منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 73

العرض المتطور

  1. #1

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    ثم دبت الحياة في القصر العدلي , وأصبح يسمع دبيب الأقدام فوق سطح القبو .. حتى لقد انحدرت الحركة إلى سلم القبو , فهبط احد رجال الشرطة واستلم مكان الشرطي الذي بات هنا طول الليل تبادلا التحية العسكرية , وصعد الشرطي الأول وغادر المكان , ظن ان القاضي سيطلبه مع رفاقه الآن حتى لقد انحدرت الحركة إلى سلم القبو , فهبط احد رجال الشرطة واستلم مكان الشرطي الذي بات هنا طول الليل تبادلا التحية العسكرية , وصعد الشرطي الأول وغادر المكان , ظن ان القاضي سيطلبه مع رفاقه الآن ولكن طال الوقت جدا على ذلك , وانتظر دون فائدة هل سيمضي هنا ليلة ثانية؟
    أخيرا جاء موظف فأعطى ورقة صغيرة للشرطي الذي فتح الشبك وأمره مع باقي الغلمان بالخروج , ثم أغلق الشبك وساقهم جميعا أمام قاضي التحقيق.
    أما هو فلم يسأله القاضي شيئا , وأما رفاقه فتعرضوا لإعادة استجوابهم مرة أخرى.
    وأخيرا لفظ القاضي كلمته ..قال له:
    -اذهب إلى بيتك.
    الصعوبة الآن في العودة إلى دار ام محمد .. كيف ستستقبله , ستستأله فورا بكلامها الممطوط ولكن الشديد الوطاة على السمع :
    -أين كنت ياولد وماذا فعلت طول اليومين السابقين؟
    وارتعش وتصورها تقول له:
    هذا البيت هل هو خان حتى تعودإليه متى شئت؟ وأردت ثم تغادره متى شئت وأردت ؟
    من له بإسكاتها , كيف يهدئ من ثائرتها؟
    نعم نعم الدراهم هي التي تسكتها . ماذا ؟ وكيف موقف الباصات , ورجال الشرطة لم يكد يخرج من دار التوقيف , ألم يتذكر ؟ إنك لم تتصرف تصرفا حكيما . كان يجب أن تكون كالعصفور دائم الحركة , دائم حركة الرأس , حذرا غاية الحذر عند أقل إنذار يطير ويختفي .
    أما الدراهم فلا غنى به عن اكتسابها , هذا ما لا ريب فيه,وأما أن يكون في الوجود مخلوق له من المروءة ما يكفي حتى يتنازل له عن كل ما يحتاجه منها , فهذا هو المستحيل . ماذا بقي ؟ أن يحصل عليها بطريقة الخاصة,
    -موقف الباصات وأبواب دور السينما .
    وإذا قبض عليه؟
    -الحبس , هو معهد الاحداث ليس فيه ما يحزن , أكل وشرب وتعلم مهنة . يا الله إلى مواقف الباصات .
    يبدو ان غياب يومين قد شحذ همته جيدا,فإن جولة واحد ة قد جعلته على عشر لير ات سورية دفعة واحدة مبلغ ضخم ماذا يفعل يه؟
    أبو لبادة؟ ماذا؟بعنة الله عليه ر, لو ان القاضي التحقيق اوقفه هو للبث أياما بل شهورا , وعده بأن يحلصه ثم لم يفعل , فلماذا يعطيه ؟ تعب بهذا المبلغ وخاطر وجهد وعرق , هذه الليرات العشر له وحده. أبو لبادة على كل حال لا يعلم بها , وأم محمد ؟ يا الله نجول جولة ثانية أمام الباصات ونهبج لها هبجة ثانية خمس ليرات تكفي .
    لم يكن رأس صقر هو الذي يقود إلى دار أم محمد وإنما هي قد ماه اللتان تخطوان في ذات الخط في الطريق وبحكم الاستمرار أين يبيت؟ لو انه وفق إلى مكان لما عاد.
    -في المرآب .
    -مستحيل روائح تخدش الأنوف , وأبو معروف ..
    فجاة أصبحت دار ام محمد ثقيلة الوجود , معتمة حالية حاوية , ليس فيها ما يربطه إليها , وشعر بشيء يكبر داخل إهابه لم يكن من قبل , لم تعد هذه الدار مما لا يمكن الاستغنار عنه . ترامى إليه من ساحة الذكرى قول أب لبادة :
    -انام حيث أريد , ربما على عتبة باب , أو في مطلع درج بناية او في بناية على العظم , قيد التشييد في فندق.
    آه , سيكون كقره فندقا إذا ما زاد مورده من المال , لاب ل منذ الآن .
    عند دخل الفندق وطلب غرفة إليه صاحب الفندق نظرة فيها ريبه قال له:
    ص 33
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني


    -الأجرة خمس ليرات.
    -أدفع
    -أبن أبوك؟ وأمك؟
    أدرك فورا ما ستجره عليه هذه الجملة ..فورا ومباشرة إلى مخفر الشرطة .. أعطى قفاه إلى صاحب الفندق استدار وأسلم ساقيه للريح الآن النوم في الفنادق متعذرة عليه لأنه صغير السن . أيتها الدار الكريهة يا دار أم محمد .. ستفتقد ينني يوما ولا تجدينني..
    وهكذا وجد نفسه فجأة أمام باب دار أم محمد , ودهش حين رأى الدار مزدحمة بالناس , هذا هو الجار أبو سعيد وهذه الجارة ام فوزي . وهذا ..وهذا ..ماا يجري؟
    حين اقترب , نظرت إليه امرأة كانت هناك وهي دامعة العين , نظرت إليه طويلا , ومسحت على شعره وهي تنظر إليه نظرة إشفاق . قالت:
    -مسكين أنت يا صقر.
    نظر إليها طويلا نظرة مجردة عن أي معنى وفمه مفتوح , وخرج من الجميع أبو أسعد ونظر إليه طويلا ..لماذا ينظرون إلى هكذا ؟. الجميع استثناء .. قال أبو أسعد:
    -تعال يا صقر إلينا ستؤويك داري.
    وامسك بكتفه ولكن صقرا انفلت منه وتوغل فلما لمح ام محمد مسجاة على سريرها وهي بلون أصفر وجفناها مسبلان وهي بلا حراك أدرك عندئذ ا نام محمد قد انتهت . ام محمد لم تعد في هذه الدنيا ..هذا ما سمعه من النسوة اللواتي كن هناك, كان أبو أسعد مازال واقفا فقال:
    -يا صقر ..تعال إن معيلتك قد ماتت.
    وسمعته امرأة فقالت:
    -مثلما التقطت أم محمد صقرا ..جاء أبو أسعد يستنقذه .يا محنن يارب , أنت الرحيم .. أنت الرءوف..
    في تلك اللحظة فقط أدرك صقر من هو ..هو لا شيء لقيط أم محمد التقطه من الطريق . في تلك اللحظة انقلب سخط صقر إلى بكاء..
    انفجر باكيا كطفل , كانت دموعه ترش الطريق وهو يخرج مسرعا من الدار , لا يعلم لماذا تحولت إحساساته فجأة , ولماذا حزن على أم محمد ..لقد شاهدها بلا حراك , بلا كلام بلا صوت, يداها المخباطتان إلى جنبها.
    وتساءل ألا يمكن أن نتكلم بعد؟
    وتذكر أن إحدى النسوة قالت : إن ام محمد قد توفيت , وهو قد سمع مرة أن الميت لا يتكلم ..ولا يحس ولايتحرك.
    ظل بين الفينة والفينة يتذكر كل هذا فيستأنف بكاءه من جديد,لم يعد له بيت . وبيت أبي أسعد؟ أبدا لن يدخل بيت أبي أسعد أبو أسعد قصاب شاهده يذبح الخراف بالسكين بين أسنانه ويده في رقبة الخروف ..منظر بشع,شاهده مرة يربط ولد إإلى جدار شجرة ويهوي عليه بالسوط حتى أدماه , حتى ولو دفعه أبو أسعد ليحصل على دراهم فلن يدخل داره ولماذا يعطيه ؟ المال الذي يتعب في كسبه ويخاطر لماذا يعطيه للغير؟.
    شعر بشيء في إهابة , لم يعد غلاما يحتاج لمأوى .. إنه مثل أبي لبادة , قد ينام على عتبة دار, أو في خرابة أو في بناية قيد الإنشاء , أو ..ماذا عليه , إنه أصبح ذا مال , انه أصبح ذا مال..
    ص 36
    يتبع
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    2-
    ظل ليلتين متواليتين , لا هم له إلا مراجعة حياته الماضية .. والآن ترتسم على شفتيه ابتسامة تحار بين السخرية والاعتداد , كان طفلا محميا , أو قل هذا هو المفترض , وإذا به يتحول فجأة إلى كائن قد وكله القدر إلى نفسه ,لا يزال يشعر بشعور ذلك الولد الذي كان يؤوب إلى دار أم محمد خجلا , جوعان , معفرا بالتراب أو بالطين الجرة تنتظره ليملاها , وصوت ام محمد الأجش ذو اللهجة المستهجنة يترامى إلى سمعه , وهو لا يبغي من بعد سوى أن يتكوم في الزاوية من الغرفة وينسى كل شيء وينام.
    إن إحساسه بوجوده الآن هو إحساس امرئ قذف به إلى ماء عميق دون سابق إنذار فتحركت يداه وقدماه تضرب الماء ليعوم , وفجأة اكتشف بدهشة أنه يعوم فعلا فتساءل لماذا لم أغادر دار ام محمد منذ زمن طويل؟ أية فرحة وأية بهجة وأي اعتداد.
    ولكن أية قيمة لهذا الإحساس الآن؟ إنه يقف وحده بمواجهة الوجود , كل الوجود من فتيان كاسرين وغلمان في مثل وضعه وناس يجب أن يتنبهوا ويداه في جيوبهم ثم .. الشرطة...
    أما اتجاهه فواضح : اقتناص المال , المال هو كل شيء , ثم التواري عن وجه رجال الشرطة .. والخلاصة :الغنيمة والهرب
    -هل لديه الذخيره الكاملة والدربة لاستيفاء أوفى نصيب منهما؟بدا له الأمر سهلا للغاية : لقد زوده أبو لبادة دون أن يدري بأول قوة دافعة ذاتية يتغلب بها على ضعفه , قال له:
    -هل هناك من يدخل عليك بفرنك واحد؟
    وإذن, فعلى الناس , الناس كافة أن يفسح كل منهم مكانا ليد صقر في جيوبهم , هذا الأمر يبدو طبيعيا للغاية , كما زود الغلام الذي التقى به في نظارة القصر العدلي ببرود الدم واللامبالاة اللازمتين في المواقف الحرجة:
    -وماذا في معهد الأحداث غير الأكل والشرب والتدرب ؟
    وختم صقر حججه جميعها بان قال بينه وبين نفسه :
    -هذا حال كل الناس غيري كثيرون مثلي , لا يكترث بي احد , وأنا لن اكترث بأحد.
    وكانت الشدائد , التي واجهها في حياته حتى الآن , قد أرهفت دهاءه وإرادته , أما الأزمات النفسية التي عاناها فقد أورثته تلبدا في الحس يأتي بالتدريج , وبرغم أنه كان قد بلغ العاشرة حديثا فقد كان يقف مع أبي لبادة وأتباعه وقفة المستريب , نعم لقد عاد أبو لبادة ولكنه في نظر صقر ثعلب مستغل متسلط لا يستحق ما يطلب , وقفته ونومته في نظارة القصر العدلي مما لا ينسى , أين كان أبو لبادة ؟ ..نحن نشقى وهو يتناولها لقمة سائغة!؟.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وأهنؤك على وفائك وهمتك وجهودك الواضحة
    رحم الله الوالد
    محمد نضال صلاح الدين

  5. #5

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني



    وفكر فيه كثيرا لا يملك من أنين أو عينين ماالفرق بينه وبيني .. ولكن ليس لي أتباع حتى أؤلف عصابة , حسنا سأضربه ضربة تدحرجه عن مسرحنا وأتناول عصابته .
    في بادئ الأمر تابعه أينما ذهب وذهبت عصابته يستسنح منه فرصة, وإذا بالفرصة تاتي , قال أبو لبادة:
    -هلموا يا أولاد ليتوجه كل منكم إلى موقف باص أو سينما ويأتيني بنصف ما يجنيه مقابل حمايتي له.
    -وكيف تحمينا؟
    قالها صقر وقد وقف تجاه أبي لبادة عاقد الحاجبين , أما أبو لبادة فأمسك بيد صقر وقال:
    -لماذا تكلمني بهذه اللهجة ؟ صار لك لسان تحكي به؟
    -إترك يدي احسن لك .
    وترك أبو لبادة يد صقر وفضل معاملته بالحسنى , كان قد حنكه الزمن , ومست يد أبو لبادة كتف صقر علامة الإشادة له بالانصياع للأمر, فامسك صقر بيد أبي لبادة وأبعدها عنه في حركة عصبية التفت لها كل الغلمان , غلمان العصابة , فتوقفوا بعد أن تحركوا لتنفيذ الأمر ’ إذ أدركوا أن في الأمر مواجهة محتمة , وقال أبو لبادة :
    -مالك اليوم يا صقر , يبدو أنك عصبي.
    ص 39


  6. #6

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وقال صقر وحاجباه دائما معقودان . وهو بهيئة المتحدي المهتيئ للضرب:
    -الم يعد عندك سوى هذه الخطط الفاشلة؟
    وضحك أبو لبادة , فخشي صقر أن يذهب أثر تحديه هذا فأضاف :
    -أنت لا تصنع شيئا بيديك , فأنت لست زعيما..
    وصلت الأمور إلى حدها .. وجاء جواب أبو لبادة يضع حدا سريعا لم يكن لمصلحته , حدا لمواجهة خصمين لم تدم سوى دقائق .
    -أرنا براعتك إذن.
    وقال صقر:
    -سوى ترى .. سأصنع شيئا لم تجرؤ أنت على مثله , سأسطو على مصرف.
    جاء هذا الكلام مفاجأة مذهلة لأبي لبادة , قال متحديا:
    -ننتظرك جميعا إذهب فتفذ..
    وقال باقي أفراد العصابة مرددين بصوت واحد , وصار على صقر إما أن ينفذ أو يعنو وينحدر إلى آخر درجات السلم في العصابة أو ينسحب.
    كان المصرف في دار قديمة في سوق العصرونية .. فلما كان ميعاد غداء الكتبة دخل صقر دون أن يراه احد , وعبر البهو على أطراف أصابعه , ومد يده القذرة , فأخذ رزمة من أوراق النقد وضعها الصراف في جانب وهو يعد محتويات صندوقه وأخفاها في سترته , وكان مكتب الصراف عاليا فلم يشعر به لأن قامته لاتصل إلى ذاك المستوى إلا إذا استوى على أطراف أصابعه , فلما تم له أراد عاد دون ان يشاهد الصراف.
    عند ما عاد الى مكان وقوف جماعته اقتسمها معهم , فلم يعط أبا لبادة شيئا فكان ذلك رصيدا كاملا استوفى فيه صقر من أبي لبادة كل ما أداه إليه,
    وسرعان ما اختفى أبو لبادة.
    وهكذا بضربة واحدة سددها له, اقتص منه لأعماله حمايته وجرده من عصابته كافة.
    وقال صقر للآخرين:
    -هلموا يا أولاد .. لا مكان للأساليب العرجاء في نشاطنا ليكن محصول كل واحد منا محصولا محترما.
    وشحذت هذه الضربة ذهنه , وصار يغلف نزعاته بستار خفي وراء غاياته وقال لافراد عصابته:
    -أنا رجل متواضع , سأنام حيث تنامون.
    ومادرى الباقون , ان غايته حجر إنما كانت ليتدارك لنفسه مكانا ينام فيه , وحين أخبروه أنهم ينامون في غرفة رثة كائنة في حديقة دار قديمة مهجورة في سوق محلة باب السريجة, ابتسم ابتسامة عريضة ,فلقد حصل على ما يريد جميعا.
    في هذه المرة أصبح ذا رصيد ضخم هو وهؤلاء الغلمان السبعة الذين بدا أنهم عنوا له و؟أسلموه قيادتهم يوجههم كيفما شاء.
    على أن انفجار عصابة أبي لبادة بهذا الشكل المدوي بين أتباعه لم يخل من مضاعفات , فلقد نبه شهية أفراد آخرين من العصابة إلى الزعامة , وهكذا وجد بينهم واحد لم يقع ما صنعه صقر من نفسه موقعه المرجو,
    وخاف أن يكون رجال المصرف أخفوا نبأ السرقة بانتظار أن يعود الفاعل فيكرر عمله مرة أخرى كما تنبأ بذلك صقر نفسه, كانت هذه الوسيلة الوحيدة لتوريطه فلم يعلم السرقة أحد , وكان أن لذلك العضو العصابة أن يسخر من حجر فقال له:
    -إنما تريد أن تستغفلنا , لقد وجدت هذا المال في مكان ما
    كان صقر قد حفظ درسه جيدا ,فلم يشأ أن يغامر دفعة واحدة بالغنيمة التي استلبها من أبي لبادة فيفجر العصابة مرة أخرى ,وتجنب السير على غراره ,وطرح شعارا جديدا قال:
    -من كان مع مع هذا فليقف إلى جانبه , ومن كان معي فليقف إلى وانبرى منهم أربعة وقفوا إلى جانبه وهم الأكثرية , ومع ذلك كانت شهيته مفتوحة لربح الباقين , وأدرك ببصيرته النفاذة أن خصمه أضعف منه جسما فدعاه للنزال , وهناك لقنه درسا عناصره من الرفس على البطن والعينين ما شاءت لع عضلاته حتى أغمي عليه.
    وسرعان ما تبعه الباقون من أشياع خصمه و فأعاد للعصابه وحدتها وسار على راسها يخطط وينفذ.
    ذاع صيت العصابه بما نفذته في تلك الأيام التالية , في الأوساط التي تعنيها هذه الأعمال , فبينما كان يسير أمام المحلات التجارية الكائنة في شارع .., التفت إليه صاحب واحد منها اتخذ محله التنباك ظاهرا وقال له:
    -تعال يا صقر..
    وتوقف صقر في مكانه دون ان يتقدم واجاب :
    -هكذا تنادى الناس؟..
    وكان في لجهته زغريته واضحة واردف الرجل:
    -قابضها والله.
    -قف عند حدك.
    وضحك الرجل وقال:
    -إنما كنت أمتحنك فإن لك عندي شغل سمين.
    عندها انفرجت أسارير صقر واقترب منه , وقال الرجل:
    -أريد يضعة أفراد من جماعتك ليكونوا عاملين والباقون للاحتياط.
    ص43

  7. #7

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    رواية ممتعة استاذنا / فراس الحكيم
    يعطيك العافية

    تحية وفاء
    [/SIZE]

  8. #8

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    شكرا اخي صديق لمرورك الكريم ونتابع معا:
    *********

    ولكم جعل محترم.
    -ماهي المهمة؟
    -الاثنان يحومان حولي في هذا المحل , متى أشرت لواحد منهما ذهب إلى محل آخر ركضا واحضر لي ظرفا فيه بضاعة ,أفهمت ؟
    -مفهوم مفهوم.
    -فإذا وصل إلى مسافة ما من المحل سلمه إلى آخر وهذا يسلمه إياه ..مفهوم؟
    -مفهوم.
    -فإذا قبض عليه كان عليه أن يرمي ما بيده بسرعة فائقة دون ان يرى وينفي كل علاقة له معي ..مفهوم؟
    -مفهوم يا معلم .وأنا؟
    -أنت شريك على الثلث.
    -اتفقنا.
    وبدأ صقر نشاطه الجديد , منذ اليوم الأول وأحضر جماعته فانتقى منهم اثنين نشيطين وسلمهما إلى صاحب ا لدكان.
    كان دوره الإشراف على العملية وضمان سلوك لا شركة فيه.
    وجلس صاحب المحل على حشية وضعها على كرسي من الخيزران أمام دكانه التي صفت فيها خشبية كبيرة مملوءة بالشاي وصفت علب اللفافات على الرفوف, وجاء زبون وقف أمام صاحب المحل وأسر له ببعض كلمات ..
    فالتفت هذا التفاتة لم يفهم منها الزبون شيئا وقال له:
    تفضل لحظة..
    في تلك اللحظة انتقل غلام كالسهم وغاب ثلاث دقائق ليعود وليس في يديه ما يظهر حتى إذا صار على مسافة خمسة أمتار من المحل دس يده في كمه فاخرج ظرفا صغيرا سلمه إلى غلام آخر , وهذا ذهب بعكس اتجاه الأول ولف حول جملة أبنية من شارع خلفي ثم جاء من خلف الزبون الذي كان ينتظر وعيناه تتابعان الغلام الأول , وظهر الغلام الثاني من وراءه فناول الظرف إلى صاحب المحل الذي ناوله إلى الزبون.
    تمت الحركة بنجاح تام, وانفرجت أسارير صاحب المحل عندما ناول الظرف للزبون وفيه الحشيش المخدر , وفتح الزبون عينيه من الدهشة وسارت الأمور سبرها الطبيعي.
    كان صقر يحضر في كل يوم خميس , فيتقاضى حصة كاملة غير منقوصة وهي الجعل الذي يقبضه الغلمان.
    وكان قد بلغ الثانية عشرة ولكن من يراه يعطيه سنا يتراوح بين السادسة عشرة والسابعة عشرة ربيعا. وقد استراحت تقاطيع وجهه, وزايله اصفرار وجهه , إلا أنه لم يتخل عن حديقة الدار القديمة الكائنة في سوق باب السريجة , فقد حرص على ان يؤوب كل يوم مساء لينام فيها مع أفراد عصابته , وكان كريما ينفق الكثير على عصابته , ويبدو أن أفرادها شعروا بالفارق الكبير بين معاملة الرئيسين فاخلصوا لرئيسهم الجديد أيما إخلاص.

  9. #9

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وبالفعل فإنه في أحد الأيام كان صقر يشترك مع الغلام سليم من أتباعه في عملية نشل في صالة سينما , وكان قد أخذ للأمر أهبته فتظاهر قبل ولوج السينما بأنه ضرير وأوعز للغلام سليم بأن يقوده , ذلك أن نور الشمس كان قبل ذلك باهرا فأراد ان تعتاد عيناه على الظلام قبل الدخول حتى إذا دخل السينما كلها ظلام غدا مستطيعا أن يميز فيها فيفتح عينيه هناك ويستطيع ان يميز الجالسين من النظارة في مقاعد هم ويميز ويختار جليسه من الجوار على ان يكون عليه مخايل اليسار والنعمة وهكذا دس يده في جيب أحدهم فاستخر مالا وتفرس في وجوه الجالسين فتخير جوار رجل ثري ,فلما استخرج هذا الأخير في وقت الاستراحة محفظته وابتاع مثلجة كانت عينا صقر تراقبه وتحدد موضع المحفظة في جيبه وانتظر حتى ماتت الأنوار إيذانا باستئناف العرض , فاختال حتى غدا قريبا من موضعها وكان الأمر على غاية من الصعوبة , فاقتضى منه زمنا ولكن يد صقر كانت قد وصلت إلى مكمن المحفظة .إلا أن الرجل أحس بهذه اليد وهي تخرج من جيبه فحاول القبض عليها, ولكن صقر كان أسرع منه, فقد أفلت واختفى,في تلك اللحظة عادت الأنوار إلى الصالة لعطل في العرض ولما كان قد شاهد سليما إلى جانبه وكان قد رآه يحدث صقرا من قبل فقد أمسك به وعبثا حاول تسليمه إلى شرطي لأن الصالة كانت خالية من الشرطة , فتلقى سليم من الرجل وممن جاء لنجدته عددا ضخما من الضربات , أدمت جانبا من جسمه . ومع هذا فإنه لم ينطق بكلمة ولا شيء بصقر الذي كان في تلك اللحظة يجلس في مكان بعيد في الصف الكائن خلف الرجل ينظر إلى ما يفعله بزميله سليم.
    ص 46

  10. #10

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    كان كل يوم يمر على صقر يترك في ذهنه تسجيلا لواقعة جديدة عليه تشحذ ذهنه وترهف ذكاءه وتوسع إدراكه , وحين جاء إلى صاحب المحل في يوم الخميس ليحاسبه عن رصيده الذي تكون له في ذمة الرجل , شاهد رجلا آخر يسبقه إلى صاحب المحل فيرحب هذا به ترحيبا حارا , ترحيب الخادم لمخدومه والمرؤوس لرئيسه , ثم يقدم له كرسيه ذا الحشية , ويظل واقفا بانحناءة خفيفة تنبئ عن الاحترام الكامل.
    جلس الزائر على الكرسي دون أن يتحرج كأن من حقه ان يجلس , وعلى مضيفه أن يقف بين يديه هذه الوقفة المستخذية, حتى أن الزائر وهو يحدث صاحب المحل لم يعن بأن يرفع رأسه إليه حين يكلمه إمعانا في العنفوان , الأمر الذي كان يلجئ صاحب المحل إلى الانحناء أكثر فأكثر ليستوعب ما يحدثه به الزائر أو ليمكن زائره من سماع كلماته الجوابية.
    توقف صقر في منتصف الطريق وأحجم عن إتمام طريقه إلى حيث يقف شريكه إذا تريث وانتظر , إذ لابد أن يكون الأمر جدا بين الرجلين , فيأتي شانه مع شريكه في المكان الثاني.
    طال الحديث بين الرجلين فتحرك الفضول في نفسه فتقدم دون أن يشعر به واحد منهما , حتى أصبح منهما على بعد كاف لكي يتناهى إليه الحديث.
    كان هذا الحديث تصاحبه آثار اهتمام بالغ ارتسمت على وجه الرجلين.
    الزائر: أنت ناخب ثانوي فيما أعرف.
    صاحب المحل: نعم وقد أنعم علي بهذا المركز حقي بك.
    الزائر: حقي بك؟ صحيح؟ إن حقي بك ولي نعمتنا وصاحبنا وهو الذي أشار علي بأن أرشح نفسي لأكون مرشحا أوليا للانتخابات.. في سبيل الفوز بمقعد في المجلس النيابي.
    صاحب المحل: مئة أهلين يا بيك.
    الزائر:لقد سمعت عن مروءتك الشيء الكثير.
    صاحب المحل:أنت أحسن يا سيدي
    الزائر:هل يمكنني الاعتماد عليك في الانتخابات القادمة؟
    صاحب المحل:أنت تعلم أن..
    الزائر:فضلك واجد يابيك وهذه إحدى شمائلك الكريمة ,ولكن..
    الزائر: نعم تكلم.
    صاحب المحل:تعرف أن فلان بيك دفع كذا..
    الزائر وإذن؟
    صاحب المحل:أبشر خيرا
    الزائر:قد نحتاج لبعض أعمال لإزعاج منافسينا.
    صاحب المحل: لدي فتية وغلمان يبيضون الوجه.
    الزائر : أنت زعيم حي , فلا غرابة أن تمتلك الوسائل , أنت رجل طيب.
    صاحب المحل: هذه التجارة سائرة سيرها الطبيعي؟
    وغمز الزائر صاحب المحل بعينيه , وقال: هذا الأخير:
    -بعنايتك يابيك.
    وضحك الرجلان ضحكات مجلجلة حتى بان آخر ضرس في الفم..
    وعاد الزائر يقول:
    -أعتقد بأنه لا حاجة بي إلى أن أرجوك مرة ثانية.
    قال الرجل جملة ببطء وشد على صاحب المحل وهزها هزا مرارا وتكرارا.. وظلت الأيدي مشتبكة ثوان عدة غادر الزائر بعدها المكان.
    عندها فقط أبصر صقر أن الزائر يرتدي ملابس فاخرة ويضع على عينيه نظارات ضخمة , وقد بدت على هيئته إمارات الغنى.
    وابتسم صقر ايتسامة عريضة , وشعر بالزهو ينتفخ في إهابه , إنه لإذن يتعامل مع زعيم من زعماء الأحياء , وقد غدا ذا قيمة في حساب هذا الزعيم , فليعد النظر إذن في الحساب , المسالة تقتضي إعادة النظر وهل ثمة حظ أبلج من حظه؟ وتصور المستقبل كيف سيكون يجب أن يضاعف نشاطه للحصول على المال جيوب الناس ومكاتب الصرافة يضاعف نشاطه للحصول على المال جيوب الناس ومكاتب الصرافة.
    ص 49

صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •