منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 73

العرض المتطور

  1. #1
    فتح عينيه أكثر فأكثر , وصب نظراته على القاضي , فوجده شخصا رفيقا يكلم تلك البنت الماثلة أمامه برفق وأناة . لم يصدق .. وقال بينه وبين نفسه:

    • هؤلاء الأشخاص خداعون , يطلون حديثهم بالعسل , حتى يتمكنوا من الوصول إلى ما يبتغون ,حتى إذا ما ظفروا نكلوا بمن يستجوبونه.. ليس هناك من سوى الحبس . ليس في هذه الدنيا غير الأشخاص الملاعين الخداعين , أبو لبادة وصاحب المحل , وربما هذا القاضي .

    وأشاح بوجهه وقلب شفته لا يعينه من كل ما يجري شيء وعلى كل حال فلن يظفر هذا القاضي منه بكلمة واحدة . ما حصل عند قاضي التحقيق سيحصل هنا, لماذا يغير موقفه؟
    انتهى القاضي من استجوابه للبنت , فنادى رجل الضابطة الذي دخل وأخذ له التحية , هذا الرجل هو غير رجل الضابطة الذي أحضره هو , وقاد الرجل البنت خارج القاعة إلى أين؟ أغلب الظن إلى دار الأحداث . هذا ما أخبره به لداته في نظارة التوقيف :

    • ماذا في معهد الأحداث ؟ أكل وشرب ونوم وتعلم مهنة . أشار له القاضي بالاقتراب , فلم يتحرك وظل ينظر ألى القاضي , وعندما أشار إليه مرة ثانية قام متثاقلا وجلس حيث أشار , وسمعه يسأله:
    • - اسمك. اسم أمك.. اسم أبيك.. محل إقامتك؟
    • - اسمي صقر ولا أعلم اسم أمي ولا اسم أبي لا أقسم في مكان.
    • ص 73

  2. #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نعتذر بداية عن تخلفنا عن اتمام النقل ونعاود فالتمسوا لنا العذر وشكرا لسعة صدركم.

  3. #3
    • أين تنام؟
    • أنام حيثما يدركني النعاس.
    • قلب القاضي شفتيه ثم سأله:
    • -أين تأكل ,ومن يقدم لك الطعام؟.
    • -آكل ما تصل إليه يدي خطفا من محلات باعة المآكل.

    هز القاضي رأسه ثم قال:
    -لا يمكن أن تكون قد نشأت على هذا الشكل منذ ولادتك,لابد أنك كنت في يوم من الأيام تقيم في دار.
    -كنت أقيم بدار أم محمد,ثم ماتت ,أخبروني عندما ماتت بأنها كانت أخذتني من الطريق.
    هز القاضي رأسه ثانية ثم سأله:
    -هل تنوي أن تقضي حياتك بهذا الشكل؟
    -كل الأولاد مثلي ,أنا واحد منهم.
    -إذا قدمنا لك محل إقامة يعتني بك ,وفيه تتعلمو وو ماذا تقول؟
    -ولماذا تقدم لي؟ماذا تجني أنت من ذلك؟
    -لاشيء ,سوى أنني أريد ان أراك نظيفا متعلما آدمي
    -أنا مليح هيك.
    قالها صقر بلهجة زغرتية,وأشاح بوجهه عن القاضي.
    -يبدو أنك قاسيت كثيرا يا صقر من الشقاء ,ستتغير الأمور منذ الآن ما عليك الآن سوى أن تذكر لي ما فعلت طول الزمن الماضي,وعفا الله عما مضى.
    -لا قاسيت ولاشيء
    -أنت تقول ما قاسيت ولكنني أنا أعرف ما قاسيته من الآلام.
    -ليش كنت معي؟طول الوقت؟.
    -لا,ولكنني أعرف.
    سكت صقر وظل مشيحا بوجهه,وقال القاضي.:
    -والآن؟نحن بانتظارك لتذكر لنا ما فعلته وتريح ضميرك.
    -ما فعلت شيء
    --أنا أذكر لك ما فعلته,اتفقت مع فؤاد و و على النهب
    -هذا ما ذكره لي المستنطق وأنا ما عملت شيء.
    -رفاقك ذكروه بالتفصيل.
    -هم فعلوا..يصطفلوا أنا ما فعلت شيء.
    -أنت تنكر أنك كنت تعيش وإياهم دائما.
    -وإذا؟
    -هل بينك وبينهم عداوة؟
    -لا أعرف.
    -إذن فهم صادقون فيما وصفوا.
    -لا..
    -لا تظن أن عندنا ضرب أو تعذيب ,لن يصيبك من اعترافك أي مكروه أؤكد لك.ص 75

  4. #4
    • أين تنام؟
    • أنام حيثما يدركني النعاس.
    • قلب القاضي شفتيه ثم سأله:
    • -أين تأكل ,ومن يقدم لك الطعام؟.
    • -آكل ما تصل إليه يدي خطفا من محلات باعة المآكل.

    هز القاضي رأسه ثم قال:
    -لا يمكن أن تكون قد نشأت على هذا الشكل منذ ولادتك,لابد أنك كنت في يوم من الأيام تقيم في دار.
    -كنت أقيم بدار أم محمد,ثم ماتت ,أخبروني عندما ماتت بأنها كانت أخذتني من الطريق.
    هز القاضي رأسه ثانية ثم سأله:
    -هل تنوي أن تقضي حياتك بهذا الشكل؟
    -كل الأولاد مثلي ,أنا واحد منهم.
    -إذا قدمنا لك محل إقامة يعتني بك ,وفيه تتعلمو وو ماذا تقول؟
    -ولماذا تقدم لي؟ماذا تجني أنت من ذلك؟
    -لاشيء ,سوى أنني أريد ان أراك نظيفا متعلما آدمي
    -أنا مليح هيك.
    قالها صقر بلهجة زغرتية,وأشاح بوجهه عن القاضي.
    -يبدو أنك قاسيت كثيرا يا صقر من الشقاء ,ستتغير الأمور منذ الآن ما عليك الآن سوى أن تذكر لي ما فعلت طول الزمن الماضي,وعفا الله عما مضى.
    -لا قاسيت ولاشيء
    -أنت تقول ما قاسيت ولكنني أنا أعرف ما قاسيته من الآلام.
    -ليش كنت معي؟طول الوقت؟.
    -لا,ولكنني أعرف.
    سكت صقر وظل مشيحا بوجهه,وقال القاضي.:
    -والآن؟نحن بانتظارك لتذكر لنا ما فعلته وتريح ضميرك.
    -ما فعلت شيء
    --أنا أذكر لك ما فعلته,اتفقت مع فؤاد و و على النهب
    -هذا ما ذكره لي المستنطق وأنا ما عملت شيء.
    -رفاقك ذكروه بالتفصيل.
    -هم فعلوا..يصطفلوا أنا ما فعلت شيء.
    -أنت تنكر أنك كنت تعيش وإياهم دائما.
    -وإذا؟
    -هل بينك وبينهم عداوة؟
    -لا أعرف.
    -إذن فهم صادقون فيما وصفوا.
    -لا..
    -لا تظن أن عندنا ضرب أو تعذيب ,لن يصيبك من اعترافك أي مكروه أؤكد لك.ص 75

    -ما عملت شي,أقول لك ما عملت شي..-
    -لن يفيدك الإنكار ولن يضرك أن تصف لنا الحقيقة..قلت لك إن هدفنا أن نوفر لك السكنى والعيش الكريم والتعليم,فهل ترفض ما نقدم لك؟.
    -أنا عايش هيك ومابدي غير شي.
    -ولكن الحكومة تريد غير هيك.
    -تصطفل.
    ووجد القاضي أخيرا أن ما ذكره صقر ,إذا أضيف إلى ماورد في إفادات أترابه يكفي.
    هذا ما قاله لمساعده,وأشار إليه بأن يختم المحضر.
    -تعال وقع يا صقر.
    -شو وقع؟.
    -أكتب اسمك.
    -على شو؟
    -على الكلام الذي نطقت به.
    -أنا ما نطقت بشي.
    -ستكتب اسمك طوعا أو كرها.
    نظر صقر إلى القاضي عند ذلك نظرة المستعجيب,ثم قام متثاقلا ,أشار له القاضي إلى مكان على الورقة فكتب اسمه بشكل غير مقروء ,نادى القاضي رجل الضابطة وقال له:
    -خذه إلى معهد الأحداث الجانحين.وهذه ورقة إيداع باسمه :الأحداث الجانحين..الأحداث الجانحين,سمع هذه الجملة مرارا وتكرارا ,ولكنه لم يفهم من مضمونها شيئا,أنا من الأحداث الجانحين؟ماذا يعني هذا؟لقد كنت أعيش كما يعيش خلق الله ,فما معنى أنني من الأحداث الجانحين؟.
    وسمع صقر القاضي يقول له وهو متجه إلى الباب:
    -سأزورك في المعهد يا صقرلأرى كيف سيتطور حالك ,وتصبح رجلا نظيفا ذا خلق حسن.
    وخرج وهو يقول بينه وبين نفسه:
    -أنا مليح هيك.ما معنى أن أكون ذا خلق حسن؟.الناس دأبهم توجيه الكلمات غير المفهومة هنا وهناك.
    وأحس بيد الشرطي تطوق معصمه وتؤلمه,ولكنه لم يتفوه بكلمة وسار صابرا إلى حيث يقوده ,ولكن إلى أين؟وتذكر مرة ثانية أنه إنما يقوده ليودعه في معهد الأحداث بعد الحكم عليه.
    *****
    عندما دخل صقر مكتب مدير معهد الأحداث لم ير وجهه..فقد كانت تحجبه عن النظر إليه أوراق كبيرة الحجم رفعها المدير أمام وجهه,كان صقر مشوقا لأن يعرف كيف هو هذا المدير وما هيئته وبماذا يوحي..ص87

