* عشق الروح *
.....................
واربت الباب ، فدخلت ..
فى حوالى الخامسة والعشرين . ترتدى فستاناً ضيقاً ، عليه نقوش مستديرة ، ملونة . أهملت إغلاق الزرار العلوى ، فظهر من صدرها ما أغرانى بالتحديق . سمراء البشرة . عيناها سوداوان ، مكحولتان . عقصت شعرها فى جديلة ألقتها خلف ظهرها . لردفيها الممتلئين استدارة واضحة ، تختلف مع الضمور النسبى للخصر وأعلى الصدر ..
تعرفت إليها فى أشهر إقامتى بالسيالة . التقينا ـ للمرة الأولى ـ عند عم عبد المعطى مكوجى الرجل على ناصية شارعى العوامرى والسيالة . اجتذبتنى الحياة فى الحى الشعبى بناسه وتجاره وحرفييه وسلوكيات حياته . أمضى الساعات متأملاً انحناءة عم عبد المعطى على مكواة الرجل ، فصاله مع الزبائن ، تبادله النكات مع أصحاب الدكاكين المجاورة ، تعليقاته المرحة على ذوات الملاءات اللف والبسمات المحرضة ..
طلب شهادتى فى قيمة كى الملاءة . ذكرت ما اعتدت سماعه منه ، وهو يعد أنواع الملابس . اتجهت ناحيتى بسؤالها . أجبت بما أعرفه ..
التقينا بعيداً عن بحرى .
سرنا فى منطقة السلسلة ، والشوارع المتفرعة من محطة الرمل ، وحدائق الشلالات [ قبلتها تحت ظل شجرة ] والشوارع المحيطة باستاد البلدية ..
كنت ـ آنذاك ـ مفتوناً بروايات محمد عبد الحليم عبد الله . وجدتها امتداداً جميلاً لروايات المنفلوطى التى قرأتها فى مكتبة أبى . كلمتها عن التسامى فى الحب ، وعن يتمى الباكر فأنا أريد فى حبيبتى عاطفة أمومة . وكلمتنى عن زوجها البحار . حياته كلها فى البحر . حتى فى أيام إجازاته ينشغل بأصدقائه وقعدات قهوة الزردونى ..
أستعيد الآن ملامحها وهى تغالب التوتر :
ـ أنا فى حاجة إلى رجل !
شردت فى المعانى الجميلة ، وقلت :
ـ أنا أيضاً فى حاجة إلى حبيبة لها قلب الأم ..
ودندنت برومانسية ساذجة ـ كأنى أغنى لنفسى ـ :
وعشق الروح مالوش آخر لكن ده عشق الجسد فانى
كان ذلك آخر لقاءاتى بالمرأة . لم تعد تتردد على دكان عم عبد المعطى ، ولا رأيتها فى شوارع بحرى ..
غابت عن حياتى تماماً .