“الدهاة الثلاثة” يطبخون في موسكو سيناريو جديدا لتفتيت المعارضة السورية.. واطالة عمر نظام الاسد

عبد الباري عطوان
تحولت موسكو في اليومين الماضيين الى مطبخ للحل السياسي المقبل في سورية الذي سيمرر عبر بوابة مؤتمر جنيف2، فقد وصلها على ظهر طائرة واحدة وزيرا خارجية سورية وايران وانخرطا مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف في مباحثات مغلقة لتنسيق المواقف، ووضع استراتيجية موحدة.
نحن امام اجتماع لثلاثة “ثعالب” (لافروف، ظريف، المعلم)، يوصفون بالدهاة في ادارة الازمات، وما يتمخض عنه اجتماع ثلاثتهما، او اثنين منهما (المعلم ولافروف) دائما ما يرى النور لاحقا، ويكون اساس خريطة عمل جديدة تقلب كل ما سبقها من خرائط ومعادلات.
وربما يفيد التذكير بأن الاجتماع الثنائي السابق الذي انعقد في موسكو بين لافروف ونظيره المعلم اسفر عن اختراق كبير في الازمة، وحال دون حدوث عدوان امريكي وشيك على سورية، من خلال قبول حكومتها، بتوصية روسية، بتفكيك اسلحتها الكيماوية، والانضمام الى معاهدة دولية لحظر هذا النوع من الاسلحة، لافروف كان مهندس الاتفاق مع جون كيري ونزع فتيل الانفجار، واحباط آمال كل المراهنين على الحل العسكري في سورية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا.
لافروف نفسه، يقف وراء الاتفاق الجديد الذي توصل اليه اثناء اجتماعه مع كيري يوم الاثنين الماضي في باريس على هامش اجتماع منظومة “الدول النواة” لاصدقاء سورية، وينص على وقف تدريجي لاطلاق النار وتبادل اسرى بين النظام والمعارضة، وفتح ممرات انسانية لايصال المساعدات للمحاصرين والمجوعين.
السيد المعلم كشف ظهر الجمعة، اثناء مؤتمر صحافي انه سلم نظيره الروسي لافروف خطة امنية ستنفذها حكومة بلاده في مدينة حلب تقضي بوقف اطلاق النار وتبادل “المعتقلين” في السجون السورية مقابل “مخطوفين” لدى الجماعات المسلحة.
وكان لافتا ان يأتي هذا الاتفاق الروسي السوري الامريكي بعد هجوم كاسح شنته الجبهات السورية المعارضة المسلحة على قواعد الدولة الاسلامية في العراق والشام في مدينة سراقب في محافظة ادلب، ودفع مقاتلي الدولة الى الانسحاب باتجاه بلدة سرمين، بعد مقتل العشرات منهم وعلى رأسهم ابو البراء البلجيكي امير دولة “داعش” في المدينة الذي توعد باللجوء الى السيارات المفخخة لتصفية من يطلق عليهم اسم (صحوات الشام).
***
السؤال الذي يطرح نفسه هو الآليات المتوقعة لفرض اتفاق وقف اطلاق النار وتبادل الاسرى التي من المتوقع ان تكون ابرز قرارات مؤتمر جنيف المقبل، فلا نعتقد ان النظام السوري سيوافق على قرار كهذا الا اذا تيقن ان فرص نجاحه ستكون محدودة، وانه سيخلق مشكلة للطرف الآخر وبذر بذور انقسامات حادة في صفوفه.
نشرح اكثر ونقول ان النظام يستطيع ان يأمر وحداته المقاتلة بوقف اطلاق النار من الارض والجو ويحصل على التزام كامل، ولكن هل يستطيع السيد احمد الجربا الذي يقول انه صاحب الكلمة العليا بالنسبة الى فصائل المعارضة المسلحة والسياسية، الزام الكتائب المقاتلة على الارض بوقف اطلاق النار؟
فصائل المعارضة المسلحة كانت موحدة في الماضي على ارضية العداء لنظام الرئيس بشار الاسد والقتال لاطاحته، والآن على ارضية الرغبة باجتثاث تنظيم الدولة الاسلامية التي باتت تحتل الاولوية القصوى، ولكن ماذا لو انقسمت فيما بينها، او قامت قوات الدولة الاسلامية باختراق وقف اطلاق النار او تخريبه، فهل ستقوم بدور الشرطي، نيابة عن النظام والدول الكبرى للتصدي لها؟ نعم كل شيء جائز.
اتفاق موسكو يحقق للمرة الاولى الاعتراف المتبادل بين النظام ومعظم فصائل المعارضة السورية المسلحة، ويضع اسس التعاون بين الجانبين على صعيد الافراج عن الاسرى، والسماح بمرور قوافل المساعدات الانسانية في الاتجاهين، وفي مواجهة الجماعات المسلحة “المارقة” و”الارهابية”.
البداية او بالاحرى الاختبار، ستكون مدينة حلب، ثم بعد ذلك مدن اخرى مثل درعا والرقة وادلب وحمص والقائمة تطول، وهذا يعني عمليا بقاء النظام لعامين قادمين على الاقل ان لم يكن اكثر، وفي غضون هذين العامين يمكن ان تحدث تطورات مفاجئة عديدة.
***
من الواضح ان النظام يراهن على الفوز في لعبة كسب الوقت، ليس لانه يجيدها بحكم كونه صاحب ابرع اكاديمياتها، وانما ايضا لان الدولتين العظميين، روسيا وامريكا، اتفقتا على ان الاطاحة به لم تعد الاولوية، وانما الجماعات الجهادية، اي ان النظام اصبح ينتمي الى المعسكر الذي يكافح “الارهاب” على الارض السورية والمنطقة بأسرها.
في حال نجاح هذا السيناريو، اي وقف متبادل لاطلاق النار، فان هذا يعني الاعتراف بالامر الواقع وتثبيته، اي وجود دولة مركزية محاطة بـ”امارات” اسلامية تتمتع بحكم ذاتي على غرار ما يحدث في شمال العراق (كردستان)، ويظل السؤال هو من سيكون “الامير” في هذه الامارة او تلك، هل هو امير جيش المجاهدين، ام ابو محمد الجولاني امير جبهة النصرة، ام زهير علوش قائد الجبهة الاسلامية ام.. ام؟
في اعتقادنا ان النظام السوري يراهن على هذه المسألة، وهذا ما يفسر تحذيرات جون كيري التي ادلى بها هذا الصباح من ان العالم لن يسمح لنظام الاسد بخداعه خلال مؤتمر “جنيف2″.
الثورة بمفهومها وتعريفها المتفق عليه تبخرت، والموقف على الارض تجاوز هذه التسمية منذ عام ونصف العام تقريبا، الصراع الحالي هو صراع نفوذ، وتكريس اولي للتقسيم الجغرافي والبشري، وسورية التي نعرفها تذوي وتتغير امام اعيننا للاسف ومرشحة للتحول الى دويلات لفترة مؤقتة او دائمة اذا نجح المخطط الجديد الذي نأمل ان يفشل.