الخسران
... فأقبل قاصدا عابثا يجني ما يضره، وانبرى متعمدا متهورا يحصد بنهم شديد ما لا ينفعه، ثم ود ظالما لنفسه لو أن بينه وبين زمن استقامته أمدا بعيدا، وحسب الفوز الكبير في المكر والغدر والخديعة، وظن الربح الوفير في الظلم والعدوان ...
ضاق صدره بما تلقى سمعه من النصح الجميل، وصم أذنيه مطلقا عن سماع كلمة الحق، وأجرى على لسانه لفظ الباطل، فاستبشر خيرا بما دأب يمسي عليه ويصبح من سيرة، وحسب النجاة في ركوب أهوائه والمعاصي، وأن غيث الصواب لم يخطئ أرضه، فغدا يصرخ في وجههم كلما خاطبوه بلسان النهي: ذروني وشأني ...
ثم إن هذا العبد الضعيف يا سادة، اختار لنفسه بعد الإهتداء ظلمة الشقاء، ونأى بها عن نور السعادة، فصار وجهه مسودا واغتربت في حياته العبادة، واتخذ في يقظته من شنيع القول وقبيح الصنيع ألف عادة وعادة، وضروبا شتى من الأذى وزيادة، واقتفى أثر الخير بالشر عدوانا بلا هوادة، وتعلقت نفسه الأمارة بالسوء بكل ضلالة كتعلق الرأس في منامه بالوسادة ...
مكث وحيدا معزولا في عسر مقيم، وانفض من حوله كل صديق وحميم، وانكب على وجهه في غابة الخسران يحتطب بفأس الغواية شوك الفساد وكل عمل عقيم، فلم يخفق فؤاده بالخير والمودة يوما ولا بالذكر الحكيم، ولم تفض عيناه بالدمع حزنا وندما لا في النهار ولا في الليل البهيم، بل جنى على نفسه وخاب إذ دساها في وديان الظلمات حيث ظل يهيم ...
والآن قد أوشك ما قصصناه عليكم يا سادة يا كرام على نهايته والتمام، وإني لأسأل الله تعالى ذا الجلال والإكرام، أن يرزقكم وإياي حسن الختام ...
د. عبد الفتاح أفكوح -
أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com