منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 4 من 9 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 84
  1. #31
    ضد التعصب أم ضد الإسلام ؟ (3 مـن 6)

    أ.د. حلمي محمد القاعود
    ............................

    يبكي الدكتور جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" من أجل الدكتور نصر أبو زيد الذي رفضت اللجنة العلمية ترقيته إلى درجة أستاذ، ويخصص أكثر من نصف الكتاب للدفاع عن نصر، وسرد محاكماته، وانتقاد الأحكام التي صدرت بردّته والتفريق بينه وبين زوجته نتيجة لتأويلاته الفاسدة لمبادئ إسلامية ثابتة ومعلومة.
    والحقيقة أن نصر أبو زيد ضحية لجابر عصفور ومن معه، فقد ألقاه في اليمِّ وحذره من الغرق وهو لا يعرف العوم!
    ويعلم جابر عصفور أن اللجنة العلمية، وخاصة لجنة الأساتذة المساعدين التي كان مهيمناً عليها، مع وجود من هم أقدم منه سناً وعلماً ووظيفة قد ظلمت كثيرين، ونكلت بكثيرين، وغدرت بكثيرين، لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا على منهج أهل اليسار والدنيويين، أو لأنهم أرادوا التعبير عن ذواتهم ونهوضهم في وجه المتاعب والصعاب.
    هؤلاء المظلومون ـ وما أكثرهم ـ لم يجدوا صفحة للحوار القومي تساندهم، ولا صحافة يسارية تعضدهم، ولا أقساماً أو مجالس كليات علمانية تدعمهم، بل لم يجدوا من يصغي لهم أو يهدهد أحزانهم، وقد سمعت بأذني أحد أعضاء اللجنة يسخط على المهيمنين عليها، ويقول: إنهم يريدون ذلك، أي عدم ترقية فلان أو علان.. فالترقية المزاجية لم تكن ضد "نصر أبو زيد" ولم تكن رغبة "عبدالصبور شاهين" الذي اتهمه جابر عصفور بتهم غليظة، ولكنها كانت ضد المخالفين لليسار وأتباعه، ورغبة المحكمين اليساريين الدنيويين!.
    مشكلة جابر عصفور وجماعته أنهم لا يرون إلا أنفسهم ومصالحهم، وهذه مأساة بكل المقاييس، وكانت الظروف التي تقدم فيها "نصر أبو زيد" للترقية حافلة برغبة جهات خارجية وداخلية للقضاء على بقية مظاهر النشاط الإسلامي، حتى الأنشطة الخيرية، مما أعطى لجابر وجماعته فرصة الانطلاق، ليس دفاعاً عن نصر بقدر ما كانت سعياً لعملية الاستئصال والتشهير بالإسلام، والداعين إليه وإلى تطبيق تعاليمه في الحياة اليومية والعامة، لا شك أن "نصر أبوزيد" كان ضحية لعملية واسعة ضد الإسلام، حيث كان موضوعه مدخلاً لبعث الأفكار الرديئة والكتابات السخيفة والتصورات الفاسدة التي تصب في تقويض مفاهيم الإسلام وأخلاقه، وتخدم الغرب الصليبي الاستعماري وقاعدته اليهودية في فلسطين المحتلة.
    فرأينا مقولات الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق، والمرأة في الإسلام لمنصور فهمي، وتربية سلامة موسى، ومؤلفات لويس عوض، وغيرهم من الذين استباحوا ثوابت الإسلام وقيم الأمة، يعاد إنتاجها من جديد، أو تطبع مرة أخرى، في الوقت الذي يتم فيه حصار الكتاب الإسلامي والمجلة الإسلامية والصحيفة الإسلامية من خلال أجهزة الدولة.
    "نصر أبوزيد" كان شخصاً متديناً، وكان فلاحاً مجتهداً، ولكنه تحول بفضل الهيمنة اليسارية الدنيوية إلى ما اعتقد أنه صواب، فتجرأ على القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي بغير الحقيقة العلمية، ودخل في متاهات، ما كان أغناه عنها لو أنه احتكم إلى المفاهيم الصحيحة للتأويل من خلال المنظور الإسلامي، وليس المنظور الغربي "الهرمينوطيقا"، إن القرآن الكريم يضم آيات محكمات وآخر متشابهات، والمحكمات واضحة وضوح الشمس لا يجوز تأويلها لأنها تقنن العقيدة والشريعة في قوانين إلهية لا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد، وقد أجمعت عليها الأمة سلفاً وخلفاً، فما الذي يدعوه إلى اختراق الثوابت واللعب بها؟ إنها الدعاوى التي غررت به وثبت زيفها: حرية التعبير وحرية الفكر، والعقلانية والاستنارة.. وكأن الإسلام لا يعرف شيئاً من ذلك أبداً في مفهوم اليساريين!.
    أما المتشابهات من الآيات فمردها إلى أولي العلم الذين يملكون صلاحية البحث والتحري، وهؤلاء هم الثقات الذين تستريح إليهم الضمائر والأفئدة، ولهم اجتهادهم أو تأويلهم الذي يصل بهم إلى الحقيقة والصواب بإذنه تعالى.
    لقد أخطأ نصر حامد أبوزيد، ورصدت محكمة النقض ـ أعلى درجات التقاضي ـ عدداً من أخطائه الفادحة والفاضحة، ولكن هذا لم يقنع جابر عصفور الذي بات ينوح على نصر، ويهجو القضاة والمحكمة والحكم، ويستشهد بآراء اليساريين والدنيويين الذين انحازوا إلى التجليات الفكرية الاستعمارية.
    مشكلة جابر وجماعته مركبة ومعقدة، لأنهم يرفعون قميص عثمان ويطالبون بالثأر له، ولكنهم في الحقيقة يريدون الانتقام من الإسلام الذي يمثل عائقاً وحائط صد خطيراً في وجه التغريب والعلمنة والهيمنة الاستعمارية.
    ترى لو أن نصر حامد أبوزيد استخدم التأويل في تفسير الإنجيل والتوراة، وذهب إلى عكس ما تعارف عليه الكرادلة والحاخامات هل كانوا سيتركونه أو يتركون المؤازرين له؟ وهل كان جابر عصفور وجماعته يستطيعون رفع أصواتهم، بل يتحدون القانون الذي يحظر التعليق على الأحكام الصادرة عن القضاء، وخاصة محكمة النقض؟
    هل وصل الأمر إلى أن يكون الإسلام ديناً مستباحاً وأن يكون تسفيه أحكامه وتشريعاته ومبادئها لتي تربط الفرد بالمجتمع وتضع أسس العلاقة بين الراعية والراعي، أمراً مطلوباً من جهات خارجية وداخلية لإذلال العرب والمسلمين، وترسيخ أقدام اليهود في فلسطين. (فلا وربك لا يؤمنون حتى" يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(65)) (النساء ) .

  2. #32
    ضد التعصب أم ضد الإسلام (4 من 6)

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    ..................................

