منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 32
  1. #11
    11
    القاص: أسامة علي/ مصر

    سرطان

    بعنف
    يقهقه الكائن الذي هو في منذ أنأصبح الجسد ألما ، فأفهم أن قرصة تلك الرعشة الغاية في البرودة ، تعني أني وهذاالسيد، أصبحنا من الحميمية بواحد دون جسد آخر... كانت صرخة الألم لفكرة سكينه ممكنهقد تأتي بعد، تجعل من احتمالية العبور من الجحيم للحظة حياة عادية أمرا ضروريا لموتالثواني التي تعبر ببطء دون صمت .
    - في البدء كان الألم
    هكذا وبمنتهى الشفقة، يخبرني الكائن المتمدد، حتى أن لحظة مخاض أمي في ،أتذكرها الآن دون بكاء .

  2. #12
    ـــ مختارات قصصية ـــــــــــ
    12

    القاص: د. أسد محمد/ سوريا

    الذئب وليلى


    قفز من مخبئه، وقف أمامها، لوح بذيله، وترك أذنيه شاخصتين فوق قبة جمجمته مثل عودين يابسين، وعيناه تشعان بصيصا ناريا ، وسأل :


    - إلى أين ذاهبة ؟


    - لزيارة الأسد.


    - الأسد ؟!


    - نعم .


    أحسَّ وكأن ذيله قد سقط عن جسمه، واضطربت حاسة شمه، واهتز فوق قوائمه راجفا، والتوت أذناه مثل قطعة قماش مبلولة ..


    سألته :


    - هل تريد شيئاً ؟


    - بلغيه تحياتي .. أرجوك ، لا تنسي..


  3. #13
    ـــ مختارات قصصيةـــــــــــ
    13

    القاص: إسلام علي/ السعودية

    حكايا المرآة

    تقبع في زاوية منتقاة من أركان المنزل .. هي أكثر من مجرد سطع عاكسلمجريات الأيام .. الإطار المزخرف بالحكايا يقص قصتهما .. شهدتهما منذ اليوم الأول .. يتفقان على موضعها من الآلة .. لمسة إيحاء بمساحة أكبر لعش متصاغر .. هي بفستانالفرحة يكويها الخجل .. يغذيه بالتوتر .. تتأمل المرآة المشهد في إعجاب .. رعشةالشفاة وهي تبحث عن شرف القبلة .. تلتحم النظرات .. يتأمل الأقمار عن كثب وهو ينحنيليشرب .. يغشى البريق أعينهما .. يغوصان في الرضاب المسكر .. يذودان عن لحظات الفرحقبل أن تتختفي .. رأى بطرف عينه المرآة و هي تراقبهما .. أخذ عروسه لغرفة الحلمتاركا الصورة على السطح العاكس تتلاشى تدريجيا.

    ***

    البهجة تشكل أريجها على السطح المصقول .. لكن ما يلبث أن ينجلى تحت وطأةالأيام الأولى .. هو حائر في دوامة من الدوائر .. يخرج من واحدة .. تتلقفه الأخرى .. الفشل يمضغه بأسنانة حادة.. يتذكر محاولاته .. لكن دون جدوى .. يخترقه صوت أطفالمن مدرسة مجاورة .. فشل يفشل فشلا فهو فاشل .. يتشرب المعنى بروح متأزمة .. تستلقىبجانبه .. يدير له ظهره .. يتدثر بصوت عصبي :
    _ سيتحسن الوضع بالتدريج.
    سكب ثلاث ملاعق من العسل في كوب حليب الصباح .. لم يتغير طعمه .. أزاحمرارة الكوب .. يعقد ربطة عنقه أمام المرآة وهو يستعد للذهاب لعمله .. أسبوع مر دونإجابة لسؤال يتردد في ذهنه صداه، وثمة شرخ في المرآة يخترقه بالطول .. يرمقهالمشروخ في الجانب الآخر .. يمسك نهاية ربطة عنقه .. يرفعها كالمشنوق .. يخرج لسانه .. يفكها في عصبية .. يرمقها وهي نائمة تغط في أحلام يدركها تماما .. هنا شهد قيده .. نأى بوجهه .. تنطلق كلمات السباب من لسان لم يتذوق طعم العسل بعد.

    ***

    الوقت صنبور غير محكم الغلق .. تنفرط منه الأيام قطرات اللهفة واليأس .. وحدي أسأتنس بالمرأة التي أمامي علىالسطح .. أنتظره في مرفأي لكنه يرسو بعيدا .. دوما هو غائب .. يغلف همه بالعمل .. يعود في أقصى الليل .. يرتمي على السرير ناسيا أو متناسيا قيده .. ترمقني الساعةمرارا لتعلمني بما آل إليه الوقت .. تسألني أمي ليل نهار .. تصرخ :
    _ كل هذا مسألة وقت ؟!
    تدقني المواقيت بمعاول صدئة .. أمر كل هذا الوقت بتلك السرعة ؟ .. ألمح على البعد الأيام السابقة .. حديثه الهامسعن ما بعد الزواج .. يتضرج وجهي .. أمسى الحنين و غدي مشوش الرؤية .. زوجة لم تقلدبوسام الزوجة بعد .. موجه يتكسر على شواطئي دون أن يغرقني .. الظمأ .. سمعت الساعةتدق الثانية عشرة .. رأيتها على إنعكاس المرآة .. ظهر على سطحها العاكس صورتنا ونحن بثياب الزفاف وجهي المحمر إثر الحظة ووجهه بلا ملامح .. قميص نومي لازال فوقفراشي .. إنسللت داخله .. غبت داخل العطر .. وضعت مكياجا خفيفا .. وعلى فراشي مددتجسدي .. أغمضت عيني .. و شرعت أنتظره .

    ***

    ترددي زجاجمغبش بالقلق والظلمة .. هي مقبلة ترنو مني هالتها تفعل بي ما يفعله الماء الدافئ فيالثلج الأخرس .. الشعر المبلل إثر الاستحمام . الجسد المحاط ببراءة القطن وثمة عطريبوح بسره في الأرجاء .. جلست أمام المرآة تعلمها معنى الجمال وكنت في مرفأ الحلممفعم بأريج البهاء .. أتنفس العزة لآول مرة .. تقبل نحوى .. يدغدغ صوتها أذني :
    _ الظمأ في البستان تفشى.
    أستقي منها الكلمات .. الرواءخاطر يجول في ذهني .. تتراءى لي وهي تتجرد من كل إثم .. تتخلص من ذنوب الأردية .. ملامح الرخام تشرق في إجلال، والروض يتحرى الشوق للقاء الربيع .. يمارسني طقسالاحتواء . يتلصص عطري على تفاصيلها .. يكتشف سر الكحل على حواف المقل القرنفليةوحكايا الأحمر القاني فوق الشفاة .. هي قمر مارس حقا في أن بكون محاقا وكنت سماءتحلم بالضوء الفضي .. تبحث شفتاي عن رحيق الزهرة المستغلقة .. تهمس لها شفتاى بعضالشعر .. تستعذ الزهرة القصيد فتتفتح .. تبتلعني .. مرارة شكي في وجودها تقطعهكلمات تنفي كونها وهما .. تقلدني تاج الزعفران .. تسوقني لمرج العنفوان.. نتوحد .. أخترق مسامها وتتوسد روحي .. من أركاني الأربعة يتجمع النداء .. الضجيج في الكيانالمتأزم يزداد .. أفرغ من تقديم قرباني وبرحابة النهد تستقبل رأسا مثقلة بحلم مشوه ..وعندما اخترق الصباح عيني وجدتها كما هي دققت النظر .. كانت بكامل تبرجها .. فركتعيني .. قمت من ساحة قيدي .. مررت بالمرآة يطالعني حلمي .. ذلك الذي يشبهني يؤديواجبه على الوجه الأكمل وهي تنتفض بين شعابه منتشية .. نظر لي .. ابتسم ساخرا منعجزي .. انتفض غيظي .. أمسكت زجاجة العطر و ألقيتها نحوه .

    ***

    حين أفاقت من عالمها الموازي .. تمطأت في دلال .. فركت عينيها إثر النوم .. نادته فلم يجبها .. غادرت فراشهاتبحث عنه فلم تجده .. فقط أشلاء حلم .. قطرات من دماء .. و قطع متناثرة من مرآةمتكسرة هنا وهناك.

  4. #14
    ـــ مختارات قصصية ـــــــــــ
    14
    القاصة: د. أسماء غريب/ المغرب

    زائراتالفجر

    ما إن بزغت وسطذاك الظلام المخيف أولى خيوط فجر اليوم الآخر حتى سمعت طرقهن على باب غرفتي.
    لم أنتفض من مكاني ولم أصب بأيةدهشة، لأني كنت في انتظارهن.
    أماعن النوم فلم تذق عيناي له طعما طيلة ليلة أمس، بالرغم من تعبي وألمي الشديدين، كنتمحطمة روحا و جسدا.
    جلت ببصريداخل الغرفة، ولم أر سوى فستاني الأبيض وجلباب زوجي الأبيض كذلك، نعم زوجي الذي كانبجانبي كباقي الأشياء الأخرى يغط في نومه العميق، راسما فوق شفتيه ابتسامة نصروفحولة.
    مازال طرقهن مستمرا، نهضتمتثاقلة من سريري، لممت شتات أطرافي وشتات خصلات شعري، ثم حاولت جاهدة أن ألملمشتات عرضي و لكن هيهات، هيهات...لم يبق أمامي سوى أن أفتح لهن الباب.
    سألتهن: ما الذي تردنه في هاتهالساعة من الفجر؟
    كن يزغردنويرقصن وكأنهن مركوبات بعفاريت حمر، وأجبن : نريد سروالك الأبيض ياعروس، أينه،أينه، أين دم عذريتك ؟ هيا أخرجيه لنا كي يحتفل به الآخرون.
    ابتسمت ابتسامة صفراء وعدت في صمتإلى غرفتي ، نظرت إلى سروالي المرمي هناك فوق أحد كراسي الغرفة، وهالني منظر الدماءفوقه، انكمشت كنعجة جريحة ثم جلت بعيني أبحث عنه في أرجاء الغرفة، ولكني رأيته هناكمرميا فوق السجادة بجانب السرير، كان هو أيضا ناصع البياض ولكنه بدون دماء، أخذتهبين يدي وتفحصته بعمق ثم فتحت باب الغرفة من جديد ورميته إلى النساء المهووساتبالخارج وقلت لهن : آسفة إنه سروال زوجي ، إنه بدون دماء، تصورن.. لم أجده بكرا!!!

  5. #15
    ـــ مختارات قصصية ـــــــــــ
    15

    القاص:إسماعيل دراجي/ الجزائر

    عندما يتكلم القصاص

    كان حينها طفلا مدركا،وكان مدلّلا لا يكاد يغادر حجر أبيه أو حضن أمه لأنه صغيرهما، وكبيرهما أيضا،ببساطة لأنه وحيدهما رزقاه على كبر وبعد عناء وطول انتظار، كانت جدته دائما تقولعنه: سيكون من الأولياء، وتذكر أن أحد الدراويش كان يتردد عليهم ويقول لها كلماأعطته شيئا: ستُرزقون ولدًَا، ولذلك فقد أصرت هي تسميته أحمد على اسم ذلك الدرويش،وكانت تصر أيضا على مناداته سيدي أحمد، بل كانت تغضب كثيرا وتحبس نفسها لاتأكل ولاتشرب إذا ناداه أحد والديه أو كلاهما بأحمد فقط ! كل هذا أعطى الولد مكانة خاصةودللا زائد.............
    وكعادتهم في إحدى ليالي الشتاء الباردة لجأ أفراد الأسرة إلى مآويهم،وكانت نار الموقد قد طفقت تخبو شيئا فشيئا وراح البرد يتسلل إلى أجسامهم يلسعهالسعــــًَــــا..
    كانالطفل كفرخِ نعامٍِ قد دسَّ رأسه في صدر أبيه، وأدخل كل كتلته في حضنه، يدفئهوينوِّمه بتلك الحكايات التي كان يسردها عليه كل ليلة ...
    كانت الجدة في حجرتهاتطقطق حبات سبحتها بعد أن صلَّت العشاء الآخرة تدعو الله وتتوسل ـ كما كانت تفعلدائما ـ أن ببيتهم في أمان وأن يحميهم شرّ الأعداء، وأن يحفظ حفيدها ببركة سيديأحمد الدرويش، كما كان يطيب لها دوما أن تدعو ..
    لم يمض هزيع الليل الأول من تلك الليلة الباردة والمظلمةوالتي كان يخترق ظلمتها سَنَا برقٍِ من حين إلى آخر، ويقطع صمتها قصف رعدٍِ ينبئبسنة مباركة بعد سنين شداد؛ سنة سيفرح لها أهل القرية كثيرا ...حين سمع الجميع طرقاعنيفا على الباب، ولم يلبثوا أن سمعوا دفعه قبل أن يهوي هذا الباب الذي لم يكن ليصدشيئا ..وسمعوا صوتاًَ ينــــادي:عبد القهار! عبد القهار! ..
    لم تشعر العجوز حتى وجدتنفسها أمام رجل ملثمٍِ ومن ورائه لفيف من جند الاحتلال خُيِّل لها أنها سمعت هذاالصوت من قبل خصوصا حين قال لها: أين عبد القهار ابنك ؟كانت تود لو تشير على ابنهابالهرب أو الاختفاء لولا أنها وجدته إلى جوارها يتقدم نحوهم وهو يقول:أنا هنا ماذاتريدون ؟ وهنا دخلوا البيت وراحوا يفتشون ويعيثون فيه فسادا، غيروا ترتيبه المتواضعوأفسدوا ديكوره البسيط، يضربون بأعقاب بنادقهم ومقدمات أحذيتهم الحديدية كل مناعترض طريقهم غير آبهين بشيء ..
    هذه الصورة الوحشية هي التي رسخت في ذهن الطفل، تزداد قتامة حين يسترجعصورة ذلك الضابط الفرنسي وهو يدفع بأمه وجدته وهما يحاولان افتكاك أبيه من مخالبه،هي صورة لا تكاد تفارق مخيلته تطارده مثــــــل كابوسٍِ ليلَ نهار وتعكِّر عليهنومه ويقظته.
    مضى أبوه إلىحيث أراد له أعداؤه، وانهارت كل التعاسة على أمه، ولا تزال العجوز تذكر ولدها حتىكانت من الهالكين …أما هو فقد كان يفكر في طريق يسلكه علّه يُفضي به إلى إسعاد أمهوأخذ القصاص لأبيـــــــه ..
    ظل الطفل ينمو والدهر يدرُّ عليه ويلاته، ويمطره برزاياه التي تضيق بهاالأرض على رحابتها، وفقد ذلك الألق المشعّ الذي كان يغذي روحـــــــه.
    كان حين يجلس وحده يذكردائما تلك الكلمات التي كان أبوه يرددها وهو يُساق في أيدي جلاديه فقد سمعه يوصيهيقول : أصلح الباب وأغلقه ولا تدخل غريبا إلى بيتنا واحم عرضك وأرضك وكلمات أخرى لميتبينها جيدا، لكنه فهم عنه ما يقول بقيت هذه الكلمات تعتصر قلبه وتجدد آلامه لكنهاتبعث فيه مددا ينير له الطريق لفهم هذه الكلمات أكثر وزرعها في الواقع عساها تنبتشوكا يدمي أعداءه وأعداء أبيه وأعداء هذه الأرض.
    مــر وقت غير قصير كان يرى فيه أمه تخرج كل صباح خروجامنتظما وكان يسألها عن وجهتها من حين لآخر، لكنها كانت تُوهمه في كل مرة وتخلق لهأعذارا ماكانت مقنعة في نظره خاصة مع اشتداد عوده، وبلوغ أشده، فقد كانت توهمه أنهاتخرج لقضاء بعض الحوائج مرة، وأحيانا تزعم أنها تزور أباه في معتقله وأن الأطفالممنوعون من زيارة السجون كلما طلب منها أن يرافقها..
    شكوك كثيرة راودته حولخروج أمه ومنعه من مرافقته لها ، إضافةًَ إلى حديث الناس الذي كان يسمعه عن أمه،قرر أن يعرف الحقيقة، ويزيل هذه الوساوس من رأسه وفكره ويُلجم أفواه الناس حجرا،
    لأن أمه أشرف من كل شريف. وجاء هذا اليوم وخرجت كعادتها في ذلك الصباح، واقتفى أثرها من دون أن تشعر، ومنيدري لعله يرى أباه في سجنه، أو يعرف حقائق أخرى، فإذا به براها تلج إحدى بيوتأغنياء القرية في سرعة تُنِمُّ عن التخفي والإسرار، وراحت تتجاذبه أوهام وحقائق،وراح يتساءل عن سبب تواجد أمه في هذا المكان هل أبوه موجود هنا؟ ومن يدري لعلهمحتجز هنا ..أم أن ما يقوله الناس عن أمه صحيح ؟لا ..لا ..لا يمكن، أستغفر اللهفأمه أكبر من هذا وأشرف، ثم ماذا ينتظر وهل يقتحم ويدخل حيث أمه ؟! نعم لأدخل وليكنما يكون ..
    راح يتسلل فيبطء حتى إذا كان على مرأى من أمه فيراها وقد غيرت ملابسها وشرعت في تنظيف بعضالغرف.عرف الأمر وليته ما عرف، وفهم أعذار أمه وهي تمانعه من صحبتها. عرف أن أمهتشتغل عند هؤلاء من أجل لقمة العيش لها وله. عاد المسكين أدراجه من دون أن يُشعرهاحتى لا يحرجها...دارت أسئلة كثيرة في خلده.. من يدري فقد تهان أمه ، بل قد تساوم فيشرفها....

    وقبل أنيواصل تفكيره تذكر أن سبب كل ما هم فيه هو ذلك الضابط الفرنسي وذلك الرجل الملثموالذي لاشك أنه من أهل القرية إن لم يكن من أقرباء أبيه المتعاونين مع الاستعمار بلقد يكون هو صاحب هذا البيت الذي قد تُهان فيه أمه.. ومن هنا شعر أن فكرة الثأرلأبيه، ولأمه، وللوطن، ولكل هذه الظروف قد نضجت واكتملت، وأن لحظة القصاص قد آنتوحانت، فأصبح هذا الأمر شغله الشاغل يملأ عليه فكره، وعقله، وقلبه وكل كيانه، ولاتزال تلك الوصية ترنُّ في أذنه ....احْمِ أرضك وعرضك.... لكن هو لا يدري أين يجدعدوه وعدو الوطن ؟؟ لا يهم فصورته لم تغب عنه.وبإمكانه أن يعرفه متى رآه ..
    راح يبحث عنه سرا فيالحانات، وفي الأماكن التي يمكن أن يتواجد فيها... حتى إذا كان أحد الأيام وهو يلجإحدى الثكنات التي سمع أنه يديرها وإذا به أمام ذلك الضابط وجها لوجه. قال في نفشه: إنها فرصتي الوحيدة والأخيرة فأوهمه أنه يبحث عن عمل فهل يساعده على ذلك، والضابطيتصفح جريدة غير مكترث به ولا بمن يترجم له .
    ماذا تنتظر ؟ هي فرصتك ..هيا قبل أن يكشف أمرك، لا تضيعوقتا . قال ذلك في نفسه..وما كادت هذه الأسئلة تجد جوابها عنده حتى وجد نفسه يهجمعلى عدوه بمدية كان قد أحدَّها، ويهم أن يبقر بطنه أو أن يحرق جثته العفنة ..غير أنهوقف شديدا كالجبل صلبا كجذوع نخيل بلاده، وقف كأنه على موعد مع من يكبله ، بل علىموعد مع أبيه في معتقله أو ضمن قوافل شهداء أرضه ..

  6. #16
    ـــ مختارات قصصية ـــــــــــ
    16
    القاصة: آسيا السخيري/ تونس

    تأس ........... سأقطف لك الليلة نجمة لا تأفل


    الحبة الأولى: خرزة منعنقود ضوء لا ينطفئ

    بلا أسماء

    سأظل بدون اسم مهما مضى بيالوقت الممطر بترانيمه، ومهما اخترعت لي من الأسماء المنهمرة الجليلة ذاك أننيالمنذورة للفراغ، أهدي للرياح أسمائي الهاربة، يا حافظ أسرار الجب، الطالع من عبقالأيام المغمسة بالألوان الطافرة من حدقة الليل الواسن...يا سيد الرؤى المرمريةالمنبثقة من خصر العدم تقصصها عند كل مغيب على الذين شيدوا للحلم الآفل معابديستنشقون فيها ضوع الروح عندما تتجلى ... يصير في الحلم العصي للأسود حينها ألوانكفجر مبلل بالحزن يخرج للتو صقيعا من بين أصابع المترنح غيابا عن الخطيئة على صليبهينشد الخلاص من ربقة الخيانة المعانقة للمحبة المشتعلة في العيون الولهى، يملؤهاالحقد المعتق المكلل بالرعب دودا وخفافيش وندما، لا يشفع حين ساعة حساب لا تني عننخر سلام هارب إلى التيه في تخوم السؤال المتمرد على صمت المكان.... لماذا ... لماذا ... لماذا؟... هل ... كيف ... متى .... أين ...؟ سأظل الساكنة في حضن اللغةالبكر تهبني ما فاض فيها من ماء الأسماء السابحة في الدجى تنظر ولادتها الأولى، أناالتي اقتلعت من الضوء عنوة أو شهوة فقط كي تنغرس زهرة من ضحى الروح المثخنة في رحمالعتمة وطين الرحيل إلى أقاصي الأغنية المحلقة...أنا التي أبحث عني حيث لا فرحينهمر... لا أجدني هنا و لا أراني هناك ولا ألمح لي وجها يزهر خلف دربالتبانة...أراك الآن حزينا ولن يجدي أن أقطف لك نجمة تشبه الوردة... ما جدوى النجمةإذا لم يضحك طفل الأيقونة البعيد المتوسد شطر حلمه الهارب من وحش كابوس آخر الليلالمكشر عن ضحكته الرماد، الماد ذراعيه الصخريتين يبغي خنق القهقهة المتحديةللفناء...ضحكتك نغمة ينفخها رجل الكهوف في ناي الأيام الطويلة الموزعة على الحلموعلى أيائل الجدران المحفورة بتهويمة شهرزاد الأولى للطفل الذي سيكبر غدا لا تبغيأن تعرفه أغنية المهد الحزينة على عالم ينهش فيه الذئب فرح ليلى القاصدة غابة الحلمتجلب لأبيها الشيخ وللصغار من إخوتها حبات أفراح صغيييرة لا تنخرها عثة المخابرالمتفجرة ونشوة المؤامرة التي لا تنتصر لغير خراب الديار المزقزقة بين أرجائهاضحكاتنا البعيدة المكتومة ... "أوفا فاينوفا" ...سأقطف لك الليلة رغم كل الحزنسوسنة تعبق كنجمة ... للنجمة رائحة أيضا توزعها ضوءا على المنكسرين المتعالين علىخزي الأيام والشامخين على حزن السنوات العجاف... النجمة أحن علي مني أراها عندماتخلد إلى الصمت تغني أسراري الخائنة لقصيدي...هذه النجمة ستهمس لك الليلة وأنت تشربقهوتك الباردة : "اعتق عصافير الحزن وتعال إلى حضني فالموت ما ادخر قلبا شاسعا يهديإلى النور إذا ما اضمحلت من الكون براكينه الساجرات تغرق في طميها قوافل الذين لميدركوا سبيل الحرف الزلال واللون الذي لا يرتع في قوس قزح تسرقه ريشتك في غفلة عنالضوء المدخر بين أصابعه الممدودة شغفا لألف من الأطياف وأبعد عندما يكون ملك الغيمنائما على صهوة قطرة فرح تأتلق في عيني الطفل الشريد... الموت يغتصب صوت الذي كانيرى معفيا من الاضمحلال غير أن هذا الجسد الكئيب الذي نتعود على رفقته لا يعدو أنيكون دودا يزيد نهم التراب إلى اللحم المتعفن...ما سر هذا الحنين إلى التراب فيأعماقنا يا سارق أسرار الجب... ما سر رائحة التراب المختلط بالدم إذ تطمس كل ماعداها من ألوان...؟ ما هو سر تشبث هذا اللحم المرتجف فينا بماء التراب الذي لا نراهبغير قلوبنا الهاطلة انكسارا للذي يحدث...؟ ما سر عمائنا عن الذي يذهب بعيدا فيالجسد ...؟ هو الآن في طريقه إلى أعالي السماوات أراه واقفا على برزخ الصمت يسترجعبعضا من أنفاسه...أراه يترك وراءه طريقا طويلا لا يمتد إلى نهاية محتشدا بنارالسؤال... في كل خطوة لنا مع الطريق سؤال ولنا مع الأسئلة عذابات لا ترأف ولنا معالطريق حكايا ولنا في شعاب الحكايا البكر التي لا تقبل بأن تكرر نفسها دموع نسقيبها شجرة اللبلاب الحزينة وشجيرات الزعرور البري يفرح لإزهارها أطفال غجر جاؤوا منالمدى القصي كي يهدوا للأرض شمسا من حلم وقمرا... ذاك الذي اعترضك يلف الأرض ذاتصبيحة اخترقت شمسها الغمام أغرقك في القصيدة... ذاك الذي كان خطوه يشرق مثل نجم فيالأزلية رحل ممتدا في الروح كي تبقى أنت طفلا للقصيدة الآبقة...ذاك السائر إلىأنثاه التي أوقدت له من نبض الروح في قلب العتمة شمعة صمغها من ندى رحل...ذاك الذيرحل بعد أن قارع الحياة بالحب ما زالت رائحة صوته الذي أنهكه الزمن تهدي إلىالسنونو في رحلته إلى الربيع لأعشاشه المنتظرة لزغب الفراخ يدفئ القلب المفجوعدائما بوشكان ساعة الغياب ...الموت يأخذ كي يبقى صوتك منارة تسمق وتتعالى على لجالبحر الهادر...عدل أوتار الهارب كي تنبثق ترنيمة الحياة...

  7. #17
    17
    القاص: البربري عبد الإله/ المغرب

    تولى زمن الرصاص...

    كومة من الانفعالات، بعد أن تخلى عنه أصحاب الحال، وقد بلغ من الكبرعتيا فمله أهلهوأبناؤه ...لا تخرج منفمه إلا وسائل القمع التي كان يكبل بها الأيدي، ويسكت بها الأفواه...
    فكم مرة سمعته يقول.....جيبالمينوط عفوا أحضر النقال... أو جيب المسدس عوض جهاز التحكم...
    وحديثه لايخلو من ماضيه الأغبر،عملنا وأوقفنا.. فكرهه الأصحاب، هاهو ذا البقال الذي كان يجلس معه بباب الدكان قدقاطعه الناس بسببه، وعم تجارته الكساد ....فقال له بالحرف ....لا تقعد بباب دكانيفقد أبعدت عني الزبائن ...
    ساءتحالته وبعد أيام علمت أنه فارق الحياة...

  8. #18
    18
    القاص: البشير الأزمي/ المغرب

    تكريـــــــم

    نهضت اليوم مبكراً، على غيرعادتك، بل قل إنك قضيت ليلة بيضاء..لم تر فيها عيناك النوم..غازلك طوال الليل، كلماهممت باللحاق به، ابتعد عنك..ألقيت عن جسدك الغطاء، قدمت رجلك اليمنى تيمناً.. وأنتتستحضر نصيحة المرحوم الذي كان ينصحك بذلك معللاً أن تقديم الرجل اليمنى فألمحمود..استعنت بالعصا الممدودة إلى جانب السرير.. توضأت.. صليت صلاة الصبح..تناولتوجبة الفطور التي هيأتها لك زوجتك ورفيقك رحلتك قبل حين.
    جلست في الغرفة المجاورةوعيناك ترقب عقارب الساعة وهي تلاحق بعضها البعض.. توكلت على الله وخرجت من المنزل،عبرت الزقاق، استقليت الحافلة التي تقلك كالعادة إلى مقر عملك.. صعدت السلم الضيق،و تصاعدَتْ مع كل درجة دقات قلبك المتعب، تحاشيت الاستعانة بمقبض السلم لكثرةالأوساخ المتراكمة عليه...أخرجت منديلاً من جيب سروالك، و مسحت يدك اليسرى، التياستعنت بها لصعود الدرج، من أثر الأدران التي بقيت عالقة بها، أعدت المنديل إلى جيبسروالك..عدلت ربطة العنق التي استعرتها للمناسبة و تقدمت من الباب. وجدته مفتوحاًعلى مصراعيه..لأول مرة تجده مفتوحاً، كنت بالأمس أول الوافدين..
    استقبلوك استقبالاً حاراًيليق بالمناسبة؛ مناسبة تكريمك.. فاليوم آخر عهد لك بالعمل.. زُيِّنَت القاعةالمخصصة للاجتماعات خصيصاً للمناسبة؛ للاحتفاء بك.. أو كما قُلْتَ في نفسك و لنفسكللتخلص منك..لم تعد الإدارة بحاجة لخدماتك، كنت رقماً أُسقط من جدول العملياتالحسابية لِيُعَوَّضَ قريباً برقم آخر.. عانقك الجميع..دعاك المدير العام لتجلس إلىجانبه، هو الذي نهرك من قبل عندما وجدك أمامه و أنت تهم بالدخول للمصعد، مشيراً أنهغير مسموح لأمثالك باستعماله، صعدت يومئذ السلم و أنت تبتلع مرارة الاحتقار.. أشادوا بأخلاقك وانضباطك وتضحياتك.. شدوا على يديك بحرارة، أحسست ببرودتها لأنكتعلم، في عمقك، أنها تحية نفاق اجتماعي.. اقتربت منك النسوان و الفتيات و قبلنك علىخديك، سلمت لهن خديك و أنت تتذكر اشمئزازهن و ابتعادهن منك، كُنَّ كلما دخلتمكاتبهن، فَتَحْنَ النوافذ واستعنَّ بسبابتهن و إبهامهن في محاولة لوضع سد بينأنفهن و الرائحة التي ادعين أنها تصدر من جسمك .. طلب المدير العام من الجميعالتفضل بالجلوس.. ظل هو واقفاُ منتظراَ أن يعم الصمت القاعة.. أخرج ورقة من جيببدلته، وضع نظارات طبية على أرنبة أنفه، جال بنظره حول أرجاء القاعة كأستاذ يتفقدالحضور و الغياب في فصل دراسي لتلاميذ مشاغبين، و أطلق العنان للسانه في كلمة طويلةفهمت أنها تضمنت اسمك و كلاماً شعرياً لم تدرك معناه، و آية قرآنية تشيد بالتضحيةفي العمل و الفراق و الإخلاص و.. و.. و.. وقف الجميع و صفقوا طويلاً و بحرارة،أحسست ببرودتها و أحسست في عمق و قرارة نفسك أنها محاولة نفاق شاخصة..
    قدم لك المدير العام ،نيابة عن الجميع هدية تذكارية مصحف قرآن وساعة جدارية.. غادر الجميع القاعة وتركوكمع جواز المرور إلى عالم النسيان.. سرت ارتعاشة في جسدك وندت حبات عرق باردة منجبينك رسمت أخدوداً على صفحة خدك والتقت بدمعة..
    خرجت إلى الشارع قصدت متجراً لبيع الهدايا عرضت عليهالساعة الجدارية، قبضت الثمن الهزيل الذي اقترحه عليك.. اشتريت به نصف كيلوغراملحماً وخبزاً وبطيخةً.. واتجهت صوب الأفواه التي تنظر في المنزل..

  9. #19
    ـــ مختارات قصصية ـــــــــــ
    19
    القاص: الحاج بونيف/ الجزائر


    جريمـــة..


    كانت الشاهدة الوحيدة على الجرم ..
    لم تستطع تقديم شهادتهاكاملة.. تختنق بالبكاء، تتأثر لهول ما رأت.. قالت:
    ـ جاء مسرعا بسيارته، ثم طخ... ضربه بمقدمة السيارة، ومررالعجلة الأمامية عليه..
    تضع يديهاالصغيرتين على عينيها، وتمسح الدمع الهاتن على وجنتيها الحمراوين..
    تشهق، تلعن أصحاب السيارات الذينيسرعون في الطرقات.. تتحسر على الذي ضاع في لمح البصر..
    ـ أما كان له أن يلتفت يمينا وشمالا قبل العبور؟.. هكذاقلت لها أحاول تهدئتها.
    ـ لقد كانواقفا على الرصيف ثم انطلق فجأة يحاول العبور إلى الجهة الأخرى، فجاءت السيارةمسرعة وصدمته..
    نهض من بينعجلاتها متثاقلا، يجر نفسه جرا، يبدو أن الاصطدام أثر على رأسه، ثم مرور العجلةالأمامية على ظهره أثّر على كامل قواه، فلم يطق التنقل والانسحاب بعيدا .. لذلك آثرالاستلقاء بقرب الرصيف متسربلا بدمائه..
    تمدد على قارعة الطريق، لم يلتفت إليه من ضربه، كل الذي فعله أنه نظر فيالمرآة العاكسة وفر هاربا.. كانت الطريق شبه فارغة لذلك اغتنم فرصة وجوده وحده ففرّمقترفا جريمة وذنبا سيحاسبه الله عنهما ..!!
    ـ ومن تدخّل لإسعافه؟
    ـ لا أحد.. لم يكن بالشارع أحد سواي، وأنا أخاف من رؤية الدم، لذلك وضعتيدي على عيني ودخلت إلى البيت، والصورة المفزعة لذلك المنظر تلاحقني، وتسيطر علىكياني، فيقشعر لها بدني..
    رغمسرعته، إلا أن السيارة استطاعت أن تلقفه بسرعة مذهلة.. لقد خدعته حين خرجت فجأة منالمنعطف المجاور، لم يكن منتبها، لا أدري ما الذي جعله يعبر؟!! لقد كان يقف بجواري،يتأملني بعينيه الواسعتين، ويحرك رأسه حين كنت ألعب بالكويرات ..
    فجأة انطلق، ليس من عادته أن يقطعالطريق بلا سبب.. لا أدري ما الذي أصابه؟
    ـ وأين هو الآن؟!!..
    ـتركته في مكانه مضرجا بدمائه ممدّدا على الرصيف!!!..
    ـ هيا بنا نسرع به إلى الطبيب المختص، عله يستطيع فعل شئلإنقاذه..!!
    خرجنا جميعا منالبيت، وجدناه نائما، يسبح في بركة من دمائه التي لطخت كل جسده الجميل..
    كان قد فارق الحياة..
    ـ لا بد من دفنه، قلت.
    ـ لا بد من معاقبة القاتل، قالت..
    ـ كيف نعرفه ؟
    ـ إن سيارته صغيرة .. ويضعنظارات..
    ـ سنبحث عنه.. لاتقلقي..
    ـ أسرع لتأتينا بالمجرفةقلت لأخيها الذي كان يضحك على سذاجتها..
    ـ بالمجرفة؟؟
    ـ لا بدمن إقامة مأتم له ودفنه كما يليق به، فأنا أحبه..
    رق حالي لها ودموعها تنهمرعلى فقد حبيبها الذي كانت لاتفارقه أبدا.. احتضنتها بين يدي، وفارقت بها المكان..
    وطمأنتها أنني سأحضر لها قطا بشعر أبيض منقط ، وسأعلمه كيفيعبر الطريق، قالت:
    ـ سأربطه ولنأتركه يعبر وحده..
    ـ اتفقنا.. !!

  10. #20
    20
    القاص: الطيب الجوادي/ تونس

    وقائع يوم غير عادي


    قررت أن يكون اليوم الثلاثاء، يوما للتفاؤل في حياتي!!
    أزمعت بيني وبين نفسي أن أفعل كلشيء لأحافظ على تفاؤلي منذ شروق الشمس
    إلى غروبها، وأن أحتفل بهذا الإنجاز، لو تحقق، بعشاء فاخر في مطعم مشهورعلى المتوسط!!
    ***
    على غير عادتي نمت باكرا ليلةالثلاثاء، لأتمكن من الاستيقاظ مع انبلاج أول خيوط الفجر دون أن أشعربأنني مازلت فيحاجة للنوم مما سيشعرني بالضيق، وهو ما حصل فعلا، فقد استفقت نشيطا خفيفا، ولم أشأأن أوقظ زوجتي لتعد لي الإفطار، وتركتها تتمتع بقسط إضافي من النوم، خاصة وأن يومالثلاثاء يوم راحة بالنسبة إليها ،وحسنا فعلت ،لأنني لو أيقظتها لأتهمتني بالأنانيةوالعجز عن فعل أي شيء مفيد ولو كان إحضار قهوة الصباح!!ولكنا دخلنا في خصومة كانتستعكر مزاجي!!

    حين فتحتالثلاجة : لم أجد حليبا ولا زبدة واكتشفت أن الأولاد لم يتركوا لي نصيبي
    من الكيكة التي أحضرتها أمهم مساءالإثنين ، ولكني لم أكترث بالأمر وقررت أن أتناول إفطاري في كافيتيريا الوزارة،
    ولأول مرة منذ سنوات طويلة لمأفتح التلفزيون على قناة الجزيرة وأنا أرتدي ثيابي،
    وحتى عندما اكتشفت أن بنطلون البدلة مكرمش ، وأن الكارفتةالتي هيأتها لي المدام ، لا تلائم لون البدلة، فقد بحثت عن بدلة أخرى جاهزة، دون أنأترك الضيق يتسرب إلى نفسي

    امتطيت سيارتي، وحرصت ألا أفتح المذياع على الإذاعة الوطنية ، وسلكتطريقا
    أخرى كي لا أضطر إلى اصطحابصديقي مختار التازي الذي لا يمل من الشكوى من غلاء الأسعار وانهيار منظومة القيملدى الشباب ، وتدهور الوضع العربي من الماء إلى الماء،وعندما توقفت وراء طابور طويلمن السيارات، فتحت مسجلالسيارة علىأغنية راقصة من أغاني الموجة الجديدة ، متجنبا أغاني فيروز المحزنة!! ولم أشغل نفسيكما كانت عادتي بزامور السيارات ولا بلعنات أصحابها،بل عدت بالذاكرة إلى ذكريات سعيدة انتزعتها في قاعالذاكرة!!
    ولأول مرة منذ أكثر منثلاثين سنة ، رفضت بكل لطف أن أتسلم الجرائد من البائع
    أمام باب الوزارة، فتساءل ببلاهة:- ألم تعد تهمك أخبارالبلد؟ فابتسمت دون أن أرد عليه !!وحين استوقفني عم بكري الفراش ليعلمني أن المصعدمعطل ، وأنه عليأن أستعمل السلالمللوصول إلى مكتبي في الطابق العاشر، لم أغضب ولم ألعن سلسفيل جدود المسؤول عن أعطالالمصعد المتكررة ،بل طلبت من العم بكريأن يفطر معي في الكافيتيريا المقابلة للوزارة "حتى لا يغمى علي فيالسلالم "
    قلت له باسما!!ولكنهرفض ممتنا..
    في الكافيتيريا ،وجدت الزبائن مشدودين للتلفزيون يتابعون خبرا عاجلا على إحدى القنوات ،فطلبت أنتُهيأ لي طاولة في الباحة ،حتى لا يصلني صوت المذيع ولا تعليقات الزبائن،.وحين بدأتفي تناول إفطاري جلس أحدهم على مقعد قريب ،
    فتح جريدة على صفحة الوفيات ، وراح يردد في كل مرة :الله أكبر ،لا يدومإلا وجه الله!!
    تركت إفطاري وقفزتكالملسوع ، صعدت السلالم لا ألوي على شي،وعند الطابق الخامس رن جرس الجوال،فأغلقتهفورا دون أن أكلف نفسي معرفة رقم المتصل،وأنّبت نفسي لأنني ارتكبت هذا الخطأ الفادحبترك الهاتف مفتوحا في يوم مثل هذا!!ولكني كنت سعيدا في أعماقي لأنني تمكنت حتىاللحظة أن أبقى متفائلا !!

    فيالمكتب ، وجدتني أمام أكثر من ملف شائك ، ولكنني تعاملت مع كل الإشكاليات بروحإيجابية ، حتى أنني لم أتضايق لما تفطنت أن المدير العام قد زور بعض الفواتير يأنضمنها أرقاما خيالية لمبالغ مالية استخدمها لأغراض شخصية وادعى أنه صرفها للصالحالعام ،واكتفيت بوضعها جانبا ليوم عادي من أيام حياتي!!

    أزفت الساعة السادسة، موعدانصراف الموظفين :فغمرني فرح طفولي جارف،
    وصرخت أعماقي: ساعة واحدة تبقت على غروب الشمس، وإذا استطعت أن أصل إلىمنزلي دون تشنج سأكسب الرهان!!
    وذلك ما كان : سلكت طريقا متعرجة توصلني إلى بيتي دون أن يضايقني الزحام !!
    متجنبا تشغيل راديو السيارة ،أو الإنشغال بأي أفكار سوداوية طارئة ، وكم أسعدني أن اتبين عند وصولي أمام بوابةالمنزل ، أن الشمس قد توارت لتوها وراء جبال "النحلي"القريبة ، وبدأت العتمة تحتضنالمدينة بلطف!!
    -لقد كسبت الرهان !!صرخت روحي بنشوة !! لقد انتزعت من الحياة يوما كاملا
    من السعادة الخالصة!! وهذا يكفيني!!

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مستقبل الترجمة في الوطن العربي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-10-2015, 10:23 AM
  2. شعر الأطفال في الوطن العربي
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى دراسات في أدب الأطفال
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-22-2014, 04:43 AM
  3. وراثة الحكم فى الوطن العربى
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-11-2011, 08:02 AM
  4. المجلات التاريخية في الوطن العربي
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-14-2008, 07:42 PM
  5. ثقافة النكد في الوطن العربي
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى استراحة الفرسان
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-20-2007, 07:47 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •