* قصة البداية *
** الحلقة 26 من السيرة النبوية :
** كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف من نسيان الوحي ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان النبي يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك شفتيه ، فأنزل الله عز وجل :" في قوله تعالى :"لاتحرك به لسانك لتعجل به ، إن علينا جمعه وقرآنه"،، قال : جمعه في صدرك ، ثم تقرأه :"فإذا قرأناه فاتبع قرآنه"،، فاستمع له وأنصت ، ثم إن علينا بيانه ، فكان رسول الله إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع ، فإذا انطلق جبريل عليه السلام ، قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أقرأه جبريل ..
* لخلوة الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء ، دلالات عظيمة :
* المسلم لايكمل إسلامه ، مهما كان متحليا" بالفضائل ، قائما" بألوان العبادات ، حتى يجمع إلى ذلك ساعات من العزلة والخلوة ، يحاسب فيها النفس ، ويراقب الله تعالى ، ويفكر في مظاهر الكون ، ودلائل ذلك على عظمة الله عز وجل ..
* للنفس آفات لاتقطع شرتها إلا دواء العزلة عن الناس ، ومحاسبتها في نجوة من ضجيج الدنيا ومظاهرها ، فالكبر والعجب والحسد والرياء ، وحب الدنيا ، كل ذلك آفات ، من شأنها أن تتحكم في النفس ، وتتغلغل في أعماق القلب ، وتعمل عملها التهديمي في باطن الإنسان ، على الرغم مما قد يتحلى به ظاهره من الأعمال الصالحة والعبادات المبرورة ، ورغم ماقد ينشغل به من القيام بشؤون الدعوة والإرشاد وموعظة الناس ..
* ليس لهذه الآفات من دواء إلا أن يختلي صاحبها بين كل فترة وأخرى مع نفسه ، ليتأمل في حقيقتها ومنشئها ، ومدى حاجتها إلى عناية الله عز وجل وتوفيقه ، في كل لحظة من لحظات الحياة ، ثم ليتأمل في الناس ومدى ضعفهم ، أمام الخالق عز وجل ، وفي عدم أي فائدة لمدحهم أو قدحهم ، ثم ليتفكر في مظاهر عظمة الله عز وجل ، وفي اليوم الآخر ، وفي الحساب ، وفي عظيم رحمة الله وعظيم عقابه ، فعند التفكير الطويل المتكرر في هذه الأمور ، تتساقط تلك الآفات اللاحقة بالنفس ، ويحيى القلب بنور العرفان والصفاء ، فلايبقى لعكر الدنيا من سبيل إلى تكدير مرآته ..
* تربية محبة الله عز وجل في القلب هو منبع التضحية والجهاد ، وأساس كل دعوة متأججة صحيحة ، ومحبة الله تعالى لاتأتي من مجرد الإيمان العقلي به ، فالأمور العقلانية وحدها ماكانت يوما" ما لتؤثر في العواطف والقلوب ،، الوسيلة إلى محبته تعالى ،، بعد الإيمان به ،، كثرة التفكير في آلائه ونعمه ، والتأمل في مدى جلاله وعظمته ، ثم الإكثار من ذكره سبحانه وتعالى بالقلب واللسان ، يتم كل ذلك بالعزلة والخلوة والابتعاد عن شواغل الدنيا وضوضائها ، في فترات متقطعة متكررة من الزمن ..
* إذا قام المسلم بذلك ، وتهيأ له أداء هذه الوظيفة ، نبتت له من ذلك في قلبه محبة قلبية إلهية عارمة ، تجعله يستصغر كل عظيم ، ويحتقر كل مغرية من المغريات ، ويستهين بكل إيذاء وعذاب ، ويستعلي فوق كل إذلال واستهزاء ، تلك هي العدة الكبرى التي ينبغي أن يتسلح بها الدعاة إلى الله ، وتلك هي العدة التي جهز الله تعالى بها حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ليقوم بأعباء الدعوة الإسلامية ..
* الدوافع الوجدانية في القلب من خوف ومحبة ورجاء ، تفعل ما لايفعله الفهم العقلي المجرد ..
* لاينبغي أن يفهم معنى الخلوة كما شذ البعض ، ففهموها أنها الانصراف الكلي عن الناس ، واتخاذ الكهوف والجبال موطنا" ، واعتبار ذلك فضيلة بحد ذاتها ، فذلك مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ..
* المراد هو استحباب اتخاذ الخلوة دواء" لإصلاح الحال ، فالدواء لاينبغي أن يؤخذ إلا بقدر ، وعند اللزوم ، وإلا انقلب إلى داء ينبغي التوقي منه ..