منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 27

العرض المتطور

  1. #1
    (24)
    هزيمة 5 يونيه 67 حاضرة في التحقيق
    في يوم الأربعاء 5/6 كنت فخوراً بنفسي في التحقيق، فأنا اليوم أتم الثلاثين يوماً دون أي اعتراف يتمناه المحقق، باستثناء وقوعي عند العملاء بقضية الرسائل، وعاقبة هذا الأمر ستة أشهر سجن، وهي لا شيء بمقياس التهم الموجهة إلي.
    إن مرور ثلاثين يوماً على جسدي تحت العذاب جعلت نفسي تحرص على أن لا تفقد هذا الرصيد، وجعلني صلباً حريصاً لا أضيع تعبي بلحظة ضعف.
    الأربعاء 5/6 ذكرى هزيمة 1967، بدأ اليهودي التحقيق معي في ذلك اليوم بالحديث عن الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وعن كفاءته القتالية، وعن هزيمة الجيوش العربية، وعن الخطط الإسرائيلية التي تؤدي للنصر، وعن جهل العرب بما يجري حولهم، وضرب على ذلك مثلاً بحالتي في التحقيق، فقال: أنت تشبه الجيوش العربية، أنت هنا في معزل عن الدنيا، ولا تعرف ما يجري من حولك، ولا تعرف من أين سيأتيك العذاب، وأنت هنا تحت رحمتي، تأكل وتشرب وتقضي حاجتك بأمري، أنت أحد عبيدي، ولا يسمح لك بأن تغادر أو تتحرك إلا بإذني، ولا تعرف المعلومات التي جمعناها عنك، ولا مصدر هذه المعلومات، وأنت وحيد وقلق على مصير أهلك وبيتك، بينما قيادتك تعيش في الفنادق، وتشرب الخمر، ولا تحس بما ستلاقيه.
    ونحن هنا نمثل الجيش الإسرائيلي، نتدرب، نعرف ما نريد، وكيف نصل إليه، نرتب أنفسنا، ونجمع المعلومة، وندقق في صحتها، ولنا حرية التحرك، وحرية العمل، نخرج وندخل إلى غزة متى نشاء، ونعود فنلتقي بأهلنا، نحن مرتاحون، وغير مستعجلين على النصر المبين.
    لقد ذكرني حديث اليهودي بالهزيمة، وكنت اقول في نفسي: لو لم يهزم العرب في ذلك اليوم لما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، ولما كنت أنا هنا تحت العذاب، ما أوحش هذا العدو الذي لا تفوته صغيرة في التاريخ ولا كبيرة!
    كنت استمع لحديث المحقق، وقد خطر في بالي يوم الأربعاء قبل عشرين يوماً بتاريخ 15/5، في ذكرى نكبة فلسطين، حين كنت مربوطاً بالمواسير، وكان العذاب شديداً في ذلك اليوم، لقد إزداد شعوري بالخوف من هذا اليوم 5/6، بعد أن أوحى لي اليهودي بعذاب شديد.
    قطع المحقق صمتي في ذلك اليوم بالسؤال المعروف: أين السلاح يا فايز؟ اعطنا السلاح ونضمن لك سلامتك، سنكتفي بسجنك عدة أشهر على الرسائل.
    كان ردي الذي لم يتزعزع: لا سلاح لدي، ولم أتدرب على سلاح، ولا أعرف شيئاً.
    لقد كنت واثقاً أن لدى المحقق معلومات عامة عن السلاح فقط، ولو كان لديه معلومات دقيقة ومحددة لواجهني بها، لذلك كان ردي الثابت: لا سلاح لدي.
    كان يوم الأربعاء 5/6 ذكرى هزيمة للجيوش العربية، هو ذكرى قراري الصارم برفض الهزيمة، وتحمل كل أشكال العذاب، كان قراري الذي لا مجال للتراجع عنه هو ألا أعطي لهذا اليهودي مزيداً من الانتصار، حتى وهو يقبض على روحي، ويخنق أنفاسي، ويصعد فوق صدري، ويغرقني بالماء، بأشكال من العذاب سبق وأن عرفتها، وتحدثت عنها.
    لقد صمدت في ذلك اليوم تحت شتى أصناف العذاب، لقد انتصرت في ذلك اليوم، حين احتملت عذاب جهنم اليهود بكل عنفوانه، احتملت، وكنت أقول في نفسي: لو كنت بريئاً، ولا أعرف شيئاً عن السلاح، فماذا كنت سأفعل غير الصبر؟
    لقد شعرت بفرحة النصر على المحقق اليهودي حين فتح الباب، ودخل السجان، فقال له المحقق: خذه، اربطه في المواسير.
    ما أجمل تلك الجملة! اربطه بالمواسير، لقد اخترقت أذني في اللحظة التي كان فيها آذان المغرب في شهر رمضان يصدح من مآذن غزة، ويقتحم غرف التحقيق.
    يتبع

  2. #2
    (25)
    حين وقع "ستيف" في قبضتي
    أمضيت مساء الأربعا، وليلة الخميس بطولها مشبوحاً بالمواسير، وهذا هو صباح الخميس 6/6، وسجن غزة ينتظر وصول المحققين من مدينة عسقلان، ومن القرى والمدن اليهودية المحيطة بها، وأنا ما زلت مشبوحاً، بمعنى آخر؛ أنا ما زلت في طور التهيئة النفسية، والإنهاك الجسدي، كي أنضج من التعب، لأسهل على المحققين عميلة التعذيب.
    لقد تعبت قدماي، وتيبست ذراعاي، وتوجع عنقي وهو يتعلق بين كتفي عند كل إغفاءة ويقظة، وقرصني الجوع، وهاجمتني الهواجس في السهو، ورجفت روحي عند الانتباه، فماذا سيفعل بي هؤلاء الأوغاد في هذا اليوم؟ وبماذا أجيب على أسئلتهم؟.
    تعود معظم المحققين دخول المرحاض لقضاء حاجتهم لحظة وصولهم المسلخ في سجن غزة، كانوا يتناوبون على المرحاض الوحيد في المسلخ من الساعة الثامنة صباحاً، حتى آخر النهار، هذا ما عرفته من خلال فترات الشبح الطويلة في المواسير، ولسوء حظي، كانت المسافة بين المرحاض وزاوية شبحي لا تتعدي متر ونصف، وكان من عادة معظمهم أن يرفع الكيس عن رأسي مجرد دخوله الحمام، كان يتفرس في وجهي، ويتمتم باسمي، قبل أن يعاود تلبيس الكيس في راسي، ويغلق باب المرحاض على نفسه.
    في ذلك اليوم من شهر يونيه رفع الكيس عن رأسي المحقق "ستيف" وحين أبصر وجهي، قال: أبو شمالة، وأغرق وحهي بالبصاق، وألبس رأسي بالكيس، ودخل المرحاض، والغضب يتفجر في رأسي، كنت حزيناً من فعل هذا المجرم الذي يتعمد إهانتي، واحتقاري؟
    ربما غفوت وأنا مشبوح في المواسير، فلم انتبه لخروج المحقق "ستيف" من المرحاض، إلا حين رفع الكيس ثانية عن رأسي، وتمتم باسمي، وأغرق وجهي بالبصاق قبل أن يلبس رأسي في الكيس، ويخرج إلى غرف التحقيق.
    في منتصف النهار فاجأني "ستيف" بالحركة نفسها، ولم انتبه له حين خرج من المرحاض إلا وقد أغرق وجهي بدناءته، وألبس رأسي في الكيس، وخرج.
    لقد خزنت حقد الجمال على ذاك اليهودي، وأقسمت أن أنتقم منه، وصرت أنتظر نهاية النهار، الوقت الذي سيأتي فيه إلى الحمام، ويرفع الكيس عن رأسي، ويبصق كعادته، قبل أن يدخل المرحاض، لقد انتظرت خروج المجرم بفارغ الصبر.
    وما أن خرج "ستيف" من المرحاض، وبمجرد أن رفع الكيس عن رأسي، بصقت في وجهه، في الوقت الذي انطلق قدمي كراجمة صواريخ تدك صدر اليهودي وبطنه، لقد صدمته المفاجأة، واستسلم لقدمي التي ثبتته في زاوية الحمام، حتى إذا أفاق، بدأ بالصراخ.
    دقائق وكان عدد من المحققين والجنود في المكان الضيق من الحمام، لقد شعرت بقوتي وكرامتي وهم يوسعون جسدي ضرباً وتهشيماً، لم أدر كيف فكوا رباطي من المواسير، ولا متى أخذونني إلى غرفة التحقيق، ولم أشعر بجسدي الذي انهالوا عليه ركلاً ورفساً وضرباً، فقد كنت أعيش في عالم النشوة والفرح، فأنا اليوم قد أشفيت غليلي، وانتقمت، ولا تسمع أذناي شيئاً إلا صرخات اليهودي "ستيف"، ولا تبصر عيناي إلا عيونه الفزعة المرتعبة.
    في المساء، كنت مشبوحاً ثانية في المواسير، ولكن القيود لم تكن في معصمي فقط، لقد كانت القيود في قدمي أيضاً.
    يتبع

  3. #3
    (26)
    حين كنت ساذجاً
    يؤلمني القيد كثيراً، وأنا مشبوح في المواسير، فكل لحظة إغفاء تكون على حساب معصمي الذي يتوجب عليه أن يحمل ثقل جسدي النائم، وكل لحظة يقظة تفرض على رأسي أن يحمل المزيد من الظنون والشك، وما أطول الزمن الذي يمر على أسير مشبوح لايقدر على الوقوف، ولا يقدر على القعود! لقد كنت معلقاً بين الإهمال أو الإنهزام، وعلي أن أظل واقفاً، والعار كل العار أن أنكسر، ولاسيما انني صاحب تجربة تفوق الشهر في التحقيق، ولا مبرر لي لتقديم معلومة مجاناً، علي أن أكون صلداً، وأن لا انتظر شيئاً، حتى أنني لا أنتظر وجبة طعام السجن، فأنا معاقب بالشبح والجوع معاً.
    سأواصل التحدي حتى النهاية، سأعض على الوحع، فطالما قد اخترت الهجوم على المحقق "ستيف" طريقاً، فيجب أن أظل قوياً، يجب أن أجسد نموذجاً لقوة الإرادة، يجب أن لا أنكسر حتى ولو صبوا على رأسي العذاب، هذا هو قراري النهائي صباح يوم الجمعة 7/6.
    الصمود رغبة مخزنة في عقل الإنسان، والإنهيار قرار مسبق بأن لا حول للمهزوم ولا قوة، وهذا ما أدركه المحققون الذين تعاملوا معي، وهذا ما قاله لي أحدهم: لقد أقفلت دماغك! ولذلك تركني المحققون مشبوحاً بالمواسير طوال يوم الجمعة، ويوم السبت 8/6.
    من جهتي فقد بالغت في التحدي وإظهار قوتي طوال يومي الجمعة السبت، حتى في تلك اللحظات التي كان السجان يفك فيها وثاقي، ويأخذني من المسلخ إلى المراحيض، كنت لا أنزل الدرجات الخمس الأخيرة مشياً، وإنما كنت أقفز في الهواء، وأدور دورة كاملة، وأنتصب واقفاً في الممر الضيق الفاصل بين الدرج والزنازين، وأحياناً كنت أتمادى في إظهار قوتي، وأتحدى فأقفز في الهواء عدة مرات في الممر الفاصل بين الزنازين والمراحيض، ومن المؤكد أن عشرات السجناء الذين كانوا موقوفين معي في تلك الفترة قد شاهدوا من خلال فتحات الزنازين تلك الحركات، وربما ظن بعضهم أنني مجنون أو مشبوه.
    أزعم أن تلك الحركات الرياضية الخارقة في ذلك الوقت، وما تلاها من مواجهات كانت السبب الذي جعل رجال المخابرات يضربون بحالتي المثل حتى سنة 1990، بعد خمس سنوات من ابتعادي عنهم، فقد ظل المحققون يرددون اسمي على مسامع الموقوفين في المسلخ، ومن ضمنهم الأسير المحرر عزام مغاري، الذي يسكن اليوم على مدخل مخيم البريج.
    لقد جاء عزام مغاري إلى سجن نفحة سنة 1990، ومجرد أن وصل إلى سجن نفحة، سأل عن السجين فايز أبو شمالة، فقال له السجناء: إنه ذلك الرجل القاعد في باحة السجن.
    لقد جاءني عزام مغاري، وهو شاب قوي البنية، وسألني: هل أنت فايز أبو شمالة؟
    قلت: نعم، أنا هو، تفضل اجلس بجواري على بطانية السجن.
    قال عزام مغاري باستغراب: أيعقل؟ هل أنت حقاً فايز أبو شمالة، أم أن هنالك شخص آخر له نفس الأسم؟.
    قلت: أنا هو، ولا غيري في السجون يحمل هذا الاسم، فما الغريب في الأمر؟.
    قال: ظل رجال المخابرات يضربون لي المثل بشخص اسمه فايز أبو شمالة طوال فترة التحقيق معي، كانوا يقولون لي: لن تكون أقوى من فايز أبو شمالة، ولن تكون أصلب منه! فهل أنت المقصود؟ أنا لا أرى بطلاً كما تخيلت، أنا أرى أمامي رجلاً مقعداً؟
    كنت مقعداً في تلك الفترة حقاً، فمنذ خروجي من غرف التحقيق في شهر أغسطس 1985، وحتى سنة 1992 كنت في بلاء عظيم، وكنت لا أنقل خطوتي إلا بمساعدة، وكان السجناء في سجن نفحة الصحراوي يفرشون لي في باحة السجن بطانية، قد حاكها لي بشكل خاص الأسير المحرر ابن القدس رياض الملاعبي، وكنت أتحامل على نفسي، وأزحف عدة أمتار من باب غرفة رقم 2 في قسم دال حتى باحة السجن، وأجلس على البطانية دون حراك لعدة ساعات، وكان يتحلق من حولي السجناء في مجلس أدب وحوار سياسي.
    تعرفت على المناضل عزام مغاري في سجن نفحة، وكان قوياً حقاً، وقد كلفته اللجنة الوطنية في سجن نفحة بالإشراف على مطبخ السجن، وإعداد وجبات الطعام للسجناء وفق المخصصات، وظل عزام مغاري يشرف على طعام السجناء حتى حين التقينا سنة 1993 في سجن غزة المركزي، في ذلك الوقت قلت للمناضل هشام عبد الرازق، وكان ممثل المعتقل: ثمانية سنوات يا هشام لم نذق للمفتول طعماً، ونحن أهل قرية بيت دراس من عشاق المفتول!.
    ابتسم هشام وقال: بسيطة، يوم الجمعة نعمل في السجن مفتول.
    لقد تواصل ممثل المعتقل هشام عبد الرازق مع مؤسسات دولية ومنها الأونروا، وأحضر ستة شوالات من الطحين إلى سجن غزة المركزي، ليبدأ السجين عزام مغاري بعمل المفتول على مدار الساعة من يوم الأربعاء حتى صباح يوم الجمعة، حيث تمكن ذلك الرجل من تحويل ستة شوالات طحين إلى مفتول، ليطعم يوم الجمعة 600 سجين مفتول ودجاج.
    نظرت إلى راحة كف عزام مغاري يوم الجمعة، فوجدتها قد تآكلت.
    تلك الكف التي تحدى فيها عزام مغاري مدير المخابرات في سجن نفحة الصحراوي أثناء إضراب سجناء نفحة سنة 1991، وكان قد مضى على عزام مغاري 14 يوماً، وهو مضرب عن الطعام، لم يدخل جوفه خلالها ولو كأس حليب واحد، لقد تحدى عزام مدير المخابرات حين قال له: لقد ضعفت قوتكم، وانتهت قدرتكم على مواصلة الإضراب، أيام معدودة وتفكون إضرابكم، نراهن على الوقت.
    قال عزام مغاري لمدير المخابرات في السجن، هات يدك لنرى من يكسر يد الآخر.
    وفعلاً، لقد نجح عزام مغاري في كسر يد ضابط المخابرات، وسط فرحة السجناء.
    هذا هو عزام مغاري الذي كانت المخابرات الإسرائيلية تتحداه في التحقيق، وتؤكد له أنه لن يكون أقوى من فايز أبو شمالة، ولن يصمد مثلما صمد.
    ما أنا، فأعترف بعد ثلاثين عاماً أنني كنت ساذجاً حين تماديت في إظهار قوتي أثناء التحقيق في مسلخ سجن غزة، وأعترف أن رسالة التحدي التي أردت أن أوصلها لعدوي قد ارتدت علي بأثر عكسي، فقد أدرك المحققون أنهم أمام جسد عملاق، وأمام نفس أبت أن تنهزم، فأعدوا لذلك عدتهم، ورتبوا أمرهم للأيام القادمة.
    يتبع

  4. #4
    (28)
    ما ألذ الخيار والملح في التحقيق!!
    أربعة أيام بلياليها أمضيتها مشبوحاً في المواسير، وكنت جائعاً جداً جداً مع تعمد حرماني من الطعام كل تلك الفترة، كان الإرهاق بادٍ على شكلي، وربما هذا ما أوحى للمحققين بنضوج الثمرة، حيث تم فك قيودي، وأخذي إلى غرفة التحقيق صباح يوم الأحد 9/6.
    لقد استعد المحققون في هذا اليوم لممارسة مهنتهم، فكانوا يستعدون وكأنهم قد عرفوا جوابي المسبق على سؤال المحقق أبو ربيع، حين قال: "فايز"، متى ستعترف؟ أنت لا تريد أن تعترف بسهولة، قالها، وهو يمسك بالكيس، ليصب فيه محقق آخر الماء، استعداداً للانقضاض على رأسي، وتعذيبي بالغرق.
    كان علي أن أحتمل، وأن ألوذ بالصمت، فما زلت حريصاً على عدم الصراخ رغم هول العذاب، ولن أثير حالة من الفزع في نفوس الموقوفين في المسلخ، كنت أحس بالمسئولية حتى وأنا على هذه الحالة، وقد أدركت بعد 33 يوماً من التحقيق المتواصل أن صرخات الواقعين تحت التعذيب كانت تمزق القلب حزناً عليهم، وشفقة من جهة، وخوفاً على أنفسنا مما قد يطالنا من عذاب مشابه لما يقع عليهم، من جهة أخرى.
    ساعات طويلة من التعذيب، ساعات تمر بدقائقها الزاحفة، وتباطئ ثوانيها وهي تقبض على الروح، وتضغط على عصب الحياة، وليس لي في مثل هذه الحالة إلا أن أسلم عدوي جسدي، ولسان حالي يقول: خذ هذه الجثة، وافعل فيها ما يشاء، سأغادر هذا المكان، وأطير بعيداً، سأحلق بروحي في سماء خان يونس، وأطوف في شوارعها مرفوع الرأس.
    بعد ظهر ذلك اليوم، تعب المحققون، لقد أدوا مهمتهم بإخلاص، فجلس ثلاثتهم خلف الطاولة، وتركوني على أرض الغرفة أمامهم مكشوف الرأس، كي أشاهد ما يجري أمامي، وقد استدعوا أحد العملاء الذي أغلق باب الغرفة بهدوء، وقد أحضر صينية عليها حبات من الطماطم مقطعة شرائح، وعدة خيارات مقطعة أيضاً، وبجوارهما صحن فيه ملح.
    خرج العميل بهدوء ومذلة مثلما دخل، وبدأ المحققون في غمس طرف الخيار في الملح، وراحوا يمضغون بشكل يثير الشهية، ويستدعي الرغبة للطعام الذي لم أذقه من عدة أيام.
    ما ألذ الخيار والملح! ما أنقى صوت الخرش! هذا هو الخيار الذي كنت أمر عليه ولا أشغل نفسي فيه، ما أجملك يا خيار، وما أعذب مذاقك مع الملح!
    إن أول شيء سأفعله بعد خروجي من السجن هو تغميس الخيار بالملح.
    حاولت جاهداً ألا أبلع ريقي، حاولت أن أوحي للمحققين أنني غير مكترث، وكنت أعرف أنهم يدرسون ردة فعلي، حاولت ألا ألتفت إليهم، حاولت ألا أراقب حركة أيديهم، وهي تغمس الخيار بالملح، فلم أقدر، حاولت أن لا أبلع ريقي فلم أقدر، ولاسيما حين قدم لي أحدهم شريحة من الخيار المغمس بالملح، وقربها من فمي، وقال: اعترف، وخذ ما شئت من الخيار.
    بلعت ريقي، ولذت بالصمت، فقد أدركت أن إثارة الشهية عذاب.
    يتبع

  5. #5
    (28)
    كنت أكثر ذوقاً من محققي
    ما زلت مشبوحاً بالماسورة حتى ليلة الاثنين، وما أطول الليل على المشبوح! وما أوجع الوقت! أقلب نفسي ذات اليمين وذات السيار، أهز رأسي، أحاول أن أخفف هواجسي، وأن أهون الإرهاق الجسدي بتعزية النفس بالصمود، وأنني صاحب قضية عادلة، وهذا الذي أنا فيه ضريبة الوفاء، وأن غيري قد مر بأكثر مما أنا فيه، وأين معاناتي من معاناة من سبق؟
    صباح الاثنين 10/6 يتواصل التحقيق لليوم 35، وكان من شروط التحقيق معي أن يشارك ثلاثة محققين على الأقل، هذا ما تأكد لي بالتجربة، وفي حالة خروج أحد الثلاثة من الغرفة، يحرص الاثنان على عدم تعذيبي، والاكتفاء بمحاورتي، وهذا ما حدث يوم الاثنين، حيث تبقى في الغرفة محقق يسمي نفسه أبو رشدي، وهو يهودي مثقف، وكان دمثاً معي، حتى أنه كان يخجل حين يضربني، هذا ما تلمسته في ذلك اليوم، حين كنت عارياً في غرفة التحقيق.
    ففي الوقت الذي كان فيه المحقق الغبي أبو عنتر يقعد على بطني، ويمد يديه المتوحشتين، وينزع شعر صدري، كان أبو رشدي يقترب مني، ينظر في وجهي، ويهمس، اعترف، وخلص نفسك، لا فائدة من هذا الإنكار.
    أيام طويلة لم أذق الطعام، ولم اغتسل، ولم تلامس المياه وجهي، ولم أنظف نفسي، ورائحة فمي تفوح عفناً، ورائحة جسدي تشمئز لها النفس، والمحقق أبو رشدي يقترب مني، ويحثني على الاعتراف، والنجاة بنفسي، ويردد: ألف عين تبكي ولا عين أمي تبكي!
    عندما حاولت الحديث، أزحت وجهي جانباً عن وجهه، كنت أريد أن أقول له: لا شيء عندي أعترف عليه، فارحم نفسك من هذه المحاولة.
    ولكن اليهودي أبو رشدي ثار وغضب، وانقض علي صفعاً ولكماً مجرد أن أزحت وجهي جانباً، وصرخ حانقاً، حتى وأنت في هذه الحالة تزيح وجهك عن وجهي أنفة وكبرياء.
    لم أجب، لذت بالصمت حتى هدأ، وأفرغ الشحنة الانفعالية في جسدي، فقلت له: أزحت وجهي عن وجهك احتراماً لك، كي لا تشتم أنفاسي الكريهة حين أتحدث إليك!.
    بهت المحقق من جوابي، وخجل من تصرفه معي، وابتعد عني، وجلس على الكرسي يدخن سيجارة، وهو ينظر إلى بين المصدق لكلامي والمتشكك بي.
    أما الغبي أو عنتر فقد قال هازئاً: مخرب وعنده ذوق.
    تذكرت هذه الحادثة سنة 1991، حين نقلت مريضاً من سجن نفحة الصحراوي إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع، وكان على أن أقعد على كرسي طويل مقابل صالة الدخول للمستشفى، أثناء قيام أحد الحراس بترتيب بعض الإجراءات الضرورية.
    رغم مرضي، كنت أحاول أن أخفي القيود التي تلف يدي وقدمي، تفادياً لعيون المارة من اليهود الذين يدققون برجل ضخم الجثة، يرتدي ملابس السجن، يرفل بالأصفاد، وكأنه قرد في قفص، في تلك اللحظات من الانتظار جاءت امرأة يهودية وجلست بجواري على الكرسي نفسه، لنصير ثلاثة، السجان عن يميني، والمرأة اليهودية عن شمالي.
    بعد دقيقة واحدة جاءت طفلة صغيرة تجري باتجاهنا، كانت فرحة بما اشترت، فانشرح لها قلبي، وقفز من مكانه، إنها بعمر ابنتي إبتسام، وفي هيئتها تماماً، لقد استدعت الطفلة أبوتي المكبوته، فنظرت إليها بحنان، وتابعتها بسذاجة، حتى إذا وصلت إلينا، وجلست بيني وبين أمها، شعرت أن الدنيا رقيقة وعذبة وسمحة وبريئة، ورحت أنظر بطرف عيني سمحاً إلى الطفلة.
    فجأة؛ انتبهت الطفلة إلى وجودي، ورأت قيودي، قفزت، وصرخت، "إيمه"، ماما، ما هذا؟
    ناداتها أمها، وهدأت من روعها، وقالت لها: ارجعي واجلسي بجواره، ولا تخافي، هو سجين، هو مقيد، وهو مريض، وهو إنسان مثلنا، ويراقبه حارسان يهوديان مسلحان.
    كانت تجربة تثقيفية مغمسمة بالرعب بالنسبة للطفلة اليهودية، ولكنها كانت لحظة إنسانية مغمسة بالحنين بالنسبة لسجين فلسطيني فقد ستة من أبنائه بالغياب القصري.
    يتبع

  6. #6
    (29)
    أنا الذي نام في عز التعذيب
    تتفاوت قدرات الناس على التحمل، فمن الناس من لا يحتمل عذاب ساعة، ومنهم من يحتمل عذاب شهور، ومن الناس من يكون عنيفاً في زمن، ويكون رقيقاً في زمن آخر، ومنهم من يكون شجاعاً في موقف، ويكون جباناً في موقف آخر، فقدرات الناس محكومة بالإمكانيات بشقيها المادي والروحي؛ وهذان الشقان يؤثر كلاهما على الآخر بشكل ديناميكي.
    لقد أمضيت ليلة الثلاثاء 11/6 مشبوحاً بالمواسير، وظل جسدي يقاوم تعب الشبح في الليل، وتعب التعذيب في النهار، لقد ظل جسدي قوياً صامداً حتى صباح الثلاثاء حين اجتمع على جسدي خمسة من طاقم التحقيق، بهدف إلقائي على الأرض بالقوة، وممارسة التعذيب المألوف، الذي يبدأ بالتغريق بالماء، وكتم الأنفاس، والضغط على الخصيتين.
    في بداية ذلك اليوم كنت واقفاً أمام المحققين والكيس يغطي رأسي، وقد رفضت تنفيذ أوامرهم، فلم أجلس كما طلب مني المحقق أبو ربيع، ولم استجب لصرخات المحققين وحركاتهم التي تشبه صرخات مروضي الأسود، لقد أغلقت أذني عن صرخاتهم، وكنت مصراً أن أتحدى في ذلك اليوم، وأظل واقفاً، فقد مل جسدي روتين الشبح والعذاب، كنت أتمنى أن ينصب العذاب على جسدي مرة واحدة، وأتخلص من هذه المأسة، فما أقسى العذاب حين يوزع بالتساوي على الايام، لذلك جاءتني في تلك اللحظة قوة استثنائية، فتمردت على تعليماتهم راضياً.
    لقد قررت التحدي، وقد قرر عدوي قبول التحدي، فالتقيت وجهاً لوجه مع خمسة يهود في معركة غير متكافئة، هم يهاجمونني كي أسقط على الأرض، وأنا باعدت ما بين رجلي، وثبت أقدامي المنتفخة في الأرض، وصمدت، أحدهم يمسك طرف الكيس الذي يغطي رأسي، ويجرجرونني يميناً وشمالاً، وأخر يحاول أن يثني ركبي كي أسقط، ولكنني أنهض سريعاً بعد كل كبوة، أحدهم يضرب في بطني كي انتبه إليه، والاخر يشد بقدمي من أسفل كي أقع، ولكنني أعاود النهوض، كنت أعرف أن لهذه المعركة ما بعدها من قرارات.
    لا أعرف كم من الزمن قد مضى، ولكنني رفضت الاستسلام طوعاً، رفضت القعود، وكنت أتخيل نفسي ثوراً في المسلخ يحاول أن يبعد سكين الجزار عن عنقه، في الوقت الذي كنت لا أرى مصدر الخطر، وكانت يداي مقيدتان بكلبشة انجليري من خلف ظهري.
    طال زمن التحدي حتى أمسك المحقق أبو ربيع بكتفي من الخلف، ووضع قدمه على الكلبشة، وصعد، فصار كل ثقله الان يقع على يدي المقيدتين خلف ظهري، ليضيف جسده الثقيل عبئاً إضافياً على عمودي الفقري وساقي، ومع ذلك رفضت الهزيمة، وصمدت واقفاً حتى حين بدأ أبو ربيع بهز جسده كي يضاعف من وجع الكلبشة التي تضغط على المرفقين.
    لا أتذكر كم من الوقت استمرت المعركة، ولا أتذكر متى وقعت، ولكنني أتذكر الماء الذي كانوا يصبونه فوق رأسي كي أصحو من النوم، لقد نمت نوماً عميقاً، لما أصب بحالة إغماء، كنت صاحياً لم يجري من حولي، وكل ما كنت أشعر فيه هو أنني واقع في دائرة النوم، نوم يهاجمني، ويتسلل إلى مفاصلي، ويسيطر على كياني، فأغمض عيني، وأنام هانئاً، بينما أنا قاعد بينهم، يحركني هذا، ويهزني ذلك، ولكنني نمت رغم صرخاتهم وركلاتهم، نمت رغم أنفي وأنفهم، وأخذ عقلي وجسدي قسطاً من الراحة وسط ذلك التعذيب الشديد.
    في ذلك اليوم تواصل التعذيب معي طوال الليل، فلم يذهب المحققون إلى بيوتهم كالعادة، لقد ظلوا في المسلخ وصوت المؤذن لوقت الغروب يقتحم غرف التحقيق، لأسمع أثناء فتح باب غرفة التحقيق صوت السجان، وهو يقول للمتواجدين في المسلخ، "أته صم" هل أنت صائم؟ قم لتأكل، فما الذي جرى؟ لماذا لم يرجع هؤلاء المجرمون إلى بيوتهم؟.
    خرج المحققون من الغرفة وعادوا أكثر من مرة، وفي كل مرة ينقضون على جسدي بكل الأشكال التي عرفتها من التعذيب، لقد لذت بالصمت، فينما هم يضغعطون على جسدي، أغلقت عقلي عن أفعالهم، حتى صار التعذيب مملاً لهم ولا يثير لدي كثير الوجع.
    في تلك الليلة، بينما كان أبو ربيع يجلس على صدري، قال لي: سأضغ هذين الأصبعين على هذين العرقين في رقبتك، ولامس عرقين في رقبتي، وأضاف: سأضغط لمدة دقيقتين فقط على هذين العرقين، وبعدها ستموت.
    قلت للمحق، أنا أتوسل إليك، أرجوك، اضغط، لا تتردد، هيا، افعلها وكن رجلاً، فقد مللت هذا العذاب، أتمنى يا أبا ربيع الموت السريع، فهو أفضل ألف مرة من الموت البطيء.
    تفاجأ كبيرهم من جوابي، قام عن صدري، وقال لهم: اشبحوه في المواسير.
    يتبع

  7. #7
    (30)
    التقيت مع الموت، ولكنه هرب
    حين قلت للمحقق اليهودي "أبو ربيع" اضغط باصبعيك على عروق رقبتي، واحبس الدم عن الدماغ، كي أموت كما تدعي، قلت ذلك متحدياً؛ فقد كنت أعرف أن المحقق لن يتحمل وزر دمي، إنه يريدني حياً، وهو يفتش عن المعلومة المخبأة في صدري، وكنت أقدر أن المحقق قد يتضرر وظيفياً لو قضيت بين يديه، ولكنني كنت واثقاً أن دولة إسرائيل ستتضرر إعلامياً لو خرجت من السجن جثة، لذلك كنت أراقب أثناء التحقيق معي قلماً صغيراً معلقاً في جيب قميص كل محقق، ولا يفارقه، وكنت بفضولي أدقق في زمن انتهاء مفعول ذلك القلم، لقد كنت مقتنعاً أن ذلك القلم فيه مادة خاصة، يرشها المحقق على أنفاس الموقوف في اللحظة الحرجة، حين يتجاوز التعذيب مداه، ويوشك الموقوف على الموت، هكذا كنت أظن!!!.
    ورغم ثقتي أن المحقق لا يريدني ميتاً، إلا أن فكرة الموت قد بدأت فعلاً تدخل إلى دماغي، وبدأت أقتنع أن في الموت نجاة، وخلاص من هذ العذاب الذي لا يحتمل، فطالما أن معذبي مصر على مواصلة التعذيب، ويمتلك كل الأدوات، وطالما كنت أنا مصر على عدم التفريط بشيء مما انغلق عليه صدري، فلا مخرج لي إلا الموت، الموت أسهل الطرق للخلاص، فالطريق الآخر فيه العار، وقد يكون الموت أنظف نهاية من الموت بعار الاعتراف.
    هاجس الموت كان مشبوحاً معي في المواسير من ليلة الأربعاء وحتى صباح ذلك اليوم 12/6، بعد 37 يوماً متواصلاً من التعذيب، وبعد سبعة أيام من الشبح، لقد تعب جسدي إلى درجة الرغبة في الراحة التامة، فصرت وأنا مشبوح أودع أولادي وبناتي، كنت استدعي طيفهم، وأتخيل ردة فعلهم، ووجومهم، وهم يسألون: ماذا يعني أنه مات؟ كيف مات؟ ومتى سيعود؟ وكنت أنظر في عيني أمي، فأمسح دمعتها، وأنا استحضر صورة من عرفتهم، حتى أنني رحت أرسم معالم الحزن على وجهوههم، وردة فعلهم، وتخيلت جنازتي التي سيمشي فيها كل من عرفني، وماذا سيقولون بعد موتي! لقد كنت مبتسماً للموت صباح يوم الأربعاء حين فك السجان قيودي من المواسير، ليأخذني كالعادة إلى غرفة التعذيب، مشيت خلفه وكأنني أمشي في جنازتي، لقد طارت روحي بعيداً، وأنا أسلم السجان جثة مهشمة، جثة لا ينقيها من الوجع والجوع إلا الكفن.
    بدؤوا الجولة يوم الأربعاء بالسؤال التقليدي: ما بدك تعترف؟
    وظل جوابي الواثق القوي: لا شيء عندي!!!
    فاستلم الأوغاد جسداً منهكاً، لقد تركت جسدي لهم، وطرت بخيالي فوق القمم، أرقب الطريق الواصل بين بيتنا في خان يونس والمقبرة، لأعيش لحظة انتشاء، وأنا أستحث الخطى إلى الموت، فحين حبس السجان أنفاسي بالبشكير المبلل بالماء، كنت أساعده بالاستسلام، لم أقاوم، وكتمت نفسي، فأنا الذي يريد لروحه أن تصعد، ولكن غريزة البقاء كانت تقفز في كل مرة، وتهزم ضعفي، فأشهق أنفاسي، واسترد حياتي في اللحظة الأخيرة.
    لقد ضعفت مقاومتي للعذاب في ذلك اليوم، بل صرت أطلب القسوة أكثر في التعذيب، حتى حين وقف المحقق على بطني، تراخت عضلاتي بسرعة، أريد أن تنغرز قدم المحقق في أحشائي حتى الموت، أريد الموت، وحين كان المحقق يضغط بيديه القويتين على خصيتي، لم أكن أتهرب، ولم أحرك جسدي، تمنيت شدة الضغط حتى تخرج روحي من هذا الجسد، وحين كان أحدهم يضع حذاؤه على عنقي، ويقف بطوله، لم أكن أحاول حتى بلع ريقي، لقد صرت اشتهي الموت، وأحث إليه الخطى، لم أعد أطيق صبراً.
    فتعال يا موت، تقدم، أنا في انتظارك متشوقاً، تعال يا موت، ولا ترتجف من دموع أطفالي، ولا تخف من عتاب أمي، ولا تحزن لملامة أبي، تعال يا موت لن أزجرك، أنا الذي يناديك، تعال يا موت، فحاجتي إليك تعادل حاجتك إلى مزيد من الهيبة في نفوس البشر، هيا أيها الموت الذي يفر منك من يلاقيك، تقدم إلي، فأنا الذي سيلاقيك، أنا يا موت من يلجأ إليك، تقدم أيها الموت، لقد صرخت على المحققين بما ظل لدي من قوة: كفى، كفى، سأعترف!.
    رفع المحققون الكيس عن رأسي وهم يرقصون، لقد فكوا وثاقي وهم يتقافزون من الفرح، وأنا كنت فرحاً وهم يرفعون عن رأسي الكيس، ولاسيما حين ركزت نظري على زاوية الغرفة، حيث يتواجد دولاب من الحديد تملؤه الملفات، لقد كنت فرحاً حين قفزت عن الأرض، وطرت في الهواء باتجاه زاية الدولاب، ليرتطم رأسي بقوة، في الحديد، وأسقط على الأرض أنا والدولاب، وتتبعثر في أرض الغرفة عشرات الملفات، هذا كان أخر مشهد قد رأيته.
    لقد شج رأسي وانتفخ مثل كرة قدم، ولكنني لم أمت، لقد تخلي عني الموت في عز الحاجة إليه، تركني الموت بين يدي الجلادين، وقد تضاعف وجع جسدي المنهك.
    مجنون، هكذا قال المحققون، وهم يرشون الماء على جرحي! هذا مجنون!!
    بعد أكثر من شهرين من هذه الواقعة، في شهر أغسطس، وفي غرفة التحقيق ذاتها، أدى 18 محققاً التحية العسكرية لنا، وقدموا لنا التبجيل، لقد كنا ثلاثة؛ أنا ومحمود الغرباوي ومحمد أبو شاويش، وكان السؤال الوحيد الذي فتش المحققون عن جواب له: لماذا حاولت الانتحار؟ لماذا حاول كل منكم الانتحار؟ لماذا اخترتم الموت دون الاعتراف؟
    يتبع

    (31)
    أنت محترم حين تجبر عدوك على احترامك
    حتى الان لم أعرف الطريقة التي حاول فيها محمود الغرباوي الانتحار ـ توفاه الله قبل شهرين ـ، ولم أسأل محمد أبو شاويش كيف حاولت الانتحار، ولكنني ما زلت أذكر تلك اللحظة الرهيبة التي جاءني فيها السجان إلى الزنزانة في 20 أغسطس، بعد انتهاء التحقيق معي بعدة أيام، لقد أخذني السجان دون غطاء على رأسي، ودون أن يضع القيود في يدي، على غير العادة، وأوصلني إلى الطابق الثاني حيث المسلخ، لأجد نفسي في غرفة التحقيق، أجلس وحيداً على الكرسي قريباً من الطاولة، وليس معي إلا دولاب الملفات الذي تلقى ضربة رأسي.
    في 20 أغسطس لم يعد جسدي يحتمل العذاب، وكنت أتساءل في نفسي: لماذا أحضرونني ثانية إلى غرفة التحقيق؟ لقد وقعت على كل شيء اعترف فيه الآخرون! فلماذا أنا وحيد هنا؟ أين المحققون؟ ما الجديد الذي استوجب إحضاري ثانية، لقد توجست الشر، وخفت، توترت، ليدخل السجان فجأة ومعه محمد أبو شاويش، وكان بلا قيود وبلا غطاء للرأس.
    نظر كل منا إلى الآخر بحذر وشك، فماذا يريد المحقق من هذه المواجهة؟ لقد استحوذ على المكان صمت رهيب قبل أن يدخل السجان ومعه محمود الغرباوي، لنجلس ثلاثتنا ينظر كل منا إلى الآخر دون أي كلمة، وكل منا في رأسه ألف سؤال!.
    دقائق معدودة بدأ يتوافد المحققون، إنهم يصافحوننا على غير العادة، إنهم يمازحوننا، ويجلبون مزيداً من الكراسي للغرفة، والغريب أن المحققين قد طلبوا لنا قهوة، ووضعوا أمامنا علب سجائر! فما الأمر؟ ماذا يخبئ لنا هؤلاء الأعداء.
    لم يمض وقت طويل حتى امتلأت الغرفة بثمانية عشر محققاً، يحيطون بنا من كل ناحية، ويسترجعون مواقف مؤلمة ومضحكة حدثت معنا طوال أشهر التحقيق، في ذلك اليوم من شهر أغسطس قطع كبير المحققين صمتنا وقال: ينقصكم أنتم الثلاثة جبر وشاح، كان يجب أن يكون معكم الآن، ولكنه ليس هنا، ولم يفسر أكثر.
    وأضاف: انتهت المعركة بيننا وبينكم، لقد انتصرنا عليكم، ولكننا سنعترف أمامكم، لقد كنتم أبطالاً حقاً، لقد دافعتم عن شعبكم وعن وطنكم برجولة، ولكننا أقوى منكم، ونعمل بشكل منظم ومريح، في الوقت الذي كنتم فيه تحت التعذيب، ولا تعرفون عن بعضكم شيئاً، لقد انتصرنا عليكم لأننا أصحاب حق، وندافع عن أنفسنا من تخطيطاتكم، ولكن هذا لا يمنع أن نعترف بأنكم كنت رجالاً في دفاعكم عن قضيتكم، وصمدتم تحت التعذيب كل هذه الفترة، فلماذا؟ لمذا حاولتم الانتحار، هل كان بينكم اتفاق على ذلك؟ إن لدي في المسلخ الآن عشرين معتقلاً، غداً يكون جميعهم قد اعترف، ونزل إلى الزنازين، فلماذا لم تعترفوا أنتم بسرعة وسهولة.
    حاولت الاجتهاد في جواب فلسفي، وقدم أبو شاويش جواباً مضحكاً للجميع، ليواصل كبير المحققين حديثه:
    لقد أحضرناكم هنا كي نقول لكم: ليس بيننا وبينكم أي خلاف شخصي، ما كان بيننا وبينكم هو معركة على البقاء، أنتم أخفيتم المعلومة التي تضر بوطننا حرصاً على وطنكم، ونحن أخذنا منكم المعلومة التي تحمي شعبنا، لقد انتهت المعركة التي دارت بيننا وبينكم عدة شهور، وها أنا وبقية المحققون نمد لكم أيدينا لنصافحكم.
    ومد كبير المحققين يده وصافحنا، من بعده مد جميع المحققين اليهود أيديهم إلينا، وصافحوننا، بما في ذلك المحقق ستيف وأبو عنتر وأبو ربيع وأبو الوليد وأبو رمزي وأبو رشدي.
    يومها استنتجت أن المحققين كانوا يهدفون من وراء اللقاء التصالحي إلى نزع فتيل الحقد والانتقاتم الشخصي تجاههم، لقد سعوا من خلال الممازحة والضحك إلى تحميل مسئولية كل ما لحق بنا من عذاب إلى الصراع الدائر بيننا وبينهم، وفي ذلك خطوة ذكية يظهر المحققون من خلالها أنهم إنسانيون، لا يمارسون التعذيب إلا بهدف الحصول على المعلومة.
    يتبع

  8. #8
    (31)
    أنت محترم حين تجبر عدوك على احترامك
    حتى الان لم أعرف الطريقة التي حاول فيها محمود الغرباوي الانتحار ـ توفاه الله قبل شهرين ـ، ولم أسأل محمد أبو شاويش كيف حاولت الانتحار، ولكنني ما زلت أذكر تلك اللحظة الرهيبة التي جاءني فيها السجان إلى الزنزانة في 20 أغسطس، بعد انتهاء التحقيق معي بعدة أيام، لقد أخذني السجان دون غطاء على رأسي، ودون أن يضع القيود في يدي، على غير العادة، وأوصلني إلى الطابق الثاني حيث المسلخ، لأجد نفسي في غرفة التحقيق، أجلس وحيداً على الكرسي قريباً من الطاولة، وليس معي إلا دولاب الملفات الذي تلقى ضربة رأسي.
    في 20 أغسطس لم يعد جسدي يحتمل العذاب، وكنت أتساءل في نفسي: لماذا أحضرونني ثانية إلى غرفة التحقيق؟ لقد وقعت على كل شيء اعترف فيه الآخرون! فلماذا أنا وحيد هنا؟ أين المحققون؟ ما الجديد الذي استوجب إحضاري ثانية، لقد توجست الشر، وخفت، توترت، ليدخل السجان فجأة ومعه محمد أبو شاويش، وكان بلا قيود وبلا غطاء للرأس.
    نظر كل منا إلى الآخر بحذر وشك، فماذا يريد المحقق من هذه المواجهة؟ لقد استحوذ على المكان صمت رهيب قبل أن يدخل السجان ومعه محمود الغرباوي، لنجلس ثلاثتنا ينظر كل منا إلى الآخر دون أي كلمة، وكل منا في رأسه ألف سؤال!.
    دقائق معدودة بدأ يتوافد المحققون، إنهم يصافحوننا على غير العادة، إنهم يمازحوننا، ويجلبون مزيداً من الكراسي للغرفة، والغريب أن المحققين قد طلبوا لنا قهوة، ووضعوا أمامنا علب سجائر! فما الأمر؟ ماذا يخبئ لنا هؤلاء الأعداء.
    لم يمض وقت طويل حتى امتلأت الغرفة بثمانية عشر محققاً، يحيطون بنا من كل ناحية، ويسترجعون مواقف مؤلمة ومضحكة حدثت معنا طوال أشهر التحقيق، في ذلك اليوم من شهر أغسطس قطع كبير المحققين صمتنا وقال: ينقصكم أنتم الثلاثة جبر وشاح، كان يجب أن يكون معكم الآن، ولكنه ليس هنا، ولم يفسر أكثر.
    وأضاف: انتهت المعركة بيننا وبينكم، لقد انتصرنا عليكم، ولكننا سنعترف أمامكم، لقد كنتم أبطالاً حقاً، لقد دافعتم عن شعبكم وعن وطنكم برجولة، ولكننا أقوى منكم، ونعمل بشكل منظم ومريح، في الوقت الذي كنتم فيه تحت التعذيب، ولا تعرفون عن بعضكم شيئاً، لقد انتصرنا عليكم لأننا أصحاب حق، وندافع عن أنفسنا من تخطيطاتكم، ولكن هذا لا يمنع أن نعترف بأنكم كنت رجالاً في دفاعكم عن قضيتكم، وصمدتم تحت التعذيب كل هذه الفترة، فلماذا؟ لمذا حاولتم الانتحار، هل كان بينكم اتفاق على ذلك؟ إن لدي في المسلخ الآن عشرين معتقلاً، غداً يكون جميعهم قد اعترف، ونزل إلى الزنازين، فلماذا لم تعترفوا أنتم بسرعة وسهولة.
    حاولت الاجتهاد في جواب فلسفي، وقدم أبو شاويش جواباً مضحكاً للجميع، ليواصل كبير المحققين حديثه:
    لقد أحضرناكم هنا كي نقول لكم: ليس بيننا وبينكم أي خلاف شخصي، ما كان بيننا وبينكم هو معركة على البقاء، أنتم أخفيتم المعلومة التي تضر بوطننا حرصاً على وطنكم، ونحن أخذنا منكم المعلومة التي تحمي شعبنا، لقد انتهت المعركة التي دارت بيننا وبينكم عدة شهور، وها أنا وبقية المحققون نمد لكم أيدينا لنصافحكم.
    ومد كبير المحققين يده وصافحنا، من بعده مد جميع المحققين اليهود أيديهم إلينا، وصافحوننا، بما في ذلك المحقق ستيف وأبو عنتر وأبو ربيع وأبو الوليد وأبو رمزي وأبو رشدي.
    يومها استنتجت أن المحققين كانوا يهدفون من وراء اللقاء التصالحي إلى نزع فتيل الحقد والانتقاتم الشخصي تجاههم، لقد سعوا من خلال الممازحة والضحك إلى تحميل مسئولية كل ما لحق بنا من عذاب إلى الصراع الدائر بيننا وبينهم، وفي ذلك خطوة ذكية يظهر المحققون من خلالها أنهم إنسانيون، لا يمارسون التعذيب إلا بهدف الحصول على المعلومة.
    يتبع







    (32)
    التقيت مع زوجتي في غرفة التحقيق
    بعد محاولة الانتحار خف التعذيب الجسدي قليلاً، ورغم أنني بت ليلة الخميس مشبوحاً بالمواسير دون طعام، إلا أن المحققين حاولوا طوال يوم الخميس 13/6 اقناعي بضرورة التخلص من العذاب، والاعتراف رحمة بنفسي، ورحمة بأولادي الذين ينتظرون عودتي إليهم حياً، ورحمة بزوجتي التي قد يأتون بها إلى غرف التحقيق.
    لقد سمح المحققون للسجان أن يأخذني إلى طنجرة الأكل عند باب المسلخ، كبادرة حسن نية من جانبهم، وكي يواصلوا إغرائي بالأسلوب الإنساني الذي يبدي حرصاً على حياتي وسلامتي، ولكن صلابة موقفي أفشلت خطتهم، وأفشلت أسلوبهم، وكشفت عن عجزهم أخذ أي اعتراف طالما لا يتوفر أي شخص يشهد ضدي، أو يعترف بأنني شاركته بأي عمل.
    في ذلك اليوم الجميل؛ طلب المحقق من السجان أن يجلسني في ركن المسلخ، لتكون فرحتي عظيمة، بالبقاء في المسلح بعد عدة أيام من الشبح قاسية، تورمت خلالها قدماي، وتشنجت ذراعاي، وتكسرت مفاصلي.
    ما أجمل القيود وأنا جالس في المسلخ على البلاط! الجلوس شيء رائع جداً، طالما كان الكيس المثقوب على رأسي، يمكنني من مراقبة حركة الموقوفين، وإرسال إشارات حياة إلى صديقي محمد أبو شاويش الذي لما يزل مقيداً، ويقعد على أرض المسلخ مذ ذاك اليوم الذي صار فيه شبحي بالمواسير.
    كنت جائعاً وأنا أجلس في زاوية المسلخ، فلم أشبع من بقايا طعام تركها لي الموقوفون، وكنت تعباً، فغرقت في النوم وأنا قاعد، حتى صباح يوم الجمعة 14/6، حين سألني السجان بالعبرية" أته صم" هل أنت صائم؟ قلت له: لا، وأنا أستغرب من شهر رمضان الذي لم ينته، وكأن ذلك الشهر قد صار سنة تأبى الرحيل.
    أخذني السجان صباحاً حيث طنجرة الفول والزبدة والخبز، فأكلت دون تهيب أو خوف، فقد كان يوم الجمعة الأخيرة من رمضان يوماً مميزاً، فالمحققون يعملون نصف نهار، وهم على وشك المغادرة، ولا خوف من جولات تحقيق مطولة.
    لقد تمتعت يوم الجمعة والسبت 15/6 بيومين رائعين في المسلخ، فلا سؤال ولا جواب حتى صباح يوم الأحد 16/6، في ذلك اليوم الذي كنت فيه جالساً في المسلخ، وأراقب من ثقب الكيس، فإذا بجندي إسرائيلي يصعد السلالم، وهو يدفع أمامه امرأة.
    لقد عرفتها بعد أن دخلت غرفة التحقيق، فقلت بصوت مرتفع: هذه أم باسل يا شباب،
    عدة دقائق مضت، وأنا استرق السمع، كان صوت أم باسل مرتفعاً، كنت أسمع صوتها، ولكنني لا أعرف ماذا تقول؟ كنت خائفاً من شيء أجهله.
    حين أخذني السجان إلى غرفة التحقيق، ورفع عن رأسي الكيس، تفاجأت من منظر امرأة نفاس، وكانت شاحبة حين نظرت إليها، وقلت لها: أنا بخير، وليس عندي أي شيء.
    وقبل أن أكمل الجملة انقض علي المحققون بالضرب، وضعوا الكيس في رأسي، ولم أسمع إلا صوت زوجتي وهي تقول للمحققين: لا تضربوا زوجي، إنه بريء.
    ما أجمل جملة "إنه بريء"، كلام طيب، مطمئن، فقد وصلت رسالتي، أو ستصل رسالتي، لأنجو من شرك كبير كان سيوظفه رجال المخابرات في التحقيق ضدي وضد غيري.
    يتبع

  9. #9
    (33)
    حركات صبيانية أثناء التحقيق
    صفعاتٌ عنيفةٌ، ضرباتٌ مجنونةٌ، صرخاتٌ عصبيةٌ، ولم أشعر بكل ما سبق، فقد كنت مطمئناً أن ما لدى المحققين ضدي مجرد معلومات، معلومات بلا شاهد أو دليل، لذلك كنت أسمع صوت الركلات في جسدي من تحت الكيس، وأنا مبتسم، وقلبي يرقص فرحاً، لسببين:
    السبب الأول: أن المحقق قد أبلغني أن زوجتي قد ولدت، وأنجبت قرداً، وأسمته محمداً.
    والسبب الثاني: قناعتي الكاملة أن إحضار زوجتي دليل يأس، فقد سبق وأن أحضروا أبي، في محاولة فاشلة للضغط علي، وطالما أن زوجتي قد خرجت من هذا المكان، فلا قيمة عندي لكلام المحقق، وهو يقول: إنهم قد وضعوها في الزنازين مع العاهرات.
    لا أعرف متى أخرجني السجان من غرفة التحقيق، وأقعدني في زاوية المسلخ، ولكنني لاحظت من خلال المراقبة أن مواسير الشبح في الحمام مشغولة، فحمدت الله، ودعوت أن يكثر من أعداد المقاومين لإسرائيل، كي ينشغل المحققون بغيري، وأقعد بهدوء ليوم واحد فقط.
    كانت ليلة الاثنين 17/ 6 من أجمل ليالي التعذيب، فقد كنت قاعداً في زاوية المسلخ أرقب كل شيء، وكنت أدق بالشبشب لصديقي أبو شاويش على أرض المسلخ، فيغني جملة واحدة، ويقول بصوته الرجولي الحزين: سهران لوحدي، أناجي طيفك الساري، سابح بوجدي، ودمعي ع الخدود ساري. وكنت أضحك حين يصرخ السجان: شكت.
    أعاود الدق لصديقي أبو شاويش، فيعاود الغناء، فنضحك من السجان الذي تعب من كثرة التفتيش عن مصدر الصوت، ومل من الإصغاء والمراقبة ليعرف مصدر الصوت، حتى إذا قعد السجان، وانشغل، أدق لأبي شاويش، فيغني الجملة نفسها، ليقوم السجان غاضباً، ويضرب أحد الموقوفين، ظناً منه أن هذا هو مصدر الصوت، نضحك من تحت الأكياس، فيزداد غضب السجان، وهو يبحث عن مصدر الصوت، وهكذا حتى منتصف الليل.
    بعد منتصف الليل أدركت من خلال قعودي في زاوية المسلخ أن باب الحديد الذي أمامي هو باب مطبخ المحققين اليهود، عرفت ذلك من خلال صواني القهوة والشاي التي يخرج فيها العميل من المكان، ليقدمها للمحققين، وكان العميل أحياناً يترك باب المطبخ مفتوحاً، لأنه سيعود إليه بسرعة، وفي حالة ظل الباب مفتوحاً، أكون أنا في حمايته، ولا تراني عين السجان، لقد راقبت المطبخ جيداً أثناء فتحه، فعرفت أن فيه حاجات كثيرة.
    في تلك الليلة ترك العميل الباب مفتوحاً، بعد أن حمل صينية الشاي وخرج، لأقوم بحركة خاطفة كالبرق، إذ حولت يداي المقيدتان من الخلف إلى الأمام، ونزعت الكيس عن رأسي، ودخلت مطبخ المحققين، وهجمت على كرتونة السجائر، ووضعت في أبرهول التحقيق عدة علب سجائر، وخرجت مسرعاً، وقعدت في زاويتي.
    قمت بالدق على أرض المسلخ، لينتبه إلي صديقي أبو شاويش، كي أمرر له علبة سجائر، حتى إذا أمسك أبو شاويش بعلبة السجائر بدأ في الصراخ: شيروتيم "حمام" يريد حماماً كي يدخن هنالك سيجارة، ويترك سيجارة أخرى في الحمام مشتعلة، لأنزل من بعده إلى الحمامات، وأشعل سيجارة، وأترك باقي السجائر للموقوفين في الزنازين.
    أعجبتني لعبة دخول مطبخ المخابرات، فانتظرت حتى موعد السحور، حين خرج العميل لإحضار طعام السحور، وقتها تجرأت، وفتحت باب المطبخ بهدوء، حتى صرت محتمياً خلفه، دخلت مسرعاً ناحية الثلاجة، فتحتها، فإذا أنا في مواجهة كعكة كبيرة، امتدت يدي إليها، والتهمت منها ما أسعفني الوقت، بلعت ما استطعت، قبل أن أقعد ثانية في زاوية المسلخ مقيداً.
    يتبع

    (34)
    اتصال هاتفي في التحقيق
    هنالك جديد! وعليك أن تعترف، هكذا فاجأني المحقق صباح الاثنين 17/6، هنالك جديد، وسنجبرك على الاعتراف، هكذا يتحدث معي المحقق بعد اثنين وأربعين يوماً تحت التعذيب.
    كان يتحدث معي المحقق، وهو يتفرس في ملامح وجهي، ويحاول معرفة ردة فعلي، وفي الوقت الذي كنت أدعي فيه عدم المبالاة، كانت في داخلي نار تتأجج، وكان في عقلي ألف حساب، وحالة انتظار لمعرفة الجديد الذي يرمز إليه المحقق.
    ورغم الجديد، فقد كان التعذيب في ذلك اليوم مألوفاً، لم يكن عنيفاً كما توقعت، كان أقرب إلى عمل وظيفي، وينم على عدم وثوق المحقق لما بين يديه من أدلة، أو ينم على انتظار المحقق لمزيد من المعلومات، وفي الحالتين فأنا حذر.
    أخرجني المحققون من غرفة التحقيق وأجلسوني في المسلخ أكثر من مرة، ثم أعادوني ثانية للعذاب، وظل حديث المحققين بصيغة التهديد، هنالك جديد، تنتظرك مفاجأة يا فايز، ولكن فايز قد أغلق منافذ أذنيه، وما عادت تسمع إلا جملة تقول: إياك أن تقع.
    في الليل، زادت وتيرة التعذيب، والتقي على صدري مجموعة من اليهود، كل محقق منهم يقوم بدوره، وله عمل فوق جسدي يؤديه، ووفق تخصصه، وجسدي هو الضحية تحت الأيدي المتوحشة، فروحي قد غادرت المكان، ورحلت إلى ذكريات بعيدة.
    في تلك الليلة، رن جرس الهاتف، وكانت المفاجأة أن المتصل يريد محادثتي أنا، وهنا سألني أحد المحققين: من تتوقع أن يكون المتصل بك؟
    قلت: لا أعرف، وفي داخلي ظنُ بأنه الصليب الأحمر قد اتصل ليسأل عني، أو محامٍ من فلسطيني 48 اجتهد التنظيم الذي عملت معه لتجنيده إلى جانبي، هكذا كنت أحلم أو أتخيل، ولم أكن أدركت الحقيقة؛ بأن التنظيمات الفلسطينية تنظر للإنسان على أنه رقم، عدد رقمي في القوائم التي تتباهى بأنها استشهدت، أو دخلت المعتقل باسمها، أو أصيبت بجراح.
    ابتعد عن صدري المحققون، واقترب أحدهم مني، ليضع سماعة الهاتف على أذني، فأسمع صوتاً يسألني عن أحوالي، وماذا يفعل معي هؤلاء المحققون القساة الغلاظ.
    لقد عرفت الصوت، إنه صوت المحقق أبو ربيع! إنه يسألني عن صحتي وأحوالي!!
    بخير يا "أبو ربيع"، قلت له: أنا الآن ممدد على الأرض، وهم يعتلون فوق صدري، ويقومون بالواجب كما لو كنت بينهم، وأحسن، فلا تقلق، نم في بيتك بهدوء.
    ضحك المحققون، واستغربوا من جوابي.
    عاود الصوت المتسلل لأذني عبر الهاتف ينصحني بأن أعترف، وأن أرحم نفسي، وأنه هو الآن مع زوجته وأولاده في بيته في مدينة عسقلان، بينما أنا هنا في المسلخ تحت التعذيب، وتعذيب الليلة سيستمر حتى الصباح، فاعترف يا فايز أحسن لك.
    طال حديث اليهودي "أبو ربيع" عبر الهاتف، وتمادى في نصحي وإرشادي بالاعتراف، وشعرت بحقارة الأسلوب الذي يتبعه في تخويفي، فقلت له عبر الهاتف بغضب شديد:
    "أبو ربيع" أنت فاضٍ، ولا عمل لديك، اقفل الخط، واذهب لزوجتك، فإن وراءنا عمل كثير هذه الليلة، وصرخت في المحققين: هيا، باشروا التعذيب، لقد أعاقت عملكم هذه المكالمة.
    استغرب المحققون استعجالي للتعذيب، ضحكوا فيما بينهم، ووضعوا الكيس على رأسي، وطلبوا من السجان أن يلقي بي على أرض المسلخ.
    في المسلخ، شعرت بنشوة النصر، وتعمقت لدي الثقة بالنفس، فجلست مستنداً بظهري على الحائط، ومددت أرجلي، ونمت.
    قبل طلوع الفجر تقريباً، صحوت على صراخ عنيف، نظرت من ثقب الكيس، فإذا به المحقق "ستيف" يصرخ على الموقوفين، ويطالبهم باليقظة والوقوف، ويوجه لهم الركلات بقدمه.
    قلت في نفسي: لن أقف، ولن أطيع، وسأتحدى.
    ظل اليهودي "ستيف" يوجه الركلات للموقفين في المسلخ بالتتالي، حتى وصل إلي، فصرخ بأعلى صوته، ورفع الكيس عن رأسي، فلما رآني، وتأكد من شكلي، أعاد الكيس على رأسي، ومر عني دون أن يركلني، ودون أن يطالبني بالوقوف.
    ضحكت من تحت الكيس، وأدركت قيمة مواجهتي له قبل أيام.
    يتبع

  10. #10
    (35)
    الجسد صناعة النفس
    يتعمد المحقق دغدغة جسد الضحية، وتهدئة أعصابه، يتعمد المحقق أن يترك جسد ضحيته يقارن بين حالتين، فالأرض الناشفة لا يفلحها المحراث، لذلك لا يسمح المحقق لجسد الضحية بأن يتصلب، من خلال تواصل الوجع، ولا يسمح السجان بأن تتحقق الألفة بين جسد الضحية والوجع، لذلك يتعمد المحقق أن يريح جسد الضحية، يقدم له العلف كي يتثاقل، فإذا اقتربت منه السكين جفل، الجسد لا يحب المواجهة بعد ارتياح، وإذا حاولت أن تستنهضه فجأة دون تهيئة فإنه يخذلك، يتكاسل، يتمطى الجسد في صباح التحقيق، ولا يتمنى العودة إلى العناء.
    إن بقاء الجسد مشدوداً تحت التعذيب أهون ألف مرة من إعادة شحذه بعد استرخاء، وأهون من إهماله، وتركه نهباً لتوقع حدوث العذاب ثانية، فكل ما يبدأ ينتهي حتى ولو كان عذاب، وكل ما تنتظره يطول زمانه حتى ولو كان لقاء حبيب وإياب.
    لقد تململ جسدي من الراحة في المسلخ طوال يوم الثلاثاء 18/6، لا سؤال ولا جواب، ولا ركلة هنا ولا صرخة من هناك، ماذا أنا؟ كومة من اللحم على أرض المسلخ! لقد أزعجتني حالة النسيان، وزاد من إرهاقي النفسي أنني صرت لا أعرف ما يجري حولي، فقد تسلط السجان على الثقب الموجود في الكيس، وصار يضع لاصق أمام عيني، وكلما حاولت إزالته، عاد ثانية وضاعف اللاصق، حتى إذا ضجر المحقق من وضع اللاصق، أحضر كيساً آخر ووضعه فوق رأسي، فصار غطاء رأسي من كيسين، فلما تحايلت، وقرضت الكيسين، أحضر السجان كيساً ثالثاً، فاختنقت، وعشت في ظلام دامس، لا أدري من شأني شيئاً، لقد صرت في غيبوبة تامة.
    أنام وأصحو في ظلام دامس، يوم الثلاثاء كان طويلاً طويلاً، لا أعرف متى كان موعد الغذاء، ولا متى أذن المغرب في آخر أيام رمضان، يتسلل إلى مسامعي صوت المؤذن من مساجد غزة، ولكنني لا أعرف إن كان العصر أو الفجر، غيبوبة عجيبة حطت على جسدي ونفسي، لقد عشت يوماً وليلة في عتمة لا أول لها ولا آخر.
    ضمن هذه الحالة العالقة بين الصحو والنوم، عشت حالة من الذهول، كنت خلالها أطلب من السجان "شيروتيم" أريد دخول الحمام، وكنت ظمئاً، كنت أطلب "مايم" الماء، ولكن السجان يتجاهل عن عمد مطلبي، كنت ألح في الطلب، فأنا ظمئ ومحشور، ولكنه يتجاهل طلبي، فأغفو قليلاً، وأعاود طلب شورتيم ومايم، فيصعد إلى رأسي النوم فأغفو.
    لا أعرف في تلك الليلة كيف شاهدت بركة ماء، وشاهدت الموقوفين معي في المسلخ يجلسون حول تلك البركة، ويلعبون بأرجلهم بالماء، وأنا معهم فرح بمنظر الماء، ومع ذلك، كنت أنادي على السجان، شيروتيم، ومايم، وأسمع صوت السجان، وهو يقول: شكت، اسكت
    أعاود النظر إلى بركة المياه، والتدقيق في أجساد الموقوفين، هم يجلسون على حافة البركة، ,أرجلهم تلعب في الماء، رؤوسهم مغطاة بالأكياس، كنت واقفاً، وأنادي شيروتيم، ومايم، ولكن السجان لا يستجيب لي، وكنت أسمعه يقول: شكت.
    لم أنتبه من هذا المشهد الغريب في المسلخ إلا على ركلات السجان وصرخاته، وهو يهزني بقوه، ويقول لي: لقد أغرقت أرض المسلخ بالبول، أنت مجنون!!
    قلت له: أنها بركة مياه، وقد قلت لك أريد "شيروتيم"!
    رفع السجان عن رأسي الأكياس، نظرت من حولي، فإذا أنا واقف في المسلخ، وقد غطى البول أكثر من نصف أرض المسلخ، وهذا ما أوجب استدعاء العميل كي ينظف المكان.
    ورب ضارة نافعة، بعد تلك الحادثة، لم يتأخر السجان في تلبية طلبي، فكلما قلت شيروتيم، أسرع في أخذي إلى الحمامات.
    يتبع







    (36)
    حين تكسر حديد الكلبشة
    كنت مقيداً من الخلف، وكان رأسي مغطى بأكثر من كيس، وأنا أجلس في شبه غيبوبة على أرض المسلخ، أمدد رجلي اليمين مرة، وأثني رجلي الشمال مرة أخرى، كنت مرهقاً وحزيناً حين سمعت في ذلك الصباح من يوم الأربعاء 19/6، سمعت من بعيد صوت: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
    لقد هزني الصوت من الأعماق، وارتجف جسدي حنيناً وحناناً، إنها تكبيرات عيد الفطر، والعيد ينبوع الشجن، حين تنتقل روح الغريب والأسير والمريض لتسكن في المكان المحبب إليها، وفي العيد يتفجر الشوق للمحبين، فكيف بالذي يرفل بالقيود، وينتظر المجهول، وقد عبر عليه شهر رمضان بكامله، وهو تحت العذاب الشديد.
    لم أكن أعرف ما ينتظرني في ذلك اليوم بعد 43 وأربعين يوماً من الشبح والركل والخنق والضرب، كنت أحس برغبة شديدة في أن أمدد جسدي على الأرض، وأن أنام ولو قليلاً ممدداً، 43 يوماً يمر في خاطري منظر السرير، والفرشة، والهدوء، ما أهنأ النوم على مخدة!.
    بدأ التحقيق في ذلك اليوم بعد صلاة العيد، بدأ تحقيق عنيف ينم على أن المحقق لديه معلومات، ولكنه يتحفظ على الشهود، لا يريد أن يكشف أوراقه، وأن يفضح مصدر معلوماته، فكان التحقيق عنيفاً، وكنت في ذلك اليوم من عيد الفطر مستفزاً حانقاً بائساً وليس يائساً.
    بدأ التحقيق الذي يعرفه جسدي، فقد كنت ممدداً على الأرض، ويداي مقيدتان بالكلبشة الإنجليزي تحت جسدي، وعدة أجساد لمحققين تتثاقل فوق جسدي، أحدهم يخنق بالكيس، وآخر يصعد على صدري، ويهودي آخر يدوس بحذائه الثقيلة على عنقي، وآخر يكتم أنفاسي بالبشكير المبلل بالماء، وصوت يتسلل وسط هذا الزحام، ويردد: اعترف، اعترف.
    كنت أفتش عن الهواء، استنجد بجرعة من النفس، أتململ، وأتحرك كثور في الغابة من تحت أجساد الوحوش، فأشهق هواءً رغم الجميع، واسترجع حياتي، لأفقدها ثانية تحت ضغطهم، فأنا أموت، وأفقد الحياة تحت أيدي الطغاة، ولكنني لا أيأس، أحاول أن أزيح الأجساد عن صدري، فأنجح في فتح فمي لاغتصب جرعة من الهواء، ليعاودوا خنفي، وكتم أنفاسي، لأجهد ثانية في تخليص نفسي من الموت، وابتلاع جرعة هواء، هم يعصرون الموت على فمي، وأنا أقتنص لحظة حياة، إنه صراع البقاء بين جسدي الذي يتفجر حباً، وأجسادهم التي تتجبر قوة، وكانت المفاجأة، وسط هذا الصراع المميت، حين انكسرت الكلبشة، وانفلتت يداي.
    حتى الآن لا أعرف كيف انكسرت الكلبشة الإنجليزية، هل هي حلاوة الروح، أم فائض قوة ظل ينتظر اللحظة الحرجة، فانفجر كالبركان. نعم، لقد كان جسدي قوياً جداً جداً قبل السجن، كنت أرفع أكثر من مائة وعشر كيلو أثقال، وكنت ألعب مصارعة، وإذا دخلت البحر سباحة أختفي عن الأعين، وكنت أقفز أكثر من خمسة متر ونصف عرضي، وكنت مدرباً لفريق كرة الطائرة في نادي خان يونس مرة، وفي نادي الخدمات مرات، وكنت في اللحظة نفسها كابتن فريق خان يونس، وكنت إذا وقفت على شاطئ البحر، يتعلق في جسدي مجموعة من الرجال تصل إلى خمسة أو أكثر من الأوزان الثقيلة، وهم على شاكلة عبد الحميد سلامة، الأخ الأكبر للأسير حسن سلامة، أما إذا رغبت في الممازحة، فقد كنت أشد الكارة التي يجرها حمار، لأوقفها عن الحركة تماماً، حتى إذا جن جنون عبد الفتاح سائق الكارة، وتعجب لوقوف حماره، وعدم قدرته على المشي رغم الضرب، كان يلتفت إلى الخلف، فيعرف أنني سبب ضعف حماره.
    لقد انكسرت الكلبشة الإنجليزي وأنا بين يدي المحققين اليهود، في تلك اللحظة التي كنت أستخلص فيه الحياة من الموت، لقد انكسرت الكلبشة فتحررت يداي، لأحرر بسرعة البرق جسدي من تحت المحققين، لقد نفضتهم عني، فانطرحوا أرضاً، وبخفة عائد من الموت، رفعت الكيس عن رأسي، فرأيته ملقى على ظهره، إنه اليهودي أبو ربيع، المجرم الذي مت بين يديه عدة مرات على مدار أسابيع.
    لا أعرف كيف ركبت فوقه، ولا أدري كيف أطبقت يدي القويتين حول عنقة، وخنقته لانتزع روحه، خنفته بشكل أقسى مما كان يفعل معي، لقد كنت في حالة هياج وعنف مكنتي من رؤية جحوظ عينيه، وشحوب لونه، وارتعابه وهو تحتي وأنا فوقه.
    كل ما أتذكره بعد ذلك، أنني لم أتمكن من قتل المجرم، فقد رش المحققون في وجهي غازاً خدر أعصابي، وأدخلني في نوبة من السعال والعطس، إنه غاز معبأ في قلم يشبه قلم الجاف، كنت حتى تلك اللحظة أحسبه مادة منعشة للقلب، ستنقذني من الموت في اللحظات الأخيرة، وكنت استمد من وجوده في جيب المحقق قوة.
    لقد امتدت إلى جسدي أيدٍ كثيرة، التفت حول ظهري وعنقي ورأسي وأرجلي، فوجدت نفسي محاصراً، بعد أن تمكنوا من وضع كلبشة جديدة في يدي، ليتواصل في يوم العيد التحقيق.
    يتبع




صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حنين الى رابا قضاء جنين / الحاج لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-03-2011, 03:48 PM
  2. حنين إلى زمن الشعر
    بواسطة نادية الزوين في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-17-2009, 08:23 PM
  3. حنين..
    بواسطة نسيم وسوف في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-06-2009, 10:47 AM
  4. حنين الى رابا قضاء جنين / للشاعر العروبي لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-29-2009, 06:15 PM
  5. حنين لمدينة جنين ( عين جنيم) الكنعانية / للشاعر العروبي لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-02-2009, 10:23 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •