منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 13 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 121

العرض المتطور

  1. #1
    السلام عليكم من جديد واعذر فضولنا وتتالي حوارنا إنما نتوخى رحابة الصدر والفكر العميق الفاتح لشهية الحوار:
    ورد في كتاب مترجم لمالك بن نبي رحمه الله(مشكلة الثقافة/ترجمة عبد الصبور شاهين):
    ص 14
    في القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات قوة وكان مركز الأمة بعدد مصانعها ومدافعها وأساطيلها البحرية ورصيدها من الذهب..
    ولكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطورا معلوماهو انه قد اعلى من الفكرة باعتبارها قيمة قومية..
    ويستطرد في ص 15:
    المسلم بسبب عقدة تخلفه يرى ان تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع وطائراتومصارف.
    وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليتهإ إذ ينتهي من اولجهة النفسية إلى التشاؤم ...فلكي يصبح مركب النقص لديه فعالا مؤثرا ينبغي ان يرد المسلم تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء, فإن تطور العالم الجديد دائما يتركز اعتمادا على المقاييس الفكرية.
    **************
    هنانقول مادام المفكر الواعي حصرا والمثقف العميق الفكر يعرف تلك المعلومة الهامة جدا فماذا عليه ان يكون عليه وكيف يمكنه التحول لعنصر فاعل في عالم تجديد الخطاب الديني لتغيير الأفكار السائدة حاليا بخطوات واضحة موزونة من خلال المعطيات الحالية؟
    مع جزيل الشكر
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    منهج في تفسير التاريخ وقراءة أحداثه..
    أما في بقية إجابتي على أسئلة المهندسة "اعتماد"، أود أن أؤكد على العوامل التالية في منهجي التفسيري للأحداث ولقراءة التاريخ..
    1 – التاريخ لا يتحرك بالمؤامرات والدسائس، بل بالقوانين والنواميس، التي أطلق الله عليها اسم "السنن" في كتابه الكريم. والشعوب هي المادة الأساسية لصناعة حركة التاريخ. وبالتالي فحركة هذه الشعوب وهي تنتج التاريخ أو تُحْدِثه أو تصنعه، لا تنتج عن مؤامرات. وعلينا كي نفهمها أن نحسن قراءة نواميس التغيير، وقوانين حركة التاريخ. ومن يريد أن يفهم التاريخ وحركة الشعوب بأدوات غير هذه الأدوات، فلن يستطيع، وسوف يتخبط ويضلُّ الطريق، ويضلل معه الآخرين ممن سيعتمدون على فهمه القاصر.
    2 – النواميس والقوانين التي تحكم الحركة الاجتماعية، وبالتالي التاريخية "السنن"، هي في حتميتها وقوتها وقدرتها على تحقيق النتائج التاريخية والاجتماعية، كالقوانين الطبيعية ولا فرق من حيث قدرة هذه الأخيرة على تحقيق النتائج الطبيعية، أي من حيث جوهرها كقوانين بالتالي. فقانون غليان الماء، وقانون سقوط الأجسام بفعل الجاذبية، وقانون بويل للعلاقة بين الضفط والحجم والحرارة، وقانون الطرد المركزي.. إلخ، هي "سنن" طبيعية. والقوانين التي يتحرك بموجبها المجتمع ويتشكل بفعلها التاريخ، هي أيضا "سنن"، ولكنها "سنن تاريخية" أو "سنن اجتماعية". الفرق الوحيد بين "سنن الطبيعة" و"سنن التاريخ"، هو أن الأولى تقع خارج سيطرة الإرادة الإنسانية بالكامل، بينما الثانية يمكن لهذه الإرادة الناتجة عن الوعي والثقافة والمثابرة، أن تتدخل في صيرورتها، لا إلغاء، بل تقديما أو تأخيرا. فالحدث التاريخي الذي حدث اليوم، كان بالإمكان أن يحدث بالأمس، أو أن يتأجل إلى الغد، بفعل هذه الإرادة الواعية المثقفة المثابرة.
    3 – المؤامرة بطبيعتها فعل محدود المكونات، ومحدود العناصر، ويقوم على فعل محدود أيضا. ولا توجد مؤامرة كلية شمولية، لأن هذا مستحيل ويتعارض مع فكرة الناموس و"السنن"، لأن المؤامرة إذا كان يمكن لها أن تكون شاملة وتأخذ مكان "الناموس" الكوني، فإن هذا الناموس يفقد قيمته، ويغدو خلق الله له مسألة عبثية فاقدة لقيمتها، إذ كيف يكلفنا الله باتباع السنن والقوانين والأقدار، ثم يجعل بالإمكان لفئة من خلقه أن تجلس في "كهف مظلم" لتضع خطة تعطلها بأكملها؟! إن هذا كلام لا معنى له. ومع ذلك فإن للمؤامرة مكانا علينا أن نفهمه.
    4 – إذا كان الله سبحانه وتعالى، وهو خالق القوانين والسنن والأقدار، والقادر على تعطيلها وقت يشاء – وما استجابته سبحانه للدعاء إلا شكلٌ من أشكال ما يبدو ظاهريا أنه تعطيل لها جزئيا كما أخبر بذلك الرسول الكريم عندما قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" – لا يستجيب لدعاء الداعين لا بالمعجزات ولا بالخوارق، بل بتهيئة الواقع الموضوعي ليتحرك وفق منظومة نواميس تحقق إرادة الله في الاستجابة، كأن يستجيب لمن دعاه بـ "طلب توسعة رزقه"، بتهيئة ظروف عمل تتيح له أن يثرى، لا بإنزال كنز عليه من السماء.. نقول.. إذا كان الله جل وعلا يتعامل مع نواميسه على هذا النحو، حتى وهو يريد تغييرها استجابة لدعوة داعٍ مخلص وصادق وقعت المشيئة على الاستجابة له، فهل يعقل أن يمنحَ الله المتآمرين قدراتٍ وصلاحيات لم يفعلها هو ذاته سبحانه وتعالى؟! وإذن فما المؤامرة؟ وما المتآمر؟ وكيف تنتج المؤامرة تأثيرَها في الواقع الموضوعي التاريخي والاجتماعي؟
    5 – المتآمر بطبيعته – غالبا – طرف ذكي إن لم يكن داهية. وهو يدرك أن التاريخ يتحرك وفق قواعد ونواميس وسنن، وهو – عادة – أكثر وعيا بهذه النواميس والسنن من غيره من الغافلين المستسلمين للأقدار بمنتهى السلبية. وبالتالي وكما أنه يعرف أنه لا يستطيع جعل جسمٍ ما يطلقه إلى الأعلى يمتنع عن الرجوع إلى الأرض تأثُرا بقانون الجاذبية، إلا إذا زوده بقوة مضادة تعتقه من أسر هذه الجاذبية.. فهو يعرف أيضا أن شعبا ما، إذا توفرت فيه كل عناصر الانفجار، بسبب الفقر والقمع والظلم، وإذا توفرت فيه كل صواعق التفجير من انشقاق للمثقفين وكسر لحواجز الخوف.. إلخ، إن شعبا كهذا لا يمكن وقف انطلاقته والتحكم فيها أو منعها. مع أن المتآمر ربما يكون في وقت سابق قد بذل كل ما في وسعه لتأخير هذه اللحظة، عبر فرملة كل عناصر التحريك ومنعها من التجَسُّد، إلى أن أصبح الوضع خارج حدود السيطرة.. وإذن فالمتآمر هو طرفٌ يستخدم السنن والنواميس بكفاءة، وبالتالي فالمؤامرة ليست معجزة أو أسطورة، أو امتلاكا خرافيا لقوى خارقة، وإن هي إلا رؤية مقابلة للحركة المستهدفة، تستخدم السنن كما تفرض هذه السنن نفسَها كي تحقق أهدافها بها. ومن ثم فالمعركة بين المتآمر والمتآمَر عليه، هي معركة نواميس وسنن ووعي بها وكفاءة في استخدامها، والنصر في النهاية هو لمن يحسن استخدام هذه النواميس وتلك السنن. أي أن أدوات الطرفين في أسوإ الحالات متساوية، والذي يمكنه ألا يتساوى هو مستوى الوعي بتلك الأدوات وبكيفية استخدامها. ومن ليس في مستوى الوعي الذي تتطلبه مرحلة من مراحل التاريخ، يريد إعادة إنتاجها وفق رؤية جديدة لإعادة إنتاج العلاقات بشكل جديد، فليس أهلا لها وعليه أن يتحمل النتائج!! وعلينا أن نعي أنه حتى المتآمرين الذين نجحوا في تمرير مؤامراتهم، إنما نجحوا في ذلك لأنهم تفوقوا في استخدام "السنن" على خصومهم، كما أنهم لم ينجحوا إلا لأن خصومهم هؤلاء كانوا "غوغائيين" و"عاطفيين" و"غير عقلانيين" ولا قارئين سننيين للتاريخ وللحركة المجتمعية.
    6 – السياسة هي التكثيف الحركي للثقافة والاقتصاد والإعلام ولغيرها من عناصر البناء المجتمعي، وبالتالي فلا يمكن فهم الحراك السياسي والأحداث السياسية بدون فهم مُكَوِّناتها السابقة، كما أنه لا يمكن التعاطي بشكل "سياسي" مع صيرورة الواقع، بدون امتلاك القدرة على فهم "الخطاب السياسي" للآخر وتحليله بكفاءة، وعلى صياغة خطابنا السياسي المرتكز إلى القراءة الموضوعية للواقع، لمخاطبة الآخر والتعامل معه على أساسه.
    7 – إن التفسير الموضوعي للحركة في لحظتها الراهنة، لا يقوم على قراءة مجتزأة تفصل اللحظة الراهنة عن سياقها التاريخي المديد. لأن ذلك السياق هو الذي صنع هذه اللحظة، وبالتالي فمن لا يمتلك معرفة تاريخية ووعيا في "التاريخ السياسي" سوف يقف عاجزا عن فهم ما يحصل الآن، وسوف يكوِّن رؤية قاصرة ومضللة عنه، إذا أصر على إخضاعه لأدواته غير المكتملة في قراءة التاريخ.
    8 - من الواضح أن المواطن العربي عموما لم يعوِّد عينية إلا على لونين فقط هما الأسود والأبيض، وأن عيني أي مواطن من مواطني هذه الأمة مصابة بعمى ألوان من النوع الذي يحول بينها وبين استقبال الألوان "المركبة"، وتحديدا "اللون الرمادي". بينما الواقع يؤكد لنا على الدوام أن من يريد أن يتعاطى مع السياسة أو أن يفهمها على أقل تقدير، فإن أول ما يجب عليه فعله، هو أن يُحَرِّرَ نفسه من ثنائية الألوان المضلِّلَة هذه، ألا وهي ثنائية "الأسود والأبيض"، وأن يبدأ بتكييف عينَيْ دماغه كي تتجاوبا مع اللون الرمادي.

  3. #3
    محاولة لإسقاط المنهج على الواقع..

    والآن وبعد أو أوضحت لك هذه العناصر التي تحكم منهجي في القراءة التاريخية وفي التحليل السياسي أستطيع أن أجيب على أسئلتك على نحو مختصر في الآتي..دعونا نحترم عقولنا وعقول قرائنا ومناقشينا، ونقرر أن نتحدث في السياسة، وليس في أكلة "كبة" أحدنا يريدها نية والآخرون يريدونها على خلاف ذلك. فالسياسة أمر كبير، لأنها الأداة التي تمكن ممارسيها من امتلاك قوة التغيير وسلطة التوجيه لدولاب الدول والمجتمعات في هذه الوجهة أو في تلك. بداية يجب أن نعترف بالمبادئ التالية التي أصبحت قواعد في علم الثورات، وفي سنن ونواميس وقوانين الحراك التاريخي المجتمعي..
    1 – لا يوجد شعب في العالم يتحرك ويطالب بالإصلاح أو يثور بناء على أجندة أجنبية، ومن يعتقد ذلك هو طرف – مع الأسف – جاهل بالحقائق وبحركة التاريخ، ويصور الشعب الثائر أو المتحرك بأنه شعب خائن وعميل لطرف أجنبي، وأن النظام وحده هو الوطني والنزيه. ولكن يوجد أشخاص أو توجد فئات داخلية أو خارجية لها أجنداتها الخاصة المستقلة أو المرتبطة، تحاول أن تستغل ظرف الثورة وأن تركب الموجة وأن تقفز، إما على الثورة أو من خلالها لتحقيق أهدافها. وهذا موجود في كل الثورات. بل حتى الأنبياء المدعومون من الله مباشرة، كانوا يعانون من هذه الفئات. ولعل فئة "المنافقين" التي تحدث عنها القرآن الكريم كثيرا هي نموذج من نماذج الوصولية والارتزاق ومحاولات القفز على ثورة الإسلام العظيمة منذ بداية تكوينها وتشكلها، وهي الفئة التي عانى منها المسلمون كثيرا حتى وهم قوة ممثلة في دولة. إذن فلا قيمة حقيقية لادعاء وجود وصوليين وأصحاب أجندات يحاولون القفز على حراك الشعب واستغلاله وإفقاده قيمته وتجييره، لأن هذه الظاهرة مرافقة لكل حركات المجتمعات وثوراتهم في كل مكان وزمان، ومع ذلك فالشعوب كانت تثور وتتحرك وتطالب وتضحي وتُقْمع، وأحيانا كانت تنتصر وتحقق ما تريده، وأحيانا كانت تفشل، وأحيانا كان أصحاب الأجندات يوفقون في تحقيق أهدافهم لسبب أو لآخر، وأحيانا كانوا يفشلون.
    2 – إن ثورة أو تحرك شعب ما من أجل مجموعة مطالب، ليست "موضة" ولن تكون، ولا يوجد شعب يثور بعد ثورة شعب آخر، لأن هناك مصممي أزياء أقنعوه بأن هذا الثوب الجديد الذي هو الثورة أجمل وأنسب، ولكن قد يتأثر شعب كان خائفا أو غير مقتنع بأمر ما، أو مترقبا أو صابرا، بعد أن يرى شعبا آخر ثار قبله وحقق نتائج، قد يتأثر بهذا الشعب، فيقرر أن يأخذ زمام المبادرة مثلما فعل غيره. فآخر ما يفكر فيه شعب من الشعوب أن يثور ويقدم الضحايا إذا كان بإمكانه تحقيق مطالبه بدون تضحيات. فتاريخ الثورات والأنظمة القمعية والاستعمار، يثبت لنا هذه الظاهرة بلا مواربة. لا يوجد شعب يفضل الموت على الحياة، ولا الحلول الصعبة على الحلول السهلة، ولا الصدام على التجاوب المثمر. ولا يوجد شعب في التاريخ بدأ مطالبه بالثورة والصدام، بل هو ينهي مطالبه بها. بل حتى الثورات العربية في مصر وتونس، بل وفي ليبيا واليمن، وأيضا في سوريا، بدأت مطلبية ثم تطورت إلى الصدام بسبب الأنظمة التي تعاملت معها بعنف ودموية. وإن من يتصور الأمر على غير هذا النحو، فهو في الواقع لا يعرف شيئا عن المجتمعات والشعوب، ولا عن التاريخ وحركته، ناهيك أن يعرف شيئا عن السياسة والاقتصاد. والأجدر به أن يقبل بدور المتفرج والمتلقي، بدل أن يقحم نفسه في أدوار المنظرين والمتفلسفين وأصحاب المواقف والآراء بغير علم ولا هدى.
    3 – لقد أصبح هناك فرع علمي يدرس في كليات "علم الاجتماع" وكليات "التاريخ" وكليات "العلوم السياسية" هو "علم الثورة"، تكونت قواعد وأساساته من خلال استقراء تاريخ الثورات على مدى آلاف السنين من حركة الشعوب والمجتمعات في مختلف بقاع الأرض. وبالتالي فعلى من يريد التحدث في ثورة أو حركة أو مطالب شعب من الشعوب، أن يكون علميا ويرتكز إلى قواعد هذا العلم، تماما مثلما يرتكز الطبيب في أي حديث أو حوار طبي له إلى قواعد علم الطب. ومن أهم قواعد "علم الثورة"، هو أنه لا يوجد شعب في العالم يتحرك ويثور بكامله أيا كانت الظروف. فالفئات الصامتة والمترددة أو حتى المتعاطفة بصمت، مع هذا هذا الطرف أو ذاك، تشكل دائما الأغلبية العظمى من المجتمع. ولقد بين استقراء تاريخ الثورات أن كل الفئات التي ثارت وتحركت وكافحت وضحت ونزلت إلى الشوارع واعتصمت وخرجت في مسيرات معادية للأنظمة التي ثارت ضدها، في كل الثورات التي عرفها البشر، وحتى في القرن العشرين عصر الاتصالات والفضائيات والإنترنت، كانت تتراوح بين 1% و5% من مجموع أفراد الشعب. وكانت هذه النسب هي التي تحقق النتائج وتسقط الأنظمة وتعيد بناء المجتمع من جديد، وكان المجتمع يعتبر نفسه قد ثار وانتصر بمجرد أن هذه الأقلية النشطة والفاعلة ثارت وأسقطت النظام. ولم يحدث أن قال أحد أن الثورات كلها ساقطة وفاشلة لأن الذين فجروها وحققوها هم قلة قليلة. وبالتالي فكل من يرد على ثورة ما أو حراك ما بأنها أو بأنه قلة لا تتجاوز هذه النسبة، هو جاهل بالتاريخ وبالثورات، ولا يعتبر رده علميا على الإطلاق، وعليه أن يعيد النظر في مواقفه. فأكبر عدد احتواه "ميدان التحرير" خلال الثورة المصرية هو 2 مليون متظاهر، وهذا العدد يشكل "2,5%" فقط من تعداد الشعب المصري.
    4 – في ثوراتنا المعاصرة ثبت أن أهم سلاح هو سلاح الإعلام، ومن يملكه يحقق نتائج أفضل من خصمه، ويكون أكثر قدرة على إقناع المراقبين من غيره. وبالتالي فنحن كمراقبين ومشاهدين معنيون ببناء مواقفنا من أي حراك شعبي أو ثورة شعبية على أساس نقطتين رئيسيتين..الأولى.. ما يمكننا تكوينه من الزخم الإعلامي المتساقط على رؤوسنا من صورٍ لما يحدث.الثانية.. ما يمكننا فهمه من خلال وعينا السياسي التاريخي بموقع الحدث وبمكونات هذا الموقع على جميع الأصعدة والمحاور.وبالتالي فلا مكان لمتحدث يدلي بدلوه بدون إيراده لحقائق مقنعة وحجج دامغة سياسا وإعلاميا، فضلا عن الرؤية السياسية الإستراتيجية الموضوعية، وإلا فإن الاستماع إليه مضيعة للوقت.
    5– لا يحق لأي كان أن يفرض على شعب معين أجندة لا يريدها، أو أن يحرمه حقوقه بحجة أجندة معينة هو يريدها. فكل الأجندات التي يتبناها النظام الحاكم لشعب ما يفترض أن تكون منبثقة من الشعب وأن تكون هي ذاتها أجندات ذلك الشعب، وألا يزاود عليه النظام بتلك الأجندات، لأن النظام أساسا إنما تبناها كأجندات له، تجاوبا مع إرادة الشعب الذي اعتبرها أجنداته الخاصة، قبل أن تكون أجندات ذلك النظام، وهو ما يعني أن الشعب قَبِلَ بالنظام عندما قبل به لأنه تبنى تلك الأجندات. والخلاصة أن الشعب لا يزاوَدُ عليه في الأجندات، ولا يقال له وهو يثور ويتحرك: "لو سقط النظام" ستضيع هذه الأجندات!! لأن من يقول هذا إنما يتهم الشعب بأنه غير معني بتلك الأجندات.. ففي سوريا مثلا، النظام السوري "نظام ممانع" و"يدعم المقاومة"، ويطرح أجندة "معادية لأميركا وإسرائيل"، لأن الشعب السوري كذلك. والشعب السوري رضي بهذا النظام طيلة الفترة السابقة – إذا كان بالفعل راضيا به – لأنه هو الذي يريد ذلك، أعني الشعب السوري نفسه. وبالتالي فمن يزاود على الشعب السوري بالقول بأن المقاومة في خطر، وبأن الممانعة في خطر إذا سقط النظام، فكأنما يقول للسوريين: إنكم غير ممانعين وغير معنيين بالمقاومة، وبالتالي فلكي نحافظ على المقاومة والممانعة يجب أن يبقى النظام. أي أن الشعب السوري ليس قوميا ولا وطنيا في جوهره، وأن هذه الوطنية وهذه القومية مفروضة عليه بهذا النظام، وأن القومية والوطنية نزلت عليه من السماء عندما جاء هذا النظام. وهذا خطأ ولا يجوز في حق السوريين، ولا في حق أي شعب، لأن فيه امتهان له وعدم احترام لقوميته ووطنيته وانتمائه.5 – عندما يستطيع نظام معين يواجه حراكا شعبيا أو ثورة شعبية، أن يثبت أن هناك من يستغل حركة الشعب وثورته ومطالبه كي يخدم أجندات معادية، فعليه أن يتعاون مع هذا الشعب على تخليص حراكه أو ثورته من أنصار وأتباع تلك الأجندات، لا أن يعتبر ذلك الأمر حجة لقمع الحراك والثورة وقتل المواطنين، مستخدما هذه النقطة قميصَ عثمان لتبرير ما يفعله. ومع ذلك فالنظام معني بإثبات دعواه بوجود مستغلين يريدون تحقيق أجندات خارجية معادية، وألا يكتفي بمجرد الادعاء دون دليل مقنع، لأن الأمر سينقلب عليه ويفقده مصداقيته فيما يفعله.
    6 – الإمبريالية العالمية وحليفاتها، الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية والصهيونية العربية، عملوا ويعملون على صياغة "شرق أوسط جديد"، وبالنظر لما ذكرناه سابقا فإن هذا المشروع أو مشروعنا الوطني القومي التحرري النهضوي، لن يتحقق أي منهما إلى في ساحة صراع ومواجهة يستخدم كل طرف فيها كل ما في حوزته من أدوات الوعي والمعرفة والعلم والثقافة والمثابرة والصمود. وبالتالي فلا شيء يخيفنا لا علينا ولا على مستقبلنا ولا على مستقبلنا شعبونا وثوراتها، من حيث تقدمية الإنجازات، وما علينا سوى أن نخاف على وعينا وقدرنا على صناعة التاريخ وإنتاج حركته، فالمنتصر – اليوم أو غدا، هنا أو هناك – هو من يملك القدرة على ذلك.
    وشكرا على سعة صدرك وصبرك علي حتى قراءة كامل حديثي مهندسة اعتماد
    راجيا أن أكون قد قمت تجاه سؤالك القيم ببعض واجب الإجابة.
    أسامة عكنان

  4. #4
    السادة المحترمون
    تحية وبعدشكرا على تواصلكم
    أسامة عكنان
    أسئلة المهندسة "اعتماد محفوظ"..
    من خلال ماتقدم مما شرحتم وفندتم يمكنني السؤال :
    لم تكن الثورات كلها على مستوى واحد هذا أولا , ولم تعالج جميعها محليا وعربيا وعالميا بنفس المستوى.. كيف ترى مستقبلها على المدى القريب والبعيد؟ وكيف يجب أن تكون عليه من خلال المعطيات الواضحة أمامنا؟ وهل فعلا هناك أسطر فاتك تضمينها عبر إجابتك على سؤال الدكتورة بنان الثاني؟ وأن هناك الكثير مما يمكننا قوله خاصة عن الشرق الاوسط الجديد؟
    الإجابة..
    لا يوجد سؤال أيا كانت خصوصية الموضوع الذي يعالجه، إلا ويثير في ثناياه إمكان الحديث عن الكثير من القضايا المتشابكة وذات العلاقة بموضوعه. ومع ذلك يجد المرء نفسه بحكم العديد من العوامل – على رأسها الزمان والمكان غالبا – مدفوعا إلى التركيز على المحور الأساس فيه. وبالتالي فمن نافلة القول التأكيد على أن السؤال الثاني للسيدة "بنان" قد يكون من متطلبات الإجابة عليه إذا توسعنا فيها، العروج على إستراتيجية "الشرق الأوسط الجديد"، بل وأفكار وإستراتيجيات أخرى لها علاقة بالموضوع، هي إلى حد بعيد ما أثرت بعضا منها في أسئلتك. دعيني أستبق ما أشتم بعضا منه في آخر سؤالك عندما قلتِ: "وهل فعلا هناك أسطر فاتك تضمينها عبر إجابتك على سؤال الدكتورة بنان الثاني؟ وأن هناك الكثير مما يمكننا قوله خاصة عن الشرق الأوسط الجديد؟"، وما سبق وأن اشتممت بعضا منه في سؤال السيدة "بنان" الأخير عندما قالت: " وما رأيك بما يجري حولنا من أحداث بتقييمك العام، ومن هو المحرك الرئيس لها؟؟".. أقول.. أستبق ما أشتمه وما اشتممته، لأني بالفعل أحس بأن روح "عقيدة المؤامرة" – اعتناقا أو رفضا أو استفسارا - تطل بعنقها عبر الكلمات والإشارات، بل وحتى عبر علامات الاستفهام في الأسئلة!
    فذلكة لغوية..
    لاحظي معي مهندسة "اعتماد"، كيف أن السيدة "بنان" بعد أن طلبت رأيي فيما يجري حولنا من أحداث، أنهت سؤالها بصياغة دقيقة ليس من الحكمة أن يمر عليها الباحث الذي يعتبر نفسه متمرسا، مرورَ الكرام.. فهي قد سألت: "من هو المحرك الرئيس لها؟؟".. أقف في هذه العبارة متقنة الصياغة ودقيقة الدلالة عند أربع مؤشرات، ثلاثة منها شكلية ظاهرة، والرابع ضمني يفرضه المعنى والسياق..1 – استخدام الحرف "من" بدل الحرف "ما".. أي "من يحرك" وليس "ما يحرك، أي أن هناك إيحاء أو إشارة أو تساؤلا عن "عقلاء"، أي "بشر"، أي "فئات" أو "أشخاص" أو "منظمات" أو "دول"، وليس عن عناصر وعوامل.. فـ "الكرامة" و"الجوع" و"السعي إلى الحرية" و"الرغبة في محاربة الفساد".. إلخ، لا يُسْأَلُ عنها باستخدام "من"، وإنما باستخدام "ما"، لأنها مفاهيم مجردة، وبالتالي فهي تُصنف في اللغة العربية حين الحديث عنها في "غير العاقل" الذي تستخدم في التعبير عنه أدوات غير العاقل، من مثل "ما".. إذن من حقي كباحث يتحرى الدقة أن أشتم في استخدام السيدة بنان لحرف "من" شيئا من هذا القبيل الذي ذكرته.2 – ثم استخدمت صفة "الرئيس" في نعت "المُحرك". وهنا أيضا يحق لي أن أفهم أن هناك إيماءة خفية كشف عنها الوصف إياه، بأن هناك أكثر من "محرك محتمل"، فإن كنا نرى محركا ظاهريا هو "الشباب" أو "بعض القوى السياسية"، فقد لا يكون هذا المحرك هو "المحرك الرئيس"، وقد يكون ذلك المحرك أحدا غيره!!3 – روح التأكيد للسؤال الخفي أو للفكرة الخفية التي أتحدثُ عن إطلالها بعنقِها من بين ثنايا الكلمات والصياغات، برزت بشكل عفوي – يلجأ إليه الإنسان بتلقائية بريئة في العادة ودون أن يحس أو يدري – عندما ختمت السيدة "بنان" عبارتها بعلامتي استفهام "؟؟"، وليس بعلامة واحدة فقط "؟". إذ أن علامة استفهام واحدة تكفي، وهي وحدها ما يطلب كتابيا للتعبير عن دلالة التساؤل. ولكن الإكثار من علامات الاستفهام كما يشير على ذلك علماء اللغة وبعض علماء التحليل النفسي، هو تأكيد لروح الشك التي تقف وراء السؤال، وللغريب المتوقع والمنتظر في الإجابة، أو ربما هو لفت انتباه المسؤول إلى أن السائل يريد شيئا غير تقليدي في الإجابة، لأن السؤال قام على أساس تصور شيء غير تقليدي!!4 – كانت المؤشرات الثلاثة السابقة هي المؤشرات الشكلية الظاهرة التي جعلتني أشتم ما لم تبح به الكلمات من تساؤل خفي عن "فكرة التآمر"، إن كانت موجودة في الثورات العربية أم لا. أما المؤشر الرابع وهو ما وصفته بالضمني، فهو ما تقتضيه العبارة كلها من معنى محتمل.. فسؤال "من هو المحرك الرئيس لها؟"، هو سؤال لا يطرح على هذا النحو إلا إذا كان السائل قد انطلق من افتراضات اعتبرها يقينية، بنى عليها سؤاله، وهي أن هناك أكثر من محرك، بعضهم أساسي وبعضهم ثانوي، وبالتالي ربما لاختلاط الأمور عليه طرح سؤاله كي يتعرف على المحرك الأساسي، أو ربما ليختبر المسؤول ويرى مدى تطابق رأيه في هذا الشأن مع رأس السائل.. إلخ. في كل الأحوال، ما دفعني إلى التقديم بهذه الفذلكة التحليلية اللغوية المرتكزة إلى بعض قواعد "سايكولوجيا الدلالة التعبيرية للكلمات والحروف والعبارات"، هو التأكيد على أن "عقيدة المؤامرة" في تفسير ما يدور حولنا من أحداث كبيرة، تُطِلُّ برأسها مجردَ إطلال، لكنها لا تمثل حالة يقين عند من يعانون من وقعها، وكل ما في الأمر أن المؤثرات الإعلامية، والمعاناة التاريخية، والتعود على الاستهداف المستمر، بدون وجود من يشرح لنا بعقلانية حقيقة ما يحدث، ما تزال تؤثر على الكثيرين، وتحول دونهم والقدرة على تكوين رؤية متكاملة وناضجة ومحايدة عن الأحداث التي تمر بها الأمة في منعطفاتها الكبرى الراهنة.

  5. #5
    السلام عليكم واهلا وسهلا بك باحثنا العزيز:
    يدهشني اللقاء بعمق حواره وإيجابية الفكر وحيويته وبعد:
    هل لنا بان نجد تعريفا عصريا لكل من المفاهيم التالية؟
    الصحافة العربية
    اليتم الثقافي
    البيئة العربية
    بنك المعلومات
    الإنسان العربي
    الأسرة العربية
    الحضارة العالمية
    المفكر العربي
    الجيل الجديد
    عالم النت
    **********
    ولي عودة

  6. #6
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020
    السلام عليكم جميعا
    وحوار ساخن ومحفز جدا:
    تحياتي أستاذ أسامه واسمح لي بطرح امور لم نجد لها كمجتمع شرقي حلا ولو وسطيا يبعدنا عن الجدل الدائر في مجتمعنا العائلي والثقافي عموما:
    يهمي وجهة نظرك حولها:
    الرمضان الشرقي
    قضايا الرجل والمراة
    الفجوة بين جيلين
    الوعي الصحي
    الموثوقية المعرفية
    الدراسة الجامعية وماقبلها ومابعدها
    ***********
    مع جزيل شكري وامتناني
    ومتابعة بشغف
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  7. #7
    المحترمون في موقع فرسان الثقافة
    بعد التحيةهذه إجابة على أسئلة الفاضلة "ريما الخاني"
    الأخيرةمع خالص التقدير والاحترام
    أسامة عكنان
    ورد في كتاب مترجم لمالك بن نبي رحمه الله(مشكلة الثقافة/ترجمة عبد الصبور شاهين):
    ص 14
    في القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات قوة وكان مركز الأمة بعدد مصانعها ومدافعها وأساطيلها البحرية ورصيدها من الذهب..
    ولكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطورا معلوماهو انه قد اعلى من الفكرة باعتبارها قيمة قومية..
    ويستطرد في ص 15:
    المسلم بسبب عقدة تخلفه يرى ان تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع وطائراتومصارف.
    وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليتهإ إذ ينتهي من اولجهة النفسية إلى التشاؤم ...فلكي يصبح مركب النقص لديه فعالا مؤثرا ينبغي ان يرد المسلم تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء, فإن تطور العالم الجديد دائما يتركز اعتمادا على المقاييس الفكرية.
    هنانقول مادام المفكر الواعي حصرا والمثقف العميق الفكر يعرف تلك المعلومة الهامة جدا فماذا عليه ان يكون عليه وكيف يمكنه التحول لعنصر فاعل في عالم تجديد الخطاب الديني لتغيير الأفكار السائدة حاليا بخطوات واضحة موزونة من خلال المعطيات الحالية؟
    ********
    الإجابة..
    إن ما أشار إليه المفكر الكبير "مالك بن نبي" في النص الوارد في متن سؤالك، يصور لنا جوهر المعضلة التي يعاني منها المسلمون عامة، والعرب من بينهم على وجه التخصيص، والقائمة على كونهم لا يتصورون أن مشكلة تخلفهم راجعة إلى أرضية فكرية وثقافية في المقام الأول، بسبب تصورهم أن الفهم السائد والتقليدي للإسلام - بوصفه مرجعيتهم الأم في فهم الوجود بكل جوانبه - هو في ذاته أرضية فكرية ومرجعية ثقافية كافية لامتلاك مبررات التَمَيُّز وبالتالي مبررات عدم الشعور بمركب النقص الفكري والثقافي والأيديولوجي، حتى لو كانوا متخلفين تقنيا وعلميا، ويستوردون ممن "يتقالونهم فكريا" أكلهم وشربهم وكساءهم ودواءهم وسلاحهم!! إن هذا الواقع المقلوب هو الذي جعلهم – أي العرب والمسلمون - يفترضون أن مشكلة نهضتهم هي في الأساس مشكلة تقنية ومادية وعلمية بالدرجة الأولى. وهذا خطأ كبير في حقيقة الأمر. فالعرب متخلفون، لأنهم متخلفون فكريا أولا وقبل كل شيء، وهم بحاجة لأن ينهضوا، بمعنى أنهم بحاجة لأن ينهضوا فكريا بالدرجة الأولى. فمشروع النهضة العربي هو مشروع ثقافي وفكري، عميق في "فكريته وثقافيته"، قبل أن يكون مشروعَ ارتفاعٍ في مؤشرات الرفاهية والاستهلاك، وانخفاض في دالات البطالة والفقر، وقبل أن يكون امتلاك سيارة وصاروخ وطائرة. لأن كل ذلك يجب أن يرتبط بفلسفةٍ تُؤَصِّلُه، وبفكرة تُؤَدْلِجُه، كي يكون دالا على النهضة الموضوعية التي قد تجلب الثراء، لا على الثراء المزيف الذي لن يؤدّيَ إلى النهضة.في هذا السياق من الضروري أن نحاول وضع أيدينا على موطن الداء. فمادمت المعضلة تنطلق من الفكر والثقافة في الأساس، فهي إذن مشكلة نمطية ذهنية، ومعضلة تداعيات لهذه النمطية. فالإنسان العربي تحكمه مجموعة من الذهنيات التي تُسْهِم في تشكيل أدائه، وفي تكوين طرائق تفكيره وأنماط ردات فعله على ما يواجهه من متغيرات وأحداث في واقعه، وهي ذهنيات خاصة به، ناتجة عن طريقة تعاطيه مع مرجعياته الفكرية والثقافية والمعتقدية. ولا تكمن المشكلة فقط في كون كل ذهنية من تلك الذهنيات هي في حد ذاتها ذات مردود سلبي في حياة الإنسان العربي، بل في كون هذه الذهنيات – ولعل هذا هو أهم ما في المشكلة – تُنْتِجُ بتفاعلها بعضها مع البعض الآخر، مركبات ذهنية عالية في مردوديتها السلبية، مع أن بعض تلك الذهنيات قد تَتَّسِم ببعض الإيجابيات أحيانا. إن جوهر المشكلة إذن هو في التركيبة، وليس في مكونات هذه التركيبة بالضرورة، وإن كانت معظم تلك المُكَوِّنات هي في ذاتها سامة.في علم الكيمياء نعرف جميعا أن غاز الأوكسجين (o) هو بمفرده غاز إيجابي وصديق للإنسان، بل هو ضروري لحياته، وعليه تقوم هذه الحياة. كما نعرف كلنا أن عنصر الكربون (c) هو مكون أساسي من مكونات المادة العضوية التي لا يستغني عنها الإنسان في حياته، وهو موجود في كل السلاسل الغذائية التي يعتمد عليها وجوده. لكن التركيبة (co) أو التركيبة (co2) هما تركيبتان ضارتان، يتراوح ضررهما بين كون إحداهما سامة والأخرى خانقة. المشكلة إذن هي في نمط التركيب، وليست في المكونات التي قد تكون مفيدة في ذاتها أحيانا قبل أن تتفاعل مع غيرها مكونة أداءً أو نتاجا جديدا ومختلفا عن مكوناته ذاتها. ما معنى ذلك؟إن هناك العديد من الذهنيات التي تتحكم في سلوك وتفكير المسلم المعاصر، وتخصيصا العربي من بين مجمل المسلمين، مثل ذهنية "التسول"، وذهنية "الأُلْفَة"، وذهنية "الخوف"، وذهنية "التَّميُّز"، وذهنية "القمع".. إلخ. وإن لكل ذهنية من هذه الذهنيات دلالاتُها في الواقع الموضوعي، وهي عندما تتفاعل بعضها مع البعض الآخر، فإنها تُنْتِج في هذا الواقع أداءاتٍ تظهر على شكل مُكَوِّنات ثقافية سامة، لا تقل سمِّيَتُها فتكا بالعقل والذهن والفكر، عن فتك سُمِّيَّة غازَيْ (co) أو (co2) بالجسد. ذهنية "التسَوُّل" مثلا تنطبق على من يستجدي حقوقَه ولا ينتزعها ممن اغتصبها منه. أما ذهنية "الألفة" فتنطبق على من يألف الواقع ويتوحد معه إلى درجة التردد في تغييره أو حتى في قبول فكرة تغييره مهما كانت دواعي هذا التغيير عميقة وضرورية وملحة، لأنه يتوجس من الجديد ومن تَبِعَةِ البدء في بناء الألفة معه. إنها ذهنية ترتكز إلى الاستكانة والهدوء والدعة وخشية الصخب الناتج عن التغيير أو المُرَافق له عادة. أما ذهنية "الخوف" فهي تنطبق على من كثرت ثوابته "الأسطورية" و"الخرافية" البعيدة عن العلم. ولأن الثابت الأسطوري والخرافي محفوف بالمخاطر دوما، وعلى رأسها مخاطر التردي والانهيار أمام ما يشع به الواقع من إمكانات تُعَارِضُ تلك الثوابت، فإن مساحةً هائلة من خشية المساس بها – أي بتلك الثوابت – تبدأ بالهيمنة على ذهن المعني بالأمر. وتتفاقم مؤثرات هذه الذهنية في الغالب لدى من يتواجد في واقع متغير ومتقلب يؤمن بضرورة التعامل معه من جهة، في الوقت الذي تزخر معتقداته الموروثة بكَمٍّ هائل من الثوابت اللاعلمية التي تحول بينه وبين كفاءة هذا التعامل من جهة أخرى، كما هو حال المسلمين مع الأسف. ولما كان العقل هو محور المساس بتلك الثوابت وهي تتصارع مع الواقع الفارض لنفسه، فإن ذهنية "الخوف" تنصب أول ما تنصب باتجاه العقل وإشعاعاته، وتحاربه بلا هوادة، لأنه بمساسه بهذه الثوابت إنما يمس عنصر الاستكانة والدَّعَة المرتكز إلى ذهنية "الألفة" مع هكذا ثوابت. فالمسلمون مثلا إذا كانوا قد أَلِفُوا التعايشَ مع صورة معينة من صور الإسلام (أي مع فهم معين للإسلام) – كثرت ثوابتها الموروثة التي تنزع الكثير منها إلى الأسطورية والخرافية – وتعودوا عليها وأَنِسُوا إليها وارتاحوا لذلك على مدى زمني طويل، بحيث انعكست في حياتهم على هيئة كمٍّ هائل من القضايا الراسخة. فإن ارتباط استخدام العقل بالمساس بهذه الثوابت والقضايا الراسخة، بما يعنيه ذلك من ثَمَّ من تهديد لعنصر الهدوء والألفة في حياتهم، بصورة قد تدفعهم إلى البحث عن ثوابت جديدة للتآلف معها.. .. نقول.. إن ارتباط استخدام العقل بذلك، يخلق ذهنيةً مهزوزةً قائمةً على الخوف منه وعلى التوجس من كل ما له علاقة به. وبالتالي تُرَى هذه الذهنية التي هي في الأساس ذهنية مهزوزة قائمة على الرعب والخوف، وهي تمارس هجوما شرسا على كل من يَظْهَر مُستخدِما له، محاولا تكسير عناصر التماسك الزائفة في الألفة المقيتة، مع ما لم يعد من شأنه الإسهام في أي دفع تقدمي للواقع النابض بمقومات التَّغَيُّر. ثم تأتي بعد ذلك ذهنية "التَّمَيَّز" – الإيجابية في حد ذاتها إذا توفرت فيها بعض الشروط – لتستكمل رحلة التَّسَمُّم الذهني الذي يعاني منه الإنسان العربي. تقوم ذهنية التميز عند الإنسان العربي على قناعته بأنه متميز عن سائر البشر، ولكنه – للأسف – يُرْجِع أساسَ هذا التميز إلى ما ليس صحيحا ولا موضوعيا على الإطلاق. فهو يظن تمَيُّزَه الذي يتوَهَّمُه، متحققا لسببين رئيسيين هما "العراقة الحضارية" باعتبار أرضه موطنا لأقدم الحضارات المعروفة على مستوى العالم، و"العراقة الدينية" باعتباره يملك الإسلام آخر الرسالات السماوية وأكملها، وباعتباره بامتلاكه له، جنديا في جيشٍ مُعْتقدي يحمل رسالة عالمية عليه أن ينشرها في كل مكان فوق هذا الكوكب.فإذا كانت هذه الذهنية في حد ذاتها – أي ذهنية التَّمَيُّز – إذا تحررت من بُقَعِ العنصرية البغيضة – ونَحسبها عند الإنسان العربي متحررة من ذلك على الأغلب – وإذا استندت من ثم إلى مُكَوِّنات موضوعية ذات دلالة بناءة – وهذا ما لا نحسبه متوفرا فيها – ذهنيةً إيجابيةً ودافعة، فإنها بهيأتها السلبية تلك، وعندما تتفاعل مع ذهنية "الألفة" وذهنية "الخوف" تصنع معهما مُرَكَّبا ذهنيا ساما جدا، كغاز أول أكسيد الكربون، وهذا المركب هو ذهنية "القمع". إن إحساس الإنسان المسلم بأن تَمَيُّزَه قائم على الإسلام الذي يتبناه ويعتقد فيه وبشكله السائد المهيمن على ثقافة العامة، يَجعل أي مساس بهذا الإسلام – بهيأته تلك – مساسا بهذا "التَّمَيُّز" من حيث المبدأ. فإذا كان وعي الإنسان المسلم ينصب في الظاهر باتجاه محاربة ما يظن أنه مساس بالإسلام، فهو في لا وعيه إنما يدافع عن نفسه وعن "تمَيُّزِه" في حقيقة الأمر. وإذا كانت الصورة السائدة للإسلام وللفهم التقليدي المتفشي له ولمرجعيَّته النَّصِّيَّة، هما مُبرر التَّمَيُّز الذي يأنس له الإنسان المسلم بحكم ذهنية "الألفة" التي تتحكم فيه كما رأينا سابقا، فإن الدفاع عن هذه الصورة ومحاربة أي مساس بهذا الفهم لم يعودا قائمين فقط بسبب الخوف من زوال المألوف والاضطرار من ثم إلى بناء أُلْفَة جديدة مع صورة جديدة ومع فهم جديد للإسلام، بل بسبب خوف آخر قد يكون أشد من الأول، إنه الخوف من زوال هذا التميز الذي يعتز به ويعتبر أن أهميته في هذا العالم مرهونة به.وإذن فسوف تزداد بطبيعة الحال حدة العداء والنبذ للأدوات التي يتبدى له – أي للإنسان المسلم – أنها تمس تلك الصورة، بسبب أنها أصبحت تهدد لديه عنصرين هامين يقوم عليهما وجوده في جانبيه الطَّبْعِي من جهة، والكَيَانِي من جهة أخرى، وهما "الألفة" و"التَّمَيُّز". ولما كان العقل هو دائما تلك الأداة التي تحاول أن تعيد بناء صورة الإسلام وطرائق فهمه، فقد كان من الطبيعي أن ينصب العداء باتجاهها بهذا الشكل الشرس والتكفيري، باعتبارها أداة تهدد في الحقيقة – كما هو عليه الأمر في لا وعيه – تَمَيُّزًهُ ومألوفاته، وبعد أن أصبحت أداةً تُشَكِّل خطرا عليه يثير رعبه ومخاوفه، وهكذا كان من اللازم أن يُقْمَعَ العقل قمعا بشعا بلا رحمة.خلاصة القول أن الإنسان المسلم يشعر بألفة دائمة وحميمة مع ما هو سائد من فهم للإسلام، ويحس بأن تميزه في العالم قائم على بقاء هذا المألوف وعلى استمراره في حياته بصورته التي أَلِفَها، فيخاف من أي محاولةٍ تَنْصَبُّ باتجاه المساس بالصورة المألوفة لإسلامه، لأنها محاولة لا تُقرأ في لا وعيه إلاَّ تحت عنوانِ هذا المساس بمألوفاته وبتميزه بالتالي. فَيُحاَرِبُ وعيه دفاعا مستميتا عمَّا هو كامن في لا وعيه، كلَّ من يتصدى لهذه المهمة – مهمة المساس – ويقمعه بكل ما أوتي من قوة. ولما كان العقل هو سيد المبادرة دائما، فقد وقع عليه عبء دفع الثمن. وذهنية الإنسان المسلم في صراعها مع العقل– عدو مألوفها وتميزها الزائفين – لا تجد نفسها معنية بغير الذود عن مألوفها وعن تميزها، بصرف النظر عن مدى حاجتها – بالاستناد إلى مقاييس موضوعية – إلى هذا المألوف، أو عن مدى صدق ادعائها – بالاستناد إلى تلك المقاييس نفسها– التميزَ بناءً على الصورة وعلى الفهم السائدين للإسلام.فهل من طريقة إذن لتخليص الإنسان المسلم من عدائه المستحكم للعقل؟ في الواقع لا سبيل إلى ذلك إلاَّ بتخليصه من ذهنيتي "الألفة" و"التَّمَيُّز"، ومن ثم من نتائجهما. فمادام قمعُ العقل ناتجا في الأساس عن الخوف منه بسبب مساسه بالمألوف وبالتميز المرتكز إلى هذا المألوف والقائم عليه، فيجب أولا أن تتحطم في أغوار الذهن المتعايش مع الأُلْفَة، مرتكزات تلك الألفة، أي يجب أن يتحرر الإنسان المسلم من وطأة الألفة وثقلها على تفكيره ومردودها في حياته. يجب أن يتحرر من ألفة كل شيئ تُعْتَبَرُ ألفته في الوقت الحاضر متعارضة مع التقدم والتطور والقفز إلى آفاق المستقبل. من جهة أخرى يجب أن تتحطم في أغوار ذهن هذا الإنسان مرتكزات "التَّمَيُّز" الحالية لديه. أي إن عليه التحرر من وهم اعتبار تَمَيُّزِه قائما في عالم اليوم على مقولة "حمله للإسلام بالصورة وبالفهم التقليديين السائدين له". إن هذه المرتكزات لم تعد تصلح لأن تكون أرضية لأي شكل من أشكال "التَّمَيُّز" في عالم تتفاضل فيه الشعوب والأمم بمنجزاتها الثقافية والفكرية والفلسفية القادرة على إعادة إنتاج الوجود وتفسيره ومن ثمَ صبِّه في قوالب إنسانية تقدمية دافعة لا معرقلة، ولا تتفاضل في منجزاتها الماضية والمنقوشة على الأحجار المُغْبَرَّة. فكم يبدو مُؤْسِفاً أن نعترف بأن أكثر الناس تميزا في زماننا هم أولئك الذين يأتون من بلدانهم لزيارة حجارتنا ومعالم ماضينا، مبدين كل إعجابهم وانبهارهم بها وسعادتهم برؤيتها، بينما نذهب عندما نذهب إليهم لرؤية معالم مدنيتهم وحضارتهم الحالية، ونقرأ عندما نقرأ عنهم أدابهم وإبداعاتهم وفلسفاتهم ومنجزاتهم الفكرية والثقافية والفنية. إنهم يعرضون علينا حاضرهم في أكثر صوره إشراقا وانطلاقا، ونحن لا نملك سوى ماضينا نعرضه عليهم، محاولين كل ما في وسعنا تبييض السواد الذي فيه، بدل بذل هذا الجهد في محاكاة قيمِ انطلاقهم إلى فضاءات المستقبل المذهلة فيما تعتبر محاكاته مطلبا ضروريا للتقدم والرفعة والنهضة، عبر اختراعنا أو تطويرنا لقيمٍ تنطلق من هذا ماضينا دون أن تستنسخه. إن هناك - بمعنى آخر - معايير جديدة للتميز تحكم مسار الحضارة الإنسانية في لحظتها الراهنة، يجب على الإنسان المسلم أن يُعيد بناء ذهنية "التميز" لديه وِفْقَهَا وفي ضوئها، متحررا من سطوة عقيدة أسطورية تهيمن على تفكيره المأزوم بلسع الماضي وبالعجز عن التعايش مع الحاضر وقراءة المستقبل، مُهَيِّئة له أن يوم فتح رومية (روما) أصبح قريبا، كما هيأت لصاحب كتاب "السرطان الأحمر" الذي كان يقاتل في أفغانستان بسيف أمريكي يُدَثِّرُه البترودولار السعودي، أن المسلمين سيفتحون واشنطون، بعد فتح موسكو، وذلك انطلاقا من دولة الخلافة المرتقبة "أفغانستان"، التي مزقتها أنياب القبائل الأُمِّيَّة بعد أن رفعت الولايات المتحدة يدها عنها في عقد التسعينيات، ليؤول بها مطاف التِّرْحال باتجاه الماضي إلى الإصابة بعمى ألوان من نوع غير مسبوق يَحْرِم صاحبه من القدرة على التفريق بين الصَّنَم الذي يُعْبَد والأثر الذي يَروي الماضي ويحكي تفاصيل صيرورته.إن هناك سلسلة ضخمة في واقعنا تُقَيِّد السماءَ والأرضَ معا. لكن قيدَ الأرض نتج عن قيد السماء، وبالتالي فإن تَحَرُّرَ الأرض من القيد الذي ترزح تحته، لن يتحقق إذا بقيت السماء مُقيَّدَة. وإذن فيجب أن نفك قيد السماء أولا، هذا القيد القاسي الذي قيدناها به، فأسقطته علينا قيدا أشد قسوة في انتقامٍ نعاني من وطأته معاناةً لم تعانها أمة من الأمم. نعم، هذه هي البداية، إنها تحرير السماء من ظلمة أفكارنا وتصوراتنا الهَشَّة عنها وعن علاقتها بالأرض، إنها في إعادة بناء منظومة تفسيرية قادرة على تفجير كافة التعارضات والتناقضات التي أقامها وشيَدَها في علاقة الأرض بالسماء هذا القيد السَّلفي التَّقليدي المُرْبِك بكل اتجاهاته وأجنحته القديمة "سُنِّيَّة" و"شيعية"، ومن بعده، هاتين السلسلتين الأشد إرباكا، والأكثر إمعانا في النكوص وفي التراجع، "الوهابية التَّيْمِيَّة" بين السنة من جهة، و"الصفوية الفارسية" بين الشيعة من جهة أخرى.يجب أن تتحطم إذن في الذهن المسلم لبناتُ الأُلفة والتَّميز – بالصورة التي وضحناها لهما فيما مضى – كي تُحَلَّ مشكلته المستحكمة والمتمثلة في موقفه العدائي من العقل. لأنه إذا تحرر من عقدة المألوف، فلن يعود هناك ما يخيفه من الجديد الذي سيمس هذا المألوفَ بالتأكيد. وإذا هو تحرر من عقدة "التَّمَيُّز" المرتكز إلى هذا المألوف، وأقام فلسفة تَمَيُّزِه على عناصر ومُكَوِّنات جديدة، فإنه لن يخشى على تميزه هذا إذا تم المساس بمرتكزه الحالي الموهوم، تعديلا وتطويرا وتغييرا. وبالتالي فإن عُقْدَة "الخوف" من أداة هذين المساسين ستتفكك لوحدها وسوف تختفي من ذهنه، ليجد نفسه وقد تخلص منها نهائيا، ولن يغدو مضطرا إلى معاداة العقل الذي كان يرعبه ويَقُضُّ مضجعَه فيما مضى، بل هو مضطر إلى مصادقته وإلى استحضاره دائما، كي يكون عونا له على تشكيل مرتكزات تَمَيُّزِه الجديدة وبناء مألوفاته الجديدة.لمزيد من التفصيل يمكنك العودة إلى مقدمة كتاب "تجديد فهم الإسلام"، فمعظم هذه الأفكار مستقاة من هناك.مع خالص تحياتي
    واعتذاراتي عن كل مظاهر قصوري
    أسامة عكنان

  8. #8
    ومن جديد تتمة للجولة التعريفية مع الشكر سلفا وسؤال عابر:
    هل باتت الصحافة الالكترونية أكثر شعبية وانتشارا؟ وكيف نقارن المصداقية بينها وبين الصحافة الورقية؟
    تتمة:
    خطبة الجمعة
    الديمقراطية الحديثة
    فقه الحوار
    جبهات الحروب الجديدة
    النظريات التربوية
    العلاقات الاجتماعية
    المستحيلات
    روسيا والمانيا والصين واليابان!
    *********
    مع الشكر والتحية

  9. #9
    السلام عليكم أستاذ أسامه ومرحبا بك وبهذا الحوار الشيق والرائع:
    مصطلح التجديد الإسلامي..
    إلى أي مدى نجح المجددون في هذا الامر؟وكيف يجب ان يكون عليه التجديد؟ وهل كل تجديد تجديد؟
    وأي محور أخذ حقه من ذلك:
    السلوكي-الخطبي-الفكري-الخ...
    مع التحية والتقدير

  10. #10
    السادة المحترمون في موقع فرسان الثقافة الأغر
    تحية وبعدفيما يلي إجاباتي على أسئلة كل من..
    الصحفية "ميلدا شويكاني"
    والصيدلانية "ندى نحلاوي"..
    والمهندس "فراس الحكيم"..
    مع خالص شكري وتقديريأسامة عكنان
    أولا..أسئلة الصحفية "ميلدا شويكاني"..
    هل لنا أن نجد تعريفا عصريا لكل من المفاهيم التالية..الصحافة العربية، اليتم الثقافي، البيئة العربية، بنك المعلومات، الإنسان العربي، الأسرة العربية، الحضارة العالمية، المفكر العربي، الجيل الجديد، عالم النت، خطبة الجمعة، الديمقراطية الحديثة، فقه الحوار، جبهات الحروب الجديدة، النظريات التربوية، العلاقات الاجتماعية، المستحيلات.سؤال عابر:
    هل باتت الصحافة الالكترونية أكثر شعبية وانتشارا؟ وكيف نقارن المصداقية بينها وبين الصحافة الورقية؟

    الإجابة..
    السؤال الأول..
    إن معظم إن لم يكن كل المفاهيم التي أوردتِها في سؤاليك، لم تستوقفني فيما مضى، ولا وجدت نفسي مدفوعا إلى التفكير فيها على النحو الذي حصل معي بعد قراءة هذين السؤالين. وربما يرجع السبب في ذلك إلى أنك بطرحك استفسارا حول تعريفات عصرية لهذه المفاهيم التي نستخدمها في كل مُكَونات خطابنا اليومي الطبيعي المعتاد، دون أن ننشغل بتعَدُّدِيَّة محتملَة لمعانيها، أو نقف عند أغوار ممكنة لدلالاتها، مارستِ – في واقع الأمر - عمليةَ استفزازٍ غير متوقعة لواقعة هذا "التعامل التلقائي الطبيعي المعتاد" معها فيما مضى، بشكل جعلني أمعن النظر، لعل هناك فيها من الأسرار والخفايا الكامنة وراء الطبيعية والتلقائية والبساطة والاعتيادية التي تشع بها الكلمات، ما جعلك تطالبين بتعريفات معاصرة لها.
    وعندما فكرت على نحوٍ مختلفٍ فرضه على عقلي "الاستفزاز" المشار إليه، وجدت نفسي أكتشف – من وجهة نظر خاصة وشديدة التواضع – أن علي إعادة وضع تلك المفاهيم في ذهني على نحو تَعَدُّدي. وأقصد بالتَّعَددي، واقعة أن كل واحد منها – أي تلك المفاهيم – قد ينطوي على صورة أو أكثر من المعاني، بحسب موقف أيديولوجي أو بُنية ثقافية و خبرة حياتية مسبقة.الصحافة العربية..
    فسؤالك عن مفهوم "الصحافة العربية":
    جعلني أتساءل فعلا، عما إذا كانت هي الصحافة التي تستخدم اللغة العربية وسيلة للتعبير، حتى لو لم تكن صادرة عن عرب، أم هي الصحافة التي ينشرها عرب بصرف النظر عن لغة الخطاب التي تستخدمها والفئة التي توجه إليهم. وفي هذا السياق عدت لأتساءل عما إذا كان يكفي أن تكون الصحافة العربية صادرة عن عرب، دون أن تكون معنية بالهم العربي بفضاءاته العروبية الواسعة، أم أنها تحتاج إلى أن تكون كذلك كي تكتسب صفة عروبيتها. ولم يمنعني لا هذا ولا ذاك من الاندفاع نحو التساؤل عما إذا كان من الضروري أن تكون الصحافة العربية صادرة في الوطن العربي أم في الاغتراب، وعما إذا كانت صحافة الأقليات الاثنية غير العربية في الوطن العربي صحافة عربية، أم أنها ليست كذلك؟!ومع أنه من المحتمل أن تكون هناك فضاءات أخرى للتعددية عندما نحاول إسقاطها على مفهوم "الصحافة العربية" لم تخطر على بالي، إلا أنني وجدت نفسي بعد هذه الرحلة السريعة مع فضاءات المفهوم إثر استفزاز سؤالك، أشعر بنوعٍ من الاسترخاء الذهني عندما استأنست بأن تكون الصحافة العربية هي تلك التي تزاوج بين كونها تصدر عن "مواطنين عرب" – حتى من الاثنيات غير العربي في الوطن أو في المهجر - و"تنشغل بهموم الوطن العربي"، بصرف النظر بعد ذلك عن الفئة التي ستتوجه إليها، وعن المكان الذي ستصدر منه، بل حتى عن لغة الخطاب التي تستخدمها، فقد تكون موجهة لغير العرب، لمخاطبتهم ومحاورتهم في الهم العربي بشكل أو بآخر.اليتم الثقافي..أما عندما التفت إلى هذا المصطلح العجيب المثير والمُعَبِّر، الذي لا أذكر أنني استخدمته من قبل، ألا وهو مصطلح "اليتم الثقافي"، فقد أحسست بأنه يَزُجُّ بي إلى فضاءات واسعة من تعددية الدلالة غير القابلة لأن تخضع لمبدا الأفضلية المعرفية. فعن أي "يُتم" يمكننا أن نتحدث، إذا أسقطنا الدلالة اللغوية للفظة اليتم على الفضاء الثقافي؟ فهل نحن بصدد الإشارة إلى "يتم المثقف"، بافتقاره إلى حواضنه الثقافية المؤسسية، وإلى مظاهر التفاعل والتجاوب المجتمعي معه، أم بافتقاره الصلة الثقافية بمجتمعه من حيث تغريده في سرب غير سرب المتطلبات والاحتياجات والأدواء والأدوات الثقافية لذلك المجتمع، ما يجعله معزولا ضعيفا منفِّرا ونافرا ومعلقا في فراغٍ؟ أم أننا بصدد الإشارة إلى "اليُتم الثقافي":
    للمجتمع، بافتقاره إلى المثقفين المتطلعين القادرين المثابرين المُعَبِّرين عن آماله المشروعة؟ أم ربما أننا نتحدث عن يُتم الثقافة" نفسها، بافتقارها إلى الأحبال السريّة المغذِّية التي تربطها بماضيها الذي لا تستطيع أن تنفصل عنه، وإلى تلك التي تربطها بمستقبلها الذي لم تتمكن بعد من رسم معالمه؟!ولا أخفي أنني لم أستطع أن أتخيل اليتم واحدا من هذه الدلالات دون الأخرى. فقد تراءى لي أن كل تلك المعاني هي أشكال من اليُتم الثقافي. فالمثقف قد يعاني من اليتم الثقافي، وبأي شكل من تلك التي خطرت على ذهني، والمجتمع قد يعاني منه أيضا، والأخطر – ربما – هو أن تعاني الثقافة نفسها من ظاهرة اليتم، لأنها عندئذ ستكون هي السبب في يتم المجتمع وفي يتم المثفف في آنٍ معا!!البيئة العربية، الإنسان العربي، الأسرة العربية، المفكر العربي..ولعل الفضاءات التعددية ذاتها التي أثارها مصطلح
    "الصحافة العربية"، عادت لتثار من جديد وعلى نحو يكاد يكون متطابقا إلى حدٍّ بعيد، عندما وجدت نفسي أحاول التعايش مع مفاهيم ومصطلحات مثل "البيئة العربية"، و"الإنسان العربي"، و"الأسرة العربية"، و"المفكر العربي". فنحن هنا بصدد تعددية تشير إلى مفاهيم "بيئة"، و"إنسان"، و"أسرة"، و"مفكر" عربية أو عربي، تنطبق عليها إلى حدِّ كبير فضاءات التعدد التي انطبقت من قبل على مفهوم "صحافة عربية".بنك المعلومات..ولم أجد لمفهوم ومصطلح "بنك المعلومات"، أي دلالات غير تقنية، تنأى به عن أن يكون المكان الحقيقي أو الافتراضي للمفردات المعرفية على اتساع المعرفة ومجالاتها. وقد أكون مخطئا في هذا فيدلني أهل الاختصاص في علم المكتبات والأرشفة والتوثيق والتخزين الورقي أو الرقمي، على معطيات جديدة في دلالات مفهوم "بنك المعلومات"، لم يصل إليها مبلغ علمي.الحضارة العالمية..
    أما مفهوم "الحضارة العالمية":
    فهو مفهوم جدلي مربك إلى حدٍّ بعيد. إذ قد يقبل البعض بفكرة أن مختلف مظاهر المدنيات والحضارات، في زمان معين، تشكل في مجموعها ما يمكن أن نسميه "الحضارة العالمية" لذلك الزمان، والتي وإن اختلفت مكوناتها التفصيلية هنا وهناك، في القليل أو في الكثير، بسبب اختلافات ثقافية وعلمية ومعرفية في الأساس، تبقى – في نظر أصحاب هذا الرأي – مشتركة في حد أدنى من العناصر الحضارية الخاصة بذلك الزمان، بحكم أن التطور الإنساني هو بطبيعته ظاهرة عالمية وعامة. إذ لا يمكن – في نظر أصحاب هذا الرأي – أن تتواجد في زمان واحد، أمم مختلفة تقيم حضارات متباينة في مرجعياتها الثقافية والعلمية بشكل صارخ وكامل إلى حدٍ يصعب معه اعتبارها حضارات زمان واحد.ولكن يثير آخرون – قطعا – مسألة التشابه في الحد الأدنى من المُكَوِّنات الثقافية لحضارات ومدنيات "الزمان" المعين، على صعيد الحضارات الإنسانية كلها، منذ نشأ الإنسان المتحضر منذ آلاف السنين. وعلى أساس رأي هؤلاء، فإن الحضارة العالمية" ليست كما يدَّعي أصحاب الرأي السابق، مصطلحا يُطْلَق على مجموعة حضارات وثقافات ومدنيات زمان معين، بل هي حضارات الإنسانية منذ نشأت الحضارة. وبالتالي فالحضارة هي عالمية منذ نشأت.ولعل أكثر الاتجهات تطرفا في هذا السياق، هو ذلك الذي لا يعترف بوجود "حضارة عالمية"، بل حضارات عالمية حتى على صعيد الزمان الواحد. فالقواسم المشتركة أيا كانت، لا تكفي لاعتبار أننا أمام حضارة عالمية موحدة، فكل مرجعية ثقافية وعلمية ومعرفية تنشئ حضارة مستقلة ومختلفة، وبالتالي فهناك حضارات بقدر المرجعيات الموجودة، ولأن كل زمان ينطوي على عدد كبير من المرجعيات الثفافية والعلمية والمعرفية، حتى وهي تتوافق وتتفق في الكثير من تفاصيلها وبُناها الأساسية، فإننا في الواقع وعلى الدوام بصدد الحديث عن حضارات عالمية، وليس عن "حضارة عالمية".
    الجيل الجديد..
    مفهوم "الجيل الجديد"، ليس مفهوما جديدا. فكل جيل هو جديد بالقياس للجيل الذي سبقه، والعلاقة بين الأجيال المتعاقبة هي على الدوام علاقة مكتنفة بالتوترات، وبالتنافس على السيادة الثقافية والسلوكية. ولا تَخِفُّ هذه التوترات إلا في أجواءٍ أكثر حرية، لأن الحرية وحدها هي الكفيلة بجعل الجيل السابق يُخَفِّفُ من سطوته ووصايته على الجيل اللاحق. لذلك يمكننا ملاحظة أن "سمة التوتر بين الأجيال" تزداد وتتفاقم في المجتمعات ذات النزعة الأبوية أو الذكورية، لسبب بسيط، هو أن هاتين النزعتين تهيمنان بشكل سافر على المجتمعات التي تقل فيها مستويات الحرية، التي تعني في أول ما يجب أن تعنيه "الاعتراف بالآخر"، من حيث حقه في صياغة ذاته وواقعه ومستقبله، بشكل مستقل عن سابقيه ومربيه ومنشئيه، ومن حيث أن له كامل الحق في الانتقاء من ماضيه بالقدر الذي يراه هو متناسبا مع حاضره ولازما لمستقبله. ولا مكان لمثل هذا النوع من التعامل بين الأجيال، إلا في بيئات "الحرية" بمعناها الواسع. والحرية بهذا المعنى تتقلص كلما كان مجتمعٌ ما يصيغ حاضرَه ومستقبلَه من خلال إعادة إنتاج ماضيه.إذن وبعيدا عن أي تفاصيل قد تبعدنا عن جوهر الموضوع، تظهر الأزمات الناجمة عن تناقض وتنافس الأجيال على السيادة الثفافية، في المجتمعات المتراجعة في حرياتها العامة، أو في تلك التي تكون قد خرجت لتوها من منعطفات تاريخية كبرى، فرضت أنماطا من التعامل مختلفة عن تلك التي كانت سائدة، ما جعل السائد يفاقم الأزمات بدل أن يَحُلُّها، فتنشأ التوترات بين الجيلين، السابق العاجز عن التعاطي مع المنعطف الكبير الذي حل بالمجتمع، واللاحق الذي سئم من وصاية هؤلاء العاجزين، وقرر أن يستلمَ زمام الأمور بنفسه، ليتعاطى مع واقعِه المُنْعَطِف بشدَّة، باعتبار القضايا الناشئة فيه، هي قضايا هذا الجيل أكثر مما هي قضايا الجيل السابق.والخلاصة أن الجيل الجديد – في وطننا العربي بالدرجة الأولى - في زماننا هذا، هو جيل لا يمكنه أن يتحرر من سطوة الجيل السابق، ومن هيمنة ثقافته المنكفئة على إعادة صياغة الماضي في ثوب جديد، إلا بتحرره ابتداء هو والجيل السابق هذا، من سطوة ثقافة الاستبداد المهيمنة على الأمة.عالم النت..
    "عالم النت"، قد يكون هو العالم الافتراضي نفسه بكل أخطوبطيته وعنكبوتيته، وقد يكون هو العالم الواقعي الذي أعاد "النت" صياغة علاقاته وأنماط تفكيره، وبل ومكونات ثقافته.خطبة الجمعة..
    "خطبة الجمعة"، في زماننا الحالي أبعد ما تكون – في الغالب - عما شُرعت هذه الخطبة لأجله. فإذا كانت كلمة "جمعة" مشتقة من الأصل الثلاثي "جمع"، الذي اشتقت منه أيضا كلمات مثل "جماعة" و"تجمع" و"اجتماع".. إلخ. فهل يمكن لخطبة شُرعت في يوم، وفي وقت، قُرِّرَ أن يكونا "وقت اجتماع"، أن تعمل في اتجاه يتعارض مع فكرة الاجتماع؟ إن كلمة اجتماع ومشتقاتها المختلفة، تفرض فضاءات من الألفة والتعارف والمودة والانسجام وتبادل الأفكار والآراء والمحبة والجلوس للتشاور وتبادل الأحاديث المُقرِّبَة للنفوس والخالقة للمودة.. إلخ. وبالتالي فما لم تكن خطبة الجمعة أداةً تعرضُ ذلك في نَصِّها المباشر، وتؤدي إلى تحقيقه قبلها وبعدها، فهي أبعد ما تكون عن تحقيق غايتها. عندئذ يحق لنا أن نتساءل: هل هي فعلا خطبة جمعة؟الديمقراطية الحديثة..لا أرى اختلافا جوهريا بين "الديمقراطية الحديثة" التي نشأت في أوربا "عصر النهضة"، والتي تطورت في أوربا "الثورة الصناعية البرجوازية"، إلى أن وصلت إلينا في الزمن المعاصر، وبين تلك الديموقراطية "الأثينية" و"الرومانية" التي تلتها، سوى في توسع دائرة من يحق لهم الانتفاع بمزاياها. فكل الحقوق الديمقراطية المعترف بها حاليا لكل المواطنين، كانت موجودة في ديمقراطية اليونان والرومان، ولكنها كانت محصورة في فئة محددة وضيقة جدا من السادة والاقطاعيين وقادة المجتمع، مستثنية من تبقى إما لأنهم عبيد أو أجانب أو نساء، أو ينتمون لفئة من الفئات التي صنفت على أنها فئات حقيرة ليست لها حقوق.إن هذا التشابه بين الديمقراطيتين الحديثة والقديمة يستفزني كي أشير إلى مسألة أحسبها غاية في الأهمية في سياق أي حديث عن
    "الديمقراطية"
    . فمن أهم ما تحاول الديمقراطية الحديثة أن تفاخر به كافة أنظمة الحكم الأخرى في العالمين القديم والحديث، من خارج دائرة الحضارة الأوربية الغربية، أنها الآلية الوحيدة التي من شأنها تحقيق ما يسمى "تداول السلطة"، الذي يترتب عليه باستمرار ضخ دماء جديدة لإدارة وقيادة الدولة والمجتمع. ما يحعل الأمة تتمتع باستمرار بحيوية الشباب عبر آلية التَّجَدُّد هذه.لكن الحقيقة والواقع يثبتان عكس هذا الادعاء تماما. ولكن كيف ذلك؟!إن هناك علاقة عضوية متينة ووثيقة بين "الثروة" و"السلطة"، وبالتالي فلا يمكن أن يتم تداول حقيقي للسلطة في مجتمع معين، دون أن يتم قبل ذلك، تداول فعلي وحقيقي للثروة. من هنا فإننا كي نحكم على ادعاء
    "الديمقراطية الحديثة" فيما يتعلق بتداول السلطة، إن كان ادعاءً صحيحا أم لا، فإن علينا أن نتابع حالة الثروات في المجتمعات التي تنتهج الديمقراطية الحديثة في الغرب – الموطن الأصلي لهذه الديمقراطية – لنرى إن كانت قد خضعت هي في الأساس لمبدأ التداول أم لا، لنقبل ذلك الادعاء بتداول السلطة أو نرفضه بعد ذلك بناء على حركة تمركز الثروات. ولأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في العالم الذي أشار إلى ضرورة غقامة الاقتصاد على مبدأ "تداول الثروة" باعتباره واحدا من أهم مبادئ الاقتصاد في الرؤية القرىنية، فإننا نستطيع الجزم انه هو الوحيد الذي آمن ومن ثمَّ أصل ووضع الأسس الاقتصادية لحياة سلطوية تتسم بالتداولية. إن تداولُ الثروة وتداولُ السلطة، هما في علاقتِهما أحدِهما بالآخر، كعلاقة الصحة بالقوة، أو كعلاقة المرض بالضعف في الجسم الواحد.لم يكن الإسلام في حاجة إلى أن يتحدثَ عن مسألتي "تداول السلطة" و"تداول الثروة" معا كي نفهمَ أنه يرمي إليهما، ويهدف فيما يهدف إليه، إلى تَحقيقِهما في واقع الحياة الإنسانية. فمادامت كلُّ مسألةٍ منهما مرتبطةً إرتباط وجود بالأخرى، فالإشارة إلى استهدافِ إحداهما كانت كافية لفهم استهدافه الضمني للأخرى. وهو قد أوضح صراحة فَرَضِيَّة تداول الثروة، وبالتالي فكأنه أوضح ضمنا فرضية تداول السلطة. فأيُّما فعلٍ اقتضى فعلاً آخر، فإن وقوعَ الأمر على الفعل الأول يوقِعُه على الآخر بالتَّبَعِيَّة حتما.لكن علاقة الترابط الوجودي بين هذين التداولين، لا تقف عن حدِّ القول بأن تَحَقُّقَ أحدهماَ يؤدي إلى تَحَقُّقِ الآخر، بل إن هناك نوعاً خاصاً من العلاقة التداولية بين كلٍّ من الثروة والسلطة تَجعل من الثروة بناءً تَحتيا لفلسفة التداول، فيما تَجعل من السلطة بناءً فوقيا لها. ومعنى هذا القول أن من أراد التَّعَرُّفَ على موقف الإسلام من مبدإ تداول السلطة، إن لم يَجِدْه واضحا وصريحا في نصوصٍ ذات علاقة، أن يبحثَ عنه في موقفه من تداول الثروة. أماَّ من أراد التَّعَرُّف على موقف الإسلام من مبدإ تداول الثروة، فإن عليه البحث عنه في ما ورد من إشارات مختلفة حول مبدإ تداول الثروة ذاته، ولا يُكْتَفى بأن تُلاحَظَ إشاراتٌ هنا أو هناك تتعلق بمبدإ تداول السلطة لاستنتاج الاتجاه الإسلامي نحو مبدإ تداول الثروة، رغم كل هذا الترابط الوجودي بين المبدأين.. ما معنى هذا الكلام؟!إن تداولَ الثروة يقتضي في الواقع أن تُتَداَوَلَ السلطة، فهذه الأخيرة نتيجة حتمية للأولى لا يُمكن الفكاك منها، لأن السلطة في جوهرها ثروة مكثفة، ولأن السياسة في نهاية المطاف اقتصاد مُركز. فحيثما تم تداول الثروة فإن السلطة قطعا ستدور معها حيث دارت. (يراجع كتابنا تجديد فهم الإسلام، الفصل المتعلق بالاقتصاد في الرؤية القرآنية). لكن الفكرة المقابلة ليست حتمية، فإذا تم تداول السلطة كمنطلق لفلسفة التداول في المجتمع، فليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى تداول الثروة. لأنه إذا كان بالإمكان أن يُصار إلى تَحقيق تداول للسلطة غير ناتج عن تداولٍ أسبقَ للثروة، فإن هذا يعني قطعا أن بالإمكان أن لا يؤدي هذا التداول في السلطة إلى تداول حتمي في الثروة. في الحقيقة فإن هذه معادلة مُمكنة، وهي على وجه التَّحديد ما يحدث في قلب البناء المجتمعي الرأسمالي العالمي الديمقراطي بزعامة الغرب الأوربي والأميركي.إن تداول السلطة أمر أيسر بكثير من تداول الثروة، وتاريخُ البشرية يروي لنا القصة بوضوح لمن أراد أن يعرف. فمعظم أوجه الصراع السياسي على كراسي السلطة، والتي رأيناها ونراها تَحدث في الغالب داخل المنظومات الاقتصادية الواحدة، لم تكن تنتجُ عن تداولٍ حقيقي للثروة، ولا كانت تؤدي إليها في الغالب. بل إن من السهل علينا ملاحظة أن الزعامات السياسية الزائلة والتي جاءت على أنقاضها في تلك الصراعات، كانت تنتمي إلى معسكر الثروة ذاته، مع هوامش فروقٍ ضئيلة لا تكاد تُذكر أو تُؤَثِّر في مُحصلة المسار المتعلق بِمواقع الثروة، يُمكن إدراج معظمها بكل يسرٍ وسهولةٍ تَحت بند الصراع على النفوذ والوجاهة البعيدة عن التنافس الاقتصادي بمعناه الواسع.فما يَحدث في الغرب الرأسمالي من تداولٍ مُخادع للسلطة، وما يَحدث في الكثير من الدول الهامشية الواقعة على تُخوم العالم الرأسمالي المركزي من أشياء تبدو قريبة من ذلك، أو ما نسمع عنه من انقلابات هنا أو هناك بقيادة الزُّمَر العسكرية في هذا البلد أو في ذاك، إنَّما يصب كُلُّهُ في خانة التغييرات القشرية المُسْتَحْلِبَةِ للاحتقانات المجتمعية مع إبقاء معادلات الثروة قائمة كما هي دون تغيير، وهو ما نطلق عليه.. "تداول البناء الفوقي الذي هو السلطة دون المساس بالبناء التَّحتي الذي هو الثروة".إن التداول في البناء الفوقي الذي هو السلطة، يأخذ طبيعة شكلية قِشْرِية عديمة الدلالة وفاقدة المضمون، عندما لا يكون ناتجا عن تداولٍ في البناء التحتي الذي هو الثروة، أو عندما لا يكون مؤديا إليه. ولأن تنظيمَ آلياتٍ تكفلُ هذا التداول القِشِري المظهري للسلطة أمر سهل يُحَقِّقُ هدفين أساسيين في المجتمعات التي تلجأ إليه هما، الحفاظ على الثروة مَحْمِيَّةً من احتمالات التداول المُغَيِّرَة لموازين القوة الداخلية التي تُعَبِّرُ عنها تَمركزات الثروة، وتنفيس الاحتقانات المجتمعية المرافقة لهذا التَّمَرْكُز، بتفريغها على مستوى قمة الهرم السلطوي، عبر تلك المظاهر التداوُلِيَّة المخادعة التي تظهر وكأنها قد تحققت بإرادةٍ القواعد المجتمعية المخدوعة بما تعتقد أنه مُمارسة للحرية وللحقوق على وجه الحقيقة.. نقول.. نظرا لكون تنظيم مثل هذه الآليات أمر سهل، فإن الرأسمالية العالمية استطاعت أن تكفل لنفسها التَّجَدُّدَ عبر هذا الشكل من أشكال التداول القشري للسلطة دون أن تُعَرِّضَ أفكارَها ومبادِئَها الأساسية للخطر، مُحافظة بواسطة ذلك على تَمركزٍ خطير للثروة يتفاقم يوما بعد يوم.تتبدَّى عظمة الإسلام ودقَّته وحكمة الله في أسلوبِ عرضِه على البشر وتكليفهم به، عند النظر إلى معالجته للتداولين السابقين، السلطة والثروة. فهو لم يقدم أي تَصَوُّرٍ نَصِّيٍّ حول تداول السلطة. لكنه كان واضحا وصارما ومُحَدَّداً في تثبيته لفكرة تداول الثروة، وفي أمره بكل ما يرفدُها في الواقع بِمقومات التَّحَقُّق والنماء والتطور والاتِّساع. إنه بدأ من النقطة السليمة. النقطة التي يؤدي تَحَقُّقُها في الواقع المجتمعي إلى تداول السلطة. إنَّها تداول الثروة. وهو بِهذا يكون قد حسم الموضوع بشكل لا يفرض إملاءاتٍ فوقيةً قد لا تَحتملها الطبيعة القَبَلية والطبقية للبناء المجتمعي العربي، بل والبشري آنذاك.فمادام البناء الفوقي الذي هو السلطة لا تُمكن زحزحَتُه عن الأسس التي تَحكمه إلاَّ بزحزحة أسس البناء التحتي الذي هو الثروة، ومادامت زحزحتُه الشكلية غير مُسْتَهْدَفَة إسلاميا من حيث المبدأ، لأن تداول السلطة في ذاته إذا لم يكن تعبيرا عن تَغَيُّرٍ حقيقي في مواقع الثروات في المجتمع، إماَّ بأن يُسَبِّبَه وإماَّ بأن يَنْتُجَ عنه، فهو ليس بذي قيمة من حيث المبدأ، فإن الحاجة إلى صدور أحكامٍ مباشرة تتعلق بِهذا البناء الفوقي تفقد قيمتَها، في ظل بناءٍ تَحتي يَحتاج إلى قدرٍ عالٍ وكبيرٍ وطويلٍ من التطور كي يتَحَقَّق على أرض الواقع، ما جعله يكتسب في خطة الله الأولوية القصوى بوصفه البُنْيَة المجتمعية التي لا مفر من تغييرها وإعطائها صورَتَها الجديدة كي تلحق بِها حتما وضرورةً، البُنْيَة الأخرى وهي السلطة.لقد أراد الله سبحانه أن يتحققَ تداولُ السلطة بشكل تلقائي وانسيابي كنتيجة طبيعية لتحققِ تداولٍ أسبق يؤدي إليه قطعا، هو تداول الثروة، لأن العكس لا يُمكنه أن يَحصل بالضرورة، بسبب طبيعة العلاقة بين التداولين كما أوضحنا ذلك سابقا، ولأن العملَ على تكريس قنوات التطور التي ستُحْدِث تداولَ الثروة أمر كافٍ في ذاته لتحقيق الهدف على صعيد تداول السلطة. فإذا كان البشر يقتتلون من أجل السلطة في الغالب دون المساس بالبناء التًّحتي المُكَوِّن لها وهو تَمركز الثروة، فلتتغير البُنى التحتية وليكن تَغَيُّرُها هو سبب التداول الحقيقي لسلطةٍ سيفقد المتنافسون عليها عندئذٍ فاعلية السيف لأجل الحظوة بِها.ولأن تداولَ الثروة لم يتحقَّق في معظم مراحل التاريخ الإسلامي، فإن تداولَ السلطة لم يكن ليَحصلَ بالشكل المستهدَف، الأمر الذي جعل تداوُلَها يَحدث بشكله الدموي الذي يَحدث في كل مكان على وجه الأرض ليس فيه تداولٌ للثروة ابتداءً. إن أي محاولة صَبَّت أو تصب في خانة تقريب المذهب الاقتصادي الإسلامي من المذهب الرأسمالي، أو تبرير المصالحة المذهبية بينهما، هي في واقع الأمر محاولاتٌ خدمت على مدار التاريخ وستستمر في خدمة فكرة انعدام تداول الثروة. ما حال بالتالي دون المسلمين ودون تَوَصُّلِهم منذ وقت مبكر إلى آليات ناجعةٍ لتداول السلطة بشكل جوهري. إن ما نراه في الوطن العربي تحديدا من أشكالٍ فَجَّةٍ وبشعة من التَّمركز في السلطة هو ناتج ابتداءً عن أشكالٍ أبشع وأكثر فجاجةً من الانعدام في آليات تداول الثروة، في حالةٍ أكثر ما تكون بعداً عن الإسلام وعداءً له ومحاربةً لمبادئه وأسسه وأصوله العظيمة.فقه الحوار..
    "فقه الحوار"، مصطلح ذو قيمة أخلاقية ومعرفية عالية القيمة. وهو يشير إلى قواعد الحوار البناء المنتج للمعرفة المقرِّب من الحقيقة والصواب، الدافع إلى التطور والنماء. ولأن كلمة "فقه" تعني القانون بوجه عام، فإننا نميل إلى اعتبار هذا المفهوم مفهوما إنسانيا مرتكزا إلى قواعد فلسفية يقرها العقل.جبهات الحروب الجديدة..
    "جبهات الحروب الجديدة"، هذا موضوع طويل ومتشابك، ويندرج تحت مضمون هذا المفهوم حشد كببر من أشكال المواجهة، قد تكون حروبا بالمعنى العسكري، وقد تكون حروبا على جبهات أخرى غير عسكرية، فكرية، اقتصادية، إعلامية، أو ثقافية مثلا. ولكنها مع ذلك تبقى تتضمن معنى التنافس القتالي الهادف إلى القضاء على الآخر أو إفنائه وإبادته وتحييده تحييدا كاملا عن التأثير في تلك المجالات، بأدوات مختلفة وغير عسكرية بالضرورة.في المجال العسكري يُستخدم مفهوم "جبهات الحروب الجديدة"، للدلالة على انتقال المعارك العسكرية إلى ميادين قتال غير تقليدية، كانتقال الحرب بين الإنكليز والألمان في الحرب العالمية الثانية من الساحة الأوربية إلى ساحة الشمال الإفريقي. أو كانتقال التنافس الشرس بين الشيوعية والرأسمالية على مدى سنوات الحرب الباردة من أوربا إلى مناطق ساخنة بعينها من العالم النامي، مثل جنوب شرق آسيا، الشرق الأوسط، الكثير من دول إفريقيا، أفغانستان.. إلخ. وفي وقتنا الراهن فإن "جبهات الحروب الجديدة" – وأقصد تحديدا الجبهات غير العسكرية – هي تلك التي يتم خوضها على جبهات الإعلام والمعلوماتية والاقتصاد.النظريات التربوية..لست متخصصا في علوم التربية حتى أدلي بدلوي في إعطاء مدلول عصري لمفهوم "النظريات التربوية". ولا يكفي فهمي البسيط، ولا معارفي المتواضعة جدا في هذا الشأن، كي أعرضهما في هذا السياق، فأنا هنا كي أتحدث فيما أعرف وفيما أملك بخصوصه علما، وكي أتحلى بجرأة الاعتذار، بإعلان جهلي بما لا أعرف وما لا أعلم. وها أنا ذا اعترف بذلك فيما يتعلق بهذا المفهوم.. فمعذرة سيدتي.العلاقات الاجتماعية..يُستخدم مفهوم "العلاقات الاجتماعية" في العادة للدلالة على واحد من أمرين. فهو إما أنه يستخدم للدلالة على منظومات العلاقات التي تنشأ بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع، وتنظم تعاملاتهم القانونية والقيَمِيَّة والعرفية. وإما أنه يستخدم للدلالة على "القوانين و"السنن" و"النواميس" التي تحكم حركة المجتمع وتطوره في سياق مختلف نواحي صيرورته التاريخية. وكلاهما من مصطلحات ومفاهيم "علم الاجتماع"، وإن كان الاستخدام الأول أكثر ذيوعا وانتشارا من الاستخدام الثاني، وأنا أميل إليه، لأن القوانين والسنن والنواميس بالإمكان التعبير عنها بنفسها، دونما حاجة إلى استخدام لفظ "العلاقات" المفعم بفضاءات اللاثبات وبمؤشرات التغيُّر البعيدة عن قطعية القوانين والسنن والنواميس.المستحيلات..لا أعرف من "المستحيلات" إلا ما قرر العقل أنه "مستحيل" و"ممتنع" وفق ما تقرره قواعد الفلسفة في "نظرية المعرفة"، أما ما سوى ذلك فكله من الممكنات في رأيي، مهما كانت درجة صعوبته وتعقيده.

صفحة 3 من 13 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 12:24 PM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 06:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 03:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 09:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 08:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •