المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالغفور الخطيب
(2) ابن رشد
أ ـ حياته:
هو محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن رشد، ويكنى أبا الوليد، ويلقب ب (الحفيد) تمييزا له من أبيه وجده اللذين كانا قاضيين وفقيهين مشهورين. وكان جده أبو الوليد محمد فقيها مالكيا، وقاضيا للقضاة في قرطبة، ولا يزال جزء من (فتاويه) محفوظا في مخطوط بالمكتبة الوطنية في باريس. وكان أبوه ـ أي والد صاحبنا ـ قاضيا في قرطبة. كما تولى ابن رشد القضاء في قرطبة بعد أبي محمد بن مغيث.
وُلد (ابن رشد) في مدينة قرطبة، في سنة 520هـ/1126م. ودرس علم الفقه المالكي، ودرس علم الفقه المالكي، والحديث واشتغل على الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، واستظهر كتاب (الموطأ) للإمام مالك عن أبيه.
لا أحد يعلم ـ على وجه الدقة ـ كيف تعلم ابن رشد الفلسفة، وعلى يد من! فقد توفي (ابن باجة) وابن رشد في الثالثة عشر، ولم يتعرف على (ابن طُفيل) إلا وهو ابن 65 سنة، وإن كان ابن طفيل هو من قدمه للسلطان الموحد أبي يعقوب يوسف ابن وخليفة السلطان (عبد المؤمن). وعندما كبر ابن طفيل الذي كان طبيبا للسلطان، أبقاه السلطان وزيرا وعين ابن رشد طبيبا للسلطان، وكان ذلك سنة 578هـ/1182م.
نقمة أبي يوسف يعقوب (المنصور بالله) على ابن رشد
توفي السلطان يوسف عام 580هـ/1184م، فخلفه ابنه (المنصور بالله)، فزاد بتقريب ابن رشد له، فتوجس ابن رشد خيفة من هذا التقريب، وكان موضع لحسد الحاسدين الذين أوقعوا بينه وبين السلطان، الذي نقم عليه وفرض عليه ما يشبه الإقامة الجبرية، وذاع صيت تلك النقمة في عموم بلاد المغرب والأندلس، فكانت النظرة لابن رشد مشوبة بوصفه قد ابتعد عن الدين الحنيف أو أكثر من ذلك. وقد ذهب المؤرخون في تفسير أسباب نقمة السلطان على ابن رشد مذاهب شتى :
1ـ ذكر عبد الواحد المراكشي وابن أبي أصيبعة أن سبب النقمة كان ما ورد في أحد كتب ابن رشد عندما قال: (رأيت الزرافة عند ملك البربر) وهي إشارة الى السلطان (المنصور بالله).
2ـ كما ذكر عبد الواحد المراكشي، أن خصوم ابن رشد أطلعوا السلطان على عبارة كتبها ابن رشد في أحد شروحه يقول فيها أن كوكب الزهرة (أحد الآلهة) وفصلوا العبارة عما قبلها، وأوهموا أن ابن رشد هو قائلها وأنه بذلك مشرك بالله.
3ـ ذكر الأنصاري نقلا عن أبي الحسن الرعيني أنه عندما شاعت في المشرق والأندلس على ألسنة المنجمين أن ريحا عاتية ستهب يوم كذا وكذا كالريح التي أهلكت قوم عاد. فقال ابن رشد الذي كان قاضيا بقرطبة : (والله، وجود قوم عاد ما كان حقا. فكيف سبب هلاكهم! . ولم تؤكد تلك القصة أي مصادر أخرى.
4ـ لكن الأنصاري نفسه، يعتقد (نقلا عن ابن الزبير) أن سبب حملة الفقهاء ومن ورائهم العامة على ابن رشد هو اشتغاله بالفلسفة وعلوم (أرسطو)، واعتبار ذلك منافيا لسلوك القضاة والفقهاء. ولكن ذلك لن يجعل السلطان ينقم عليه وهو (السلطان) أحد المهتمين بتلك العلوم.
5ـ ويخلص الأنصاري في التحري عن أسباب محنة ابن رشد الى القول بأن سبب نقمة السلطان هو أن ابن رشد قد رفع (الكلفة) في تعامله مع السلطان، فأخذ يخاطبه : اسمع يا أخي .. فاختنق السلطان بتلك العبارات التي دفعته لافتعال ما فعل بابن رشد.*1
ب ـ من مؤلفات ابن رشد:
1ـ كتاب (الكليات) في الطب.
2ـ تلخيص تسع مقالات من كتاب الحيوان، تم في أشبيلية عام 556هـ/1169م.
3ـ شرح كتاب البرهان/أشبيلية 1170م
4ـ شرح السماء والعالم/أشبيلية 1171م.
5ـ تلخيص كتاب الخطابة وتلخيص كتاب الشعر وتلخيص ما بعد الطبيعة، ثلاثة كتب في قرطبة عام 1170م
6ـ تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطو عام 1176م
7ـ أقسام من كتابه في (الجرم السماوي) في مراكش عام 1178م
8ـ منهاج الأدلة في الكشف عن عقائد الملة ـ أشبيلية عام 1179م
9ـ تلخيص كتاب الحميات لجالينوس عام 1193م
10ـ مسائل في المنطق ـ كتبها أثناء محنته عام 1195م
11ـ تهافت التهافت وهو رد على كتاب (تهافت الفلاسفة) للغزالي. نشر في القاهرة في سنوات 1303هـ و 1319هـ و 1320هـ. كما نشره في بيروت (موريس بويج) سنة 1930م.
12ـ فصل المقال فيما بين الشريعة والاتصال. نشره لأول مرة في (ميونيخ) m.j.muller سنة 1859م ونشر في الجزائر سنة 1942 مع ترجمة فرنسية
13ـ مقالة في اتصال العقل بالإنسان ـ الأصل العربي موجود في مخطوط الأسكوريال رقم 629.
فلسفته
يعتبر ابن رشد أهم شارح لأرسطو، ويعود له الفضل*2 ـ حسب اعتراف فلاسفة الغرب ـ في إعادة تقديم أرسطو للباحثين، وإن كان هناك أخطاء فيما ورد عنه فالأخطاء مردها الى الترجمات الكثيرة التي كان يقرأها ابن رشد عن أرسطو، وإن كان خطأ فهو يعود لسوء قراءة الآخرين لتلك الترجمات التي كان ينوه لها ابن رشد في كتاباته (عبد الرحمن بدوي في بحثه الذي قدمه لمؤتمر ابن رشد في باريس أواخر عام 1976)
تعريف ابن رشد للفلسفة
إنها ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أي من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات تدل على الصانع لمعرفة صنعتها.
تبرير النظر العقلي بالشرع
يؤكد ابن رشد أن الشرع دعا الى اعتبار الموجودات بالعقل، ودعانا الى معرفتها بالنظر العقلي، كما هو بين في أكثر من آية مثل قوله تعالى : (فاعتبروا يا أولي الأبصار) الحشر 2 وقوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) الأعراف 184.
والاعتبار هو استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه. وهذا هو القياس، أو التفكير بالقياس العقلي. وأتم أنواع النظر هو المسمى بالبرهان، فالشرع قد حث على معرفة الله تعالى وسائر موجوداته بالبرهان. ولهذا كان من الأفضل أو الأمر الضروري لمن أراد أن يعلم الله ـ تبارك وتعالى ـ وسائر الموجودات بالبرهان، أن يتقدم أولا فيعلم أنواع البراهين وشروطها، وبماذا يخالف القياس البرهاني القياس الجدلي والقياس الخطابي والقياس المغالطي.
يتبع ـ ابن رشد
هوامش
*1ـ ممكن الرجوع الى كتاب : المثقفون في الحضارة العربية/ محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد/ محمد عابد الجابري/ مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت/ط1 / 1995/ صفحة 119 وما بعدها للاستزادة.
*2ـ ترجم ميخائيل اسكوت أعمال ابن رشد عام 1230م وترجمها هرمن الألماني وكلاهما عاش في بلاط آل هوهنشتاوفن في صقلية. وفلاسفة أوروبا في القرن الثالث عشر يقرنون ابن رشد بأرسطو ..
أخي الأستاذ الباحث عبد الغفور
سرني ما تصنعه هاهنا من تقريب الفلسفة إلى الجمهور الواسع
وأدعوك إلى قراءة كتابي عن ابن طفيل وعن ابن رشد من أجل الاستئناس بهما فيما تقوم به من مجهود في هذا المجال
الاول عنوانه :
مع ابن طفيل في تجربته الفلسفية الصادر عن دار الثقافة بالدار البيضاء بالمغرب
والثاني عنوانه :
الفقه والفلسفة في الخطاب الرشدي الصادر عن دار المدار الاسلامي ببيروت
وإني لأتمنى لك التوفيق
مع خالص الود
د,إبراهيم بن عبد الله بورشاشن