ولا شك أن مثل هذه الذكريات للعب الأطفال ومشاغباتهم ، تتوارد في ذهن كل أب ، بعد أن يكبر أطفاله ، أو يرحلوا عنه لسبب من الأسباب ، وهذا ما حدث للشاعر الكويتي ( عبد الغني أحمد الحداد ) الذي سافر أطفاله وتركوه وحيداً في غاية الصمت الموحشة ، فأنشد قصيدته " الواحة المسافرة " يقول :
غابوا فغاب الأنس وانطفأت أغاريـد حسـان في وحشة الصمت الكئيب أعيش وانعقد اللسان
رحلوا .. وحين فراقهم .. عبثاً تدارى دمعتان
وكثيراً ما يشارك الكبار لعب الصغار ، ويرون فيهم طفولتهم التي مضت ، وهذا ما تشير إليه الشاعرة اللبنانية ( زهرة المر ) في قصيدتها التي تتحدث فيها عن مشاركتها لحفيدتها – أروى – في اللعب واسترجاع الذكريات حيث تقول :
أحفيدتي ، ولأنت في خلـدي
أحلى وأجمـل قصـة تـروى
جددت فيـك طفولتـي فأنـا
أنت ، ومـا تهوينـه أهـوى
ورجعت ألعب ، بعد أن هجرت
كف المشيـب اللعـب واللهوا
وهكذا تنزل الشاعرة إلى مستوى الأطفال ، وتلاعبهم وتلعب معهم ، وقد نجد في بعض القصائد عند الشعراء ما يدل على أصدق المشاعر الجياشة بين الأب وأبنائه الصغار ، وتحمله لكل ما يقومون به من عبث بمحتويات المنزل ، إلى مداعبتهم لشعره وشاربه ولحيته ، وهذا ما يعبر عنه الشاعر ( فواز حجو ) في قصيدته " فؤادي الوحيد " التي يقول فيها :
تقوم وتقعد فـي خاطـري
وتحبو بعيني حيـث تريـد
وتنتف ما شئت من شاربي
وتلهـو ببيـدر كالحصيـد
فاسمع شدوك حيث ارتحلت
فتحلو بحار وتخضرّ بيـد
وكثيراً ما يحدث خلاف بين الإخوة حول اللعب والألعاب في المنزل فيهرعون إلى " بابا " ليحكم بينهم ، وقد يلح أحدهم عليه ليسترجع لعبته التي أخذها منه أخوه ، وهذا ما نراه عند الشاعر الدكتور ( وليد قصاب ) من دبي ، حيث يقول واصفاً طفلته التي جاءت باكية إليه تشتكي من أخيها الذي مزق لعبتها فيقول :
تأتي إلي لتشتكي في غضبة
وتروم منـي أن أرد أخاهـا
" أنس " يكسر ما لديها عابثاً
ويشد لعبتهـا وقـد آذاهـا
إني أريد عروسة صداحـة
بابا حبيبي لا أريـد سواهـا
وتتنوع طرق التسلية والمتعة حتى لدى الكبار ، فتراهم يأخذون أطفالهم في نزهة إلى الغابة أو شاطئ البحر في العطل والأعياد ، فيلعبون سوية ويستمتعون بضحك وفرح أطفالهم وهذا ما نراه عند الشاعر ( محمد سعيد البريكي ) الذي يصف سعادة وفرح ابنته " بسمة " وهو يشاركها اللعب فيقول :
كم على الشاطئ الجميل جمعنا
صدفاً حين يداعب الموج رمله
وبنينـا مـن الرمـال بيوتـاً
فمحا الموج ما بنينـاه جملـه
وضحكنا فالعيـش بـؤس إذا لم يسعد المرء باللطائف أهله
أخيراً .. وبعد أن اقتطفنا وروداً جميلة من حدائق قصائد بعض الشعراء ، الذين أنشدوها في حب الأطفال للعب والألعاب وصاغوها بأسلوب جميل ، وكلمات حلوة وبسيطة ، وألفاظ شيقة سهلة ، وزينوها بأروع العواطف وأرق الأحاسيس الجياشة بحب فلذات الأكباد ، لا بد من القول بأن كل ما ذكرناه إنما هو غيض من فيض ، فالأطفال زينة الحياة وعالمهم عالم كبير مزهر ومن الأهمية بمكان أن نلج في هذا العالم لنحافظ عليه ، ونصون البراءة والصدق والعفوية التي يتسم بها ونوفر له الفرح والسعادة الدائمة ، وما هذه المحاولة إلا خطوة على طريق الألف ميل في عالم الطفل الرائع .