الهوية المعمارية لمدينة القاهرة
بقلم: محمد جبريل
..................
الحريق الذي شب- مؤخراً- في بناية أثرية بشارع رمسيس. يعيد إلي الأذهان قضية- أو لنقل مشكلة- تناسيناها. وسط هموم حياتنا اليومية. وهي مشكلة الهوية المعمارية لمدينة القاهرة. أو كما يسميها المصريون "مصر المحروسة".
منطقة القاهرة الخديوية. ما بين ميدان التحرير وميدان رمسيس. وزاوية المثلث في ميدان العتبة. هذه المنطقة تضم بنايات موحدة الطابع في معظمها.. وكان ذلك الحرص حين بدأت عمليات الانشاء في عهد الخديو إسماعيل. ثم من بعده الخديو عباس- أتجاوز "توفيق" لأنه كان مشغولاً بعمالته للإنجلتز- الذي روت زوجته الأميرة جويدان عن إشرافه الشخصي علي العمارات المنسوبة إليه حتي اكتمال بنائها.
تصورت امتداد هذه المنطقة. توسيعها. من خلال استراتيجية الإحلال والتبديل. ليظل الطابع المميز هو السائد في وسط القاهرة. لكن المنطق العشوائي ظل يفرض نفسه. مجرد حوائط وجدران وأعمدة وأسقف. دون دلالة تاريخية أو جمالية أو تعبير عن خصوصية ما.
مخزن للسيور في داخل واحدة من هذه البنايات. وتطل علي الشارع الأهم في العاصمة. تسبب في حريق كاد- بفضل التقصير المعلن!- يدمر المنطقة كلها.
ما أسهل إهدار القوانين التي تحرم. وتجرم. لكن الصعب- بالفعل- هو تحويل تلك القوانين من مجرد مواد وأرقام وبنود إلي واقع فعلي. ليس بالتخويف العقابي. وإنما بتأكيد الحرص علي كل ما يعبر عن الهوية المصرية. والعمارة -بالطبع- في مقدمتها.
المثل المصري يتحدث عن اختلاط السمك واللبن والتمر هندي. بمعني الظواهر السلبية التي تسود حياتنا. فلا اتفاق علي الحد الأدني من الحرص علي التراث الحضاري والذوق الجمالي وحين بدأ تمليك الوحدات السكنية- ربما من أوائل السبعينيات- فقد كان المأمول ان يهب هذا الأسلوب احساساً بالملكية في نفوس الملاك الجدد. وكان غالبيتهم من أبناء الطبقة الوسطي الذين يتعرفون إلي التمليك للمرة الأولي. بحيث يؤدي هذا الاحساس إلي الحرص علي الملكية ومقوماتها البنائية والجمالية. لكن النتائج أفضت إلي عكس المأمول تماماً. فصاحب الشقة- حتي لو كانت حجرات قليلة في بناية هائلة- يتصرف في شقته كأنها جزيرة لا شأن لها بما حولها.
وعلي الرغم من إقامة اتحادات للملاك. فإن الظواهر السلبية تزداد تفاقماً ولعلي أدعوك إلي مشاهدة أية بناية حديثة مملوكة لعدد من المواطنين. لا نافذة مشابهة للنوافذ الأخري. وثمة شرفة بامتداد مساحة الشقة. وأخري استبدلت بها نافذة من الزجاج الفيميه.. وتنأثر المكيفات بعشوائية غريبة. والخراطيم الثعبانية تطل من الواجهة. تشي بالفردية وفساد الذوق باختصار. فان السكلانس هو ما ينطبق علي المشهد الكلي للبناية.. الطريف. والمحزن. ان ذلك كله يحدث في القاهرة. رغم وجود وزارة للبيئة. وجهاز للتنسيق الحضاري. ومحافظ يتبعه نواب ورؤساء أحياء. وغيرها من المؤسسات ذات المسميات المهمة!
..............................
*المساء ـ في 28/3/2009م.