أصبحت مصدرا ثانويا.. هنا مكان الاغتراف .. يكفي إذا أراد , أن يعلم صاحب المحل بأنه وقع في ورطة ليسرع هذا ويدلي له بما ينقذه منها هذا صاحب عملية في الانتخابات المرشح النائب في المجلس النيابي ذو النفوذ , ومن يدري , فقد يغدو هذا المرشح وزيرا لا ترد له كلمة.
وقال صقر لنفسه :
- هم م م م الآن عرفت كيف أتصرف . يبدو أن الدنيا هي هكذا دائما في كل زمان ومكان.
وانتظر بضع دقائق قبل أن يظهر أمام عملية صاحب المحل .. وإذا كان في السابق يعامل "صاحب المحل" بشيء من الاحترام, فقد زاد الآن هذا التقدير وزادت معه مداراته . صار لزاما عليه أن يوفق سلوكه مع وضع رجل ذي شأن كهذا الرجل الذي يمثل هو امامه ,وعلى كل حال , فقد تجنب ان يبدو امامه عارفا بما جرى من حوار بينه وبين الزائر الكريم ..
-خل علمك هذا إلى الوقت المناسب
هكذا خاطب نفسه .
وزاد زهوا بنفسه حين بادهه صاحب المحل يسأله:
-كم عمرك يا صقر؟..
-خمسة عشر عاما .
-غن عقلك يا صقر أكبر من جسمك بكثير.
هو نفسه , حين يتذكر ما كان عليه حاله حين كان عند أم محمد يدرك انه كان مغغلا , والآن يشعر بأن إهابة الذي كان له من قبل قد تمزق ليخرج منه كائن واع لوجوده ووجود الحياة على حقيقتها , إنه في كل يوم ينمو نموا مطردا وسريعا , هذا ما قاله له الرجل وهذا ما يعنيه أيضا.
ليس في قول صاحب المحل جديد, إن هذا الرجل يسرق فكرته عن نفسه , فلو تأخر عن التعبير عن هذا الرأي لعبر عن هذه الفكرة قبله.
ولعل هذا الاتفاق الذي عقده مع"صاحب المحل" كان فتحا له فقد فتح له نافذة جديدة على العالم ..نافذة واسعة ..واسعة يطل منها على مجال أرحب لا عهد له به. أليس في هذا العالم أشخاص ذوو أعمال غير "صاحب المحل"ولماذا لا يكون هو صاحب عمل . إنه رئيس عصابه , إلا ان ثمة فرقا كبيرا بين صاحب أعمال ورئيس عصابه , ثم أدرك حجر بثاقب نظره ان أصحاب الأعمال لهم صفات مميزة أخرى فأولها السن , غنه بالرغم من كل شيء مازال صغيرا ومن ذا الذي يتعامل مع صبي اتفق مجرد اتفاق ولحاجة في النفس ان هذا الرجل استعان به وبعصابته فأراد ان يستخدمه لمصلحته ..هو لا يريد البقاء في هذا النطاق إنه راش بصورة موقوتة ولو كان صاحب المحل يستثمره فإنه سينتظر فرصته كل فرصة لايد آتية لابد آتية ..لا ,لا,
لابد من الاستمرار في هذا النشاط فترة من الزمن , هذا الخط إلى أن يتاح له مع الزمن الخروج منه إلى الفضاء الأرحب, إلا انه أكد لنفسه منذ الآن أن عمليات السطو للاسترباح ستزيد عددات وتتضخم حجما , ذلك أن من صفات أصحاب الأعمال إنهم يمتلكون رأس مال كاف .. فمن أين له ؟ هذا ما لابد منه ,وما دام يعوزه المال فإن العصابه تتطلب أكثر فأكثر .أفرادها يكبرون وقد يكبر معهم تمرد هم او قل طموحهم فالمال هو المسكت الوحيد ..وهو ؟ إن متطلباته تعادل متطلباتهم مجتمعة.
ص52
وعاد يستعرض محصول اليوم الواحد من النشل والسرقة وجمع أعقاب السكاير ..وقال :
مستحيل العودة إلى جمع الأعقاب فهذه وسيلة طفولية لم تعد تدر المال اللازم.. يجب التفكير في وسائل للطو أضخم وأعظم.
في تلك اللحظة جرت في الشارع عاصفة .. صخب وصياح وتحلق الناس حول نقطة واحدة فحجبوا ماتحلقوا حوله . وأسرع صقر فغدا بين المتحلقين ونظر فإذا رجلان يتشاجران بالأيدي ويتبادلان الكلمات بشكل عنيف , لم يعرف عن أسباب الحادث شيئا , إلا انه سمع احدهما يقول للىخر:
-اعد لي طير الحمام أقول لك يا ...يا...
ويرد عليه الآخر:
-هذا الطير من نصيبي تعبت عليه حتى ربيته.
ابتسم صقر لما سمع هذا الحوار وقال في نفسه:
-قلائل أولئك الذين فهموا ما يعنيه هذان الرجلان بتعبير "طير الحمام" إن السامعين ولا ريب يعتقدون بان الرجلين من كشاشي الحمام وكش الحمام هواية مفضلة عند نفر من قاطني بعض الأحياء القديمة في المدينة . إلا أن الحقيقة هنا هي غير ذلك.. هو نفسه صقر كان في يوم من الأيام ..ولكن ماله وما لهذه الذكرى المهينة.
وهم صقر بأن يغادر المكان ويبتعد , ماله وما لهذين الرجلين أمرهما لا يعنيه , إلا أن بصره اختطف صورة واحد من الرجلين المتشاجرين , غنه يعرفه بالتأكيد ,فعاد وظل يتفرس في وجههما..
يا للصدفة , احد الرجلين هو أبو معروف معلمه القديم.
في تلك اللحظة سمع أبا معروف يقول لغلام واقف عن بعد قليل من المتشاجرين:
-اذهب واختف.
ونظر الغلام مفتوح الفم , إلى الرجلين وكأنه لم يفهم شيئا.
وجاء صوت أبو معروف مرة ثانية موعدا مزيدا:
-اختف قلت لك ..ألم تسمع يا.. اذهب لك اذهب..
وإذا بالغلام في هذه المرة يبتعد بسرعة ويختفي وبرز من المتجمهرين رجل دخل بين المتشاجرين , وقبل ان يسدد واحد منهما إليه كلمة أخرج من جيبه جامعة حديدية حين شاهد الدماء تنزف من احدهما بغزارة وجمع يديهما فيها.
وأدرك صقر أن الرجل من الشرطة السرية. عندها حق على صقر أن يبتعد فالمشنوق يخشى جرة الحبل.
ص 53