    محنة نصر أبوزيد، التي أفاض جابر عصفور في الحديث عنها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" تمثل نموذجاً للعب بالنار الذي يقوم به التيار اليساري الدنيوي، حين تلتقي أهدافه مع غايات الاستبداد وقهر الوطن.
    خذ مثلاً مصطلح "التنوير"، إنه مصطلح مخادع مخاتل، لأنه يراوغ القراء وخاصة عامتهم الذين يفهمون المعنى الظاهري، المباشر للمصطلح، وهو الإضاءة أو إشاعة النور ونشره، ولكن المعنى بمفهومه الأوروبي ـ كما يعرف جابر عصفور ويقصد ـ يكمن في الإيمان بما هو واقعي وطبيعي فحسب، مما يعني رفض الغيب والوحي والإله.
    إن إعلاء شأن العقل دون سواه، يعني رفض الوحي الذي يمثله عندنا نحن المسلمين "النقل" متمثلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع. إن العقل لا يتناقض مع النقل في الفكر الإسلامي.. حتى المعتزلة الذين يفخر بهم جابر عصفور وتلميذه نصر أبوزيد، يستخدمون العقل لإثبات النقل.. وإذا كان التنويريون الأوروبيون قد آمنوا بالعقل وحده، فذلك أمر طبيعي، لأن الكنيسة الغربية أعطت لنفسها حق التطهير والحرمان، وقيَّدت العقل، وأفسحت المجال للخرافة، وحاربت العلم والبحث، واستعبدت البشر، ونشرت الظلام في كل مكان، وهو ما لم يحدث في الإسلام، وفي العصور المظلمة كانت بغداد تفخر بأنها تخلو من وجود أمي أو أمية، وفي الوقت ذاته كان "شارلمان" إمبراطور الدولة الرومانية لا يعرف كيف يكتب اسمه.
    من مزايا التنوير الأوروبي، أنه أكد على كرامة الإنسان، بصرف النظر عن الناحية العقدية، ولكن التنويريين العرب، يرون التنوير محدوداً بنقطة واحدة هي إلغاء الإسلام، لأن مرجعيته تقوم على النقل، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين، وقد دفعهم هذا إلى الرضا بسحق الإنسان "لأنه مسلم"، وخدمة الأنظمة المستبدة "التمرّغ في خيراتها بالتالي"، والصمت عن ممارساتها في مصادرة الحرية والكرامة والشورى "التي هي أكبر مساحة من الديمقراطية"، والمساواة والعدل والمشاركة في صنع الأوطان.. في أوروبا لا تقتحم الشرطة بيت مواطن في الفجر، مهما كانت التهم الموجهة إليه، ولا يتم تعذيبه بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا، ولا يُلقى في السجن دون محاكمة، ولا يُعاد اعتقاله بعد تكرر أحكام الإفراج عنه، ولا يُحاكم أمام قاض غير قاضيه الطبيعي، ولكن هذا كله يحدث في كثير من البلاد العربية، ويؤيده أهل التنوير العرب، ويرونه جزءاً من التنوير!.
    ويستخدم جابر عصفور مثلاً مصطلح "التأسلم" و"المتأسلمين" تعبيراً عن كل من يرى ارتباط الإسلام بشؤون الحياة والمجتمع والحكم والاقتصاد والتربية واجباً، وهذا المصطلح سكَّه شيوعي سابق كان تلميذاً لهنري كورييل ـ الصهيوني الهالك ـ وصار مليونيراً حالياً ومتأمركاً بارزاً. وقد أكثر جابر عصفور من ترديد هذا المصطلح على مدى اتساع كتابه ليؤكد على حقيقة أن كل من يدعو إلى الإسلام بمفهومه الصحيح هو دعيّ يطلب الحكم ويسعى إليه.
    والتأسلم بهذا المفهوم التنويري يعني أن صاحبه ليس مسلماً حقاً ويتستر بالإسلام، أي أنه كافر، وهو ما يسميه جابر عصفور وشيعته بالتكفير، ويعيبه على بعض المسلمين الذين يكفرون الآخرين، ويفتشون في قلوبهم.. ولكن ما يعيبه جابر عصفور على غيره، يقترفه هو.
    وهكذا فإن علماء الدين ورجال الأزهر، وكل من يكتبون أو يدعون إلى الإسلام الشامل هم كفرة عند جابر عصفور وشيعته، فضلاً عن كونهم إرهابيين يستحقون الاستئصال والسحق.
    ومثل "التنوير" و"التأسلم" يستخدم عصفور مصطلح "الأصولية" بمفهومه الغربي، وهذا المفهوم يجعل المصطلح مقيتـاً وكريهاً، لأنه ضد الحياة والتقدم والمستقبل، وتطبيقاته عند الأصوليين اليهود والصليبيين في أمريكا وكندا والغرب توحي بالتخلف الشديد والعداء للحضارة والمدنية.. فهل الأصولية عند المسلمين كذلك؟ الحقيقة أن الأصولية عند المسلمين مفخرة لهم ولدينهم ولحضارتهم، فهي تعني القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاجتهاد الذي يحقق صالح الناس.. وإذا كان بعض الأصوليين في الغرب يرفض نتيجة المدنية الغربية الحديثة من آلات ومبتكرات، فإن الأصولية عند المسلمين تسعى لتوظيف هذه المنتجات وتقبلها في الدائرة اليومية الإنسانية.. وبالطبع، فإن أصولية المسلمين دليل على الوعي والتفتح ومعانقة الحياة، وفارق كبير بين من يرفض استخدام المصباح الكهربي، ومن يوظفه ليستفيد منه على أكبر نطاق.. ومن المؤسف أن جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" ظل يلف ويدور حول معنى الأصولية لغوياً دون أن يلتفت إلى دلالتها حضارياً لدى علماء المسلمين، مما أوقعه في التأويل الخاطئ.
    لا ريب أن "جابر عصفور" يجد متعة في استخدام المصطلح استخداماً مراوغاً يخدم أهداف التيار اليساري الدنيوي، ويدعم السلطة الشمولية التي تحكم بالطوارئ والمحاكم العسكرية، وما رأيناه في استخدامه للتنوير والتأسلم والأصولية، ينسحب على بقية المصطلحات التي يبثها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" مثل الاجتهاد، والتعدد، ونسبية النتائج، والمجتمع المدني، والدولة المدنية، والاستبداد الديني "يقصد الإسلامي!"، والسؤال والشك، والتجريب والإبداع، ورجال الدين والتعصب الديني، والاتباع والابتداع، والثقافة التقليدية، والدولة الدينية، والخطاب الديني، وجماعات الضغط المتأسلم... إلخ.


    </i>

  3. #33
    ضد التعصب أم ضد الإسلام ( 5 – 6 )

    بقلم: أ . د . حلمى محمد القاعود
    ....................................

    يُخصص جابر عصفور جزءاً غير قليل من كتابه (( ضد التعصب )) دفاعاً عن (( حيدر حيدر )) صاحب الرواية البذيئة الفاجرة (( وليمة لأعشاب البحر )) ، وجابر عصفور له ولع خاص بالكتّاب (( الطائفيين )) ، فهو يتحدث عنهم كثيراً ويحتفى بهم كثيراً وعلى سبيل المثال ، فقد خصص ل (( على أحمد سعيد )) المشهور باسم (( أدونيس )) عدداً خاصاً من مجلة (( فصول )) عندما كان رئيساً لتحريرها ، ويوم وفاة (( سعدالله ونوس )) خرج عن سياق كلمته فى ندوة كانت مخصصة للاحتفال بمحمد فريد أبو حديد ، ليرثى بحزن وهلع الكاتب النصيرى الراحل بصورة كادت تغطى على المحتفى به !.
    ومع (( حيدر حيدر )) فقد ذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث كانت مشورته لوزير الثقافة بمصادمة الأمة كفيلة بإثارة القلاقل والاضطرابات ، فبعد أن أعلن الوزير – فاروق حسنى – أن رواية الوليمة ستخضع للتحقيق ، خرج ليعلن – وفقا للمشورة – أنها رواية رائعة وليس بها ما يُسىء إلى الإسلام أو المجتمع ، وتجرأ الوزير على رافضى الرواية بكلام مستفز، فتحرك الطلاب فى جامعة الأزهر ليتظاهروا ، ثم كانت اللجنة التى شكلها الوزير برئاسة (( عصفور )) لدراسة الرواية سبباً آخر من أسباب إثارة التوتر ، حيث غالط أعضاؤها ، ودلسوا على الأمة ، وزعموا أنهم وحدهم أصحاب الاختصاص فى قراءة الرواية وفهمها والحكم عليها ، أى احتكار القول الفصل فى شأنها ، مما يعنى أن غيرهم – ولو كان متخصصاً – لا يفهم الرواية ولا يستطيع تقويمها ...
    والرواية ببساطة شديدة رواية ماركسية كتابة وأشخاصاً ، وكما يعلم أبسط الناس ، فالماركسية ضد الإسلام ، ومعادية له ، وهذا ما صنعته الرواية ، فقد سبت الذات الإلهية على لسان شخوصها ، وأساءت إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - ، وهو ما أكده حيدر فيما بعد حين تحدث إلى إحدى القنوات الفضائية . . ثم إن الرواية الرديئة فناً وإبداعاً – حافلة بالإباحية والجنس الفج والدعوة إلى الشذوذ ، ومع هذا تخرج لجنة عصفور لتهجو الأمة التى لا تفقه قراءة الرواية ، ولا تفهم تجلياتها الإبداعية الرائعة فى مفهوم اللجنة اليسارية الدنيوية !، ثم – ويا للمفارقة – تتحدث عن دفاع الرواية عن الإسلام من خلال وصف المجاهدين الجزائريين وهم يهبطون من الجبال بعد انتصار الثورة ويهللون ويكبرون !.
    وكم رأينا من تدليس وكذب ، فى نقل الأقوال وتفسير العبارات دون خجل أو حياء ، وكانت النتيجة أن تصدت قوات الشرطة لطلاب الأزهر ، وسقط جرحى ، وقبض على عديدين ، وتواترت أنباء عن تعذيبهم ، ثم كانت الطامة الكبرى بإغلاق حزب العمل ذى التوجهات الإسلامية ، وإيقاف صحفه ، مما نتج عنه تشويه صورة الدولة (( المدنية )) التى ينافح عنها عصفور ، حيث ظهرت بمخالب عسكرية شرسة .
    ولا يجد (( جابر عصفور )) غضاضة فى قلب حقائق الأشياء ، وهو يسرد قصة الوليمة البذيئة وما رافقها من أحداث ، فيُسميها (( الرواية المظلومة ! )) ويؤكد على أن مظاهرات طلاب الأزهر حركتها قواعد (( الإخوان المسلمون )) فى الجامعة . ثم يقدح فى الأزهر بطريقة غريبة ، ويصف ثقافته بثقافة النقل والتقليد المعادية للعقل (( ولا يُشجع على الاجتهاد والاختلاف ، والنتيجة هى شيوع الجهل الذى يتكاثف كما تتكاثف الظلمة ، والتعصب الذى ينمو أسرع من ورد النيل القاتل ، والاندفاع إلى العنف الذى ينتظر إشارة )) ( ص 412) .
    إن ثقافة الأزهر الذى يضم مئات المعاهد وعشرات الكليات فى مختلف التخصصات مستمدة من الشريعة ، وتشمل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم ، ويتدرب طلاب الأزهر منذ الصغر على فقه المذاهب ونحو المدارس وآراء علماء الكلام ووجهات نظر المفسرين وروايات المحدثين وأقوال المؤرخين .. فهل يمكن لمنصف بعد ذلك أن يصف الأزهر بالجهل والتقليد والعنف ؟ .
    إن جابر عصفور – وحده – هو الذى يستطيع أن يندفع بتعصبه الدنيوى (( غير العقلانى )) ليسوء الأزهر ويهجوه هذا الهجاء المقذع دون أدنى تحفظ ! والمفارقة أن شيعته اليسارية الدنيوية دبجت – ذات يوم – مدائح فى أحد شيوخ الأزهر الذى أحل فوائد البنوك ووافق السلطة فى اتجاهاتها ، ولم تبخل عليه بوصف (( المستنير )) ، ولا أدرى إن كان فضيلته قد أدرك المغزى الفلسفى لهذا الوصف أم لا ؟
    إن الرواية البذيئة كشفت حقيقة التدليس اليسارى الدنيوى وتخليطه الفكرى وخطابه (( الديماجوجى )) سعياً لإرضاء الاستبداد وقهر الشعب ، وأيضاً لاستئصال الإسلام وجذوره الراسخة من وطن يعده أهل الأرض المسلمون عقل الإسلام وذراعه القوية فلصالح من يفعل ذلك اليساريون الدنيويون ؟ اسألوهم .
    لقد أدان الأزهر الشريف الرواية البذيئة وأكد بيانه الصادر بهذا الشأن أن الرواية كلها (( تحرض صراحة على الخروج على الشريعة وعدم التمسك بأحكامها )) .
    فكان غضب عصفور على الأزهر ضارياً ، ولم يحتمل رأى الأزهر فى الرواية ، ولم يقبل الرأى الآخر ، فراح يحرض على الأزهر وطلابه وأساتذته والحركة الإسلامية ، ويصف الرواية البذيئة بالرواية (( المظلومة ! )) ، ويقلب الحقائق مااستطاع إلى ذلك سبيلاً .


    </i>

  4. #34
    ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ (6 من 6)

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    ................................

    يحرص جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب"، على مطاردة الثقافة الإسلامية مطاردة أمنية من خلال تحريضه السافر ضد وسائط التثقيف الإسلامي، إنه يسمي الثقافة الإسلامية بثقافة العنف، وهي التسمية الرائجة في الغرب الصليبي الاستعماري الذي لا يرى في ثقافتنا إلا الإرهاب والتعصب والعنف، وهي التسمية ذاتها التي تشير إليها العصابات اليهودية في فلسطين عندما تتحدث عن الإسلام وقيمه.
    ثقافة العنف عند جابر عصفور "ثقافة مرجعيتها دينية!، تبدأ وتنتهي بالدين الإسلامي على نحو ما تتأوّله مجموعة من الأفراد أو التنظيمات أو الجماعات أو بعض المؤسسات الدينية"، ثم يستدرك على ذلك قائلاً: "ويعني ذلك أن السند الديني المباشر لهذه الثقافة ليس نصوص كتاب الله وأحاديث الرسول وسنته، وإنما تأويل هذه النصوص بما يشدّها إلى هدف بشري بالضرورة، ويضعها في سياق من العقلنة التفسيرية الموظفة لخدمة بعينها، غاية ترتبط بما يحقق مصالح الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات أو المؤسسات التي تجعل من هذا التأويل، أو هذه العقلنة التفسيرية، أصلاً لوجودها، ومبرراً لاتجاهاتها، ودافعاً لمواقفها وأفعالها، والهدف السياسي لهذه العملية هو التمهيد الفكري لإقامة دولة دينية تحل محل الدولة المدنية" (ص441).
    مشكلة جابر عصفور أنه يراوغ دائماً في كتاباته ومصطلحاته ليحقق التأثير المطلوب لدى القراء، ولكن القراء الواعين يدركون أنه يناقض نفسه دائماً، فكثيراً ما اتهم الحركة الإسلامية بل الفكر الإسلامي بالنقل والتقليد والجمود، ولكنه في الفقرة السابقة يتحدث عن "العقلنة التفسيرية" التي تملكها ثقافة العنف كما يسميها أو ثقافة الإسلام، كما يقصد في حقيقة الأمر.
    إنه يصم هذه الثقافة وأصحابها بعدم العقلانية، ولكنه هنا يثبتها لهم حتى لو كانت في اتجاه مضاد له مما يعني أن الرجل ليس على موقف عقلاني راسخ، بل موقف عاطفي تعصبي لا يطيق وجوداً للثقافة الإسلامية.
    إن جابر عصفور يرفض المرجعيّة الدينية أي المرجعية الإسلامية، وهذه رؤية غربية أو رؤية كنسية تحديداً، تختلف بالضرورة اختلافاً كاملاً مع الرؤية الإسلامية التي ترى أن الإسلام يحكم المسلم في كل شيء.
    لقد وضَّح الإسلام في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أحكاماً أساسية وفرعية في العبادات والمعاملات والسلوك والقيم والعلاقات بين المسلمين وغيرهم، وبين الدول الإسلامية والدول الأخرى، وهذه هي المرجعية الإسلامية "لا الدينية كما يسميها جابر عصفور"، ولا أعتقد أن مسلماً مؤمناً بالإسلام حقاً يمكن أن يقبل بالتنازل عن الإيمان بالجانب التطبيقي من الإسلام مكتفياً بالجانب الروحاني، لأن هذا إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه الآخر.. ويبدو لي أن جابر عصفور يعيد إنتاج مقولة علي عبدالرازق في كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، وإذا كان الرجل قد تراجع في كهولته عن هذه المقولة، فإننا نسأل الله أن يتراجع جابر عصفور عنها هو الآخر، وأن يكون من جنود الإسلام الذين ينصرونه وينافحون عنه، كما تمنيت في بداية حديثي حول كتابه.
    إن التأويل الذي يتحدث عنه عصفور، ليس صحيحاً، فالأمة لا تقبل إلا ما يتفق مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليست هناك قداسة لأحد أو عصمة لمخلوق في الإسلام، فالقداسة لله وحده، والعصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وما عداه يؤخذ منه ويُردّ عليه، وقد تحدث القرآن الكريم عن قضية التأويل بوضوح وحسم:
    هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) (آل عمران).
    إن الدولة في مصر والبلاد العربية والإسلامية لن تكون إلا دولة إسلامية (وليس دينية!)، مرجعيتها الإسلام شئنا أم أبينا، لأن جماهير الأمة ليست على استعداد لمفارقة الإسلام واللهاث وراء الغرب الصليبي، ولو أراد بعض حكامها.. بل إن الغرب الصليبي يعد الدول العربية والإسلامية جميعاً "دولاً أصولية" أي إسلامية، حتى تلك التي تستأصل الإسلام وتحاربه في إعلامها وبوساطة "مثقفيها المستنيرين".
    والدولة الإسلامية هي الدولة المدنية الوحيدة في العالم ، لا شأن لنا بما هو واقع؛ لأنها نقيض الدولة الدينية (الكنسية واليهودية)، وهي الدولة الوحيدة التي تجعل من تمام الإيمان، بل من أسسه رفض العنصرية والظلم والغدر، وتقيم بنيانها على التسامح والعفو والتعاون والحرية والشورى.. وليت جابر عصفور يتخلى عن الرؤية الغربية للإسلام، ويحاول قراءته بعقلانية وحياديّة، بعيداً عن صخب التعصب التنويري، والتعصب السياسي، ورغبة الاستئصال لجذور الإسلام.. ولاشك أنه سيجد ثراءً عقلياً وحضارياً باهراً يفوق ما لدى الغرب والشرق جميعاً.
    وأكتفي بهذه السطور متمنياً لصديقي اللدود الخير والعافية والسلامة من كل شر.

  5. #35
    جابر عصفور.. والطاهر وطار

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    ................................

    "الطاهر وطار" كاتب جزائري يساري, كتب إلى وزير الثقافة المصري ينتقد مؤتمر المثقفين الذي انعقد أول يوليو الحالي, ولكن هذا الانتقاد لم يعجب صديقي اللدود "جابر عصفور" وزير الثقافة التنفيذي (أمين المجلس الأعلى للثقافة), وأرجع صديقي اللدود موقف "الطاهر وطار" إلى تحالفه مع الجماعات الإسلامية الجزائرية!! المؤتمر حضره قرابة مئتي كاتب ومفكر معظمهم من الشيوعيين القدامى وبعض الليبراليين, واثنين من المحسوبين علي التيار الإسلامي، أحدهما وزير سابق, والآخر أستاذ قانون.
    المفارقة أن "جابر عصفور" كتب قبل أيام في "الأهرام" يشيد برواية "الزلزال" لـ "الطاهر وطار"؛ لأنها تتعمق في شخصية الإرهابي.. أي المتدين المسلم! وعدّه رائداً في هذا السياق.. بالطبع فإن مؤلف "الزلزال" لم يتعاطف مع "الإرهابي" وقدمه في صورة بشعة دون أن يقدم المقابل غير الإرهابي من المتديّنين الصالحين!

  6. #36
    التوحش الأمنى .. إلى أين ؟

    بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
    ................................

    هل سياسة العنف التى يتبعها البوليس المصرى تأتى فى سياق ظاهرة عابرة أو مؤقتة .. أم تمثل استراتيجية ثابتة ودائمة ؟ دعونا أولاً نقرأ هذه القصة بما فيها من مفارقات تضىء لنا الإجابة على هذا السؤال ..
    شيخ الخفر حمدان قريبى ، وكتبت عنه من قبل ، وهو يتصور أنه يحكم القرية التى ننتمى إليها ونعيش فيها ، ويرى أن من واجبه أن يتمم على كل شبر فيها ، ويعلم كل خبر عن أهلها ، ويسرع بإبلاغ ما يعرفه إلى العمدة ، وإن لم يجده فإنه يتصل بالمركز ، ولكى يثبت أهميته وجديته وولاءه ، فإنه عادة يلجأ إلى التهويل الذى يثير الهلع فى القلوب والنفوس ، ويستفز السكون ، ويحرك الكسل والخمول !
    كان هناك شيخ طيب ، وإمام مشهور فى مدينة المحلة الكبرى يأتى سنويا ليزور مدينة دسوق حيث مقام الولى الشهير " إبراهيم الدسوقى " ؛ فيصلى الظهر أو العصر ثم ينتقل إلى قريتنا حيث مقام والده " عبدالعزيز أبى المجد " ، فيؤدى الفريضة التالية ، ويبذل الصدقات على الفقراء والمحتاجين هنا وهناك ، كان يصحبه فى زوراته التى بدأت منذ ثلاثة عقود أو أكثر بعض محبيه من كبار تجار المحلة وغيرهم فى سيارات فاخرة ، ويفعلون مثلما يفعل ، ويوجههم أحياناً لاستكمال مشروع خيري فى هذا المسجد أو ذاك .
    فى آخر زورة للشيخ الطيب قبل عشرة أعوام تقريباً بدا له أن يحمل كيسا يُشبه " الجوال " مليئاً بأوراق المصاحف المتهرئة ؛ والكتب المستهلكة التى عدا عليها الزمان ، ورأى أن أنسب مكان للتخلص منها حتى لا يدوس عليها أحد أو ينال من قدسيتها أحد ، هو نهر النيل الذى يفصل بين دسوق وقريتنا ، وبوساطة مركب صيد صغير قذف الجوال وسط النهر . كان الوقت عصراً ، ورأى الناس ما فعله الشيخ الطيب الذي عاد لينتظر الصلاة .. ولكن شيخ الخفر حمدان علم بالأمر ، ويا ويل الشيخ ومن معه ، من حمدان الذى كان متأثراً بأحداث العنف بين السلطة والجماعات آنئذ .. فقد جرى حمدان واتجه إلى رؤسائه ، وأبلغ أن الإرهابيين كانوا يرمون سلاحاً فى ماء النيل وأنه تم القبض عليهم واحتجازهم بمركز شباب القرية !
    قامت الدنيا ولم تقعد ، وبسرعة البرق كانت لوريات الأمن المركزى وسيارات الشرطة والأجهزة الأمنية والإدارية ،تسد عين الشمس؛ وانقلبت الدنيا فى قريتنا الوادعة .. وتم استدعاء الضفادع البشرية ، وامتلأ نهر النيل باللنشات التى تحمل خفر السواحل ، وجرى مسح لقاع النهر ، لم يُسفر عن شىء !!
    كان الشيخ ومن معه قد تعرضوا لاستجوابات ومساءلات ، وما أدراك ما الاستجوابات والمساءلات التى ظلت حتى اقترب منتصف الليل ، وبعد اتصالات ومكالمات بين من يعرفون الشيخ من المسئولين وكبار رجال الأمن فى الغربية ، ونظرائهم فى البحيرة ، تم الإفراج عن الشيخ الطيب – رحمه الله – وصحبه ، وانسحبت الضفادع البشرية ولنشات السواحل ولوريات الأمن المركزى ، وسيارات الشرطة ورجال الأمن والإدارة !
    شيخ الخفر حمدان ، يُقال إنه تلقى مكافأة على ما فعله ، لأنه دلل على يقظته وإخلاصه ووفائه للجهاز الأمنى .. ولم يسأل أحد نفسه ، هل هذه العقلية الأمنية تصلح لحماية البلاد والعباد ، وهى العقلية السائدة الثابتة منذ الاحتلال الإنجليزى حتى اليوم؟ !
    بالتأكيد ، لم يسأل أحد ، ولن يسأل أحد ، لأنه منطق القوة ، وليس منطق العقل ، هو الذى يحكم حياتنا بصفة عامة ، وأجهزتنا الأمنية بصفة خاصة .
    ثارت ثائرة بعض الصحف التى يوالى نفر منها أجهزة الأمن ، لأن كميناً على ساحل البحر الأحمر ، احتجز مواطنا مع أسرته ، وعذبه ، وأذله ، وقهره ؛ وهدده بالاغتصاب ، وأرغمه على تقبيل أحذية الجنود !
    ومع أن الأمر عادى فى بلادنا المحتلة " احتلالاً وطنياً ! " ، فقد بدا الأمر لبعض الناس أن المسألة استثناء ، وأنها غريبة ، وأن السلطة يجب أن تتخذ موقفا مما جرى !
    الإنسان المصرى ، كما قلت وأقول وسأقول ، هو أرخص سلعة فى مصر، لا كرامة له ولا حرية لديه . هو عبد يفعل به المحتلون الوطنيون ما يشاءون وقتما يريدون بالطريقة التى يحبون .. دعك مما يقال عن الدستور وسيادة القانون ووجود القضاء ، فكل هذا لا يغنى عن المواطن شيئاً أمام سطوة الغزاة الوطنيين الذين يرون أن مصر هى أرض الميعاد للتنفيس عن كل عقد العالم النفسية فى مواطنيها أيا كانوا ، كبارا أو صغاراً ..
    ألم تسمع عن القضاة الذين تم ضربهم فى لجان الانتخابات التشريعية الأخيرة ، وشتمهم بأقذع الألفاظ ؟ ألم تر وتسمع عن سحل القاضى المستشار فى قلب المحروسة أمام جموع الخلق وعلى مرأى ومسمع من كاميرات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية ؟
    ثم دعك من كل هذا ، وتذكر أن سجون مصر ومعتقلاتها تضم عشرات الألوف من المصريين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والوحشية التى يعف عن ممارستها الحيوان المتوحش فى الغابة ؟ لقد سجل التاريخ المعاصر أبطالاً وأعلاماً فى التعذيب الوحشى من الجيش والشرطة على السواء ، وأظنك سمعت عن شمس بدران وصفوت الروبى وصلاح نصر وفؤاد علام وحسن أبوباشا وزكى بدر .. الإنسان المصرى لا قيمة فى دولة تسحقه وتدمره لتثبت أنها على صواب ، وأنها تملك العناد الذى يجعلها لا تتراجع عن خطأ أو منهج مهما كان الحق واضحا أبلج !
    شعبنا الطيب المسالم ، لا يحتاج إلى مليون ومائتى ألف جندى شرطة كى يحرسوه .. لا يحتاج إلى هذا العدد من السيارات المدرعة والمدافع الرشاشة والخوذات الحديدية ، ووضع الاستعداد الدائم ، والطوارئ المستمرة ..
    شعبنا الطيب المسالم يحتاج إلى العدل .. والعدل أمر سهل وبسيط لو أراد الغزاة الوطنيون والمستعمرون المحليون ..
    إن القبضة الحديدية أو التعذيب الوحشى لن يحل مشكلة سياسية أو جريمة جنائية ، بل إنه يُضاعف من المشكلات والجرائم ، فمن يدخل السجن مرة ، أو من يُعذب مرة ، لن يخشى السجن أو يخاف التعذيب مرة أخرى . والأمثلة أوضح من أن تذكر .
    إن التعذيب خلق العنف ، وضاعف الجريمة ، وأتاح للإرهابيين والمجرمين أن يتكاثروا وأن ينتقموا وأن يُحوّلوا البلاد إلى بيئة للخراب لم تعرفها على مدى تاريخها .
    إن احترام كرامة الإنسان المصرى كفيل وحده بتحقيق الأمن والأمان ، أما الاعتماد على القبضة الحديدية والتعذيب الوحشى ، فهو طريق الندامة ، للوطن كله ، بما فيه الغزاة الوطنيون والمستعمرون المحليون .
    إن صراخ المواطنين فى أقسام الشرطة لن يحقق هيبة الدولة ولن يُرسى دعائم الأمن ، وإلقاء المواطنين موتى إلى الشارع بعد تعذيبهم فى بيوتهم لا يعنى أن السلطة قوية ظافرة ، وتلفيق التهم والقضايا للأبرياء لن يخلى مسئولية الغزاة الوطنيين والمستعمرين المحليين ، وعشرات المآسى اليومية التى تتحدث عنها الصحف نتيجة للإهانة والإذلال على يد من يحرسون القانون وينفذونه ، لن تجدى فى بناء دولة آمنة مطمئنة !
    يظن بعض الطغاة أن الزمان كفيل بالتغطية على جرائمهم .. ولكن هيهات ! هل يمكن أن يفلت قاتل " كمال السنانيرى " مثلاً ؟ إنه لن يفلت من الله ولو أفلت من خلق الله .
    وأخشى أن يتحول المظلومون الذين يُلاقون التعذيب والإهانة ، إلى وحوش ضارية لا تنتظر كلمة القانون بقدر ما تنتظر اللحظة المناسبة للثأر الشخصي والانتقام بأيديهم .. ويا ويل مصر .. إذا يئس المظلوم من تحقيق العدالة ، ورأى المجرم يمشى فى الأرض مرحاً ، وتدافع عنه أو تلمعه أبواق مأجورة ، وصحف منافقة ، ودعاية كاذبة ، ووطن صامت !
    ........................................
    *المصريون ـ في 12/6/2006م.


    </i>

  7. #37
    معاً .. ضد التوحش الأمنى

    بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
    ...................................

    من المؤكد أن التوحش الأمنى يقود البلاد إلى العنف والفوضى ، ولو تسلح بأبواق الزور ، والأقلام المأجورة ، وبلطجية الفكر والثقافة والإعلام ، وتحويل الموضوع إلى ما يُسمى مواجهة الظلامية والأصولية والرجعية ، فهذا التحويل يدخل فى صلب عملية التوحش الجاهل الأعمى الحقود .
    وتعذيب المواطن الذى لا حول له ولا شأن داخل السجون والمعتقلات ، أو قهره وإذلاله فى الكمائن والأقسام والمراكز والمديريات ومقار الأجهزة المرعبة ، أمر يمنع التقدم والتحضر والديمقراطية ، فضلاً عن الحرية والكرامة والإنسانية ، ويؤكد على إجرام السلطة وعدوانيتها ووقوفها ضد مواطنيها وشعبها .
    وإذا استمرت " ثقافة الخوف " تحكم جموع الشعب ، فستظل السلطة فى توحشها وهمجيتها ، مالم يقدم الناس تضحيات حقيقية فى مكانها . وأهل بلادى يملكون القدرة على العمل المنظم الجاد الذى يقضى على هذه الوحشية والهمجية إلى الأبد ، ويصنع مجتمعاً يملك أهله الكرامة والحرية والآدمية وسوف أوجز بعض النقاط التى أراها ضرورية فى السطور التالية :
    أولاً : ضرورة إشراف وزارة العدل من خلال القضاء والنيابة العامة على السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز فى الأقسام والنقاط والمراكز والمديريات ومقار أمن الدولة ، وأن تخضع للتفتيش الدائم المستمر ليلاً ونهاراً ، حتى لا يموت مواطن من التعذيب أو يقتله زملاؤه فى الحجز ، أو يقضى نحبه نتيجة الإهمال فى علاجه أو إسعافه .
    يُحكى أن الجلاد زكى بدر صاحب المقولة الشهيرة " الضرب فى سويداء القلب ! " التى أسست لعهد من الدم والدموع والآلام ، لم تنمح آثاره بعد ، كان - وهو لما يزل ملازماً تحت الاختبار فى إحدى قرى الفؤادية ( الغربية حالياً ) - رئيساً لنقطة الشرطة فيها ، وكان هناك – على عادة هذا الزمان – عصابات سرقة المواشى ، وكان لإحدى هذه العصابات زعيم شرس ، لم تتمكن منه السلطات ، وإذا بزكى بدر يقبض عليه ، وفى ليلة لم يطلع فيها قمر ، يربطه فى خيل السوارى ويسحله بوساطة جنوده ، حتى يقضى الشقى نحبه فى اسوأ ميتة ، لا يقرها القانون ولا الدين ولا الفطرة .. مهما كانت أفعال الشقى وجرائمه !
    ثانياً : ويترتب على أولاً ، لا بد من اختيار وزير الداخلية بموافقة مجلس الشعب ، بعد عرض ملفّه وتاريخه ومهاراته وقدراته على الأعضاء ، وأن يناقش المجلس سيرته الذاتية وسلوكه الشخصى ونسبه العائلى .. فابن الناس ، لا بد أن يكون مع القانون ومع الحق ومع الوطن مهما كانت المرهّبات والمرغّبات .
    ويُحكى أن وزيراً رجلاً وابن ناس اسمه " أحمد رشدى " ، تولى الوزارة ، فأفرغ الحالة الأمنية من الاحتقان ، وكان متواضعاً وبسيطاً ، وحارب تجار المخدرات وقد رأيته ذات يوم ينزل من سيارته فى أحد شوارع وسط البلد ، ويُتابع حركة المرور دون ضجيج أو عجيج .. وللمفارقة ، فإن من خلفه كان يسخر منه لأنه يهتم بالمرور وغير المرور ..
    بيد أن التاريخ أنصف الرجل " ابن الناس " الذى ترشح لانتخابات مجلس الشعب فى إحدى دوائر المنوفية ، فأغدق عليه الناس حُباً كبيرا ، وفاز بأغلبية ساحقة لم تصنعها الحكومة ، وظل محاطاً بالاحترام والتقدير حتى يوم الناس هذا !
    ثالثاً : إن دور الصحافة الحرة – وليس صحافة لا ظوغلى – مهم للغاية فى كشف الانحرافات والتوحش الأمنى . وليس معنى وجود رجال أمن من أبناء الناس ، أن تصمت الصحافة الحرة عن كشف المنحرفين وملاحقتهم .. لم يقل أحد إن رجال الشرطة كلهم مجرمون ، ولم يقل أحد إن الشرطة يجب أن تذهب إلى الجحيم .. ولكن الناس يطالبون بمعاقبة المنحرفين الشواذ ، وإنزال أقسى العقاب بهم ، وعدم تمكينهم أصلاً من ممارسة ساديتهم فى التعذيب والإذلال .
    نحن نعرف رجالاً شرفاء بكل معنى الكلمة ، ويقدرون على معالجة الأمور بحصافة وذكاء من أجل الوطن وليس من أجل من يحكمونه ، وهم معدودون بقدرعدد الشرفاء فى البلاد ، ولكن المشكلة فى أولئك الذين نبتوا بلا جذور ، وتمكنت منهم أمراض الشذوذ والسادية فراحوا يعذّبون بوحشية ، ويؤذون بهمجية ، ويغتالون كرامة البشر فى جوف الليل ووضح النهار ، دون وازع من خلق أو دافع من رحمة ! وهؤلاء لا بد أن تتعقبهم الأقلام الحرة بلا هوادة ولا تراخ .
    رابعاً : إن كفاءة الأمن لا تكمن فى كثرة الأعداد وحداثة المعدات ، بقدر ما تكمن فى فرد الأمن الكفء الذى يملك القدرة على التعامل الذكى والحازم مع المشكلات ، وهو التعامل الذى يحلّها قبل أن تتفاقم أو تتعقد ، وهو أيضاً التعامل الذى يمنع وقوع الجريمة قبل حدوثها بوعى ودون إفراط أو تفريط ..
    ليس من المقبول شكلاً أو موضوعا الاعتماد على مخبر شبه أمّى ، تُحرّكه ورقة نقود تقوده إيجابياً ، وتًمنع عنه فيتحرك سلبياً ! تحكمه نوازعه الشخصية ، أو رغبته فى إثبات الولاء لرؤسائه فيكتب تقريرا ضد هذا أو مع ذاك . وكذلك الحال في الضباط الذين يتوقون إلى إثبات وجودهم على حساب الأبرياء والضعفاء . وما بالك بضابط يكتب تقريراً ليعتقل الشخص السياسي الذى قضى عقوبته مرة ثانية من أجل ترقية أو علاوة ؟
    نحن نريد فرد أمن يملك الثقافة والخبرة والتدريب والقدرة .. وآن الأوان أن ينشأ جيل جديد من رجال الأمن يملكون شهادات الحقوق أولاً ، وتتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة ثانية ، ولا عيب أن يكونوا برتبة عريف أو رقيب أو رقيب أول ، وتكون لهم الصلاحيات التى تحل مشكلات المواطنين وقضاياهم بدلاً من اكتظاظ المحاكم بقضايا تافهة وهامشية .. ولنتعلم من إنجلترا وفرنسا وألمانيا .. من حيث تكوين رجل الأمن ، وليس بما يملكه من سلاح وأجهزة تجسس وتنصت على عباد الله الأبرياء !
    والسؤال الآن : كيف تتحقق هذه الأمانى ؟
    لا ألقى كلامى فى الهواء أو البحر . بل أطرحه وأعلم أنه ممكن التنفيذ حين تتحد الإرادة الشعبية العامة من خلال النخب والنقابات والمؤسسات ورجال الفكر والثقافة والصحافة وأساتذة الجامعات وأعضاء مجلس الشعب والشورى ؛ الذين يملكون الضمير والخلق ، وبعضهم ذاق عذاب السجن والاعتقال ، وتعرض للمهانة والإذلال ، فعرف حقيقة النظام البوليسى الفاشى الذى لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بالقانون ولا يردعه خلق ، وخاصة فى مجال الأمن السياسى أو أمن النظام .
    هناك أكثر من مائة عضو فى مجلس الشعب يمكنهم أن يتبنوا قوانين الإشراف القضائى والتفتيش على السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز ، ويمكنهم أن يتبنوا عملية اختيار وزير الداخلية ، ويمكنهم أن يؤسسوا لمنهج فى إعداد رجل الأمن الكفء المقتدر الذى يملك الأخلاق والسلوك السوىّ .
    أما الصحافة ومؤسسات المجتمع الثقافية والاجتماعية والحزبية فيمكنها أن تتولى الجانب الدعائى الذى يعالج القصور والسلبيات والانتهاكات والإجرام .
    وهناك فرصة لمن لديه إضافة أو تعليق لطرح التصورات المختلفة،من أجل الوقوف ضد التوحش الأمنى .
    ..............................
    *المصريون ـ في 21/9/2006م.

  8. #38
    الست فلّة .. والست تونس !

    بقلم: أ. د. حلمى محمد القاعود
    ..............................

    قبل فترة ذهب إلى تونس نفر من الصحفيين والكتاب المصريين الذين يخدمون نظامنا البوليسى الفاشى ، أو يرضى عنهم على الأقل ، وراحوا يبشروننا بالتطور الذى حدث فى البلد الشقيق ، والتقدم الذى أنجزه فى كافة المجالات ، ولم ينسوا بالطبع أن يحدثونا عن " الكسكسى " والأكلات الشعبية التونسية ، وأشاد بعضهم بالإنجاز الهائل الذى حققته " تونس الخضراء " فى مجال التحديث ، وكان مظهره أنه لا توجد فتاة محجبة فى كلية الآداب التونسية التى زاروها !
    وذراً للرماد فى العيون أشار بعضهم إلى ما يُسمّى ببعض السلبيات القليلة التى تجعل من تأثير الإيجابيات ( ! ) موضع تساؤل !
    كتاب السلطة المصريون الذين ذهبوا إلى تونس يعلمون جيداً أن النظام الحاكم هناك بوليسى فاشى ، يقوده دكتاتور ، ولاؤه لفرنسا والغرب واليهود ، وهو لا يخافت بذلك بل يعلنه فى كل وقت وحين ، وكان وزيراً لداخلية سيّده الراحل " بورقيبة " ، وجلاداً له ، ثم انقلب عليه وعزله وعيّن نفسه ديكتاتوراً بديلاً له يحكم بالحديد والنار ، وصنع نظاما ديكورياً ، يعتمد على مجموعة من الأحزاب الكارتونية التى تشبه أحزاب مصر الرسمية ، وفى الوقت نفسه راح يستأصل الإسلام ، ويغتال الإسلاميين ويعتقلهم ويعذبهم بلا رحمة ، ضارباً عرض الحائط بالأخلاق والقيم والقوانيين المحلية والدولية ، وضم إلى الإسلاميين مجموعات أخرى من المستقلين والشيوعيين ، ولم تكن النساء بمعزل عن ذلك .. فقد " شرّفن " السجون التونسية ومعتقلاتها ، وفى الوقت نفسه ، فقد اختار عالم سلطة وفقيه شرطة جعله وزيراً للأوقاف – مثلما يفعل نظراؤه فى دول أخرى ، وراح هذا الوزير يُفتى بأن الحجاب ليس من الإسلام ، وأنه زى طائفى !! أى إن تونس المسلمة ( 99% من سكانها مسلمون ) يمثلون " طائفة " ، أى أقلية ، ينبغى عليها أن تتجنب الزى الطائفى وتمتنع عنه حتى تكون مستنيرة متسامحة ، لأن الحجاب رمز للتخلف والظلام والأصولية والتطرف والإرهاب ، بمفاهيم سيد البيت الأبيض وخدامه فى المنطقة العربية أو الشرق الأوسط الكبير كما يسمونه !
    ولأن النظام البوليسى الفاشى فى تونس يكره الإسلام والمسلمين فقد حرّم الحجاب على الطالبات فى المدارس والجامعات ، والموظفات فى الهيئات والمؤسّسات ، ومن ترتدى الحجاب من هؤلاء أو أولاء ، فإنها تُعامل معاملة عنصرية تضعها فى طبقة أدنى ، ويمكن أن تتعرض لمتاعب لا حد لها . ولم يقتصر الأمر على التونسيات المقهورات المقموعات بقوانين الوحشية البوليسية الفاشية ، فقد امتد القهر والقمع إلى دمية تُباع فى الأسواق على شكل فتاة محجبة تلهو بها البنات اسمها " فُلّة " لذا تفرغ لها النظام البوليسى الفاشى ، وترك القضايا المهمة كافة سواء على المستوى الداخلى أو المستوى الخارجى ، وراح يطارد فُلّة فى المكتبات والمحلات والأسواق ، حتى الحقائب المدرسية المرسوم عليها " فلة " أخذ يُصادرها ، ويشغل قواته البوليسية فى عملية من أغرب العمليات السياسية التى يشهدها زماننا العرب المهزوم .. دولة بكامل أجهزتها تتفرغ لملاحقة " دُمية " حتى لا يُقال إن نظامها يتعاطف مع الإرهاب !
    قبل فترة نشرت بعض المواقع الإليكترونية أن النظام البوليسى الفاشى فى تونس الخضراء يفكر فى مشروع يضمن بمقتضاه السيطرة التامة على " المساجد " – أى والله المساجد ! – ويتلخص هذا المشروع فى تخصيص بطاقات ممغنطة يحملها المتردّدون على المساجد ، وكل بطاقة تتعرف على بوابة المسجد المخصص لصاحبها فى الحىّ الذى يسكنه ، فلا يستطيع مسلم تونسى فى صفاقس مثلاً وأدركته الصلاة فى العاصمة أن يدخل أيا من مساجدها ، لأن البطاقة الممغنطة لن تقبل فى بوابة أى مسجد يُريد دخوله ! وكان الهدف كما قال المشروع هو التعرف على المصلين حتى لا يكون بينهم " إرهابى " أو " متطرف " يأتى من هنا أو هناك !
    وحين اتسع نطاق النشر عن هذا المشروع التافه الحقير الذى يدل على خسّة أصحابه وتفاهتهم وحقارتهم ، انطلقت ألسنة النظام وأبواقه الكاذبة والمنافقة تنفى وتنفى ..!
    وكأنهم يظنوننا بلا عقول ولا منطق .. ويظنون أن هناك أجهزة متفرغة للتأليف والنشر تقدم للناس مثل هذه القضايا والحكايات .. لقد وجد النظام التونسى البوليسى الفاشى ، أن مشروعه سيضعه فى وضع حرج غير مسبوق على المستوى السياسى والمستوى الإسلامى ، فتراجع صاغراً ذليلاً أمام غضب الرأى العام الإسلامى ، وأعلن أن المشروع ليس له أى أساس من الصحة .. وهدأ الناس لهذا الإعلان !
    بيد أن النظام الذى اختار إعلان الولاء للعدو النازى اليهودى فى فلسطين المحتلة ، والارتماء على أقدام الشيطان الأمريكى ، فضلاً عن الاستسلام الكامل لفرنسا التى مازالت تقوم بدورها فى فرنسة تونس فكراً وثقافة وإعلاماً وسياسة ، وتتستر على كبار اللصوص من المقربين إلى النظام ، أقول إن هذا النظام لم يحقق إنجازات تُذكر إلا فى إحكام قبضته على الشعب الشقيق ، والعمل على استئصال الإسلام من صدور بنيه ، بعد أن استأصله من الجامعات والمدارس والجامعة الإسلامية العريقة " جامعة الزيتونة " التى ظلت قروناً تحمل شرف دراسة العلوم الشرعية الإسلامية من جيل إلى جيل ، وقد سخرت لهذه المهمة الآثمة والشريرة شيوعيا معروفا ، تامرك فيما بعد ، اسمه " العفيف الأخضر " الذى كان من أولى مهامه عندما تولى وزارة التعليم العالى ، أن يقضى على الشريعة وعلومها فى جامعة الزيتونة العريقة وبقية جامعات تونس ، إرضاء لسادته الصليبيين المستعمرين واليهود النازيين الغزاة !
    تونس السلطة البوليسية الفاشية ، تبذل كل جهودها ليرضى عنها سادتها الصليبيون واليهود ، فتعمل على مطاردة الإسلام والمسلمين ، وقد امتلأت سجونها ومعتقلاتها بالمظلومين ، وفى المهاجر الأوروبية والأميركية عشرات بل ألوف التونسيين المنفيين أو الهاربين من قبضة النظام الحديدية ، التى لا تعرف الله ولا تعرف الرحمة .. وقد امتدت يدها لتصل إلى الست " فلّة " .. بعد أن هيمنت على الست " تونس " !وبقي سؤال عن جمعيات المرأة عندنا المشغولة ليل نهار بتحرير المرأة كما تدعي : أين هذه الجمعيات من اضطهاد المرأة المسلمة في تونس ؟ أم إن الإسلام ممنوع من الاهتمام عند هذه الجمعيات ؟
    ...........................................
    *المصريون ـ في 10/10/2006م.

  9. #39
    النخاسون الجدد !!

    بقلم: أ.د. حلمي القاعود
    ...........................

    أعلنت إحدى القنوات الفضائية عن مسابقة لملكة جمال مصر (مس إيجيبت)، وربطت هذه المسابقة بمساعدة الأيتام!
    واضح أن هذه المسابقة لا تبغي مساعدة الأيتام في حقيقة الأمر؛ لأن مساعدتهم لا تقتضي هذا السلوك المشين الذي يحوّل الفتاة المسلمة إلى مجرد سلعة تُعرض أمام المستهلكين ليحكموا بجودتها أو رداءتها؛ فمساعدة الأيتام تقتضي مالاً طاهرًا نقيًّا، ونية حسنة خالصة لوجه الله يشعر أصحابها بواجبهم الشرعي والاجتماعي تجاه من حُرموا الآباء والأمهات؛ فيتقدمون عن رضا وطيب خاطر للبذل والعمل لرعاية هؤلاء المحرومين والعطف عليهم حتى يبلغوا مبلغ الرجال والنساء الذين يخوضون معترك الحياة.
    مسابقة ملكة الجمال مشروع تجاري رخيص بعيد عن الأخلاق والحياء والآداب العامة، ويتنافى مع الشرائع السماوية التي تحفظ كرامة الإنسان عامة، والمرأة خاصة، وما عرف المسلمون قبلاً هذا التلوث الخُلقي الذي ابتلينا به على يد القنوات الفضائية والأرضية، ورأيناه يحوّل المرأة العربية المسلمة إلى مجرد جسد عار تنهشه الأنظار والأبصار، ويهيئه بعد ذلك لمهمات غير خلقية وغير إنسانية بالمرة.
    ولا أدري كيف يستبيح هؤلاء التجار الذين يقيمون مسابقات ملكات الجمال لأنفسهم أن يعيدوا المرأة العربية المسلمة إلى قرون الظلام الأوروبية التي كانت تباع فيها المرأة وتُشترى، أو على أحسن الفروض لا تملك من أمرها شيئًا.
    إن ربط قيمة المرأة بجمال الجسد هو عدوان على المرأة بصفة عامة، والمرأة غير الجميلة بصفة خاصة، واختزال لمعنى النسوية في صورة الأنثى التي يجب أن تكون مجرد غانية أو جارية ترضي الرجل وتشبع رغباته وتطلعاته؛ أما المرأة الإنسان.. المرأة العقل.. المرأة العطاء؛ فهذه مسألة بعيدة عن أذهان تجار الأجساد العارية في القنوات الفضائية وغيرها.
    بمقاييس هؤلاء التجار؛ الفلاحة المصرية التي تبذل جهدًا مضاعفًا في الحقل والبيت وتربية الأبناء تبدو امرأة لا قيمة لها بجوار الجثة التي تقدمها القنوات التلفزيونية بوصفها ملكة جمال مصر المحروسة.
    في حين أن الفلاحة المصرية هي ملكة جمال، وعقل، وتاريخ مصر على امتداد مسيرتها الزمنية الطويلة.
    المفارقة أن الجمعيات والمجالس والمؤتمرات والروابط والمؤسسات التي تملأ بلادنا العربية وتتحدث صباح مساء عن حرية المرأة، وكرامة المرأة، ومستقبل المرأة لا تستنكر بيع المرأة في سوق النخاسين الذي يسمى مسابقة ملكة جمال مصر.
    النخاسون الذين يطعنون المرأة العربية في شرفها وعفتها، وكرامتها يلقون ترحيبًا من جماعات تحرير المرأة؛ لأن التحرير في نظرهم أن تتعرى المرأة، وتتحول إلى جسد للعرض ثم البيع؛ فلا يصدرون كلمة واحدة دفاعًا عن المرأة ولا حقها في الحياة الحقيقية الحرة!
    وتأتي هذه المسابقات الماجنة في وقت تتعرض فيه المرأة العراقية لأبشع أنواع العنف، والوحشية، والهمجية، والاغتصاب من قبل جيش الولايات المتحدة الاستعماري (في الأسبوع الأول من المواجهات بين شعب الفلوجة والهمجية الاستعماري الأمريكية قُتلت مائتا امرأة برفقتهن ستون طفلاً).. هذا في الوقت الذي تبتهج فيه القنوات العربية لتعلن عن مسابقة ملكة جمال مصر أو (مس إيجيبت) بينما (مس إيراك) تُقتل، وتُغتصب، وتشرد في صحارى الفلوجة، ولا نجد شيئًا من الحياء أو مراعاة الحال ومشاعر الأشقاء.
    كان دم الشهيد (عبد العزيز الرنتيسي) ينزف ويموت وتشيعه الجماهير الفلسطينية، وتتظاهر من أجله الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، والقنوات العربية تتحفنا بالجديد من ألبومات "البورنو كليب".. حيث تتلوى جثث الفتيات العاريات على مدار اليوم والليلة، ولا تستحيي هذه القنوات ولا تخجل مما تمارسه من فحش وبذاءة واستهانة بمشاعر الملايين.
    لا ريب أن العيب فينا نحن الذين تركنا بناتنا للمشاركة في سوق الجواري الجديد.. حيث غاب الأب والأم والمجتمع عن توجيه البنات والأبناء وغابت المدرسة عن التربية والتعليم جميعًا، وتفرغت لمحاربة ما يُسمى التطرف، والفتنة الطائفية، وحضر الإعلام ليدشن بطولات العوالم والغوازي، والطبالين والزمارين، والمشخصاتية، ولاعبي كرة القدم بوصفهم أبطال الأمة وفرسانها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


    </i>

  10. #40
    وحشية الأمن.. وثقافة الخوف!!

    بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
    .................................

    تساءلتُ في مقالٍ سابقٍ عن التوحشِ الأمني الذي تجاوز السجونَ إلى المجتمع.. إلى أين؟ ولا شك أنَّ هذا التوحش إستراتيجية ثابتة ومستمرة في النظامِ البوليسي الفاشي، وقد بدأ مع أواخر عهد السادات، حين تسلَّم هذه الإستراتيجية من النظامِ العسكري الذي بدأ في يوليه 1952م، الذي تسلمها بدوره من "كونستابلات" الإنجليز؛ الذين كانوا يرون الإنسان المصري، مجرد عبد ملعون، لا يُجدي معه غير السوط، والدعس بالأقدام، ثم إلقائه في أقرب حفرةٍ حين يكون جيفةً أو جثةً هامدةً تخلفت عن الجلدِ والتعذيب! وإن كان هؤلاء في وحشيتهم أكثر رحمةً من وحشيةِ الإنجليز السمر، الذين هم أبناء جلدتنا، وتجري فيهم دماؤنا!
    وهناك رأي وجيه يُشير إلى ما يُسمَّى بثقافةِ الخوف نبهني إليه الأستاذ حسين راشد، وهي الثقافة التي تربَّى عليها الشعبُ المصري منذ الفراعنةِ الذين حكموا البلدَ بالحديدِ والنار، انطلاقًا من كون الفرعون "ربكم الأعلى" الذي "لا يُسأل عمَّا يفعل"، والذي يدين له البشر والحجر بالولاءِ والطاعةِ العمياء، حتى لو تحوَّل إلى جلادٍ كبير، ولصٍّ أكبر، وخائن أعظم.. وهذه الثقافة تُشجِّع الجلادين الوطنيين على الاستمرارِ في وحشيتهم وهمجيتهم دون خوفٍ من المساءلةِ أو العقابِ.
    ولا ريبَ أن ثقافةَ الخوف ترسبت عبرَ آلاف السنين؛ فمن يغضب عليه الفرعون، يغضب عليه الكهنة والجلادون والخدامون والشماشرجية ومَن يُقبِّلون الأعتاب، مما يعني أن الخوف يهبط إلى القلوبِ والنفوس، ويسكنها ولا يبرحها مهما كان صاحبها يملك الحقَّ والصواب والصدق، والفرعون وأشباهه في الرتب الأدنى لا يكتفون بالغضب؛ ولكنهم يُنزلون بالمغضوبِ عليهم أبشع أنواع العقاب؛ أهونها المحاربة في الرزق، وأهمها العقاب البدني الذي ينال من الكرامة والإنسانية والشعور، ويتمثل في الإذلالِ والتعذيب حتى الموت! ومن ثم نشأت ثقافة الخوف التي أنشأت أدبيات خاصة بها: "النفاق, الاستسلام، المشي بجوار الحائط، مَن يتزوج أمنًا نقول له يا عم، داريني يا حيطة، ابعد عن الشر وغني له، إذا لقيت البلد تعبد العجل حش وارم له، وأنا مالي...إلخ".
    الأمن في بلادنا قسمان: أمن النظام، وأمن الشعب. الأول هو الأهم، ترصد له الميزانيات، ويُؤتى له بالكفاءاتِ وفقًا لمفهوم الحكام، ويجند له الحراس من كلِّ حدب وصوب، الآخر هو الأهون، لأنه لا يعني الحكام، ولا يشغل بالهم.
    أمن النظام، يعني أن تستقر الكراسي، وأن يسود الهدوء، وأن يعم الصمت، يجب على الشعب وخاصةً النخب التي يعنيها أمره من مثقفين ومتعلمين ومهنيين وخبراء ونقابيين وعلماء وباحثين وناشطين، أن يكون في ذهنه دائمًا؛ فكرة البعد عن الحكم والحكام، اللهم إلا بمقدار الولاء والطاعة المطلقة والتصفيق في كل الأحوال، وإلا.. فمَن يخالف يعرف المصير الذي ينتظره!!
    لذا فالأمن الخاص بالنظام يعرف كل صغيرةٍ وكبيرةٍ عن المعارضين، أو مَن لا يعلنون الولاء.. كل منهم له ملف، واسمه على الكمبيوتر الشهير أمامه: مطلوب فورًا، أو مطلوب "لاحق".. وأجهزة الأمن تتابعه في بيته وعمله، ولدى أصحابه ومعارفه، ومَن يتعامل معهم، وتعرف ماذا يحمل بريده، وماذا يقول في هاتفه.. وعند اللزوم تأخذه إلى حيث لا ينفع مال ولا بنون، وتستبيح أن تفعل معه كل شيء في زنزانته أو خارجها، ولو أدَّى إلى موته تعذيبًا وقهرًا, ومَن يبقى على قيدِ الحياة فمصيره مجهول، مثل عشرات الآلاف الذين تغص بهم سجون المحروسة ومعتقلاتها من وادي النطرون ودمنهور إلى الوادي الجديد وطره!
    لو قلبت الصورة على الوجهِ الآخر لترى أمن الشعب، ستجد عجبًا.. السرقات، الاختلاسات، غسيل الأموال، احتكار الأقوات، المخدرات، الدعارة، البلطجة، القتل، على عينك يا تاجر، والجناة لا يعبأون بحكومةٍ أو سلطةٍ أو شرطة، مَن يطبق عليه القانون منهم؛ قلة قليلة سيئة الحظ، أما الأغلبية من المجرمين، فهم يخرجون مثل الشعرةِ من العجين.. الرشوة والوساطة والمحسوبية والقسمة، كفيلة بإخراج أعتى المجرمين من محبسه، وتوفير الحماية له، ومعاملته لو دخل السجن معاملة اللوردات.. السجين الجنائي لا يُعذب ولا يُهان ولا يُذل, كرامته محفوظة بمقدار سخائه وعلاقاته.. عكس السجين السياسي، أو صاحب الضمير!
    في برنامجٍ تُقدمه مذيعة متحررة، استضافت فيه مجموعة من "بنات الليل"- أي العاهرات- ليحكين تجاربهن وقصصهن، قالت العاهرات في مقتطفاتٍ من البرنامج الذي لم يُذع حتى كتابة هذه السطور: إنهن يمارسن الرذيلةَ في حماية البوليس، أي رجال الأمن!! والشهادة تُذاع يوميًا على أكثر من قناةٍ من خلال القمرِ المصري الذي تملكه الحكومة المصرية، واسمه "نايل سات"، أي بالعربي الفصيح "قمر النيل"، ومع ذلك لم تنفِ وزارة الداخلية ما قالته العاهرات، ولم تكذبه، ولم تقل إنه حالة استثنائية! حتى إذا قالت، فالناس يعلمون أن رجل الأمن الجنائي، وخاصةً الجندي مسكين وحاله لا تسر، ولديه قابلية لعمل أي شيء، نظير أي شيء، في المرور، في المحكمة، في النيابة، في القسم، في المركز، في النقطة، في الجوازات، في الموانئ، في المطارات، في السكة الحديد، في السجن، في الترحيل.. إلا ما يتعلق بسجناء الضمير ومعتقليهم.. أي المعارضين، الذين يتكفل بهم أمن النظام، فهم أشد خطرًا من اليهود الغزاة، والجواسيس الأجانب، فضلاً عن عتاةِ المجرمين الجنائيين!!
    في إحدى المحافظاتِ المجاورة للقاهرة جنَّد تجارُ المخدرات رئيس مكتب المخدرات ورجاله لحمايتهم حتى يشتروا ويبيعوا، دون خوفٍ أو ملاحقةٍ أو مساءلة، ونشرت صحف السلطة تفاصيل القضية.. أرأيتم أمن الشعب ورجاله؟!
    أمن النظام أكد ثقافة الخوف وزرعها- كما قلت- في القلوبِ والنفوس؛ لأنه يتعامل دون رحمةٍ مع الجميع متهمين وأبرياء، فالقاعدة لديه أن المصري متهم حتى تثبت براءته، وحتى ذلك الحين فكل شيء مباح: الكلاب البوليسية المتوحشة، الصعق بالكهرباء، نتف الشعر من الذقونِ والأماكن الحساسة، التعليق كالذبيحة، فضلاً عن الضربِ والسب والإهانة والإذلال (اقرأ على سبيل المثال رواية: رحلة إلى الله لنجيب الكيلاني- وقد وثَّق الشيوعيون المصريون ما جرى لهم من تعذيبٍ في كتبٍ عديدةٍ تكشف وحشية أمن النظام في عهوده المتعاقبة).
    ولكن هل يستسلم الناس لثقافةِ الخوف؟ كلا.. فمع قسوةِ الحياة وصعوبتها؛ غلاء وبطالة وزحامًا وانهيارًا في شتى جوانب المجتمع؛ فإن مقاومةَ الخوف والتعذيب ممكنة، إنَّ جمعيات حقوق الإنسان المحلية والعالمية، والنقابات المهنية والصحافة الحرة والإعلام النزيه والمبادرات الشخصية من المظلومين الذين انتهكت حقوقهم وكرامتهم، يمكن لهؤلاء وغيرهم أن يقاوموا وأن يفضحوا الجلادين المتوحشين، وأن يؤلبوا الرأي العام المحلي والدولي ضد المجرمين الطغاة، وأن يطاردوهم في كل مكان.. إن دماء الأبرياء الأطهار وكرامة المجاهدين الشرفاء يجب ألا تضيع هدرًا في ظل ثقافةِ الخوف.
    إنَّ هؤلاء الوحوش يصرخون عندما يقوم بعض الضحايا بالردِّ العنيف، ويتنادون على مكافحةِ الإرهاب وملاحقته، ويتناسون ما اقترفت أياديهم الملطخة بالدماء والجريمة، وهو ما ينبغي أن يذكرهم به الشعب كله في المحاكم وعلى موجاتِ الأثير وصفحات الصحف وشاشات التلفزة، وتسقط ثقافة الخوف.. من أجل حياة حرة كريمة وعادلة.


    </i>

صفحة 4 من 9 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الفنان أحمد حلمي مصاب بالسرطان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-13-2014, 07:05 AM
  2. كتاب 28 حرف /لـ أحمد حلمي
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-15-2013, 09:19 PM
  3. نرحب بالأستاذ/أحمد حلمي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-15-2012, 06:45 AM
  4. قراءة أ.د / حلمي القاعود ، في محموعة قصصية للشاعر الدكتور / عزت سراج
    بواسطة الدكتور/عزت سراج في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-05-2010, 04:12 PM
  5. الف مبروك أحمد حلمي...
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-12-2009, 12:14 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •