظمة اللاحرية" و"اللاعدالة"، يجب أن تُخاضَ أولا وعلى مدى زمني تقرره الطبيعة الجيواجتماعية والجيوسياسية للمجتمع، على صعيد الثقافات. ثقافةٌ تدافع عن النظام وعن شرعيته وعن عدالته وعن حقوقه وعن إنجازاته وعن محبة الناس له وولائهم لرموزه، وثقافة تقاومُ ذلك وتكشف عن سوءات النظام وقمعه وظلمه وقلة إنجازاته. وإن لهذه الثورة الثقافية ثمنٌ قد يكون باهظا، يأخذ طابعا قمعيا حينا وطابعا تنازليا حينا آخر، إلى أن تصبح الساحة المجتمعية مؤهلةً لتحويل المعركة الثقافية إلى معركة جماهيرية، بعد أن تبدأ الجماهير بتبني مقولات المثقفين، وترى فيها تعبيرا حقيقيا عن حالتها وعن طموحاتها وآمالها الحبيسة في الصدور، فتبدي استعدادها لأن تكون وقودا لها.لقد كشفت ثورة مصر – وقبلها ثورة تونس وبعدهما كل الثورات العربية في ليبيا وسوريا واليمن والبحرين والأردن والمغرب – عن أن حالة الانشقاق الثقافي كانت قد وصلت إلى مستوى من النُّضج يتيح فرصة حقيقية ذات فعالية للحراك الشعبي. فإذا تجاوزنا القوى السياسية التقليدية التي عّوَّدَها تاريخ تعاملها مع النظام البوليسي المخلوع على أن تقيِّد نفسها بأجنداتٍ صارمةٍ غير مَرِنَة، حرمتها التواصل مع الجماهير، ذلك النوع من التواصل التثويري. فإننا نستطيع التأكيد على أن ظهور "حركة كفاية"، وبعدها حركة "السادس من أبريل"، أرهص بأن حالة الانشقاق الثقافي قد تحررت من صورتها النمطية التي كانت تُعَبِّر عنها القوى السياسية التقليدية، والتي كان الإخوان المسلمون على رأسها كلها.لقد أظهر عام 2008 أن الإعداد للثورة المصرية قد بدأ فعلا، ولكن بثقافة ثورية جديدة قفزت على كل الثقافات الإصلاحية التي دَثَّرَت طروحات القوى السياسية التقليدية التي اتُّهِمَت معظمُها بأنها كانت تمثل قوى معارضة كرتونية تعمل ضمن عباءة الشرعية الدستورية التي يعلم الجميع أنها شرعية لا تتيح أي أمل للتغيير في ظل حصر سلطات ذات طبيعة ثيوقراطية في يدي الرئيس المخلوع.لقد تجلَّى هذا التشخيص للحالة الثقافية في الشارع المصري، خلال يوميات الثورة ومنذ اللحظة الأولى. إن الاصطفافات الثقافية والسياسية التي فرضتها أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 وما تلاها من أيام، أظهرت أن هناك ثلاث ثقافات تتصارع على الأرض، وليس ثقافتان فقط كما تقضي بذلك طبيعة الثورات في العادة. كانت ثقافة الثورة المطالبة بإسقاط النظام بكامل مؤسساته، بدءا بمؤسسة الرئاسة، للبدء بأي عملية تفاوضية بعد ذلك مع الجيش، بصفته ضامنا للانتقال الديمقراطي وليس بديلا للنظام المخلوع، هي الثقافة الأولى والقائدة للثورة، ممثلة في مجموعات شبابية بدا واضحا أنها على تنوعها كانت موحدة في هدفها الرئيس المتمثل في إسقاط النظام.أما الثقافة الثانية فهي ثقافة النظام، التي راحت تقاوم بكل ما أوتيت من قوة لتفريغ الثورة من محتواها ولإفشالها، مستخدمة الآلة الإعلامية التي كانت تمتلكها، علاوة على جهازها البوليسي الضخم الذي حاولت توظيفه بعد فشله الذريع في مقاومة الثورة في أيامها الأولى، في ضرب خطوطها الخلفية وهي الجماهير. وكانت المعركة بين الثقافتين شرسة وعنيفة انتهت بانهيار ثقافة النظام بانهيار النظام نفسه.أما الثقافة الثالثة التي كانت متواجدة على الساحة على مدى الأيام العشرة الأولى من الثورة، ثم راحت تخبو شيئا فشيئا بسبب عدم قدرتها على إيجاد موطئ قدم لها في لهيب المعركة، فقد مثَّلَت في الواقع أخطر الثقافتين على ثقافة الثورة، لأنها بميوعتها أصبحت شديدة الإرباك للثائرين وللجماهير. لا أحد من حيث المبدأ يمكنه أن ينخدِعَ بثقافة النظام، إذا كان مستوى الوعي الثوري عاليا، وهو قد كان كذلك بالفعل، فهي – أي ثقافة النظام – مفهومة وممارسات النظام وادعاءاته مفهومة أيضا.لكن ثقافةً مائعة ومتلوِّنة تصنِّف نفسها على أنها ضد النظام ومعارضةٌ له، لتمارسَ على الأرض أعمالا تُشِّتِت جهودَ الثائرين وتربكُ خطوطَهم الخلفية وصفوفَهم الداخلية، تنفيذا لأجندات تنظيمية وحزبية ضيقة، شعر أصحابها بأن النظام المترنِّحَ مستعدٌّ للتجاوب معها في هذه المرحلة بسبب الضغط الثوري الحاصل عليه، وهي أجندات يُفترض أن المرحلة قد تجاوزتها إلى الأبد..نقول.. إن عملا كهذا يعتبر عملا مشبوها، هو في جوهره غير مهتم بالثورة بصفتها ثورة، بقدر ما هو مهتم بأجندته، ربما لأن هذه الثورة جاءت على غير تخطيط منه، وقافزةً على أجندته الضيقة، دون أن يدرك وربما لأنه لا يريد أن يدرك، أنها ثورةٌ انطلقت لتضعَ أجندتَه على المَحَك، فارضةً عليه أن يطوِّرَها ويقفزَ بها إلى الأمام، لا أن يحاول مساندة النظام بطروحاته المائعة، كي يُحَوِّلَ الثورةَ إلى حركة إصلاحية، مقابل ثمنٍ بخسٍ يعود على الحزب وعلى التنظيم بمكاسب آنية، ولا يعود على الشعب الذي قدم كل تلك التضحيات بأي مكاسب حقيقية تتناسب مع الزخم الثوري الحاصل في الشارع.وهو ما حاول النظام ممارستَه من خلال الحوارات المريبة التي راح يجريها مع هذا الطرف أو ذاك في الأيام الأولى، محاولا بثَّ الفرقة، والتأكيد للجماهير على أن أهم القوى السياسية والشبابية في هذه الحركة قد بدأت تقبل بعروضه الإصلاحية، دفعا بتلك الجماهير إلى تغيير خياراتِها والتخلي عن الثورة والقبول بالحلول الوسط. لقد كاد تأثير القوى السياسية وأجنداتها الضيقة التي قدمتها على أجندة الثورة من خلال تهافُتِها على محاورة جثة النظام المحتضر، أن يودي بالثورة، أكثر مما كادت أن تفعل به ذلك، ممارسات النظام البوليسية والخداعية التي تابعناها على مدى الأيام الثمانية عشر لهذه الثورة المجيدة.ولقد أثبتت كل الثورات العربية اللاحقة للثورتين المصرية والتونسية، حتى تلك التي بقيت تتحرك في إطار النظام والدستور، كالأردن والمغرب والبحرين، أنها ستواجه حتما هذه الظاهرة الثقافية المائعة، وهي قد واجهتها بالفعل. ولأن المردود الثقافي للثورات وللأحداث شديدة الانعطاف التاريخي بالمجتمعات، مردود – هو في الغالب – مؤجَّل التَّجَسُّد، فإننا نستطيع القول، أن أهم مؤشر سوف يدلنا على الوجهة العامة للواقع العربي بعد التغيير، إن كانت ستُحقق تقدما أو أنها ستُحقق تراجعا، إنما هو حال الثقافة في المجتمعات الجديدة، من حيث مدى قربها أو بعدها في منتجاتها أدبا وفنا وفكرا، عن منتجات الثقافة التي كانت سائدة في ظل النظام السابق.

  4. #44
    خامسا.. الثورة أكبر استثمار في التنمية المستدامة..
    رافق الثورةَ المصريةَ على مدى أيامها الثمانية عشر – وهو أمر يرافق الثورات عادة لتضخيم ما يراد له أن يكون عنصرا تدميريا مخيفا ومرعبا فيها - حشدٌ من التقارير والتحليلات الاقتصادية التي تصدَّى للتقدم بها الكثيرون، حتى بعضٌ من أنصار الثورة بحسن نية، تَصُبُّ كلُّها في خانة الحديث عن الانهيار الاقتصادي الوشيك إذا استمرت الثورة، والتبعات الوخيمة التي يتحملها الاقتصاد المصري بتواصل ما تم الإصرار من قبل الكثيرين على وصفه بالاحتجاجات.
    وراحت الأرقام تتحدث عن خسائر يومية للاقتصاد المصري تقدر بـ "310" ملايين دولار، يتكبدها هذا الاقتصاد مع غروب شمس كل يوم من أيام الثورة، وهي خسائر مُرَشَّحَة للزيادة مع دخول بوادر العصيان المدني على خط الاحتجاجات في الأسبوع الأخير من الثورة. ولقد بكى الكثيرون على البورصة المصرية التي خسرت منذ اليوم الأول عشرات الملايين من الجنيهات، دون أن يذكر لنا أحد أن البورصة هي في الواقع مظهر من مظاهر الاقتصاد الطُّفَيْلي غير المنتج، ونمط من الرأسمالية المالية المٌضَلِّلَة، وأن الخسائر فيها لا تمس الاقتصاد القومي في شيء على وجو الحقيقة، وكل ما تفعله هو إجراء عملية إزاحة في الثروات والممتلكات السائلة والورقية والسندات. من جهة أخرى راح الكثيرون يندبون حظ السياحة التي قيل أنها خسرت خلال الأيام الأولى حوالي مليارا من الدولارات، بل وضع الكثيرون أيديهم على قلوبهم وهم يتوقعون انهيارا عالميا إذا امتد الأمر ليطال إضرابا في مؤسسات قناة السويس.. إلخ.
    إنه لأمر يثير السخرية أن يتم الحديث في ثورة قامت لتعيد أمور الاقتصاد والعدالة إلى نصابها، ولتوقف نزيف الخسائر الذي لا ينضب، بسبب سياسات اقتصادية رعناء فاسدة رهنت البلاد والعباد، وباعت الوطن ومؤسساته لحفنة من اللصوص والطفيليين، ونشرت الفوضى والفساد بكل أشكالهما التي أجاعت الشعب، وجعلته لا يحس من تلك المليارات التي يتحدثون عنها بشيء يذكر سوى ما يسمعه عنها في وسائل الإعلام الرسمية.. نقول.. إنه لأمر يثير السخرية، الحديث عن ثورةٍ قامت لهذا الغرض، بما يوحي بأنها تدمر الاقتصاد وتدفعه إلى حافة الهاوية.
    إن الثورة – أي ثورة – هي بمثابة جهازِ المناعة الاجتماعي المقاوم للفوضى والدمار والانهيار في المجتمع. المجتمع يثور كي ينقذَ ما يمكن إنقاذه، وكي يحميَ ما تبقى من جسده المنهك، ويعودَ به إلى طريق السلامة من جديد، بعيدا عمن أذاقوه الويل والثبور. إن ما تفعله الثورة في واقع الأمر هو إيقاف نزيف الثروة المستشري في الجسد الاجتماعي كله، عبر سحب جرعة سريعة من الدم الفاسد، تحقق الهدف، لتقوم بعد ذلك بإعادة ضخ الدماء النقية إلى المجتمع، كي ينهضَ وينتعشَ ويستعيدَ عافيتَه. كما أنها بمعنى من المعاني، ذلك المستثمر الواعي الذي ينفق جزءا من ماله في التأسيس لمشروع منتج فعال يضمن له حياة رغيدة مدى الحياة على المدى البعيد، بدل أن يجلس فوق ثروته ويستهلكها بالإنفاق المباشر منها يوما بعد يوم.
    إن هناك مصطلحا غاية في الأهمية في أدبيات "التنمية"، هو مصطلح "التنمية المستدامة". إن من يفهم حقيقة "التنمية المستدامة"، ويقارن مردودها على مستقبل المجتمع، بمردود الثورة الاجتماعية التي تستهدف إسقاط مشروعية نظام "اللاحرية" على مستقبل ذلك المجتمع، لا يملك إلا أن يعترف بأن الثورات هي في حقيقة الأمر أكبر برامج استثمارية للتنمية المستدامة، يمكن للمجتمعات أن تلجأ إليها أو أن تنفذها.
    فالتنمية المستدامة، هي شكل من أشكال التنمية تتَّخذُ واحدة من صورٍ ثلاثٍ هي..
    الأولى.. الاستثمار في المشاريع الإنتاجية ذات المردود الإيجابي على البيئة، لما في مصادقة البيئة من مردود اقتصادي واجتماعي إيجابي على المدى البعيد. والمشاريع الإنتاجية التي من هذا القبيل، تنطبق عليها دراسات الجدوى التقليدية للتعرف على مدى مردوديتها الاقتصادية، مع أخذ عنصر نظافة البيئة ومصادقتها في الاعتبار، كعنصر حتمي من عناصر ميزانيات الإنفاق في تلك المشاريع.
    الثانية.. الاستثمار في المشاريع التي تظهر وكأنها مشاريع غير منتجة بالمفاهيم الاقتصادية المباشرة للتنمية وللإنتاج، وإن كان من الواضح أنها ستنعكس على المجتمع وعلى الطبيعة وعلى المعرفة، بمردود إيجابي يهيئ الأرضية الخصبة لعناصر تساعد التنمية مستقبلا كي تكون أكثر فاعلية وجدوى. ومن المشاريع التي من هذا القبيل، الاستثمار في "محو الأمية"، وفي "تطوير التعليم"، وفي "الصحة العامة"، على الصعيد الاجتماعي، ومشاريع "البحث العلمي"، على صعيد تراكم المعرفة لتطوير تقنيات الإنتاج بمختلف أنواعها، ومشاريع "تشجير المناطق القاحلة أو الجرداء"، على صعيد تأهيل الطبيعة لتصبح أكثر قدرة على احتضان تنمية لم تكن عناصرها متاحة في الأرض الجرداء.
    إذ من الواضح أن كل ما سيُنْفَقُ على تلك المشاريع لا يبدو له مردود اقتصادي مباشر وفوري، بحيث يمكن اعتبارها مشاريع إنفاقية وغير إنتاجية بالمفاهيم التقليدية للإنتاجية. بينما الواقع هو على العكس من ذلك تماما، إذ أن الإنفاق على "محو الأمية" مثلا، هو تأهيل للمرأة وللأب ليكونا أكثر قدرة على نقل خبرة حياتية إيجابية لأطفالهما، وهو ما يخفف العبء عن موازنات الحكومات في التأهيل لاحقا. كما أن الإنفاق على "البحث العلمي"، هو بمثابة استثمار في المعرفة مؤجلة المردود، مادام البحث العلمي سيستهلك الآن ما سوف يرده أضعافا مضاعفة عند اختراع تقنيات تُفَعِّل الإنتاجية وتخفف الهدر في الموارد، أو تقضي على الأمراض.. إلخ. وأخيرا فإن الإنفاق على "تشجير المناطق الجرداء" سوف ينعكس على شكل مردود إيجابي في المستقبل، بتغيير معالم الأرض والمناخ، وإتاحة الفرصة لهطول الأمطار التي ستساعد على التوسع في الزراعة، فضلا عن خلق معالم سياحية جديدة في المناطق المشجرة.. إلخ.
    الثالثة.. الاستثمار في المشاريع الإنتاجية التي تُخَفِّفُ العبءَ الإنفاقي عن مشاريع أخرى، والتي تخفف العبء الاستنزافي عن الموارد، وتساعد على تحقيق توازن أكثر للنفس الإنسانية وللعلاقات الاجتماعية، عبر إعادة إنتاج الفكر الاستثماري في الدولة بشكل يتناسب مع المطالب السابقة. من ذلك مثلا القيام بخلق خطوط إنتاج لسلعة معينة في البيوت إذا كان ذلك ممكنا، بدل العمل على إنشاء مصنع لإنتاج تلك السلعة.
    ومن الواضح أن التَّمَكُّن من تحقيق ذلك سوف يوفر الوقت والطاقة والأرض، وسوف يزيد من الترابط الأسري، ويخفف التوتر الناجم عن الاستخدام الطويل لوسائل النقل، والعمل لساعات عديدة بدون فواصل راحة ملموسة بينها، كما أنه سيوفر الكثير من عناصر الإنفاق الجانبية التي ستنشأ على هامش ظهور مصنع لسلعة معينة، كما أن هذا القدر من التوفير سوف يتيح الفرصة لتوفير الأموال اللازمة لتأمين فرص عمل زائدة.. إلخ. وبالمناسبة فقد استخدمت دولة متقدمة جدا مثل اليابان هذا النوع من أنواع الاستثمار، وكان مردوده الاقتصادي والنفسي والاجتماعي عاليا جدا.
    فما الذي تُحْدِثُه الثورة في الحياة الاجتماعية وفي الاقتصاد حتى نعتبرها واحدة من أهم الاستثمارات في التنمية المستدامة؟!
    أولا.. تقوم الثورة بإعادة إنتاج الفكر الاستثماري في الدولة بشكل يوقف كل أشكال النزيف السائدة في الثروة القومية، خاصة إذا كانت هذه الثروة تخضع في حراكها لمنظومة فسادٍ تُفْقِدُها قيمتَها الحقيقية على صعيد التنمية بشقيها المباشر والمستدام. والثورة لا تَضُخُّ في عملية كهذه، ستعود بمردود إستراتيجي على الاقتصاد الوطني، إلا جزءا يسيرا مما يتم الترويج لكونه خسارة مباشرة سببتها الثورة للاقتصاد الوطني.
    فعلى من أراد أن يعرف إن كانت ثورة مثل "الثورة المصرية" قد سببت خسارة للاقتصاد المصري، أن يحسب كمية الثروة التي كانت سَتُسْتَنْزَف من الاقتصاد القومي المصري على مدى عقد قادم من الزمن على الأقل، إذا استمر نظام الفساد السائد، ويقارن هذه الكمية من الثروة، بما تمت خسارته خلال أيام الثورة من أموال في بعض المرافق التي تعطلت متأثرة بالأحداث الثورية.
    إن الأرقام التي أتاحتها لنا التسريبات القليلة خلال أيام الثورة، وهي تسريبات من المؤكد أنها لم تكشف إلا عن أقل القليل من ملفات فضائح الفساد في مصر، وعن حجمٍ بسيط من أحجام الأموال المنهوبة من الشعب المصري، توضِّح أن الحد الأدنى من النزيف السنوي من الثروة القومية المصرية بسبب منظومة الفساد وتحت عناوينها فقط، ودون أن نُدْخِلَ في الحسبان ما يَنْتُج من انحرافات وهدر على المدى الطويل، بسبب الظلم الناتج عن نمط تقسيم العمل السائد في مصر، وعن التبعية الناتجة عن نمط الاستثمار الطفيلي الخدمي غير المنتج، إن هذا النزيف لا يقل عن متوسط قدره "10" مليارات دولار في السنة على مدى السنوات الثلاثين السابقة.
    فإذا افترضنا أن الثورة المصرية ستتمكن من وقف هذا النزيف لمدة عشر سنوات تالية فقط – مع أنه افتراض لا معنى له، لأن الثورة يفترض أنها ستوقف النزيف إلى الأبد – فلنا أن نتخيل أن "100" مليار دولار هو ما سوف تحافظ عليه ثورة مصر من ثروات الشعب المصري، بإنفاقها لما قيل أنه حوالي "7" مليارات من الدولارات، مثلت إجمالي الخسائر التي تسببت فيها الاحتجاجات على مدى الأسابيع الثلاثة، هذا إذا صدقناها، ولم نتَّخِذ من فساد النظام الذي روَّج لها ذريعة لاعتبارها كذبا يهدف إلى إظهار الثورة بمظهر المدمِر للاقتصاد المصري ليس إلا.
    ثانيا.. تقوم الثورة بإعادة إنتاج الروح الفردية والجماعية في المجتمع بشكل يرفع كل حواجز الخوف واللامبالاة، ويزيد من عناصر ومكونات الانتماء، بكل ما يترتب على ذلك من رفع لإنتاجية الفرد بشكل عام، وبشكل أكثر وضوحا على مدى السنوات الخمس التي تلي الثورة بشكل خاص. فقد أثبت الدراسات السوسيولوجية والسايكولوجية للثورات، أن إنتاجية الفرد بعد الثورة تزيد بمعدل الخُمْس على الأقل بسبب زخم الحماس والحب والعطاء الذي تولده الثورة في داخل كل فرد من أفراد الشعب. وهذا يعني أن الدخل القومي المصري سوف يزيد بنسبة 20% على مدى السنوات الخمس التالية للثورة، وبعد أن تعود عجلة الحياة إلى وضعها الطبيعي، وبعد تحقيق مطالب الثائرين. أي أن "ثورة الشباب" في مصر استثمرت ذلك المبلغ المستنزَف خلال أيام الأحداث، والذي قيل أنه يقارب الـ "7" مليارات من الدولارات، في مشروع تنمية مستدامة ذي مردود عالي، هو إعادة إنتاج روح الإنسان المصري ليصبح إنسانا أكثر إنتاجية وفعالية.
    ثالثا.. على صعيد علمي آخر أكثر دلالة، فإن الثورات تُقَلِّصُ الإنفاق العام والخاص بشكل ملحوظ خلال أحداثها ويومياتها، خلافا لما يقال في وسائل الإعلام التي تتعامل مع الأرقام والمؤشرات في سياقاتها الطبيعية ما قبل الثورة، دون أن تأخذ في الاعتبار تأثير الأحداث الثورية على تغيير نمط الإنفاق والاستهلاك في المجتمع. فالمجتمع يشبه في منظومة القوانين التي تحكم حياتَه وموتَه ومرضَه ودفاعَه واستسلامَه جسم الكائن الحي، وبالتحديد الكائن الإنساني، بشكل كبير.
    من المعروف طبيا أن جسم الإنسان عندما يتعرض لحادث خطير يتسبب في نزيفٍ شديد، فإن الدماغ يصدر أوامره إلى أدوات الإحساس والوعي بالاستسلام للنوم فورا، فيفقد الإنسان وعيَه – غالبا – وهو ما يتسبب في تخفيف حدة نَزْفِ الدم بشكل كبير، بسبب الانخفاض الملحوظ في مستوى ضغط الدم. وهذا السلوك من الدماغ سلوك دفاعي يحاول من خلاله الحفاظ على حياة الجسد أطول مدة ممكنة، بجعل حركة خروج الدم من الجسم تتباطأ قدر المستطاع، بشكل قد يكون كافيا في العادة لتدارك الأمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
    بينما لو بقي الإنسان في حالة الوعي، فإن سرعة النزيف تكون أشد، بسبب أن ضغط الدم يزداد، وبسبب أن المؤثرات السيكولوجية على الشخص الواعي وهو يرى نفسه ينزف ويموت، لها تأثيرات خطيرة على سرعة تدفق الدم إلى خارج الجسم، وهو ما قد يُعَجِّل بالموت. وعندما يفقدُ الإنسان وعيَه تتقلص كافة عناصر استهلاكه وعلى رأسها استهلاك الطاقة، فتقل حاجته للهواء وللسعرات الحرارية ولكل عناصر الحياة. الصدمة إذن تُغَيِّر نمط الاستهلاك والإنفاق في الجسم. وهكذا هو المجتمع.
    الثورة تُحْدِثُ في المجتمع بوصفه كائنا حيا صدمة كبيرة، فتَحْدُث فيه على الفور ردة فعل فردية وجماعية لا واعية تغير من كل أنماط إنفاقه واستهلاكه، وذلك لعدم السماح لهذه الصدمة بأن تتسبب له في نزيف خطير. تماما مثلما يحدث في جسم الإنسان. يتقلص استهلاك المجتمع في كل شيء، في المواد الغذائية وفي مصادر الطاقة، تتقلص تنقلاته، يقل غذاؤه وشرابه، تتقلص حتى أوقات استخدامه لدورات المياه لقضاء حاجته.
    وتزداد هذه الظاهرة وضوحا وعمقا لدى التجمعات الثائرة والمتظاهرة والمتحشِّدة نفسِها. ولنا أن نتخيل الوفر المتحقق على صعيد الثروة القومية عندما نفترض فقط أن نسبةً قدرها "20%" من استهلاك كل فرد من الطعام والشراب والدواء والوقود قد تقلصت خلال ثمانية عشر يوما من الحراك الثوري الذي شهدته مصر، وأن ما نسبته حوالي "40%" قد تقلصت من استهلاك المجموعات المتحركة في قلب الحدث الثوري، باعتبار حالتها أكثر مدعاة للوفر كما تؤكد على ذلك الدراسات العلمية.
    دعونا فقط نقرب الصورة بحسابات مختصرة، ليست دقيقة جدا، لكنها قطعا قريبة من الدقة، وتعطي مؤشرات واقعية على ما نود قولَه. لو افترضنا أن الشعب المصري يستهلك سنويا ما مقداره "350" مليار جنيه فقط على الغذاء والدواء والشراب والطاقة، فهذا يعني أنه يستهلك ما قيمته حوالي مليار جنيه يوميا، وبالتالي فإنه قد استهلك على مدى الأيام الثمانية عشر للثورة حوالي 14 مليار جنيه، وذلك بعد خصم نسبتي الـ "20%" والـ "40%" اللتين تحدثنا عنهما قبل قليل، واللتين تقاربان الأربعة مليارات جنيه.
    هذا إذا تجاوزنا أن حالة العطل التي رافقت الثورة في بعض المرافق، وإن كانت قد تسببت في تعطيل الإنتاج فيها، فإنها قد تسببت في وقف أو تعطيل الإنفاق المرافق لها. وهو ما يفترض أن يضاف إلى قائمة الوفورات التي تحققت خلال الثورة، وهي وفورات من الصعب احتسابها بدقة، وذلك كي لا يصار إلى الحديث فقط عن الخسائر الآنية والفورية، وتجاهل كل المكاسب الفورية والإستراتيجية التي تحدثنا عنها، والتي تجعلنا نؤكد مجددا على أن الثورات هي في حقيقة الأمر واحدة من أكبر المشاريع الاستثمارية في التنمية المستدامة في المجتمعات. وبالتالي فلا خوف على مستقبل الاقتصاد في الدول الثائرة.
    إن الثورات الشعبية التي تحدث في أوقات نضجت لها كل النضوج، إذا خضعت في صيروراتها لما تقرره سنن ونواميس الحراك المجتمعي عند المنعطفات الشديدة، هي أكبر إنجازات تقدمها الشعوب لتاريخها على كل الصعد.



  5. #45
    أسئلة الأستاذة ريمة الخاني
    هذه الأفكار التي نبحث عنها ونريد نشرها وبلورتها هل يكفي أن تدور بيننا؟
    ومادور الترجمة؟ وهل هي فعلا قاصرة عن إخراج أفكارنا الهامة للخارج؟ قصور كتاب أم مؤسسات؟
    وماهو الحل برأيك لانتشار أفكارنا الهامة؟ هل مازال العامل المادي هو الصعب؟

    ************
    بكل تأكيد ما وُجدت الأفكار لتدور بين النخب وفي الصالونات، أو لكي توضع في الأدراج، بل ولا لكي يتداولها بينهم المثقفون عبر وسائل الإعلام والتواصل المتاحة للجميع. فهناك من الأفكار التي لا يستطيع الجميع قراءتها أو فهمها أو استيعابها، أو حتى إبداء الرغبة في التفاعل معها، حتى عند بعض الفئات من المثقفين رغم أهميتها وضرورتها في التوعية وإعادة إنتاج مكونات التغيير والتطوير في المجتمع. لذلك كثيرا ما تبادر إلى ذهني مشروع لحل هذه الإشكالية، لم أتمكن من إنجازه، أعرضه عليكم الآن ربما يجد في حماسكم وغيرتكم ورساليتكم التي أستشعرها، أرضا خصبة لتأصيله وتطويره ومن ثم وضع الخطط لتنفيذه.
    كثيرون هم الكتاب والمفكرون والمبدعون الذين يملكون ما يقدمونه للآخرين من إنتاجهم الثقافي والمعرفي النافع والمفيد والمؤثر، لكنهم بحكم أنهم كتاب، وغالبا متخصصون، ويمتازون أحيانا بلغة محترفة، فإنهم يعانون من نخبوية منتجاتهم المعرفية رغما عنهم وليس استعراضا منهم. ومن هنا كان لابد من وجود فئة وسيطة من المثقفين، تعمل على صياغة أداة ثقافية جديدة تنقل هذا الفكر المتخصص بكل مضامينه ومحتوياته، لمختلف فئات القراء بشكل يناسب مستوياتهم من حيث صياغة الأفكار كأفكار، ومن حيث اللغة المستخدمة في صياغتها.
    وجوهر هذه العملية يقوم على فكرة إعادة التأليف بلغة مختلفة، وتجزئة الموضوعات المؤلفة ذات الطبيعة النخبوية والمتخصصة، بحسب ما يُمَكِّن من إيصاله إلى أكبر عدد من المستفيدين المرجحين والقراء المحتملين. ويمكن استخدام الإنترنت كوسيط في ذلك.
    فعلى سبيل المثال إذا كان عدد من يستطيعون ويتمكنون من قراءة كتاب مثل "تجديد فهم الإسلام" واستيعابه قلة بسبب طبيعة الموضوعات المتخصصة التي يتناولها، وطبيعة اللغة الفلسفية المستخدمة في التعبير عن تلك الموضوعات، وفي ظل واقعة أن المؤلف لا يستطيع أن يُغَيِّر من لغته التي يستخدمها في الكتابة في تخصص معين، بسبب أن اللغة تتحول مع الزمن إلى أداةٍ "كيانيَّةِ التواجدِ" في الشخص، فلماذا لا يتم تكريس ما يمكن تسميته بثقافة "إعادة التأليف"، كأن تأتي مجموعة من الأشخاص المتمكنين من الفهم والاستعياب والصياغة المبسطة بلغات أقرب إلى أفهام مختلف طبقات القراء، فيعاد تأليف كتاب مثل هذا الكتاب، بل والمئات من الكتب التي هي على شاكلته.
    وبكلمة أخرى، لماذا لا ننشئ ميدانا معرفيا جديدا، "تخصصا علميا، حتى لو كان جامعيا"، يجمع بين الإلمام بلغات مجموعة من المعارف والتخصصات، وبين الصياغات اللغوية المختلفة، وتعويد المنضوين تحت هذا التخصص الجديد عليه، وتدريبهم على قواعده، بعد أن تبدأ قواعده بالتبلور عبر تراكم الخبرات، ونسمى هذا التخصص بـ "إعادة التأليف"؟
    ولماذا لا تُعطى في هذا التخصص شهادات وتعقد فيه دورات تدريبية وتكوينية وتأهيلية؟ ولماذا لا يصار إلى البدء باقتراحه ليغدوَ حقلا جيدا من حقول المعرفة التي نحتاج إليها في هذا الزمان. فهكذا تنشأ حقول العلم والمعرفة! بالحاجة إليها وبتراكم مكوناتها وموضوعاتها. وبالمناسبة ليس هذا التخصص الذي أدعو إليه تلخيصا أو اختصارا، بل إعادة تأليف بكل ما للكلمة من معنى. وهو نهج جديد أقترحه على المثقفين العرب حتى نقضي على ما تفرضه النخبوية عادة من حواجز وفواصل بين الكاتب الأكثر احترالفا ونخبوية وعطاء وإنتاجا ثريا، والقارئ الذي لا يستطيع التلقي مباشرة من هذا الكاتب. وهي المشكلة التي لا يمكن تجاوزها في تصوري بغير طريقة جديدة ومبتكرة كهذه؟!
    بخصوص الترجمة، في العادة تحتاج الأمم التي في طور النمو والنهضة إلى ترجمة التراث المعرفي والعلمي والإنتاج الثقافي للآخرين أكثر مما تحتاج إلى ترجمة إنتاجها إليهم، على أهمية الترجمة في الاتجاهين. لذلك نلاحظ ظاهرة طبيعية في سوق الترجمة – إن صح التعبير – ألا وهي أن رعاية حركة الترجمة من لغة إلى أخرى ودعمها، يتأتى من خلال الطرف الذي تراد الترجمة إلى لغته. فالناطقون والقارئون للغة الفرنسية هم في الغالب المعنيون والمهتمون بترجمة منتجات الثقافة الإنسانية إلى لغتهم، والإنجليز هم المعنيون بترجمته إلى لغتهم، وهكذا دواليك، وبالتالي فالعرب هم المعنيون بترجمة التراث الإنساني والإنتاج المعرفي للآخرين إلى اللغة العربية، وقلما يكون من المهم أن نترجم إنتاجنا للآخر، إلا في حدود ما تفرضه طبيعة عناصر الاحتكاك المحفزة، كأن نهتم بترجمة تراثنا الإسلامي للشعوب الأوربية لتعريفهم بالإسلام في ظل الحملة الإعلامية التي تستهدف ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب!!!
    ولأن الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية في العادة أكثر تكلفة من النشر باللغة العربية منذ البداية، بسبب أن الكتاب المترجم يمر بمرحلتين مكلفتين قبل أن يصل إلى القارئ، هما مرحلة الترجمة التي قد تكون – أحيانا - أعلى تكلفة من مرحلة النشر، ثم مرحلة النشر ذاتها، فإن الناشرين يتجنبون خوض مغامرة الترجمة، من اللغات الأجنبية إلى لغتنا العربية. وبالتالي فإن حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، والتي نحتاج إليها بإلحاح، تصبح حركة معنية بالدعم لتغدو حركة غير تجارية بالمعنى الدقيق للكلمة.
    أما فيما يتعلق ببعض الأفكار الهامة التي نريد ترويجها ونشرها على أوسع نطاق عالمي، فإن لها أوضاعا خاصة، ويجب تضافر أكثر من طرف معني بنشر وترويج تلك الأفكار ليضطلع بالمهمة من منطلق رسالي. فنحن نترجم من اللغات الأجنبية إلى لغتنا لإثراء ثقافتنا ومعارفنا بخلاصة خبرات ومنتجات الآخرين، فيما نترجم منتجاتنا إلى اللغات الأخرى إذا قررنا ذلك، ليقرأها غيرنا ويطلعوا عليها لغايات رسالية صرف. وفي الحالتين تقع المسألة في أهم جوانبها على كاهل من يبدون استعدادا للدعم لأجل العلم أو لأجل الرسالة.

  6. #46
    أسئلة الكاتبة أديبة نشاوي
    كمارأيت كثافة عطائك وكتاباتك وافكارك فإلى أي مصدر تعزي هذا الامر؟
    وأمام عمرك الشاب ما شاء الله نرى زخم العطاء فما تفسير ذلك؟ بصدق وشفافية؟ هل هو إدمان وحالة تواؤم وتوحد نفسي وفكري مع البحث والمتابعة؟
    وكما ذكرت الدكتورة بنان هل يصل الباحث إلى درجة يطغى فيها البحث على وقته أمام التزام الحياة الاجتماعية؟
    وكيف تنظم وقتك داخل رمضان وخارجه؟


    ******
    تحدثت في أول مجموعة من الأسئلة تلقيتها من الأستاذة "ريمة الخاني" عبر هذا اللقاء النشط، عما فيه بعض الإجابة على أسئلتك، وخاصة ما يتعلق بشهر رمضان الكريم. ولأن هذا الشهر يرتبط بعناصر في حياة الإنسان لها طابع خصوصية، ويخشى معها المرء من أن ينجرَ إذا هو استُدْرِج إلى الحديث عنها، إلى دوائر المباهاة والمراءاة والتظاهر التي قد تحسب عليه وتفقده الخير الذي تحراه في هذا الشهر الذي يعد فرصة لا تتكرر إلا كل عام مرة واحدة. فإنني أرجو أن تقبلي عذري بعدم الإفصاح عن التفاصيل، معلنا لك فقط أن لي في هذا الشهر طقوسي الخاصة التي تُشعرني بامتلاك ما لا يمتلكه غيري من قدرات وطاقات وإمكانات. راجيا أن يكون في هذا الإعلان ما يغنيني عن البوح بأي شيء غيره.
    كما أنني لا أمتلك بخصوص تساؤلك عن تأثير البحث والفكر والكتابة على ممارسها، أكثر مما سبق وأن ذكرته للدكتورة بنان، راجيا أن تكون فيه الكفاية. مع إضافة بسيطة كأنكِ أشرتِ إليها في سؤالك، فمدمن القراءة وروح البحث والكتابة، يحس بهذه الأشياء في حياته اليومية كالماء والغذاء، لا يمكنه الاستغناء عنها، إلى درجة الإحساس بالوجع والألم ليس بمعناهما النفسي فقط، بل بالمعنى العضوي البيولوجي المباشر، إذا هو سيطرت عليه نوبة الرغبة في القراءة أو في الكتابة أو في البحث أو في التفكير والتأمل، دون أن يستجيب لها بسيل القلم أو بكتاب يقرأه، ليعمل فيه عمل المسكن والمخدر.
    أما ما تتصورينه من عمري الشاب فليس دقيقا كثيرا، فعمري 51 عاما. ولكن ربما أنني بسبب ممارستي الرياضة وتجنبي لوجبة العشاء وللسجائر والقهوة منذ صغري، فضلا عن استيقاظي المبكر يوميا تحت أي ظرف، ساعدت نفسي على أن أظهر بمظهر مخادعٍ يخفي سني الحقيقي. لكن الشيب لا يخدع أحدا.
    وأما بالنسبة لأول سؤال لك وهو المتعلق بما تسمينه كثافة العطاء والكتابة والأفكار، فلا أملك إجابة، فأنا نفسي لست متيقنا إن كنت كما تقولين أم لا. فما أفعله وما يبدر مني يبدر بتلقائية وببساطة وبدون تكلف، واعتبر نفسي – وهذا ما أحس به فعلا – أنني فقدت الكثير من الفرص كي أكون أفضل مما أنا فيه، وهذا تقصير مني. وكل ما أعزي به نفسي هو أنني قرأت في حياتي ما يربو على الثلاثة آلاف كتاب، منها ألفين قرأتها على مدى ست سنوات بواقع كل يوم كتاب في فترة كنت فيها أخضع للإقامة الجبرية في الأردن لأسباب سياسية، وكنت ممنوعا خلالها من مغادرة البلاد، فألهمني الله أن استغلها في القراءة المكثفة، بدل أن تضيع هدرا في ندب الحظ الذي لا يمكنه أن يقدم ولا أن يأخر.
    ولك مني أستاذة "أديبة" كل الشكر والامتنان
    وتحياتي للجميع راجيا أن أكون في مستواكم ومستوى اهتمامكم وأسئلتكم وثقافتكم
    أسامة عكنان

  7. #47
    صيدلانية وكاتبة
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    دمشق
    المشاركات
    479
    السلام عليكم
    أولا تحية كبيرة لك أستاذ أسامة وكانك شمعة تنير لنا طريقا مظلما في هذه الحقبة الغادرة من الزمان وبعد:
    هل يتمنى المرء بعد معرفة الحقيقة , لو انه ماعرفها؟
    كل مانقوم به من اختراع الغرب...والإعلام هم رؤوسه ومالكوه..والنت وغوغل ووو..
    وماذا بعد؟
    كيف نبدأ من حيث انتهوا وخير الاختصاصات الجامعية في الغرب حكرا عليهم؟
    وحتى الدعاء المعتدلون تحت المجهر!!
    اخشى أن أكون متشائمة بعض الشيئ..
    شمعة أخرى من فضلك.
    مع كبير تقديري
    نورا

  8. #48
    سلام الله عليك أستاذ أسامه وعليكم أيها الفرسان الكرام :
    حقيقة ربما قصرت في المتابعة منذ البداية واللقاء ممتع ونخبوي بامتياز وربما لن يتسنى لي قراءته حرفيا إلا تباعا وبعد:
    مارأيته الجانب الفكري والجدي من الباحث أسامه ( ويسرني تطابق الاسمين).ولكن ماذا لو تطرقنا للجانب الإنساني لكم أستاذنا الكريم؟
    فليس من المعقول ان تقتصر كتاباتك على الأبحاث والقضايا الهامة..فلنقل مثلا:
    أليس للباحث أسامه خواطر؟ شعر؟ نصوص تنفيسية بوحيه تظهر مدى حساسية النفس ورهافتها؟
    اتمنى ان نرى شيئا من هذا البوح في فرساننا علما باني قارئ ممتاز لكن الموهبة لم تطاوعني.
    محبتي الكبيرة
    أسامه
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  9. #49
    السادة المحترمون
    فرسان الثقافة
    تحية مجددة ومكررةبالغ سعادتي بكل من "مشروع الطبيبة" نورا، و"الفارس المبدع" أسامة وقد سرني في اسمي ما سرك يا "أسامة"!
    أسئلة "مشروع الطبيبة" نورا كريدي
    هل يتمنى المرء بعد معرفة الحقيقة, لو أنه ماعرفها؟ كل ما نقوم به، من اختراع الغرب... والإعلام هم رؤوسه ومالكوه.. والنت وغوغل ووو.. وماذا بعد؟ كيف نبدأ من حيث انتهوا وخير الاختصاصات الجامعية في الغرب حكرا عليهم؟
    وحتى الدعاة المعتدلون تحت المجهر!!
    الإجابة..من واقع خبرتي وتجربتي الشخصية، ما تمنيت يوما أن لا أكون عرفت ما قد عرفت. ولكني كثيرا ما تساءلت: ماذا لو أني لم أعرف ما عرفت؟ ماذا كان سيحصل؟ هل كانت راحة البال ستغمرني؟ والأسى والألم مما أراه وأفهمه وأعيه، هل كانا سيتركاني وحالي؟ وهذا العالم الذي أشعر بأني أمسك بجانب من "ناصيته"، جراء بعض المعرفة واليسير من الوعي، هل كنت سأفقد السيطرة على إلمامي بقواعد حركته الأساسية التي أتيحت لي فرصة معرفتها؟ بل ماذا كان سيحصل لو أني فقدت هذا الذي أعتبره مكسبا؟ لا بل ماذا أضافت معرفتي بما أعرفه، وماذا أضاف وعيي بما أعيه لهذا الوجود، بدءا من ذاتي، مرورا بمحيطي الضيق، وانتهاء بمحيطي الواسع؟ وما الضرر الذي كان سيترتب عليَّ وعلى هذا الكون، لو أني كنت مجرد رقم من الأرقام اللانهائية فيه، والتي لا تتعدى قيمتها وأهميتها، مجرد وجودها الوظيفي الحياتي البيولوجي الصرف؟ولا أخفيك القول أن هذا السؤال يراودني من حين لآخر، وآخر مراوداته لذهني ليست بعيدة. وأشعر – عندما أسمعه يلح علي قادما من اللحظات المأزومة والمتوترة في حياتي – برغبة عارمة في التعامل معه، وفي الغوص في فضاءات المساحة التي يتيح لي تخيلها من الذات ومما يحيط بها. وأيضا لا أخفيك أنني في كثير من لحظات مناكفتي لهذا السؤال، وبعد انتصاري على مغاليقه، والنجاح في التموضع داخل الدوائر التي يتيحها لخيالي، أشعر بنوع غريب من المتعة واللذة لا أقدر على وصفه.سأحاول أن أضعك والقراء - قدر ما أستطيعه - فيما يغلفني به من فضاءات، عندما يحاصرني، وعندما أتمكن من اقتحام عوالمه الافتراضية في مساحات الخيال الواسعة. راجيا أن أتمكن من ذلك، خاصة أني أنا نفسي أشعر بالضياع والتيه وأنا أمخر عباب الفضاء الذي يفرضه على خيالي، ذلك القدر من الانتصار على أبوابه الموصدة!!امتلاك المعرفة والحظوة بالوعي مسؤولية كبيرة. وأعلى درجات المعرفة والوعي هي "معرفة مسؤولية من يمتلكهما، والوعي بها". كما أن أعلى درجات المسؤولية هي "تطبيق المعرفة وممارسة متطلبات الوعي". لا يستطيع أحد أن ينكر أن المعرفة والوعي يحققان للعارف والواعي نوعا من المتعة غير عادي، ولا تضاهيها متعة في الوجود أيا كانت. فلا متعة الشرب على ظمأ، ولا متعة الأكل على جوع، ولا متعة الاسترخاء بعد التعب، ولا متعة لقاء الأحبة بعد طول غياب، ولا متعة النجاح والتفوق بعد الترقب والقلق وانتظار النتائج، ولا متعة جني الثمر بعد بذل الجهد، بل ولا حتى متعة "ممارسة الجنس" على شوقٍ ورغبةٍ واشتهاء، مع من نحب ونعشق، يمكنها أن تضاهي أو تكافئ في مردود لذتها، المتعة التي تتولد عن "الوعي والمعرفة" في ذاتهما.والسبب في ذلك هو أن الطبيعة البشرية – كما قررها وصاغها وخلقها الله منذ أن قرر أن تكون هناك طبيعة بشرية – تنزع إلى التألُّه، أي إلى أن تُجَسِّدَ الذات الإلهية في تلك الطبيعة، سيطرةً وتحكما ونفوذا وإحاطةً وعلما وقدرةً وكرما ورحمة.. إلخ. وليس هناك من بابٍ يساعد تلك النزعة التَّألُّهيَّة على التجسُّد – حتى في مستواها البشري الضيق والمحدود – سوى "المعرفة والوعي". ولأن أعظم وأكبر وأسمى وأنبل "مستويات المسؤولية" هي مسؤولية الله المطلقة تجاه خلقه، ولأن أعظم وأكبر وأسمى وأنبل وأمتع "أنواع السعادة" هي سعادة الله المطلقة بمسؤوليته تلك، ولأن هذه المسؤولية وتلك السعادة المطلقتين نابعتان من صميم الصفات الإلهية التي ليس من بينها، لا أكل ولا شرب ولا توالد ولا جنس.. إلخ. فلا شك إذن في أن من صميم الطبيعة البشرية التي تنزع إلى التألُّه، أن تكون أعلى مستويات سعادة الإنسان مرتبطة بأعلى مستويات مسؤوليته تجاه خلق الله، تجسيدا للذات الإلهية في تلك الطبيعة.ولأن الوعي والمعرفة وحدهما هما اللذان من شأنهما تحقيق أعلى درجات تلك المسؤولية، فمن الطبيعي – والحال كذلك – أن يكونا هما الطريق الموصل إلى أعلى درجات السعادة، وبالتالي إلى أعلى درجات المتعة واللذة، على اعتبار أن السعادة الإنسانية تتجلى في التلذُّذ والاستمتاع. من هنا جاء تأكيدنا على أن مردود "الوعي" اللَّذَوي" - إن صحَّ التعبير – لا يضاهيه مردود لذَّوي لأي متعة أخرى من المتع التي يعرفها الإنسان في عالمه المادي.في ضوء هذا الإدراك الخاص الذي أحياه وأعيش في أفيائه، لفضاءات السعادة والمتعة واللذة التي يفيض بها الوعي، والتي تفيض بها المعرفة على صاحبيهما، تمكنت من التعامل مع الفرضية الخيالية التي قدمت بها إجابتي على سؤالك يا "نورا"، وهي فرضية "ماذا لو لم أكن أعرف؟"، و"ماذا لو لم أكن أعي؟"، ومع مرور الوقت، ومع تبلور مُعْطىً معرفيٍّ واضحٍ في ذهني لدلالات "اللامعرفة واللاوعي"، عبر عمليات حفر طويلة ومضنية في المساحات التي تتيحها لي تلك الفرضية الخيالية، اكتشفت أنني كلما كنت في حاجة لأن أستشعر سعادتي بوعيي بشكل مختلف في سموه ورقيه وقدرته على إمتاعي و"تلذيذي" إن صحَّ التعبير مرة أخرى، عن استشعاري له وأنا محاصر بضوضاء الحياة اليومية، كان عليَّ أن استحضر تلك الفرضية من الركن الذي تنزوي فيه في الذاكرة، والسباحة معها وأنا مغمض العينين، إلى أن أجد نفسي غارقا في نوع من الظلمة الناتجة عن افتقاري المفترض للبعد التألُّهي في إنسانيتي، إذا كنت على هذا النحو من اللامعرفة ومن اللاوعي، وبالتالي من اللامسؤولية.الغريب في الأمر أن الإحساس بتلك المساحة المظلمة بسبب عدم وجود الإله فيها على النحو الذي تنزع إليه الطبيعة البشرية في أرقى صورها، كان له على الدوام مردود عكسي، يتناقض مع مردود الظلمة السلبي المتوقع والمفترض، وهذا المردود كان إيجابيا دائما. فكان استمتاعي بوعيي وبمعرفتي بالنظر إلى المسؤولية التي يفرضانها عليَّ وأنا في على تلك الحال وأعيش ذلك الجو التأملي الخاص والفريد من نوعه، مختلف كليَّة عن استمتاعي به في اللحظات اليومية العابرة المحاصرة بضوضاء الحياة. ووجه اختلافه ليس كميا فحسب، بل هو نوعي بالدرجة الأولى. فالسعادة والمتعة واللذة التي كنت أشعر بها وأنا مغمور بفضاءات تلك الحالة، مختلفة في النوع عن تلك التي أشعر بها في الحالات الطبيعية، ولا يسعني وصفها.وعندما حاولت التقدم خطوة في رياضة التأمل العجيبة هذه، كي أفهم حقيقة ما يحدث، وجدت أن إحساسي بالسعادة اختلف وتغير في بعده النوعي فضلا عن بعده الكمي، بسبب أن تلك الظلمة الفارغة التي تُصَوِّر لي أشد حالات بعد الإنسان عن إلهِيَّتِه الطبيعية، والتي أعرف يقينا أنها ليست حقيقتي ولا جوهري، مادام تأملي لم يخرجني عن حالة الوعي بذاتي بل زادني وعيا بها، هي ظلمة وسعت المساحة بين الحالتين بشكل ملحوظ كما نوعا، فاتضح لي بون السعادة الشاسع بين أن أحس بالمسؤولية تجاه خلق الله، وألا أحس بها، أي بين أن أكون واعيا وعارفا وبين ألا أكون. وكان هذا البون متجسدا كله على شكل "سعادة" جديدة مستشعرة ومحسوسٍ بها، لذلك كان هذا الاختلاف الذي مارست هذه الرياضية التأملية كلما احتجت إليه، في حالات التوتر والقلق والخوف والتردد التي تحاصرني كأي إنسان من وقت لآخر.أرجو أن تتمكني يا "نورا" من التغلُّب على التعقيد الذي غلَّف هذا العرض، فهو موضوع، وهي أحاسيس، لا يمكنها أن تُعرضَ على غير هذا النحو. كما أرجو أن تكون فيها بعض المنفعة، وإن كنت لا أستطيع أن أجزم بذلك، لأن الذاتية الشديدة في الرياضات الذهنية والتأملية، تجعل انتقالها من إنسان إلى آخر بالعرض والتلقين والتوضيح والشرح، أمرا مشكوكا فيه!!!أما بخصوص الشق الثاني من سؤالك والمتعلق بتفوق الغرب علينا في كل شيء، وهو ما يبدو مثيرا للإحباط لديك، فليس لدي شيء أستطيع قوله سوى ما يلي..في يوم من الأيام اخترعنا المدفع، فكان لدينا مدفع ولم يكن لديهم. و"فيينا" حوصرت بالمدافع التي كانت سلاحا أخاف الأوربيين وأرعبهم، لأنه كان جديدا عليهم. وقبل ذلك كانت جامعة "قرطبة" في "الأندلس" محج كل الأوربيين. وكان ملوك أوربا يتقربون من خلفاء "بني أمية" في الأندلس بالهدايا القيمة، ليحصلوا للطلبة المبتعثين من بلدانهم إلى قرطبة، على فرص أفضل من فرص مبتعثي الدول الأوربية الأخرى. وعندما أهدى الخليفة العباسي هارون الرشيد – على ما أظن – أداة "الإصطرلاب"، وهي أداة زمنية من ابتكار المسلمين إلى أحد ملوك أوربا، خاف منها ذلك الملك وفزع، وظن أنها شكل من أشكال السحر، فابتعد عنها مرعوبا إلى أن طمأنه من تمكن من فهما ومعرفة دورها لاحقا. والأمثلة كثيرة ولا تحصى على أن المعادلة كانت مقلوبة في يوم من الأيام.وأنا لا أورد هذا الكلام من باب "عزاء النفس"، ولكن كي أقول لك شيئا مهما وهو أنه من غير شك كان فيهم آنذاك - أي الأوربيين - من شعر بالإحباط والقلق، وقال: "المسلمون لديهم كل شيء، حتى السلاح الذي لا نملكه ولا نستطيع مقاومته. حتى العلم. حتى الصناعة المبهرة.. إلخ"!! ومع ذلك تمكن الأوربيون من قلب المعادلة، وتغلبوا على كل مخاوفهم وهواجسهم، ولحقوا بنا وتفوقوا علينا. فأين المشكلة في أن يكونوا الآن متفوقين علينا في كل شيء.الحضارة والمدنية ومنجزاتهما هما في نهاية المطاف ملك لكل البشر، أحب من أحب وكره من كره. ولا يوجد علم ولا تقنية يمكن أن يبقيا محتكرين إلى الأبد. بل حتى التقنيات العسكرية السرية تجاوز الزمن إمكان الإبقاء عليها سرية. ومن يريد أن يغزو الفضاء يستطيع، ومن يريد صناعة السلاح النووي يستطيع، ومن يريد صناعة الطائرات والسفن يستطيع. ومن يريد أن يخترع شبكة تضاهي شبكة الإنترنت وتتفوق عليها وتناددها يستطيع. الاتحاد السوفياتي صنع القنبلة الذرية ثم الهيدروجينية، مع أن الولايات المتحدة كانت تحاول احتكار أسرار ذلك. الاتحاد السوفياتي اخترع الصواريخ العابرة للقارات، فقلدته أميركا، وهو أول من غززا الفضاء لتقلده أميركا. الصين الفقيرة الخارجة من ثورة أربكتها، أصبحت دولة نووية.. إلخ. المسألة في النهاية، قرارات وإرادات وإمكانات، وكل ذلك يعني "سياسات".أنا شخصيا لا يخيفني كل ذلك، إنما يخيفني ويقلقني أن نبقى خائفين من التحرر من أنظمةٍ قهرتنا وأخرتنا وأرعبتنا. تقدُّمنا ونهضتُنا رهن بحريتنا أولا وقبل كل شيء. أوربا لم تستطع أن تتقدم وتتفوق علينا إلا بعد أن تحررت من أساطيرها وخرافاتها، ومن أباطرتها ومن أنظمتها السياسية التي تكبِّل طاقات الإنسان في الخلق والإبداع. رأسمالية أوربا ليست طريقا لنهضنا، هذا صحيح، علمانية أوربا المعادية للأديان بشكل سافر، قد لا تكون طريقا لنهضتنا، هذا أيضا صحيح، نهج الاستعمار والإبادة الجماعية لسرقة الشعوب وبناء الذات على أنقاضها، ليس طريقا لنهضتنا، بالتأكيد هذا أيضا صحيح. لكن فكرة أن النهضة والانطلاق والعلم مرهونة بالحرية، هي طريق البشر جميعهم، ولا يضير هذه الحقيقة أن تكون بدأت في أوربا قبل أربعة قرون.وأما بخصوص آخر شق في سؤالك، فما تقولينه صحيح، فهناك مدرسة تنموية تطرح فكرة "أن نبدأ من حيث انتهوا"، فنحن في غير حاجة أن نبدأ كما بدأوا ومن حيث بدأوا، وإمكان أن يبدأ العلم وتبدأ التنمية، من البناء على ما هو موجود، واستكمال المسيرة، هو الفكرة التي تتبلور في أوساط النهضويين الآن. لكن الموضوع ضخم جدا ومرتبط بالسياسة أكثر من أي شيء آخر، لأنه نهج ثوري غير مسبوق في توارث الحضارات والمدنيات. وهو ما يعيدما إلى مربع الحرية من جديد.أسئلة "الفارس المبدع" أسامة الحمويمارأيته الجانب الفكري والجدي من الباحث أسامه (ويسرني تطابق الاسمين). ولكن ماذا لو تطرقنا للجانب الإنساني لكم أستاذنا الكريم؟ فليس من المعقول أن تقتصر كتاباتك على الأبحاث والقضايا الهامة..فلنقل مثلا: أليس للباحث أسامه خواطر؟ شعر؟ نصوص تنفيسية بوحيه تظهر مدى حساسية النفس ورهافتها؟الإجابة..نسمات منعشة دغدغت المشاعر وأنا أقرأ كلماتك الدافئة يا "أسامة". ربما تكون المسألة مسألة مواهب وقدرات لا أملكها. لست شاعرا ولكني أستمتع بأنواع منه. بإمكانك اعتباري قارئا نهما للأدب وخاصة "الرواية" و"القصة" وإلى حد ما "المسرح". أستطيع القول أني روائي بسيط ومبتدئ إلى حد ما، إذا افترضنا أن الروايتين اللتين خطهما قلمي العابث بالكتابة والمتطاول على هذا الحقل من حقول الإبداع، ترقيان إلى مستوى الأعمال الروائية. فقد نشرت لي رواية بعنوان "الحليب والدم" في القاهرة عام 2001. ورواية أخرى بعنوان "عربدة"، في بيروت عام 20011، وقد منعت هذه الأخيرة - مع الأسف - من دخول الأردن لأسباب رقابية، وهي الجزء الأول من رواية من أربعة أجزاء. العنوان "عربدة" هو عنوان الرباعية، أما العنوان الخاص بالجزأ الأول فهو "الجثمان". كنت قد أرسلت نسخة رقمية إلى الأستاذة ريمة الخاني. ربما تكون قد نشرت على موقع الفرسان. وهي على العموم منشورة على نطاق واسع عبر الشبكة العنكبوتية. الأجزاء الثلاثة الباقية من رواية "عربدة" ستنشر تباعا خلال هذا العام والنصف الأول من العام القادم. الجزء الرابع ما يزال قيد التأليف. عنوان الجزء الثاني من الرباعية هو "الهاروس"، وعنوان الجزء الثالث هو "الزنزانة"، أما الجزء الرابع فلم أختر له عنوانا، لأن العنوان يظهر ويولد لوحده مع نهاية العمل.وفي الختام، لست أدري إن كان يشفع لمشاعري التي خشيتً عليها من جفاء الفكر، وصرامة قواعد البحث العلمي، وتجريد الفلسفة، أن تعلم أني كاتب سيناريو ومخرج سينمائي، أي أنني أتعامل برغبة وعشق واستمتاع غير عادي مع أدوات الفن السابع. وأنا الآن بصدد الاستعداد لتصوير مسلسل تلفزيوني وفيلم سينمائي عن الثورة الجزائرية في الجزائر ولحساب التلفزيون الجزائري ووزارة المجاهدين الجزائرية، بعد أن تمت الموافقة على النصين اللذين أُعدا منذ أكثر من عام.
    للطبيبة نورا وللفارس المبدع أسامة بالغ احترامي وتقديري
    أسامة عكنان

  10. #50
    السلام عليكم
    ومن جديد أستاذ أسامة ومازلت تثلج صدورنا بفكرك النير ادام الله الإيمان والصحة والعطاء وبإذن الله الله معنا وبعد:
    اعتذر لمعلومتي الناقصة ولاأدري إن الاسم الذي أبحث عنه يتطابق مع ماورد هنا:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32760-اندرس-بهرينغ-بريفيك-والرصاص-المتشظي
    لكن المعلومة التي اعرفها واتمنى التصويب إن امكن:
    ان هذا العالم الامريكي الذي أسلم قال بعد إسلامه وبعد ان حسن:
    أعطوني 40 شابا مسلما يعرفون احكام الإسلام ويطبقون...وأنا أفتح لكم الامريكيتين وأجعلهما يجثوان على ركبيتهما بأسلامهم...
    إلى أي حد نعتبر أن الإسلام هو الحل؟ وأي إسلام؟
    [بالنسبة لردك على سؤالي عن اتلرجمة حقيقة أصبتني بخيبة كنت اتوقعها بطريقة ما, لكن ما يحز في نفسي لما كنا في باريس انتشار كتب لكتاب يسوقون للفكر الأسرائيلي بطريقة مبهرة جدا فأين نحن؟ بل اين جاليتنا هناك؟( ويستحضرني الأديب منير مزيد سفيرنا في الغرب,والذي يلهث وراء الانطولوجية الأدبية في رومانيا - وله شكري لتضمينه بعض نصوص لي فيها-ولكن مازال سؤالي إليه ملحا: ماهي هوية تلك القصائد التي ترجمتها؟أين الرسالة؟وانت عربي فلسطيني صميم؟-بكل الأحوال أستاذ أسامه:لاأظن ان تبسيط نصوصنا للجماهير يكفي حاليا للانتشار فالقارئ يقرأ ويرتقي ونحن نريد قراء بشكل عام ولا نسأل عم مستوى النص فأين هم القراء القراء وكيف ننمي تلك الهواية الهامة؟ من هنا نبدأ اظن)ومازلت أبحث عن فرجة]
    مع التحية والشكر والتقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 5 من 13 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 11:24 AM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 05:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 02:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 08:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 07:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •