منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 5 من 9 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 84
  1. #41
    بطاقة التموين والقهر الاجتماعي!!

    بقلم: د. حلمي محمد القاعود
    .................................

    في خضمِّ التخبُّط الذي تعيشه السلطة ويتجلَّى في سلوكها على المستويين الداخلي والخارجي، يعيش المواطنون حالةً من القهر تصنعها وزارةُ التموين (يسمونها للمفارقة التضامن الاجتماعي!!)، فقد بدا لهذه الوزارة أن تطلب من المواطنين البائسين مراجعةَ بطاقات التموين الخاصة بكل منهم!! وما أدراك ما مراجعة بطاقات التموين!!
    إنها "علقة ساخنة" يتلقَّاها المواطن المصري منذ استلامه استمارة المراجعة من البقَّال حتى وصوله إلى مكتب التموين التابع له، مرورًا بجهة العمل التي يعمل فيها، أو منطقة التأمين والمعاشات إذا كان من ذوي المعاشات، والبحث عن شهادات الأولاد الذين تخرَّجوا، وقسائم الزواج للذين تزوَّجوا، وبعدئذٍ تطمئن جهة التموين على دخل المواطن التعيس كي يحصل على شيء من الزيت وشيء من السكر أو تمنعهما عنه!!
    كانت وزارة التموين قد منعت توزيع السلع الغذائية الأخرى (مثل الفول والعدس والسمن والدقيق) بحجة أن الناس لا تُقبل عليها، وتبقى في المخازن، ولم تقل لنا الوزارة من أي مصدر استَقَت هذه المعلومة، فقد يكون صحيحًا إلى حدٍّ ما في الريف، أو بعض المناطق الزراعية، ولكن مَن قال للوزارة وأكد لها أن أغلبية الشعب البائس لا تحتاج إلى مثل هذه السلع؟!
    وزارة التموين لا تقيِّد المواليد الجُدُد منذ أعوام طويلة في بطاقة التموين، فضلاً عمَّن هم خارجها أصلاً، فذكاء الوزارة يعمل في اتجاه حرمان أكبر قدر ممكن من المواطنين من الاستفادة بدعم الدولة المحدود في السكر والزيت، فلا تضيف أفرادًا جددًا إلى قائمة المستفيدين، سواءٌ كانوا من المواليد الجُدُد أو الذين انتقلوا بحكم الزواج أو غيره إلى أُسَر أخرى أو مناطق أخرى، أو المسافرين إلى الخارج، وتطبِّق الحرمانَ على مَن يثبت أن لديه شخصًا تُوفِّيَ لم يقُم بخصمه من البطاقة!!
    بالطبع فإن ذكاء وزارة التموين الساعي إلى توفير أموال الدولة لا يمكن أن يمتدَّ إلى ساداتنا وكبرائنا الذين يتقاضون مئاتِ الألوف من الجنيهات شهريًّا في وظائف لا تعود على الوطن بفائدة.. عشرات الألوف من المستشارين يتقاضون ملايين الجنيهات دون عمل أو إنتاج، وهناك موظَّفون لا ينتجون غير الموت والدمار والسرطان للشعب المصري، وأكتفي بالإشارة إلى المهندس "حنفي الأبهة" رئيس هيئة السكة الحديد، الذي يتقاضى 235 ألف جنيه شهريًّا، أي ما يقرب من ربع مليون جنيه كل شهر، ومع ذلك فإن قطاراتِه قد فلَتَ عيارُها، فراحت تقتل وتجرح وتصيب المئات دون رادع أو ضابط.
    وبالطبع فإن وزارة التموين أو "القهر الاجتماعي" لا شأنَ لها باللصوص الكبار أو الحيتان الكبار بلغة الشعب المهذبة، الذين ينهبون أموال البنوك والمؤسسات، ويُقيمون الأفراحَ واللياليَ المِلاحَ وأعيادَ الميلاد في أفخم الفنادق أو على الساحل الشمالي بمسمَّياته الإفرنجية والبلدية، ولا تمثِّل لهم بطاقةُ التموين مشكلةً على الإطلاق، فهم- بملايينهم وملياراتهم الحرام- قادرون على استيرادِ الكافيار والجمبري والجاتوه، فضلاً عن أفخر الأطعمة من أشهر مطاعم باريس ولندن وروما لتصل ساخنةً بالطائرات النفاثة!!
    بطاقة التموين يا سادة ليست أمرًا ثانويًّا أو هيِّنًا أو بسيطًا بالنسبة لجموع الشعب البائس التعيس.. إنها تكاد تكون العُكَّاز الذي يعتمد عليه الناس المطحونون في عزِّ موجة الغلاء الطاحن والجباية الشرسة والإتاوات الفاحشة والأجور الهزيلة.
    ألا يعلم وزيرُ القهر الاجتماعي (التموين سابقًا) أن ملايينَ من الشعب المصري البائس صارت لا توقِد النارَ (أي لا تطبخ) إلا من الهلال إلى الهلال في أفضل الأحوال؟ هل يعلم وزير القهر الاجتماعي السعرَ الذي وصل إليه كيلو اللحم حاليًا؟ هل يعلم كم يبلغ ثمن الدجاجة المتوسطة؟!
    مشكلة هذا الوزير وهذه الوزارة أو هذا النظام.. أنه نظامٌ كذابٌ منافقٌ ظالمٌ، لا يقول الحقيقة أبدًا، ولا يعترف بما يريد، ولا يقيم العدل إطلاقًا.. إنه يدور ويلف حول مقصده، دون أن يكون صريحًا، ولا بأسَ أن يشعل النار في كل شيء ولا يُبالي.. إنه يشعل النار في اللحاف من أجل قتل برغوث؛ ليظل السادة اللصوص والحيتان الكبار في أمان دون أن يعكِّر صفوَهم أحدٌ.
    على سبيل المثال رفع النظام الظالم أسعار البنزين 90، 92 وادَّعى أن بنزين 80 سيبقى سعرُه على ما هو عليه، واكتشف الناس أن بنزين 80 لا وجودَ له، أي اختفى من محطات البنزين تمامًا، ثم إن سائقي الأجرة وأصحاب المحلات والحرفيين وبقية التجار رفعوا أسعارهم تلقائيًّا ليرتفع البنزين!!
    وزارة القهر الاجتماعي تدَّعي أنها تريد توصيل الدعم لمن يستحقه، فاخترعت ما يُسمَّى بعقد المخابز، وهو ما أثار بلبلةً وأنذر بوجود أزمة قد تؤثر على وجود رغيف الخبز نفسه بسبب الإضراب المتوقَّع من جانب أصحاب المخابز أو إغلاق المخابز نفسها، ولم يسأل وزير القهر الاجتماعي نفسه عن تأثير هذه اللعبة السخيفة التي اخترعها أحد موظفيه على الناس والمجتمع والنظام.
    مشكلة هذا النظام الظالم أنه لا يواجِه الناسَ بالحقائق، ولا يخبرهم بمقاصده الحقيقية، ولا يطرح المشكلات طرحًا صحيحًا، ويستسهل أن يقهر جموع الشعب على أن يسلك سلوكًا متحضرًا سليمًا.
    قبل رفع الدعم وإشعال الأسعار ينبغي أن يراجع النظام نفسه، فينظر في دعمه للمواطن الإسباني- أقول الإسباني بالعربي الفصيح- والقاتل النازي اليهودي في فلسطين، بالغاز المخفَّض والبترول الرخيص، من خلال عقود تمتد لسنوات طويلة، فضلاً عن مساعدته للأخير على سفك دماء المسلمين بتحريك دباباته ومدرعاته وآلياته!!
    ولينظر أولاً في الميزانيات المَهُولة التي يُخصِّصها لأجهزة القمع والقهر وأجهزة الدعاية الرخيصة ومؤسسات التهريج والتغريب.. فضلاً عن الإنفاق السفيه الذي يعرف وجوهه القاصي والداني!!
    إن إذلال المصريين في طوابير مراجعة البطاقات التموينية- زحامًا وانتظارًا وعناءً وإهمالاً لأعمال الناس ومصالحهم- لهو خيرُ دليلٍ على تخلُّف السلطة الغشوم، وسوء تفكيرها، وبؤس منطقها، وإني أسألها: هل الموظف أو صاحب المعاش الذي يتقاضى في أحسن الأحوال ألفَ جنيه يمكن أن يواجِهَ متطلبات الحياة، بل فواتير الكهرباء والمياه والهاتف وحدها!! ولنفترض أنه يأخذ ألفين أو ثلاثة فهل يجوز- في ظل الخلل الاجتماعي القائم- أن نقهره بإلغاء بطاقته التموينية؟!
    اتقوا الله يا ظلمة.. فإن حسابكم أمام الله عسير!!


    </i>

  2. #42
    الكُتَّاب الماسون.. وإلغاء الشريعة!!

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    .................................

    في ظل الحملة الصليبية العاتية التي تشنها الولايات المتحدة والغرب ضد أمتنا الإسلامية يقوم الماسون ومعهم الكتاب اليساريون المتأمركون بدور خائن بشع بل أشد بشاعة وخاصةً حين يعلنون أنَّ مصرَ المسلمةَ لا بد أن تتخلى عن دينها وتاريخها وتراثها، وتلحق بذيلِ المدنية الصليبية المتوحشة حتى يكون لها قيمة، ووجود حقيقي، في المستقبل المنظور وغير المنظور.
    والقارئ الذي لم يسمع عن الماسونية قد يظنها حركةً مفيدةً تخدم المجتمعات مثل حركات المجتمع المدني الأخرى، والحقيقة أنَّ الماسونية حركة هدَّامة منذ نشأتها، وقد خدعت بشعاراتها في القرن التاسع عشر نفرًا من كبارِ القادةِ الإسلاميين والوطنيين الذين بهرتهم شعاراتها الإنسانية فظنوها بابًا للخير، بينما كانت في حقيقةِ الأمر أكبر مؤامرة على الإسلامِ والإنسانية جميعًا!
    إنَّ الماسونيةَ ترفع شعار (الحرية والمساواة والإخاء)، وهو شعار برَّاق رفعته الثورة الفرنسية في الوقتِ الذي كانت فيه الدماء الفرنسية تجري أنهارًا وكانت المقاصل لا تتوقف عن الأزيز وهي تفصل الرءوس عن الأجساد، والمفارقة أنَّ الماسونيةَ لا تعمل في العلنِ إلا من خلال بعضِ المنظمات المشتبه بها مثل أندية الروتاري والأونرويل وغيرهما من الأنديةِ والمؤسسات التي تعمل في العلنِ بحجةِ جمع التبرعات لأعمالِ الخير مع أنها تستخدم معظم هذه التبرعات لإرغامِ المؤسسات الصحفية والإعلامية والسياسية والاجتماعية المؤثرة على عدم المساسِ بالصهيونية، وفي الوقتِ نفسه توجهها للدعوة إلى الإلحاد ومحاربة الأديان- عدا اليهودية طبعًا - ونشر الإباحية والتحلل، والمتاجرة بجسد المرأة وهدم الروابط الأسرية والعائلية.
    إن تاريخ الماسونية غائرٌ في أعماق التاريخ، وقيل إنه يبدأ من عهد المسيح عليه السلام، وتجدد في القرن الثامن عشر وازدهر منذ هذه اللحظة حتى الآن، وخاصةً بعد قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وللماسون برغم تنظيمهم السري للغاية فضائح تفجَّرت في بعضِ الدول الأوروبية، منها على سبيلِ المثال ما جرى في إيطاليا في الثمانينيات من خلال فضيحة المحفل الماسوني بي- 2.
    ولأن الماسونية تعمل في الخفاء وتجند كبار رجال المجتمع من مختلف الفئات والتخصصات، فهي تتخذ من الشعارات والرموز ما يتوافق مع منهجها الشرير في الهدمِ والتخريب مثل استخدام النجمة السداسية والشمعدان ذي السبعة أفرع، ويقسم العضو الذي ينضم إليها بعد تحرياتٍ سريةٍ دقيقةٍ على التوراةِ والخنجرِ المدبب المتجه إلى الصدرِ في غرفةٍ مظلمةٍ حتى لا يرى الحاضرين من الأعضاءِ القدامى.
    إنهم يستخدمون عبارة مهندس الكون الأعظم وهي عبارة وردت بالنص في التوراة .. وكل هذا وغيره يؤكد صلة الماسونية بالصهيونية صلة وثيقة وإستراتيجية.. وقد صدر في إنجلترا هذا العام 2005م كتاب جديد تحت عنوان "الأخوة" يُعدُّ أخطر كتابٍ يتمتع بالمصداقيةِ والمرجعية الموثقة يتناول فضائح الماسون وإجرامهم ويكشف عن بعضِ زعمائهم الذين أصابوا الإنسانية بشرٍ عظيمٍ؛ ومنهم على سبيل المثال الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي أمر بإلقاءِ القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي في اليابان في الحربِ العالمية الثانية مع أنَّ اليابان كانت على وشكِ الاستسلام!!
    إنَّ الاستغراقَ في تاريخ الماسونية وممارساتها الإجرامية التي تتم في الخفاءِ وانكشف بعضها للناس يحتاج إلى مئات الصفحات، ولكن النتيجة الختامية تؤكد أنَّ الماسونيةَ مصدرُ شرٍّ كبير، وأنَّ شعاراتها مجرَّد خديعة كبرى للأغرار أو الذين لديهم استعداد نفسي للانحلالِ والجريمةِ والتمييز!
    والمشكلة التي تواجه الأمة الإسلامية هي انجراف أعداد كبيرة من صناع القرار والكتاب المؤثرين والشعراء والمثقفين إلى المحافل الماسونية، وهدفهم الأساس ازدراء الإسلام وتحقيره والسعي لاستئصاله، وقد وافق ذلك هوى مع بعض الحكوماتِ في البلادِ الإسلامية التي تسعى لاستئصالِ الإسلام بحجةِ مقاومة الإرهاب في حين أنها تُريد استئصاله لهدفٍ آخر بوصفه عنصرَ المقاومة الباقي والأقوى ضد استبدادها ولصوصيتها وقسوتها على شعوبها.
    والكُتَّاب الماسون- ومعهم الكُتَّاب اليساريون المتأمركون- غايتهم الأولى في معظمِ كتاباتهم هي التشهير بالإسلام سعيًا لاستئصاله أو إقصائه من الحياة العامةِ على الأقل، وإحلال البديل الماسوني الذي يقوم على نشرِ الإلحاد أو تحويل الإسلام إلى مجرَّد قشورٍ لا قيمةَ لها بحيث يكون التدين الشكلي بديلاً عن التدينِ الحقيقي، فضلاً عن نشرِ الإباحية والترويج لمفهومِ الفردية الذي يتناقض مع مفهوم الجماعة والتماسك الأسري والعائلي والوطني والقومي والإسلامي، والسعي للتمييز بين الطبقات الاجتماعية والفئات المهنية.. وبالنسبة للإسلام فقد كانوا في البدايةِ يُناقشون قضايا هامشية في الظاهر، مثل قضية ميكروفونات المساجد، والملصقات الإسلامية على السيارات، والحجاب، والختان والتربية الجنسية ونحوها ويطرحون من خلالها رؤى وتصوراتٍ تقترب من التصورات الصليبية والعلمانية التي تُشكك في حقيقةِ هذه القضايا إسلاميًّا وتُثير البلبلة لدى العامة الذين ليست لديهم دراية بحقيقةِ الدين وتعاليمه إلا من خلال السماع من العلماء وغيرهم.. ثم تشجعوا فيما بعد لينادوا بما يُسمَّى علمنة الدولة وحق المواطنة، والتعريض بنظام الجزية وعدها إنتاجًا إسلاميًّا.. ثُمَّ بعد ذلك تجرءوا على المناداة بإلغاءِ المادة الثانية من الدستور التي تنص على أنَّ دين الدولة الرسمي الإسلام وأنَّ الشريعةَ المصدر الأساسي للتشريع؛ مع المطالبة بحذف خانة الديانة في الوثائقِ الرسمية: البطاقات الشخصية والعائلية وعقود الزواج، ونحو ذلك مما تُصبح بعده الدولة لا هويةَ لها ولا شخصيةَ، ويجري فيها ما يجري في الدولِ الصليبية الاستعمارية من سلوكياتِ وممارسات لا تستند إلى دين ولا تمت إلى عقيدة.. ناهيك عن دعواتِ أخرى تصب في السياق ذاته مثل الدعوة إلى الجندر، وحق الشواذ، وسيادة الأقليات، وعد الإسلام غزوًا استعماريًّا، وتشويه صور الصحابة الذين فتحوا مصر وعدهم غزاة استعماريين...!!
    ولا ريبَ أنَّ مصرَ المسلمةَ ما زالت متماسكة، وهي إنَّ كانت تصبر على دعواتِ الماسون وأشباههم من اليساريين المتأمركين، فإنَّ الخوفَ من انتفاضتها يظل قائمًا، فالمصريون يتسامحون طويلاً مع أشياء كثيرة ولكني أظنهم أمام استباحة دينهم؛ فإنهم ينتفضون ويدفعون الثمن مهما كان غاليًا.. فهل يدرك ذلك الماسون الذي لم يكتبوا كلمةًَ واحدةً عن مأساةِ الشعب الفلسطيني، بل كانوا مدافعَ مُوجَّهةً ضد مقاومته الباسلة الشريفة وعونًا غير مباشر للصهاينة؟!.

  3. #43
    حرية التعبير وتجليات القمع!

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    .................................

    حكمت النمسا على المؤرخ البريطاني "ديفيد إيرفنج" بالسجن ثلاث سنوات؛ لأنه شكَّك في المحرقةِ اليهوديةِ، وأكد أن "هتلر" كان صديقًا أو حليفًا لليهود، ولولاه ما قام كيانهم الغاصب في فلسطين المحتلة.
    ما قاله إيرفنج طرحه في كتابٍ نشره على الناس قبل ستةَ عشرَ عامًا وطالعوه، ولكن اليهود لم يتعاملوا معه على أساس أنه يُمارِس حريةَ الرأي والتعبير، أو يعبِّر عن رأيهِ الذي تكفله القوانينُ والتشريعات؛ بل تعاملوا معه بوصفهِ معاديًا للسامية، ومنكرًا لمعلوماتٍ حقيقية!
    أما الادعاء بأن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- إرهابي، ثم السخرية منه ومن دينه وأتباعه فمسألةٌ ليست من الحقائقِ المعلومة، ولا تدخل تحت لافتة العداء للسامية، مع أن العرب هم الساميون الحقيقيون، وأن اليهود الذين جاءوا من القرم وبولندا وجنوب إفريقيا وروسيا والفلاشا يصعب وصفهم بالسامية؛ لأنهم من الأجناس الحامية أو الهندية.
    الغرب الصليبي الاستعماري يحرص على الكيل بمكيالين، ويعد اليهود الغزاة امتدادا له- لأسباب شتى- في قلب العالم الإسلامي، لذا لم يُطبَّق عليهم قرارٌ واحدٌ من قرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن التابع لها، وفي المقابل يمارس إذلال العرب والمسلمين، ويأمرهم بتنفيذ القرارات الظالمة التي يتخذها ضدهم بحذافيرها وفورًا بلا إبطاء.
    وموقف النمسا من "إيرفنج" لا يختلف عن موقف الغرب كله من المسلمين ماضيًا وحاضرًا، ويتلخص في عدة نقاط أساسية منها:
    1- استخدام القوة ضد المسلمين في أقسى صورها وأشدها وحشيةً، سواء كانت هذه القوة عسكريةً أو اقتصاديةً أو سياسية أو ثقافية.
    2- إضعاف المسلمين بكل السبل، وفي كل المجالات، وإجهاض كل محاولة من جانبهم لبناء القوةِ في أية صورة من الصور.
    3- استخدام الكذب بلا حدود في البيانات والادعاءات والمحاورات أو المناقشات، بحيث يتحدث الغرب الصليبي عن أشياء، ويفعل أشياء أخرى تخدم منهجه في إذلال المسلمين وإضعافهم.
    4- تجييش المؤسسات الدولية السياسية والإعلامية والاقتصادية لقهر العالم الإسلامي وإبقائِه في دائرة (المجرم المتوحش) الذي لا يأبه بالقانون ولا حقوق الإنسان، ويعتدي على الآخرين دون مسوغ أو سبب.
    5- استخدام مجموعةٍ من العملاء سواء في مجالات الحكم أو الفكر لتقنين الاستبداد في معظم أنحاء العالم الإسلامي وحرمان شعوبه من الحرية والعدل والمساواة والمشاركة في بناء أوطانهم والحضارة الإنسانية.
    ولا شك أن هذه النقاط وغيرها قد أثمرت واقعًا غربيًّا صليبيًّا لا يقبل الإسلامَ والمسلمين، ولا يؤمن بحقهم في الحرية والعدالة والمستقبل.
    ولعل ما رأيناه مؤخرًا يؤكد على استشراء الروح الصليبية في نفوس الغربيين، ليس على مستوى الحكومات الاستعمارية وحدها، ولكن على امتداد قطاعات كبيرة من المجتمعات الغربية بما فيها الولايات المتحدة، مع ملاحظة أن الروح الصليبية لا تمت إلى المسيحية بسبب، ولكنها تمتد إلى الوثنية الإغريقية والرومانية بتجلياتها العدوانية الوحشية.
    إن المحرر الثقافي للصحيفة الدانماركية التي نشرت الرسومَ المسيئةَ للإسلام ورسوله- صلى الله عليه وسلم- أعلن أن نشر الرسوم يهدف إلى تحدي المحظورات الإسلامية! وكلامه يعني رغبةً واضحةً في العدوان على المسلمين، فضلاً عن إهانتهم والزراية بمقدساتهم ورموزهم.
    وقد رأينا على شاشاتِ التلفزة كيف يضرب جنود الاحتلال البريطانيون بعضَ الشباب العراقي بقسوةٍ لا مثيل لها مع السخرية منهم، مع تصويرهم وهم يهدرون كرامتهم في أبشع حالات الوحشية.
    وقد رأينا أيضًا صورًا جديدةً لإذلال المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب من جانب الأمريكيين الغزاة، وظهرت في الصور كل أنواع العنف والقسوة والوحشية والاعتداء الجنسي!!
    هذه التجليات القمعية الوحشية الصليبية لا يمكن أن تكون استثناءً في سلوك الغرب الصليبي، ولا نشازًا في واقعه الاستعماري العدواني كما يزعم بعض قادته الذين يتحدثون في فضائياتنا مثل بلير وسترو وبوش ورايس وهيوز وغيرهم.
    والسؤال الآن: أين حرية التعبير في هذا الإطار القمعي الوحشي الصليبي؟!
    لا شك أنهم يقصدون شيئًا واحدًا فقط.. هو حرية العدوان على المسلمين وحدهم!


    </i>

  4. #44
    أولاد حارتنا وحرية آلاف المعتقلين!

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    .................................

    لا يكف مثقفو السلطة, وخاصةً مَن يُطلَق عليهم مثقفو الميكروباص, عن القيام بأدوار المهرجين الذين يشغلون المجتمع عن قضاياه الأساسية وحقوقه الدستورية والقانونية, من خلال القيام ببعض العروض الهزلية السخيفة الباردة التي لا تجد قبولاً لدى الأغلبية العظمى من المثقفين الشرفاء, الذين تمَّ إقصاؤهم واستبعادهم من الواقع الثقافي نتيجة للممارسات الاستبدادية والقهر السياسي الاجتماعي الذي تتبناه السلطة البوليسية الفاشية, وخدامها الأوفياء من حملةِ الأقلام التي لا تعرف الوضوء ولا الصيام!
    وكان رحيل نجيب محفوظ مناسبة ذهبية لهؤلاء الخدم, كي يحملوا على الإسلام والمسلمين, ويتهموا الجميع بالتكفير والظلامية والرجعية والردة(!) والتخلف والتطرف والإرهاب, ويلحوا على محاولةِ اغتيال نجيب محفوظ الفاشلة التي نسبت إلى شخص لا علاقةَ له بالأدب ولا بالإسلام, وزعموا أنه قام بمحاولته بناءً على فتوى تُبيح إهدار دم نجيب محفوظ من أحد الدعاة وليتهم يتكرمون بنشر هذه الفتوى حتى نصدقهم, بعد أن كثُرت أكاذيبهم وادعاءاتهم لخدمة سادتهم الذين منحوهم من مال الشعب وعرقه ما لا يستحقون.
    وكانت الداهية الدهياء- إذا صحَّ التعبير- هو الحديث عن رواية أولاد حارتنا وضرورة نشرها تحديًا للظلاميين الرجعيين المتخلفين, أي الإسلاميين, وكفاحًا من أجل حريةِ الرأي والإبداع, ووفاءً لصاحب جائزة نوبل.
    وانشغل بعض مثقفي الميكروباص من نفايات حزب العمال الشيوعي, الذين تأمركوا وصاروا خدامًا في بلاطِ التنظيم الطليعي الجديد, الذي يُسمَّى لجنة السياسات بالحزب الوطني, بقضية أولاد حارتنا واستنفروا كُتَّاب السلطة وغيرهم للقيام بحملةٍ غير مقدسة لنشرِ الرواية التي أُوقف نشرُها في كتابٍ بعد نشرها مسلسلةً في الأهرام لدى كتابتها في عهدِ محمد حسنين هيكل, ثم نشرها سهيل أدريس في بيروت, ووزُعت في مصر على رؤوس الأشهاد, وكما نشرتها جريدة توتو حتى قرأها مَن لم يُفكِّر في قراءتها أصلاً! تحولت أولاد حارتنا عند مثقفي الميكروباص إلى قضيةٍ إستراتيجيةٍ وقوميةٍ تستحق الحشد, وتجييش الجيوش لقهر الظلاميين الغزاةِ الذين عدَّهم البعض أخطر من اليهود ولن يتحقق النصر القومي إلا بنشرِ الرواية, وتوزيعها بكل وسيلة.
    كان نجيب محفوظ- رحمه الله- قد رفض في حياته, وظلَّ على موقفه حتى لقي ربه- أن تُنشر الرواية إلا بعد موافقةِ الأزهر الشريف, وكتابة مقدمة لها بقلم الوزير السابق أحمد كمال أبو المجد, وما لم يحدث ذلك, فلن يوافق أبدًا على نشرِ الرواية.
    هذا ما كان من أمر صاحبِ الرواية وهو حي يُرزق.. فماذا كان من أمر مثقفي الميكروباص؟ أصروا بعد رحيله على تحويل المسألة إلى إحدى قضايا مصر الرئيسية, ورفعوا شعارات الحرية والإبداع والتحدي, مع أن صاحبها كان موقفه عكس ذلك.
    والمفارقة أنَّ القوم وهم يهتفون بالحرية، يتناسون الحرية الأساس، الحرية الحقيقية، الحرية الكبرى، وهي حرية الشعب المظلوم الذي يعيش على مدى نصف قرن أو يزيد من حالة مصادرة كاملة لكرامته وإنسانيته وحقوقه في المشاركة والعمل والإبداع بصنوفه كافةً، هذا الشعب الذي يُحرِّم عليه أن يلتقي خمسة أفراد على مائدة طعام بحكم قانون الطوارئ المزمن، لا يتورع عن مصادرة حياة أي مواطن مهما علا مركزه، وكانت قيمته.
    وينسى هؤلاء المثقفون الميكروباصيون أن معتقلات مصر تعج بآلاف المعتقلين، ويُقدَّر عددهم بنحو ثلاثين ألف معتقل سياسي، يعيشون وراء القضبان وفي ظلامِ الزنازين، ولم يتكلموا عن الإفراج عنهم ليروا أولادهم الذين وُلدوا في غيبتهم، والأمهات الشابات اللاتي شخن قبل الأوان، وترملنَّ في عزِّ شبابهن، ومع أن أزواجهن على قيدِ الحياة، ولكنهم في قبضةِ الجلاد.
    ينسى المثقفون الخدم القضايا الكبرى ويتعلقون بقضايا مفتعلةٍ لا تهم إلا مَن أثاروها وتحدثوا عنها, إنهم يعلمون جيدًا أن روايةَ أولاد حارتنا لا تعني المواطنين بقدرِ ما تعنيهم سلامة القطارات والعبَّارات التي تصعقهم أو تفرمهم أو تسحقهم يوميًّا بلا أدنى قلقٍ لدى الحكومة الظالمة المستبدة التي يخدمونها ويغترفون من أموالها.
    إنَّ المثقفين الخدم يعلمون جيدًا أنَّ روايةَ أولاد حارتنا من أردأ رواياتِ نجيب محفوظ فنيًّا، وأنها باردة الصياغة والبناء، ولعل هذا هو السبب في عدمِ إصرارِه على نشرها؛ لأنه بحسه الفني يُدرك أنها روايةٌ ضعيفة، ولا يعيب نجيب محفوظ ولا غيره من الكتاب أو الشعراء، أن يتخلى عن عملٍ يشعر بضعفه أو هبوط مستواه عن أعماله الأخرى، وبالنسبة لي شخصيًّا فقد تجرَّعتُ المُرَّ حين أكملتُ قراءتها، ولم أشعر فيها بلذةٍ فنيةٍ أو موضوعية.. وهي لا تساوي شيئًا بجوارِ عملٍ آخر مماثل لنجيب مثل ملحمة الحرافيش الزاخرة بالحياة والفكر والتشويق والصياغة الشعرية التي ترقى بالأسلوب السردي إلى مستوًى عالٍ، وقد سجلتُ رأيي النقدي فيها من خلال دراسةٍ طويلةٍ نشرتها إبَّان صدورها في مجلة البيان الكويتية.
    مشكلة الفصام التي يعيشها مثقفو السلطة تجعلهم يخونون قضايا أمتهم، ويتنكرون لها، ويظنون أنهم بذلك يقدمون خدمةً جليلةً لسادتهم وكبرائهم الذين أضلوهم السبيل.
    ومع ذلك فلدينا مثقفون محترمون يقفون عند القضايا الجادة سواء لدى محفوظ أو غيره، وتأمل على سبيل المثال الملف الذي نشرته مجلة وجهات نظر حول نجيب محفوظ في عدد أكتوبر 2006 م، وقارنه بالتهريج الذي قامت به بعض الصحف، والبهلوانية التي حركت بعض المجلات للتكسب بنجيب محفوظ، وإلهاء الناس عن جرائم السلطة في حقِّ شعبها، وحق مواطنيها الذين يسكن منهم آلاف المعتقلين في قعرٍ مظلمةٍ، منذ ربع قرن، ولا تستجيب في الوقت ذاته لأحكام القضاء المتكررة بالإفراج عنهم وإطلاق سراحهم.. بل تعتقل كل يوم مزيدًا من الشرفاء وتُجدد حبسهم، في الوقتِ الذي تترك فيه القتلة واللصوص الكبار في البلاد في حفاوةٍ وإعزاز، ولا تجرح مشاعرهم بكلمةٍ واحدةٍ عن جرائمهم الكبرى.. ما رأيكم في مثقفي الميكروباص؟


    </i>

  5. #45

    القاعود يهاجم مثقفي السلطة وكتابها في أحدث كتبه "تحرير الإسلام"

    بقلم: سالي العناني
    ......................

    صدر حديثاً كتاب بعنوان " تحرير الإسلام " للدكتور حلمي محمد القاعود، أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة طنطا.
    الكتاب من القطع المتوسط، ويقع في 215 صفحة، مقسم إلى ثلاثة فصول، يتناول الأول جريمة استباحة الإسلام والمطالبة بإلغائه من الحياة!، والفصل الثاني يتناول مفهوم " تجديد الوعي" الذي يروج له بعض من يسعون إلى محاربة الإسلام بدعوى أننا نعيش في عصر العلم، أما الفصل الثالث فيتناول تعرية أكذوبة " تحرير الإسلام" عن طريق استئصاله من الواقع، وذلك بقلب الحقائق من خلال ما يروج له من أسماهم القاعود بـ " مثقفي السلطة" وكتابها في مقالاتهم التي رد المؤلف عليها وكشف عن السبب الحقيقي الذي يقف خلف هؤلاء وهو بالطبع استرضاء الغرب والاستعمار الصليبي الأمريكي.
    واعتبر القاعود تصديه لما يردده مثقفوا السلطة وكتابها من أكاذيب وافتراء على الإسلام واجب على كل مسلم ولا يعتبر ذلك ترفاً أو نشاطاً زائداً عن الحاجة، لكنه تشريح لأكاذيب ينخدع بها من لم يطلعوا على منهج الإسلام بصورة جيدة، أو من حرموا الوعي بكنوز الدين الحنيف ومعطياته.
    ويوضح د. القاعود، أن الأمة الإسلامية قد أصيبت بكارثة مروعة عندما سقطت عاصمة الخلافة العباسية " قديماً" تحت أقدام الطغاة المستكبرين في إبريل 2003، ودخلها الصليبيون الغزاة بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا ليدكوها بأحدث أساليب التدمير وينسفوا بنيتها الأساسية من الشمال حتى الجنوب، ويقتلوا عشرات الآلاف من أبناء العراق، بخلاف أعداداً مهولة من الجرحى والمصابين، وجاء الحاكم الصليبي ليجلس على الكرسي الذي كان يجلس عليه فخر الأمة في زمنه وبعد زمنه هارون الرشيد ثم ابنه المعتصم.
    وبعد سقوط بغداد، ومن قبلها كابول، يستعد الطغاة لإسقاط عواصم أخرى وإخضاع العرب والمسلمين جميعاً من خلال العمل على تغيير ثقافة الأمة وعقيدتها وإحلال ثقافة صليبية غربية بديلة تقنن التبعية والذيلية.
    وانتقد د. حلمي القاعود تماهي النخب الثقافية في العالم الإسلامي مع وجهة النظر الصليبية الاستعمارية، وتسويغ احتياجاتنا واستباحتها لأرض الإسلام بدعوى أن حكومة طالبان " ظلامية" وأن حكومة صدام " دموية"، ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل تمادوا في استباحة الإسلام ذاته وطالبوا بإلغائه واستئصاله من واقع الأمة بعد أن أُلغي من واقع السلطة في البلاد الإسلامية!.
    وراحت هذه النخب تردد ما يقوله العدو الصليبي الاستعماري وفي الوقت الذي كان فيه دم الأمة يسيل غزيراً في أكثر من مكان، كانت الأقلام والأفواه التي تقود إلى هذه النخب تمارس أبشع دور في تزييف الوعي، وتسطيح الفكر، وطرح القضايا الإسلامية من وجهة نظر صليبية استعمارية.
    وبعدما صار العدوان على المسلمين سافراً ووقحاً كان لابد من التصدي لهذا العدوان، وما تروج له النخب المتماهية معه ومنهم مثقفوا السلطة وكتابها الذين لم تعرف أقلامهم الوضوء ولا الحياء، سعياً إلى تحرير الإسلام من قبضة الاستبداد والاستعمار وخدامهما جميعاً.


    </i>

  6. #46
    تجار الدراما.. وإرهاب الحكومات!

    بقلم: د. حلمي محمد القاعود
    ................................

    يلعب معظم تجار الدراما والأفلام والمسرحيات من كتاب ومخرجين ومنتجين وغيرهم دورًا مزدوجًا في خدمة القوى الاستعمارية الدولية والحكومات العربية التابعة لها، وفي الوقت نفسه يزعمون أنهم يقدمون صورة الإسلام السمح من خلال أعمالهم وكتاباتهم.
    هذا الدور المزدوج يمثل حالةً من حالات انحطاط الدراما والفن، لأنها تُحوّلها إلى صورة دعائية فجة للحكومات التي تحتفي عادةً بالأعمال التي تتناول عنف بعض الجماعات، وتغدق على المشاركين فيها كثيرًا من الرعاية والامتيازات والشهرة والجوائز، فضلاً عن العوائد المادية والأدبية التي تأتي نتيجة لشراء الجهات الإعلامية الرسمية (التلفزة والإذاعة) لهذه الأعمال، واستضافة أصحابها في البرامج والصحف والندوات والمؤتمرات وإجزال العطايا والهدايا والجوائز لهم!
    أهم ما يُميز هذه الأعمال هو إدانتها للإسلام، وليس للقائمين بالعنف أو الإرهاب، وسبق أن كتبت عن هذا الملمح تفصيلاً في أكثر من مناسبة، ولكن الذي أريد أن أؤكد عليه هو تقديم الصورة القبيحة الدموية الجاهلة التي يعيشها بعض الأفراد، والسلوكيات التي يُمارسونها في واقعهم وحياتهم بوصفها من خصائص الإسلام الطبيعية ومعطياته الحقيقية.
    إنهم مثلاً لا يقدمون شخصًا ضلّ الطريق، وانساق إلى العنف في ظل ظروف معينة ونتيجة لأسباب خاصة، ولكنهم يقدمونه كأنه نبت شيطاني تغذيه جهات أجنبية (؟) يستسلم لها استسلامًا كاملاً، ولا يوجد له في أعمالهم الفنية والدرامية مقابل إسلامي حقيقي، يقدم الإسلام بسماحته ورحمته وكرمه وتعففه وشرفه وكبريائه وعزته.. إن المقابل الذي يقدمونه هو المسلم الذي "تأورب" أو "تغرّب" أو تثقف بالثقافة الأوربية الغربية بكل ما فيها من قيمٍ مغايرة وسلوكيات مختلفة.. وتفيض على هذا المقابل الغريب ملامح الإنسانية الرقيقة والبشرية المسالمة؛ سواء كان شيوعيًّا أو وجوديًّا أو إلحاديًّا أو سكيرًا أو عربيدًا أو إباحيًا بصفةٍ عامة.
    بل إنَّ المفارقةَ تتأتي في بعض الأحيان حين يقدمون صورة المتشدّدين والمتزمتين من غير المسلمين، فهم يقدمونهم في صورةٍ محبوبةٍ جميلة.. فهذه الزوجة غير المسلمة مثلاً، حين تأخذ من زوجها غير المسلم موقفًا حادًّا وعنيفًا؛ لأنه يلعب الورق أو يشرب الخمر، لا يصورونها جافة خشنة قاسية الملامح كما يصورون الشخصيات الإسلامية التي يزعمونها متشددة أو متطرفة، بل يقدمونها في صورة الإنسان الباحث عن الأخلاقِ والمروءة والشرف مما يجعل الجمهور يؤيده ويقف من ورائه!
    وواضح أن إنتاج الأعمال الدرامية التي تعالج العنف والإرهاب- كما يزعمون- تأتي في سياق دولي عدواني تقوده جهات استعمارية معروفة، ليست غايتها التعريف بسماحة الإسلام ومسالمته بقدر ما تهدف إلى تشويهه وتنفير الناس منه وأولهم المسلمون العوام الذين حرمتهم الحكومات الإسلامية من دراسة الإسلام ومعرفة أصوله الصحيحة وقواعده السليمة، وفرضت عليه حصارًا استئصاليًّا في كل مكانٍ يمكن أن يكون فيه فعّالاً ومثمرًا للإسلام والمسلمين بدءًا من الإعلام والتعليم والثقافة حتى القضاء والنيابة والمؤسسات العسكرية والبوليسية.
    إن الإسلام لا يقرّ العنف أو الإرهاب ضد أي أحدٍ من الناس، فما بالك بالمسلمين إخوة الدين وأشقاء العقيدة وأهل الوطن ورفاق المجتمع..؟ إنها حالة واحدة فقط يفرض فيها الإسلام على القادرين حمل السلاح ويُجبرهم أن يرفعوه ضد الغزاة الذين يعتدون على الأوطان ويردعون البلاد والعباد.. أما الاعتداء على الآمنين والمسالمين، فهو أمر يرفضه الدين نصًّا وتطبيقًا.
    ولا شك أن العنف الذي عرفته بعض البلاد العربية في العقود الأخيرة، هو ظاهرة غريبة ليست مألوفة في مجتمعاتنا الإسلامية المسالمة، وقد انحسرت هذه الظاهرة التي كانت تتبناها مجموعات محدودة، نتيجة لعوامل صنعتها السلطات الحاكمة في الأغلب الأعم.
    وكان يمكن لتجار الدراما أن يُعالجوا هذه المسألة في سياق عام ضمن ظواهر اجتماعية أخرى موضحين أسبابها والدوافع التي قادت إليها. ولكن تجار الدراما، وأغلبهم شيوعي أو علماني أو مرتزق يسعى إلى الكسب بأيةِ وسيلة ولو كانت حرامًا، وجدوا الفرصة سانحة، فصنعوا بالوحي البوليسي أو التطوع التلقائي مسلسلات وأفلامًا وتمثيليات، وقاموا بالترويج لها في أجهزة الدعاية التي تسيطر عليها الدولة تؤكد على عدوانيةِ الإسلام وفقدان البديل الإنساني الذي يمثله المسلم المعاصر.. وأضافوا إلى ذلك حالة دعائية مفتعلة تقول إن هناك من يكفرهم؛ وإنهم مهدّدون في حياتهم، وإنهم معرضون للاغتيال، ومعظم ما يقولونه تهويل لا أساسَ له في الواقع، يشبه بعض الرسائل المجهولة التي تصل إلى كتاب الصحف والمجلات ردًّا على بعض مقالاتهم، ويأتيني شخصيًّا كثير منها على الشبكة الألكترونية (النت)، باسم المجلات والصحف والمواقع التي أكتب فيها، ولا آبه لها؛ لأنها في الأغلب الأعم رسائل "فشنك" لا قيمة لها، ولكن القوم صنعوا من أنفسهم ضحايا، وصنعوا من أنفسهم أبطالاً وشهداء، وهم في الحقيقة لا يتجاوزون مخبري الشرطة وعملاء المباحث.
    إن العنف صناعة حكومية في أغلب الأحوال، صنعتها سجون الاستبداد وما يجري فيها من تعذيبٍ وحشي، لا تقره شريعة ولا عقيدة ولا قانون، وصنعتها ممارسات حكومية ظالمة، جعلت الناس تفقد الأمل في العدل والمساواة والكرامة، وصنعتها ممارسات حكومية إجرامية فقدت الرشد والاتزان، ففاقمت من الفقر والتخلف والقهر، وساندت النهب والفساد والانحراف، وخلفت فيالق من العاطلين والمتسكعين بلا عمل ولا هدف ولا غاية، وصار القانون في حماية الأقوياء، وضد الضعفاء.. وانهار التعليم والعلم والثقافة والصناعة والزراعة، ولعبت الدول الكبرى بجواسيسها وعملائها وأتباعها في كل مرافق المجتمع والحياة التي يعيشها العرب والمسلمون؛ ثم كانت الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الحكومات العربية الإسلامية بمحاربة الإسلام ودعاته، والتضييق على الفكر الإسلامي في الإعلام والتعليم والثقافة والمساجد، وتفريغ الأزهر والتعليم من العلوم الشرعية الإسلامية والعربية.
    كل هذا لا يذكره تجار الدراما، ولكنهم يركزون على جانبٍ واحدٍ فقط، هو تقديم المسلم الإرهابي الدموي الذي لا يتورع عن القتل وسفك الدماء واستحلال دماء الآخرين واستباحة كل شيء، وامتلاك قلبٍ من الصخر لا يأبه للضعف الإنساني ولا يصغى لخفق القلوب!
    إن تجار الدراما، وخاصةً الشيوعيين- أو من كانوا كذلك ثم تأمركوا- والمرتزقة الذين جاءوا من قاع المجتمع، يرتكبون جريمةً حقيرةً في حقِّ المجتمع والوطن والأمة، وقبل ذلك الإسلام والمسلمين، وهم يخونون بلادهم ويخدمون أعداءها، ولو ادَّعى بعضهم أنه مطلوب على قائمة "الموساد"!


    </i>

  7. #47
    الأدب الأفغاني الإسلامي

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    .....................................

    يظل العالم العربي في حاجة إلى تعرف آداب الشعوب الإسلامية في آسيا وإفريقية ، على الأقل من باب الواجب المعرفي ، فقد اهتم الأدباء العرب ونقادهم بالانغماس في المركزية الأوربية وما يحيط بها من آداب تابعة لها بحكم الثقافة أو اللغة أو الدين ، ومن المفارقات أن الأدباء العرب مثلا يعلمون عن أدب أمريكا اللاتينية الكثير ، ولا يعلمون إلا القليل عن الأدب الفارسي والتركي ، وأعتقد أنهم لا يعلمون شيئاً ألبتة عن الأدب البنغالي أو الملايوي أو الإندونيسي ، بل إنهم لا يعرفون أدباً أو أدباء في بلاد تنتمي إلى الجامعة العربية مثل الأدب الصومالي أو الأدب الجيبوتي أو الأدب في جزر القمر . قد يكون الانبهار بالمركزية الأوربية من وراء إهمال الآداب في العالم الإسلامي ، وقد يكون توجه النخبة المعادي للثقافة الإسلامية عموماً من وراء البعد عن آداب شعوبها .. ولكن المحصلة في النهاية هي الجهل شبه التام بآداب الشعوب الإسلامية ، وخاصة ما صدر منها عن تصور إسلامي أو رؤية إسلامية .
    ولعل المشروع الذي أخرجته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى الوجود للتعريف بآداب الشعوب الإسلامية يعدّ الأول من نوعه في هذا المجال ، فقد رتّبت عمادة البحث العلمي لنشر سلسلة آداب الشعوب الإسلامية ، وبالفعل ظهر من هذه السلسلة عدة دراسات مهمة ؛ عن الأدب التركي، والأدب الأوردي ، و الأدب الأفغاني ، ورابعها عن الأدب الأوزبكي، وكلها تؤصل للأدب الإسلامي في تركيا والباكستان وأفغانستان .. وقد اخترت الدراسة الثالثة لأقدمها إلى القراء بحكم أن كثيرا من القراء العرب يفتقدون النصوص الأدبية الأفغانية الإسلامية بين أيديهم . وجدير بالذكر أنني قدمت منذ سنوات وعقب الاحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي وقع عام 1979م دراسة حول شعر الشاعر الأفغاني العظيم " خليل الله خليلي " ، ومن خلاله عرّفت ببعض ملامح الأدب الأفغاني الإسلامي المعاصر ، وخاصة ما تعلّق منه بمقاومة العدوّ الشيوعي المستعمر ، وأتباعه من الشيوعيين الأفغان الذين نشروا الإلحاد والموت والقهر والدمار في شتى أرجاء أفغانستان !
    الدراسة التي بين أيدينا من تأليف وإعداد وترجمة الدكتور " محمد أمان صافي "، وتنطلق من الوحدة الحضارية والثقافية للمسلمين بوصفها وحدة حضارية أصيلة وثقافة إسلامية مستقلة ، والأدب هو الشاهد على هذه الوحدة ، فروحه وتصوّراته ورؤاه تصدر عن منبع واحد هو الإسلام ، ولا يؤثر في ذلك ما تنتجه النخبة المتغرّبة في البلاد الإسلامية ، فأدبها هو الاستثناء المخالف الذي يثبت الوحدة الحضارية والثقافية للمسلمين .
    لقد صمدت الأمة الإسلامية في وجه النكبات والغزوات التي ألمت بها ، وجعلتها شيعاً وأحزاباً؛ بفضل الله أولاً ، ثم بفضل أدبها الإسلامي الذي عبر عن فكرها المشترك ومشاعرها الواحدة ، وتاريخها الواحد ، وهو ما جعلها تستمد من هذا الأدب أصالتها ورسوخها في النضال والكفاح والصمود ، وتفوّت على الغزاة والطامعين فرصة إبعادها عن دورها الحضاري الإسلامي ، أو قطع صلتها بالتراث الإسلامي العظيم .
    إن الأدب الأفغاني من أهم الآداب الإسلامية ، وأعظمها فائدة ، وأجملها متعة ، وأصدقها رواية ، ونصوصه كل شيء إسلامي للإنسان عامة، وللمسلم خاصة، تقدم البناء الفكري والسلوكي والذوقي ، وتقدم المتعة الجمالية، والقيم الإنسانية ، والمنفعة التعليمية ، والعذوبة الفنية ، والتسلية النفسية في بيان إسلامي ساحر جميل . إنه أدب جدير بالاهتمام ، وجدير بالترجمة .
    وإذا كان الأدب العربي هو الجناح الأول للأدب الإسلامي ، فإن جناحه الآخر يتمثل في آداب الشعوب الإسلامية غير الناطقة بالعربية ، ولا يجوز أن يبقى الجناح الأول بعيداً عن الجناح الآخر ، أو العكس ، فبالجناحين يستقيم التحليق في الآفاق الأدبية الإسلامية ... وبالترجمة يمكن فتح باب جديد واسع في الأدب الإسلامي مازالت دروبه بكراً ، ومازالت دراساته وساحاته ميادين واسعة للباحثين والدارسين والمترجمين .
    يحدد الدكتور " محمد أمان صافي " خصائص الأدب الأفغاني الإسلامي ومميزاته في النقاط التالية :
    1 – هو أدب إسلامي عريق نشأ في ظلال الإسلام ، وتحت رعاية اللغة العربية ، وكانت العناية به إسلامية أفغانية ، وكانت نهضته وتطوره مبنيتين على الأسس والمبادئ الإسلامية . وقد نشأ نشأة إسلامية في منبت إسلامي طيب ، وفي شعب شديد التماسك بالإسلام يأمر الشعراء والأدباء والكتاب بالتقيد الشديد بالتزام قواعد الإسلام ، وتطبيقها في القول والفعل ، كما يأمرهم ويحضهم على الالتزام بالخلق القويم .
    2 – وهو أدب ينطلق من التصوّر الإسلامي للخالق العظيم ، وللإنسان والكون المحيط بالإنسان ، وللحياة التي يعيشها ، ويدعو الإنسان إلى عبادة الخالق العظيم في هذه الحياة ، ليس هذا فحسب بل يقوم برسم معالم الطريق الرئيسة ليسلكها في رحلة حياته الطويلة ، فلا غرابة أن نرى الروح الإسلامية تسري في عروقه المعنوية والصورية ، إنه أدب يهتف في شعره ونثره بعظمة الإسلام ، ويدعو بقوة إلى التمسك بأهداب الدين الإسلامي حيث إنه طريق النجاة من الضياع .
    3 – واقع الأدب الأفغاني واقع إسلامي ، منه يستقي قيمه وسلوكياته ، وعليه يعتمد في واقعه الأدبي ، حيث إنه لا يعرف العيش في أبراج عاجية بعيداً عن الحياة والناس . والحياة في منازل الأفغان حياة إسلامية ، والناس فيها مسلمون شديدو التمسك بالإسلام . ولابد للأدب أن ينفعل بالحياة والأحياء تأثراً وتأثيراً ، وقيود الواقع الحيّ تشدّه شدًّا إلى أن يقوم بتصويره وتجسيده ، فيصبح على واقع الحياة والأحياء ، حلوه ومرّه .. إنه أدب إسلامي حاول على مدى تاريخه العريق أن يقدم وصفاً مطابقاً للواقع ، وأن يعكف على دراسة مشكلات الحياة الإسلامية ، ومناقشة حلولها الإسلامية ، وجعل من واقع الحياة مصدراً استقى منه أعماله الأدبية بحيث يمكننا أن نرى فيه صورة صادقة وواقعية للحياة الإسلامية .
    4 – الأدب الأفغاني مظهر من مظاهر الانتماء الإسلامي في أجلى صورة، ومظهر التغنّي بأمجاده ومآثره التاريخية الممتدة في جذور انتمائه إلى أعمال التاريخ ، وفي اعتزازه بالإسلام وبقيمه ومثله العليا . وقد واجه بقوة محاولات القضاء على مظهر الانتماء الإسلامي ، ولم تتمكن مظاهر التغريب من التغلب عليه ، بل قاومها ودافع عن المظاهر الإسلامية .
    5 – الأدب الأفغاني الإسلامي أسهم في إقامة المجتمع الإسلامي وفي تكوين الفرد المسلم ، وفي غرس الولاء الإسلامي ، وفي تنمية المسؤولية الإسلامية، والحرص الشديد على الذوق الجمالي الإسلامي ومجابهة الأفكار الهدّامة ، وتأكيد العبودية لله ، والمشاركة في مظاهر بهجة المسلمين وسرورهم بالانتصارات في الفتوحات الإسلامية ، وفي تصوير تلك الفتوحات والانتصارات في القديم والحديث ، وقد وفق الأدب الأفغاني في تصوير هذه الغايات والأهداف النبيلة في الإطار الذي حدّده الدين الإسلامي ، وهي غايات وأغراض جميلة تدور حولها الدراسات الأدبية في عصرنا الحاضر . لقد ظل الأدب الأفغاني الإسلامي يؤدي دوره لخدمة الإسلام دون أن تحطمه حملات المذاهب المادية !
    6 – إن الأدب الأفغاني الإسلامي في جملته أدب إسلامي الأساس والمنطلق ، إسلامي الواقع والمظهر والانتماء ، إسلامي الإسهام في إقامة المجتمع وتربية الفرد . ومع ذلك فإن بعض الأدب الأفغاني ضل الطريق وشذّ عن الجادّة الإسلامية ، ولا قيمة لهذا " البعض " أما رسوخ الأدب الإسلامي الذي يمثّل الصورة الغالبة . " ويكفيه فخراً أنه ليس في أدب الناطقين بالأفغانية مكان للكافر والكفر " !
    هذه الخصائص والمميزات التي ذكرها الدكتور " محمد أمان صافي " يترجمها إلى واقع عبر صفحات دراسته من خلال النصوص الأدبية الأفغانية الإسلامية ، ومن خلال إطلالة ضافية تتناول تأثير الإسلام في نشأة اللغة الأفغانية ( البشتونية = البختونية ) وكتابتها بالحروف العربية بعد أن عادت إليها الحياة ودبت فيها الحركة ، وهجرت نهائيا الهجائية القديمة التي كانت تستخدم في كتابتها .. ثم تركّز الدراسة الحديث عن الشعراء والأدباء الأفغان الإسلاميين في كل فترة من تاريخ الأدب الأفغاني ، وبيان ما أجادوه في الأدب الإسلامي من الأفكار والتصوّرات والأخيلة ، وما صوروه في شعرهم من المعاني والمفاهيم الإسلامية ، مع الاعتماد على الشواهد الأدبية ، ونقلها من الأفغانية إلى العربية ، وهذا في الحقيقة يمثل رحلة الأدب الأفغاني عبر القرون .
    ويمثل القسم الثاني من الدراسة لبّها وجوهرها ، أو نموذج الأدب الرفيع للأدب الأفغاني الإسلامي ، وبعد مقدمة تاريخية حول الجهاد الأفغاني الإسلامي ، فإن الدراسة تدعونا لمعايشة أجمل نماذج الشعر والنثر التي قالها الشعراء والأدباء الأفغان المسلمون ، خاصة في ظل الاحتلال الشيوعي الروسي وأتباعه من الشيوعيين الأفغان .
    وكان من توفيق الباحث أنه وضع النصوص المترجمة باللغة البشتونية ، ليستزيد القراء والباحثون الملمّون بهذه اللغة من متعة الاطلاع عليها ، والتغلغل في جماليّاتها .
    ويصعب في هذه الكلمات الموجزة أن نلمّ بجميع ما أورده الباحث من نماذج أدبية تتناول الجهاد الأفغاني قديماً وحديثاً ، ولكننا سنكتفي بالوقوف أمام بعض الشعراء والكتاب من الأدباء الإسلاميين الأفغان المعاصرين الذين آثروا أدب الجهاد الإسلامي بقصائدهم وكتاباتهم .
    وينبغي أن نتذكر أن الشيوعية الأفغانية أشدّ الشيوعيات عداوة للأفغان ، وكرها للإسلام ، وحقداً على المسلمين ، تضع في طريق القيم الإسلامية ، والأفغانية كل العقبات والعراقيل ، وقد استعانت بالروس الغزاة ، وقامت بإنزال المحن بالمسلمين ، وأعدمت كثيراً من الأبرياء ، أو اعتقلتهم ، وشردت الآمنين ، وذلك بعد أن قفزت على كرسي الحكم في كابل ، وبعد أن احتل الروس أفغانستان بالقوة . وقد لعب الحزبان الشيوعيان : خلق وبرشام دور العملاء في هذه العمليات الإجرامية .
    لم يكن أمام الشعب الأفغاني المسلم إلا القيام بالجهاد الإسلامي لمواجهة القهر والقمع والتنكيل التي تمت فيها ممارسة أشرس أساليب المقاومة الإسلامية ، وأشدّها فتكاً وتأثيراً . وبدأت مسيرة الجهاد الأفغاني إسلامية ، وانطلقت إلى كل الآفاق دفاعاً عن الدين والوطن .
    لقد استشهد الباحث في سياق الجهاد الأفغاني الإسلامي المعاصر بأشعار وكتابات عدد كبير من الشعراء والأدباء ، منهم : عبد الله غمخور ( الحزين ) والشيخ عبد الباري غيرت ، وحبيب الله رفيع وديدار خان أحمدزي ، وجوهري ، وعبد المتين تسكين ، والصادق كل زرك زردان ، وغمجين ( الحزين المتألم ) ، ومحمد يونس خالص ، وقيام الدين كشاف ، وتوريالي زازي ، وعيسى محمد ، ومحمد عارف غزوال ، وسيد محيي الدين هاشمي وعبد رب الرسول سياف ..
    كنت أتمنى أن يستعرض الباحث بعض أشعار " خليل الله خليلي " ، ومع أنه أشار إليه في سياق البحث ، ووصفه بالشاعر العظيم ، فقد كنت أتمنى أن يحظى منه ببعض الاهتمام وتقديم بعض النماذج الشعرية له . ولا أدري سبباً معقولاً يجعله يتجاوزه ، فقد غنّى الشاعر خليلي لأفغانستان غناء عذباً شجياً دامعاً ، وهو في مهجره بعيداً عن وطنه ، محروماً منه ، ملهوفاً عليه .
    قدم الباحث الشعراء والأدباء الأفغان الإسلاميين من خلال نبذة قصيرة تتناول سيرتهم وإنتاجهم الأدبي ، مع تقديم نماذج شعرية أو أدبية ، واتسعت هذه النبذة أحياناً وضاقت في أحيان أخرى ، وفقاً لمستوى الشاعر أو الأديب ومقدار إنتاجه الشعري أو الأدبي .
    وقد بدأ البحث المرحلة المعاصرة للجهاد الإسلامي الأفغاني بالشاعر عبد الله بن عبد الودود – الملقب بغمخور – أي الحزين – الذي يبدو أكبر الشعراء المعاصرين سنَّا حيث ولد عام 1921م = 1339هـ في ولاية كونر ، بمنطقة جميلة رائعة في أحضان الظلال الوارفة ، وعبير الأشجار الخضراء الناضرة .
    عاش غمخور في بيت علم وزعامة ، وفي بيئة متوسطة الحال . اشترك والده الحاج عبد الودود، وعمه الشيخ عبد الرحمن في حرب الاستقلال في عهد الملك أمان الله خان ، الذي أعلنها ضد الإنجليز في الهند .
    عمل غمخور في السلك الحكومي الإداري ، وخاصة إذاعة كابل ، وتشبع بعداوة الإنجليز، وبشعور العطف والشفقة على الناس ؛ وهذه المشاعر تبدو واضحة في شعره . ويمتاز غمخور بثقافة متنوعة تركت آثارها على إنتاجه الأدبي ، ونظراته النقدية ، ساعدته على إجادة الكتابة وقول الشعر، وإنتاجه الأدبي يجمع بين السلامة والقوة ، وبين وضوح الفكرة وعمقها . قال عنه الأستاذ " خليل الله خليلي " شاعـر أفغانستان العظيم : " إنه شاعر قدير ، زوّد الأدب الأفغاني بمجموعة من شعره النفيس " . وقال عنه " سيد شمس الدين مجروح " ، وزير العدل الأسبق في أفغانستان ، وأحد علمائها وأدبائها المشهورين : " يكمن في شعر عبد الله غمخور كثير من الدرر واللآلئ المبتكرة " . وقال عنه الأديب " هميش خليل " المؤلف والمحقق الأفغاني : " إن الشاعر عبد الله غمخور يدافع عن هوية بلاده بفمه وقلمه وقدمه .. إنه شاعر ومقاتل ومجاهد " .
    لقد صور واقع الجهاد الأفغاني الإسلامي بمنتهى الدقة والوضوح ، ودون مواربة ، ودعا المجاهدين إلى النهوض بمسؤولتهم ، وحمل الأمانة ، والاتحاد إن أرادوا النصر على الأعداء ، وقد انتقد كثرة الزعامات وإضاعة الوقت والهدف . يقول :
    لقد كثر الكلام وتعدد الأفواه وفقد الهدف
    زادت المؤتمرات وزادت الحكايات وفقد الغرض
    ويقول :
    لا تسألوا عن جنون الزعامة وهوسها
    لقد فقد أصحاب القلوب ما يشغل القلوب !
    فقد أصل " غمخور " في أشعاره المتنوّعة لفكرة الحماسة والجهاد من خلال التصور الإسلامي ، حتى في شعره الذي أنشأه في الموضوعات الوطنية :
    إنني عبد الله ذاهب إلى التضحية بنفسي
    لقد ثرت غيرة على الإسلام وغيرة على الأفغان
    إنني قد قمت بصيحة التكبير لأجل الإسلام
    وقمت بالرحيل مع الأسرة لأجل شعبي ..
    وفي قصيدة بعنوان " اليوم الدامي " يصور شكواه المرة الحزينة التي أثارتها مشاهد الجرائم الوحشية التي ارتكبها الشيوعيون ضد شعبه . يقول فيها متحدثا عن حزب " خلق " الشيوعي :
    كلتا يديه مخضبتان بدمائنا الوردية بوضوح
    وكل أسنان فمه الفاغر محمرة بلحومنا
    لا تقل ، إنها أعلام حمراء للشيوعيين " الخلقيين "
    بل إنها ثياب صدورنا الحمراء التي قطعت
    ليست قطع القماش وحدها تبدو ملونة بدمائنا القانية
    بل الأسواق أيضا محمرة بدمائنا النازفة الغارقة
    إن مصاصي الدماء ممن يعبدون لينين اعتدوا علينا
    فاحمرت البيوت ، بل القرى والمساجد بدمائنا الوردية
    ويستمر الشاعر في الإنشاد مستثمرا ببراعة المفارقة بين لون الدم ، وشعار الشيوعيين ، حيث يرى الحمرة صبغت كل شيء في أفغانستان ، لأنها صارت دما ينزف في كل شبر من أرجائها ، وليس مجرد راية حمراء يرفعها الشيوعيون .. حتى يصل في بعض أجزاء القصيدة إلى القول :
    الآن مات المحراب والمنبر
    لأن أعلام الملحدين المعلقة مصبوغة بالحمرة الدامية !
    ويسجل " غمخور" آلام الهجرة والأنين الذي انتشر في حدائق الطيور ، والدماء القانية التي صارت رداء للوطن ، في قصيدة ملحمية طويلة تبشر بالأمل القادم والنصر الموعود ، والنور الذي سيشرق من جديد ، وسينجو العالم من براثن ذئاب لينين . ولا ينسى " غمخور " وهو يرصد الألم ويبشر بالأمل أن يلتفت إلى زعماء الجهاد وخلافاتهم المؤسفة ، فيبكتهم ويستنكر أفعالهم ويحذرهم من ضياع الدين والوطن :
    لماذا تركتم الجهاد أيها الزعماء وبدلتموه
    بصيحات ونعرات الاتحاد .. الاتحاد الفارغة ؟
    يا جياع الثورة وعشاق المال اسمعوا القدر :
    إن دين الأفغان ودنياهم قد ضاعا .. وضاعا !
    ومع متابعة " غمخور " لحركة القادة المجاهدين وما يحدث بينهم من خلافات ، فإنه يشيد دائما بالمقاتلين المسلمين الأفغان ، ويبارك انتصارهم على الشيوعيين الملاحدة ، وله قصائد طويلة في هذا السياق منها قصيدته الجميلة التي يهنئ فيها الشعب في " كونر " بانتصاره وبطولاته ، يقول في ختامها :
    أيها الفجر الجديد للحياة الجديدة ، لك التهنئة
    لقد نفذت البطولة الكبرى ، فلك التهنئة .
    وعندما انتصر الأفغان وتم طرد الروس بعد هزيمتهم الفاضحة ، قال " غمخور " مقطوعة قصيرة لها دلالتها العميقة مخاطبا المجاهد الأفغاني المسلم المنتصر :
    أحدث سيفك وقع رجع الصدى في العالم ، بورك فيك
    وأخرجت الروس من ترابك الطاهر ، بورك فيك
    فأصبح بذلك دور " آريانا " التاريخي مفتوحاً يا ابن الأفغان
    كيف أمكنك التغلب على هذا المارد ؟ ، بورك فيك
    من الشعراء المهمين الذين ترجم لهم الكتاب ، الشاعر " غمجين " ، ومعنى اسمه : " الحزين المتألم " ، وهو من المتخصصين في الإنشاد في موضوعات الجهاد الأفغاني . وموضوعاته نماذج أدبية إسلامية سامية الهدف ، عالية الأسلوب ، وهي ألصق بالجهاد الذي أصبح من الحياة اليومية للأفغان .
    وديوان " غمجين " الذي أسماه " جهاد جذبه = جاذبية الجهاد " مرآة لحياته الجهادية الصادقة ، تكمن فيه أبعاد شخصيته الأدبية ، وصراعات الجهاد وانتصاراته ، ولغته الشعرية التلقائية ؛ وهي لغة حية دافقة ، زاهية ولكنها بسيطة بساطة طبعه وحياته ، عميقة وصافية صفاء جوهره ، وفيها جميع عناصر الحياة من الجهاد بمشاهده ومناظره وانتصاراته . إنه كائن حيّ داخل تشكيلة الحياة الجهادية المتحركة بكل أبعادها وأشكالها وقوالبها المتأرجحة بين تقدم للهجوم وتأخر للإعداد .
    إن جرأة التناول ، وطراوة الخيال ، واتساع الأفق بعض ما تميز به الشاعر " غمجين "، فقصائده ذات علاقة وثيقة وطيدة بالأجواء والأحوال السائدة في أفغانستان . وشعر " غمجين " الجهادي ممتلئ بتفاؤل عميق ، وهو مثل الشعراء الأفغان الآخرين ، يؤمن بأن النصر في النهاية من نصيب الجهاد ، وأن حكومة إسلامية ملؤها السعادة والإشراق ستنهض في بلاده ؛ لذا نراه يلح على الجهاد والمجاهدين والفدائيين .
    وفي قصيدته " الفدائي الطاهر " يقول :
    لا خوف عندي من قصف القنابل ولا من الغاز السام
    مائة حسرة وأسف على الموت الذي يتم اليوم
    عندما يلفظ الإنسان أنفاسه في حضن أمه بدلال
    يا " غمجين " إن الصفقة لإحدى الحسنيين
    الفدائي النقي الخالص إما أن يكون شهيدا ، وإما غازيا
    ويتعجب " غمجين " ، خداع الشيوعيين المحليين ومكرهم ، فيكشف أساليبهم وألاعيبهم ، ويتحدث في قصيدته " لون البقرة أسود ولبنها أبيض " عن " نجيب الله " الحاكم الشيوعي وكلامه المعسول ، فيقول :
    مهما يتحدث " نجيب " عن قصص الود والحب
    الشائقة العذبة ذات الدلال واللطف الكثير
    من أجل خداع عامة الناس بمكر وحيلة
    وهي قصص مملوءة بالفساد ، وملونة للإضلال
    يجد نفسه بأنه في عداد المسلمين من غير وضوء
    ومن حوله يقف الروس الحمر يحملون السياط
    كيف يمكنه إخفاء الشمس المشرقة بإصبعين
    الكل يعلم أن لبن البقرة السوداء أبيض
    ما دام هو يحمل في أذنه حلقة العبودية للروس
    أقوم أنا " غمجين " فأشرب من الحزن دم مهجتي
    ولا ريب أن حرارة الشعر لدى " غمجين " والشعراء الأفغان الإسلاميين ، ترتبط ارتباطا وثيقا بصدق مشاعرهم وصفاء أحاسيسهم وتعبيرهم عن التجربة الشعرية من داخلهم ، ولعل ذكر الشاعر لاسمه ، أو جعل نفسه طرفا في بناء القصيدة الإسلامية الأفغانية من وراء هذه " الحرارة الشعرية " .
    يشغل النثر في دراسة الدكتور " محمد أمان صافي " حيزا محدودا ، ويتوقف عند الكتاب والأدباء الذين كتبوا المقالة وحدها ، لذا لم يقدم من النثر الأفغاني الإسلامي إلا نماذج للمقالة ، واختفت الأجناس النثرية الأخرى ، مثل القصة القصيرة والرواية والخطبة والخاطرة والمسرحية والحوارية ... وكان يمكنه أن يثري هذا الجانب لو قدم بعض النماذج أو أشار إليها بالعرض أو التلخيص ، وسبق أن قدمت " لمرال معروف " روايتين ، الهجرة إلى أفغانستان " التي ترجمها " محمد حرب " ، ورواية " معسكر الأرامل " التي ترجمتها " ماجدة مخلوف " وقد طبعتها رابطة الأدب الإسلامي ، وهما من الأدب الأفغاني الإسلامي المتميز .
    تقدم الدراسة عددا من أدباء المقالة في أفغانستان ، منهم الزعيم محمد يونس خالص ، والشيخ قيام الدين كشاف ، والأديب توريالي زازي ، والأستاذ عيسى محمد ، والأستاذ محمد عارف ، والأستاذ سيد محيي الدين الهاشمي ، والأستاذ عبد رب الرسول سياف ، كما سبقت الإشارة .
    يقدم من الكتاب الزعيم محمد يونس خالص ، ولعله أكبر الأدباء الناثرين سنّا ، فهو من موليد 1298هـ 1919م بولاية ننكرهار بشرق أفغانستان ، وهو من زعماء المجاهدين ، ويكاد أن يكون مدرسة تتعانق فيها أساليب القتال بأساليب الأدب .
    قضى الشيخ محمد يونس خالص حياته في تدريس العلوم الإسلامية والعربية ، وإلقاء الخطب الدينية والإمامة في المساجد، بالإضافة إلى إذاعة الأحاديث الخاصة بتفسير القرآن الكريم من الإذاعة الأفغانية والكتابة في الجرائد والمجلات نثرا وشعرا .
    وقد هاجر إلى بيشاور ، وانضم إلى " الحزب الإسلامي " بزعامة حكمتيار ، ثم انشق عليه عام 1979م ، وأسس حزبا خاصا به يحمل اسم " الحزب الإسلامي " أيضا . وشارك – مع تقدمه في السن – في كثير من عمليات الجهاد التي قادها بنفسه ، وإيمانه لا يتزعزع بانتصار الثورة الإسلامية الجهادية في أفغانستان ، وقيام حكومة إسلامية صحيحة فيها . وله مجموعة كبيرة من الآثار الأدبية والفكرية أهمها " الدرر الدينية ، وروح الاجتماع ، والدين والتمدن الإسلامي ، والإسلام بين العلماء الضعاف والشباب الجاهل ، ومن النماذج التي كتبها خالص مقالة " خائن الشعب " التي نشرها في مجلة " بيام حق " رسالة الحق التي كان مديرها المسؤول ؛ وجاء فيها :
    " خائن الشعب هو الذي يقوم بالقضاء على لغة الشعب وعاداته المفيدة، وتقاليده الشعبية، ويقوده إلى تقليد الأجانب .
    هو الذي يخلق التفرقة والحقد بين أفراد الشعب، ويفرق بينهم بتميزات مخالفة للعدالة .
    هو الذي يقتل في الشعب مشاعره الدينية الحقة، ويقضي على الشعائر، والتعاليم، والمحاسن الدينية .
    إنه ذلك الذي يضحي بأموال الشعب، وأعراضه، ودمائه في سبيل تلبية رغباته الشخصية، ومطالبه النفسية .
    هو ذلك الذي لا يتحرك غيره على ناموس الشعب . إنه ذلك الذي يقضي على شخصيات الكثيرين لأجل رفع شأن شخصيته الخاصة .
    هو الذي يتهم كثيرين من الأبرياء لينالوا الجزاء باسم المجرمين لإثبات مصالحه الخاصة . هو ذلك الذي يقوم في بلده بالدعاية للأجانب ، ويعمل لمصلحتهم .
    إنه ذلك الذي لا يقدر الشخصيات البارزة في بلده ، وينظر إلى شخصيات الأجانب بتقدير واحترام، وهم لا شخصية لهم .
    هو ذلك الذي ... "
    وواضح من هذا النص أنه يشير إلى الحاكم الشيوعي لأفغانستان، أي حاكم، سواء كان طرقي، أو حفيظ الله ، أو كارمل، أو نجيب .. فهذه الصفات الواردة في المقالة تنطبق عليه وتختص به .
    إن الأدب الأفغاني الإسلامي، يحتاج فيما أتصور إلى دراسات أخرى موسعة تتناوله بالدرس والتحليل، واستخراج مكنوناته ومميزاته ، والإضافة إلى ما كتبه الدكتور " محمد أمان صافي " ، بالبحث عن الشعراء والكتاب الذين لم يرد لهم ذكر أو نص في دراسته .
    وتبقى هذه الدراسة خطوة مهمة على طريق التعريف بآداب الشعوب الإسلامية عامة ، والأدب الأفغاني الإسلامي خاصة، نأمل أن تتلوها خطوات أخرى موفقة إن شاء الله تعالى .

  8. #48
    ولا عزاء لأدونيس فى نوبل

    بقلم: د.حلمى محمد القاعود
    ..............................

    قبل أيام كتبت عن جائزة نوبل التى مُنحت فى أكتوبر 2006م للروائى التركى (( أورهان باموك ))، الذى كتب عدّة روايات تعالج الصراع بين الشرق الإسلامى والغرب الصليبى ، وتنحاز للطرف الثانى بصفة عامة ، حيث عبّر عن إدانة بلاده بسبب المذابح المزعومة ضد الأرمن والأكراد التى يدعيها الغرب ، وقلت إن (( باموك )) لو أدان مذابح الغرب الاستعمارى الصليبى ضد العراقيين والأفغان والبوسنيين ، مثلا.. ما كان قد حصل على جائزة نوبل أبداً .
    كان عدد من الكتاب العرب وغير العرب من الذين ينتمون إلى العالم الإسلامى ، ينتظرون الحصول على الجائزة ولكن " التركى " سبق بها . وكان من بين هؤلاء الكتاب على أحمد سعيد ( أدونيس ) ، وهو من الطائفة النصيرية ( التى تسمى بالعلوية ) الحاكمة فى دمشق ، وانتمى إلى القوميين السوريين، وبعد الوحدة السورية المصرية ترك سورية احتجاجاً على الوحدة وعاش فى بيروت ، ويُقال إنه " تنصّر " وتم تعميده فى جامعة القديس يوسف ، التى منحته درجة دكتوراه الفلسفة فى الأدب عن كتابه الشهير " الثابت والمتحول " الذى صدر فى ثلاثة أجزاء .
    وأدونيس ، الذى ولد عام 1930م فى قرية قصابين باللاذقية ( معقل الطائفة النصيرية / العلوية ) ، هو فى الأصل شاعر ، أصدر مجموعة كبيرة من الدواوين ، من أشهرها : أغانى مهيار الدمشقى ، دليلة ، قالت الأرض ، وقدم قراءة للشعر العربى القديم ، ومختارات منه محتذيا فى ذلك الشاعر الرائد " محمود سامى البارودى " مع الفارق الزمنى والفكرى بين الاثنين .
    وأبرز أفكار أدونيس ، التى عبّر عنها بصورة واضحة وصارمة مبثوثة فى مجلة "مواقف " ، فضلاً عن شعره ، هى رفض الإسلام ، والإيمان بمقولات لينين عن الدين بصفة عامة ، وكان يمثل فى الستينيات مع مجموعة من الشعراء اللبنانيين ما يُسمى بشعراء الرفض . والرفض ليس التمرد على الاستبداد أو الظلم أو التخلف ، ولكنه رفض الإسلام والعروبة والوحدة ،ثم تبني ما يسمى الآن بالحداثة بمفهومها الغربي، ويركز دائماً على أن الحياة العربية ليس بها محور غير الانحطاط وأن العربى لا يخرج عن كونه طفلاً أو هيكلاً عظمياً ، وأنه ليس الله فى المنطقة العربية هو الميت ولكنه كذلك العالم والإنسان . وأن القرآن " خلاصة تركيبية لمختلف الثقافات التى نشأت قبله "، وأن عودة العربى إلى نقائه الأول لا يمكن أن تتحقق إلا فى ضوء عودة الشاعر يوسف الخال إلى المسيح !
    وشعر " أدونيس " يمتلئ بعدد من الرموز التى تدور حول النار ، وفينيق ، والصلب ، والجلجلة ، والطوفان والمطر ، والجرح ، والوثنية . ثم إنه يتخذ من " مهيار الديلمى " الشعوبى القديم رمزاً له فى " مهيار الدمشقى " .
    ومن أشعاره : " إننى مهيار هذا الرجيم / إننى خائن أبيع حياتى / إننى سيد الخيانة " . ومنها : " لا الله أختار ولا الشيطان / كلاهما جدار / كلاهما يُغلق لى عينى " أو " أعبد فوق الله والشيطان / دربى أنا أبعد من دروب / الإله والشيطان " أو " خريطتى أرض بلا خالق / والرفض إنجيلى " .
    وبعد أن انتهى " أدونيس " شاعراً بحكم الزمن وتقدم السن واحتضان الأنظمة الشمولية له ، واحتفائها به فى مناسباتها المختلفة ، بل واختلاق المناسبات التى تدعوه إليها ، وتقيم له الأفراح والزينات ، وتُضىء له الشاشات الصغيرة ، ليعبّر عن استعلائية مرذولة ، واحتقار للآخرين وخاصة من الشعراء والنقاد والمفكرين الذين ينقضون أفكاره وتصوّراته ، فقد راح يعزف على وتر آخر ، يصب نغماته فى آذان الغزاة اليهود والغرب الاستعمارى . وبدلاً من أن يقف مع شعوب الأمة العربية فى كفاحها ضد الغزاة والأعداء ، فإنه ينعطف تحت مسميّات براقة ، ليلوى أعناق المضطهدين من أمته نحو قضايا هامشية ، وكأنه يؤكد على صواب ما يفعله الغزاة والأعداء .
    من ذلك مثلاً خطابه الذى وجهه إلى السلطات اللبنانية عام 2001م فى جريدة الحياة ، والانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عنفوانها يطالبها فيها بمنع عقد مؤتمر " مراجعة الصهيونية " . إنه لا يُشير أبدا إلى المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى ، وعدوانها المستمر على جنوب لبنان وتحليق الطائرات اليهودية فى السماء اللبنانية التى يعيش تحتها .
    إنه يرى أن " الثقافة العربية " هى الثقافة المجرمة الآثمة التى يجب أن توجه إليها اللعنات ، لأنها تنشغل بمطاردة اليهود وتدمير الغير ، والنتيجة أنه لم تعد لدينا قضية إنسانية (!) تتجاوز حدود أنانيتنا ولماذا لا يمكن أن نحارب إسرائيل ونسالم فى الوقت نفسه الفن والأدب اللذين ينتجهما كبار الأدباء والفنانين اليهود خارج إسرائيل وداخلها ؟ "
    لا شك أن الشاعر الكبير أدونيس لايدرى شيئاً عن واقع الصراع الجارى بين الغزاة النازيين اليهود ، وبين من يفترض أنهم شعبه وأهله وأنه واحد منهم . ولا ندرى هل لديه علم عما يقوله عنا أدباء اليهود وفنانوهم وصورة العربى فى قصصهم وأشعارهم ومسرحهم ؟
    هل تزعجه العمليات الاستشهادية ، وعمليات المقاومة عموماً ، ولا يُزعجه قصف بيروت وغزة وخان يونس والمخيمات الفلسطينية ؟
    وهل ما يقوله أدونيس عن " ثقافتنا المتوحشة " له علاقة بالمؤتمرات التى انعقدت فى برشلونة وغيرها وشارك فيها مع نفر من اليهود الغزاة ؟
    لا ريب أن أدونيس كان يتهيأ بكلامه وأفكاره ليتلقى جائزة نوبل ، ولكنها للأسف أخطأته ، وذهبت إلى " درويش " أكثر عشقاً للأوربيين ، وهو التركى " أورهان باموك " .
    ويبدو أن بعض الجهات العربية لم يرضها أن يحزن " أدونيس " الذى طال انتظاره لنوبل ، ولم تأت ، فجهزت له نوعاً من التعويض الذى يجعله موجوداً على الساحة ، ولو أعاد إنتاج كلامه القديم ، فقد قررت مكتبة الإسكندرية استضافته لمدة أسبوعين ضمن برنامج يُسمى الباحث المقيم ، يلقى فيه أربع محاضرات ، ويلتقى عدداً من رواد المكتبة المختارين بدقة ، فيلقى محاضرة عن " الثابت والمتحول " فى الثقافة العربية : قراءة لكتابه الثابت والمتحول " وأخرى عن " الذائقة الشعرية " وثالثة عن " الشعر والفكر " ورابعة عن " الشعر والهوية " .. وبذا تكون مكتبة الإسكندرية قد قدمت عزاءً مناسباً لأدونيس الذى يرى ثقافة أمته لا تهتم بالإنسانى الذى يحيى الذات وتحيا بها الذات وتساعد الآخرين على الحياة . لكنها مشغولة بتشويه الإنسان اليهودى والاستعمارى طبعا وقتله والتضحية به ونفيه !!
    أما رأيه في المصريين الغزاة ، فهو أمر يحتاج إلى كلام كثير ، ويكفى أنه يرى أن كل شىء يبدأ بالفراعنة ينتهي بالموت والخراب ، وسماهم في عهد الوحدة مع سورية بالرمل والغربان ..!!
    ما رأيكم دام فضلكم فى أسطورة " أدونيس " الذى يرى فيمن يقتلنا إنسانية وتحضراً ، ويرى فى ثقافتنا توحشاً وتخلفاً ؟
    ....................................
    *المصريون ـ في 1/11/2006م.

    </i>

  9. #49
    المرأة المسلمة والأعاصير الغربية

    بقلم: أ. د. حلمى محمد القاعود
    .....................................

    تمثل المرأة في التفكير الغربي الاستعماري الحديث محورًا مهمًّا من محاور الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، الذي غايته - أو محصلته - هيمنة الغرب الصليبي على مقدرات الأمة الإسلامية ، والسيطرة على إرادتها ، واستنزاف مواردها ، وإدخالها دائرة التبعية المطلقة من منظور السيّد الخادم .
    ولا يكفّ الغرب الصليبي عن إثارة موضوع المرأة المسلمة في شتى المناسبات الممكنة ، وبوساطة الأقلام المحلية والأجنبية ، ليكون بديلاً
    عن القضايا الأساسية التي تعنى الأمّة وتشغلها وتؤرقها مثل : الحريّة والشورى والتعليم والثقافة والإدارة والبحث العلمي والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية ، وما إلى ذلك من قضايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقع المسلمين ومستقبلهم .
    إن الإلحاح على قضية المرأة وإثارتها في الأدبيات المطروحة يثير من الرّيبة أكثر مما يثير من اليقين ، وخاصّة أن الأمر تجاوز المؤسسات الغربية الصليبية إلى المؤسسات العالمية أو الدولية التي يفترض أنها تمثل أمم الأرض جميعًا ، وأعني بها مؤسسات الأمم المتحدة .
    إن معظم بلاد المسلمين الآن تغصّ بالمدارس التي تعلّم البنات ، والكليات المخصّصة للبنات ، فضلاً عن المؤسسات التعليمية المشتركة للبنين والبنات ، فضلاً عن امتلاء الشوارع ومؤسسات العلم والإنتاج والمستشفيات والمصالح الحكومية والجمعيات الخاصة والعامة ، والمجالس الشعبية والنيابية بالنساء من مختلف الأعمار والتخصّصات ، مما يعني أن المرأة المسلمة لا مشكلة جوهرية لديها .. صحيح أن هناك مشكلات محددة تصنعها التقاليد الظالمة والعادات السخيفة ، ولكن من قال إن هذه العادات أو تلك التقاليد تمثّل حالة عامة في المجتمات الإسلامية تحتاج إلى عملية تحرير ؟ وتحرير ممن ؟
    إن الإسلام يحقق للمرأة ما لا تحققه لها المجتمعات الغربية الصليبية و لقد أعزّ الإسلام المرأة ، وحقق لها إنسانيتها، وراعى ظروفها الطبيعية والبيولوجية فألزم المجتمع - ممثلاً في الأب أو الزوج أو الأقارب - بحمايتها وصيانتها ورعايتها ، وفضلاً عن ذلك فقد جعل الإسلام للمرأة ذمّتها المالية الخاصة ، وحقوقها المادية التي لا يجوز لأحد أن ينال منها أو يستبيحها .. في الوقت الذي تحوّلت فيه المرأة الغربية الصليبية إلى مجرد سلعة يتداولها رجال الأعمال ، ومنتجو السينما والتلفزيون ، ومنظمو حفلات ملكات الجمال المحلية والعالمية ، وغيرهم من رجال المافيا والدعاية وشبكات الدعارة وما شابه .. ولعل هذا يفسّر سرّ زيادة عدد النساء الأوروبيات الداخلات في الإسلام أكثر من الرجال .
    إن المرأة المسلمة تؤدي دورها الإنساني بكفاءة وتفوّق وسعادة ، فهي مدبّرة منزلها ومربّية أولادها .... وحافظة أسرتها دون ادّعاء عريض ، أو صراخ بغيض ، وهي على مستوى الجمهور الكبير في البلاد الإسلامية - تواجه مع الرجل - صعوبات الحياة وقسوتها بما يشبه البطولة ، وتسعى - مع الرجل - إلى توفير أساسيات الحياة في صبر وجهاد عظيم ، ثم إنها تذهب إلى المدرسة وتتعلم وتتفوّق وتنافس الرجال ، دون أن تكون هناك قيود أو سدود ؛ اللهم إلا ما يفرضه الخلق الإسلامي والقيم الكريمة التي يتحلى بها الرجال والنساء معاً .
    بيد أن العالم الصليبي يصر على تصدير انحلاله ، أو انحلال بعض النماذج النسائية عنده إلى أمتنا . ويتخذ من بعض المقولات العامة طريقًا عامًا لعملية التصدير والإقناع بها .. إنه يطرح قضيّة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في كل شيء ، دون مراعاة لخصائص كل من الرجل والمرأة ، بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان ، ويطمح من وراء ذلك أن يكون عدد النساء مثلاً مساويًا لعدد الرجال في الحكومات والمجالس النيابية والإدارات المحلية ومواقع السلطة في كل مكان .
    نقل عن السيد "كوفي عنان" أمين عام الأمم المتحدة قوله : "لا أستطيع أن أفكر في أي قضيّة ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة إلا وكانت تتعرض لقضية المرأة وتتداخل فيها . فالمرأة أصبح لها دور مساوٍ للرجل في تحقيق السلام ، والأمن وحقوق الإنسان ، لذلك فإن من الحق ، بل من الضروري ، أن تكون المرأة ممثلة في مواقع السلطة واتخاذ القرار لتحقيق هذه الأهداف . وأن تكون نسبة تمثيلها في هذه المراكز مساوية لعدد الرجال لأنها تملك القدرة نفسها والأداء المتميز لخروج خططها إلى حيّز التنفيذ (الأهرام : 7/ 16 / 2000 ) .
    وهذا القول ، مع ما فيه من مبالغة ، لا يخلو من خيال واسع ، يبتعد عن أرض الواقع ، وحقائق التكوين الإنساني البيولوجي للرجل والمرأة . كما وأنه غير محقق في أي دولة على مستوى العالم مهما كانت دعواها في تحرير المرأة.
    إن قدرات المرأة - مهما تفوقت في المجالات الإنسانية والإدارية والعلمية - تظل مرتبطة بالمجال الأساسي والرئيس للمرأة ، وهو الإنجاب وتربية الأبناء ، وتكوين الأسرة ، وهذه مهمة من أشرف المهام وأنبلها .
    وإذا كانت بعض المجتمعات الغربية الصليبية قد أهملت شأن الأسرة ، ولم تعد تعدّ بها ، فإن الأسرة - وفقاً للفطرة الإنسانية - كيان ضروري ، لا تستطيع المجتمعات الطبيعية التفريط فيه ، أو النظر إليه بعدم مبالاة .
    إن " كوفي عنان " يطمح إلى أن تكون نسبة المرأة بين موظفي الأمم المتحدة 50% ، حيث وصلت الآن إلى ما يقرب من 38.9 % ، وهدف خطة "عنان" من ذلك أن يقدم نموذجًا عالمياً لأمم الأرض كي تحذو حذوه ، وتصنع مثله ، وتجعل المرأة مساوية للرجل في الوظائف القيادية والإدارية ، واتخاذ القرار ، مما سيعطي المرأة فرصة الاهتمام بقضاياها وهمومها التي تلح عليها دول الغرب الصليبي . ومن هذه القضايا : التطرف الديني والأيديولوجي وتأثيره السلبي في المساواة بين الرجل ، وعدم الاعتراف بالأم المراهقة والأم العزباء ( خارج نطاق الزوجية ) ، وتنفيذ خطة بكين على الصعيدين الدولي والإقليمي ، والحدّ من الممارسات الضارة ( من وجهة نظر هذه الدول ) مثل ختان الإناث والزواج المبكر والزواج بالإكراه وتعدد الزوجات .
    وكما نرى فإن هذه القضايا التي تطرح في المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة ، وآخرها "مؤتمر نيويورك 2000" أو الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ( المرأة 2000 ) ، تصدر عن تصوّر غربي يركّز بالدرجة الأولى على المفاهيم الإسلامية الأساسية حول المرأة ؛ لنسفها ، وإحلال السوك الغربي الإباحي محلّها !
    فالتطرّف الديني - مثلاً - مفهوم غير واضح وغير محدد ، ولكن المفهوم من الكتابات الغربية والكتابات المحلية المشايعة له : أنه السلوك المعادي للحرية والإنسانية وللمرأة أيضًا ، وفكرنا الإسلامي يرفض هذا السلوك ويدينه ، ولكن القوم يقصدون من وراء طرح مفهوم التطرّف الديني نبذ الإسلام ، وعدم تحكيمه في قضايا المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ، والمرأة بصفة خاصة ، وبالطبع فإن القوم يرون ارتداء الحجاب تطرّفًا ، وأداء الصلوات تطرّفًا ، والزواج الإسلامي تطرّفًا .. وهكذا .
    أما موضوع الأم المراهقة والأم العزباء ، فهو إصرار من جانب الدول الغربية الصليبية - ومن خلال الأمم المتحدة - على إلزام الدول الإسلامية بتقنين الإباحية ، وفرضها على المجتمع الإسلامي بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان .. أي يصبح من حق أي فتاة أن تمارس الزنا مع من تريد ، وتحمل منه ، وعلى المجتمع الإسلامي أن يقرّ هذا السلوك ، بوصفه أمراً واقعًا يترتب لصاحبته حقوق الاعتراف والمشروعية وطلب المساعدة المادية والمعنوية!
    ولنا أن نتصوّر كيف يكون الواقع الاجتماعي حين نسمح لبناتنا بممارسة الزنا والولادة غير الشرعية ، ثم يتوجب علينا بعدئذٍ أن نقرّ هذا الوضع ونتماهى فيه ؟
    لا ريب أن تصدير الإباحية والانحلال إلى مجتمعاتنا عدوان سافر على قيمنا وأخلاقنا وحقوقنا الإنسانية المشروعة في الاعتقاد والتصّور والتفكير والحرية .
    وقس على ذلك ما يتعلق بمسائل الختان والزواج المبكر وتعّدذ الزوجات ، وغيرها من أمور لها طبيعتها في المنظور الإسلامي الذي يختلف اختلافًا جذريًّا مع التصور الدولي الصليبي وغاياته . وإذا كانت المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي تتصدى لهذا القهر الدولي الصليبي بما تستطيع ، فإنه من المؤسف ، أن تتولى مجموعة من النساء العاملات في المجال النسائي والجمعيات النسائية على الأرض الإسلامية الترويج لهذه المفاهيم والدعوة لها ، والدفاع عنها ، في الوقت الذي تتناسى فيه حقوق الأمة كلها في الحرية والشورى والأمل .
    ....................................
    *الشبكة الإسلامية ـ في 8/3/2004م.

    </i>

  10. #50
    مدينة أكادير تحتضن الملتقى الدولي الثالث للأدب الإسلامي

    بقلم:أ. د. حلمى محمد القاعود
    .......................................
    عقد الملتقى الدولي للأدب الإسلامي دورته الثالثة بعنوان "دورة محمد المختار السوسي" في مدينة أكادير بالمغرب الأقصى، بتنسيق بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة ابن زهر، و المكتب الإقليمي لدول المغرب العربي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، و مجلة "المشكاة" المغربية.
    كان ذلك أيام 21، 22، 23، شوال 1421هـ، الموافق 16، 17، 18، يناير 2001مو كان موضوع الدورة هو، "النقد التطبيقي بين النص و المنهج".و قد افتتح الملتقى أشغاله بحضور والي ولاية أكادير، و رئيس المجلس البلدي، وبكلمات كل من قيدوم كلية الآداب، و رئيس الرابطة و نائبه، و رئيس مكتب البلاد العربية، و رئيس المكتب الإقليمي لدول المغرب العربي. تلا ها قراءة قصيدتين للشاعرين: جابر قميحة من مصر، و الراضي اليزيد من المغرب.و بعدها توجه المشاركون إلى المعرض الذي نظم على هامش الملتقى، ثم إلى حفل شاي بالمناسبة.
    ثم انطلقت جلسات العروض و البحوث المقدمة للدورة يتقدمها عرض الدكتور عماد الدين خليل، بعنوان: " إشكالية النقد التطبيقي لدى الأدباء الإسلاميين".ثم توالت العروض في خمس جلسات موزعة على أيام الملتقى، اشتملت كل جلسة على ستة عروض.
    و في ما يلي بيان لأسماء الأساتذة المشاركين في الملتقى، و عناوين عروضهم و بحوثهم المقدمة فيه:الجلسة الأولى: في محور: النقد التطبيقي إشكالات و مفاهيم. 1. الأستاذ عباس ارحيلة، من المغرب: "النقد بين الغلو في التنظير و القصور في التطبيق".
    2. الأستاذ إبراهيم وليد قصاب، من الإمارات العربية: "الاتجاه الديني و الخلقي في النقد التطبيقي عند العرب".
    3. الأستاذ عبد الرحيم الرحموني، من المغرب: "مزالق النقد التطبيقي: قراءة نقدية في كتاب (مقالات في النقد الإسلامي تأصيل و تجريب، للأستاذ سعيد الغزاوي)".
    4. الأستاذ صالح أوزكاي: "شروط النقد التطبيقي و ضوابطه".
    5. الأستاذ مصطفى رمضاني، من المغرب: "النقد المسرحي بين النص والعرض".
    6. الأستاذ عمر بوقرورة، من الجزائر: "النص بين التألق و الاضطراب". الجلسة الثانية: في محور: النقد التطبيقي و الشعر.
    1. الأستاذ العربي المنزيل، من المغرب: "النقد التطبيقي و القصيدة الإسلامية المعاصرة".
    2. الأستاذ بوجمعة جمي، من المغرب: "الفطرة السوية و الخصائص العقدية في إبداعات شعرية عربية، تحليل و نقد".
    3. الأستاذ محمد ناجي، من المغرب: "المرجعية الدينية عند ابن قتيبة في نقده التطبيقي".
    4. الأستاذ عبد الجليل هنوش، من المغرب: "التذوق و أسرار النص، قراءة في المنهج النقدي عند محمود محمد شاكر". 5. الأستاذ عبد الرحمن حوطش، من المغرب: "الملامح الفنية في ديوان نجاوى محمدية للشاعر عمر بهاء الدين الأميري، رحمه الله".
    6. الأستاذ محمد الأمين، من المغرب: "قراءة نقدية في ديوان (القادمون الخضر)، للشاعر سليم عبد القادر". الجلسة الثالثة:
    1. الأستاذ محمد الواسطي، من المغرب: "تجليات الأدب الإسلامي عند أبي تمام في قصيدته فتح عمورية".
    2. الأستاذ جابر قميحة، من مصر: "شرائح النثر في شعر بهاء الدين الأميري".
    3. الأستاذ محمد الحسناوي، من سوريا: "خماسية الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي".
    4. الأستاذ محمد خضر عريف، من السعودية: "الإسلام و العروبة في شعر محمد حسن فقي".
    5. الأستاذة خديجة الفيلالي، من المغرب: "حضور القرآن في شعر أحمد مطر".
    6. الأستاذ محمد بلاجي، من المغرب: "تجليات القدس في الشعر العربي الحديث".الجلسة الرابعة: في محور: النقد التطبيقي و السرد. 1. الأستاذ محمد بسام ساعي: "الفن القصصي في الأدب الإسلامي و نقده". 2. الأستاذ سعد أبو الرضا، من مصر: "الصراع بين القيم و المذاهب الأدبية في الرواية الإسلامية".
    3. الأستاذ حلمي محمد القاعود، من مصر: "مملكة البعلوطي و نموذج القرية الأسلامية".
    4. الأستاذ عبد السلام أقلمون، من المغرب: "تحليل و دراسة آخر أعمال أحمد التوفيق الروائية:غريبة الحسين، أو موسم الهجرة إلى الجنوب".
    5. الأستاذ عيسى باطاهر، من الإمارات: "النقد و الالتزام عند الشيخ أبي الحسن الندوي، مع قراءة في كتابه: مسيرة حياة".
    6. الأستاذ محمد همام، من المغرب: "الاعتراف و التوبة في السيرة الذاتية المغربية".الجلسة الخامسة: في محور: محمد المختار السوسي مبدعا و ناقدا. 1. الأستاذ محمد خليل: "محمد المختار السوسي ناقدا".
    2. الأستاذ البشير التهالي: "مفهوم الأدب عند محمد المختار السوسي بين التاريخي و الجمالي".
    3. الأستاذ محمد الحاتمي: "المعرفي و الأدبي في الكتابة الرحلية- نموذج (من الحمراء إلى إليغ) لمحمد المختار السوسي".
    4. الأستاذ المهدي السعيدي: "محمد المختار السوسي شارحا للشعر: (الثريدة المناغية للعصيدة)".
    5. الأستاذ أحمد الهاشمي: "الأثر الإسلامي في أعلام الأماكن بسوس".
    6. الأستاذ أحمد أبو القاسم: "صناعة الشعر و نقده في المدرسة الإليغية بين النظري و التطبيقي: محاكمة إبداعية".و قد كان الملتقى مسرحا للمناقشات العلمية، و القراءات الشعرية التي شارك فيها شعراء مبدعون من المشرق و المغرب.
    و تميز بالحضور الكثيف في جلسات المؤتمر كلها، و بغزارة البحوث المقدمة للملتقى، و كثرة المداخلات المناقشة للبحوث المقدمة فيه، و كذلك حضور عدد كبير من الشعراء الإسلاميين.
    و اختتم الملتقى أعماله بقراءة التوصيات التي أسفر عنها، و هي كما يلي:توصيات الملتقى الدولي الثالث للأدب الإسلامي 1. طباعة البحوث المقدمة في هذا الملتقى، مع الاستفادة من المداخلات المنهجية التي حدثت خلاله، و تيسيرها للباحثين و المهتمين.
    2. تنشيط نشر الأدب الإسلامي و دراساته، و البحث عن سبل تجاوز الصعوبات و العقبات القائمة.
    3. البحث عن أساليب ناجعة لتواصل أفضل بين أقطار العالم الإسلامي فيما يخص الإبداع الأدبي الإسلامي.
    4. تخصيص ندوات و مؤتمرات لبحث قضايا تهم مجتمعاتنا الإسلامية، منها: صورة المرأة في الأدب- أدب الطفل- المسرح بين النص و العرض- النقد الإسلامي والمناهج المعاصرة- الأدب الإسلامي و العولمة- الأدب الإسلامي و تقنيات الإعلام الحديث- إبداع الشباب في إطار الأدب الإسلامي- الأدب الإسلامي و المناهج الدراسية- السيرة الذاتية إبداعا و نقدا- أعلام الأدب الإسلامي المعاصر.
    5. الاهتمام بترجمة الأعمال الأدبية الإسلامية، من العربية و إليها.
    6. الاهتمام بتوفير النصوص الأدبية الإسلامية المناسبة للأعمال الدرامية، و خاصة التي تقدم في الفضائيات.
    7. الاهتمام بإيجاد صيغة منهجية للحوار مع الآخر بما هو مفيد.
    8. الاهتمام بتطوير موقع الرابطة على شبكة الإنترنت العالمية، و إتاحة الفرصة لعرض أنشطة المكاتب الإقليمية من خلالها.
    9. عقد الملتقى الدولي الرابع للأدب الإسلامي في مدينة فاس، و تسمية الدورة باسم علال الفاسي، و يكون موضوعها: "الرواية المعاصرة بين الواقع والتطلع".
    10 تكليف المكتب الإقليمي في المغرب العربي بإصدار بيان إعلامي باسم الملتقى يتضمن تحية لانتفاضة الأقصى المباركة، و شكرا للجهات الداعمة والمساهمة في إنجاح هذا الملتقى، و نص التوصيات التي صدرت عنه، و توزيع هذا البيان على وسائل الإعلام المتاحة. و الله ولي التوفيق.
    ....................................
    *الشبكة الإسلامية ـ في 12/3/2001م.

صفحة 5 من 9 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الفنان أحمد حلمي مصاب بالسرطان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-13-2014, 07:05 AM
  2. كتاب 28 حرف /لـ أحمد حلمي
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-15-2013, 09:19 PM
  3. نرحب بالأستاذ/أحمد حلمي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-15-2012, 06:45 AM
  4. قراءة أ.د / حلمي القاعود ، في محموعة قصصية للشاعر الدكتور / عزت سراج
    بواسطة الدكتور/عزت سراج في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-05-2010, 04:12 PM
  5. الف مبروك أحمد حلمي...
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-12-2009, 12:14 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •