منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 18 من 18

العرض المتطور

  1. #1
    تابع/ ابن رشد

    الاعتراف بالنتائج العارضة

    يقرر ابن رشد أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع، إذا كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا عليه الشرع ليوصل الى معرفة الله. فإن اعترض معترض على ذلك بأن بعض الناس زل وغوى من اطلاعه على كتب القدماء في الفلسفة، فليس هذا بحجة وإنما ذلك حدث " إما من قبل نقص فطرته، وإما من قبل سوء ترتيب نظره فيها، أو من قبل غلبة شهواته عليه، أو أنه لم يجد معلما يرشده الى فهم ما فيها، أو من قبل اجتماع هذه الأسباب فيه"

    يتهكم ابن رشد في شرحه حال من يعترض بحجة أن قوما من الأرذال ضلوا من خلال نظرهم في مثل تلك المسائل. ويشبه تلك الحالة بالنهي عن شرب الماء البارد العذب، لأن أحدا شرق ماء باردا فمات.

    ويسترسل في استنكاره من ينهى عن التعامل مع الفلسفة، بأن الفلسفة ليست وحدها التي يحدث لها مثل هذا الاستنكار، بل حتى الفقه والفقهاء قد تعرضوا لمثل تلك الحملات من الاستنكار.

    طرق التصديق متفاوتة

    فإن قيل : وما الداعي الى طريق الفلسفة، ما دام يغنينا طريق الشرع؟
    فالجواب: " إن طباع الناس متفاضلة في التصديق: فمنهم من يصدق بالبرهان، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان، إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك، ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية، كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية"

    فإن قيل أن هذه الطرق قد لا تؤدي الى نفس الرأي، كان الجواب: أن "الحق لا يضاد الحق" بل يوافقه ويشهد له. فإن وقع تعارض بين ما أدى إليه النظر البرهاني العقلي، وبين ما نطقت به الشريعة، قلنا أن الأمر لا يخلو عن خصلتين:

    1ـ فإما أن يكون الشرع قد سكت عنه، وإذن فلا تعارض هناك.
    2ـ وإما أن يكون ظاهر ما نطق به الشرع مخالفا لما أدى إليه النظر البرهاني العقلي. وفي هذه الحالة علينا أن نؤول ما ورد به ظاهر الشرع " ومعنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية الى الدلالة المجازية، من غير أن يخل في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز، من تسمية الشيء بشبيهه، أو بسببه، أو لاحقه، أو مقارنه، أو غير ذلك من الأشياء التي تحددت في تعريف أصناف الكلام المجازي.

    لا تكفير في الإجماع

    فإن اعترض معترض بأنه لا يجوز التأويل في ما أجمع عليه المسلمون، رد ابن رشد بقوله أنه لا يوجد إجماع يقيني لا في الأمور العملية ـ ولا ـ وبالأحرى ـ في الأمور النظرية. وأبو حامد الغزالي نفسه وأبو المعالي عبد الملك الجويني (إمام الحرمين) لم يقطعا بكفر من خرق الإجماع في التأويل.

    فإن رد عليه بأن الغزالي قد قطع بتكفير أبي نصر الفارابي وابن سينا وفلاسفة الإسلام في كتابه (التهافت) في ثلاث مسائل: (1) في القول بقدم العالم، (2) وبأنه تعالى لا يعلم الجزئيات، (3) وفي تأويل ما جاء في حشر الأجساد وأحوال المعاد. أجاب ابن رشد: " الظاهر من قوله في ذلك أنه ليس تكفيره إياها في ذلك قطعا، إذ صرح في كتاب (التفرقة) أن التكفير بخرق الإجماع فيه احتمال.

    حق الراسخين في العلم : في التأويل

    يقف ابن رشد عند الآية المشهورة (والراسخون في العلم) آل عمران7، فيقول: إذا لم يكن أهل العلم يعلمون التأويل، لم تكن عندهم مزية تصديق توجب لهم من الإيمان به ما لا يوجد عند غير أهل العلم. وقد وصفهم الله بأنهم المؤمنون به، وهذا إنما يحمل على الإيمان الذي يكون من قبل البرهان، وهذا لا يكون إلا مع العلم بالتأويل فإن غير أهل العلم من المؤمنين هم أهل الإيمان به لا من قبل البرهان.

    براهين وجود الله

    يرجع ابن رشد في إثبات وجود الله بالبراهين الى اثنين: برهان مأخوذ من العناية الإلهية بالعالم وبرهان مأخوذ من الخلق. وهو يفضل البرهان بالحركة، وينقد سائر البراهين، فيقول : بعلوم الطبيعة، إن كل شيء متحرك لا بد له من محرك، فإن كان المحرك يتحرك تارة ويتوقف تارة، فنستعين بمحرك آخر، ولكن يبقى باستمرار المحرك أو القوة الأكبر والأقدم.

    ابن رشد والسياسة

    كان المهتمون يظنون ـ خطأ ـ أن هناك كتاب اسمه الجمهورية لابن رشد، يشرح وينقد فيه جمهورية أفلاطون، ولكن ـ مع الأسف ـ لقد كان الكتاب اسمه (السياسة) وهو يتناول فيه ما قرأ عن فلاسفة اليونان والرومان عن السياسة ونقدها كما اعتمد على كتب الفارابي الذي يلخص فيه (جالينوس)، وهذا الكتاب كان في مكتبة (الإسكوريال) حتى عام 1671 حينما احترقت، وكان المهتمون قد نقلوا الفهارس خطأ عندما نسبوا ذلك الكتاب لأفلاطون وأطلقوا عليه اسم (الجمهورية) في حين هو لابن رشد واسمه (السياسة) وهو لا يقيم فيه وزنا لآراء أفلاطون.

    هامش
    من موسوعة الفلسفة/ الجزء الأول/ عبد الرحمن بدوي/المؤسسة العربية للدراسات والنشر./ الطبعة الأولى 1984/ الصفحات 19ـ 39 تم اختصار الموضوع وصياغته بالشكل الذي قدمناه.

  2. #2
    ابن سينا

    حياته:

    يتحدث ابن سينا عن حياته بنفسه، فيقول ولدت في شهر أيلول/سبتمبر 980م، لأب كان أحد عمال الأمير نوح بن منصور الساماني في مدينة (بلخ) ومن أسمها ستارة (نجمة بالفارسية) . وتعلم القرآن والكثير من الأدب وهو في سن العاشرة.

    كان أبوه (إسماعيليا ـ مصريا [ أي من اتبعوا تلك الدعوة التي انطلقت من مصر]) وقد سمع أبوه ذكر العقل والنفس من الإسماعيليين وكذلك ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند، فانتبه ابن سينا لذلك وانجذبت نفسه نحو تلك العلوم.

    يقول: جاء أبو عبد الله الناتلي وكان يدعى (المتفلسف) الى بخارى، فأسكنه والدي في دارنا، فتتلمذت على يديه بكتاب (إيساغوجي) فانبهر وحذر والدي من أن أتجه لغير العلم، وقد بدا له أنني متفوقا عليه في فهم ما يقرأ علي.

    ويضيف، أخذت على عاتقي قراءة ما يقع تحت يدي من كتب الفلسفة والطب والهندسة، فقرأت وفهمت إقليدس، وصرت أكتب شرح النصوص التي أقرأها، فغادرنا الناتلي وأنا في سن السادسة عشر، ويأتيني كبار الأطباء يتتلمذون عندي، وكنت مقسما جهدي بين الفلسفة والطب، ثم اتجهت بعد السادسة عشر من عمري الى دراسة المنطق والفلسفة، فلم أنم ليلة واحدة بطولها ولم أشتغل في النهار إلا في هذا المجال لمدة سنة ونصف.

    يقول صعب علي فهم مسألة (ما بعد الطبيعة) .. وذات يوم سمعت في سوق الوراقين أحدهم ينادي ليبيع مجلدا بثلاثة دراهم ويرجو من ابن سينا أن يشتريه وكان كتاب (في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة) لأبي نصر (الفارابي)، فحفظته عن ظهر قلب وفرحت بذلك فتصدقت ثاني يوم بمال كثير على الفقراء لأني فهمت ما بالكتاب.

    وكان سلطان بخارى (نوح بن منصور) قد أصيب بمرض حير الأطباء، فذكروني أمامه فاستدعاني فداويته، وطلبت منه أن يأذن لي بدخول دار الكتب، وكانت ذات بيوت كثيرة ومجالات متعددة بالفقه والأدب والشعر وعلوم شتى، فوجدت فيها ما لم أجده من قبل ولا بعد، فانهمكت بقراءة ما يعنيني حتى أنجزته وكان عمري 18 سنة، ففرغت من العلوم كلها.

    مات والدي، فانتقلت من بخارى الى (كركانج) وكان بها وزير محب للعلوم اسمه (أبو الحسين السهلي) فقدمني الى أميرها (علي بن المأمون) ثم انتقلت الى (نسا) و (طوس) و (شقان) و (سمنقان) .. ثم الى همذان حيث صرت وزيرا فيها بعد أن عالجت أميرها، وألفت فيها كتاب الشفاء.

    وقعت الحرب بين أمراء تلك المناطق (الري وكان أميرها أبي سهل الحمدوني) للسلطان محمود الغزنوي، وبين (علاء الدولة أمير أصفهان) فنهب أبو سهل الحمدوني مع جماعة من الأكراد أمتعة (ابن سينا) وما فيها من كتب.

    وفاته

    توفي ابن سينا من إثر إصابته المتكررة بداء (القولنج) وذلك لإفراطه بتناول الشراب وكثرة الجماع. عن عمر 53 سنة في أصفهان.

    مؤلفاته

    1ـ "الشفاء" في أربعة أقسام: المنطق، الرياضي، الطبيعي، الإلهيات.
    2ـ " النجاة" : طبع في القاهرة سنة 1913

    3ـ الإشارات والتنبيهات: (نشرة فورجيه في ليدن 1892)

    4ـ الإنصاف : كتاب تم نشره في القاهرة عام 1947

    5ـ منطق المشرقيين : طبع في القاهرة سنة 1910

    6ـ الرسالة الأضحوية في أمر معاد : طبع في القاهرة 1949

    7ـ عيون الحكمة: طبع في القاهرة 1954

    8ـ رسالة في ماهية العشق : نشرها ميرن 1889 ثم أحمد آتش في استانبول 1953

    9ـ أسباب حدوث الحروف : نشرها الأستاذ خانلري في طهران 1333هـ

    10ـ مجموعة من الرسائل منها رسالة حي بن يقظان التي نشرها ميرن 1889 ورسالة الطير وغيرها

    11ـ كتاب المباحثات : نشر في القاهرة تحت اسم (أرسطو عند العرب)1947

    12ـ كتاب القانون في الطب : طبع أولا في روما سنة 1593م ثم في القاهرة بمطبعة بولاق سنة 1877م

    فلسفته

    بداية، قد يتوقف بعض المختصين بالفلسفة من أساتذة وطلاب علم على مثل تلك المساهمات وينظرون لها نظرة استصغار لعدم اكتمالها الشروط الملائمة لنمطية طرقهم بالبحث والكتابة. وهو أمر لا نستغربه نحن معشر المثقفين غير المختصين، ونتوقعه في كل لحظة. ولكننا نتعامل مع هذا النوع من المعرفة، كنشاط ثقافي لما لهذا النوع من العلوم الأثر الكبير في تغلغله في نفوس مفكري الأمة خلال القرون الطويلة، وحتى لا يقف المثقف حيرانا على العوامل الدافعة لأحد المفكرين العرب المعاصرين أو السابقين، لا بد من التعرف ولو بيسر على منابع المعرفة المؤثرة في الناحية الإبستيمولوجية لهؤلاء المفكرين.

    المنطق عند ابن سينا

    تناول ابن سينا علم المنطق في معظم كتبه الأساسية: في (الشفاء) على أوسع نطاق واستقصاء عُرف في العالم الإسلامي. كذلك تناوله في (الإشارات والتنبيهات) وفي (منطق الشرقيين) الذي هو من بقايا كتاب (الإنصاف) وفي (النجاة). ولكن يبقى السؤال : هل أتى ابن سينا بجديد على ما جاء به (أرسطو)؟ فيكون الجواب : كلا، لكنه يعتبر من أفضل الشارحين لأرسطو.

    الحكمة وأقسامها

    يقول ابن سينا في كتاب (عيون الحكمة): الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة البشرية. والحكمة، إما نظرية أو عملية، وكل واحدة تنحصر في ثلاثة أقسام: حكمة مدنية وحكمة منزلية وحكمة خلقية.


    والحكمة المدنية فائدتها أن تعلم كيفية المشاركة التي تقع فيها بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان. أما المنزلية فائدتها أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل المنزل الواحد لتنظيم مصلحة المنزل، الزوج وزوجته، الوالد والمولود، المالك والعبد. أما الحكمة الخلقية ففائدتها تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو بها النفس وتعلم الرذائل وكيفية توقيها لتتطهر عنها النفس.

    العلم الإلهي ـ الموجود

    يعرف ابن سينا العلم الإلهي بأنه بحث في الوجود المطلق وأحواله ولواحقه ومبادئه فيقول: (الفلسفة الأولى موضوعها الموجود بما هو موجود، ومطلوبها: الأعراض الذاتية للموجود ـ مثل الوحدة والكثرة والعلية وغير ذلك).

    الموجود محسوس ومعقول

    ينبه ابن سينا الى (ما قد يغلب على أوهام الناس (من) أن الموجود هو المحسوس، وأن ما لا يناله الحس بجوهره، ففرض وجوده محال، وأن ما لا يتخصص بمكان أو وضع بذاته كالجسم، أو بسبب ما هو فيه كأحوال الجسم، فلا حظ له من الوجود).

    ويرد ابن سينا على هذا الوهم الشائع، بأن الناس يتفقون على وجود المعنى الكلي، وهو المشترك بين الكثيرين مثل (إنسان) في وقوعه على زيد وعمرو بمعنى واحد. وإذن فإن البحث في المحسوسات نفسها يفضي الى الاعتراف بوجود غير محسوس هو المعاني الكلية التي تشترك فيها أنواع المحسوسات.

    العلية

    والشيء ينال وجوده بعلة. ومعلوليته إما باعتبار ماهيته وحقيقته أو باعتبار وجوده. فالمثلث حقيقته متعلقة بالسطح والأضلاع وهما علتاه المادية والصورية.

    وأن العالم سلسلة مرتبة من علل ومعلولات وأن هذه السلسلة تنتهي بالضرورة الى علة أولى لا علة لها.

    يتبع (لابن سينا)

  3. #3
    تابع ابن سينا

    العناية الإلهية

    يعرف ابن سينا العناية بأنها: (إحاطة علم الأول بالكل، وبالواجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون على أحسن النظام.. فعلم الأول بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل منبع لفيضان الخير في الكل)

    لكن كيف نقول بوجود عناية، والشر واضح للعيان في الوجود؟ يرد ابن سينا على هذا قائلا: إن الشر على وجوه:
    1ـ فيقال (شر) : للنقص الذي هو مثل الجهل، والضعف، والتشويه في الخلقة.
    2ـ ويقال شر لما هو مثل الألم والغم الذي يكون هناك إدراكا ما بسبب، لا (بسبب) فقد شيء فقط: فإن السبب المنافي للخير، المانع للخير والموجب لعدمه ربما كان لا يدركه المضرور كالسحاب إذا ظلل فمنع شروق الشمس عن المحتاج الى أن يستكمل بالشمس.

    كذلك الشر يطلق على وجوه أخرى:
    1ـ فيقال شر للأفعال المذمومة.
    2ـ ويقال شر لمبادئها من حيث الأخلاق.
    3ـ ويقال شر للآلام والغموم وما يشبهها.
    4ـ ويقال شر لنقصان كل شيء عن كماله وفقدانه ما من شأنه أن يكون له.

    والشر في الأفعال انما هو : بالقياس الى من يفقد كماله بوصول ذلك إليه، مثل الظلم، أو بالقياس الى ما يفقد من كمال يجب في السياسة المدنية، كالزنا.

    والشر بالنسبة الى الأخلاق إنما هو شر بالقياس الى السبب الفاعل له أو بالقياس الى قابله، أو بالقياس الى فاعل آخر يمنع عن فعله. فالظلم مثلا يصدر عن قوة طلابة للغلبة والسيطرة، هي القوة الغضبية وكمالها هو التغلب.

    الطبيعيات

    1ـ الزمان

    الزمان هو شيء غير مقداره، وغير مكانه. وهو أمر به يكون (القبل) الذي لا يكون معه (البَعْد). فهذه القبلية له ذاته وكذلك البعدية. وهي مسائل متعلقة بالحركة في المتقدم والمتأخر. وابن سينا لا يتصور الزمان إلا مع الحركة. ومتى لم يحس بالحركة، لم يحس بالزمان، مثلما قيل في قصة أصحاب الكهف.

    والدهر هو المحيط بالزمان وهو (نسبة ما مع الزمان وليس في الزمان الى الزمان من جهة ما مع الزمان) ونسبة ما ليس في الزمان الى ما ليس في الزمان من جهة ما ليس في الزمان: الأولى به أن يسمى السرمد. والدهر في ذاته من السرمد. وبالقياس الى الزمان دهر الحركة علة حصول الزمان.

    2ـ المكان

    يطلق المكان بمعنيين :
    أ ـ إذ يقال: مكان لشيء يكون فيه الجسم فيكون محيطا به.
    ب ـ ويقال: مكان لشيء يعتمد عليه الجسم فيستقر عليه.

    3ـ النفس

    أنواع النفس

    النفس كجنس تنقسم الى ثلاثة أنواع نباتية وحيوانية وإنسانية. والنباتية لها ثلاث قوى: غاذية ومنمية ومولدة. والحيوانية لها قوتان: محركة (باعثة وفاعلة) والباعثة لها شعبتان: شهوانية تبعث على تحريك يقرب من الأشياء المتخيلة ضرورية أو نافعة طلبا للذة. والشعبة الأخرى (غضبية) تبعث على تحريك يدفع به الشيء المتخيل ضارا أو مفسدا طلبا للغلبة.

    النفس الناطقة

    وهي خاصة بالإنسان وحده دون سائر الحيوان. وتنقسم قواها الى: عالمة، وعاملة و نظرية وعملية. والنفس ذات واحدة رغم أن لها قوى كثيرة، والنفس توجد مع البدن، لكن حدوثها ليس عن جسم، بل عن جوهر هو صورة غير جسمية. والنفس لا تموت بموت البدن ولا تقبل الفساد.

    العشق والمعشوق

    الأول هو أجل مبتهج، لأنه مبتهج بذاته، وهو أشد الأشياء إدراكا لأشد الأشياء كمالا. والعشق الحقيقي هو الابتهاج بتصور حضرة ذات ما. والشوق هو حركة الى تتميم هذا الابتهاج حين تكون الصورة المعشوقة حاضرة من وجه، غائبة من وجه آخر. فهو نقص لا يليق بالكمال الحقيقي الذي هو كمال الأول.

    مقامات العارفين

    يتكلم ابن سينا عن أحوال أهل الكمال من النوع الإنساني، وهو يسميهم (العارفين). ولهم عنده مقامات ودرجات يُخَصَوْن بها وهم في حياتهم الدنيا، دون غيرهم، فكأنهم وهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها وتجردوا عنها الى عالم القدس.

    ويميز ابن سينا بين العارف والزاهد والعابد، فالزاهد هو المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها. والعابد هو المواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما. أما العارف فهو المنصرف بفكره الى قدس الجبروت، مستديما لشروق نور الحق في سره.

    خلاصة

    إن مذهب ابن سينا في الفلسفة يُعَد أوسع نتاج في الفكر الفلسفي في الإسلام. وقد حاول فيه المزج بين فلسفة أرسطو وفلسفة أفلاطون. وقد جدد في تلك الفلسفات ووسمها بسمة شرقية حتى أصبح أكثر الفلاسفة تأثيرا في العالم بين القرن الخامس الى القرن الحادي عشر الهجريين.

  4. #4
    ابن طُفيل

    هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن احمد بن طُفيل القيسي، يرجع الى أصل عربي خالص، الى قيس بن عيلان بن مُضر من العرب المستعربة الشمالية ويُنسب أيضا فيقال الأندلسي والقرطبي والأشبيلي وأحيانا قليلة كان ينادى بأبي جعفر.

    ولادته

    ولد ابن طفيل في وادي (آش) وتسمى اليوم (Guadix) على مسافة 57كم في الشمال الشرقي من (قرطبة) ويعتقد أنه ولد في السنوات العشر الأولى من القرن الثاني عشر الميلادي، أي بين 495و 505هجرية. وتوفي سنة 581هـ/ 1185م. في مدينة مراكش ودفن فيها.

    شيوخه واهتماماته

    المصدر الأهم للمعلومات عن ابن طفيل، هو (عبد الواحد المراكشي) في كتابه (المعجب في تلخيص أخبار المغرب). فيذكر فيه أن ابن طفيل قد تتلمذ على يد (ابن باجة)، إلا أن ابن طفيل نفسه ينكر ذلك من خلال ما فهمه المتخصصون في قراءة (حي بن يقظان) إذ ينتقده.

    اهتم ابن طفيل بعلوم شتى، فهناك من تناوله كطبيب وهناك من تناوله كفقيه وهناك من اعتبره كاتبا هاما في الدولة، وهناك من تناوله كعالم فلك، وقد يكون كل هؤلاء محقين في نظراتهم نحو الرجل فقد كانت كتاباته في مختلف المجالات تدلل على درايته فيما يكتب، فكان ينتقد فلاسفة المشرق (ابن سينا والغزالي والفارابي) ولم يستثني حتى أرسطو. وكان طبيبا بارعا. وقيل أنه كان يحفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب. وذكر (ابن خلكان) عنه أنه كان يجالس (أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي) سلطان الموحدين في بلاد المغرب والأندلس المشهور بسعة علمه، فهو العارف بأخبار العرب وأحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام وكان يحفظ القرآن الكريم ويجمع بين الحكمة والفقه والفطنة، فكان ابن طفيل أكثر من يلازمه في خلواته.

    مؤلفات ابن طفيل

    كان ابن طفيل شاعرا شعره متوسط الجودة، وقد روى ابنه (يحيى) أشعاره فأوردها (المراكشي في كتابه المعجب ) وله مؤلفات في الطب، حيث ذكر لسان الدين ابن الخطيب أن له مؤلفان في الطب منها (أرجوزة في الطب). وله مؤلفات في الفلك حيث شرح كتاب (الآثار العلوية) لأرسطو، ولم يكن راضيا عن نظام بطليموس في الفلك فاقترح نظاما جديدا.

    فلسفته

    أفضل ما يبين فلسفة ابن طفيل هو كتابه الذي يأخذ شكل قصة فلسفية عميقة والمعروف باسم (حي بن يقظان) يقصها وكأنه لا دخل له في تسيير أحداث القصة، لكنه من خلال سرد بداياتها الى التساؤلات التي يتساءل بها أبطال القصة يفرز فلسفته كاملة، ويبين رأيه بأسلوب لم يسبقه عليه أحد.

    تلخيص قصة حي بن يقظان

    يتخيل ابن طفيل أن أحدا سأله عن أسرار الحكمة المشرقية كما يراها (ابن سينا) فيحكي له قصة (حي بن يقظان)، ويذكر احتمالين لنشأة حي بن يقظان، فيقول بالاحتمال الأول أنه خُلق من الطين مباشرة، والاحتمال الثاني (وهو الذي سنلخص ما قاله بشأنه تاركين الاحتمال الأول)
    يقول أنه في جزيرة صغيرة من جزائر الهند، مجاورة لجزيرة كبيرة مأهولة يملكها رجل من أصحاب الأنفة والغيرة، كانت له أخت ذات جمال وحسن باهر، فمنعها الأزواج لأنه لم يجد لها كفؤا. وكان لها قريب اسمه (يقظان) فتزوجها سرا ثم أنها حملت منه ووضعت طفلا. فلما خافت أن يفتضح أمرها وضعته في تابوت وخرجت به الى الساحل وقذفته بالبحر، فدفعته الأمواج الى الجزيرة الصغيرة.

    لما جاع الطفل، بكى واستغاث، فسمعته ظبية فقدت وليدها، فأخذته وألقمته حلمتها وأروته لبنا سائغا. وما زالت تتعهده وتدفع عنه الأذى، وعندما ظهرت أسنانه كانت تحمله الى الأشجار ليلتقط من ثمارها الساقطة ما يسد جوعه.

    كان الطفل يحاكي صوت الظبية ثم أخذ يحاكي أصوات الطير والحيوانات حتى ألفته كل الحيوانات. غير أنه رأى أن جميع الحيوانات مكسو بالوبر أو الشعر أو الريش، ومنها ما له قرون أو أنياب قوي البطش، فتأمل بذلك وكان عمره قرابة سبع أعوام. فنازعته أفكار ليغطي نفسه بالريش أو يجعل لنفسه ذيلا أو قرونا. وصادف أنه وجد نسرا ميتا، فأخذ جناحيه وعلقهما على ذراعيه وثبت ذيله، فاكتسب هيبة في الغابة وما زالت أمه (الظبية) ترافقه حتى أعوامه السبعة.

    هزلت أمه وماتت، فسكنت كل حركاتها، فلما رآها جزع جزعا شديدا، فناداها ولم تجبه، وحاول استطلاع سبب ما جرى لها فلم يهتد. فظل يفتش في كل أعضائها الى أن اهتدى أخيرا الى عضو في الجانب الأيسر من الصدر وهو (القلب). فظل يقلبه ويفحصه فلم يعثر على آفة. فاعتقد أن الساكن في هذا البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه بحاله. فتبين له أن الجسد كله خسيس لا قدر له بالإضافة الى ذلك الشيء الذي سكنه ثم ارتحل. هنالك فكر: ما هو ذلك الراحل؟ وماذا ربطه بالجسد؟ وما السبب الذي أزعجه إن كان خرج كارها؟

    ويتسلسل ابن طُفيل بالتساؤلات التي ينسبها لبطل قصته (حي بن يقظان) فيسأل عن النار (بعد مشاهدتها) ويتساءل هل هي الشيء الذي كان يسكن في جوف أمه؟ ثم يتساءل عن أمر النجوم والكواكب ،ثم ينتقل الى سؤال أكثر خطورة، إذ أن وراء كل تلك الظواهر هناك فاعل لا نراه هو من يحركها ويبث فيها الحياة.

    ثم يبتكر ابن طفيل نمطا جديدا من الحبكة القصصية، فيدخل (ملة) أصلها من ملل (الأنبياء) تدخل الجزيرة التي بها (حي بن يقظان) .. فيختار (بطلين) آخرين أحدهما اسمه (أبسال) والثاني (سلامان).. فأعطى لأبسال دورا يمثل العابد المؤمن (القارئ المصلي) ويجعل حي بن يقظان يتبعه و أبسال يهرب منه متوجسا خيفة منه، حتى يلين قلب أبسال فيعلم (حي) اللغة البشرية والدور الإلهي ويجيبه عن تساؤلاته (بربط فلسفي عميق)

    تأثير قصة حي بن يقظان في أوروبا

    يذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي (مؤلف الموسوعة الفلسفية) بأن هناك مسألتان تثيران الحيرة. أولاهما أن الأب اليسوعي (Baltazar Gracian) نشر سنة 1650 كتابا اسمه (El Criticon) يشبه في نصفه الأول قصة (حي بن يقظان) ولكن كيف؟ والترجمة الأولى من العربية لقصة حي بن يقظان لم تظهر إلا في سنة 1681، والقس اليسوعي لم يكن يعرف العربية!

    والثانية هي التشابه بين قصة حي بن يقظان و روبنسون كروزو المنشورة سنة 1719، وقد تأثر الكاتب بالترجمة المنشورة عام 1681.

    ومنذ منتصف القرن التاسع عشر والدراسات الأوروبية حول (حي بن يقظان) لم تتوقف حتى اليوم. ومن الذين أعجبوا بها إعجابا كبيرا الفيلسوف المشهور (ليبنتس).

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. توحيد صفوف المسلمين وإقامة الأمة الاسلامية فرض على المسلمين
    بواسطة نظام الدين إبراهيم أوغلو في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-23-2016, 11:02 AM
  2. (الفلاسفة والمترجمون السريان)
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-04-2015, 04:34 PM
  3. موسوعة أصول الفقه عند المسلمين - رفيق العجم
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-16-2014, 09:18 AM
  4. أقوال الفلاسفة في الزواج .
    بواسطة Husni Meho في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-26-2014, 02:49 PM
  5. البحر في عيون الفلاسفة
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان البحار.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-17-2007, 07:00 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •