منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 37

العرض المتطور

  1. #1
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    القصة الكاملة لاشتراك الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 كما يرويها شهود عيان

    بقلم الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري(*)

    تنويه :

    لغرض التوثيق التاريخي وكي لا تنسى الأجيال القادمة ، سنشير في هذه الوثيقة التاريخية المهمة إلى خلاصة قصة اشتراك الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 موثقة من مصادر مختلفة وشهود عيان شاركوا في الحرب ، ومنهم الباحث ، تم اللقاء بهم والاستماع إليهم وهم يروون ملحمة الحرب التي هزت المستوطنين الإسرائيليين من الأعماق حتى باتت هاجسهم الذي لن ينسوه أبدا ..

    تمهيد
    تعتبر مشاركة الجيش العراقي في حرب تشرين حدثا مجيدا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ، فلقد تمت هذه المشاركة دون تخطيط مسبق على صعيد القتال أو الشؤون الإدارية ونفذت بشكل سريع ومفاجيء وبمبادرة عراقية بحتة .. وكانت أطراف عربية تتوقع أن تكون المشاركة في مثل هذه الظروف رمزية أو محدودة على الأقل ، ولكن العراق دفع إلى ساحة المعركة ، التي تبعد عن أراضيه أكثر من( 1000) كم ، ثلاثة أرباع قواته الجوية ، وبدأ يعمل على إرسال المزيد من القوات من مختلف الصنوف ، وكان تركيزه على الإسراع بإرسال الطيران والدروع نابعة من رغبة القيادة السورية في الحصول على هذين السلاحين قبل أي شيء آخر ..وبالإضافة إلى الحجم المادي الكبير للمشاركة العراقية ، فقد كان هناك عامل ثان يتعلق بجوهر العمل العسكري الذي يتأثر عادة بطبيعة التحالفات وشدتها (1).. ومن الواضح أن العراق لم يدخل الحرب كبلد حليف ذي مصالح خاصة متطابقة مع المصالح العامة لمجمل حلفائه ويقاتل لتحقيق المصالح الخاصة من خلال تحقيق المصالح العامة ، ويوازن بين الجهد والربح ، ولا يقدم إلى الحلف سوى الجهد الأدنى مقابل الربح الأقصى ... لكنه دخل الحرب كدولة معنية بالصراع العربي الإسرائيلي ومستعدة لتقديم كل شيء لإسناد الجهد العسكري والاقتصادي العربي ، ولذلك تجاهل كل الاعتبارات وتحديدات العمل وإسقاط الحسابات القطرية من اجل تحقيق الهدف القومي الاستراتيجي العام ، ولو لم يعتبر العراق نفسه طرفا معنيا لا طرفا حليفا فقط ، لما تمت حركة قواته بزخم وسرعة ولأختفت الطبيعة التصادمية التي اتسمت بها عملياتها(2) .. والعامل الثالث المهم الذي يميز المشاركة العراقية ، هو أن القوات البرية والجوية الكبيرة التي دخلت سورية لم تشكل قيادة ميدانية مستقلة ، بل وضعت نفسها تحت تصرف القيادة السورية مباشرة بغية تسهيل عمل هذه القيادة وإعطائها قدرة ومناورة على زجها في المعركة بأسرع وقت ممكن .. ولم يكتف العراق بمشاركته العسكرية فقط ، بل استخدم أيضا سلاحه الاقتصادي ضد كل من ساعد إسرائيل في حربها أو شارك فيها وقدم الشعب العراقي إلى الشعب السوري النفط والمساعدات الاقتصادية والاعتدة ودبابات التعويض ..
    التحديدات التي رافقت مشاركة الجيش العراقي في الحرب
    والأمر الآخر الذي نشير إليه هو أن العراق وضع في موقف صعب وحرج لأنه لم يكن على علم مسبق بالحرب الأمر الذي جعل القوات المسلحة العراقية تدخل الحرب وفق معطيات وشروط حددت من فعالياتها العسكرية في بعض المواقف رغم الاندفاع والقدرة القتالية العالية التي أظهرتها وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم .. وهناك مبدأ معروف في الحروب هو أن فعاليات القوات المسلحة في ساحة المعركة لا ترتبط فقط بقوتها وقدراتها وكفاءتها الذاتية ولكنها تتعلق أيضا والى حد كبير بالشروط المفروضة عليها خلال العمل .. و في هذا المجال نشير إلى التحديدات التي رافقت اشتراك الجيش العراقي في الحرب والتي تم تجاوز معظمها من خلال التعاون والتنسيق بين الجانبين السوري والعراقي(3) :

    1. دخل الجيش العراقي الحرب في الجبهة السورية على ارض لم يستطلعها مسبقا ونفذ واجباته من الحركة في معركة تصادمية تعتبر من أصعب أشكال الحروب وأكثرها تعقيدا ، والحقيقة التي نؤكدها للتاريخ أن الأخوة في القيادة السورية قدموا تسهيلات ومعلومات سهلت كثيرا على الجيش العراقي مهماته وكان التعاون والتنسيق بين القوات العراقية والسورية في أروع أشكاله لان المعركة كانت واحدة والمصير كان واحدا ..

    2. دخلت القوات العراقية المعركة بعد تنقل طويل تراوح بين 1200- 1500 كم وهذا بدوره يؤثر بالطبع على راحة الجندي واستعداده البدني ، ومع ذلك كانت معنويات الجندي العراقي مرتفعة لأنه كان متلهفا لمساندة أشقائه ولمواجهة الجندي الإسرائيلي وجها لوجه في ثاني معركة مباشرة وواســعة بينه وبين الجندي الإسرائيلي منذ حرب 1948 ..

    3. كانت القوات العراقية المقاتلة في الجولان تؤمن شؤونها الإدارية عبر بغداد ودمشق ومعروف أن مثل هذه المسافة لها تأثير على وصول الإمدادات الإدارية .. ورغم هذه المعضلة إلا أن الإرادة والتصميم بالنسبة للقوات العراقية كانت تتخطى هذه المعضلة وتتجاوزها لأنها كانت تنظر للهدف الأسمى والأنبل وهو دحر العدو وإفشال مخططاته ..

    4. دخلت القوات العراقية بسياق عمل يختلف عن ســياق عمل القوات السورية ، ولكن تعاون هيئات الركن في كلا الجانبين ذلل كثيرا من المصاعب وأوجد قواسم عمل مشتركة حققت انسيابية مشهودة خلال المعارك . .

    5. تم زج القوات البرية العراقية على الجبهة السورية الضيقة ولم يسمح لها باستخدام مجال عملها الأوسع على الجبهة الأردنية العريضة الأمر الذي حرمها من حرية العمل واختيار مكان الهجمات المقابلة وبالطبع كان هذا التحديد خاضعا لظروف خاصة لا دخل لها فيها ..

    6. كما أثرت ظروف دخول الجيش العراقي إلى سوريا على حركة القوات المدرعة العراقية وجعلتها تصل إلى الجبهة تباعا وفرضت ظروف المعركة زجها بالتقــــــسيط ( بالألوية ) بدل زجها بكتلة ضاربة ( فرقة أو فيلق ) وفق ابسط مباديء قتال الدبابات في الحرب الحديثة ولقد أدى هذا إلى فقدان قوة الصدمة ..

    حديث الذكريات

    كنا مجموعة من الضباط العراقيين ، من الذين شاركوا في حرب تشرين ، نتحدث عن هذه الحرب ومشاركة الجيش العراقي الباسل فيها بثقل كبير تلبية لنداء الواجب القومي.. قادنا حديث الذكريات إلى ظهر ذلك اليوم (6/ 10 /1973) الذي بدأت فيه القوات السورية والمصرية تعرضها الواسع ضد القوات الإسرائيلية على الجبهتين الغربية والشمالية.. فبعد سماع نبأ الحرب من الإذاعات صدرت الأوامر إلى الجيش العراقي بدخول الإنذار من الدرجة ( ج) وهي أعلى درجــــات الإنذار ، وفي صباح اليوم التالي كانت القطعات العسكرية العراقية ، وخاصة القوات المدرعة تتحرك من مواقعها العسكرية ومنها معسكر التاجي شمال بغداد ومعسكر الورار في الرمادي ومنطقة العمارة جنوب العراق ومن المعـــسكرات في شمال العراق ... الخ باتجاه الحدود الســـورية على السرفات .. وفي وقت لاحق ذكر لي أحد ضباط الارتباط العراقيين ، أن الحكومة السورية كانت تؤكد على أهمية وصول القطعات العسكرية العراقية بأسرع وقت وبأكبر حجم ممكن ، على الأقل فرقتين مدرعتين بكامل دروعهما..
    وفي سياق حديثنا هذا تم استعراض سريع لتاريخ الجيش العراقي والأسباب التي أدت بالنتيجة إلى مشاركته في الحرب واتفق الحاضرون على أن الجيش العراقي يعد من أقدم الجيوش العربية بعد الجيش المصري ، فقد تأسس في 6/ ك2 / 1921 عند انبثاق الحكومة الوطنية نتيجة ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني ، ومنذ تأسيسه وهو يتطلع إلى المهام الوطنية والقومية ، وقد نشا نشأة قومية حيث أن معظم ضباطه وعناصره كانوا قد شاركوا في الثورة العربية التي قادها الشريف ( حســـين بن علي ) في الحجاز عام 1916 ضد الحكم العثماني (4) .. لقد تشبع هذا الجيش وتشكيلاته بالروح الوطنية من خلال أبطال ثورة العشرين الذين قاتلوا الإنكليز المســتعمرين طبلة ( 6) اشهر على ثرى هذه الأرض الطاهرة ، ومعارك الفرات الأوسط والناصرية والسماوة خير شــــاهد على ذلك .. ولا زالت أرضـنا في ( الرارنجية ) و( الرميثة ) شاهدا على قتلى الجيش البريطاني من إنكليز وهنود .. بعد ذلك انتقل معظم الضباط العراقيين في جيش الثورة العربية إلى الشام عندما تم تعيين الملك ( فيصل الأول ) ملكا على سوريا وعينوا في الجيش السوري ، والتحق بعضهم بعد انبثاق ثورة العشرين في العراق لقيادة الثورة واخص بالذكر منهم ( جميل المدفعي ) ورفاقه (5) حيث كانوا من المخططين العسكريين لقيادة الثورة .. وبعد تعيين الملك ( فيصل الأول ) ملكا على العراق استصحب معه معظم الضباط العراقيين الذين كانوا معه في سوريا وتسلموا المناصب الرئيسة في هذا الجيش الفتي وعملوا خلال مدة قصيرة على توسيع تشكيلاته وزيادة قدراته القتالية ورفع مستوياته التدريبية ، كما التحق به أيضا عدد من الضباط العراقيين الذين كانوا في الجيش العثماني ..
    وفي لقاء سابق مع المرحوم الفريق ( سعيد حمو ) احد قادة الجيش العراقي ، ذكر أن حماس هذا الجيش وتطلعاته القومية ازدادا في عهد الملك ( غازي ) الذي ألهب حماسه بدعوته القومية وتوحيد نضال الشعب العربي ضد المستعمرين الإنكليز ، وبرز منهم قادة كبار منهم العـقـــــيد ( صلاح الدين الصباغ ) والعقيد الركن ( كامل شبيب ) والعقيد الطيار ( محمود سلمان ) والعقيد الركن ( فهمي سعيد ) الذين ساندوا التوجه القومي للعراق ووقفوا إلى جانب الحركة الوطنية ، وكان لهم دور بارز في ثورة مايس عام 1941 التحررية وإسناد حكومة الدفاع الوطني بعد تولي (رشيد عالي الكيلاني ) رئاسـتها خلال الحرب البريطانية العراقية .. وفي عام 1948 نشأت حركة الضباط الأحرار عندما كان الجيش العراقي يقاتل في فلسطين .. وقد تحدث العقيد ( علي خيون ) عن هذا الموضوع فذكر أن أول من أنشا خلايا الضباط الأحرار الشهيد ( رفعت الحاج سري ) والمرحوم الفريق الركن ( نجيب الربيعي )(6) ..
    وبعد عودة قطعات الجيش العراقي من فلسطين اتسع تنظيم الضباط الأحرار في عام 1952 وتشكلت الهيئة العليا لحركة الضبــــــــاط الأحرار واللجنة البديلة أو ( القيادة البديلة ) لتكون بديلا عن الهيئة العليا في حالة انكشافها أو إلقاء القبض عليها ، وكان من بين أعضائها ( خالد مكي الهاشمي ) و( جاسم كاظم العزاوي ) و( علاء الجنابي ) ..وجرت عدة محاولات ضد النظام الملكي في الأعوام 1954 و1956 و1957 وكانـــت أخرها في 14/ 7/ 1958 .. حيث أصبح نظام الحكم في العراق جمهوريا ..
    الدور القومي للجيش العراقي
    ويستمر حديث الذكريات عن المراحل اللاحقة من تطور الجيش العراقي ودوره القومي ، فقد ذكر اللواء الركن ( خليل سعيد ) أن الجيش العراقي شارك بصورة فعالة في حروب تحرير فلسطين في عامي 1948- 1949 على الجبهتين الأردنية والمصرية (7)وفي حرب حزيران على الجبهة الأردنية وفي حرب تشرين 1973 (8) حيث ذكر الحاضرون تفاصيل عن هذه الحرب سنــــــــــشير إليها في سياق الحديث لاحقا .. وفي حديث للفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب )ذكر انه بين الأعوام 1976 – 1978، اشتدت الهجمات الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية قام الجيش العراقي على أثرها بإرسال متطوعين من القوات الخاصة العراقية إلى لبنان عبر مصر وليبيا ، ومن هناك تم نقلهم بحرا إلى السواحل اللبنانية حيث شاركوا في القتال إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية ضد القوات الإسرائيلية وابلوا بلاءً حسنا واستشهد بعضهم في تلك المعارك ودفنوا على الأرض العربية(9) ..
    كذلك ساهمت وحدات من الجيش العراقي في القتال إلى جانب الصومال في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إقليم ( اوغادين ) في السبعينات من القرن الماضي ، والى جانب حركة التحرير الارتيرية في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إرتريا ، والى جانب الجيش السوداني في حربه لتحرير الجنوب السوداني (10) ..
    أما في مجال التدريب فقد ساهم الجيش العراقي ، كما ذكر بعض الضباط من شهود العيان ، في إرسال بعثاته التدريبية إلى العديد من الدول العربية ، فقد أرسل إلى اليمن ( 7) سبع بعثات أولها كانت في عام 1940 ومنهم الشـــــــهيد النقيب ( جمال جميل ) الذي اعدم في اليمن بتهمة التآمر على الإمام ( يحيى ) مع مجموعة من الضباط اليمنيين ، وأخرها ي عام 1990 .. ويستمر الفريق الركن ( يونس الذرب ) يتحدث عن هذا الموضوع أيضا فيذكر انه تم إرسال (5) خمس بعثات إلى ليبيا خلال الأعوام ( 1953 – 1964 ) وقد كلف اللواء الركن ( عادل احمد راغب ) برئاسة أركان الجيش الليبي وتم تشكيل وحدات الجيش الليبي من قبل البعثات العسكرية العراقية (11) ..والى الأردن تم إرسال (3) ثلاث بعثات خلال عامي 1957 – 1958 ، وقد تم تأسيس كلية الأركان الأردنية في عام 1957 (12)..والى موريتانيا تم إرسال (2) بعثتين في عام 1980/ 1981 وتم تأسيس معظم وحدات الجيش الموريتاني ومدارسه العسكرية ، كما تم إرسال (16) ستة عشرة بعثة إلى السودان خلال الأعوام 1976 – 1999 وقد تم تأســس كلية القوة الجوية والبحرية وكلية الحرب والجناح الجوي في كلية الأركان ..
    وهناك بعثات أخرى تم إرسالها إلى ( مصر وسوريا والجزائر وتونس والمغرب وعمان والســـــــعودية والصومال وارتيريا ولبنان وفلسطين ) منذ الأعوام 1948 وحتى عام 1990(13) ..والى جانب البعثات العسكرية التي أرسلها العراق إلى الدول العربية المذكورة فقد استقبل العراق العشرات من البعثات العسكرية في مجال التعاون العسكري واستقبلت كلياته ومدارسه ومعاهده العسكرية الآلاف من الضباط والعسكريين العرب الذين شاركوا في الدورات والدراسات داخل العراق وتخرجوا بعد أن اكتسبوا العلم والمعرفة العسكرية وعادوا إلى بلدانهم ليساهموا في تدريب وقيادة وحداتهم العسكرية وفق أحدث العلوم العسكرية التي درسوها في العراق ..
    بعد هذا الاستعراض السريع عما دار في حديث الذكريات عن الدور القومي للقوات المسلحة العراقية تطرق الحاضرون إلى الأبعاد السياسية لهذه الحرب ، لكن الباحث يرى أن لا مجال للإشارة إلى تفصيلاتها هنا خاصة ما يتعلق منها باختلاف وجهات النظر بين القيادات السياسية العربية حول مسالة الحرب والموقف من التطورات السياسية العربية والإقليمية والدولية التي رافقتها وسيكتفي بالإشارة إلى ابرز ما ورد فيها وبما له علاقة فقط بخلفيات مشاركة الجيش العراقي في الحرب ..
    خلفيات الموقف السياسي
    كان العراق لغاية احتلاله عام 2003 يؤمن بأن العمل على تحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة، هو هدف قومي لا ينبغي إسقاطه من أجل هدف قطري، وأن تحرير الجولان والعريش ونابلس سيفقد قدسيته إذا كان الثمن التخلي عن حيفا ويافا وعكا للمستوطنين الإسرائيليين (14) ..كما كان تقدير القيادة العراقية أن طبيعة العدو الإسرائيلي وتحالفا ته تحتم توحيد الجهد العربي في كافة مجالاته السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية ، وعلى هذا الأساس بدأ التحرك العراقي فتم إعداد مشروع لعرضه على القمة الثلاثية التي كان مقررا لها أن تعقد في طرابلس في شهر تموز 1970 ، بين الرؤساء احمد حسن البكر وجمال عبدالناصر ومعمر القذافي ، وكان هذا المشروع يؤكد على ضرورة جعل ميدان المعركة ميدانا قوميا والعمل لتحرير جميع الأراضي المحتلة بما فيها ارض فلسطين العربية .. كان تقدير الرؤساء الثلاثة ينطلق من اعتبار أن الظروف الدولية لا تستطيع إيقاف هذا التحرير إذا كانت هناك قيادة واحدة وإرادة واحدة تملك حرية التخطيط وحرية العمل في الميدان ، وقبل انعقاد المؤتمر قدم ( ويليام روجرز ) وزير الخارجية الأمريكي مشروعه المعروف برسالة وجهها إلى وزير الخارجية المصري محمود رياض في 19 / 6 / 1970 ..

    وتمت أولى جلسات مؤتمر القمة قبل إعلان موافقة مصر على المبادرة الأمريكية وطرح الرئيس البكر المشروع الوحدوي التحريري العراقي ولكنه فقد امكانات تطبيقه عندما وافقت الأردن ومصر على المبادرة الأمريكية واضطر العراق إلى سحب قوات صلاح الدين من الأردن حتى لا يكون طرفا في مثل هذه التسويات خاصة بعد إلغاء الجبهة الشرقية (15) ..

    في آذار 1972 جرت محادثات بين مسئولين عراقيين ومصريين وسوريين في دمشق والقاهرة وعرض مشروع وحدة مقاتلة وكان محور هذا المشروع تحرير فلسطين لكن هذه المحادثات لم تسفر عن نتيجة ايجابية بسبب خلافات في وجهات النظر بين الأقطـار الثلاثة حول هذا الموضوع ..

    في كانون الثاني عام 1973 عرض العراق أمام وزراء الخارجية والدفاع العرب مشروعاً اقتصادياً وسياسياً ذا نتائج عسكرية وكان المشروع يتعلق باستخدام البترول كسلاح لإيجاد أرضية سياسية ونفسية للحرب ، وكانت وجهة النظر العراقية تتلخص في ضرورة إعداد الجماهير العربية عن طريق تأميم الحصص الأمريكية في شركات النفط وتهديد الدول الغربية بالتأميم وقطع النفط إذا ما وقفت هذه الدول إلى جانب إسرائيل ، لكن هذا المشروع لم يلق آذاناً عربية صاغية لأسباب معروفة تتعلق بطبيعة بعض الأنظمة العربية وسياساتها المرتبطة بالقوى الأجنبية .. إضافة لما ذكر فقد تقدم العراق بعدة مشاريع وقام باتصالات مستمرّة لاستقطاب الدول العربية حول وضع قواعد عمل عسكرية عربية مشتركة تحدث تبدلا نوعيا في القدرات العربية وتخلق أسسا مادية واقتصادية ومعنوية يمكن الانطلاق منها نحو التحرير .. ، وعلى التوازي مع هذا الجهد العراقي ، كانت مصر وسوريا تعدّان العدّة لخوض الحرب بصـــــــــــورة مشتركة مستـــــبعدتين العراق عن خططهما (16) ..

    كان التصوّر المصري السوري للمعركة مبنيّاً على أن مصر ستعمل على اجتياز قناة السويس بصورة مباغتة بقوّة هجوميّة ونيران كثيفة وبإسناد واسع من سلاح الجو المصري وبمشاركة أعداد من الطائرات العراقية التي كانت موضوعة بإمرة قيادة سلاح الجو المصري لتدمير خط بارليف والتحرك شرقا لتفرض على القوات الإسرائيلية حرب استنزاف متحركة ، وفي نفس الوقت يقوم السوريون بهجوم يحررون من خلاله هضبة الجولان ويدمرون قوات العدو المتحركة فيه، ثم يقيمون خطا دفاعيا عند حدود نهر الأردن لصد هجمات القوات الإسرائيلية المقابلة التي ستقوم بها قوات الاحتياط بعد استكمال تعبئتها خلال 72 ساعة ..

    ويذكر كتاب ( حرب رمضان ) الذي قدم له الرئيس الراحل أنور السادات هدف الحرب بقوله : كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعملية هجوميّة استراتيجية مشتركة تنفذ بالتعاون مع القوّات السورية وتقوم مصر باقتحام مدبّر لقناة السويس وتدمير (خط بارليف) والاستيلاء على رؤوس جسور بعمق 10 – 15 كم على الضفة الشرقية وتكبيد الإسرائيليين أكبر خسارة ممكنة وصد وتدمير هجمات وضربات قواتهم المقابلة والاستعداد لتنفيذ أية مهمات قتالية تكلف بها القوات المصرية فيما بعد ، أما سوريا فتشن الهجوم وتخترق دفاعات العدو في الجولان، وتقوم بتشتيت قواته ، وتدميرها إلى الخط - نهر الأردن ، الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا – (17)..

    وكان من المنتظر بعد ذلك أن يتدخل مجلس الأمن لإيقاف القتال ، بعد أن تخلق القوات العربية حقائق جديدة تعيد ألازمة إلى بؤرة الاهتمام العالمي (18)..ولما كان العراق غير موافق على هذا الهدف الاستراتيجي للحرب ، ولا يعتبر تطبيق قرار مجلس الأمن في الأساس صالحا لتسوية النزاع ، فقد حجبت القيادتان المصرية والسورية عن القيادة السياسية العراقية جميع المعلومات الخاصة بالأعداد للمعركة (19) ..

    وفي السياق نفسه اعتقد المصريون والسوريون أن ظروف العراق لن تسمح له بالمشاركة في القتال ، لوجود التهديد الإيراني للحدود الشرقية ، وعدم استقرار الحل السلمي للمسألة الكردية وان هذين السببين سيمنعانه من القدرة على تحريك قواته إلى الجبهة إضافة إلى أن مدة إنجاز الواجب من قبل القوات السورية ستكون قصيرة إلى حد يجعل أية قوات يدفعها العراق إلى الجبهة ستصل بعد وقف القتال، أو بعد تصفية القوات المعادية في(الجولان) على الأقل ..

    أما القيادة العراقية فكان لها رأي آخر ، فرغم تقييمها لطبيعة الحرب وهدفها كانت ترى أن هذا الهدف يختلف عن الهدف الذي يخطط العراق لتحقيقه ومع ذلك قررت المشاركة الفعلية في الحرب لأسباب تم دراستها وتحليلها كان في مقدمتها ، كما ذكر معاون رئيس أركان الجيش العراقي في حينه ، هو الأيمان المطلق بان المعركة قومية حتى لو لم يستدعى العراق للمشاركة فيها وان القوات المسلحة العراقية هي في خدمة الأمة العربية حيثما تعرضت للعدوان أو كان هناك قتال ضد أعدائها ، وان أخوة السلاح التي تنمو وتكبر تحت النار ستخلق بالتأكيد نوعا من الوحدة العفوية العملية بين المقاتلين العرب وربما تهيئ الأجواء مستقبلا لنوع من التوجه الوحدوي على الأقل في ظروف العدوان الأجنبي أيا كان مصدره ..

    وما أن اتخذ العراق قراره بالمشاركة في الحرب حتى اتصل الرئيس احمد حسن البكر بالرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد هاتفيا واعلمهما أن العراق قرر إشراك جزء من طيرانه في المعركة إلى جانب سورية وان القوات الجوية العراقية مستعدة لتلبية كل طلبات جـــــــناح ال( هوكر هنتر ) الموجود في مصر منذ السادس من نيسان 1973 ، فأعرب الرئيسان المصري والسوري عن ارتياحهما وشكرهما (20) وصدرت الأوامر إلى قيادة القوة الجوية والدفاع الجوي العراقية بالعمل الفوري على تنفيذ أوامر القيــادة العراقية وبدأت آلة القوة الجـوية بالدوران ..

    في ليلة 6-7 /10/ 1973 وضعت القوات البرية العراقية بالإنذار وصدر الأمر إلى آمر اللواء الآلي الثامن أمرا بالحركة نحو الحدود السورية في صباح 7/10 كتدبير استباقي للدخول فورا إلى ساحة المعركة بعد حصول موافقة الحكومة السورية ..وفي اجتماع يوم 7/ 10 اتخذت القيادة العراقية أربعة قرارات مهمة هي :
    1. تأميم حصة أمريكا في شركة نفط البصرة واعتبار ذلك شرارة المعركة السياسية النفطية ضد الولايات المتحدة كونها شريك فعلي في الحرب ضد الأقطار العربية وداعم رئيس لإسرائيل بالأسلحة ، ويأتي هذا الأجراء تطبيقا لشعار استخدام النفط كسلاح في المعركة القومية ..

    2. إرسال مزيد من القوات الجوية على وجه السرعة إلى الجبهة الشمالية لدعم القوات السورية وإسنادها ..


    3. إرسال اكبر ما يمكن من القوات البرية ، وخاصة المدرعة منها ، إلى سوريا على وجه السرعة ..

    4. إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران ، ودعوتها إلى حل المشاكل بين العراق وبينها بالطرق السلمية ، وعن طريق المفاوضات ، لتامين الجبهة الشرقية للعراق(21) وفي السياق نفسه ذكر تقرير عن حرب تشرين (22) أن العراق سارع إلى الاتصال بالاتحاد السوفيتي طالبا منه الضغط على إيران لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سوريا ، وبالفعل وجه الاتحاد السوفيتي تحذيرا إلى إيران من مغبة استغلال الظروف والاعتداء على العراق وحرك السوفيت بعض قطعاتهم العسكرية نحو الحدود الإيرانية .. ويضيف التقرير : وهكذا تسنى للعراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سوريا ولعبت دورا مشهودا في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق (23) ..

    وفي صباح يوم 7/10 ، وعندما كانت كتائب اللواء الآلي الثامن في طريقها إلى سوريا ، أرسلت الحكومة العراقية إلى الحكومة السورية برقية تعلمها فيها عن قرار العراق بوضع كل ثقله العسكري البري والجوي في خدمة المعركة ، وقابل السفير العراقي نائب رئيس الحكومة السورية في صبيحة نفس اليوم وابلغه مضمون البرقية .. وكان جواب الحكومة السورية في اليوم نفـــــــسه : ( أنها تلقت النبأ بشكر واعتزاز وأنها ترجو معرفة موعد التحرك وحجم القوات ونوعيتها ) (24) ..وفي مساء نفس اليوم قابل السفير العراقي الرئيس الراحل حافظ أسد الذي ( أبدى شكره واعتزازه بقرار الرئيس والقيادة في العراق بشان القرار القومي التاريخي بمشاركة العراق بكل ثقله في المعركة .. وأعرب عن أمله في وصول القوات العراقية بأسرع وقت ممكن وبأكبر حجم ممكن .. ورجا معرفة موعد تحركها وتعدادها ونوعيتها .. وأشار بان سوريا بحاجة لدبابات تي 54 وتي 55 إضافية )(25) .. وبينما كان السفير العراقي يقابل المسئولين السوريين ويتلقى تحيات الشكر ، كان جنود الجيش العراقي يحزمون أمتعتهم ويملئون خزانات الدبابات والعربات المدرعة بالوقود ويحملون صناديق القنابل في الشاحنات وينظفون أسلـــــــــــحتهم ويتهياون للحركة عند صدور الأمر بذلك ..ومرة أخرى قابل السفير العراقي في اليوم نفسه وزير الخارجية السوري بناء على طلبه وأكد له الوزير : ( على أهمية وصول القطعات العسكرية العراقية بأسرع وقت ممكن وبأكبر حجم ممكن ورجا أن لا تقل عن فرقتين بكامل دروعهما ) (26) ..
    تحشد القوات العراقية
    عندما اتخذت القيادة العراقية قرار المشاركة الفعلية في حرب تشرين والتحول من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة ، وجدت القيادة العسكرية نفسها أمام معضلة استراتيجية تتمثل في نقل قواتها من العمق السوقي ( ألاستراتيجيي ) إلى العمق ألعملياتي والتعبوي وتامين الحشد المطلوب في ساحة المعركة تحت ضغط عامل الزمن .. وكانت هذه القيادة تعرف أن الحروب العربية الإسرائيلية تدور ضمن مهلة زمنية محدودة تفرضها طبيعة الصراع وحساسية المنطقة التي تدور فيها المعارك وتأثير القتال على الأمن والاقتصاد العالميين وتعي جيدا أن المشاركة العسكرية في القتال لن تكون فعالة إلا إذا تمت بحجم مناســب وفي الوقت المناسب ..
    وكان تحشيد القطعات العراقية من مقراتها ومعسكراتها الموزعة في عموم العراق ومن ثم انتقالها الاســتراتيجي السريع يشكل معضلة متعددة الوجه أبرزها :
    1. انتشار القطعات البرية : من المعروف أن هذه القطعات لم تكن محتشدة أو قريبة من الحدود السورية العراقية قبيل اندلاع الحرب ، بل كانت منتشرة في مقرات ومعسكرات بعيدة وموزعة في معظمها قرب الحدود الشرقية للعراق بسبب الوضع المتوتر مع إيران وعدم حسم المسالة الكردية ، لذلك اتخذت القيادة العسكرية سلسلة من الإجراءات الفورية حول إعادة انتشار هذه القطعات وتنقل البعض منها من العمق السوقي إلى مناطق تجمع في وسط وغرب العراق ..
    2. طول مسافة الحركة : لقد فرض انتشار القوات وبعد العراق عن جبهة القتال مع العدو الإسرائيلي عاملا مهما هو طول مسافة الحركة مما اضطر القيادة العسكرية العراقية إلى نقل بعض القطعات بالطائرات من معسكراتها البعيدة إلى قاعدة الوليد الجوية غرب العراق ونقل باقي القطعات على مراحل وتجميعها في أماكن قريبة من الطريق الدولي ( بغداد – الرمادي – الرطبة – أبو الشــامات – دمشق ) الذي يبـلغ طوله حوالي (1000) كم ، في حين تم تحريك ألوية المشــاة المتمركزة في شمــــال العراق إلى التنقل عبر محور ( الموصل – حلب – دمشق ) ..
    3. ضخامة القوة المتحركة : حرك العراق إلى سوريا منذ يوم 7/10/ 1973 وحتى يوم 24/10 قوات عسكرية ضخمة ، ولقد عبر اللواء الركن (إسماعيل تايه ألنعيمي ) معاون رئيس أركان الجيش العراقي لشؤون العمليات آنذاك ، والذي كان قد وصل إلى دمشق جوا في 8/ 10 لاستقبال القوات العراقية ، عن ضخامة القوة المتحركة من العراق إلى سورية بان قال لوزير الدفاع الســــــــوري اللواء ( مصطفى طلاس ) : ( لقد جاءك جيش بدايته في الشام ونهايته في دمشق ) (27)..والحقيقة التي تم معايشتها شخصيا في تلك الفترة هي أن الارتال العسكرية العراقية التي بدأت بالتنقل إلى سوريا ، قسم منها محمول وقسم منها على السرفات ، كانت ذيولها الإدارية تمتد من بغداد إلى معسكراتها في الرمادي والموصل والعمارة وشرق العراق وغيرها من ألاماكن على شكل أصابع الكف ..

    4 . نقص وسائط الحركة : في ضوء توجه العراق بالتحول من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة فقد عملت القيادة العراقية على إعطاء اهتمام اكبر لمسألة رفع مستوى حركية القوات المسلحة ، وهذا ما دفعها بالفعل إلى البدء بمكننة القوات البرية وتوسيع الاهتمام بالنقل الجوي وتعزيز شبكة المواصلات الداخلية ، ومع هذه الإجراءات إلا أن عدم وجود خط استراتيجي لسكة الحديد بين دمشق وبغداد ومحدودية استيعاب طرق الاتصال البري الجيدة المتوفرة بين العراق وسوريا حددت من عملية تنقل القطعات على هذه الطرق ، الأمر الذي أدى إلى تزاحم الارتال خاصة على الطريق الرئيس ( بغداد – أبو الشامات – دمشق ) وكان من الممكن أن يؤدي هذا إلى وقوع خسائر كبيرة لو أن الطيران الإسرائيلي كان محتفظا بفاعليته الأساسية وانهماكه بالقتال على الجبهتين السورية والمصرية بالإضافة إلى عامل آخر يعتقد الباحث بصحته وهو أن معلومات العدو الاستخبارية عن سرعة التحشد العسكري العراقي كانت قليلة أو غير دقيقة ..
    5. حماية الارتال من الضربات الجوية : كان محور تقدم القطعات العراقية أرضا مكشوفة وكان القسم الواقع منه داخل الأراضي السورية يقع ضمن مدى عمل القوة الجوية الإسرائيلية ، كما لم يكن الجيش العراقي قد حصل بعد على صواريخ ارض - جو سام 6 المتحركة أو علــــــــى صواريخ الكتف ارض – جو / سام 7 ( ستريلا ) وكانت الحماية تعتمد على الرشاشات والمدافع المضادة للطائرات ، ومع ذلك فان الباحث ( كونه شاهد عيان ومشارك في الحرب ) لم تؤشر لديه معلومات بتعرض هذه القوات إلى هجمات جوية إسرائيلية مؤثرة ولا يستبعد أن تكون الطائرات الإسرائيلية قد قامت باستطلاع حركة القوات العراقية بعد وصولها إلى سوريا ..
    6. الحماية من كمائن القوات المحمولة جوا : كانت لدى القوات الإسرائيلية إمكانية عسكرية للقيام بعمليات محمولة جوا أو بإجراء عمليات إنزال خلف خطوط القوات العربية من خلال لوائين محمولين جوا باستخدام طائــــرات ســـمتية نوع ( سوبر فرلون ) الفرنســـــــــــــــــية و( سيكوريسكي ) الأمريكية ، لذلك تحسبت القيادة العسكرية العراقية لهذا الاحتمال وزادت من اجراءات الحيطة والحذر ضد هذه العمليات ..
    ورغم هذه المعضلات والعقبات التي اعترضت أو كان من المتوقع أن تعترض القوات العراقية خلال تنقلها فقد نفذت عملية التنقل الاستراتيجية بكفاءة وسرعة جيدتين واستطاعت التغلب على جميع المعضلات بسبب عوامل عديدة أبرزها وقوف القيادة السياسية وراء عملية التحشد ودعمها لها ماديا ومعنويا والتزام المقاتلين العراقيين بالتعليمات الصادرة بهذا الخصوص وتفانيهم في أداء واجبا تهم وحالة الاستعداد الجيدة التي اتسمت بها القوات العراقية والإعداد الإداري الجيد للمعركة وارتفاع مستوى التدريب للضباط والمراتب والكوادر الفنية وفهمهم الكامل لمشكلات التنقل وكيفية التغلب عليها وارتفاع مستوى الصيانة الفنية للآليات مما انقص الأعطال إلى الحد الأدنى ومنع تساقط الآليات أو تخلفها خلال الحركة الطويلة التي زادت عن ألف كيلو متر في ظروف بالغة الدقة والتعقيد (28)..
    واستكمالا لعملية التحشد تم في يوم 8 تشرين أول 1973 فتح مقر للعمليات في ديوان وزارة الدفاع العراقية ، ثم نقل إلى مقر بديل آخر وتم حشد (5) خمسة أسراب من الطائرات في مطاري الضمير ودمشق الدوليين وأرسلت على الفور إلى العاصمة السورية أيضا ناقلات حوضية لمشتقات النفط وبدأت القطعات العسكرية بالحركة من مناطق تحشدها أو تدريبها إلى سوريا وكان أولها إرسال فوج حماية قاعدة ابن الوليد ثم تبعه لواء مشاه آلي ، وكان التنقل يجري على سرفات الدبابات وعجلات القتال المدرعة لكسب الوقت في الوصول بسرعة إلى الجبهة السورية لان الموقف العسكري ، كما اخبر بذلك ضابط الارتباط السوري،، كان يتطور بسرعة بعد يوم 8 تشرين الأول 1973..
    وقد قامت ارتال عجلات الإدامة بنقل (50) خمسين ألف طن من مواد الإدامة المختلفة كالأرزاق والعتاد والوقود والمواد الاحتياطية والملابس والتجهيزات.. الخ وحسب معلوماتنا لم يحصل خلال عملية التحشد الكبيرة والسريعة هذه والتي جرت بحماية مظلة جوية عراقية ، أي حادث مهما كان نوعه بفضل الله تعالى ، ولم تتوقف أية عجلة لنقص الوقود ولم يفتقر أي سلاح للعتاد..
    خلاصة القول أن معركة التحشد أنجزت بشكل رائع اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ، حتى أن إذاعة لندن ذكرت ما يأتي : ( إن إحدى المفاجآت الكبرى في حرب الشرق الأوسط هي تمكن العراق من تحشيد فرقة مدرعة عبر مسافة ألف كيلومتر وزجها في المعركة في الأيام الأولى من الحرب ممَّ قلب خطط الإسرائيليين ومنعهم من تحقيق كل أهدافهم في هذه الجبهة)(29) وقد أكد هذا التحليل ، المعلق العسكري الإسرائيلي (زئيف شيف) الذي قدم تحليلاً لنتائج الحرب ألقى فيها مسؤولية الفشل على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في إعطاء إنذار مبكر للهجوم على الجبهتين المصرية والسورية ، وأورد رأياً حول اشتراك القوات العراقية في الحرب ، قام الباحث بترجمته في حينه من العبرية إلى العربية وينقل للقارئ الكريم نصه بالحرف ، حيث قال: (لقد شكل اشتراك القوات العراقية في الحرب من جهة الشرق مفاجأة للقيادة العسكرية الإسرائيلية ، التي لم تكن تعرف ميدانيا قدرة القوات العراقية إلا من خلال ما ذكر عن كفاءتها وقدراتها القتالية في مصــادر المعلومات العلنية )(30) وأضـــاف : ( وقد أجبرت هذه المفاجأة العراقية ، القوات الإسرائيلية على فرز قوات كبيرة لمواجهة القوات العراقية مما أحدث تحولا في مسيرة الحرب وابعد دمشق عن مطارق المدفعية الإسرائيلية( (31).. وقد بلغت القوات البرية والجوية العراقية التي تم حشدها :
    فيلق مدرع ، فرقة مشاة آلية ، لواء قوات خاصة ، خمسة أســــــراب جوية مقاتلة / قاصفة وأسراب من طائرات النقل الجوي وطائرات الهيلكوبتر ، وقد زاد مجموع هذه القوات عن (60)ستين ألف مقاتل و(700) سبعمائة دبابة ومئات العربات المدرعة وآلاف سيارات النقل و(12)اثنتي عشرة كتيبة مدفعية ، كانت موزعة على النحو الآتي(32) :
    القوات البرية العراقية
    1-الفرقة المدرعة الثالثة أو كما كانت تسمى ( قوات صلاح الدين ) : بقيادة العميد الركن محمد فتحي أمين الكواز وتألفت من :
    أ . اللواء المدرع 12 ( لواء ابن الوليد) : بقيادة العقيد الركن سليم شاكر الإمام ، وقد شارك هذا اللواء في بداية المعارك بكتيبة دبابة المعتصم وكتيبة دبابات قتيبة والمشاة الآلي ثم أعقبها بكتيبة دبابات القادسية ..
    ب. اللواء المدرع السادس : بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر حيث كانت وحدات اللواء متواجدة في مناطق التدريب بالورار غرب الفرات ضمن محافظة الانبار العراقية ، وعند صدور الأمر إليها بالتحرك إلى الجبهة بدأت وعلى الفور تحركها على سرف الدبابات والناقلات إلى الكيلو 160 بسبب قلة ناقلات الدبابات ومن ثم واصلت تقدمها باتجاه الحدود السورية فجبهة القتال ..
    ج . لواء المشاة الآلي الثامن : بقيادة العقيد الركن محمود وهيب وشاركت جميع وحدات اللواء في المعارك بالرغم من تأخر وصول فوج ناقـص ســــــرية يوم 16 / 10 / 1973 .. 2 . الفرقة المدرعة السادسة : وتألفت من ( اللواء المدرع الثلاثين واللواء المدرع الـــسادس عشر ولواء المشاة الآلي الخامس عشر ) ..
    3 . فرقة المشاة الآلية الخامسة : وكان من بين وحداتها ، لواء المشاة الآلي العشرون بقيادة العقيد الركن سلمان باقر ، وكان هذا اللواء يتواجد في مدينة العمارة جنوبي العراق وتحرك على السرفات مدة ثمانية عشرة ساعة بدون توقف ، ووصل(الغوطة) يوم 15 / 10 / 73 ، وقد شارك اللواء في معظم المعارك وبلغت تضحياته 15 شهيدا و 40 جريحا ..
    4 . فرقة المشاة الرابعة : وكان من ابرز الويتها التي شاركت بشكل مشرف في الحرب هو لواء المشاة الخامس الجبلي بقيادة المقدم الركن عبدالجواد ذنون وكانت معاركه مشهودة في هضبة الجولان وجبل الشيخ ، كما شاركت مع الفرقة وحدات أخرى ساندة ألحـــقت بها في وقت لاحق ..
    القوة الجوية العراقية
    أما بالنسبة لمشاركة القوة الجوية العراقية في الحرب فقد تم إدخالها بالإنذار الفوري فور سماع أخبار الحرب من الإذاعات و خصصت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية جهدا جويا كبيرا لإسناد وخدمة القوات المشاركة في العمليات العسكرية وكما يأتي (33) :

    90 مطاردة معترضة ميك 21
    60 قاذفة مقاتلة هجوم ارض سوخوي/7
    30 قاذفة للهجوم الأرضي ميك17
    36 قاذفة مقاتلة هجوم ارضي هوكر هنتر
    24 طائرة قوامها (2) سرب كانت موجودة في مصر قبل بدا الحرب وشاركت في الضربة الجوية الأولى ضد الأهداف الإسرائيلية في سيناء .
    8 قاذفات متوسطة /تي يو 16
    أما بالنسبة لطيران النقل فقد كان عدد طائراته 31 طائرة موزعة على النـحو الآتي :
    4 طائرات خفيفة انتو نوف 2
    7 طائرات نقل ثقيلة انتو نوف 12
    10 طائرات خفيفة انتو نوف 24
    8 طائرات نقل اليوشن 14
    2 طائرة نقل خفيفة هيروف 16 (بريطانية(
    وقد بلغت ساعات طيران النقل الجوي لصالح العمـــــــــــليات من 7/ 10 لغاية 3 / 11 /1973 ، (862) ساعة منها (121) ساعة على الجانب المصري و (394) ساعة على الجانب السوري والجهد الجوي الآخر كان مخصصا لأغراض الإدامة والارتباط والواجبات الأخرى حيث تم نقل(1800) شخص وحمولات بزنة(671) طن موزعة على (219 ) طن لإسناد الجناح العراقي في مصر و(452) لإسناد الأسراب العاملة في سورية ..
    وكان العراق يمتلك( 8 ) قاذفات قنابل( تي يو 16) حمولة كل منها( 72 )طن بالطلعة الواحدة ولم يشترك سرب القاذفات( تي يو22) في الحرب بسبب عدم استلام أجهزتها من الاتحاد السوفيتي السابق إلا بعد انتهاء الحرب ..
    أما الطائرات السمتية التي تم وضعها بالإنذار أو التي شاركت فعلا بالحرب من خلال تنفيذها لمهمات قتالية أو لوجستية فكانت :

    83 طائرة خفيفة مي / 1
    35 طائرة مهمات مي / 4
    29 طائرة نقل متوسط مي / 8
    10 طائرة بركس(بريطانية الصنع)
    5 طائرات ألويت (فرنسية الصنع) .




    القوات الإسرائيلية في الجولان

    قبل التطرق إلى خلاصة عمليات القوات العراقية على الجبهة السورية نشير باختصار شديد أيضا إلى ما جرى في هذه الجبهة من فعاليات عربية وإسرائيلية ، وهذ المعلومات مستقاة من مصادر عربية وخاصة لذلك اقتضى هذا التنويه ..

    كانت القوات السورية تواجه القوات الإسرائيلية عبر خط متعرج طوله (70) كم ، تتخلله سلسلة جبال وعرة ، صخرية ، حادة الارتفاع ، وهي ما يعرف باسم (هضبة الجولان ) ..
    وبعد عام 1967، ركز الإسرائيليون على تحصين مواقعهم في القطاع الشمالي من الجبهة لما يمثله من أهمية استراتيجية بالنسبة للجبهة السورية ، لأنه لو احتلتها سوريا سيمكنها ذلك من الانحدار جنوباً لتلتف حول خطوط الدفاع الإسرائيلية في القطاعين الجنوبي والأوسط مع ما سيترتب عليه من مضاعفات أخرى ستشمل تهديد شمال فلسطين المحتلة ، وسهل الحولة ، والجليل الأعلى إضافة للسيطرة على مصادر المياه التي تصب في نهر الأردن، كما أنه من الناحية التعبوية ( التكتيكية ) منح هذا القطاع القوات الإسرائيلية القدرة على الحركة والمناورة ، فإذا أرادت إتباع مبدأ الهجوم تكون الأوضاع مهيأة لها، وإن أرادت الدفاع سيكون بمقدورها ذلك لأن الوضع في هذا القطاع يعطيها نوعاً من السيطرة على القوات السورية العاملة في مواجهتها ويمكن للصهاينة تهديد دمشق.
    وهكذا اندفعت القوّات السورية خلال هجومها في الجولان على ثلاثة محاور رئيسية :
    1- المحور الشمالي . 2- المحور الأوسط . 3- المحور الجنوبي ..

    الهجوم السوري

    في يوم 6 / 10 / 1973 وبعد قصف تمهيدي بالمدفعية والطيران دام حوالي 90 دقيقة اشتركت فيه حوالي (140) بطارية مدفعية ميدانية، ومدفعية صاروخية ، (كاتيوشا) ، وحوالي (100) طائرة ميغ 21 و سوخوي 70 اندفعت القوات السورية لسحق دفاعات (خط ألون) الممتدة على طول الجبهة الشرقية لهضبة الجولان من (مجدل شمس) شمالاً وحتى (وادي اليرموك) جنوباً . وبعد ساعة من بدء الهجوم استطاعت فرق المشاة الميكانيكية اجتياز الخندق المضاد للدبابات بمساعدة البلدوزرات، وجسور الاقتحام (دبابات حاملة جسور)، وبأسلوب الحرب الخاطفة وبقيت ساعات يوم 6 / 10 / 73 وليلة 6 – 7 / 10 / 73 وفي صباح يوم 7 / 10 /73 كانت القوات السورية قد اخترقت الجبهة في أكثر من موقع واحتلت (الجوخدار) و(الخشنيّة) ودمرت اللواء (37) بشكلٍ كامل، كما دمّرت جزءاً من اللواء المدرّع السابع ولواء (غولاني) ..
    في الساعة 830. من صباح يوم 8/10 بدأ الإسرائيليون هجومهم المعاكس بـ (3) ألوية مع تركيز الجهد الرئيسي على المحورين الأوسط والجنوبي، ودارت في الفترة من 8 إلى 10 تشرين أول معارك عنيفة قرب (القنيطرة)، و (سنديانة) و (كفرنفاخ)، و (الخشنية)، و (الجوخدار)، و (تل الفرس)، و (تل عكاشة)، وكان السوريون يتمتعون خلال هذه المعارك بتفوق في المدفعية والمشاة، في حين كان العدو متفوقاً بعدد الدبابات المستخدمة نظراً للخسائر التي أصابت الدبابات السورية ، وكان الطيران السوري الذي انضمت إليه أسراباً من الطيران العراقي وبدأت تنفيذ واجباتها منذ صباح يوم 7/10/73 لتقوم بدعم وإسناد القوات البرية . ومنذ صباح يوم 8/120/73 تحوّل ميزان القوى بالدبابات لصالح العدو، لأن القوات السورية لم تعد تملك قطعات دبابات سليمة ولم تشترك في القتال العنيف من قبل سوى (3) ألوية في حين دفعت القوات الإسرائيلية قواتها الاحتياطية والتي قدرت بـ (6) ألوية مدرعة سليمة لم تشترك في القتال.
    وفي مساء يوم 10/10/73 ظهر أمام القيادة الإسرائيلية وضع جديد يتطلب قراراً سياسياً على أعلى المستويات، فقد وصلت قواتها في معظم أجزاء الجبهة السورية، ولم يعد أمامها لاحتلال (الجولان)، سوى الضغط باتجاه منطقة (القنيطرة)، لدفع القوات السورية إلى ما وراء خط وقف اطلاق النار .
    واتخذت ( جولدا مائير)، قراراً باحتلال دمشق، حيث عارض هذا القرار (موشى دايان) وقد كلف (أليعازر)، أمراً باسئتناف الهجوم . وفي صباح يوم 11/10/73 استؤنف الهجوم والتقدم باتجاه (دمشق) وتهديدها بشكل يجبر السوريون على طلب وقف القتال ..

    الاستعداد الإسرائيلي للهجوم المعاكس

    في صباح يوم 11/10/73، كان قادة العدو الإسرائيلي يعتقدون أن نجاح قواتهم في (خرق) الخط الدفاعي السوري الأول سيؤدي إلى انهيار الجبهة كاملة، ويرجع هذا الاعتقاد إلى خبرة حرب (حزيران 67)، وقد رسّخت في أذهانهم لأن (خرق) أية جبهة عربية في نقطة من النقاط سيؤدي إلى انهيار الجبـــــــــــــــــهة بشكل آلي ..والحقيقة أن (الخرق) الإسرائيلي للجبهة في القطاع الشمالي من الجبهة يوم 11/10/73، وتعميق هذا الخرق، في يوم 12/10 كان يمكن أن يؤديا إلى انقلاب التوازن الاستراتيجي للجيش السوري لولا العوامل الخمس التالية :

    1- صمود الفرقتين الآليتين السورية( 7 و 9)، والقوات المدرعة السورية التي دعمتها على محور(سعسع) ..
    2- صمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد، على المحور الجنوبي ..
    3- وصول اللواء المدرع العراقي (12) إلى منطقة (الفجوة) ليلة 10/10/73، وانطلاقه مع جزء من اللواء الآلي العراقي (8) لمهاجمة مجموع ألوية (لانر) في يوم 12/10/73، ورغم عدم تكافؤ القوى، الأمر الذي جعل الإسرائيليون يقدرون القوى العراقية بأكبر من حجمها ويلجأون للدفاع بدلاً من الهجوم عبر الفجوة ..
    4- اقتراب خط الاشتباك من شبكة الصواريخ (أرض – أرض) السورية المنتشرة جنوبي دمشق بشكل حد من عمل الطيران لدعم الهجوم، أو إيقاف ألأرتال العراقية المتقدمة نحو خطوط الاشتباك ..
    5- صعوبة الأرض على محور (القنيطرة)، (سعسع - دمشق) وعدم صلاحيتها لحركة قوات مدرعة كبيرة ، ورغم هذه العوامل فقد بقي الوضع في يومي 13و14/10/73 حرجاً إلى حدٍ ما ، خاصّة بعد أن بدأ العدو إخراج مجموعة ألوية (بيليد) وزجها في الجبهة، واستـــــــــــــخدام اللواء المدرع (20) في دعم ألوية (لانر) ..
    قامت مجموعتا ألوية (لانر) و(رفول)، بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالي دون جدوى، وفي يوم 14/10 وقع تطور هام على الجبهة المصرية ، وقد طلب السوريون من القيادة المصرية بالضغط على العدو من الجنوب لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وبدأت معارك عنيفة بالدبابات على الضفة الشرقية لقناة السويس، الأمر الذي أجبر العدو على نقل مركز ثقل جهده الجوي إلى الجبهة المصرية، وتخفيف الضغط على جبهة الجولان .

    ميزان القوى العسكري

    كان ميزان القوى على النحو التالي :

    1- بالدبابات على الجبهة السورية في تلك الفترة يعادل 5 إلى 1 تقريباً لصالح القوات العربية ..
    2- ميزان القوى بالمشاة يعادل 3 إلى 1 لصالح القوات العربية .
    3- أما ميزان القوى بالمدفعية فكان مائلاً لصالح القوات العربية بفارق 4 إلى 1 4- تحديد حرية عمل الطيران المعادي وعدم قدرته على دعم القوات البرية إلا بخسائر كبيرة نظراً لاستعمال شبكة الصواريخ (أرض جو) السورية وقربها من مسرح العمليات ..
    في حين كان العامل السلبي الرئيس في ميزان القوى، هو حصول العدو الإسرائيلي على صواريخ (تاو)، الموجهة ضد الدبابات من أميركا وارتفاع مستوى التشويش الإلكتروني المعادي لصواريخ (أرض جو) أيضا ، ًكما كان العدو قد حصل من أميركا على صواريخ (جو أرض) من طراز (مافريك) و (هوير) و (والي) و (روكي) وجميعها دقيقة الإصابة والفعالية مما اثر على فعاليات القوات العربية في مسرع العمليات ..
    وفي يوم 16/10/73 ركز العدو جل اهتمامه على جبهة سيناء لإنجاح الثغرة الثغرة واستغلال التقدم الذي حققه هناك من أجل قلب التوازن الاستراتيجي للجيشين المصري الثاني والثالث، وحصلت الجبهة السورية على فترة هدوء نسبي، واستغلتها قيادة القوات العاملة هذه الجبهة .
    وإذا كانت االقوات السورية قد استفادت من عامل الزمن خلال معارك العدو لاستيعاب الأسلحة الروسية المتدفقة عبر الجسور البحرية البرية والجوبة، وإكمال النقص في القوات المدرعة بـ (200) دبابة عراقية ، كان العراق قد اشتراها من روسيا في وقتٍ سابق، وتعويض خسائر الدبابات التي أصابت اللوائين 12 و 6 بدبابات سحبت من القوات الاحتياطية المجودة في العراق، وحشد الجزء الأكبر من الفرقة (6)، وحشد اللواء الجبلي (12)، من القوات العراقية، وقد ساعد عامل الزمن على دخول اللواء المدرع / 40 الأردني إلى سوريا يوم 13/10/73، وكان هذا اللواء من خيرة الألوية المدرعة الأردنية وقد اشترك في القتال يوم 16/10، كما وصل اللواء المدرع /92 مع قيادة الفرقة المدرعة /3 الملكية الأردنية إلى منطقة (الشيخ مسكين)، يوم 22/10/73 .
    كان الإسرائيليون يشعرون بالنقص في الرجال والكوادر القتالية بسبب الخسائر الضخمة التي لحقت به، ولقد حاول إكمال هذا النقص بمتطوعين مرتزقة، ويهود أمير كيين مزدوجي الجنسية والولاء .
    في حين كانت القوات العربية تمتاز بالتفوّق في هذا المجال بسببين :-

    1- العامل البشري الهائل الذي تمتلكه ، والذي سمح لها الطول النسبي لمدة الحرب بتعبئة الجزء الأكبر اللازم ..
    2- وجود قوات عربية نظامية كاملة في العمق العربي الاستراتيجي، واستعداد هذه القوات للتحرك تجاه مسرح العمليات في الجولان .
    وبفضل الصمود في معركة الصد، وتدفق القوات العربية إلى الجولان (القوات العراقية بشكلٍ أساسي)، ووصول المعدات والأسلحة الروسية، وخطأ العدو الاستراتيجي في تطبيق أسس القتال على (الخطوط الداخلية)، فقد ظهر وضع جديد يسمح بالانتقال من الصّد إلى الرّد، ولهذا قررت القيادة السورية العُليا شن هجوم معاكس استراتيجي ضد ألوية العدو العشرة التي كانت متوغلة في جيب (سعسع)، كما قررت أن تستخدم في هذا الهجوم :-

    (فرقتين مدرعتين سوريتين)، غير كاملتين .
    لوائين سوريين .
    فرقتين مدرعتين عراقيتين (ناقص لواء).
    لوائين مدرعين أردنيين .
    ثلاث فرق الية سورية مع لواء مشاة مستقل .
    لواء مشاة عراقي .
    لواء جبلي عراقي .
    لواء قوات خاصة عراقي ..
    وحدات مغربية وسعودية محدودة، ووحدات من جيش التحرير الفلسطيني (قوات حطين والقادسية) .

    كان الهدف من الهجوم المعاكس تصفية جيب (سعسع)، في القفزة العملياتية الأولى، ثم تليها القفزة العملياتية الثانية لتحرير (الجولان) .

    عندما كانت تدور معارك طاحنة قرب (سعسع)، وفي قطاع عمل الفرقة المدرعة /3 العراقية واللواء المدرع /40 الأردني، حددت القوات السورية العليا خطة للهجوم المعاكس الاستراتيجي يوم 23/10/73، وتم تحديد المهمات العملياتية للهجوم وتحرير الأرض .
    وفي يوم 22/10/73، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (338)، القاضي بوقف إطلاق النار، وفوجئ السوريون والعراقيون بهذا القرار وبموافقة مصر، عليه، وأرجئ الهجوم الاستراتيجي على الجبهة السورية حتى يوم 24/10/ 73، وكان أمام القيادة السورية خياران لا ثالث لهما وهما :-

    1- التمسك بالهجوم المعاكس وشنه لتحرير الأرض ..
    2- إلغاء الهجوم والقبول بقرار وقف إطلاق النار ..

    كان أنصار شن الهجوم المعاكس ووقف إطلاق النار يؤكدون أن القوات المحتشدة قادرة على حسم المعركة وتطهير الجيب الإسرائيلي خلال يومين على أبعد تقدير، الأمر الذي يزيل الأثر المعنوي الذي سببه وجود هذا الجيب، ويدمر جزءاً كبيراً من قوات العدو المدرعة، ويقصر طول الجبهة بنسبة 30%، ويمنع العدو من المساومة على ورقة جيب (سعسع)، بعد وقف القتال، كما أنه سيجبر المصريين على متابعة القتال حتى لا يتركوا الجبهة السورية وحدها في مواجهة العدو، وأنه في حالة جمود الجبهة المصرية ، فإن العدو بحاجة إلى وقتٍ طويل قبل نقل قوات من الجبهة المصرية إلى الشمال، الأمر الذي سيسمح للقوات السورية والعراقية بأخذ مواقع جديدة في الجولان لصد أي هجوم مقبل، علماً أن هذا الوقت سيعطي الروس الوقت لفرض وقف إطلاق النار بعد أن يكون السوريون والعراقيون قد حرروا هذا الجيب ، على الأقل ، وكان أصحاب هذا القرار يؤكدون أن عملية الجذب وغرور الإسرائيليين واندفاعهم على طريق (سعسع)، قد قدما للقوات العربية هدفاً ثميناً يسهل القضاء عليه، وأن عملية (الجذب) ستفقد كل معناها الاستراتيجي إذا لم تعقبها عملية (ضرب) لا بد من تنفيذها حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء الجبهة السورية وحيدة أمام العدو ..

    أما أنصار وقف الهجوم المعاكس والقبول بالقرار، فقد ركزوا على العلاقة الجدلية المتبادلة بين الجبهتين السورية والمصرية ، ورأوا أن الاستمرار في القتال على جبهة الجولان سيعطي الإسرائيليين مبرراً لمتابعة القتال على الضفة الغربية لقناة السويس، وهذا لن يكون في مصلحة العرب، لأنه في الوقت الذي ستقوم به القوات السورية والعراقية بسحق العدو داخل (الجيب)، ستقوم قواته بالرد على الضربة بالشمال، وبتسديد ضربة تهدد وجود الجيش المصري الثالث الذي قطعت طرق إمداداته وحرم من التغطية الجوية ..
    بالإضافة إلى ذلك، فقد كان أنصار وقف الهجوم لا يأملون بأية مساعدة مصرية إذا ما بقيت الجبهة الشمالية وحيدة، لأن الإسرائيليين لن ينقلوا قواتهم إلى الجولان إلا بعد أن يحسموا معركة السويس والجيش الثالث، ويجبروا مصر على قبول وقف إطلاق النار بالقوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن، وأن ميزان القوى سيميل في هذه الحالة إلى جانب العدو بشكلٍ يسمح له بتطوير هجومه في الشمال واحتلال أراضٍ سورية جديدة، ومحاولة احتلال (دمشق) في وقتٍ لاحق أو تدميرها بالمدفعية والطيران وتدمير المدن والمنشآت الاقتصادية السورية بغارات كثيفة ..

    وبعد جدلٍ طويل بين أنصار الاتجاهين ، نجح أنصار الطرف الثاني في إقرار رأيهم ، وتقرر عدم القيام بالهجوم المعاكس، وفي ليلة 23-24/10/1973، وافقت سوريا على وقف القتال دون استشارة العراقيين رفاق المعركة ، وأصدرت أمراً بإلغاء الهجوم المعاكس، وصمتت أصوات المدافع في الجولان …!
    خلاصة عمليات القوات البرية العراقية
    في صباح السابع من تشرين الأول قررت القيادة العراقية دفع القطعات العراقية إلى جبهة الجولان وكانت أولى الفرق هي الفرقة المدرعة الثالثة .. وكانت هذه الفرقة تشكل جزءا من القبضة الفولاذية الضاربة للقوات المسلحة العراقية التي كانت مؤلفة في تلك الفترة من الفرقتين المدرعتين الثالثة والسادسة وفرقة مدرعة أخرى قيد التشكيل ..ويعتبر اللواء المدرع الثاني عشر أوفر القطعات حظا ، فلقد تم اختياره ليكون أول الألوية المدرعة يصل الجبهة السورية فمنح بذلك الشرف ليكون أول لواء مدرع عراقي يصطدم مع القوات الإسرائيلية على ارض الجولان العربية .. وفي يوم 8/ 10 بدأت حركة جحفل هذا اللواء المؤلف من كتيبتي دبابات المعتصم وقتيبة وكتيبة مشاة آلي وكتيبة مدفعية ومعدات ساندة ووحدات إدارية ، وكان حجم القوة المتحركة لا يتناســب وقدرة الناقلات على الرفع ، لذلك تركت كتيبة دبابات القادســـــــية ( حديثة التشكيل ) لترفعها الناقلات فيما بعد ، وقد وصل اللواء إلى جبهة القتال بعد أن قطع مسافة 1350 كم في يوم واحد .. أما اللواء المدرع السادس مع اللواء المشاة الآلي المنقول على عجلات مسرفة فقد قطعا مسـافة 1100 كم في يوم واحد أيضا ..وفي يوم 10 /10 بدأت طلائع هذه القوات بالوصول إلى دمشق و توجهت إلى الجبهة مباشرة ، بعدها توالى وصول باقي القطعات وإشراكها فورا في العمليات القتالية (34)..
    بعد لقاء القادة العراقيين والسوريين وبدء عمليات الاستطلاع وتنسيق الجهود وتوزيع المهام والواجبات حسب الخطط التي أعدتها القيادة السورية بدأت المعارك في مواجهة القوات الإسرائيلية وكانت أولى معارك الجيش العراقي هي معركة اللواء المدرع 12 ، فقد كان الإسرائيليون قد خططوا لاحتلال مجموعة التلال المتممة لهضبة الجولان والقيام بعملية التفاف حول دمشق .. وكانت الفترة الحرجة قد بدأت يوم 11/ 10 ( وهو يوم تكامل جحفل اللواء المدرع 12 ) وفي 12 /10 شرع اللواء بعملياته العسكرية ونجح في إيقاف اندفاع الإسرائيليين نحو دمشق(35) ..
    معركة اللواء المدرع 12
    شرع الرتل الأيمن للواء بالتقدم نحو أهدافه في الساعة 1400 يوم 12 / 10 وفي الساعة 1630 اجتاز ( تل عنتر ) واســتأنف اللواء تقدمه واحتل ( كفر ناسج ) وفي الساعة 1515 يوم 12 / 10 كان الرتل الأيسر للواء قد احتل قرية ( عقربا ) وتقدم نحو ( تل المال ) و( تل الشعار ) ..
    في صباح 13 / 10 انسحب العدو باتجاه ( ماعص ) واستأنفت مجموعات اللواء تقدمها رغم شدة نيران المدفعية والصواريخ الموجهة والهاونات الإسرائيلية التي كانت تطلق من سفوح ( تل الشعار ) ..
    وبعد قتال ثلاث ساعات اجتاز الرتل الأيسر ( تل البزاق ) وســـيطر على السفح الأيــــسر لتل ( الشعار ) ، وتقدمت مجــموعة أخرى واحتلت ( تل ابويه) ووصلت طريق ( دمشق – القنيطرة ) العام ..
    حشد العدو دباباته ومدافعه ووصلت قواته خط ( تل قرين – كفر ناسج – قرية المال ) وراحت تصب نيرانها على قوات اللواء المدرع 12 في ( كفر شمس ) واستمر القتال ثلاثة أيام تكبد فيها الإسرائيليون خسائر في الدبابات والتجهيزات والأشخاص ..
    في الساعة 0520 من يوم 14 / 10 / 1973 شرع اللواء بتطبيق منهج الإسناد الناري وفي الساعة 0900 تمت السيطرة على ( تل حمد ) بالنار ..ولكن العدو فتح نيران مدفعيته من الساعة 1600 حتى الساعة 1700 ..
    في الساعة 0630 من يوم 15 / 10 بدأ العدو قصفه المدفعي لمدة نصف ساعة وشوهدت دباباته تتقدم باتجاه ( تل قرين – كفر ناسج – تل المال ) وفي الساعة 1300 عزز قواته الهاجمة بدبابات إضافية واندفع من ( كفر ناسج وتل المال ) واستمرت الاشتباكات العنيفة حتى الساعة 0250 من يوم 16 / 10 / 1973 ..

    معركة ( كفر ناسج )
    بلغت حشود الإسرائيليين استعدادا لهذه المعركة ( 2 لواء مدرع – 2 لواء مشاة – 1 كتيبة دبابات مستقلة – كتيبة مظليين مستقلة – فوج مشاة آلي مستقل – 2 كتيبة دبابات تم إيقاع خسائر كبيرة فيهما في المعارك السابقة ) وكان قد وضع في الاحتياط 100 دبابة . . أما القوات العراقية فكانت مؤلفة من خمسة ألوية(36) ..
    استمرت المعركة من الساعة 0030 من يوم 16 / 10 / 1973 حتى الساعة 1700 من يوم 17 / 10 تمكنت القوات العراقية من مهاجمة القوات الإسرائيلية قبل أن تنهي استحضاراتها للهجوم على طريق ( دمشق – الشيخ مسكين وقطعه لعزل سوريا عن الأردن ) ..
    كان في إسناد القوات العراقية ( 3) كتائب مدفعية عراقية و( 6) كتائب مدفعية سورية ثم ساهمت كتيبة مدفعية عراقية أخرى تكاملت في اليوم الأول للمعركة ..
    كانت دروع العدو الإسرائيلي متحشدة على طول الجبهة على شـــــــكل قوس من ( بيت جن – سفح جبل الشيخ – إلى سعسع – كناكر – تل مرعي – دير العدس – تل المال – قرية أم باطنة ) وانتهت المعركة بوقوع إصابات كبيرة بالقوات الإسرائيلية واستنزفت طاقتها الهجومية وأحبطت مـساعيها في الوصول إلى طريق ( دمشق – الشيخ مسكين ) ..
    معركة ( تل عنتر )
    حشد العدو القوات التالية :
    لواء آلي في ( تل شمس – مزرعة بيت جن – حرفا )
    لواء مدرع في ( تل المال – تل الشعار – خان ارينبة – جبا )
    لواء مدرع في ( تل عنتر – كفر ناسج – ماعص – تل مرعي )
    لواء مشاة وبقايا كتيبتي دبابات ( على خط وقف إطلاق النار السابق )
    أما القوات العراقية فبلغ مجموعها ( لواءً مدرعا – لواءً اليا – ولواء مشاة ) أما الاحتياط فهو لواء مدرع يقوم بإعادة التنظيم (37)..
    كانت قد تحددت ساعة الصفر الساعة 0600 من يوم 18 / 10 / 1973 إلا أن القيادة السورية طلبت تأجيله إلى الساعة 0900 من يوم 19 / 10 الأمر الذي أدى إلى انكشاف الخطة وفقدان عامل المباغتة مما عرض أخيرا القطعات العراقية إلى خسائر لا موجب لها وحرمها من تحقيق النصر المنتظر ..


    معركة جبل الشيخ
    في 19 / 10 / 1973 وصلت إلى سوريا وحدات جبلية من الجيش العراقي ووضعت بإمرة القيادة السورية ثم جعلت بإمرة قيادة منطقة( دمشق ) ..
    في 12/ 10 / 1973 كلف احد الأفواج الجبلية العراقية باحتلال موضع دفاعي في قاطع الحدود السورية – اللبنانية ثم في الساعة 1900 صدر الأمر بتخصيص فوج جبلي آخر لتعزيز القوات الخاصة السورية ..
    وفي نفس اليوم بدأ العدو بالتركيز على القوات السورية في ( جبل الشيخ ) وانزل قوات خاصة بالهليوكوبتر ثم قدم رتلا ارضيا في منطقة ( العقبات ) كما قامت القوات السورية من جانبها بإنزال قوات خاصة في ( جبل الشيخ ) ..
    كلفت القوات الجبلية باحتلال منطقة ( عرتة – ريما ) بقصد التقدم نحو( العقبات ) والاشتراك في عملية دفع العدو بالتعاون مع القوات السورية ..
    ولما أكملت الوحدات انفتاحها بالساعة 0430 من يوم 23/ 10 / 1973 ركز العدو قوته النارية على القوات العراقية في الوقت الذي ظلت بقية الجبهة هادئة بسبب وقف اطلاق النار الذي أعلن عنه يوم 22 / 10 / 1973 ..

    الهجوم الذي لم يتم
    عن هذا الموضوع يحدثنا العميد المتقاعد عبد الرزاق اسود في ( الموسوعة الفلسطينية ) الجزء الثالث فيقول :
    ما إن تكاملت تشكيلات الفيلق المدرع العراقي حتى قررت القيادة العراقية القيام بهجوم شامل يوم 23/ 10 / 1973 ولكن في هذا اليوم طلبت القيادة السورية من القوات العراقية بإرجاء تنفيذ الهجــــــــــــــــــــوم يوما واحدا ، ولما حل يوم 24 / 10 /1973 أعلنت القيادة السورية قبولها وقف إطلاق النار اعتبارا من نفس اليوم المذكور ..
    وبقبول سوريا قرار وقف إطلاق النار أصبح موقف القوات العراقية محرجا لعدم إقرار العراق للهدنة ، كما فعل في حرب 1948 ، وعلى هذا الأساس قرر العراق سحب القوات البرية والجوية بعد أن آدت واجبها القومي على أفضل ما يكون ..


    فعاليات القوة الجوية العراقية
    إن تشـــــــــكيلات القوة العراقية ( التي كانت تعمل بإمرة قيــادة القوة الجوية المصرية ) هي أولى القوات العراقية التي نالت شرف مقاتلة العدو الإسرائيلي ، وقد شاركت منذ اللحظة الأولى لنشوب القتال ونفذت المهام التي كلفت بها ، وتسنى لها إسقاط ( 12 ) طائرة إسرائيلية في القتال الجوي فوق سيناء ..
    أما بالنسبة إلى الجبهة الشمالية فقد أرسلت الطائرات القاصفة والمقاتلة إلى سوريا يوم 7 / 10 / 1973 واستمرت التشكيلات الجوية العراقية بتنفيذ واجباتها منذ يوم 8/ 10 / 1973 حتى يوم وقف إطلاق النار في 22/10/1973 وقد استـــطاع الطيارون العراقيون إسقاط ( 29) طائرة إسرائيلية ..
    خسائر وتضحيات الجيش العراقي في الحرب
    بلغت خسائر وتضحيات الجيش العراقي في خلال الحرب : (835) شهيداً من بينهم (11) ضابطاً و(73) مفقودا من بينـــهم (36) ضابطاً و( 271 ) جريحا ، (26) طائرة مقاتلة قاصفة ، (111) دبابة وناقلة أشخاص مدرعة ، (294) عجلة ، (738) قطعة سلاح من مختلف الأنواع ..


    الخلاصة والتقييم

    إن هذا السفر الخالد للضباط والجنود العراقيين الذين وقفوا إلى جانب إخوانهم في الجيوش العربية الأخرى في حرب تشرين 1973 سوف تذكره الأجيال بفخر المآثر التي سطروها وتلك الدماء التي سالت في كفر ناسج وتل عنتر وجبل الشيخ وصحراء سيناء دفاعاً عن قضيتهم القومية وعن شرف الماجدات العربيات. وسوف لن تغيب عن البال أيضا تلك الملحمة الوطنية العراقية عندما مرت (24) طائرة عراقية مقاتلة مع أسراب الطائرات المصرية فوق قناة السويس على ارتفاع منخفض وبسرعة هائلة لتقوم بتدمير المطارات الإسرائيلية في سيناء وهي (المليز، ثمادة، راس نصراني) وتضرب عشرة مواقع إسرائيلية ارض- جو من نوع هوك والمقر المتقدم لقيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية في (أم خشــب) ومقرها الرئيسي في (العريش)(38) ..
    كما لا ننسى أيضا ذلك الاستقبال الرائع الذي كان يستقبل به أهلنا في سوريا إخوانهم وأبناءهم من أبطال الجيش العراقي وهم يتوجهون إلى جبهات القتال وبالزغاريد بعد عودتهم منها وهم يحملون أكاليل الغار والنصر ..
    إن ما حصل في حرب تشرين يجسد الإرادة العربية الواحدة في مواجهة الخطر المحدق بالأمة العربية وان مشاركة الجندي العراقي في هذه الحرب إلى جانب إخوانه في الجيوش العربية يدل ، بما لا يقبل الشك ، أن الخطر الذي يتعرض له أي عضو في الجسد العربي إنما هو خطر يهدد كل الجسد وان تضحيات الجيش العراقي الباسل في هذه الحرب وكل الحروب العربية الإسرائيلية إنما هي تأكيد للمصير المشترك الذي يربط أبناء الأمة الواحدة ، فضلا عن كونه جيشا له خبرات طويلة في الدفاع عن قضاياها ، مما ساعد على تحقيق النصر في الحرب على العدو الإسرائيلي وكان له شرف المساهمة في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وزعزعة أركان نظرية الأمن الإسرائيلي واثبات فشلها التام عندما أخطات القيادة الإسرائيلية في حساباتها تجاه قدرات وإمكانيات الجــــــــيوش العربية وعقيـــــدة قتالها بإبعادها الســـــــــــــــــــــوقية ( الاستراتيجية ) والعملياتية والتعبوية وفن استخدامها لمنظومات الأسلحة البرية والجوية والبحرية بشكل علمي وحديث ومتطور نال إعجاب العالم وراحت معاهده وكلياته العسكرية ومراكز دراساته البحثية تدرّس فن وأساليب القتال العربية وتأخذ منها العبر والدروس .. والدرس الآخر الذي نستخلصه من الحرب هو أن الجندي العربي ، من أي جيش أو بلد عربي كان ، هو ذاته الجندي العربي المؤمن بقضيته ، المتمرس في استخدام سلاحه والمتقن لعقيدته القتالية إذا ما توفرت له كل المقومات والإمكانيات المطلوبة لخوض حرب حديثة مهما كانت ظروف المعركة صعبة ..
    ********************
    (*) الباحث شارك في حرب تشرين برتبة ملازم أول وأحيل على التقاعد الإجباري بقرار الحاكم المدني للعراق بعد احتلاله برتبة فريق ..






    الهوامش

    1. دور الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 ، إعداد المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ، إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1975 ، ص5
    2. المصدر السايق ، ص 5
    3. دور الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 ، كراس من إعداد كلية القيادة العراقية ، 1985 ، ص 2
    4. جزء من حديث الفريق الركن يونس محمد الذرب ، والمنشور في المجلة العسكرية العراقية ، العدد الثاني ، إصدار مديرية التدريب العسكري والتطوير القتالي في دائرة التدريب / وزارة الدفاع العراقية ، بغداد ، 2002 ، ص 162
    5. المصدر السابق ، ص 162 – 163
    6. على خيون – ثورة 8/ شباط / 1963 في العراق – دار الشؤون الثقافية – بغداد ، 1990
    7. لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى دراسة اللواء الركن ( خليل سعيد ) ، تاريخ حرب الجيش العراقي بفلسطين 1948- 1949 ، هدية المجلة العسكرية ، مديرية التدريب العسكري / 1967
    8. حرب تشرين عام 1973 ، دراسة أعدتها ( جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا ) ، بغداد ، 2002
    9. للمزيد انظر : الفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب ) ، دور وتاريخ البعثات العسكرية العراقية ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2000
    10. للمزيد انظر : المصدر السابق
    11. الفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب ) مصدر سابق ، ص 166
    12. المصدر السابق ، ص 166
    13. المصدر نفسه ، ص 167
    14. دور الجيش العراقي في حرب تشرين ، المؤسسة العربية ، مصدر سابق ، ص 38
    15. المصدر السابق ، ص 38
    16. المصدر نفسه ، ص 41
    17. اللواء حسن البدري وآخرون ، حرب رمضان ، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1974 ، ص 34
    18. المصدر السابق ، ص 41
    19. كما حجبت المعلومات عن الرئيس معمر القذافي للسبب نفسه ..
    20. أيد هذه المعلومات ضابط استخبارات عراقي اخبره بها احد ضباط رئاسة أركان الجيش العراقي ..
    21. دور الجيش العراقي ، المؤسسة العربية ، مصدر سابق ، ص 46
    22. موقع www.safahat.cim
    23. المصدر السابق
    24. من برقيات الخارجية العراقية ليوم 7/10 / 1973
    25. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ 7 /10 1973 ، انظر أيضا : دور الجيش العراقي ، مصدر سابق ، ص 47
    26. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 8/ 10 / 1973
    27. من حديث للواء الركن ( إسماعيل تايه ألنعيمي ) ..
    28. من حديث مع اللواء الركن المرحوم ( فاروق الحريري ) الذي كان مكلفا برئاسة لجنة السيطرة على السابلة ..
    29. ذكرت ذلك يوم 20/ 10 /1973 نقلا عن احد المعلقين العســـــــــــكريين لصـــــحيفة( تايمس) اللندنية ..
    30. صحيفة هاارتس الإسرائيلية يوم 29 /10/ 1973
    31. المصدر السابق ..
    32. مصدر خاص..
    33. مصدر خاص ..
    34. من أرشيف تاريخ الجيش العراقي ..
    35. العميد الركن عبدالرزاق اسود ، الموسوعة الفلسطينية ، المجلد الثالث ، العسكرية الصهيونية والحروب العربية الإسرائيلية ، نشر وتوزيع الدار العربية للموسوعات ، ص 905 – 908
    36. المصدر السابق ، ص 906
    37. المصدر نفسه ، ص 906
    38. من أرشيف تاريخ الجيش العراقي ..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الجيش العراقي ادهش واعرب العالم لذلك اصروا حسب خرائط مكرهم ان ينتقموا فكان انتقاما من العربق كلهم
    حسبنا الله ونعم الوكيل وثيقه خطيره فعلا
    هلال اطلعتم استاذنا على تلك المقالات ورايكم الكريم وقلبنا يعتصر الما ونحن لانتعلم من التاريخ؟
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=11893
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    الاستاذة العزيزة ريمة .. حياك الله وقد اطلعت على مقالة اليورانيوم واود ان اقول انني كنت وما زلت من الباحثين المتخصصين في ملف اليورانيوم المنضب الذي ضُرب به العراق عام 1991 وعام 2003 وقد كتبت عن هذا الموضوع عشرات البحوث والدراسات ونحن في العراق كنا اول الباحثين والمتخصصين الذين نشرنا هذا الموضوع على العالم من خلال الوثائق التي حصلنا عليها من باحثين امريكان معادون للحرب على العراق ومن المتعاطفين مع الشعب العراقي واخص بالذكر منهم رامزي كلارك وزير العدل الامريكي الاسبق والباحث ديماسيو لوبيز ودان فاهي وغيرهم ، وكذلك حصلنا على معلومات وبحوث ودراسات عن اليورانيوم من جنود امريكان زاروا العراق وكانوا مصابين بما سمي في حينه مرض لعنة العراق وبعد ان اطلعنا على هذه الوثائق تم نشرها وتوزيعها على المتخصصين والصحافة ووسائل الاعلام ، كما اني كنت اول عراقي يعثر على هذه الاسلحة في جنوب العراق وقمنا بفحصها باجهزة القياس الاشعاعية التي كانت لدى علماء الطاقة الذرية العراقيين منذ العام 1993 وساقوم انشاء الله بتزويدكم باحدث التقارير عن هذا الموضوع بعون الله وانا الممنون ..
    مع تحياتي واعتباري

  4. #4
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    الأستاذة العزيزة ريمة .. بعد التحية والتقدير

    كما ذكرت لك سابقا باني أقوم حاليا بإعداد دراسة إستراتيجية مهمة عن العدوان الإسرائيلي على غزة ، لنشرها أولا في منتدى الفرسان الغالي على قلوبنا ومن خلال مواقف حوارية ، فقد أنهيت القراءة الأولى للدراسة وها أنا أقدمها للزملاء والزميلات الأعزاء في إطار التواصل ومتابعة أحداث العدوان الإسرائيلي أولا بأول وصمود شعبنا في غزة . . وعذري لهم إن تأخرت بعض الشيء في الإجابة على أسئلتهم لهذا السبب .. متمنيا للجميع الصحة والتوفيق ونحن متواصلون بعون الله في هذه الحوارية على الخير والمحبة .. والله الموقف

    **********
    العدوان على غزة

    قراءة أولى في الإستراتيجية العسكرية والسياسية الإسرائيلية

    الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري

    المتابع للعمليات العسكرية العدوانية الإسرائيلية الحالية في غزة يستنتج - لحد الآن – أن القوات الإسرائيلية لم تتحرك وفق إستراتيجية عسكرية واضحة على الأرض ، بقدر ما كانت تقوم به من عمليات عسكرية عدوانية لتحقيق أهداف محددة تكتيكية ( تعبوية ) كمرحلة أولى ومن ثم تطوير العدوان لتحقيق أهدافها وفق إستراتيجية عسكرية لم يعلن عنها لاحتمال الفشل في عدم انجازها بالكامل وكما حصل في العام 2006 في حربها الخاسرة مع المقاومة اللبنانية ، إلى جانب سعيها للاحتفاظ بالمناورة والمبادرة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي في حالة تطور الأوضاع سياسيا وعسكريا .. وتؤكد صحيفة معاريف الإسرائيلية الصادرة في 2/ 1/ 2009 هذا الأمر عندما ذكرت أن حكومة تل أبيب خرجت للحرب ضد قطاع غزة دون إستراتيجية واضحة ودون تحديد أهداف معينة ووقت انتهاء العمليات العسكرية ، وقالت الصحيفة : ( أن الحكومة قررت شن تلك الحرب دون عقد جلسات نقاش ذات آلية ثابتة ، تضمن إنهاء الحرب في اللحظة المناسبة لإسرائيل ) وأضافت ( أنه منذ السبت الماضي – أي منذ بدء العدوان البري على غزة - نجد القيادات الإسرائيلية تسعى لأن تثبت أنها تقود الحرب ضد غزة بشكل جيد على عكس ما كان الوضع في أثناء حرب لبنان الثانية 2006 )وكشفت عن كذب القيادات الإسرائيلية بشأن الحديث عن عقدهم للمداولات والمناقشات قبل الخروج لتلك الحرب، وهو ما يحدث كل مرة وينكشف أمرهم عند حدوث فشل عسكري ، وأشارت إلى أن جميع تصريحات القيادات الإسرائيلية بشأن التأهب الجيد لهده الحرب هو خداع للإسرائيليين ، وأنها تلجأ لذلك في محاولة لاستعادة الأيام الخوالي لإسرائيل عندما كان لديها ما سمي الجيش الذي لا يقهر ، وأكدت أن العملية العسكرية ضد قطاع غزة تدار يومياً بدون تفكير، ووسط تخبط بارز للقيادات الإسرائيلية ..

    وأيا كانت مصداقية هذا الكلام والغرض من نشره ، فإننا نعتقد أن هناك ترابطا بين العدوان الإسرائيلي والانتخابات الإسرائيلية في شباط أو آذار القادم من ناحية وبين استلام اوباما منصبه كرئيس للولايات المتحدة من ناحية ثانية وما بين الحالتين هناك رسالة تريد إسرائيل إيصالها إلى الإدارة الأمريكية ودول المنطقة العربية والفلسطينيين في الداخل ، ناهيك عن سعيها إلى فرض تهدئة وفق شروطها والى إعادة ترتيب أوضاع الساحة الفلسطينية حسب مصالحها كما تأمل بذلك ..
    الأمر الآخر الذي يمكن قوله هنا أن القيادة الإسرائيلية لا تريد وقف عدوانها إلا بعد أن تحقق جانبا مهما من أهدافها وعندها سوف تتعامل مع الجهود الدبلوماسية الدولية محاولة عدم التعامل مع حركة المقاومة الفلسطينية قدر ما تستطيع لكن استقراءنا للأمور هو أن هذا التصور الإسرائيلي خاطئ ومضلل وهو يمثل استمرارا للسياسة العنصرية والتعالي والغطرسة وان إسرائيل ستجبر على التفاوض مع المقاومة الفلسطينية باعتبارها عاملا مهما من عوامل استقرار المنطقة وان أي تسوية أو تهدئة دون المقاومة الفلسطينية لن تنجح وستفشل بالتأكيد وعلى إسرائيل أن تعي هذا الأمر جيدا ..

    وبالنسبة لعلاقة العدوان بالانتخابات فقد تعودنا في السياسات الإسرائيلية أنه قبل كل انتخابات تحدث مزايدات حزبية بين الكتل السياسية الإسرائيلية يعبر عنها في الغالب بصناعة أزمات حادة على الساحة الفلسطينية مصحوبة بعمليات عسكرية عدوانية ضد الشعب الفلسطيني ، وبالطبع فان مثل هذه المزايدات يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، لأن الكثير من القيادات الإسرائيلية تحاول أن تُـثبت قدرتها وسطوتها على الوضع في فلسطين من خلال عدوانها المسلح مستهينة بكل الضحايا والآلام والدمار الذي تلحقه القوات الإسرائيلية بالشعب الفلسطيني ومرافقه العامة والخاصة غير مبالية بأي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية وهي التي عدمت مثل هذه الاعتبارات منذ أي نشأت الحركة الصهيونية كحركة عنصرية عدوانية وأصبحت عرابا للكيان المسخ ..

    لقد رأينا هذا السيناريو من قبل عدة مرات، ربما نتذكّـر جميعا أنه في عام 1996، حدثت مجزرة شهيرة، وهي مجزرة قانا، وكانت أيضا تسبق انتخابات طارئة في إسرائيل وراح ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين الأطفال تحت رعاية وتحت نظر قوات الأمم المتحدة، العاملة في الجنوب اللبناني ..

    إذن الأمر لا يخرج كثيرا عن هذا الإطار، لكن في العدوان الحالي على غزة ربما هناك غايات ابعد وأكثر تفصيلا وتتمثل في محاولة إثبات أن الجيش الإسرائيلي قادر على إنهاء (حُـكم حماس) في غزة – حسب المسئولين الإسرائيليين - بعد أن فشلت، من وجهة نظرهم، الضغوط الاقتصادية والسياسية التي مورست طوال العام والنصف الماضي.. وقد سمعنا كثيرا من تصريحات القادة الإسرائيليين، لاسيما تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية وأيضا إيهود باراك، وزير الدفاع ورئيس حزب العمل، أنه حان الآن وقت الحرب ووقت القتال ووقت الآلة العسكرية ، بالإضافة إلى محاولة التعويض أو التخلص من عقدة الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي عام 2006 على يد المقاومة اللبنانية ..


    ويرى بعض القادة الإسرائيليين أن أمامهم هدفا آخر يسعون إلى تحقيقه ، وهو إذا ما تعذّر القضاء تماما على حركة المقاومة الفلسطينية ، من الناحيتين السياسية والعسكرية ، فعلى الأقل تقليص هذه القوة العسكرية وإظهارها بمظهر القوة الضعيفة أمام الشعب الفلسطيني ، باعتبار أنها ليست بالقدرة وليست بالكفاءة المناسبة لكي تنازل إسرائيل وآلتها العسكرية ودفع الشعب الفلسطيني في غزّة إلى الثورة على( حُـكم حماس) حتى تقبل بعد ذلك الشروط التي أعلِـنت من قبل في اللجنة الرباعية الدولية والتي تدعمها إسرائيل وترى أنها شروط لا يُـمكن التنازل عنها ..

    ويرى محللون أن هناك هدفا آخر تتوخاه الإستراتيجية الإسرائيلية من وراء العدوان على غزة ، وهو أن إسرائيل الآن تعيش في مزاج متطرف ويميل إلى العنف ويستهين تماما بكل ما هو متعلق بالتسوية السياسية، وِفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق التنازلات المتبادلة مع الطرف الآخر ، وفي اللحظة التاريخية الحالية، نحن نعلم أننا أمام فترة انتقالية في الإدارة الأمريكية، بعد فترة قصيرة سيأتي رئيس جديد، وأيضا تعودنا أنه في هذه الآونة تحديدا، تسعى إسرائيل إلى فرض شروطها على الجانب الأمريكي، والذي يحتمل أن يقبل بها، بل يدعمها ويؤيِّـدها، والموقف الأمريكي الحالي الذي عبر عنه الرئيس بوش من العدوان على قطاع غزة خير دليل على ما نقول ..
    والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل تستطيع إسرائيل تحقيق هذه الأهداف مجتمعة في ظل الفراغ السياسي، إن صح التعبير، على مستوى الإدارة الأمريكية وفي ظل الموقف الرسمي العربي المتردد والضعيف وفي ظل تحرك دولي منح صوته مسبقا لصالح العدوان الإسرائيلي كما فعل الرئيس الفرنسي مؤخرا ؟

    البعض من المراقبين والمحللين يرون أن جانبا واحدا من هذه الأهداف يمكن أن تحققها إسرائيل، فقد استطاعت خلال الأيام الماضية من العدوان المدمر والوحشي على غزة ، أن تحقق هذا الهدف على الصعيد الإسرائيلي الداخلي ، فلقد ظهرت تسيبي ليفني وإيهود باراك باعتبارهما صقرين كبيرين وباعتبارهما لا يتوانيان عن الإقدام على أشرس الأعمال وأعنفها ضد الفلسطينيين وضد المقاومة الفلسطينية بحجة حماية الأمن الإسرائيلي وحماية وجود إسرائيل ، وبالتالي ، فقد تحققت إحدى هذه الأهداف،حسب الإعلام الإسرائيلي وان كان لدينا رأي آخر سنشير إليه في سياق الاستنتاجات - وقد رأينا أنه في اليوم الأول من العدوان، أن بعض استطلاعات الرأي في داخل إسرائيل أظهرت تفوّقا كبيرا في موقف تسيبي ليفني، وهو الأمر الذي يختلف تماما عما كان عليه قبل العدوان على غزة ..

    الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية

    من خلال المعلومات التي ترشحت من وسائل الإعلام المختلفة عن سير القتال بين المقاومة الفلسطينية والقوات الغازية ، يمكن وضع تصور عام للإستراتيجية العسكرية التي تبنتها القوات الإسرائيلية في عدوانها على غزة على النحو الأتي :
    1 . القصف التمهيدي : ضد الأهداف الفلسطينية بمختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية والبحرية وبأكبر ثقل من النيران باستخدام الأسلحة الأكثر فتكا في العالم والذي استهدف مواقع المقاومة وتجمعاتها ومراكز إطلاق الصواريخ الفلسطينية والأنفاق وأهداف مدنية كثيرة مختلفة لتحقيق الصدمة النفسية لدى الشعب الفلسطيني وإيقاع اكبر الخسائر والضحايا بالأرواح والمعدات والممتلكات العامة والخاصة ، لإرباك الداخل الفلسطيني ومحاولة زعزعة الثقة بين الشعب والمقاومة .. وقد استمرت هذه الصفحة أو المرحلة حوالي سبعة أيام ، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وأبرزها إضعاف المقاومة وإيقاف القصف الصاروخي الفلسطيني على البلدات والمستعمرات الإسرائيلية وإنزال الرعب بالمستعمرين ، كما فشلت أيضا في الإيقاع بين الشعب والمقاومة لان الشعب الفلسطيني بات يعرف جيدا انه هو المستهدف من هذا العدوان وليس المقاومة وحدها وهذا جزء من المشروع الصهيوني الذي يستهدف القضاء على الانتماء الروحي والوطني للشعب الفلسطيني بأرضه وحضارته وتاريخه ومستقبله وإلحاق المزيد من القتل والدمار بالسكان الفلسطينيين وممتلكاتهم لإجبارهم على الهجرة وترك ارض الإباء والأجداد للدخلاء لاستيعاب موجات جديدة من الهجرة اليهودية ..
    2 . الاستطلاع بالقوة : وهذا يعني تقدم ارتال الدبابات والآليات العسكرية داخل قطاع غزة من عدة محاور واتجاهات من شمال القطاع وشرقه ومن مناطق غرب القطاع تساندها القوة الجوية والقوة البحرية والطائرات السمتية من طراز أباتشي الأمريكية وتنفيذ عمليات قصف مدفعية واسعة بالإضافة إلى استخدام أسلحة الدبابات من طراز مركفاه وأم اكس 48 و60 الأمريكية وأسلحة ناقلات الأشخاص المدرعة والهاونات الثقيلة والهدف من هذا الاستطلاع هو كشف مواقع المقاومة وقصفها مباشرة لمعرفة حجمها وتكتيكاتها وأسلحتها وأسلوب قتالها وأماكن تواجدها وتحركاتها ، وتضمنت هذه الصفحة انتشارا بريا واسعا في مناطق العمليات دون الدخول في المدن المأهولة لتجنب حرب الشوارع والمناطق المبنية وشملت هذه الصفحة أيضا إجراء عمليات إحاطة وتطويق واسعة لأحياء القطاع وتنفيذ عمليات قتالية ضد المقاومة ، وبالفعل حصلت مواجهات مسلحة وعمليات قتال عنيفة بين الطرفين أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على التعامل مع إستراتيجية القوات الهاجمة وكان هذا مترافقا مع استمرار القصف الجوي والبري والبحري لإيقاع الخسائر والتضحيات بالمواطنين العزل والأبرياء ومواصلة قصف المنشات الاقتصادية والصناعية والخدمية ودور العبادة والمدارس والمستشفيات وغيرها من الأهداف المدنية بوحشية مفرطة ، وهي مرحلة مكملة لمرحلة القصف التمهيدي لمواصلة تنفيذ مسلسل الرعب والصدمة والدمار ..
    ويبدو أن القوات المعتدية فوجئت بأساليب قتال المقاومة وتصديها البطولي من خلال استخدامها تكتيكات قتالية جديدة فاجأت المعتدين وألحقت بهم خسائر جسيمة اعترف بها الناطق العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ، وكان من بين ما استخدمته المقاومة الفلسطينية تكتيكات متطورة لقنص الدبابات الإسرائيلية باستخدام أسلحة جديدة أعلن عنها المتحدث باسم المقاومة ، واستخدام الكمائن في زمان ومكان غير متوقعين من قبل القوات الإسرائيلية ، ناهيك عن فشل القوات الإسرائيلية خلال هذه المرحلة بتحييد عمليات إطلاق الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية وعلى أهداف إسرائيلية في مدينة بئر السبع ، بخلاف ما أعلنت عنه هذه القوات من أنها تمكنت من تدمير مواقع فلسطينية كثيرة لإطلاق الصواريخ .. وهذا يدل على الارتباك الحاصل لدى العدو ولجوئه للكذب والخداع لرفع معنويات جنوده والمستوطنين في الداخل ..
    3 . الإحاطة والتطويق : في هذه المرحلة دفعت القيادة الإسرائيلية بأكثر من فرقتين مدرعتين وقوات خاصة توغلت في مناطق متعددة وخاصة تجاه المناطق السهلية المفتوحة التي تبعد عن مدينة غزة سبعة كيلو مترات ووسعت من عمليات القصف الجوي والبري والبحري على امتداد مناطق واسعة من القطاع شملت أهدافا اقتصادية وخدمية ومدنية ومواقع للمقاومة الفلسطينية وآخرها استهداف مدرسة وقتل أكثر من أربعين فلسطينيا في جريمة بشعة جديدة يندى لها جبين الإنسانية ، ولكن أيضا من دون المــجازفة بالدخول إلى المدن وخوض قتال في المناطق المبنية ..
    لقد كان تقدم القوات الإسرائيلية في المرحلتين الثانية والثالثة بطيئا وصعبا ومكلفا نتيجة المقاومة الشديدة للمقاتلين الفلسطينيين وهنا نؤكد – والقتال لا زال مستمرا – إن القوات الإسرائيلية تسعى إلى جر المقاومة إلى القتال خارج المدن في مناطق مفتوحة مستفيدة من قدراتها النارية الجوية والبرية وإمكانياتها على الحركة والمناورة الواسعة في محاولة لإيقاع الخسائر الجسيمة بالمقاتلين الفلسطينيين لكن على هؤلاء المقاتلين – واعتقد أنهم يدركون هذا جيدا – أقول عليهم أن لا ينجروا إلى ساحة قتال تختارها القوات الإسرائيلية خارج المدن إلا في الحالات التي تساعدهم على القتال تبعا لقدراتهم التنظيمية والتسليحية وأساليب قتالهم على مثل هذا القتال لتجنب التعرض المباشر لنيران الدبابات والقوة الجوية والطائرات السمتية وان أفضل وسيلة لقتال هذه القوات هو جرها إلى مناطق قتل داخل المدن والمناطق المبنية لتحاشي أسلحة العدو الثقيلة كالقوة الجوية والمدفعية والصواريخ بالإضافة إلى الاستفادة القصوى من الأسلحة التي تمتلكها المقاومة وخصائصها التعبوية وخاصة أسلحة الار بي جي 7 وغيرها من الأسلحة الخفيفة التي تمنح المقاومة ميزة التفوق على القوات الإسرائيلية في المناطق المبنية حيث تكون الدبابات الإسرائيلية أمامها واهنة وسهلة الاصطياد والقتل ، كما أن استخدام أسلوب حرب العصابات الذي يتميز بالسرعة والتأثير الواسع على العدو وإرباكه وتحييد معظم أسلحته الثقيلة والذي يحتاج إلى إرادة وشجاعة وعزيمة تفتقرها القوات الإسرائيلية انطلاقا من مبدأ أن المقاومة تقاتل دفاعا عن وطنها وفي أرضها ، وان القوات الغازية تفتقر إلى هذه الصفات والخصائص ، كل هذا يتمتع به المقاتلون الفلسطينيون ويمنحهم ميزة التفوق التعبوي ( التكتيكي ) على العدو ولذلك سيكون تأثير هذا النوع من المعارك لصالح المقاومة وسيعينها على تحييد عناصر القوة لدى القوات الإسرائيلية ..
    وهنا نؤكد على المدنيين الفلسطينيين أن يتحسبوا أو يغادروا دورهم أو مناطق سكناهم إذا ما دارت مثل هذه المعارك داخل المناطق المبنية خشية تعرضهم للنيران والقصف المعادي حيث ستكون الاشتباكات قريبة والنيران كثيفة والتلاحم شديدا ..

    نتائج واستنتاجات
    1 . في ضوء المعارك الجارية حاليا يمكن القول أن العدوان الإسرائيلي لم يحقق أيا من أهدافه ، اللهم إلا إذا اعتبر العدو قتل المدنيين وهدم دورهم وتدمير المنشات المدنية هي أهداف محسوبة في عدوانه فانه والحالة هذه حقق الشيء الكثير ، لكن الحقيقة هي انه فشل في تحقيق الأهداف التي أعلن عن البعض منها أو التي يمكن استخلاصها من خلال سير العمليات القتالية ، فقد حافظت حركة المقاومة والشعب الفلسطيني على تماسكهما رغم التضحيات الجسيمة والدمار الذي لحق بالمواطنين وان مخزون المقاومة من الأسلحة حتى ساعة إعداد هذا التحليل مازال بخير ولم يتعرض إلى أذى كبير وان استمرار الحرب وسقوط الصواريخ سيعني أن القوات الإسرائيلية قد دخلت في حلقة مفرغة حاولت أن تتهرب منها عندما لم يعلن قادتها عن طبيعة إستراتيجيتهم وأهدافهم الإستراتيجية كاملة خشية فشلهم في تحقيقها في بدايات عملياتهم ومن أن يبدو الأمر بمثابة هزيمة إستراتيجية في خواتيمها ..
    ففي التقرير الذي أصدرته جهاز الأمن العام ( شاباخ ) بمناسبة نهاية السنة أن منظومات صاروخية متطورة ومقرات عسكرية فلسطينية أنشئت تحت الأرض خلال فترة التهدئة، وقد تبين مؤخرا أن هذه المنظومات ومنظومات الربط والاتصال والحماية لم تتأثر، وهذا يعني قدرة المقاومة الفلسطينية على مواصلة الحرب وقصف المواقع الإسرائيلية ، الأمر الذي سيوقع قيادة العدو الإسرائيلي في حرج كبير قد يفتح احتمالات العمل العسكري على تطورات ميدانية أوسع ..
    2 . إذا لم يحقق العدوان الإسرائيلي كافة أهدافه فهل سيوقف الإسرائيليون العدوان دون نتائج حاسمة أم سيستمرون فيه إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وسط احتمالات مفتوحة إما أن تقضي على الاتجاه اليميني المتشدد وإما أن تأتي به بديلا عما يسمى حكومة الهزائم الإسرائيلية وذلك وفقا لما ستسفر عنه مجريات العدوان ، خاصة بعد تكتيكات المقاومة الجديدة واستخدامها لأسلحة مؤثرة على الدروع والدبابات والآليات الإسرائيلية بشكل اكبر ؟ من هنا يرى المحللون أن المعضلة التي تقف أمام الجيش الإسرائيلي هي أنه أمام خيارين أحلاهما مر ومدمّر :
    الأول : مواصلة الحرب والقبول بالخسائر الكبيرة التي تعرضت أو ستتعرض لها القوات الإسرائيلية من خلال الادعاء بان ( هذه الحرب ) لها فضائل عديدة تضمنت ضرب مناطق إطلاق الصواريخ الفلسطينية والبنى التحتية والأنفاق ، والخيار الثاني : هو التوجه نحو الإسراع في إنهاء ( الحرب )والاكتفاء بما يسميه أصحاب هذا الرأي بالضربات الكبيرة والشديدة التي تلقتها المقاومة الفلسطينية ..
    3 . إن هذه الحرب – العدوان – هي حرب غير متوازنة بين طرفين ، الأول تمثله ( دولة ) عنصرية تمتلك كل مقومات الدولة المتطورة عسكريا والمدعومة من أقوى دول العالم والثاني لا يمتلك سوى أسلحة متواضعة بسيطة ، ومع ذلك فان النتائج التي تحققت حتى الآن أو التي ستتحقق تمثل انتصارا وفخرا لشعب بسيط اعزل ، مما سيكون له انعكاسات كبيرة على وضع الأنظمة العربية وعلى التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة مستقبلا ..
    4 . إن ما تحقق من نتائج عسكرية على الأرض يدلل على أن المقاومة الفلسطينية قد تحسبت لكل الاحتمالات العسكرية واللوجستية وأنها قد خططت للاحتمالات الاسوا مما أربك القوات المعتدية وجعلها تتريث كثيرا قبل إقدامها على أي عمل عسكري متهور قد يوقع بها خسائر غير محسوبة مما يزعزع ثقة المستوطنين بها ويضعها في موقف لا تحسد عليه كما حصل في العام 2006 في جنوب لبنان ..
    5 . من المحتمل أن تطيح نتائج العدوان الإسرائيلي والخسائر التي تكبدتها أو التي ستتكبدها القوات الإسرائيلية ، في حالة استمرار العدوان لفترة أطول ، بعدد من المسئولين الإسرائيليين من مدنيين أو عسكريين ، وقد يكون لها تأثير في حصول متغيرات في الخارطة السياسية الإســـرائيلية خلال الانتخابات القادمة أم للمرحلة التي تليها ..
    6 . إن ما استخدمته القوات الإسرائيلية لغاية هذا اليوم يمثل كامل القدرة العسكرية الإسرائيلية ومع ذلك لم تحقق النسبة التي كانت تتوقعها قيادتها ، وهذا يسبب إحباطا جديا لقيادة العدو ولقواتها قد يترك آثارا سلبية ويكرر ما حصل للحكومة وللقادة العسكريين في العام 2006 ..
    7 . أن عدم التصريح الإسرائيلي بالأهداف الكاملة من العدوان يؤكد على وجود ضبابية وتضليل ليصبح حرب إبادة جماعية ودمار شامل لشعب اعزل مما يترتب عليه تقديم المسئولين في الحكومة والجيش الإسرائيلي إلى المحكمة الدولية الجنائية لمحاكمتهم على جرائم الإبادة الجماعية بحق شعب اعزل حسب الاتفاقيات الدولية ..
    8 . في النتيجة النهائية فان المقاومة هي التي ستخرج منتصرة من هذا العدوان بعون الله وان الشعب الفلسطيني سيخرج أكثر قوة وتماسكا ونأمل أن تتجاوز الفصائل خلافاتها لتتخذ من الموقف الجماهيري العربي المتعاطف والمؤيد والتأييد العالمي فرصة لتعزيز تماسكها وتوحيد موقفها وان هذا الأمر إذا تحقق – ونحن واثقون منه بإذن الله – فان هذا يعني سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي مرة أخرى على يد المقاومة في غزة مثلما سقطت سابقا على يد المقاومة في جنوب لبنان وسقوط الأهداف الإسرائيلية بالمراهنة على الخلافات الفلسطينيبة وعلى تشرذم وتشتت الموقف الفلسطيني وقدرة الشعب على الصمود والالتفاف حول مقاومته الباسلة ..













  5. #5
    السلام عليكم
    استاذنا الكريم
    عبر معطيات الواقع هل تؤمن بزوال اسرائيل وهي تملك معطيات حيويه عالميه كالمال والاعلام والمال الخ..............؟
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    العزيزة ريمة المحترمة ..
    بعد التحية والتقدير .. بداية أقول أن كلنا يتمنى زوال إسرائيل اليوم وليس غدا كي تعود حركة التاريخ إلى طبيعتها ويعود الحق لأصحابه .. ولكن معروف أن إسرائيل ولدت نتيجة مشروع جبواستراتيجي طويل الأمد شاركت فيه دول عظمى والحركة الصهيونية وانفق في سبيله الأموال الكثيرة وسالت فيه دماء غزيزة عبر عشرات السنين والكثير من الأحداث والحروب الدامية وخلال مراحل تاريخية مختلفة بدأت في أوربا وانتهت في المنطقة العربية وارتبط مصيرها بالقوى العالمية التي تعهدت بحماية وجودها في ظل تفوق عسكري واقتصادي وهيمنة أمريكية مطلقة على العالم يقابله ضعف عربي وإسلامي وتفاوت كبير جدا بين الموارد والإمكانيات والقدرات العسكرية والاقتصادية والإعلامية بين المشروع الأمريكي الصهيوني وبين المشروع النهضوي العربي ... بالإضافة إلى جدية المشروع الأمريكي وقبوله كل المجازفات بالمحافظة على هذا الوجود اللاشرعي للكيان الإسرائيلي واستعداد قيادته لتدمير العالم من اجل استمرار هذا الوجود في ظل معادلة غير متساوية الأطراف والتوازن لصالح المشروع الصهيوني بكل الحسابات ..
    وهناك فرق بين الإيمان والتمني بزوال إسرائيل وبين الواقع الراهن الذي يخضع إلى شروطه كما أشرت إلى هذا في أعلاه .. وبما أني فهمت سؤالك كما أتصوره فأقول يجب أن يظل هدف إزالة إسرائيل ماثلا في الفكر والقلب والروح والمنهج والسلوك والإعداد والتحسب وان يكون هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يجب أن نربي عليه أجيالنا ونهيئ له كل ما نقدر عليه حتى ولو بعد 50 عاما .. وإذا ما قال عني شخص ما باني احلم فأقول هو حلم لذيذ وكم أتطلع لان يتحقق هذا الحلم ولو بعد حين ..
    مع تحياتي أستاذتي العزيزة فهكذا فهمت سؤالك وهكذا كان ردي ولا ادري إن أصبت أم اخطات ..؟


  7. #7
    السلام عليكم
    عبر معطيات الحاضر ومانراه من احداث:
    اي تلك الحلول اكثر ايلاما واسرع وصولا للحل ومفعولا ايضا؟
    الادب
    الاعلام
    النضال الميداني
    المفاوضات
    المساهمه العينيه
    وكيف نستغل كل مجال بجدارة؟
    مع تحيتي الوديه
    هشام

  8. #8
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    أخي فراس حياك الله

    فيما يأتي ما تفضلت بالسؤال عنه :

    حول توضيح أوجه المقارنة بين فلسطين والعراق فسأتحدث عن الجانب الرئيس في عملية اغتصاب فلسطين وبقدر ماله علاقة بوضع العراق ..
    فقد مرت هذه العملية بمراحل وصفحات لا يمكن التحدث عنها هنا بمجملها لاتساعها واحتوائها على تفاصيل كثيرة تحتاج إلى مجلدات أولا ولعلم الكثيرين بها ثانيا .. لكني أركز على ما يأتي :
    لقد عمدت بريطانيا والصهيونية العالمية في بداية الأمر وأمريكا لاحقا إلى تهيئة مسرح الأحداث لاغتصاب فلسطين وان كانت الفكرة تعود إلى فترة تاريخية أقدم بكثير مما حصل في العام 1948 وما تلاها :
    1 . تشجيع الهجرة اليهودية من كل أنحاء العالم إلى فلسطين وشراء الأراضي من الفلسطينيين ثم إقامة مستوطنات في مختلف أنحاء فلسطين ..
    2 . تحويل المنظمات الإرهابية الصهيونية إلى جيش نظامي وإنشاء أجهزة مخابرات متعددة ..
    3 . اعتماد التضليل والخداع لإيهام العالم بمصداقية الحق التاريخي لليهود في فلسطين واعتماد الأساطير التوراتية والتلمودية كأساس ديني مقبول من قبل اليهود لتحقيق هذا المشروع رغم آن الحركة الصهيونية حركة علمانية ..
    4 . اعتماد النظريات العنصرية الغربية وإسقاطها على الوضع في فلسطين واعتبار العرب مواطنين من الدرجة الثانية وهم متخلفون ولا حق لهم في العيش في الأرض المقدسة حسب تعبيرهم وانه من الضروري ترحيلهم عن ارض لا صلة لهم بها واعتبروا فلسطين أرضا بلا شعب لشعب بلا ارض واخذوا يركزون على هذا الجانب بشكل مكثف وعبر مختلف الوسائل والأساليب ومنها استخدام الأدب العبري للترويج لهذه الأهداف ..
    4 . التدخل المباشر من قبل بريطانيا وأمريكا لصالح المشروع الصهيوني من حيث الاستعدادات العسكرية والتسليح والتدريب والتجهيز لخلق الجيش المقاتل والإشراف على تحديثه وتطوره ومساعدته بالمعلومات ودعمه خلال الحروب والعمليات العسكرية التي جرت لاحقا ضد العرب والفلسطينيين ..
    5 . التحرك على الأصعدة السياسية والفكرية والثقافية بين مختلف اليهود والرأي العام العالمي للترويج لفكرة الوطن القومي وجعلها مقبولة من قبلهم والدعوة لها حتى صدور قرار التقسيم المرقم 181 الصادر في تشرين الثاني عام 1947 الذي رفضه العرب ومن ثم إعلان قيام الكيان الصهيوني في 15/ 5/ 1948 وحصول حرب 1948 وتفصيلاتها معروفة ومؤ رشفة بالتفصيل ..
    6 . تركيز المشروع الصهيوني على تقسيم الأقطار العربية ومنها فلسطين والعمل بكل الوسائل لإحداث الفرقة والتشتت والتشرذم وتجذ يرها بين العرب والفلسطينيين ..
    7 . تسليح الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة وجعل إسرائيل دولة قوية ومفروضة في المنطقة العربية من خلال مشاريع الشرق الأوسط الجديد والكبير والعولمة ... الخ

    8 . مواصلة العدوان على العرب والفلسطينيين وسعيهم لاحتلال المزيد من الأرض ومحاولاتهم المستمرة بتهجير السكان الفلسطينيين والعرب من الأراضي المحتلة تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل الكبرى ثم إقامة المملكة اليهودية العالمية حسب الأساطير التوراتية و بمــــساعدة القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ..
    وهناك جوانب كثيرة تتعلق بالموضوع لكني حاولت الاختصار والتركيز على ابرز حوادث وإجراءات تحقيق المشروع الصهيوني بإقامة الكيان الإسرائيلي الغاصب والرغبة الكامنة لدى الصهيونية بالتوسع ..
    أما عن العراق فان عملية احتلاله مرت هي الأخرى بمراحل اختصرها :
    1 . بداية أقول إن فكرة احتلال العراق وتشتيته فكرة قديمة تعود للعام 1953 عندما وضع بن غوريون وطاقم الأمن القومي الإسرائيلي وخبراء الاستراتيجي الأمريكية آنذاك مشروعا لتفتيت العراق سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا والتركيز على الورقة الطائفية تنفيذا لإستراتيجية بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بما عرف بسياسة الطرق على الجدران من أسفلها وما يقابلها من سياسة بريطانية تعتمد على إستراتيجية فرق تسد ..
    2 . تهيئة مسرح الأحداث عالميا وعربيا وإقليميا للقبول بفكرة اعتبار النظام العراقي يشكل خطرا على المنطقة والعالم وانه يمتلك أسلحة دمار شامل يهدد بها إسرائيل ودول أخرى والعمل على إسقاطه وتبديله بنظام آخر موال للغرب ولا يعادي الصهيونية ونحن هنا لا نتحدث عن ايجابيات وسلبيات النظام السابق فهذا يحتاج إلى وقفات عديدة .. وكان قد سبقها دفع الأمور باتجاه إحداث صراعات مسلحة وحروب مع أقطار الجوار العراقي لتحقيق هذه التوجهات وإعادة صياغة حركة الأحداث بالاتجاه الذي يعطي المسوغات للحرب على العراق وتدميره وليس إسقاط نظامه فقط وهو ما حصل بالفعل .. ففي حرب 1991 تم تدمير مفاصل مهمة في العراق بينما الحرب كانت تدور في جبهة الكويت والقوات العراقية هناك إلا أن الغاية هي استغلال قضية الكويت لتدمير الفكر الوطني والقومي العروبي والإسلامي لدى أهل العراق ..
    3 . في حرب الاحتلال عام 2003 تكشفت النوايا الأمريكية الإسرائيلية وهي إسقاط النظام لأسباب ومسوغات عديدة غير مبررة ومضللة وهي مثلما قلت جزء من مخطط قديم سوف يطال معظم الأنظمة العربية حتى تلك التي تتفق مع السياسة الأمريكية والإسرائيلية لان منهج العدوان الأمريكي الصهيوني يرتكز على إقامة الحكومة اليهودية العالمية مثلما ذكرت سابقا ..
    4 . فماذا حصل بعد الاحتلال ؟ .. وهنا بدأنا نقترب من الإجابة على سؤالك أخي فراس :
    أولا . تدمير البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وكل ما يتعلق بمؤسسات الدولة وأرشيفها ووثائقها والســماح للغوغاء بالسلب والنهب والحرق ( إلا وزارة النفط فلم يسمح الأمريكان بنهبها وحرقها والسبب واضح )لإنهاء وجود هذه الدولة تماما وفي ذهنهم مخطط إنشاء دولة جديدة بعناصر جديدة بفكر جديد بمنهج جديد بتوجهات هي ابعد ما تكون عن الفكر الوطني الحقيقي والقومي ..
    ثانيا : خلال الاحتلال سمحت القوات الأمريكية للقوات الإيرانية المشاركة في قتال الجيش العراقي من الخلف وتدميره وهذا مؤكد في الوثائق والتصريحات الرسمية ومن هنا يتبين لماذا تتجاذب الإدارة الأمريكية الحديث مع إيران ، السبب هو أن إيران تعتبر أن لديها استحقاقات في العراق يجب أن تتمتع بها كونها شاركت في احتلال العراق ، وكان من نتيجة هذه السياسة زيادة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العراقية بشكل واسع ..
    ثالثا : أولى هذه الاستحقاقات وحسب المنهج الأمريكي الإيراني هو تأسيس نظام حكم طائفي قائم على المحاصصة الطائفية والتمييز وإبعاد كل القوى الوطنية والقومية وغيرها لتتفرد القوى التي جاء بها الاحتلال على ظهور الدبابات في حكم العراق فترة طويلة قادمة ..
    رابعا : طرح مشاريع لتقسيم العراق إلى دويلات أو كانتونات عبر مسميات ومشاريع مشبوهة هدفها إضعاف هذه الدولة وإقامة فلسطين ثانية في المنطقة العربية ..
    خامسا : تهجير العراقيين بعد تهديدهم بالقتل حسب الهوية وبالفعل غادر العراق إلى الخارج أكثر من أربعة ملايين وحوالي مليونان هاجروا إلى مناطق أخرى داخل العراق ..
    سادسا : كل ما حصل ويحصل من احتلال العراق وتدميره وقتل أبنائه تم بعلم وموافقة دول عربية كثيرة فمنها من سهل مرور القوات المحتلة عبر مياهها وسمائها وأراضيها وهذه الدول معروفة ومنها من غض الطرف وكان أكثر من فرح لما حصل في العراق انتقاما من عقد تاريخية وخلافات بين أنظمة لكنها انعكست بشكل خطير على الشعب العراقي ..
    سابعا : مرت سنين طويلة على العراقيين اقرب للجحيم منها إلى الحياة العادية وما زالت وكان يقتل منهم يوميا أكثر من 400 شخص ولم يعلن عنها إلا القليل وربما تقلص ألان العدد إلى ال 100 شخص يوميا .. نعم يوميا يقتل حاليا أكثر من 100 شخص والعراقيون يعيشون في رعب دائم والعرب ساكتون والعالم أصم وإسرائيل تعيش أعراسها على هذا الوضع حتى راجت تتفرد بالساحة الفلسطينية من دون رادع ..
    والحديث ذو الشجون يطول أخي فراس فهل عرفنا ألان أوجه التقارب بين مأساة فلسطين والمأساة الثانية التي ستحل بالعرب إن لم يتداركوا الأمر .. ومع ذلك تجد العراقيين ألان قلوبهم على غزة وتهون ماساتهم تجاه ماساتها فهذا ديدنهم والغضب يتأجج في قلوبهم من صمت العرب وتخاذلهم ولأنهم أيضا غير قادرين على استخدام جيشهم ضد إسرائيل .. ورغم ظروفهم وماساتهم فتجدهم يتظاهرون وينددون بالعدوان بشتى الوسائل والأساليب وكثيرون منهم أعربوا عن استعدادهم للتطوع إلى جانب المقاومة الفلسطينية دفاعا عن غزة ..
    حياك الله أخي فراس ورعاك وحفظك

  9. #9
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068
    العزيزان رغد قصاب وهشام الخاني .. فيما ياتي اجابة اسئلتكما وانا الممنون ..

    لما كان الصراع مع العدو صراعا تاريخيا وحضاريا ومصيريا .. فالمطلوب استخدام وتفعيل كل وسائل الصراع الفكرية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ولكن كل في وقته ومرحلته ، ولا يمكن الاستغناء عن أي من هذه الوسائل ، بمعنى أن يجري استخدام هذه الوسائل إما على التوالي أو على التوازي ، فكلها ذات تأثير محدد ومهم في إستراتيجية المواجهة وهي تكمل بعضها البعض فلا يمكن الاســتغناء عن الأدب مثلا والتفرد بالنضال الميداني وهكذا ..
    أما عن الوجه الآخر من السؤال ، أي الحلول إيلاما وأسرع وصولا للحل .. فيمكن القول أن الأدب والإعلام والمساهمات العينية تسير في اتجاه متواز ، مشترك ..
    فيما المفاوضات والنضال الميداني تتبادلان التأثير من حيث الأسبقية والتوقيت والاستخدام ، ولكن تحديد أي منهما هو المسلك المختار فهذا متروك للتطورات العسكرية والسياسية ..
    وللتوضيح نقول :
    الأدب والإعلام والمساهمات العينية ، عملية مستمرة لا تتوقف متى بدأت ويجب أن تستمر لان لها دورا في التوعية والتثقيف وتعزيز المعنويات وشحذ الهمم وإقناع الرأي العام العربي والعالمي بوجهة النظر العربية والفلسطينية خاصة وبخطورة المشروع المعادي وكشف وفضح أساليب تضليله ..وبالتالي هو صراع تسابقي أيهما يصل إلى فكر الآخر ويؤثر فيه ويكسب الآخر إلى صفه ..واضرب مثلا عن الحركة الصهيونية والأدب العبري للتقريب ، فرغم أن الأدب العبري سبق الصهيونية في الظهور والنشأة على يد المفكرين ورواد الحركة الأدبية الصهيونية الأوائل منذ القرن الثامن عشر ، لكننا نجد الصهيونية السياسية ، التي ظهرت رسميا في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل بسويسرا ، استخدمت هذا الأدب كسلاح من أسلحتها قاتلت به على جبهة الفكر والثقافة من اجل الترويج للأفكار والمشاريع العنصرية وحث اليهود من مختلف أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين والدعوة لإقامة الوطن القومي وذلك عبر أغراض الأدب العبري المختلفة من شعر وقصة ورواية ومسرحية ومقالة وفن .. الخ
    أما النضال الميداني أو المعركة أو الحرب فهي آخر وسيلة من وسائل فض المنازعات واللجوء إليها اضطراري عند البعض للدفاع عن قضيته أو مصالحه أو بلده كما حصل في حرب تشرين 1973 ، بالنسبة لسوريا ومصر وكان معهما العراق حاضرا بثقل عسكري كبير ، أو خيار استراتيجي عدواني عند البعض الآخر انطلاقا من منهجه العدواني كالولايات المتحدة وإسرائيل ، ويعتبرها اشد إيلاما للطرف الآخر وربما اقصر الطرق لتحقيق أهدافه المرحلية أو الإستراتيجية أو هكذا هو يأمل ..
    وفي كثير من المواقف قد تحسم الحرب قضية معينة مهمة كما حصل في احتلال العراق أو أنها لا تحسم بل تهيئ الأجواء وتخلق الظروف للمفاوضات أو للحل سياسي وعندها تبدأ المفاوضات استكمالا للصفحة العسكرية وهذا ما اعتقد سيحصل في العدوان على غزة مع التأكيد أن صمود الطرف المعتدى عليه واستعداده للدفاع عن قضيته مهما غلت التضحيات هو الذي سيجبر المعتدي للدخول في مفاوضات كما يريد ويرغب أو ربما كما يتحدد من خلال تدخل أطراف مؤثرة في الساحة السياسية العربية والدولية وقد تستمر المفاوضات مدة طويلة قبل أن يتوصل طرفا النزاع إلى حل مرض للطرفين أو ربما يتجدد النضال الميداني إذا فشلت المفاوضات في تحقيق أي من أهداف الطرفين أو الطرف المعتدى عليه خاصة والذي قدم تضحيات كبيرة من اجل قضيته ولا يرضى بما ستسفر عنه المفاوضات إلا بما ينسجم مع مصالحه أو الحد الأدنى منها وإلا ربما سيضطر إلى تجديد نضاله الميداني ويواصل الصراع جنبا إلى جنب مع الوسائل الأخرى كالأدب والدعاية والإعلام والتبرعات والتحرك الدبلوماسي حتى تحقيق أهدافه ..
    باختصار أخي هشام كل الوسائل المتاحة من أدب وإعلام وثقافة وتحرك دبلوماسي أو سياسي هي مفيدة وداعمة للصراع بوجهيه النضالي أو الحربي والمفاوضات أو السياسي ..لأنه كما قلنا الصراع هو صراع حضاري توظب فيه كل الوسائل المتاحة لخدمة الأهداف الإستراتيجية ..
    وكي أعرج على سؤال العزيزة رغد القصاب حول أهمية دور الأدب والفن والثقافة لعلاقته بهذا السؤال أقول نعم لهذه الفروع من الحضارة دور كبير ومهم إذا ما أحسن استخدامها كما ونوعا وفي الزمان والمكان وأخذت طابع الشمولية بحيث تكون ذات تأثير مؤثر لا يقل عن السلاح في أهميته وكم من قضية أو صراع حسم إعلاميا قبل أن يحسم عسكريا أو سياسيا ..


  10. #10
    محاضر باللغة العبرية ، عميد متقاعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    1,068

    العزيزة ملدا .. حياك الله

    جوابا على سؤالك حول الصحافة ادخل في صلب الإجابة مباشرة من دون مقدمات فأقول ان مهمة الصحافة تبقى مهمة أزلية وخالدة وهي البحث عن الحقيقة والكشف عنها واطلاع الرأي العام عليها ، ويتسم العمل الصحفي بالمصداقية والإخلاص والمسؤولية والتفاني والمجازفة والمعاناة وأحيانا التعرض لخطر الموت أو الاعتقال إلى غير ذلك .. هذا بأبسط الكلام عن الصحافة والصحفيين ..
    بمعنى أن الصحافة ذات رسالة إنسانية ثقافية فكرية توجيهية وتربوية ، وهناك الوجه الآخر من العمل الصحفي ذي الأغراض الخاصة والموجه على الضد من الاتجاه الإنساني الخيّر ..وهو أيضا له قواعده وعناصره وأساليبه وتوجهاته ..
    والصحافة نوعان رئيسيان صحافة ورقية وأخرى الكترونية ..كما هناك أنواع أخرى من حيث التوجه والارتباط فهناك الصحافة المستقلة والمحايدة أو المنتمية أو المنحازة أو المأجورة ..
    كما هناك صحافة حرب وتوثيق وسير إلى آخره من أنواع الصحافة وكلها تعمل وفق نفس المبدأ ولا تخرج عنه إلا في الجوانب الفنية والمضمون وأساليب التعبير عنها ..
    وفي ضوء الأحداث والتطورات الحالية السائدة في العالم ومنها منطقتنا العربية نلاحظ وجود تفاوت في مستوى الأداء الصحفي المهني والفني والتوجه والغرض وهذا يرتبط بالنوايا والمهمات والأهداف ..
    الذي أريد قوله هو أن الخلل أو المصداقية أو الإخلاص أو الكفاءة المهنية لا يرتبط بالصحافة كعلم ومهنة بل بالأشخاص أي بالصحفيين ذاتهم ..من هنا يمكن قياس العمل الصحفي ومصداقيته أو استغلاله أو تشويهه بمدى حرص الكادر الصحفي على أداء مهامه وشعوره بالمسؤولية ..
    في أيامنا هذه نجد تفاوتا في المصداقية والإخلاص مع وجود المعاناة التي تطبع مهنة الصحافة بشكل كبير تبعا لتعقيدات منطقة الحدث وخطورتها وتشابك المصالح وتداخل الخنادق .. لكن الذي يمكن الإشارة إليه هو سعة حجم التغطية الصحفية والجهود الكبيرة التي تبذل للحصول على المادة الإعلامية وإيصالها في الوقت المناسب للقارئ والمشاهد والمستمع ، فهذا شيء لا يمكن نكرانه وهو ملموس كما هو حاصل عندنا في العراق وفي غزة والمناطق الســـــاخنة من العالم ..
    خلاصة القول تقييمي لعمل الصحافة الالكترونية مرض بنسبة لا باس بها وكذلك الحال مع الصحافة الورقية ، ولكن بنسبة اقل ، كون الصحافة الالكترونية أكبر تأثيرا وأسرع في الوصول إلى المشاهد أو القارئ أو المستمع وهي تمتد على مساحة واسعة جدا ، رغم التلاعب بالمادة الصحفية من قبل الإعلاميين والصحفيين والتصرف بالمادة تبعها لمزاج أو توجه أو هدف الإعلامي أو الصحفي والجهة التي يمثلها ..
    القاعدة الذهبية والأساسية للمصداقية والإخلاص هو أن يحس الصحفي بأنه مسئول ذاتيا عن عمله ومهنته وان لا رقيب بعد الله إلا الضمير ، فمتى ما أحس هذا الإحساس وطبقه مع تمتعه بالكفاءة المهنية والرغبة وتوفر الوسائل الفنية والمادية الأساسية والمساعدة عندها نصل إلى النجاح والمصداقية والإخلاص وصولا إلى الحقيقة التي ننشدها جميعا مهما كلف الأمر من جهد وتضحيات من اجل هدف سام كبير نحس جميعا بالحاجة إليه في الوقت المناسب كي نكون على علم واطلاع أولا بأول على مجريات الأحداث وتفاصيلها وربما يترتب على هذه السرعة إجراءات محددة إضافية ومتابعات تهم أناسا أو فئات أو جماعات تهمها السرعة والحقيقة في معرفة ما يدور في ساحة الحدث الساخن هي بأمس الحاجة إليه في الوقت المناسب كي يساعدها هذا في اتخاذ خطوة أو قرار أو إجراء يتعدى في حالات معينة عمل الصحافة إلى جوانب ميدانية أخرى ..
    إما إذا وجدنا هناك من فقد هذه العناصر كلا أو جزءا فهذا لا يجعلنا نصاب بالإحباط لان مثل هؤلاء نتوقع وجودهم في كل زمان ومكان وهم قلة لا يقاس الوضع عليها والبركة في النخب الممتازة والغيورة والمخلصة والجادة ..

    أما عن سؤالك الثاني عزيزتي ملدا والخاص باللغة العبرية فأقول :
    نعم نحن بأمس الحاجة إلى تعميم ونشر اللغة العبرية بين أوساط الجيل الجديد من شبابنا ومفكرينا وباحثينا وحتى بعض مسئولينا ، كون هذه اللغة لغة عدو تاريخي يمتلك من القدرات الفكرية والثقافية والعلمية الشيء الكثير فمعرفتها من مصادرها الأصلية وترجمتها يساعدنا على إدراك ما يدور في خلد هذا العدو وفكره ومعرفة نواياه وأسلوب إدارته لشؤونه العسكرية والمدنية وكل جوانب حياته دون تحريف أو تشويه قد يحصل نتيجة الترجمة الخاطئة ناهيك عن حصول تأخير في عملية الترجمة قد لا تكون في صالحنا خاصة في حالات الحرب والأحداث الساخنة والمهمة .. من هنا نجد إسرائيل تهتم كثيرا بتعليم أبنائها ومسئوليها اللغة العربية وتشجع عملية الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة العبرية كي تكون على اطلاع بكل ما يجري عند العرب ومعرفة أسلوب حياتهم وتفكيرهم ونواياهم ومعرفة نقاط القوة والضعف لديهم .. حتى أني وجدت إحصائية تشير إلى أن العرب لا يترجمون كل عام أكثر من خمسة كتب من العبرية إلى العربية بينما إسرائيل تزيد ترجمتها للمصادر العربية إلى العبرية عن 100 كتاب ، وهذا يدل على مدى اهتمامها بهذا الجانب الحيوي ، وأنها بهذه الطريقة تعرف كل شيء عن العرب ، في حين نجد قليل من الباحثين والكتاب العرب وخاصة المتخصصين منهم في الشؤون الإسرائيلية من يعرف اللغة العبرية أو يجيدها وان نسبة كبيرة من معلوماتنا عن إسرائيل مأخوذة مما يترجم عنها في المصادر المختلفة وهذا يشكل قصورا فكريا وثقافيا وحضاريا يجب تجاوزه .. من هنا تبرز أهمية تعلم اللغة العبرية على أوسع نطاق كي نكون على علم تفصيلي بطبيعة الفكر الصهيوني والسلوك الإسرائيلي في كافة مجالات الحياة ومنها المجال العسكري كون الصراع العربي الصهيوني صراع تاريخي ، حضاري ومصيري تكون فيه معرفة العدو معرفة دقيقة وتفصيلية أمرا حيويا بل واجبا دينيا ووطنيا وقوميا وحضاريا .. وفي هذا يقول رســولنا محمد صلى الله عليه وسلم ( من تعلم لغة قوم امن شرهم ) ..
    أما عن مشاريعي في هذا المجال فأود أن أقول لك عزيزتي ملدا بأنه منذ وقت مبكر من حياتي اليت على نفسي للأسباب التي ذكرتها أن أتعلم هذه اللغة وان أتوسع في دراستي لها كثقافة عامة ودراسة علمية وبالفعل قمت خلال أكثر من 30 عاما بترجمة 55 كتابا عن اللغة العبرية في مختلف المجالات بالإضافة إلى تأليفي حوالي 15 كتابا عن إسرائيل تناولت الجوانب السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية والأمنية ليصبح عدد الكتب التي أصدرتها عن إسرائيل حوالي سبعين كتابا عدا الدراسات والبحوث التي نشرتها في مختلف الدوريات العربية والعراقية .. وكنت خلال تلك الفترة وما زلت بفضل الله انشر العديد من المقالات والبحوث والدراسات للتعريف بهذه اللغة ودورها وأهميتها في نشر الثقافة الصهيونية بالإضافة إلى نشر البحوث والدراسات والمقالات عن الأدب العبري بهدف وضع القاريء الكريم في الصورة الحقيقية لهذه اللغة وهذا الأدب وكيف عملت الصهيونية منذ وقت مبكر على نشأة وتطوير هذه اللغة وتوسيع مجالات تدريسها وتعميمها عبر مختلف الوسائل والمؤسسات كي تكون لغة حديثة متطورة صالحة للتعامل مع الحياة العصرية لمرحلة ما بعد تأسيس الكيان الإسرائيلي ، وكيف أنها استغلت الأدب العبري بكافة أغراضه الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية والفن والسينما من اجل الترويج للأفكار والرؤى الصهيونية وحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين وتشويه حقائق التاريخ وإقناع الرأي العام العالمي بخططها ومشاريعها وقد حققت الشيء الكثير في هذا المجال ..
    لهذا أيضا توسعت في فتح الدورات الخاصة بتعليم اللغة العبرية ولكافة المستويات ومراحل التعليم الرسمية والأهلية ..
    وآخر كتاب انتظر صدوره عن الأدب العبري هو قيد الطبع حاليا في دمشق وحسب الكثير مكن الأدباء والمفكرين الذين اطلعوا على مسودته سيكون بعون الله الكتاب الوحيد من نوعه في الوطن العربي والعالم الذي تناول فلسفة الحرب عند اليهود وانعكاساتها في الأدب العبري وقد ضمتنه فصولا عن الأصول الدينية والتاريخية لفلسفة الحرب وتوصيف العلاقة بين الأدب والفلسفة والحرب وكيف يتم تربية الطفل اليهودي وتعليمه مبادئ العنف والحرب وكل هذا طبعا معززا بنصوص عبرية مأخوذة عن التوراة التي كنت قد ترجمتها قبل أكثر من عشرين عاما في العراق واستشهدت بنصوص من التلمود قمت بترجمتها عن الآرامية وفيها إشارات وأدلة واضحة عن تبرير العنف والقتل واستباحة دماء الشعوب على لسان حاخاماتهم وأحبارهم ومفكريهم .. بالإضافة إلى تناولي كيفية تعامل الأدب العبري مع موضوعة الحرب وما هي ابرز أركان أدب الحرب وكل هذا مقرونا بنصوص عبرية اخترها من نتاجات كبار الأدباء والكتاب الإسرائيليين وقمت بترجمتها وتحليلها كي تكون معززة لوجهة النظر البحثية العلمية التي اعتمدتها في مادة الكتاب ..
    وهناك الكثير مما يقال عن هذا الجانب وغيره مما أخبرت به الأستاذة العزيزة ريمة سوف أتحدث عنها خلال زيارتي القادمة لدمشق في بداية شباط القادم إنشاء الله وإذا ما حصل أن التقيت بحضرتك فسوف نكمل المشوار بعون الله ..
    ختاما تقبلي تحياتي وامتناني وآمل أن أكون قد ألقيت ضوءا على ما طرحتيه من أسئلة واعذريني من التقصير والتأخير بسبب ظروف العراق وظروف انشغالي في امتحانات الطلبة في الجامعة والإشراف على بعض رسائلهم البحثية والعلمية ..
    مع تحياتي واعتزازي وأنا الممنون ..

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الموقع /مع المترجم والباحث/عمرو زكريا خليل
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 08-31-2010, 09:33 PM
  2. مبارك مرتين/د. عبد الوهاب الجبوري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-02-2010, 07:51 PM
  3. من الشخصيات العربية البارزة المفكر والباحث والمترجم الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري/
    بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 04-24-2010, 04:15 PM
  4. استشهاد ولد الدكتور /عبد الوهاب الجبوري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 02-23-2010, 11:34 AM
  5. تعزية واجبة للدكتور عبد الوهاب الجبوري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 11-16-2009, 07:58 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •