شامليات

[ريمه الخاني]

في العام 2075 .. والتحاليل المخبرية صارت وقتها متطورة جداً .. تأمّل الدكتور أحمد النتائج التي أمامه .. شعر بالحزن على هذين الزوجين .. لم تطاوعه حِبالُه الصوتية .. سعلَ قليلاً .. ثم نطق بالنتائج كي يلتقطها نظامُ الحاسوب فائق الدقة، ويرسلها فوراً إلى جوّالَي الزوجين المريضَين .. وجوّال الطبيب المُعالِج أيضاً ... بعد ثوانٍ .. كان الثلاثة يقرؤون:
عِوَز شديد في: «السكن» .. تدهور حادّ في: «المودّة» .. لم أجد ما يشير إلى وجود أي بقايا من الـ «رحمة».
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

ماذا بيدي أن أقدّمه لك ، إذا كانت معدتك الفكرية قد اعتادت منذ زمن بعيد على الوجبات السريعة المليئة بالدهون والهرمونات ، والتي تشرب معها كولا مُشبَعة بالسكريات أيضاً ؟! .. يا أخي لا تقرأ قصصي .. أرجوك .. فطعامي خالٍ من المواد الكيميائية الاصطناعية ... وأخشى عليك من سوء الهضم .. قُرّائي مختلفون عنك جداً .. قُرّائي قِلَّةٌ قليلة من بقيةٍ باقية لا تأكل من السوق .. فطعامُ السوقِ سوء .
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

مئة ألف ليرة .. فقط لا غير
بقلم: شامل سفر

قِلَّةٌ مِن الناس كانت تعلم أن (أبو الدر) .. ذلك اللقب الذي يناديه به الناس، إنما كان اختصاراً لاسمٍ على مسمّى: أبو درويش .. لا شيء في الحال، والعيشة مساترة ..
ومن الدَرْوَشة يا سادة يا كرام، أن ينزل المرء من بيته الذي قبل قمة الجبل بقليل، إلى مركز المدينة مشياً على الأقدام .. مروراً بِحَيٍّ من الأحياء، كان في يومٍ من الأيام حواكير صبّارة، فصار منطقةً يسكنها الأكابر، وتُباع عقاراتها بالسنتيمتر لا بالمتر ... تلك هي حال أبو درويش اليوم .. مشى ويداه في جيبَي البنطال .. لا لشيء .. بل لأن في إحداهما ثروة .. نعم، ثروة .. مئة ألف ليرة بالتمام والكمال .. قولوا: ما شاء الله .. العين تأخذ نصيبها من الحجر .. تسلّى أثناء مشيه برؤية السيارات الفاخرة .. عزّى نفسه بأن المشي مفيد للصحة، فضلاً عن أنه يوفر أجرة الطريق .. ثم إن مركز المدينة قريب .. سوق الأغراض المستعملة، تحديداً .. هناك .. حيث حلمه وحلم زوجته .. في مكانٍ ما من السوق .. برّاد .. تصوّروا .. برّاد له باب جميل عريض، ورفوف .. بل و(لمبة) تضيء لوحدها، كلما عنَّ لأم درويش أن تفتحه كي تشرب كأساً من الماء البارد .. أيُّ براد مستعمل، لا يهم .. الله يرحم الذي خلّف .. فبعد معاملات، ومداولات، وأخذٍ وردّ .. تم أخيراً توزيع الإرث .. الدكان .. الحيلة والفتيلة .. مأجّر منذ عصور ما قبل التاريخ، بمبلغٍ وقدره ثلاثة آلاف ورقة في السنة .. هذا طبعاً بعد أجيالٍ من إعادة التخمين .. تحنّن المستأجر .. وتعطّف .. وعرض أن يشتريه .. وبعد الزائد والناقص .. كانت حصة أبو الدر .. أربعمئة ألف ليرة .. أكبر مبلغ من المال في حياته كلها، يمسكه بيده .. وأما يدها .. يد أخت أبو الدر .. والتي تناولت حصتها البالغة 200 ألف .. فلطالما كانت تذكّر أبو الدر بِيَدِ أمه .. بحنانها .. بعطائها .. بسهر الليالي، وبالرضى على الحلوة والمرة .. ترقرقت دمعةٌ في عين أخته وهي تقبض المبلغ، وتتذكر الطيبين الذين راحوا .. فامتدت يد أبو الدر لا شعورياً، نحو رزمة الأربعمئة ألف .. سحب منها 200 ألف، وأعطاها لأخته .. للحنونة الصغيرة .. الحال من بعضه .. حاولت أن ترفض .. لكنه حلف وانتهى الموضوع .. ولمّا قالت له: «الله يديمك فوق راسنا» .. نزل المطر .. لم تبقَ عينٌ في المجلس إلا وبكت .. وترحّم الجميع على الذين ربّوا.
المهم، سيدي .. البرّاد .. صحيح أنه لن تكفي المئة الثانية إلا لدفع الفواتير، وقسط مدرسة الأولاد، أو جزء منه بالأحرى .. لكن .. «الحمد لله» .. رددها أبو درويش وهو يمشي في حي الأكابر، يحثُّ الخطى نحو سوق المستعمَل ...
بعض المكاتب العقارية لها فسحة سماوية .. وجيبة .. لجلسات الصيف .. وللجلسات الفرعية لبعض البازارات المستعصية أيضاً .. الدلَالُ للنساء عادةً، إلا في البازار .. فحينئذٍ يصحُّ قول القائل: البازارُ دلالُ الرجال ! ... البائع يتدلل، فرزقه عنده .. والمشتري يقابله بالمثل، فماله في جيبه .. كما المئة ألف ليرة التي في جيب صاحبنا، مع حفظ الفارق ... لماذا سيرة المكاتب العقارية الآن ؟! .. لأن صاحبنا أبو درويش مرَّ في طريقه أمام مكتبٍ منها .. تدور على أرض وجيبته نصف مشاجرة .. كثر الدلال يهرّب العاشق .. توقف أبو درويش؛ لا يعرف لِمَ .. واستمع .. فالصوت كان واضحاً ...

ـ ماذا؟! .. مستحيل .. 190 ! .. لا .. أقل من 200 مستحيل .. ولا بأي شكل.
ـ يا حجّي طوّل بالك .. طيّب .. نقسم البيدر نصفين .. 195 .. بارك لي.
ـ لا .. أبداً .. 200 .. أسبوعان وأنتم تأخذونني وتعيدونني .. والآن تتحدثون هكذا! ...
ـ يا حجّي ..
ـ مستحيل .. وإذا أعطاني الآن .. رجلٌ من الشارع .. مئة ألف ليرة عربون فقط .. فزوجتي طالق إنْ لم أبارك له.

ما حصل بعد ذلك، لا يمكن تفسيره .. يصعب فهمه .. فأبو درويش الذي لم يشترِ في حياته إلا الطعام والدواء وبعض الألبسة .. عملياً .. لم يشترِ في حياته شيئاً .. وهو لم يفهم ما الذي كانت نصفُ المشاجرة تدور بسببه .. لكن شيئاً ما، مِن داخل رأسه أو مِن خارجه، قال له: «اشترِ» .... ولكن .. البرّاد .. قسط مدرسة الأولاد .. فاتورة الكهرباء ... كرر الصوتُ مؤكِّداً: «اشترِ .. ولا تتردد» ....

ـ السلام عليكم .. حجّي، أنا اشتريت .. وهذه مئة ألف.
ـ مبارك .. تفضّل لنكتب العقد.

قالها الرجل ومضى نحو داخل المكتب ... وتجمّد أبو درويش .. راحت السَّكْرة، وجاءت الفكرة .. ما الذي اشتراه ؟! .. لماذا ؟! .. وإذا أعطى المئة الثانية للرجل، فماذا بعدُ ؟! ..... لكن يداً دافئة لامست كتف أبو درويش .. من خلفه ... وجاءه صوتٌ واضح متّزن قال له:

ـ حجّي .. ممكن كلمة على انفراد، لو سمحت ؟

التفت أبو درويش .. فرأى رجلاً ممن كانوا حاضرين في البازار العاصف قبل قليل .. تبعه إلى الرصيف المقابل .. دون أن يدري لِمَ .. ولا على أي أساس ... باشر الرجلُ كلامه دون مقدمات ...

ـ سيدي .. نحن لنا مصلحة في هذه البيعة .. ونعمل عليها منذ فترة .. وبصراحة .. يعني .. لا أدري كيف أقولها .. لكن .. الشباب أحبوا أن يقدّموا لك هدية ... حجّي .. عشرة ملايين ليرة وتترك لنا هذه البيعة ؟
ـ ماذا ؟! .. ولكن ..
ـ حبيب .. 12 مليون ؟ .. ومن قلوبنا.
ـ عفواً .. يعني ..
ـ 15 مليون .. ولا تفشّلني، الله يسترك .. بارك لنا.

استدار أبو درويش .. بدأ الصعود نحو منزله، وفي يده كِيسُ قمامةٍ أسودُ اللون، بداخله كيسان آخران .. وكدسات من الرزم مالية .. مجموعُها رقمٌ لم يتخيّل أبو درويش أنه يمكن أن يراه ولو في منامه .. مشى صامتاً .. ذاهلاً .. في الوقت الذي عاد فيه المحتال إلى المكتب .. كي يتابع مع شركائه عملية النصب .. كان السعر الفعلي الذي يستحقه العقار .. قرابة النصف مليار ! ... وفي الوقت نفسه أيضاً .. كانت الحنونة الصغيرة .. أخت أبو درويش .. تشاهد أولادها وهم يأكلون طعاماً جديداً عليهم .. لم يذوقوه قبل هذه المرة .. مَشاوي .. شقف وكباب ... والدمعة تنزل من عينيها دافئةً طيّبة .. حنونةً مثلها .... لم تكن تأكل معهم طبعاً .. أكلوا هُم .. وشبعت هي .. كان قلبُها الطيّوب يردد: «الله يديمك فوق راسنا».
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

التناسب الطردي بين التقدّم في العمر وفهم الحياة على حقيقتها .. معنىً قرأتُ عنه وسمعته يُقال آلاف المرات .. يعني هل من الضروري أن تنفق ثلاثة أرباع عمرك كي تفهم الحياة؟! .. يا عمي افهمها باكراً و وفّر أيامك .. ولكن بما أن عمرك مضى و (مشي الحال) .. تفادى وقوع أبنائك في الخطأ نفسه .. فهّمهم منذ البداية .. لكن خذ بعين الاعتبار الفرق بين أن الشاب (قادر) على الفهم، لكنه (لا يريد الآن) أن يفهم .. انتبه للفرق بين المقدرة والرغبة .. حرّك فيه الرغبة في الفهم .. الاشتياق للمعرفة .. التوق للتعلُّم ... ولا تقع في الخطأ الذي رأيتُ بأم عيني (أيامَ كنتُ مدرّساً) آباءً وأمّهات تركوا أبناءهم للزمن .. لتقادم الأيام .. لم يجلسوا معهم .. لم يفهّموهم .. والآن .. يتعالى أبناؤهم عليهم إذ يتشدقون بالكلام أمامهم بما لا معنى له سوى الخطأ .. والضياع .. بل والعقوق العميق أيضاً .. العقوق الذي يتجاوز مرحلة عدم الطاعة .. إلى مرحلة العِداء .. كل ذلك بسبب إهمال التربية العقلية .. والعاطفية أيضاً ... بالمناسبة أنا لا أتحدث هنا عن السطحيات .. وإنما أتحدث عن الحقائق الكبرى في الحياة .. التي _ إذا لم تنقلها لهم بدقة _ فسيزرع غيرك محلها مجموعة كبيرة من الأكاذيب .. والضلالات .. و (غيرك) هذه .. تعني الشارع .. والتلفاز .. والإنترنت .. وأصدقاء ابنك .. و زوّار بيتك .. وكل مَن تركت لهم (بإهمالك) مسؤولية تعليم أبنائك .. وزراعة ما يريدون .. في عقولهم.
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

ما يُطلَقُ عليه وصفُ الـ (حُب) في أيامنا .. أشبه ما يكون بمكتب عقاري .. منه تملُّكٌ بورقة طابو .. ومنه حقُّ انتفاعٍ فقط؛ حقُّ الرقبةِ فيه لشخصٍ آخر .. ومنه تملُّكٌ بحكم محكمة؛ ادّعى الطرفان فيه على بعضهما ـ بالتراضي ـ ادِّعاءً كاذباً، فقط كي يتم التثبيت .. ومنه أيضاً ما يُقام على أساسِ عقدٍ أهلي؛ قد يمكن تثبيته وقد لا يمكن .. بل إنَّ منه بضع أَسهُم فقط، من بناءٍ كبير، دون تحديد؛ تطول المدةُ ثم تبدأ الخلافات .. وإيجارٌ سياحيّ .. وسنوي .. وشهريّ .. وكذلك إيجار لمدة ساعات لا أكثر .. وأحياناً إيجار مزرعةٍ إيجاراً عائلياً ليومين أو ثلاث ... وهنالك الإعارة .. وصدّقوا أو لا تصدّقوا، هنالك وضع اليد .. وهنالك الحائز والمالك والشاغل .. يعني باختصار .. تعقيب معاملات وإكراميّات و (تُكرَمُ عينُك)؛ لا يصير إلا كما تريد ... كنشازِ ضَربٍ على آلاتٍ يدّعي القارعون عليها أنها موسيقى؛ في كازينو ليلي كلُّ مَن فيه سُكارى .. اعزفْ لهم أيَّ شيء وسيرقصون .. أشباهُ النساء فيه يتمايلنَ، وما بقي من قلوبهن يكره الزبائن .. وأنصافُ الرجالِ يُمعِنون في مدِّ أيديهم لأنهم دفعوا مالاً .. عطورٌ رخيصةٌ تفشل في تغطية الحقيقة .. وأناقةٌ اشتُرِيَت مِن حَرامٍ ثم لُبِسَت لِحَرام .. وفشلت هي الأخرى في تغطية الترهُّل .. و (تحيّات) من فلانٍ لِعِلَّانٍ لِعَلَّاكِ اللبان .. تُنثَرُ أوراقُها النقدية في الهواء من فوق الرؤوس .. كي يلتقطها الشغّيلةُ بسرعة .. من تحت أحذية الراقصات .

رَحِمَ اللهُ الحبَّ الحقيقي .. كان وما يزال .. هِبةً .. على شرطِ أن يَقْبَلَها الموهوب .. ألفاظُها الشرعية معروفة: وهبتُك قلبي فهل قَبِلت ؟
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

أغداً ألقاك .. غنّتها أم كلثوم، لكن بعد أن طلبت من الشاعر، كما طلب منه الملحنُ محمد عبد الوهاب، تعديلاتٍ كثيرة .. أرى أنها لم تضر القصيدة وحسب .. بل أصابتها في مقتل .. وهذه مقتطفات من النص الأصلي لرائعة الشاعر السوداني الهادي آدم:

أغداً ألقاك، يا لَهْفَ فؤادي مِن غدِ
وأُحَييكَ لكن بفؤادي أم يدي
أم بِطَرفٍ خاشعِ اللمحِ كليلٍ مُجهَدِ
لستُ أدري كيف ألقاكَ لكني صَدِي
ظامئٌ أرهقهُ البَينُ وطولُ الأمدِ
أنتَ يا جنةَ حبي واصطخابي وجنوني
أنا أخشى مِن غدٍ هذا وأرجوهُ اقترابا
كنتُ أستدنيهِ لكن هِبتُهُ لمّا أهابا
وتولّت دهشةُ القُربِ فؤادي فأنابا
هكذا أستبطِنُ العُمرَ نعيماً وعذابا
مُهجةً سَكرى وقلباً مُستهاماً يتغابى
أتغاباكَ لكن ظُنَّني كيف تشاء
وأناديكَ لكنَّ ندائي دُعاء
أنا لولا أنت لم أحفل بمن راح وجاء
هذه الدنيا كؤوسٌ أنت فيها السُّكْرُ
فغداً لا نعرف الغيبَ ولا ماضٍ تولّى
وغداً لا يعرف القلبُ لِهَذينِ مَحلّا
وغداً تصطخبُ الجنةُ أنهاراً وَظِلّا
وأحييكَ لكنْ بفؤادي .. ليس إلّا
الكاتب السوري شامل سفر

[ريمه الخاني]

عندما بدأت الحياةُ تلعب معي الشطرنج، كنتُ في السادسة عشرة .. كان أخي عمر قد علّمني أصول اللعبة وأنا في السابعة من عمري .. افتتحتِ الحياةُ آنذاك ببيدق الملك، وأذكر أني حينها رَدَدْتُ بالدفاع الصقلّي، ولم قد أتقنته تماماً بعدُ، فخسرتُ الجولة .. ثم دارت أيام، وسنين .. واختصصتُ بشيئين: افتتاح بيدق الملكة ثم الـ (Gambit) بنوعيه؛ المقبول والمرفوض .. وبِفَنِّ التضحية .. وكانت لي مع الدنيا جولاتٌ، منها ما أخذتُهُ منها، ومنها ما أخذَتْهُ هي .. ولا أذكر أننا تعادلنا، أبداً .. إلا في مرةٍ واحدة لجأتْ فيها الفانيةُ التي لم تَصْفُ لأحد، إلى التعادل القذر .. التعادل الذي اشتُهِرَ به الإيطاليون؛ عندما شعرتْ مرةً أنها على وشك أن تخسر .. فلجأتْ إلى الكَشِّ المتتالي لمراتٍ ثلاث، بتكرارٍ إجباري، إلى أن قامَ حَكَمُ الأيامِ بإغلاق ساعة التوقيت، وأعلنَ التعادل .. وما تزال هذه الدنيا تلاعبني .. مع أننا تقريباً، فهمنا استراتيجياتِ بعضنا .. وأوصيكم .. يا مَن تتجوّل أعينُكم بين كلماتي هذه .. أن لا تبخلوا عليَّ بالدعاء، إذا ما قالت لي الحياةُ: كش ... مات .
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

آلان تورنغ Alan Turing الذي أنقذ أرواح ملايين البشر، وكانت آلاتُه الأساسَ الذي بُنِيَت عليه كل حواسيبنا التي بين أيدينا الآن .. مات وحيداً منتحراً وهو في الحادية والأربعين .. أيتها الدنيا العاهرة، ما الذي تفعلينه بالعباقرة ...

[ريمه الخاني]

بعد الجامعة
بقلم: شامل سفر

ضعيف .. مقبول .. جيد .. امتياز مع مرتبة الشرف ... الكل تخرّج .. الكل حملَ في يده كرتونةً جميلةً مذهّبة، ممهورةً بالأختام والتواقيع، تشهد أنه نجح .. حسناً .. وماذا بعدُ؟! .. الانطلاق إلى الحياة العملية .. ما اختلفنا .. ولكن ألا توجد فروق؟! .. صحيحٌ أن العوام يضعون البيضَ كله في سلة واحدة، فيقولون عن كل واحدٍ منهم: خريج جامعي .. لكن كل واحدٍ من أولئك الخريجين أنفسهم، يعرف الفروق .. والاختلافات .. يعرف مَن الذي كان متميزاً حقاً .. ومَن الذي غشَّ كي ينجح .. أو دفع قرشين عن كل مادة .. ويعرفون أيضاً مَن المثقف الحقيقي .. ومَن الذي لم يقرأ في حياته حرفاً واحداً خارج الكتب المقررة .. ثم مَن الذي كان يسمع المحاضراتِ بأذنيه .. ومَن الذي كان يَعيها في قلبه .. والعجيبُ كل العَجَب، أن الأساتذة الذين لم يكتفوا بإعطاء المحتوى العلمي وحسب، بل مرروا خلال أدائهم نصائح .. وتوجيهاتٍ أخلاقيةً .. وبوصلات تدل على الاتجاه الصحيح .. العجيب أن قلةً قليلةً مِن طلابهم؛ ممن حملَ في آخر المدة كرتونته المذهّبة، هم فقط الذين كانوا ينتبهون إلى ما بين السطور .. وما خلف الكلمات .. وما وراء التشبيهات والاستعارات .. إلى درجةِ أن بعض الذين لم ينتبهوا، ولم يريدوا أساساً أن ينتبهوا، رموا كتبه الجامعية، تماماً كما يرميها تلامذةٌ خائبون كُسالى، بعد انتهاء المدرسة الابتدائية .. بعضهم باعها لأصحاب البسطات على الرصيف، وشرب بثمنها نرجيلةً وفنجانَ قهوةٍ سريعة .. ولولا الحياء لَشَرِبَ بثمنها (سوداية) عَرَق .. لا سيما وأن المدة قد انتهت .. فُرِجَت .. وكأن واحدهم كان ينظر إلى تلك الجامعة .. إلى تلك المدرسة الكبرى .. إلى ذلك العلم .. على أنه مدةُ عقوبةٍ في السجن .. انتهت، وخرجَ إلى ضوء الشمس من جديد .. فصار يَعُبُّ عَبَّاً مما كان محروماً منه .. بدءاً من أكل الناعم .. إلى أمور النواعم .. بِما بينهما مِن لوازم السَّكْرة بعد انقطاع .. وكأنه لم يدخل الجامعة بإرادته واختياره .. وكأنه دخلها مُجبَراً مُرغَماً على أمره .. وكأنه يكرهها ...
على الضفة الثانية من النهر .. كان آخرون يُجَلِّدون كتبهم الجامعية .. يحتفظون بها في مكتباتٍ جداريةٍ أنيقة، ويعاودون قراءتها بانتظام .. يستزيدون .. يتعلّمون .. ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طلابُ علمٍ، وسيبقون هكذا حتى آخر ثانيةٍ في الحياة .. يُراجعون كرّاساتهم الجانبية التي دوّنوا فيها ملاحظات أساتذتهم عن الأخلاق، لا عن العلم فقط .. عن البوصلة، لا عن الضياع .. عن السبيل، لا عن السُّبُل ... يضبطون أنفسهم، وينصحون مَن حولهم بالحكمة وبالموعظة الحسنة .. لا يعيبون على أحدٍ، حتى في أحاديثهم الداخلية مع أنفسهم، بل يحمدون الله، ويستعيذون به، ويَدْعُونَ بالخير لِمَن اضطربَ مؤشرُ بوصلتِه .. مُوقِنينَ أنه ربما، في يومٍ من الأيام، صار أفضل منهم .. فهو في النهاية زميل .. صديق .. أخ ... واحدٌ ممن جلسوا معهم على مقاعد الدرس .. هناك .. في تلك الجامعة .. في تلك المدرسة الكبرى .. التي أمضوا فيها معاً .. أياماً معدودات.
#Shamel_Safar

[ريمه الخاني]

تأخيرُ الفَرَجِ .. لا تأخُّرُه .. فالفَرَجُ مأمورٌ لا يملك أن يتأخَّر من تلقاء نفسه .. ثم التأخيرُ ـ كما كل شيء ـ لا يكون إلا لحكمةٍ إلهيةٍ بالغةٍ بالغة .. فَهِمَها مَن فَهِمَها، وجَهِلَها مَن جَهِلَها .. وهي، أي الحكمة الإلهية، متعلقةٌ بالخير المُطلَق ... والوقتُ الذي يُنفَقُ في التساؤل، أحرى به أنه يُخصص للاشتغال بعيوب النفس.