  5. #5
    جلس الطبيب وراء مكتبه بعد أن أجلس ضيفه الصغير على كرسي يختلف عن الكراسي العادية بمسنده العالي الذي يخفي رأس الجليس إذا ما نظر إليه من الخلف,وبذراعه المكسوين باللباد والمخمل ,وقد غطس صقر في نوابض المقعد الوثير وبانت عليه الراحة والدعة,وراح الطبيب يوجه إليه نظرات مستطيلة صامتة,والفتى يتطلع إليه بنظرات متسائلة,ثم قام الطبيب من وراء مكتبه فتناول كرسيا عاديا من الخيزران وجلس ملاصقا له وانحنى عليه واضعا ذراعه على مسند المقعد وقال:
    -أنت يا صقر مستريح في مقعدك هذا؟
    -نعم
    -أنت في غاية الدعة ,نفسك راضية أتم الرضى وتفكيرك محرر من كل قيد ,أنت مستريح..مستريح أتفهمني؟
    -نعم نعم
    -أنت مستريح تماما عضلاتك مسترخية ليس في ناحية من جسمك أي تقلص أو تشنج.
    -نعم
    -أنت الآن صفحة مكشوفة أنت مستعد لأن تفيدني بكل ماجرى لك في ماضي حياتك.
    -...
    -أنت مستعد لأن تفيدني عن تلك الحياة منذ اللحظة التي وعيت فيها على الدنيا ,لا تترك شاردة ولا واردة إبدأ تذكر لك ذاكرة قوية وأنك ستبدأ من أول لحظة وعيت فيها على الدنيا ,صقر أنت معي أليس كذلك صحيحا؟
    -نعم نعم
    -إذن فابدأ
    كان الفتى مع كل يتلفظ بها الطبيب المحلل يشعر باسترخاء وأحس بأنه راغب في تسليم قيادة برضى,
    ثم غشيه سدر في عينيه وخدر في أعضائه ,يساعد على ذلك هذا المقعد الوثير الذي لم يجلس في حياته على مثيل له ثم استشعر بأن المقعد يشبه أما رؤوما تلمه في حضنها وهو غاطس فيه يحتويه ويحنو عليه,وفتح عينيه مرة أخرى على الطبيب,فلم يجد ضرورة لأن يستعدي على الطبيب بأي بادرة عدائية ,وتوارد إليه من هاتين العينين الموجهتين إليه كمنبعي ضوء شديد دفء ,فرغب رغبة شديدة بالاعتقاد بأن هذا الطبيب صديق ,لابل إن كل من في المعهد أصدقاء ,ودغدغة هذا الشعور واستجابت نفسه لأسئلة الطبيب,يريد أن يتكلم الكلام الجاهز لديه وراء هذا الجبين لا حاجة لبذل أي جهد لإفراغ حمولته منه:
    -فتحت عيني في بيت أم محمد كانت أم محمد.
    كان يتفوه بكلامه هذا وصوته يسمع وكأنه صادر من بئر عميق ,وقد ذبلت عيناه وظل يقص ببطء وأناة, واكشف أخيرا بأنه يثرثر يتكلم كثيرا ويلذ له أن يتكلم كثيرا ,أن يثرثر حتى إذا مضى عليه نصف ساعة زاد ذبول عينية فنام.
    وضغط الطبيب زرا فجأة احد مستخدمي المعهد , فأوعز له بأن يلقي على الفتى غطاء خفيفا ويراقبه حتى يستفيق ويسوقه إلى غرفة الطعام. ص 92

  6. #6
    في اليوم التالي بينا كان صقر في المهجع يهم بالنهوض من فراشه صباحا,جاءه مستخدم المعهد وقال له:
    -حضر نفسك للاجتماع بالدكتور جابر.
    وتنفس نفسا عميقا أمام النافذة المطلة على البستان .كان الزمن في شهر أيلول,وبرودة محببة ترد من فجوة النافذة المفتوحة الدرفة وتئاءب وتمطى وابتسم..
    ما أجمل أن يعيش المرء ثم أسرع فغسل وجهه وارتدى ثيابه.
    كان الطبيب ينتظر في عيادته حيث أوعز له بالجلوس على المقعد الوثير ذاته وقال له:
    -هانحن نأخذ أهبتنا للحديث ,أنت مستريح في مجلسك هذا أنت مسترخي العضلات,أنت صافي المزاج ,وعلى استعداد للحديث عن نفسك ,عن صفحات حياتك المطوية.
    -نعم
    -إذن ابدأ من النقطة التي انتهيت بها أمس أو أي نقطة أخرى تريدها.كنت قد التقيت بأبي لبادة.
    -نعم ,وقد قال لي أبو لبادة..
    واستمر صقر في تصريحاته ,إلا أنه لم ينم في هذه المرة,وبعد مضي نصف ساعة اكتفى الدكتور جابر وقال:
    -يكفي هذا اليوم ,والآن إلى غرفة الطعام..ولا تنس أن تحضر إلى غدا صباحا كالعادة.
    -حاضر
    ***********
    عندما خرج صقر من عيادة المحلل النفسي في اليوم الثامن ,كان رواد المعهد منتشرين في الحديقة الفسيحة,وقال زاهر يخاطبه بصوت عال ومن بعيد:
    -صقر..تعال نقطف التفاح,لقد أمر مدير المعهد بذلك.
    ولمع في مقلتي صقر شعاع لماح..وهرول متجها إلى زاهر وحمله على أكتافه وقال له:
    -زاهر ..هل وصلت إلى شجرة التفاح؟
    -نعم..ابق هكذا...
    ص 93

  7. #7
    -سأظل حاملا لك حتى تستنفذ ثمار الشجرة.
    كانت ضكات الأحداث ,وهم يجوسون خلال البستان ويقطفون الثمار ,وهم في نشوة مما يفعلون,تسمع من بعيد.
    وقال واحد من رفاق صقر في ذلك اليوم يخاطبه:
    -لقد كان حظك عاليا يا صقر,إذا استصحبك المدير وأخذك كصديق فإن من عادة رعاة هذا المعهد,إذا استعصى عليهم أحد النزلاء الجدد أن يحبسوه في غرفة مظلمة ثمانية أيام بلياليها,لا يقدمون له فيها سوى الخبز والماء,لقد كان هذا دأب المدير السالف ,لقد جئت أنت في اليوم الذي وفد فيه هذا المدير ليحل محل سلفه المنقول مديرا لإحدى المدارس.
    لقد جئت يا صقر وجاء معك حظك السعيد,أنت لا تعرف ما هي الغرفة المظلمة,أتعلم ماذا جرى هنا؟لقد خرج الفتى الذي عزل في تلك الغرفة في اليوم السادس زاحفا على يديه ورجليه,فسجد بين يدي المدير,كانت الغرفة المظلمة تصوغ للمدير في ستة أيام ما صاغه المدير الحالي في ثلاثين يوما.
    وعندما سمع صقر ما فاه به لرفيقه ذبلت عيناه ونظر نظرة مشبعة بالرضا والتفكير الجدي إلى المدى القصي وبقي على هذا الحال بضع دقائق.
    بدا على صقر في الأيام التالية أن غشاوة ارتدت عن بصره ,فلقد بدأ المعهد مرحلة جددة هي مرحلة التعليم الجدي,وبإرشاد المدير انصب اهتمام المدرسين على تنشئته كعضو متضامن في مجتمع هو مجتمع هذه المدرسة,فقد قال لأحد المدرسين:
    -أريد أن أقطع كل سبب بينه وبين حياته السابقة الفردية في بنيتها ,الخالية من كل تسامح ورحمة واستقامة حتى لا يعود إليها مرة أخرى.
    ونظر المدرس إلى المدير مليا وهو يتكلم ,واستمر على ذلك حتى من بعد أن انتهى المدير من جملته فقال له هذا الأخير وقد لفتت نظره هذه الحركة.
    -في فمك كلمات تأبى الانطلاق.
    وتردد المدرس قليلا ثم قال:
    -لا أدري إذا كان ما أفكر فيه مما أجده في صقر خيالا ووهما أو أنه حقيقة,إنه تراودني أحيانا أفكار ربما يساء فهمها.
    -ما هي؟
    -قل لي قبل أن أفصح لك هل تجتمع السذاجة والذكاء في مخلوق واحد؟
    -لا أدري ولكني أعتقد أني عثرت في الماضي من الأيام على أشخاص من هذا النوع,واعتقدت أنهم الشذوذ بعينه,إنهم شذوذ في مجتمع من الأذكياء.
    -هذا ما أريد أن أصل إليه,إنه الشذوذ الذي يعنيني..إنه شذوذ من نوع متفوق وهذا ما أجده في صقر.
    فالسذاجة تكاد تكون صفة
    أساسية فيه بمعنى أن الأمور تنتهي إليه معقدة,فإذا به يبسطها إلى أدنى درجات التبسيط,وإذا بها تجد لديه حلولها المنطقية المعقولة بأهم وسيلة دون أية مضاعفات ,أليست هذه السذاجة سهما مسنون الرأس نفاذا للأعماق؟ذلك إلى جانب صفة أخرى هي أنه شعلة ذكاء.
    ص 96

  8. #8
    ثم صمت الأستاذ قليلا وعاد فقال:
    -إذا أعطي هذا الفتى عمرا فلسوف تجد ..آه إن للأطفال المحرومين نصيبا مما للنوابغ وهو نصيب من قدرة العقل الرحب الذي لايعيقه عائق ولايقف دونه حد.
    وبان للرجلين بعد هذا الحديث أنه آن الأوان لعقد مؤتمر المعهد الدوري.
    *********
    لما كان اليوم الأول من شهر حزيران انعقد المؤتمر في غرفة المدير حضرة قاضي التحقيق والمشرفان الاجتماعي والمراقب ,وأرسلوا بطلب صقر واثنين آخرين من الأحداث الجانحين.
    لقد اعتاد هؤلاء كلما خرجت فئة من الأحداث الجانحين من المعهد أ، يلتئم شملهم لبحث أمر هذه الفئة وحساب كل ما يمكن أ، -يصطلح على الحدث من صعوبات ونكسات في حياته الجديدة.
    وقال المدير:إن التسمية هنا ذات أثر لهذا اتجنب,التفادي من تسمية مغادرة الحدث للمعهد بأنها إنجاز لتنفيذ حكم قضائي فامحضوها تسمية جديدة تزيل عن الحدث العطل الذي يلصقه بذهن الآخرين عنه كونه حدثا جانحا.هذه التسمية هي:التخرج.
    إن النكسة بالنسبة للحدث أقسى عليه وعلى القاضي وإدارة المعهد من وفادة هذا الحدث لأول مرة مهما كان شريرا.
    وقال القاضي في معرض البحث:ليس العجب أن تجد الجانحين يتفجرون نشاطا وذكاء.
    ودخل صقر فلم ينتبه إليه القاضي والمدير ,فقد منصرفين إلى حديث طويل,وظل واقفا بضع ثوان,فأشار إليه أحد المراقبين فجلس.
    كان يسمع ما يتردد بين الرجلين من حديث ولكنه لم يكن يفهمه.
    وقال القاضي:
    -إن من ندعوهم "أوادم" ممن لاهم لهم سوى اتباع الطرق الصوفية والذين انعدم فيهم الجمود بعينيه,أخذون مانعون,غير فعالين.
    ولايمكن لآدميتهم إلا أن تكون الحياة اللينة الهينة المستعدة للخضوع لكل فاتح همهم الحرص على السترة" و"العيش" .
    إنهم المساكين في عصر الصواريخ ,خير من ألفهم مغامر واحد.
    إن الأزمة هي أزمة مغامرين وليس أزمة "أوادم" هل يستطيع "آدمي"أن يصاول عدوا مغامرا؟.
    وأجاب المدير:
    -أعتقد أن ثمة وسيلة لملء هذه الثغرة.
    -ماهي؟
    ص 98

  9. #9
    -لو اهتدينا إلى وسيلة لتخرج جيل أو جيلين من الجانحين ذوي الحماس الذين تم إصلاحهم.
    -أراك تذهب بعيدا..
    -يحق لي..إنك تذكر أنه كان لتونس والمغرب بعد القرون الوسطى ,أساطيل حربية قوية.
    -بالتأكيد.
    -من ترى قضى عليها في مطلع عصر النهضة؟.
    -من؟
    -جانحون من الغرب.. جيل من المغامرين.. وبالطبع ,كانت الحوكمات الغربية راضية عنهم سرا,وإن كانت تحاربهم ظاهرا.
    هنا انتبه القاضي لوجود صقر في القاعة فقال له:
    -أهذا أنت؟,لماذا لم تشرنا بدخولك؟.
    فقال المراقب يعتذر عنه:
    -أنا أوعزت له بالجلوس ريثما ينتهي الحديث.
    وقام صقر احتراما وحيا تحية رجل واثق من نفسه يعرف موضعه.
    وقد توضحت أمامه سبل معاشرة الآخرين,كلا حسب مقامه..فمشى بضع خطوات ووقف ,فقال له القاضي:
    -اجلس يا مولود.
    تلفت صقر يمينا ويساره فلم يجد أحدا ,ورغم ذلك ظل واقفا..
    وعاد القاضي يقول له:
    -اجلس يا مولود..هل هنا غيرك في الغرفة يا مولود؟
    جلس,وقد فهم ما يعنيه القاضي,فقد سبق لمدير المعهد أن قال له:ستخرج من المعهد باسم جديد
    وقال القاضي:
    -أذكر لنا مراحل نشاطك اليومي.
    وراح مولود يسرد على أسماع الحاضرين مراحل ذلك النشاط, وهو يتلمظ بسرده هذا,والمهنة التي أرادها لنفسه إلى جانب الدراسة,وهي الطباعة.
    وكانت نظرات القاضي تغطي كل حركة من حركاته.
    ثم سأله:

    • هل لك أهل تسكن إليهم يا مولود؟

    ولما أجاب مولود نفيا قال له:"
    -لابد من أن تتخذ مقاما لك في المدينة,إننا نمنحك الحرية المراقبة,بمعنى أنه,ولو بقي عليك ستة أشهر من مدة الحكم,وهي سنتان,إلا أنه يجب أن تمضي منذ الآن يومك في المعهد لتتم دراستك وتنال شهادتك وتتابع ممارسة مهنتك,ثم تعود في المساء فتبيت في مقامك في المدينة ولك الخيار بالعكس,لأننا سنعينك على إيجاد عمل فيها وإذا كنت تبغي إتمام دراستك في كلية,فلسوف يكون لك هذا ..هو النظام عندنا.
    ص 100

  10. #10
    لن يتاح لرواد هذا المعهد أن يغادروه إلا بالتدريج.
    ونظر مولود إلى القاضي طويلا وعبث بثنيتيه, وهو يطرب للفكرة التي يتضمنها هذا الحديث. لقد كان دائما في شوق إلى مغادرة المعهد وألفى نفسه يتفوه بقوله:
    -حسنا ..إني أهوى هذا النظام.. متى أبدأ؟.
    -منذ اليوم , اذهب إلى مختار محلة أبي جرش فلقد كلفته بأن يهيئ لك محل إقامتك الجديد, وسيزورك فيه مراقب من جمعية حماية الأحداث, ليساعدك على الاستقرار.
    وظل نظر القاضي معلقا بمولود, وانتبه هذا وبادله نظرا متسائلا فأضاف القاضي:
    -انتبه لنفسك يا مولود, تسلم قيادك بشجاعة وإدراك ولا تسلمه منذ اليوم إلى أحد غيرك, فتنزل بك قدمك مرة أخرى, في هذه المرة ستختلف المعاملة, لأنك أصبحت في السادسة عشرة من عمرك ,فإذا اقترفت جرما لم يكن أمامك سوى السجن, لن تعود إلى هذا المعهد , وانا أربأ بك أن تصل إليه, أنت فتى كريم النفس ولا أظنك ستصل إلى هذا الحد أنت الآن حر.
    لم يرد مولود بكلمة ,بل نظر إلى المجتمعين بعينين مزدهرتين ملؤهما الأمل, ثم شكر وخرج.

صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 05:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 04:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 07:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 05:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 06:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •