بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام طبية في رمضان
د.ضياء الدين الجماس
هذه الأحكام نشرت في كتابي المرشد الفقهي في الطب. وسيتم نشرها هنا بالتدريج:
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
مقدمة:
هناك عدد هائل من المرضى الذين يبتغون تحصيل فضيلة الصوم في رمضان على ألاَّ يتضرروا منه . وهم يحبون أن يعرفوا حكم حالتهم الطبية أو الفحوص التي يطلبها الطبيب لهم في رمضان . وهذا بحث مهم يجب أن يُلِمَّ به الطبيب والمريض معاً .
ولما كانت الإجراءات الطبية من فحوص ومداواة تتوافق مع هدف الصوم في تحصيل الصحة النفسية والجسدية لابد من دراستها جيداً والأخذ بما هو أيسر للمريض من الناحية الشرعية وتوقيت إجراء الفحص المناسب بالطريق المناسب بحيث يحافظ المؤمن على صيامه في رمضان قدر الإمكان لما في ذلك من أجر عظيم يفوق أجر الصوم فيما سواه من الأيام .وشرعنا الحنيف - والحمد لله - نابع من دين اليسر ، دين العالمين إلى يوم الدين . روت عائشة رضي الله عنها تصف النبي  بقولها :
" ما خُـيِّرَ رسول الله  بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً " (1) .
وليس المقصود من انتقاء الحكم الأيسر للمريض هو مجرد البحث عن اليسر ، بل أن يكون هذا الأيسر ذا فائدة مزدوجة تحقق الهدف الشرعي والطبي معاً (2) .ولو تأملنا مذاهب الفقهاء في أحكامهم نجد أنهم قد تساهلوا فيها طالما أن المسلم لا يقصد العبث في تصرفاته ولا هتك حرمة شهر رمضان (3).
ولذلك لابد من بناء الأحكام أو ترجيح بعضها على بعض لتناسب الحالات المرضية المختلفة وفق الأسس الشرعية من جهة ، والمُسَلَّمات التشريحية والثوابت الفيسيولوجية التي خُلق عليها الإنسان من جهة أخرى لنكون واقعين دائماً ضمن مجال الشرع لا نخرج عنه قيد أنملة ، ونستفيد في الوقت ذاته من التقنيات الطبية الحديثة فنجعل المريض يكسب صحته في رمضان بالفحص والمعالجة الصحيحة دون أنْ يُـفَرِّط بصيام أي يوم منه قدر الإمكان . والله المستعان في حسن البيان :
الفحوص السريرية :
يقوم الطبيب أثناء الفحص السريري بجس المريض وإجراء المس الشرجي أو المهبلي أو كليهما (حسب ما يتطلبه كشف المرض ) ، وقد يستخدم أدوات إضافية لإتمام الفحص السريري كمنظار المعدة ومنظارالقصبات (والمستقيم والمهبل وغير ذلك) ..
فما حكم هذه التصرفات في رمضان ؟
1 - الجس :
قد يثير جس المريض من الجنس المخالف شهوة ( عند الطبيب أو المريض أو كليهما ) ، وقد علمنا حكم ذلك بالنسبة للوضوء ، فما حكم ذلك بالنسبة للصيام ؟ :
إذا وصلت الشهوة إلى درجة الإمذاء بطل الصوم ( عند المالكية ) ولا يبطل عند الجمهور . ولا كفارة بالاتفاق لعدم توفر نية الاستهتار وهتك حرمة الشهر .
2 - المس الشرجي (4) :
حُكْمُه : يُفَطِّر عند الشافعية لتحقق صفة الدخول إلى جوف . ولا يُفَطِّر عند الحنفية إذا أُدْخِل جافاً، قياساً على إدخال عود وإبقاء جزء منه في الخارج ( لا يسمى داخلاً إلاّ أن يغيب كله ) . فإذا أُدْخِل رطباً أو مدهوناً بدهن أفطر .ولا يُفَطِّر عند المالكية لأنَّ جميع الأجسام الصلبة إذا وصلت عن طريق سفلي إلى المعدة لا تُفَطِّر ، فإدخال الإصبع وإخراجه لا يفطر من باب أولى(5).
(يتبع)...
------------
1 - أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة ، وتتمته " فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله  لنفسه في شيء قط إلاّ أن تُنتَهَك حرمة الله فينتقم لله بها " .
ورد في كنز العمال ج7 - 18713 .
2 - فلا يخالف نصاً شرعياً بل هو ثابت في القرآن أو السنة أو ما ورد عن السلف الصالح رضي الله عنهم جميعاً . وقد يكون الحكم مرجوحاً في أحد المذاهب إلاّ أنَّ تطبيقه في هذا العصر هو الأنسب فيكون راجحاً بالنسبة للمريض .( وهذا ما رجحه الشيخ الشعراوي في فتاواه المعاصرة )
3 - لقد أعفى الجمهور مِنَ القضاء مَنْ أكل أو شرب ناسياً لأن نية الإفطار لم تكن موجودة ، والنسيان صفة ملازمة للنفس الإنسانية ، وعدم التساهل في ذلك يعني أن الشرع يريد معاكسة الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهذا محال لأنه مخالف لنصوص القرآن الكريم حيث جاء فيه : " ما جعل عليكم في الدين من حرج " وكذلك قوله : "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . ولما كانت حكمة الصوم تتعلق بالامتناع عن شهوتي البطن والفرج ذهب الإمام مالك إلى وجوب القضاء على من أكل ناسياً لبطلان حكمة الصوم لكنه أسقط القضاء عنه . وللأخذ بالحكمين يمكن القول بأنه من أكل شيئاً لا يشبع أو يطفئ العطش فله الحكم الأول ، وأما من أشبع بطنه وروى ظمأه يجب عليه القضاء لجبر نقص صومه .. والله أعلم .
4- يتم بإدخال أصبع الطبيب لاستكشاف أمراض المستقيم من سليلات أو أورام أو بواسير داخلية وضخامة البروستاتة ( الموثة ) وأمراض المبيض أو الرحم وتقدير حجمهما ( عند العذارى خصوصاً ) . وهو فحص مهم جداً لا يستغني عنه أطباء الداخلية والهضمية وأمراض الجهاز البولي.
5 - هناك وجه مشابه للشافعية في مسألة إدخال قسمٍ من خيط وإبقاء قسم منه خارجاً . وسيأتي لاحقاً في فقرة حكم أنبوب المعدة .