اعجز عن شكرك لاتحافنا استاذنا بما يتعلق باديب كبير مثل محمد جبريل
لنا عودة للقراءة برويه
اعجز عن شكرك لاتحافنا استاذنا بما يتعلق باديب كبير مثل محمد جبريل
لنا عودة للقراءة برويه
[align=center]
( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
[/align]
يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقليوإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتيوإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي*******لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .
«أهل البحر» في مكتبة القاهرة
...............................
«أهل البحر»، أحدث روايات الروائي الكبير المبدع محمد جبريل، تناقش في مكتبة القاهرة بالزمالك، يوم الاثنين الموافق 23/3/2009م.
يناقشها مجموعة من النقاد: أ. د أحمد درويش، أ. د إبراهيم شعلان، أ. د نجوى عمر, أ. د جمال التلاوي، أ. د حسين حمودة، أ. محمد عبد الحافظ ناصف، يدير الندوة: أ. محمد حمدي
من المحرر
بقلم: محمد جبريل
.......................
قد لا يكون من حقنا أن نعترض علي اختيار إسرائيل ضيف شرف وحيداً في معرض تورينو للكتاب. وإن كانت المجازر الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية تعطينا الحق في هذا الرفض.. لكننا بالقطع ضد دعوة كل الدول العربية باعتبارها ضيفاً واحداً في هذا المعرض أو ذاك. من منطلق أن الدولة غير العربية تساوي منفردة أقطارنا العربية مجتمعة.
تكرر الأمر من قبل في معرض فرانكفورت. حيث وجهت الدعوة إلي الدول العربية بأسلوب "الشروة". مقابلاً للاحتفاء بدولة واحدة غير عربية. كل عام. ضيفة شرف للمعرض. بصرف النظر عن قيمتها الحضارية والثقافية. مجرد أنها تعتز بهويتها. وتجيد تقديم نفسها. من خلال وعي مسئول. وتفهم لطبيعة الأوضاع الدولية.
نحن نهمل المقولة الشهيرة: أنت حيث تضع نفسك. لا تشغلنا الوسائل. ونتقبل كل النتائج. قد يكون الوضع العربي مأزوماً. ويعاني التخلف. لكن المجاوزة تظل أملاً. أو هذا هو ما ينبغي أن نسعي إليه. التخلف ليس قدراً. ولا هو مكتوب علي الجبين. إنه نحن. إرادتنا. واعتزازنا بأنفسنا. وبهويتنا. نعتز بنظرة العالم إلينا ككيان تربطه وشائج وصلات. لكننا نرفض النظرة التي تجد فينا مجرد كم بلا قيمة حقيقية.
يحزنني علي سبيل المثال ذلك التصور الغريب بأن جائزة نوبل هي التي تمنح الأديب صفة العالمية. فنحن نخوض المعارك المحلية في اتجاهها. ننسي أو نتناسي أن الكثير من الأسماء المهمة في تاريخ الأدب العالمي المعاصر لم تحصل علي الجائزة. وثمة من رفضها لأسباب معلنة!
المنطق العلمي الذي يجب أن تلتزم به وزارات الثقافة العربية. أن تعد خطتين تكتيكية واستراتيجية. لوضع الأدب العربي في المكانة التي يستحقها. وهو ما يرتكز بداهة إلي تصور عام. تشارك في وضعه وزارات الثقافة العربية. فلا يتباهي قطر ما بأنه تميز عن بقية الأقطار بالحصول علي امتياز منح النسخة العربية من مسابقة أوروبية. كأن الأمر يتصل بامتياز للتنقيب عن البترول!
لأن الحديث ذو شجون. فسأكتفي بالإشارة إلي المشاركة العربية في المعارض الدولية. وما ينبغي أن تكون عليه. مأساة فرانكفورت يجب ألا تتكرر. المفروض أن تكون المشاركة بحجم الناطقين بالعربية. وبالإبداع العربي في امتداد عصوره إلي التفجر الإبداعي الذي نعيشه الآن.
أقسي الأمور أن يستكين الأفراد ناهيك عن الدول إلي ما يصعب قبوله. ودعوة إسرائيل ضيف شرف لمعرض تورينو يذكرنا بالدعوات المتوالية لدول صغيرة وكبيرة إلي معرض فرانكفورت. فإذا وجهت إلينا الدعوة نفسها. لم نحاول السؤال. ولا المناقشة. ولا دراسة حقيقة الأوضاع.
نحن نقبل من منطلق اتحاد الضعفاء وليس من منطق وحدة الأقوياء.
وإذا كانت الجامعة العربية تعجز عن أداء دور سياسي فعَّال. فإنها تستطيع أن تؤدي دوراً مطلوبا في مجال الثقافة. ولن يتحقق هذا الدور إلا بالأداء الجاد الذي ينسق. ويضع الخطط. ولا يرضي بأي شيء!
............................
*المساء ـ في 26/1/2008م.
في معرض القاهرة.. البحث عن حل..لارتفاع سعر الكتاب
يقدمها: محمد جبريل
......................
د.البنداري: أكثر من مشروع.. لتلبية احتياجات القراءة
د.نجوي عمر: النشر الالكتروني يعالج المشكلة
حسني لبيب: مطلوب تخفيض أسعار.. كتب المجلس الأعلي للثقافة
فكري النقاش: لا بديل حتي الآن لمكتبة الأسرة
ارتفاع أسعار الكتاب هو الظاهرة التي فرضت نفسها بقوة علي معرض القاهرة الدولي هذا العام.. وهي ظاهرة لا تقتصر علي جناح بالذات. ولا ناشر بعينه. لكنها شملت كل الناشرين. حتي كتب سور الأزبكية داخل المعرض لم تخلص من هذه الظاهرة.
يلاحظ د.حسن البنداري أن أسعار الكتاب في تزايد مستمر. وإن جاء سعر الكتاب في العام الماضي مناسباً لمن يريد اقتناء الكتاب. لكن غلاء أسعار الكتب يواكب الغلاء الذي نعيشه الآن. ليس في مصر فقط. بل في العالم كله. ومن الممكن أن نطرح حلولاً. حتي نشجع من يحب القراءة علي مواصلة هوايته. وذلك باستحداث سلاسل جديدة ضمن مشروع النشر في هيئة قصور الثقافة. ومنها سلسلة للقصة القصيرة. وأخري للشعر. وهكذا.. لأن هيئة قصور الثقافة قادرة علي نشر كتبها بسرعة. وهي تتحمل بعض العبء. وعلينا أن نترك عملية إعادة نشر وطبع الكتب القديمة. لأنها تعطل عملية نشر الكتب الحديثة. أما هيئة الكتاب فهي تنشر كتبها في فترة معينة بسعر زهيد. ضمن مشروع مكتبة الأسرة.. ونحن نريد أن يكون هناك أكثر من مشروع للنشر ليفي باحتياجات القراءة.
وتذهب د.نجوي عمر إلي أن الظاهرة التي تزداد تفاقماً في معرض الكتاب هي ارتفاع الأسعار. قلت الفوضي وضجيج الميكروفونات. لكن زيادة أسعار الكتب تتجاوز كل الخطوط. وإقبال زوار المترددين علي المعرض يتراجع عن الشراء من عام إلي عام. حتي أن الخصم الذي يتم بمناسبة المعرض يصير هامشاً وغير مؤثر في رفع أعداد المشترين.
وبصراحة لقد أصبح ارتفاع سعر الكتاب ظاهرة يجب التوقف أمامها. ومحاولة إيجاد حل حاسم لها. وفي تقديري أن مشروع مكتبة الأسرة يمتلك الريادة. لأنه يقدم خدمات كنا ومازلنا في حاجة إليها. لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلي مساندات. إما من جهات حكومية. أو من دور نشر أهلية. ولكن يبقي السؤال: هل تقبل دور النشر الخاصة بهامش ربح ضئيل في مقابل هذه الخدمة الوطنية؟. لو قبلت بهذا فسيصبح لدينا مشروع يوازي مكتبة الأسرة. وأتمني أن ينشأ مشروع آخر علي الكتاب الالكتروني. حتي يجذب أجيالا جديدة لم يعد يغريها الكتاب الورقي. مثل هذا المشروع سيحل تلك المعضلة الصعبة. وهي غلاء سعر الكتاب. حيث إن القرص المدمج ثمنه رخيص للغاية. وبهذا ينتشر الكتاب بصورة جيدة.
ولعل هيئة الكتاب في تقدير الكاتب المسرحي محمد عبدالحافظ ناصف هي المكان الوحيد الذي تدخله لتشتري كتاباً وأنت مطمئن. ولا تتحسس جيبك طويلاً. وتجد فيها ما تريده إلي حد ما. لذا أري الأمر في حاجة دائمة إلي المراجعة والتدقيق من قبل د.ناصر الأنصاري لاختيار الأفضل الذي يزيد الثقة بين القاريء والهيئة. وخاصة في مكتبة الأسرة التي أصبحت العمود الفقري لمكتبة البسطاء من القراء. الذين يتحسسون دائماً جيوبهم أمام ارتفاع الأسعار والحياة الصعبة.
ويري د.أيمن فؤاد سيد علي أن مشروع مكتبة الأسرة. هو الأقل سعراً في الكتب التي يصدرها. وهناك إقبال عليها منذ افتتاح المعرض. لكن هذا الدعم الذي يذهب إلي القاريء. لا يقابله دعم مماثل يذهب إلي المؤلف. لأن الكتاب يعرض ويباع بعشر ثمنه. مهما كان عدد النسخ المسحوبة. وهي في الغالب لا تزيد علي خمسة آلاف نسخة. إن نصيب المؤلف يصل إلي عشر العائد الذي كان سيحصل عليه لو أصدر طبعة ثانية. ولابد من تعويض المؤلف عن هذه الطبعة التي تصدر في مكتبة الأسرة. كما يجب أن تتحمل جهة حكومية دعم الكتاب ليصل إلي القاريء المتعطش. ويعوض المؤلف في الوقت نفسه. وللأسف. فنحن نجد أن مطبوعات مكتبة الأسرة يتم تشوينها من قبل "الكتبجية" وفي أحيان أخري تنزع أغلفتها الأصلية. وتباع بأضعاف أسعارها في المعرض. بحيث لا يصل الدعم إلي مستحقيه وهم القراء. بل يحصل التجار علي أضعافه.
ويشير الروائي حسني سيد لبيب إلي أن الشكوي تتزايد من ارتفاع أسعار الكتب في معرضه السنوي. وأصبح الكتاب يواجه مشكلة إعراض معظم الناس عنه في ظل منافس أقوي. هو الكومبيوتر. في الوقت الذي نحن فيه في أمس الحاجة إلي الكتاب الورقي. لقد أصبح معرض الكتاب سوقاً لبيع أي شيء عدا الكتاب الذي ضعف الإقبال عليه وإن أثبت مشروع مكتبة الأسرة نجاحاً منقطع النظير لعدة أسباب. أبرزها عرض الكتاب بسعر زهيد. ويمكن الإفادة من هذا النجاح في مجالات أخري موازية أو مشابهة. مثل إعادة النظر في منافذ التوزيع لسلاسل هيئة قصور الثقافة. حيث تشكل هذه السلاسل قوة جذب للقاريء العادي. لكن ندرة منافذ التوزيع وصعوبة الحصول علي هذه الكتب. يشكلان عقبة رئيسية. وأرجو أن تتدارك الهيئة هذه النقطة بالتوزيع الجيد الذي يساعد علي رواج كتبها. وليت المجلس الأعلي للثقافة يعيد النظر في أسعار كتبه. فمشروعه الثقافي أداة تثقيف للمواطنين. ولا يخضع لمبدأ الريح. وهنا يأتي دور الدولة في دعم ميزانية المجلس. لأن الكتاب علي نفس الدرجة في الأهمية مع رغيف الخبز. وثمة دور مهم لدور النشر الخاصة التي تجأر بالشكوي من تضاؤل حجم المبيعات وكساد تجارة الكتب. بينما تضع علي الأغلفة أسعاراً مغالي فيها. من المهم لهذا الدور أن تساعد في حل المشكلة بأن تقلل من هامش الربح. كما ينبغي علي الدولة أن تقلل من الضرائب المفروضة علي صناعة الكتاب. بما فيها الورق والأحبار. وحتي لا يقال إننا أمة لا تقرأ فإنه ينبغي تآزر الجميع من أجل بيع الكتاب بسعر مناسب.
ويجد الكاتب المسرحي فكري النقاش في مكتبة الأسرة حلاً مناسباً لمشكلة ارتفاع سعر الكتاب. إنه مشروع جيد. ومن يقف وراءه يؤمن بأهمية دور الكتاب. ويأتي له بالدعم من الهيئات والمؤسسات. وأعتقد أنه لابديل عن مكتبة الأسرة. وهو ما كان واضحاً أيضاً في المعرض. حيث كان الإقبال كبيراً علي كتب القراءة للجميع. وبخاصة أنها جيدة المستوي. وطبعة بشكل مقبول. لذلك فإني أتمني أن يدوم هذا المشروع. لأنه من الصعب أن ينشأ مشروع مواز له. باعتبار أن دماء هذا المشروع هي الأموال. ومن الصعب علي القطاع الخاص أن يتنازل عن ربحيته. ويبيع كتبه بأثمان زهيدة. فلديه أعباء. ويريد الربح.
والغلاء كما يقول القاص فرج مجاهد يتزايد يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ولا حل فيما أعتقد إلا برفع الجمارك عن الورق وأحبار الطباعة وغيرها من المستلزمات الخاصة بالنشر. ولعل وجود مكتبة الأسرة وسور الأزبكية في المعرض هو المتنفس الوحيد لرواد المعرض. وخاصة الباحثين والمهتمين بالأدب في الأقاليم. هذه هي طاقة النور الوحيدة في الأفق. كما أشير إلي ضرورة دعم مشروع النشر الإقليمي لكل محافظة. وأن توضع له ضوابط حتي لا يكون سلطة في يد رئيس إقليم أو مدير فرع ثقافي. ينشر لمن يشاء. ولا ينشر لمن لا يعجبه. لابد من تفعيل اللجان الخاصة بالنشر. وأن تكون قراراتها نافذة وليست حبراً علي ورق. إذن فالمشكلة حلها في يد الدولة. ولابد من تدخلها. بهذه الحلول يمكن أن نحد من مشكلة غلاء الكتب ونشرها.
......................................
*المساء ـ في 26/1/2008م.
من المحرر:
أستاذ رجاء النقاش.. شكراً!
بقلم: محمد جبريل
.....................
لم أعرف بحفل تكريم الناقد الكبير رجاء النقاش في نقابة الصحفيين إلا من وسائل الإعلام.
من حق رجاء النقاش. ومن واجبي. أن اتحدث عن إسهامه الإيجابي في حياتنا الثقافية. لا كناقد فحسب. وإنما كمكتشف للطاقات الإبداعية الحقيقية.
كان النقاش أول من قدم الطيب صالح إلي قراء العربية. قرأ موسم الهجرة إلي الشمال. وجد فيها عملاً متميزاً. فلم يكتف بنشرها في روايات الهلال التي كان يرأس تحريرها. لكنه قدم لها بدراسة مطولة تبين عن جوانب التفوق. بما أتاح لمؤلفها أن يحصل علي المكانة التي يستحقها.
الدور نفسه قام به النقاش لشعراء الأرض المحتلة. سلط الضوء علي إبداعاتهم من خلال دراسات متعمقة.
وأذكر أن النقاش قدم لمبدع من أجمل أدباء الستينيات وأصدقهم موهبة. هو أحمد هاشم الشريف. لم يقصر مجلة الكواكب علي أخبار المغنيين والممثلين والراقصات. بل خصص جزءاً منها لإبداعات الأدباء.. أليسوا فنانين؟
كان تقديمه لأحمد هاشم الشريف في هذا الإطار. ولا زلت أذكر كلماته المتحمسة التي تبشر بميلاد مبدع حقيقي وموهوب. وإذا كان الشريف قد أهمل فن القصة الذي قدم فيه محاولات جميلة لحساب الخواطر الصحفية فإن النقاش ظل علي حرصه في تقديم من يراهم جديرين بذلك.
بالنسبة لي. فقد زارني الصديق الشاعر أحمد هريدي يوماً. عرض باسم النقاش أن أنشر كتابات لي في جريدة خليجية كان النقاش يشرف علي قسمها الثقافي. كانت لقاءاتي بالنقاش محدودة بحيث يصعب نسبتها إلي الصداقة. لكنه كرر عرضه شخصياً. ونشر لي بالفعل ماقدمته له.
وحين كان النقاش يعد لإصدار مجلة ثقافية في مستوي قومي. نقل لي الصديقان طلعت الشايب وحسين عيد عرض النقاش بأن أنشر فيها كتاباتي. وقدمت إلي المجلة المشروع دراسة مطولة بعنوان "نعم. مصر هي بيت أبي". وقلت للصديقين الشايب وعيد: إذا نشرت هذه الدراسة دون حذف فستكون هي البداية. وفوجئت بأن النقاش جعل الدراسة التي ناقشت وأدانت. أولي مواد العدد الصفر من المجلة. مامثل إلغاء لتصوري أنه ربما يجد فيها مايحول دون نشرها في مجلة حكومية لم تبدأ خطواتها بعد. وانتظرت نشر مقالات أخري في الأعداد التالية. لكن النقاش ترك رئاسة تحرير القاهرة في ظروف لا أعرفها. وطلبت استعادة ماقدمته إلي القاهرة باعتبار أنه كان استجابة لعرض منه.
أمثلة أخري كثيرة تخص الآخرين وتخصني تؤكد الدور الريادي الذي أضاء به رجاء النقاش جوانب حياتنا الثقافية. بداية من الكلمة الناقدة المسئولة. إلي رعاية كل الطاقات المبدعة التي يري أنها بعض دوره.
أستاذ رجاء النقاش.. شكراً!
..................................
*المساء ـ في 2/2/2008م.
هل عاد الشعر ديواناً للعرب ؟
...............................
د. فتح الباب : ساحة الإبداع .. ليست "سداح مداح"
هارون رشيد : الغموض سبب ابتعاد القراء الحقيقيين
مجدي :الفصحي في مأزق .. والمستقبل للعامية
شبلول : أرحب بالعودة إلي الوضوح الفني
سمير فراج : المبشرون ب "قصيدة النثر" .. هم الذين أسقطوها !
يقدمها : محمد جبريل
.........................
هل بدأ الشعر يسترد الأرض التي فقدها في الأعوام الأخيرة؟.. ذلك هو السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء زيادة اعداد مبدعي الشعر. وكثرة الأمسيات الشعرية. والمسابقات التي رصدت لأجمل القصائد جوائز مرتفعة. والإصدارات اللافتة لدواوين الشعر.
من يتأمل خريطة الشعر المعاصر والقول للشاعر هارون هاشم رشيد يدرك أنه يمر بمنعطف حاد. فهناك قلة قليلة من أصحاب المواهب البازغة التي تبشر بصحوة تعيد إلي الشعر مكانته باعتباره فن العربية الأول. ويعترض طريق هؤلاء كثرة من الأدعياء. مما يجعل ساحة الإبداع الشعري "سداح مداح" علي حد تعبير الراحل أحمد بهاء الدين. وسينجلي الصراع حتماً لصالح الأولين. لا سيما إذا اضطلع النقاد بمسئوليتهم عن فرز الصالح من الطالح. دون نظر إلي أسماء المشهورين أو نفوذهم. ثمة شعراء من جيل الشباب علي قدر كبير من التميز. نظراً لإحساسهم المرهف بالآلام والآمال التي تجيش في وجدان الشعب. وقدرتهم علي الكشف عن النواة الحية للإبداع المعرفي بأغراضه. وجمعهم بين الوعي الذاتي والوعي الموضوعي. وأبرز العقبات التي تعترض مسيرة الشعر الآن ضعف مستوي مدرسي اللغة العربية وآدابها. واختيارهم نماذج رديئة. مما يضعف حاسة التذوق الفني لدي الطلاب. ومن العقبات أيضاً نفور كثير من القراء عن متابعة شعر الحداثة. بسبب الغموض الفني. مما يرجع إلي اضطراب الرؤية. وعدم استيعاب التراث الشعري. لن يعود الشعر إلي مكانته إلا إذا كان معبراً عن الزمان والمكان والبعد الإنساني. حينئذ يصبح الشعر هو الحياة. والحياة هي الشعر. ويتحول الإبداع إلي سلاح لمقاومة كل من. ومايقف عقبة في سبيل ازدهار ملكات الإنسان.
أكثر من سبب
ويذهب الشاعر هارون هاشم رشيد إلي أنه كان هناك أكثر من سبب في الزمن الماضي. كان الشعر يعبر تعبيراً صادقاً عن قضايا الجماهير. وكلما ترددت العلاقة بين الجماهير والقضايا. تردي الشعر أيضاً. ليس الغموض وحده هو السبب لانصراف الناس عن الشعر بمجمله. الشعر دائماً هو التعبير الصادق عن المشاعر. والتعبير الصادق ينتقل من القلب إلي القلب. وقد أسهم الغموض إلي حد كبير في انصراف الجماهير عن الشعر. لكن السبب الأساسي هو عدم حضور الشعر في المناهج الدراسية الحديثة. مثلما كان في الزمن الماضي. كان الذوق الشعري للإنسان العربي يربي من طفولته. وكان مايتعلمه الطفل في مراحل الدراسة يترك في نفسه التعود علي جرس الشعر وموسيقاه. واكتشفت بعد الدراسة أن بعض القصائد التي درستها كانت من شعر العصر الأموي والعصر العباسي. وكنا نتذوقه في أكثر الأحيان ولا نعرف معناه. لكن الموسيقا ترسخه في أعماقنا. وهناك الصحف العربية والصفحات الثقافية في الوطن العربي في مجمله. التي لا تشعر الشعر المعبر. بل تهتم كثيراً بالشعر كلما اتصف بالغموض. ولنتذكر أن قصائد شوقي وحافظ كانت تنشر في الصفحات الأولي لعذوبتها وبساطتها وشعريتها المتألقة. أما الملتقيات والندوات الشعرية. فأشهد مما رأيته في الوطن العربي أن هناك إقبالاً جيداً. والناس تتجاوب مع مايلقي فيها من شعر.
ويلاحظ الشاعر مجدي نجيب غياب الاهتمام بالقراءة بشكل عام. لأن الإعلام التليفزيون أفسد أذواقنا. والكتاب أصبح مشكلة بصرف النظر عن نوعية الإبداع الذي يتضمنه. فجمهور الشعر أقل من جمهور الرواية وأنواع أخري من الكتابات. مثل الكتاب السياسي أو الديني. الشعر يأتي في الآخر لأن النماذج الشعرية التي تقدم بعيدة عن القارئ. ولعل شعر العامية هو الأقرب إلي جمهورنا المصري. لأنه الأكثر انتشاراً. وبصراحة. فإن العامية هي اللغة التي تستعملها في المحاضرات. وعلي شاشة التليفزيون ونقرأ بها معظم ماتكتبه الصحف. الشعر الآن يأتي في آخر مرحلة. وهو يأتي بالمصادفة لدي البرامج الإذاعية والتليفزيونية. أكرر: إن الشعر منقرض بشكل عام. حتي الدواوين الشعرية هي الأقل انتشاراً بالنسبة للمبيعات.
لم يمت !
ويري الشاعر أحمد فضل شبلول أن صوت الشعر والشعراء قد يخفت في وقت من الأوقات لعوامل عدة. ولكنه أبداً لم يمت. وإذا كان الشعر قد شهد خفوتاً في وقت مضي فربما لأسباب منها تلك الدائرة الغامضة التي أدخلنا فيها بعض الشعراء. وإذا بالناس تقرأ أو تسمع شعراً لا تفهم منه شيئاً. بحجة أن الشعر لايفهم ولكن يحس. وللأسف روج بعض النقاد لتلك المقولة. وقالوا انها الحداثة الشعرية. ولأن الجمهور حساس ويستطيع أن يتعامل مع تلك الظواهر بما يناسبها فقد وجدنا عزوفاً عن مثل هذا الشعر. وانسحب ذلك علي معظم أنواع الشعر. وباتت كلمة "شعر" أشبه بالكلمة سيئة السمعة. وأسهم في ذلك بعض النماذج التي قدمت بشكل مضحك ومسيء في بعض أفلامنا. وأعتقد أن ظاهرة الغموض غير الفني في الشعر بدأت تنحسر الآن. وثارت تساؤلات مثل: لمن يكتب الشاعر. لنفسه أم للنقاد أم للناس. فإذا كان لنفسه فلماذا يعرض انتاجه علي الناس. وإذا كان للنقاد فليقرأهم النقاد. ويكتبوا عنهم إذا شاءوا. وإذا كان للناس فلماذا لم يتم مراعاة ذلك؟. ويبدو أن من ينحاز للناس هو الذي يتذكره الناس ويحبون القراءة له. فالقارئ أو السامع يجد شيئاً من نفسه في هذا النص أو ذاك. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة إعادة تقييم للموقف. وعودة الشعراء مرة أخري إلي الوضوح الفني الجميل والصور الشعرية التي لها أرضية مشتركة بين الشاعر والمتلقي. وعادوا كذلك إلي الاهتمام بالناس والقضايا المشتركة. والجماليات الوجدانية التي تعبر عن الإنسان المعاصر وأزماته. الأمر الذي أسهم في رواج الشعر مرة أخري. وعادت كلمة "شعر" لتأخذها دورها الطليعي. أيضاً من ضمن أسباب رواج الشعر الآن كثرة المسابقات والجوائز والأمسيات والمؤتمرات والملتقيات الكبري. وهو مالاحظناه في العام الماضي. حيث ملتقي الشعر الذي نظمه المجلس الأعلي للثقافة. وملتقي ربيع الشعراء. ومهرجانات شوقي وحافظ بمناسبة مرور 75 عاماً علي وفاتهما والتي بلغت سبعة مهرجانات في القاهرة والإسكندرية. إلي جانب العديد من المسابقات العربية. كل هذا وغيره أسهم في رواج الشعر في الفترة الأخيرة وخروجه من سباته العميق ليتفاعل مع قضايا الناس.
وفي تقدير الشاعر سمير فراج. أن المبدع يمر بحالات دورية من الإحباط والإقدام. بحسب حساسيته. وقوة تمكن الموهبة منه. إذ تجعل فترات إحباطه قصيرة. وارتداده إلي طور الإقدام سريعاً. ويحدث أحياناً مايثير الشاعر وهو في طور الإحباط إثارة تنتشله من إحباطه. وتزج به إلي حيز الإقدام ليواصل دوره في الحياة كمبدع لديه رؤيته في إعادة صياغة الكون حوله. وبالنسبة للوضع العام. يمكن القول إن سقوط المراهنات الزائفة علي الأكاذيب التي ملأت الساحة الأدبية. وانحسار موجات كان مخططاً لها أن تتبوأ الصدارة في الساحة الشعرية. مثل قصيدة النثر التي تخلي عنها من بشروا بها. وكفر بها أنصارها بشكل مفاجئ. جعلني شخصياً اتساءل: هل كان لهذا المشروع تمويل لجهة ما وقد نفدت ميزانيته. كذلك سقوط المقولات النقدية الهدامة التي استهدفت القصيدة العمودية مثل القول بموتها. وإنها لم تعد قادرة علي التعبير عن هموم وآمال إنسان هذا العصر. سقوط هذه المقولة جاء بجهود شراء القصيدة العمودية الذين أصروا علي الالتزام بهذا الشكل المتجذر في الشعرية العربية. وأثبتوا قدرة فائقة لهذا الشكل علي استيعاب طاقات تفجيرية علي مستوي اللغة والصورة. ولا أبالغ إن قلت أن بعض القصائد العمودية التي كتبت مؤخراً. أكثر حداثة من التجارب المزعومة التي سماها كاتبوها قصيدة النثر.
..............................
*المساء ـ في 2/2/2008م.
الترجمة
بقلم: محمد جبريل
..................
إذا كانت الخطة التالية التي نأملها من المركز القومي للترجمة. هي الترجمة من العربية إلي اللغات الأجنبية. فإن ذلك ما يعني به مستعربون. أخلصوا لقضية الترجمة من العربية إلي لغاتهم. والمثل الذي يصعب الاختلاف حوله هو الإيطالية إيزابيلا كامرا.
الشروط غير المعلنة التي يترجم بعض المستشرقين في ظلها إبداعات عربية. تشمل كل ما يسم العربي بالتخلف. ثمة الفقر والتخلف والأمية وختان البنات وانسحاق المرأة والعشوائيات والعدوانية وفقدان الوعي وغيرها من الظواهر التي قد تكون شاحبة. أو عارضة. لكنها تتحول -بقدرة الميديا الغربية- إلي ثوابت في الحياة العربية. قرأنا أعمالاً يصعب نسبتها إلي الإجادة في الأدب العربي. لكن أحداثها اقتصرت -للأسف- علي تلك الجوانب السلبية!
تجد ايزابيلا أن المنجز الإبداعي في مجال الرواية العربية يتيح لها مكانة لا تقل عما بلغته الرواية علي المستوي العالمي. بل إن الوشائج واضحة بين العربية ومثيلتها في أمريكا اللاتينية.
الأسباب السياسية -في تقدير إيزابيلا- هي التي تحول بين ما تترجمه والوصول إلي القارئ الأوروبي بعامة. والإيطالي بخاصة. هي تقرأ. وتختار ما يستحق الترجمة. وتستغرقها ترجمة العمل الواحد لأشهر أو لسنوات. حتي يصبح معداً للنشر. وكان ذلك متاحاً من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة الإيطالية. لكن الوضع تبدل بعد تولي اليمين حكم إيطاليا. فقد رفع الدعم المخصص للترجمة إلي العربية -وهو لا يمثل مجرد هامش في الميزانية- وبدأ ما تترجمه إيزابيلا يعاني الركنة في الأدراج.. إذا كنا نتحدث عن ضرورة فتح نوافذ للإبداعات العربية. تطل منها علي القارئ في كل الدنيا. فالبديهي أن تظل النوافذ المفتوحة علي حالها. فلا نغلقها بالصمت البليد واللامبالاة.. الدعم الذي منعه اليمين الإيطالي -يتصور في العرب والإسلام قوة مناوئة بعد الشيوعية الدولية!- لمنع إيزابيلا من خدمة الثقافة العربية. يجب أن تتلقاه المستعربة الإيطالية - ترفض تسمية مستشرقة - فتواصل دورها في خدمة الثقافة العربية؟
أتصور أن جابر عصفور -المشرف علي المركز القومي للترجمة- يستطيع أن يجاوز تسلط اليمين الإيطالي. فيوفر الدعم الذي تطلبه إيزابيلا. بأن يعهد إليها ببترجمة ما اقتنعت بقيمته من إبداعاتنا العربية.
لإيزابيلا مكانة لافتة بين المستشرقين. أو المستعربين. وعلينا أن نفيد من هذه المكانة بأن نعين إيزابيلا علي أداء دورها الذي أنشئ مركز الترجمة لتحقيقه.
..............................
*المساء في 31/5/2008م.
نص حوار ناهد خيرى مع الروائي الكبير محمد جبريل
..................................................
نص الحوار الذى أجرته ناهد خيرى مع محمد جبريل ، ونشر فى جريدة " الجماهير " المصرية ـ 9/4/2008
ـ هل تذكر متى بدأت الكتابة ؟
* من الصعب أن أحدد موعداً لبدء علاقتى بالكتابة . نشأت فى بيئة تحض على القراءة والتأمل والدهشة واكتساب الخبرات . مكتبة أبى الممتلئة بكتب الاقتصاد والسياسة ، باعتبار مهنته كمترجم للعديد من اللغات ، فى العديد من الشركات الأجنبية ، زمن الكوزموباليتينية السكندرية ، لم تكن تخلو من كتب فى الإنسانيات المختلفة . قرأت لطه حسين والعقاد والزيات وتيمور والمازنى والسباعى [ خلت المكتبة من عمل لنجيب محفوظ الذى اكتشفته ، وأحببته مطلقا، فى فترة تالية ] . أقبلت على القراءة إلى حد أزعج أبى ، وأظهر خشيته من أن تدركنى حرفة الأدب [ حدث ما كان يتوقعه ، ويخشاه ] ، ومثلت الروحانية التى يكاد يتفرد بها بحرى بين الأحياء والمدن المصرية دافعأ موازياً أو متشابكاً . لا أذكر متى تحول حب القراءة والمشاهدة والمعايشة إلى محاولات للكتابة . لكن ما أذكره أنى أقدمت فى حوالى الرابعة عشرة من عمرى على طباعة محاولة ، سميتها " الملاك " ، لجأت فيها إلى التوليف بأكثر من عنايتى بالتأليف ، فكلماتى أشبه بأدوات الوصل بين تعبيرات وتشبيهات وكنايات للأدباء الذين أحببت كتاباتهم . ولعل قصتى الصغيرة " يا سلام " كانت أولى المحاولات التى عبرت فيها بصوتى الخاص .
ـ فى سطر واحد : ماذا تعنى الإسكندرية لمحمد جبريل ؟ وهل حقاً تستمد منها معظم موضوعاتك ؟
* تريدين إجابة فى سطر واحد عن سؤال فى سطرين . والحق أن علاقتى بالإسكندرية تبدأ منذ الطفولة ، بحيث يصعب أن أتحدث عنها فى مساحة محدودة ، ومحددة . الإسكندرية ـ وحى بحرى بخاصة ـ هى الأرضية التى تتحرك فيها أحداث أعمالى وشخصياتها . لا تعمد ، وإنما أنا أعبر عما عشته وعرفته . ربما لو أنى لو لم أرحل عن الإسكندرية فى مرحلة الشباب الباكر ، ما كان المكان السكندرى يلح فى أن يكون قواماً لأعمالى الإبداعية . حتى الأعمال التى قد تنتسب شخصياتها أو فضاءاتها إلى مدن غير الإسكندرية ، تتخلق حياتها فى بيئة مدينتى . ذلك ما حدث فى روايتى " الصهبة " التى تتحدث عن طقس حقيقى فى قرية صعيدية ، لكن الموالد والأذكار والابتهالات والأدعية والطقوس الدينية التى تسم الحياة فى بحرى ، كانت هى الدافع لأن تنتقل إلى مساجده وميادينه وشوارعه وأزقته ومعتقداته وتقاليده
ـ قلت فى أكثر من مناسبة أن الحنين هو الدافع الأهم لكى تكتب عن بحرى .. فماذا عن الروايات التى توظف التاريخ أو التراث ؟
* الحنين إلى الزمان هو الباعث للروايات الكبرى فى القرن التاسع عشر . ذلك ما ما يطالعنا ـ على سبيل المثال ـ فى أعمال بلزاك وفلوبير وستندال وتولستوى وغيرهم ، وهو ما يجد امتداداته ـ فى الفترات التالية ـ فى أعمال وولتر سكوت وجورجى زيدان وسارتر وكامى والعريان وأبو حديد وعادل كامل ومحفوظ والسحار ومكاوى وباكثير وغيرهم .
ولعل الحنين إلى الزمان ـ بالنسبة لى ـ يتوضح فى الأعمال التى تحاول توظيف التراث ، سواء كان الزمان فرعونياً كما فى " اعترافات سيد القرية " ، أو هيلينيا كما فى " غواية الإسكندر " ، أو إخشيدياً كما فى " من أوراق أبى الطيب المتنبى " ، أو فاطمياً كما فى " ما ذكره رواة الأخبار من سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله " ، أو عثمانياً كما فى " الجودرية " ، أو ينتسب إلى ألف ليلة وليلة كما فى " زهرة الصباح " إلخ .
حين أنشغل بقصة تحاول توظيف التاريخ ، أو تحاول توظيف التراث ، فإنى أحيا ذلك الزمن البعيد ، أقرأ فى المعتقدات والعادات والتقاليد وسلوكيات الحياة اليومية . أحيا فى كتاباتى ما عشته ، أو قرأته ، من قبل . يصبح الماضى ـ بفعل الكتابة ـ حاضراً ، أحياه بكل تفصيلاته وجزئياته ومنمنماته .
ـ ماذا يعنى لك تدريس قصصك فى عدد من الجامعات ؟
* المبدع يكتب ليقرأه الناس ، وليس ليودع كتاباته الأدراج ، فإذا مثل طلاب الجامعات ـ وهم قاعدة عريضة ـ بعض هؤلاء القراء ، فظنى أن ذلك ما يسعد المبدع .
ـ لماذا كتاباتك متعلقة دائماً بالتراث والتاريخ والحوارى والأزقة والشوارع ؟
* أتحفظ على مضمون السؤال ، أو فى الأقل صياغته ، لكن المبدع يستمد كتاباته من حياته ، من قراءاته وحصيلته المعرفية ومشاهداته وخبراته وخبرات الآخرين وتأملاته . وكما قلت فإنى نشأت فى بيئة لها خصوصيتها على مستوى الأسرة والحى ، وكان لابد لذلك أن ينعكس فى كتاباتى .
ـ يتهمك الكثيرون بالإنتاج الضخم كما وكيفاً ؟
* لعلى أستعيد المقولة الشهيرة عن التهمة التى يجد المرء أنه لا يستحقها . والواقع أن حياتى فى الإبداع . ذلك ما حرصت عليه منذ بداية لا أذكرها على وجه التحديد . أومن بالنظام وبالحرص على الوقت وبأن تسبق اهتماماتى بالقراءة اهتماماتى الإبداعية . أرفض تعبير قتل الوقت لأن الوقت هو الذى يقتلنا ، وحين بدأت مشروعى الإبداعى ، فقد حاولت أن أخلص له بالقراءة والتأمل والتحصيل المعرفى ومحاولة التوصل إلى وجهات نظر . أهملت الملذات الصغيرة ، كالجلوس على المقاهى ، والاطمئنان إلى البلادة ، والمنتديات التى تكتفى بالثرثرة . تكونت فى وجدانى وذهنى ملامح معظمها يعانى الشحوب ، لكنها اكتسبت الوضوح بالانتصار لقضية الفن . رأيى أن المبدع يحاسب على قيمة ما يكتبه ، وليس على كثرة ما يكتبه . هل تستحق أعماله القراءة ، أم أنها تنطوى على استسهال فى الكتابة ، دون معنى حقيقى ؟
ـ ماذا يعنى ترجمة بعض أعمالك ؟
* ما ترجم من أعمالى قليل جداً بالقياس إلى الوفرة التى تفضلت بالإشارة إليها ، نقلاً عن آخرين . وكنت سأشعر بالأسى لو أن هذا الأمر شغلنى أكثر مما ينبغى ، لكن نصيحة أستاذنا يحيى حقى فى بالى دوماً ، وهى أن يكون انشغالى بالإبداع قضيتى الأولى ، فلا أنشغل بقضايا قد تصرفنى عن الحياة التى اخترتها لنفسى .
ـ هل كتبت قصة حياتك ،أو جزء منها ، فى أحد مؤلفاتك ؟
* أنا موجود بصورة كاملة ، سيرة ذاتية يعنى ، فى كتابى " حكايات عن جزيرة فاروس " ، وفى روايتى " مد الموج " وفى " أغنيات " و " قراءة الصور " و " أيامى القاهرية " والأعمال الثلاثة الأخيرة لم يتح لها النشر . بالإضافة إلى أنى موجود ـ على نحو ما ـ فى العديد من رواياتى : الشاطئ الآخر ، قاضى البهار ينزل البحر ، النظر إلى أسفل ، زمان الوصل ، رباعية بحرى ، أهل البحر ، كوب شاى بالحليب ، ذاكرة الأشجار ، وغيرها .
ـ ماذا تعنى القراءة بالنسبة للمبدع ؟
* أصارحك بأنى أعتبر نفسى قارئاً قبل أن أكون كاتباً . كانت القراءة دليلى إلى الكتابة . والقراءة ـ حتى الآن ـ هى الحافز والمستفز لمناقشات وأفكار ورؤى ، تجد سبيلها إلى الورق فى أعمال روائية وقصصية . يذهلنى قول البعض إنه قد حصل من القراءة ما يكفيه ، وأنه يعتمد على موهبته ، تلك نظرة قاصرة ، وعكست تأثيرات سلبية على مواهب كبيرة ، توقعنا أن يعمق صوتها بإيجابية فى إبداعنا الحديث ، لكنها صدقت نفسها ، فلم تلحظ الصدأ الذى ران على موهبتها بالتوقف عن القراءة بكل ما تعنيه من تعرف وتشوف وتجارب وخبرات ، حتى تآكلت الموهبة تماماً .
ـ ما رأيك فى جائزة البوكر التى حصل عليها بهاء طاهر ؟
* ظنى أن فوز بهاء طاهر بهذه الجائزة قد أنقذها من التشكك الذى كان المثقفون العرب ينظرون من خلاله إلى الجوائز الأجنبية ، فضلاً عن عمليات الترجمة والنشر من العربية إلى اللغات المختلفة . وكما قال صديقى الناقد الكبير الدكتور محمد عبد المطلب فإن الكثير من الإبداعات فى الأعوام الأخيرة كتبها أصحابها بشروط ، هم يكتبون عن الجوانب السلبية ومظاهر التخلف فى البيئة تصوراً بأنهم يرضون العين الأجنبية فيسهل ترجمة كتاباتهم ، بصرف النظر عن مستواها . لقد أسرف فاقدو الموهبة على أنفسهم وعلينا بكتابات تطفح بزنا المحارم والشذوذ والعلاقات المشبوهة وتوهم الصراع الطائفى ، سعياً للترجمة وللحصول على الجوائز . والمؤسف أن بعض الناشرين الممولين من جهات أجنبية جعل تلك الطريق معبدة أمام هؤلاء الأدباء ، فقصروا أعمالهم على ما يريده الآخر ، وليس ما يريده الفن . إنهم يمسكون فى أيديهم " مازورة " ويقيسون ويفصلون ، دون اعتبار لما تؤهلهم له قدراتهم الفنية الضحلة ، وثقافتهم الساذجة ، بهاء طاهر جعل من بوكر ـ حين فاز بها ـ جائزة حقيقية ، تستحق الاحترام ، ولعل ذلك ما تحرص عليه فى دوراتها القادمة .
ـ هل توجد علاقة بين الأدب والصحافة ؟
* أثق أنى أدين للصحافة بأفضال كثيرة . إنها هى المهنة الأقرب إلى الأدب من حيث أنها عمل يتصل بالكتابة . وقد أتاحت لى الصحافة قراءات وأسفار وخبرات وعلاقات ممتازة وراتب يعين على الحياة فى مجتمع يحرص على مجانية الكلمة مقابلاً للأجور الفلكية التى يتقاضاها نجوم السينما والغناء والرياضة . أما القول بأن الصحافة تلتهم وقت الأديب ، فإنى أعتبره من قبيل حجة البليد . النظام والحرص على الوقت وإهمال التفاهات وسيلة المبدع الحقيقى للقراءة والتأمل والكتابة الإبداعية . أذكرك بأستاذنا نجيب محفوظ الذى ظل لأعوام طويلة فى وظيفة تمتص أكثر من نصف النهار ، لكن حبه للفن ، ومثابرته ، وحرصه على النظام ، ذلك كله أثمر الإسهامات الأجمل فى الرواية العربية . ولعلى أذكرك ـ فى المقابل ـ بالعديد من المنتسبين إلى الأدب ، يقضون أيامهم فى التنقل بين المقاهى والقعدات الخاصة وأحاديث النميمة ، يكتفون بالنيل من الآخرين دون أن ينظروا إلى داخل أنفسهم .
ـ هل حرية الكاتب مطلقة أم ملتزمة ؟
* فى رأيى أن الحرية هى الأصل . وإذا كان البعض يتعمد الإساءة إلى هذا المعنى الجميل بكتابات تستهدف الإساءة للمشاعر الدينية ، أو دغدغة المشاعر الحسية ، أو افتعال القضايا التى تهدد نسيجنا الاجتماعى ، فإن ذلك لا يعنى المصادرة ولا المحاسبة الرقابية من الدولة ، إنما هى مسئولية المثقفين أنفسهم . إن عليهم أن يقرءوا ويناقشوا ويحللوا ويبدوا الرأى فى مواطن الإيجاب والسلب ، الرأى العام المثقف يستطيع أن ينبه إلى الأعمال التى تستحق القراءة والتقدير ، والعكس ـ بالطبع ـ صحيح . وإذا كان النقد يفضل الاسترخاء فى غيبوبة ، فلعل المجتمع الثقافى فى عمومه يضع أيدينا على ما ينبغى قراءته ، وما يجد موضعه الحقيقى سلال المهملات !
ـ ما رأيك فى النقد والنقاد الآن ؟
* أنا أكتب بعناد أمواج البحر ، وليس بعناد الثيران كما قال أستاذنا نجيب محفوظ . عناد الثور ينتهى بمصرعه ، تلك هى النهاية . أما عناد أمواج البحر فإنه يظل ، قد ينحسر بالجزر ، لكنه يعود بالمد . تهمنى آراء النقاد ، لكنها لا تشغلنى ، لا يشغلنى أن يكتبوا عن أعمالى ، أم ينصرفون إلى كتابات يرون أنها أكثر جدوى عن أصدقاء وأفراد شلة ومحاسيب . مع ذلك فإنى أعتز بكتابات كثيرة لنقاد مرموقين عرضوا لأعمالى بالدراسة والتحليل ، ونشروا كتاباتهم فى صحف ودوريات مهمة على امتداد الوطن العربى ، كما أعتز بأربعة عشر كتاباً تناولت أعمالى ، وأيضا ما يقرب من عشر رسائل جامعية ما بين الماجستير والدكتوراه . يزعجنى التعبير المشفق : أنت لم تأخذ حقك . إذا تمثل هذا الحق فى الأخبار الصغيرة ، الشخصية والتافهة ، بالصحف فأنا لا أريده ، إنما أريد النقد الذى يقوم ، ويقيم ، بموضوعية ، تحتاج إليها حياتنا الأدبية . وهذا ما حصلت عليه بامتياز .
ـ لماذا اختفت الرواية الأدبية من السينما ؟
ـ لقد توصل السادة كتاب السيناريو إلى السر الذى يحفظ عليهم الجهد ويحقق لهم أقصى الكسب . إن كل ما يصدر من أعمال روائية أمامهم ، يقلبونه ويختارون موقفاً من رواية ، ويستوحون شخصية من رواية أخرى ، المهم أن ينسب لهم القصة والسيناريو والحوار ، ولا أريد أن أستطرد فى هذا الأمر ، حزنى يتجدد كلما نبهنى صديق إلى موقف فى أحد أعمالى سطا عليه ـ باستسهال سخيف ـ كاتب للسيناريو ، وضفره فى مواقف أخرى للآخرين ، ومزجها بمواقف أملاها خياله السقيم ، وطالعنا برواية تنسب إليه من الألف إلى الياء ، ويجنى عائداً يصعب عليه أن يتنازل عن جزء منه ، حتى لو كان ذلك التصرف من قبيل إبراء الذمة .
ـ ما آخر أعمالك الإبداعية ؟
* فاجأنى الناشرون فى نهاية العام الماضى بنشر ما كان مودعاً فى أدراجهم طيلة العام ، فصدر لى " كوب شاى بالحليب " عن دار البستانى " ، و " أهل البحر " عن هيئة الكتاب " ، و " المدينة المحرمة " عن دار مجدلاوى بالأردن ، وبدأت الوفد فى نشر روايتى " ذاكرة الأشجار " منجمة . ولى على الكومبيوتر ثلاث روايات أخرى أرجو أن أقدمها للنشر فى وقت مناسب ، فلا تختلط أوقات الصدور .
من المحرر:
بقلم: محمد جبريـــــــــــــــــــــل
.................................................. ..........
تحدث الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة عن ضرورة فك الاشتباك - والتعبير له - بين الثقافة الجماهيرية وهيئات وزارة الثقافة الأخري وأشار إلي التحفظات الواضحة علي تجاوز الهيئة دورها في الفترة الماضية.
والحق ان ما سماه د.مجاهد اشتباكا بين هيئته وبقية هيئات الوزارة يشمل كل هذه الهيئات.
معني انشاء هيئات وزارة ما - لتكن وزارة الثقافة - انها تقدم أنشطة مساعدة كل في مجال محدد بما يعين علي تنفيذ استراتيجية الوزارة في المجالات المختلفة.
أكاديمية الفنون - علي سبيل المثال - تعني بتخريج كوادر من الفنانين والفنيين المتخصصين في مجال الفنون قد تحتاج - تطبيقيا - إلي تقديم عروض مسرحية أو اقامة معارض للفن التشكيلي أو اصدار بعض المطبوعات التي تفيد دارسيها لكن التحفظ يفرض نفسه عندما تقدم مهرجاناً سنويا للمسرح بينما هيئة المسرح التابعة للوزارة تكتفي بالفرجة!
وهدف إنشاء هيئة قصور الثقافة "لماذا استبدل بالثقافة الجماهيرية. الاسم القديم. الجميل؟" هو توفير الثقافة الحقيقية للملايين من أبناء شعبنا وأن تصل أنشطتها إلي أصغر قرية مصرية وأبعدها. لا تغلب نشاطا علي أنشطة أخري وإنما السعي إلي التكامل هو ما تحرص عليه في أنشطتها المختلفة وبالتحديد فإن الثقافة الجماهيرية هي المعني الذي يجب أن تكون له - في أنشطة الهيئة - أولوية مطلقة.
وقيمة المجلس الأعلي للثقافة الأهم في لجانه التي تضع الخطط الاستراتيجية والمرحلية بما يكفل تصحيح الصورة وتصويب الأداء في مجالات العمل الثقافي بحيث لا تتحول - كما نري الآن - إلي قاعة للمؤتمرات التي قد تكون مسئولية هيئات أخري.
ألاحظ ان فاروق حسني يتعامل مع رؤساء الهيئات التابعة لوزارته بالقطعة بمعني انه يكتفي بتبعية كل هيئة للوزارة. دون اجتماعات دورية - يرأسها - للمتابعة والتنسيق والحرص علي عدم تداخل التخصصات فضلا عن تضاربها.
من الخطأ أن تتحول كل هيئة تابعة لوزارة الثقافة إلي وزارة ثقافة مصغرة. تمارس الأنشطة نفسها التي قد تكون من صميم عمل هيئات أخري. المفروض ان تلك الأنشطة تصدر عن استراتيجية محددة هي الوعاء الذي يشمل انشطة الهيئة فلا تختلط الأمور إلي حد ان تقصر هيئة ما عن العمل الذي انشئت لتقديمه بينما تتجه إلي مجالات أخري. لن يخسر العمل الثقافي لو انها اهملتها لسبب بسيط هو ان الاتجاه إلي تلك المجالات مسئولية هيئات أخري تابعة للوزارة نفسها معرفة الدور الحقيقي. وعدم الخلط في الرؤية وضرورة التنسيق. أبعاد مهمة لضمان الحد الأدني الذي يكفل نجاح عمل ما.
هذا هو ما نأمله من فاروق حسني. ومن الهيئات التي نثق انه لم ينشئها للوجاهة. ولا للمظهرية ولا لمجرد أن تتبع وزارته مجموعة من الهيئات.
المراجعة واجبة ان حدث خلط أو انتفت الضرورة.
.....................................
*المساء ـ في 12/7/2008م.