منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 29

العرض المتطور

  1. #1


    جعفر بن أبي طالب


    نسبه ونشأته


    جعفر بن أبي طالب ، يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله ، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف [1] .وُلد جعفر بن أبي طالب بمكة، ثم هاجر إلى الحبشة بعد إسلامه ، واستقر هناك إلى أن قدم المدينة في فتح خيبر؛ ليذهب إلى مؤتة ليستقر جسده هناك، وتصعد روحه إلى السماء مع النبيين والصديقين والشهداء .وقد كان جعفر أشبه الناس خُلُقًا وخَلْقًا برسول الله صلى الله عليه و سلم .
    أهم المعارك ودوره فيها قال الزبير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمانٍ من الهجرة ، فأصيب بها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل فيها جعفر حتى قطعت يداه جميعا ، ثم قتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رَأَيْتُ جَعْفَرَ بن أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ حَيْثُ شَاءَ". فمن هنا قيل له : جعفر ذو الجناحين .وذكر ابن أبي شيبة ، عن يحيى بن آدم ، عن قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرجًا بالدم .و روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ، ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح . وقد روي أربع وخمسون جراحة، والأول أثبت . ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس ، فعزاها في زوجها جعفر، ودخلت فاطمة رضي الله عنها وهي تبكي وتقول : و اعماه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلْتَبْكِ الْبَوَاكِي " [2] .
    الوفاة لقي جعفر بن أبي طالب ربه شهيدًا في غزوة مؤتة ، ليلحق بركب الشهداء حيث يطير في الجنة مع طيرها بجناحين بدلاً من يديه التي قطعت في سبيل الله .

    المصادر : [1] ابن عبد البر: الاستيعاب 1/71.[2] ابن عبد البر: الاستيعاب 1/72.
    --

  2. #2
    الملك نجم الدين إيلغازي


    النسب و القبيلة


    هو الملك نجم الدين إيلغازي ابن الأمير أرتق بن أكسب التركماني ، كان ذا شجاعة، ورأي ، وهيبة وصيت ، حارب الفرنج غير مرة ، وأخذ حلب بعد أولاد رضوان بن تتش .


    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها أيقظت الحملات الصليبية أمراء وحكام المسلمين للدفاع عن دينهم وبلادهم ، جاءت الحملات الصليبية والتي تحمل في طياتها الحقد والحسد والبغضاء على الإسلام ، إلا أن هذه الحملات أيقظت المسلمين من سبات عميق ، فوضحت لهم رؤيا النصارى ، وحقدهم الدفين على الإسلام وأهله ، كانت النتيجة الطبيعية للحملات الصليبية أن يظهر من بين المسلمين قادة يحملون راية الجهاد ، من هؤلاء القادة الذين رفعوا راية الجهاد الأمير إيلغازي الذي حارب الفرنج ونكل بهم في وقائع كثيرة . استولى الفرنجة على كثير من المقاطعات الإسلامية ، وخربوا كذلك كثير من البلاد ، من هذه البلاد حلب ولم يكن بحلب من الذخائر ما يكفيها شهراً واحداً ، فخاف أهلها خوفاً شديداً من ملاقاة الفرنجة ، ولما رأى الفرنج حالة أهل حلب راسلوهم على أن يسلموهم حلب إلا أن أهلها رفضوا ذلك ، مستغيثين بأهل بغداد إلا أن النصرة لم تأت ولم يغاثوا .وكان الأمير إيلغازي، صاحب حلب ، ببلدة ماردين يجمع العساكر والمتطوعة للغزاة ، فاجتمع عليه نحو عشرين ألفاً ، وكان معه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي ، والأمير طغان أرسلان بن المكر ، صاحب بدليس وأرزن ، وسار بهم إلى الشام، عازماً على قتال الفرنج .فلما علم الفرنجة قوة عزمهم على لقائهم ، وكانوا ثلاثة آلاف فارس ، وتسعة آلاف راجل ، ساروا فنزلوا قريباً من الأثارب ، بموضع يقال له تل عفرين ، بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات ، وفي هذا الموضع قتل شرف الدولة مسلم بن قريشوظن الفرنجة أن أحداً لا يسلك إليهم لضيق الطريق ، فأخلدوا إلى المطاولة ، ومن عادة الفرنجة أنهم إذا رأوا قوة المسلمين ، راسلوهم بأنهم قادمين عليهم لبث روح الرعب في قلوب المسلمين، فراسلوا إيلغازي قائلين له : لا تتعب نفسك بالمسير إلينا ، فنحن واصلون إليك، فأعلم أصحابه بما قالوه ، واستشارهم فيما يفعل ، فأشاروا بالركوب من وقته ، وقصدهم ، ففعل ذلك ، وسار إليهم ، ودخل الناس من الطرق الثلاثة ، ولم تعتقد الفرنجة أن أحداً يقدم عليهم ، لصعوبة المسلك إليهم ، فلم يشعروا إلا وأوائل المسلمين قد غشيتهم ، فحمل الفرنجة حملة منكرة، فولوا منهزمين ، فلقوا باقي العسكر متتابعة ، فعادوا معهم ، وجرى بينهم حرب شديدة ، وأحاطوا بالفرنجة من جميع جهاتهم ، وأخذهم السيف من سائر نواحيهم ، فلم يفلت منهم غير نفر يسير ، وقتل الجميع ، وأسروا .وكان من جملة الأسرى نيف وسبعون فارساً من مقدميهم ، وحملوا إلى حلب ، فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار، فلم يقبل منهم ، وغنم المسلمون منهم الغنائم الكثيرة .وأما سيرجال ، صاحب أنطاكية ، فإنه قتل وحمل رأسه، وكانت الوقعة منتصف شهر ربيع الأول ، ثم تجمع من سلم من المعركة مع غيرهم ، فلقيهم إيلغازي أيضاً ، فهزمهم ، وفتح منهم حصن الأثارب ، وزردنا ، وعاد إلى حلب ، و قرر أمرها ، وأصلح حالها ، ثم عبر الفرات إلى ماردين .وكان هذه الواقعة في عام 513 هـ . واستولى إيلغازي كذلك على ميافارقين وغيرها قبل موته بسنة ، ثم سار منجدا لأهل تفليس هو وزوج بنته ملك العرب دبيس الأسدي ، وانضم إليهما طغان صاحب أرزن ، و طغريل أخو السلطان محمود السلجوقي ، وساروا على غير تعبئة ، فانحدر عليهم داود طاغية الكرج ، فكبسهم ، فهزمهم ، ونازل اللعين تفليس وأخذها بالسيف ، ثم جعلهم رعية له ، وعدل ومكنهم من شعار الإسلام ، وأمر أن لا يذبح فيها خنزير، وبقي يجئ ويسمع الخطبة ، ويعطي الخطيب والمؤذنين الذهب ، وعمر ربطا للصوفة ، وكان جوادا محترما للمسلمين .وأما إيلغازي ، فتوفي في رمضان بميافارقين سنة 516هـ، فهذا أول من تملك ماردين ، واستمرت في يد ذريته .




    قالوا عنه أثنى عليه العلماء ومدحه الشعراء فقال الذهبي " كان فارساً شجاعاً كثير الغزو كثير العطاء " .

    وقيل فيه قل ما تشاء ، فقولك المقبول *** وعليك بعد الخالق التعويل واستبشر القرآن حين نصرته *** وبكى لفقد رجاله الإنجيل

    وفاته اتفق أن أكل إيلغازي لحم قديد كثيراً وجوزاً أخضر وبطيخاً وفواكه ، فانتفخ جوفه وضاق نفسه ، واشتد به الأمر، فرحل إلى حلب ، وتزايد به المرض ، فسار طغتكين إلى دمشق وبلك غازي إلى بلاده .ودخل إيلغازي ليتدواى بحلب ، فنزل القصر، ولم يخلص من علته .أقام إيلغازي ، وصلح من مرضه ، وسار إلى ماردين، ثم خرج منها يريد ميافارقين ، فاشتد مرضه في الطريق ، وتوفي بالقرب من ميافارقين بقرية يقال لها : عجولين ، في أول شهر رمضان من سنة 516هـ .

  3. #3
    خفاجة بن سفيان




    خفاجة مجاهدا



    خفاجة بن سفيان أمير صقلية الذي كثر جهاده للفرنج ؛ ففي سنة اثنتين وخمسين ومائتين سار خفاجة إلى سرقوسة ، ثم إلى جبل النار، فأتاه رسل أهل طبرمين يطلبون الأمان ، فأرسل إليهم امرأته وولده في ذلك ، فتم الأمر، ثم غدروا ، فأرسل خفاجة محمدًا في جيش إليها ، ففتحها وسبى أهلها .ثم سار خفاجة إلى رغوس ، فطلب أهلها الأمان ليطلق رجل من أهلها بأموالهم ، ودوابهم ، ويغنم الباقي ، ففعل وأخذ جميع ما في الحصن من مال ، ورقيق ، ودواب ، وغير ذلك ، وهادنه أهل الغيران وغيرهم ، وافتتح حصونًا كثيرة ، ثم مرض ، فعاد إلى بلرم .وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين سار خفاجة من بلرم إلى مدينة سرقوسة و قطانية ، وخرب بلادها ، وأهلك زروعها ، وعاد وسارت سراياه إلى أرض صقلية ، فغنموا غنائم كثيرة . وفي سنة أربع وخمسين ومائتين أرسل خفاجة في العشرين من ربيع الأول ، وسير ابنه محمدًا على الحراقات ، وأرسل سرية إلى سرقوسة فغنموا ، وأتاهم الخبر أن بطريقًا قد سار من القسطنطينية في جمع كثير ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة ؛ ورحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسد زرعها ، وغنم منها ، وعاد إلى بلرم ، وسير ابنه محمدًا في البحر، مستهل رجب ، إلى مدينة غيطة ، فحصرها ، وبث العساكر في نواحيها ، فغنم وشحن مراكبه بالغنائم ، وانصرف إلى بلرم في شوال .وفي سنة خمس وخمسين ومائتين سير خفاجة ابنه محمدًا إلى مدينة طبرمين ، وهي من أحسن مدن صقلية ، فسار في صفر إليها، وكان قد أتاهم من وعدهم أن يدخلهم إليها من طريق يعرفه ، فسيره مع ولده ، فلما قربوا منها تأخر محمد ، وتقدم بعض عساكره رجالة مع الدليل ، فأدخلهم المدينة ، وملكوا بابها وسورها ، وشرعوا في السبي والغنائم ، وتأخر محمد بن خفاجة فيمن معه من العسكر عن الوقت الذي وعدهم أنه يأتيهم فيه ، فلما تأخر ظنوا أن العدو قد أوقع بهم فمنعهم من السبي ، فخرجوا عنها منهزمين ، ووصل محمد إلى باب المدينة ومن معه من العسكر، فرأى المسلمين قد خرجوا منها ، فعاد راجعًا .وفيها في ربيع الأول خرج خفاجة وسار إلى مرسة ، وسير ابنه في جماعة كثيرة إلى سرقوسة ، فلقيه العدو في جمع كثير فاقتتلوا ، فوهن المسلمون، وقتل منهم ، ورجعوا إلى خفاجة ، فسار إلى سرقوسة فحاصره ، وأقام عليها ، وضيق على أهلها ، وأفسد بلادها ، وأهلك زرعهم ، وعاد عنها يريد بلرم ، فنزل بوادي الطين ، وسار منه ليلاً [1] .





    وفاته اغتاله رجل من عسكره ، فطعنه طعنة فقتله ، وذلك مستهل رجب سنة 255هـ ، وهرب الذي قتله إلى سرقوسة ، وحمل خفاجة إلى بلرم ، فدفن بها وولى الناس عليهم بعده ابنه محمدًا ، وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد ، أمير إفريقية ، فأقره على الولاية ، وسير له العهد والخلع [2] .



    قالوا عنه يقول الزركلي : خفاجة بن سفيان أمير صقلية ، من الشجعان الغزاة المدبرين [3] .


    المصادر : [1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3/240.[2] المصدر السابق ، الصفحة نفسها .[3] الزركلي : الأعلام 2/309 .
    --

  4. #4

    مسلمة بن عبد الملك - مجاهد على الدوام

    روى الإمام البخاري معلقاً في باب الرماح عن ابن عمر: (3/1066) أن رسول الله قال : " جعل رزقي تحت ظل رمحي" [مسند أحمد بن حنبل (2/92)] . والنفس تفهم من هذا الحديث الكريم معنىً - ترجو أن يكون صوابا من الله ، وإلا فالخطأ منها ومن الشيطان - ، أن الحق لا بد له من قوة تحرسه وتصونه، وإلا ضاع تحت جبروت الباطل ، والعامة تقول : " المال السايب يعلم السرقة " وكذلك قيل : " من لم يتذأب أكلته الذئاب " . فرزق المسلم وهو يتمثل في داره وعقاره ، وسكنه ووطنه ، وزرعه وضرعه ، وكل ما يحوزه ويملكه يجب أن يكون محروسا بعدته وعتاده ، مستظلا بسلاحه ورماحه ، ومن هنا قال الله في القرآن الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال : 60] وليست الحرب في الإسلام غاية مقصودة لذاتها ، ولكنها خطة يدفع بها بغي الباغين وظلم الظالمين ، ولذلك قال الله - تعالى -في التنزيل المجيد : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [سورة البقرة : 190] وقال أيضا : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة الآية: 194] . وصيانة الحق والرزق تستلزم أن يكون أبناء الإسلام دائما على إعداد واستعداد ، وأن تكون طائفة منهم على الدوام في حالة رباط، أو على أرض الميدان ، حتى يظل الجهاد فريضة قائمة باقية ، وصلوات الله وسلامه على رسوله حين مجَّد شأن المؤمن المجاهد الموصول النضال ، فقال : " خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها". [سنن الترمذي فضائل الجهاد (1652) ، سنن النسائي الزكاة (2569) ، موطأ مالك الجهاد (976) ، سنن الدارمي الجهاد (2395) ] .وهذا واحد من أبناء الإسلام ، وأتباع محمد -عليه الصلاة والسلام - يظل أكثر من خمسين عامًا يحمل سلاحه، ويسدد رماحه ، ويذود عن حمى الدين ، ويصون حرمات المسلمين ، ويتقرب بالجهاد إلى الله رب العالمين ، إنه البطل القائد ، الأمير الفاتح أبو سعيد[1] مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي الدمشقي ، وإليه تنسب جماعة بني مسلمة التي كانت بلدتهم هي الأشمونين وفيها منازلهم ، وهي بلدة بالصعيد الأعلى في مصر غربي نهر النيل .وكان مسلمة بن عبد الملك من أبطال عصره ، بل من أبطال الإسلام المعدودين ، حتى كانوا يقولون عنه أنه خالد بن الوليد الثاني ؛ لأنه كان يشبه سيف الله المسلول في شجاعته وكثرة معاركه وحروبه ، ويقول عنه المؤرخ يوسف بن تغري: روى صاحب كتاب النجوم الزاهرة هذه العبارة : كان شجاعا صاحب همة وعزيمة ، وله غزوات كثيرة [2] . ويقول عنه ابن كثير: وبالجملة كانت لمسلمة مواقف مشهورة ، ومساعٍ مشكورة ، وغزوات متتالية منثورة ، وقد افتتح حصونا وقلاعا ، و أحيا بعزمه قصورا وبقاعا ، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه ، وفي كثرة مغازيه ، وكثرة فتوحه ، وقوة عزمه ، وشدة بأسه ، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه ، وهذا مع الكرم والفصاحة .[3] ، ويقول عنه صاحب العقد الفريد : ولم يكن لعبد الملك ابن أسد رأيا ، ولا أزكي عقلا، ولا أشجع قلبا ، ولا أسمع نفسا ، ولا أسخى كفا من مسلمة [4] . ولذلك أوصى عبد الملك بن مروان أولاده ، وفيهم مسلمة ، فكان مما قاله لهم عنه : يا بني ، أخوكم مسلمة، نابكم الذي تفترون عنه ، و مجنكم الذي تستجنون به ، أصدروا عن رأيه [5]. و مع أن إخوة لمسلمة تولوا الخلافة دونه ، ظل هو بينهم النجم المتألق الثاقب بجهاده وكفاحه ، وقال عنه مؤرخ الإسلام الذهبي : كان مسلمة أولى بالخلافة من إخوته ، وليست العبرة بالمناصب والمراتب ، ولكنها بالإرادة والعزيمة ، والإقدام ، وعمق التفكير، وحسن الخلق .وكانوا يلقبون مسلمة بلقب الجرادة الصفراء ؛ لأنه كان متحليا بالشجاعة والإقدام ، مع الرأي والدهاء، ومع أنه تولى إمارة أذربيجان وأرمينية أكثر من مرة وإمارة العراقين [6] ، ظل يواصل الجهاد ، ويتابع المعارك ، منذ تولى والده الخلافة سنة خمس وستين , تولى عبد المَلك بن مُرْوان الخِلافة في رمضان سنة خَمْس وستين وتوفِّي سنة سِتِّ وثمانين[7] وظل مسلمة على هذه الروح البطولية حتى لحق بربه سنة إحدى وعشرين ومائة . وهذه إشارات سريعة إلى سلسلة المعارك التي خاضها : في سنة ست وثمانين غزا مسلمة أرض الروم ، وفي سنة سبع وثمانين غزا أرض الروم، ومعه يزيد بن جبير، فلقي الروم في عدد كثير بسوسنة من ناحية المصيصة ، ولاقى فيها ميمونا الجرجماني ، ومع مسلمة نحو من ألف مقاتل من أهل أنطاكية عند طوانة، فقتل منهم بشرا كثيرا، وفتح الله على يديه حصونا . وفي سنة ثمان وثمانين فتح مسلمة حصنا من حصون الروم يسمى طوانة ، في شهر جمادى الآخرة ، وشتوا بها ، وكان على الجيش مسلمة والعباس بن الوليد بن عبد الملك ، وهزم المسلمون أعداءهم ، ويروى أن العباس قال لبعض من معه : أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة ، فقال له : نادهم يأتوك . فنادى العباس: يا أهل القرآن ، فأقبلوا جميعا ، فهزم الله أعداءهم .وفي سنة ثمان وثمانين - أيضاً - غزا مسلمة الروم مرة أخرى ، ففتح ثلاثة حصون ، هي حصن قسطنطينية وحصن غزالة ، وحصن الأخرم [8] . وفي سنة تسع وثمانين غزا مسلمة أرض الروم مرة أخرى ، حيث فتح حصن سورية، وقصد عمورية ، فوافق بها للروم جمعا كثيرا ، فهزمهم الله ، وافتتح هرقلة و قمودية .وفي سنة تسع وثمانين - أيضا ً- غزا مسلمة الترك ، حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان ، ففتح حصونا ومدائن هناك .وفي سنة اثنتين وتسعين غزا مسلمة - ومعه عمر بن الوليد - أرض الروم ، ففتح الله على يدي مسلمة ثلاثة حصون ، وجلا أهل سوسنة إلى جوف أرض الروم .وفي سنة ثلاث وتسعين غزا مسلمة أرض الروم ، فافتتح ماسة ، وحصن الحديد ، وغزالة ، و برجمة من ناحية ملطية [9] . * وفي سنة ست وتسعين غزا مسلمة أرض الروم صيفا ، وفتح حصنا يقال له : حصن عوف.وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة أرض الروم ، وفتح الحصن الذي كان قد فتحه الوضاح صاحب الوضاحية .وفي سنة ثمان وتسعين حاصر مسلمة القسطنطينية ، وطال الحصار ، واحتمل الجنود في ذلك متاعب شديدة .[10]وفي سنة ثمان ومائة غزا مسلمة الروم حتى بلغ قيسارية وفتحها. وفي سنة تسع ومائة غزا الترك والسند ، و ولاه أخوه يزيد بن عبد الملك إمارة العراقين ثم أرمينية .و في سنة عشر ومائة غزا مسلمة الترك، وظل يجاهد شهرا في مطر شديد حتى نصره الله [11] .وفي سنة عشر ومائة – أيضاً - قاتل مسلمة ملك الترك الأعظم خاقان، حيث زحف إلى مسلمة في جموع عظيمة فتوافقوا نحوًا من شهر، ثم هزم الله خاقان زمن الشتاء ، ورجع مسلمة سالماً غانماً، فسلك على مسلك ذي القرنين في رجوعه إلى الشام ، وتسمى هذه الغزوة غزاة الطين ، وذلك أنهم سلكوا على مفارق ومواضع غرق فيها دواب كثيرة ، وتوحل فيها خلق كثير، فما نجوا حتى قاسوا شدائد وأهوالاً صعابًا وشدائد عظامًا [12] .وفي سنة ثلاث عشرة غزا مسلمة بلاد خاقان ، وبث فيها الجيوش ، وفتح مدائن وحصونا ، وقتل منهم وأسر ودان لمسلمة من كان وراء جبال بلنجر [13] .وفي سنة ثلاث عشرة – أيضًا - توغل مسلمة في بلاد الترك، فقتل منهم خلقًا كثيراً ، ودانت له تلك الممالك من ناحية بلنجر وأعمالها . [14]وفي سنة إحدى وعشرين ومائة غزا مسلمة الروم ، ففتح حصن مطامير [15] .




    رواية الحديث عن الخليفة الخامس : أرأيت ! إنها سلسلة طويلة من المعارك والغزوات والحروب ، وإنها لسلسلة كثيرة الحلقات ، وكأنما نذر مسلمة نفسه للجهاد والقتال ، واتخذ مسكنه في ساحات الكفاح والنضال ، ومع ذلك كان عالما محدثا ، روى الحديث عن خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز، وروى عنه الأحاديث جماعة منهم : عبد الملك بن أبي عثمان، وعبد الله بن قرعة ، وعيينة والد سفيان بن عيينة ، وابن أبي عمران ، ومعاوية بن خديج ، ويحيي بن يحيي الغساني [16] .ويظهر أن اتصال مسلمة بن عبد الملك بالحاكم العادل، المخلص الأمين خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز كان من أقوى الأسباب في تكوين شخصية مسلمة ، تكوينًا باهرًا رائعًا ؛ لأني أومن بأن عمر بن عبد العزيز كان رجلا تتمثل فيه نفحات إلهية من الخير والبر والتوفيق ، وأن الذين اتصلوا به وأخذوا عنه واقتبسوا منه هداهم الله ، ووهبهم توفيقا ورشاداً .ولعل مسلمة قد عبر عن شيء من هذا القبيل حينما دخل على عمر بن عبد العزيز وهو في ساعاته الأخيرة فقال له في تأثر عميق بليغ : جزاك الله يا أمير المؤمنين عنا خيراً ، فقد ألنت لنا قلوبا كانت قاسية، وجعلت لنا في الصالحين ذكرا [17] .و هذه عبارة تدل على أن ملامح من شخصية مسلمة كان الفضل فيها لخامس الراشدين - رضوان الله تبارك وتعالى عليه -.







    على فراش الموت بين مسلمة وعمر بن عبد العزيز: ومن المواقف الخالدة الباقية بين مسلمة وعمر ما رواه ابن عبد ربه، وهو أن مسلمة بن عبد الملك ، دخل على عمر بن عبد العزيز في المرض الذي مات فيه ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إنك فطمت أفواه ولدك عن هذا المال ، وتركتهم عالة ، ولا بد لهم من شيء يصلحهم ، فلو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائك من أهل بيتك لكفيتك مئونتهم إن شاء الله .فقال عمر: أجلسوني، فأجلسوه ، فقال : الحمد لله ، أبالله تخوفني يا مسلمة ؟ أما ما ذكرت أني فطمت أفواه ولدي عن هذا المال وتركتهم عالة ، فإني لم أمنعهم حقا هو لهم ، ولم أعطهم حقا هو لغيرهم ، وأما ما سألت من الوصاة إليك أو إلى نظرائك من أهل بيتي ، فإن وصيتي بهم إلى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، وإنما بنو عمر أحد رجلين : رجل اتقى الله ، فجعل الله له من أمره يسرا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ورجل غيَّر وفجر فلا يكون عمر أول من أعانه على ارتكابه ، ادعوا لي بني . فدعوهم ، وهم يومئذ اثنا عشر غلاما ، فجعل يصعد بصره فيهم ويصوبه ، حتى اغرورقت عيناه بالدمع ، ثم قال : بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم ، يا بَني ، إني قد تركتكم من الله بخير، إنكم لا تمرون على مسلم ولا معاهد إلا ولكم عليه حق واجب إن شاء الله ، يا بَني ، ميلت رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا ، وبين أن يدخل أبوكم النار، فكان أن تفتقروا إلى آخر الأبد خيرا من دخول أبيكم يوما واحدا النار . قوموا يا بني عصمكم الله ورزقكم . فما احتاج أحد من أولاد عمر ولا افتقر [18] .وكان مسلمة يظهر نعمة الله - تعالى - ، ومن شواهد ذلك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز وعليه ريطة من رياط مصر (أي ثوب رقيق ناعم) . فقال له عمر: بكم أخذت هذا يا أبا سعيد ؟أجاب مسلمة : بكذا وكذا .قال عمر: فلو نقصت من ثمنها ما كان ناقصا من شرفك.فأجاب مسلمة : إن أفضل الاقتصاد ما كان بعد الجِدة ، وأفضل العفو ما كان بعد القدرة ، وأفضل اليد ما كان بعد الولاية [19] .و لقد كان مسلمة رجلا معطاء ، ولقد قال يوما لنصيب الشاعر: سلني . قال : لا ، قال : ولم ؟ قال نصيب :لأنَّ كفك بالجزيل أكثر من مسألتي باللسان .وكان مسلمة مع تقواه وحرصه على الصلاة رجلا يحب العفو ويحبب فيه ، ولقد حدث بين الخليفة هشام بن عبد الملك وبين ابن هبيرة ما دعا إلى إهدار دمه، ولكن خادما لمسلمة يحدثنا فيقول: كان مسلمة بن عبد الملك يقوم الليل فيتوضأ و يتنفل حتى يصبح ، فيدخل على أمير المؤمنين ، فإني لأصب الماء على يديه من آخر الليل وهو يتوضأ ، إذ صاح صائح من وراء الرواق : أنا بالله وبالأمير: فقال مسلمة - في دهشة - : صوت ابن هبيرة ، اخرج إليه .فخرجت إليه ورجعت فأخبرته ، فقال : أدخله ، فدخل فإذا رجل يميد نعاسا ، فقال : أنا بالله وبالأمير . قال : أنا بالله ، وأنت بالله .ثم قال : أنا بالله ، وأنا بالأمير .قال مسلمة : أنا بالله ، وأنت بالله .حتى قالها ثلاثا ، ثم قال : أنا بالله . فسكت عنه ، ثم قال لي : انطلق به فوضئه وليصلِّ ، ثم اعرض عليه أحب الطعام إليه فأته به ، وافرش له في تلك الصفة - لصفة بين يدي بيوت النساء - ولا توقظه حتى يقوم متى قام .فانطلقت به فتوضأ وصلى ، وعرضت عليه الطعام فقال : شربة سويق ، فشرب ، وفرشت له فنام ، وجئت إلى مسلمة فأعلمته ، فغدا إلى هشام فجلس عنده ، حتى إذا حان قيامه قال : يا أمير المؤمنين ، لي حاجة .قال هشام : قُضيتْ ، إلا أن تكون في ابن هبيرة .قال مسلمة : رضيت يا أمير المؤمنين .ثم قام مسلمة منصرفا ، حتى إذا كاد أن يخرج من الديوان رجع فقال : يا أمير المؤمنين ، ما عودتني أن تستثني في حاجة من حوائجي ، وإني أكره أن يتحدث الناس أنك أحدثت علي الاستثناء .قال هشام : لا أستثني عليك .قال مسلمة : فهو ابن هبيرة .فعفا عنه هشام [20] . و من ملامح شخصية مسلمة أنه كان يعرف للفصحى مكانتها، وللبيان السليم منزلته ، وكان يقول : اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه[21]. وكان يقول أيضا : مروءتان ظاهرتان : الرياسة والفصاحة [22].و من كلماته قوله : ما أخذت أمرا قط بحزم فلمت نفسي فيه ، وإن كانت العاقبة عليَّ ، ولا أخذت أمرا قط ، وضيعت الحزم فيه ، فحمدت نفسي وإن كانت لي العاقبة [23] .وكان مسلمة يحب أهل الأدب ، وأوصى لهم بثلث ماله ، وقال : إنها صنعة جُحف أهلها [24] . أي سلبهم الناس حقهم .وكذلك كان يعرف للشعراء مكانتهم وحقهم ، ولقد تحدث كثير عزة فقال : شخصت أنا و الأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز وكل واحد منا يَدِلُّ عليه بسابقة وإخاء قديم ، ونحن لا نشك أن سيشركنا في خلافته، فلما رفعت لنا أعلام " خناصرة " [بلدة من أعمال حلب] لقينا مسلمة بن عبد الملك ، وهو يومئذ فتى العرب ، فسلمنا فرد ، ثم قال : أما بلغكم أن إمامكم لا يقبل الشعر ؟ قلنا : ما توضح إلينا خبرا حتى انتهينا إليك ! ، ووجمنا وجمة عرف ذلك فينا .قال: إن يكن ذو دين بني مروان قد ولي وخشيتم حرمانه ، فإن ذا دنيانا قد بقي ، ولكم عندي ما تحبون ، وما ألبث حتى أرجع إليكم ، وأمنحكم ما أنتم أهله .فلما قدم كانت رحالنا عنده بأكرم منزل عليه [25] .وكان مسلمة يعرف للعلماء كذلك أقدارهم ، ويهدي إليهم ، وكان يهدي إلى الحسن البصري ، وأهدى إليه ذات مرة خميصة لها أعلام ، فكان الحسن يصلي فيها [26] .وكان يتقدم بالنصيحة في موطنها ، ولقد لاحظ على أخيه يزيد بن عبد الملك نوعا من اللهو وهو في الخلافة ، فنصحه وذكره بسيرة عمر بن عبد العزيز وقال له فيما قال : إنما مات عمر أمس ، وقد كان من عدله ما قد علمت ، فينبغي أن تظهر للناس العدل ، وترفض هذا اللهو ، فقد اقتدى بك عمالك في سائر أفعالك وسيرتك [27] .ومن أروع المشاهد المأثورة المذكورة في سيرة البطل الفاتح مسلمة بن عبد الملك التي يجب أن نطيل فيها التأمل والاعتبار، إن كنا من أصحاب القلوب والأبصار، أن مسلمة كان يحاصر ذات يوم حصنا، وما أكثر الحصون التي حاصرها ، وما أكثر الحصون التي اقتحمها باسم الإسلام والمسلمين ! و استعصى فتح الحصن على الجنود ، فوقف مسلمة يخطب بينهم ويقول لهم ما معناه : أما فيكم أحد يقدم فيحدث لنا نقبا في هذا الحصن؟.و بعد قليل تقدم جندي ملثم ، وألقى بنفسه على الحصن ، واحتمل ما احتمل من أخطار وآلام ، حتى أحدث في الحصن نقبا كان سببا في فتح المسلمين له ، وعقب ذلك نادى مسلمة في جنوده قائلا : أين صاحب النقب ؟ .فلم يجبه أحد ، فقال مسلمة : عزمت على صاحب النقب أن يأتي للقائي ، وقد أمرت الآذن بإدخاله علي ساعة مجيئه .وبعد حين أقبل نحو الآذن شخص ملثم ، وقال له : استأذن لي على الأمير، فقال له : أأنت صاحب النقب ؟.فأجاب : أنا أخبركم عنه ، وأدلكم عليه، فأدخله الآذن على مسلمة ، فقال الجندي الملثم للقائد : إن صاحب النقب يشترط عليكم أمورا ثلاثة : ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة ، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع ، وألا تسألوه من هو ؟ . فقال مسلمة : له ذلك ، فأين هو؟ فأجاب الجندي في تواضع واستحياء أنا صاحب النقب أيها الأمير، ثم سارع بالخروج .فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاة إلا قال في دعائها : اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة [28] .وبعد ما يزيد عن نصف قرن من الزمان قضاها مسلمة بن عبد الملك في قتال ونضال ، وكفاح وحمل سلاح، مضى إلى ربه سنة إحدى وعشرين ومائة ، لينال ثوابه مع أهل التقوى وأهل المغفرة {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [سورة القمر 54 : 55] وهو الذي سأله أخوه هشام : هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو ؟ فقال : ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه على حيلة ، ولم يغشني ذعر سلبني رأيي. فقال هشام : هذه والله البسالة [29] .توفي مسلمة يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة إحدى وعشرين و مائة ، في موضع يقال له : الحانوت ، وقيل : سنة عشرين ومائة ، وقيل : سنة اثنتين وعشرين ومائة .و من العجيب أن صاحب (النجوم الزاهرة) ذكر خبرين عن وفاته فذكر أولا أنه مات سنة عشرين و مائة .ثم عاد بعد قليل فذكر أنه مات سنة اثنتين وعشرين ومائة ، ولكن القول الأول أصح [30] .ولقد رثى الوليد بن يزيد بن عبد الملك عمه البطل مسلمة بن عبد الملك فقال في رثائه هذه الأبيات :أقول وما البعد إلا الردى ** أمسلم ، لا تبعدن ، مسلمةفقد كنت نورا لنا في البلاد ** مضيئا ، فقد أصبحت مظلمةو نكتم موتك نخشى اليقين ** فأبدى اليقين لنا الجمجمة !رضوان الله - تبارك وتعالى - عليه . المصادر : [1] وقيل في كُنْيته أيضا : أبو الإِصْبع ، وقيل أبو شاكِر . ويقال إنَّ هذه كُنْيَةٌ لابن أخيه مَسْلَمة بن هِشام بن عبد المَلِك ( النجوم الزاهرة ج1ص289)[2] المرجع السابق[3] البداية و النهاية ج9ص328و329[4] العقد الفريد ، ج7 ص145[5] مروج الذهب للمسعودي ج3ص161[6] العبر ج1 ص154[7] مُروج الذَّهَب ج3ص91...

  5. #5

    أحمد باشا كوبريلي



    النسب و المولد



    أحمد كوبريلي ابن الصدر الأعظم محمد كوبريلي خلف والده في منصبه بعد وفاته ، وكان أصغر من تولى منصب الصدر الأعظم في الدولة العثمانية ، وقد استطاع بحسن إدارته أن يسوس البلاد ، وأعلى راية الجهاد وفتح البلاد حتى لقي ربه بعد أن أعاد للدولة العثمانية مجدها وهيبتها .وكان مولده عام 1045هـ/ 1635م في العاصمة إستانبول . النشأة و التربية نشأ أحمد كوبريلي تحت رعاية والده محمد باشا كوبريلي فأحسن تربيته وتعليمه ، فقد أنشأه على الإسلام ، وعلمه أمور السياسة والقيادة ، فخلف والده في منصب الصدر الأعظم ولم يخيب نظرة والده له، فقد أحسن سياسة الدولة ورعاية أحوال العباد ، واستطاع في وقت قصير أن يعيد أمجاد الدولة العثمانية التي دبَّ في أوصالها الضعف ، ورفع راية الجهاد ، واستطاع أن يفتح أعظم قلاع النمسا ، وكان ذلك من أثر تربية والده له .



    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها بعد الضعف الذي استشرى في الدولة العثمانية ، بدأت الثورات والفتن تدب في البلاد ، وكانت الدولة الغربية الصليبية ترصد الدولة العثمانية لتنتهز الفرصة لتنقض عليها ، وجرّأها على ذلك ضعف الخلفاء العثمانيين وضعف قادتهم ، إلى أن تولى محمد الرابع الذي أطلق عليه آخر الخلفاء الفاتحين ، وكان آنذاك صغيرًا ، فتولت جدته إدارة البلاد إلى أن ماتت ، ثم تولت أمه حتى بلغ الخامسة عشرة من عمره فتولى إدارة البلاد ، وكانت أمه قد اختارت محمد كوبريلي الماهر بشئون السياسة ليتولى منصب الصدر الأعظم ، إلى أن مات وقد أعاد للدولة العثمانية مجدها وهيبتها ، ثم خلفه ابنه أحمد باشا كوبريلي الذي رفع راية الجهاد وفتح البلاد ، فبلغت الدولة العثمانية في عهده أوج قوتها ، واستطاع أن يفتح أعظم قلاع النمسا وهي قلعة نوهزل .بعد أن تولى الصد الأعظم أحمد كوبريلي شئون البلاد رفع راية الجهاد ، ورفض الصلح مع النمسا والبندقية ، وجهز جيشًا كبيرًا من المسلمين ليعيد إلى الأذهان أمجاد الدولة العثمانية المجاهدة ، وتوجه على رأس الجيش لقتال النمسا ، وقد تمكن عام 1074هـ من فتح أعظم قلاع النمسا قلعة نوهزل شرقي فيينا ، وألقى الله الرعب في قلب الأوربيين بعد فتح هذه القلعة ، فقد كان في اعتبارهم أن الدولة العثمانية دولة ضعيفة لا تستطيع دفع الهجوم عنها من أي دولة أوربية ، فضلاً عن أن تهاجم وتفتح قلاعًا ، ولكن إذا اعتصم المسلمون بحبل الله ووثقوا في نصره وأعدوا العُدَّة فُتحت أمامهم الأبواب المغلقة ، وتنزل النصر على المسلمين في هذه الواقعة . بعد الهزيمة التي أصابت النمسا اضطر ملك النمسا أن يرجو البابا لتدعمه فرنسا في حربها مع الدولة العثمانية، فدعمته فرنسا بستة آلاف جندي ، ووقعت معركة (سان غوتار) من أعنف المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين النصارى ، ولم يتمكن كلا الفريقين من إحراز نصر على الآخر ، وبعد أن رأت فرنسا قوة المسلمين حاولت فرنسا التقرب من الدولة العثمانية ، وتجديد الامتيازات ، غير أن الصدر الأعظم رفض ذلك، ثم حاولت فرنسا التهديد حيث أرسل " لويس الرابع عشر" ملك فرنسا السفير الفرنسي مع أسطول حربي ، وهذا ما زاد الصدر الأعظم إلا ثباتًا ، وقال : ( إن الامتيازات كانت منحة ، وليست معاهدة واجبة التنفيذ ) .لقد تراجعت فرنسا أمام تلك الإرادة الحديدية ، واستعملت سياسة اللين والخضوع للدولة العثمانية .





    وفاته لقي أحمد كوبريلي ربه بعد حياة حافلة بالجهاد ، وكان سياسيًّا بارعًا وقائدًا فذًّا ، استطاع أن يعيد للدولة العثمانية مجدها وهيبتها بين الدول بعد أن كادت تطيح بها ، ولكن بموت أحمد كوبريلي عام 1087هـ دب الضعف في الدولة العثمانية لتسير إلى القاع بعد أن كانت في مقدمة العالم [1] .

    المصادر : [1] كتاب التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر بتصرف ، كتاب الدولة العثمانية للدكتور علي الصلابي بتصرف .
    --

  6. #6

    السلطان يعقوب بن عبد الحق



    النسب والقبيلة


    هو السلطان المجاهد يعقوب بن عبد الحق أبو يوسف المريني سلطان بلاد المغرب ، وقبيلة مرينة من بين قبائل العرب بالمغرب ويقال لها (حمامة) ، وكان مقامهم بالريف القبلي من إقليم تازة .


    النشأة و المولد ولد السلطان يعقوب بن عبد الحق في عام 609هـ، ونشأ ببلاد المغرب في قبيلة مرينة ، من الواضح أنه نشأ على الإسلام ، وكانت نشأته صحيحة وقويمة ، فكما يقول عنه " لسان الخطيب " في الإحاطة أنه كان سليم الصدر، مخفوض الجناح ، وكان ملكًا صالحًا ، فهذه الصفات لا تتأتى إلا من كانت نشأته إسلامية خالصة ، خاصة وقد رفع لواء الجهاد ضد النصارى المتربصين بالإسلام لأخذ الأندلس وتملكها من يد المسلمين ، ولن يتجاوب مع المسلمين في رفع راية الجهاد إلا من تربى ، ونشأ عليه .



    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها استولى " الفنش " على جميع ما افتتحه المسلمون من معاقل الأندلس و ارتجعها ثم هلك " الفنش " وتولى ابنه ، وفي عهده ارتجع (قرطبة) و(إشبيلية) من أيدي (بني هود) وعلى عهده زحف ملك (أرغون) ، فارتجع شرق (الأندلس) كله (شاطبة) و(دانية) و(بلنسية) و(سرقسطة) ، وسائر الثغور والقواعد الشرقية . ولما رأى المسلمون ما حل بهم ملكوا عليهم " محمد الفقيه بن الأحمر"، واستغاث بـ" يعقوب بن عبد الحق " سلطان بـني مرين لنجدته ضد النصارى ، فأجاب صريخه وأجاز عساكر المسلمين من بني مرين وغيرهم إلى الجهاد مع ابنه ، ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام من الجزيرة الخضراء وكان ثائرًا بها ، فتسلمها منه ونزل بها وجعلها ركابًا لجهاده ، وأنزل بها جيش الغزو ، ولقي الجموع النصرانية بوادلك وعليهم " ذنبة " من أقماط " بني أدفونش " وزعمائهم ، فهزمهم " يعقوب بن عبد الحق " وبقيت فتن متصلة، ولم يلقه " يعقوب " وإنما كان يغزو بلادهم، ويكثر فيها العبث إلى أن ألقوه بالسلم ، وخالف على هراندة ملك قشتالة هذا ابنه سانجة ، فوفد هراندة على يعقوب بن عبد الحق صريخًا وقبّل يده ، فقَبِل وفادته وأمده بالمال والجيش ورهن في المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم .وكان أول ما افتتحه وخلصه من أيدي النصارى مدينة (سلا) ، وفتك في بعض غزواته بملك من النصارى يقال له ذوننه ، ويقال : إنه قتل من جيشه أربعين ألفًا ، وهزمهم أشد هزيمة ، ثم تتابعت غزواته بالأندلس وجوازه للجهاد ، وكان له من بلاد الأندلس رندة والجزيرة الخضراء وطريف وجبل طارق وغير ذلك ، وأعز الله تعالى به الدين بعد تمرد الفرنج المعتدين .



    وفاته توفي السلطان " يعقوب بن عبد الحق" في الجزيرة الخضراء من الأندلس، وهو بعسكره للجهاد عند الزوال يوم الثلاثاء الثاني والعشرين لمحرم سنة 685هـ ، وله خمس وسبعون سنة .




    قالوا عنه أثنى عليه لسان الخطيب فقال : كان ملكًا صالحًا، سليم الصدر، مخفوض الجناح، شارعًا أبواب الدالة عليه منهم ، أشبه بالشيوخ منه بالملوك ، في إخمال اللفظ، والإغضاء عن الجفوة ، والنداء بالكنية [1] .


    المصادر : [1]: البداية والنهاية - المختصر في أخبار البشر - الإحاطة في أخبار غرناطة - تاريخ ابن خلدون - النفحة النسرينية و اللمحة المرينية .
    --

  7. #7
    أبو محمد عبد الله بن عياض



    نسبه


    هو الأمير المجاهد أبو محمد عبد الله بن عياض .



    نشأته و تربيته لن يقوم بأمر الجهاد إلا رجل تعمق الإيمان في قلبه ، ولن يتعمق الإيمان إلا عن طريق تنشئة صحيحة على الإيمان ، فلن يعقل أن قلبًا خلا من الإيمان يستطيع أن يحمل سيفًا في المعركة ، ولن يستطيع الصمود في المعركة من لم يصفَّ قدمه لله بالليل . فمن الواضح أنه تربى تربية على منهج الإسلام وقواعده ؛ مما أهله أن يكون مجاهدًا من المجاهدين والمدافعين عن دين الله ، فهذه مكانة لا يصل إليها إلا من تعلق قلبه بالله .









    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها عمل النصارى على قتال المسلمين في الأندلس وأظهر هذا النصارى الحقد الدفين الذي يكنونه للمسلمين و الإسلام ، فعلى مدار ثمانية قرون هي عمر المسلمين في الأندلس لم تضع الحرب أوزارها ، وأظهرت هذه الحروب أمورًا منها :مدى حقد النصارى على المسلمين ، وأظهرت كثير من مجاهدي الأمة الذين يحملون الغيرة على الإسلام في قلوبهم ، ومن هؤلاء المجاهدين عبد الله بن عياض الذي جاهد الفرنج ، وذلك لما حاصر ابن ردمير مدينة أفراغه من شرق الأندلس، وكان إذ ذاك على قرطبة تاشفين ابن السلطان ، فجهز الزبير اللمتوني بألفي فارس ، وتجهز أمير مرسية و بلنسية - يحيى بن غانية - في خمسمائة وتجهز عبد الله بن عياض صاحب لاردة في مائتين ، فاجتمعوا وحملوا الميرة إلى أفراغه ، وكان ابن ردمير في اثني عشر ألف فارس ، فأدركه العجب ؛ لما رأى قلة المسلمين ، وقال لأصحابه : اخرجوا ، خذوا هذه الميرة .ونفذ قطعة من جيشه ، فهزمهم ابن عياض ، فساق ابن ردمير بنفسه ، والتحم الحرب ، واستحر القتل في الفرنج ، وخرج أهل أفراغه الرجال والنساء ، فنهبوا خيم الروم . وكان الزبير اللمتوني قد أتى بجيشه إلى ابن ردمير، فانهزم الطاغية ، ولم يفلت من جيشه إلا القليل ، ولحق بسرقسطة ، فبقي يسأل عن كبار أصحابه ، فيقال له : قتل فلان ، قتل فلان ، فمات غمًّا بعد عشرين يومًا .و صدق الله تعالى حين قال : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] .


    وفاته آل أمر عبد الله بن عياض إلى أن جاء سهم من نصراني فقتله رحمة الله عليه، وذلك بعد هذه المعركة التي كانت عام خمسمائة وتسعة وعشرين .


    قالوا عنه أثنى عليه العلماء فقد كان من أبطال المسلمين ، غازيًا للنصارى ، وكان فارس زمانه [1] .


    المصادر : [1]: المغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي - تاريخ الإسلام للذهبي .
    --

  8. #8

    أحمد المنيسي



    لقد سجل طلاب جامعة القاهرة أروع الأمثلة في مقاومة المحتل البريطاني في قناة السويس وسطروا بدمائهم الزكية أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة ، وممن ضحوا بأنفسهم في سبيل تحرير الأرض أحمد المنيسي .



    مولده و نشأته ولد أحمد فهمي المنيسي بمدينة فاقوس بالشرقية ، وكان طالبًا بالسنة الثانية بكلية الطب جامعة القاهرة ، وكان متفوقًا في دراسته برز في ميدان الجهاد حتى نال الشهادة [1] .



    أهم المعارك ودوره فيها في صبيحة يوم 9/11/1951م وبعد أداء صلاة الفجر في كلية العلوم ، اتخذ (30) شابًّا من شباب الجامعة مكانهم في عربة كبيرة ، وانطلقت العربة بهم إلى قرية تقع إلى جوار (فاقوس) ، مملوكة للأخ " إبراهيم نجم " - رئيس (الإخوان) بفاقوس - حيث استمر التدريب تحت قيادة المجاهد " حسن عبد الغني " لمدة أسبوعين ، وبعد استكمال التدريب تم توزيع القوة على عدة مواقع ، أهمها (القرين) و(أبو حماد) و(التل الكبير) .وكان هناك تركيز على معسكرات الإنجليز بالتل الكبير وبالذات طرق المواصلات المؤدية إليها ، وأهمها القطارات ، وجاءت هذه الفرصة في 12 يناير 1952م ، هذا اليوم الذي شهد عمليةً واسعةً ، بدأت عاديةً، ثم تطورت تطورًا لم يكن في الحسبان .في صباح ذلك اليوم 12 يناير 1952م كان هناك بعض الشباب يلبسون الملابس الزرقاء ، التي يلبسها عمال السكك الحديدية ، ويضعون على رؤوسهم قبعات ضخمة ، ويحملون على أكتافهم (مقاطف) من الخوص ، معلقة على أطراف رافعات حديدية من تلك التي يستعملها العمال لإصلاح القضبان ، ثم توقَّفوا عند نقطة على الحدود ، وأخذوا يصلحون القضبان في تلك المنطقة ، وبعد نصف ساعة تفرَّقوا عائدين إلى البلدة .إلا أن أحدهم توقَّف على مقربة من المزارع ، واختار نقطةً كثيرة الحفر وجلس فيها ، وبعد أكثر من ساعتين ظهر قطار قادم على مهَلٍ ، وحين أصبح مُحاذيًا للمنطقة- التي يجلس فيها صاحبنا -حرك هذا يده بقوة ضاغطًا على جهاز تفجير الألغام ، فدوَّى انفجارٌ هائلٌ ، وأخذت عربات القطار تنهار وتسقط على جانبيها، وأطلق حُرَّاس القطار النار في كل الاتجاهات ، ولكن صاحبنا كان قد غادر المنطقة ، وفي اليوم التالي جاءت مجموعةٌ من الجنود الإنجليز لإصلاح القضبان ، وبينما هم منهمكون في العمل ، إذا بالنيران تُطلق عليهم من بنادق الشباب الذي كان يختفي في الزروع المحيطة ، فسقط منهم ثلاثة قتلى على الفور .و لم يبادر الشباب إلى الانسحاب - كما هي العادة - ولكنهم استمروا في إطلاق النار، وما لبثت سيارات المعسكرات الإنجليزية القريبة أن اندفعت إلى ساحة المعركة ، وقامت بعملية تطويق للمنطقة بأكملها لتمنع الشباب من الانسحاب والفرار .ووصلت قوة العدو إلى كتيبة كاملة تؤازرها خمس دبابات وعدد من السيارات المصفَّحة ، وبعد ساعات تمكن الإنجليز من محاصرة البلدة والمزارع المجاورة ، ورغم أن الحصار قد ضاق على الشباب ، واتضح أن لا نجاةَ لهم إلا بالتسليم ، إلا أنهم استمروا في إطلاق النار واصطياد جنود العدو ، حتى نَفِدت ذخيرتُهم تمامًا ، واستُشهِد عددٌ منهم ، ووقع الباقون في الأسر.واستُشهد في المعركة اثنان من شباب (الإخوان) ، وهما الشهيد " أحمد المنيسي " والشهيد " عمر شاهين " ، واستُشهد معهما عدد (6) من الفلاحين والخفراء النظاميين ، وعلقت الصحف البريطانية على المعركة فقالت صحيفة (نيوز كرونيكل) : " إن المعركة إحدى المعارك الكبيرة التي ثبت فيها المصريون ولم يركنوا إلى الفرار، وقالت جريدة (الديلي ميرو) : ظل المصريون يحاربون لواء (الكاميرون) و(الهايلاندرز) باستماتةٍ عجيبة [2] .





    استشهاده جاءت معركة التل الكبير، وكان أول شهدائها. يصف أحدُ زملائه تلك اللحظات بقوله : " في هذه اللحظة الحرجة أقبل علينا زميلنا " علي إبراهيم " - وهو يزحف تحت وابلٍ من نيران العدو- وطلب منَّا رباطًا معقَّدًا ؛ لأن " أحمد المنيسي " كان قد أصيب برصاصة ، وتطوَّع زميلنا (إدوارد) بالمجازفة بحياته لإنقاذ " أحمد " ، ولكن بعد فوات الأوان فقد لقي الرجل ربه" ، وجرت الأحداث سريعةً وخاطفةً، ووجدنا أنفسَنا بين يدَي العدو ، ثم دفعونا بشدةٍ إلى مكانٍ بعيدٍ حيث وجدنا الشهيد " أحمد المنيسي " غارقًا في دمائه .وسار أبناء (فاقوس) والشرقية في موكب وداعٍ حزينٍ يودعون الشهيد " أحمد المنيسي " وإخوانه الستة .في نفس الوقت الذي كانت القاهرة تودِّع رفيق جهاده " عمر شاهين " [3] .


    قالوا عنه وصفه أحد إخوانه بقوله : " كان ملتزمَ الصمت والهدوء ، وبرزَ كعملاق كبير يقف إلى جوار "عمر" ، وكان لا يقل روعةً عن "عمر" .. كان إنسانًا في كل تصرفاته ، يملأُ الحبُّ قلبَه والرقة والصفاء ، مع رجولة غامرة وشخصية قوية " [4] .


    المصادر : [1] موسوعة الشهداء في العصر الحديث جـ1.[2] موقع إخوان أون لاين ، الرابط :
    http://www.ikhwanonline.com/ .[3] موسوعة الشهداء في العصر الحديث جـ1.[4] المصدر السابق نفسه .
    --

  9. #9
    لالا فاطمة نسومر

    النسب و المولد


    ولدت لالا فاطمة أبوها بنت محمد بن عيسى بقرية ورجة بالجزائر سنة 1246هـ/1830م ، نسبت إلى قرية نسومر وهي القرية التي عاشت فيها فيما بعد .

    النشأة و التربية قالوا التعليم في الصغر كالنقش على الحجر وكذلك التربة في الصغر فمن غرس فيه خلق ، أو تربى فيه فضيلة ، أو نشأ على مكرمة يظل طوال حياته يعيش بها ، فالتربية في الصغر لها كبير الأثر في حياة الإنسان . نشأت لالا فاطمة نسومر في أحضان أسرة تنتمي في سلوكها الاجتماعي و الديني إلى الطريقة الرحمانية ، فأبوها سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ سيدي احمد أمزيان شيخ الطريقة الرحمانية . وكان يحظى بالمكانة المرموقة بين أهله ، إذ كثيرا ما كان يقصده العامة و الخاصة لطلب النصح و تلقي الطريقة ، أما أمها فهي لالا خديجة التي تسمى بها جبل جرجرة ، لقد تربت ونشأت دينية خالصة ، إذن فلا عجب من مقاومتها للمحتل رغم أن هناك كثير من الرجال لم يقاوموا المحتل بل ساندوه ويرجع ذلك إلى التربية التي فقدها في صغره ، كان لنشأتها الأثر في إيثار حياة التنسك والانقطاع والتفرغ للعبادة والتفقه في أمور الدين وتولت بعد ذلك شؤون زاوية الرحمانية بورجة . تركت فاطمة نسومر مسقط رأسها متوجهاً إلى بلدة نسومر والتي نسبت إليها وذلك حيث يقطن أخوها سي طاهر، وكان لأخيها كبير الأثر في حياتها وذلك لإلمامه بمختلف العلوم الدينية والدنيوية ، وقاومت الاستعمار الفرنسي مقاومة عنيفة أبدت خلالها شجاعة وبطولة منفردتين . جهادها وأهم المعارك ودورها فيها شارك النساء الرجال في ساحات القتال ولم يقتصر دورهن على تمريض الجرحى ، بل حملن السلاح جنباً إلى جنب مع الرجال ، وذلك منذ عصر النبوة ، وسجل التاريخ جهاد السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية التي دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وقاتلت يوم اليمامة ، وغيرها من نساء المسلمين ، وشارك النساء في الدفاع عن أوطانهن وقاومن المحتل ومنهن لالة فاطمة نسومر الجزائرية . فقد جاء الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر وفي قلبه كل الحقد على الإسلام والمسلمين لقد جاء الاحتلال وكل هدفه القضاء على الإسلام وأهله ، ولكن الله عز وجل الذي تكفل بحفظ هذا الدين قيض له من يدافع ويذب عنه كيد الحاقدين . أثبتت السيدة فاطمة نسومر أن ساحات الجهاد ليست حكراً على الرجال بل شاركن الرجال في حمل السلاح وقاتلن معهم جنباً إلى جنب ، رغم أنها امراة ورغم أنها قد انقطعت للعبادة والتبتل والتنسك ، إلا أن هذه العبادة التي ملئت قلبها تحولت إلى قوة حقيقة تحركها نحو الجهاد في سبيل الله ، ولم تمنعها العبادة من تتبع أخبار المجاهدين وما يحدث في بلاد القبائل من مقاومة زحف الغزاة الفرنسيين و المعارك التي وقعت بالمنطقة لا سيما معركة تادمايت التي قادها المجاهد الجزائري الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال بيجو سنة 1844، كما أنها لم تكن غافلة على تمركز الغزاة الفرنسيين في تيزي وزو بين 1845-1846، و في دلس 1847 تم محاولة الجنرال روندون من دخول الأربعاء ناث إيراثن عام 1850التي هزم فيها هزيمة منكرة . ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة و الدفاع عن منطقة جرجرة و في صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات ولهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا والقرى . تزعمت لا لا فاطمة نسومر المقاومة في هذه المنطقة عام 1854، أي بعد أن وصلت القوات الفرنسية بقيادة راندون الرى جبل سبت ناث يحيى " عين الحمام " في شهر جوان . ومن أشهر المعارك التي قادتها فاطمة نسومر هي تلك المعركة التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون و ماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمز قيدة حيث أبديا استاتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القواة عدة وعددا اضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الإنسحاب نحو بني يني، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا و وكالاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين و اتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين زوندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي ، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء ، وتمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة . بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت ، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة ، فاحتل عزازقة في سنة 1854 فوزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه ، وأنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها ، وواصل هجومه على كل المنطقة . بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالا فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القواة الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن و الأربعاء و تخلجت و عين تاوريغ و توريرت موسى ، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة و عتاد حديث ، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالانسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو ، لا سيما بعد إتباع قوات الاحتلال أسلوب التدمير و الإبادة الجماعية ، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز و لا رحمة . ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزام أو تقهقر أمام العدو أو تحصنا فقط بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي و قطع طرق المواصلات و الإمدادات عليه . الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي وعلى رأسهم روندون المعزز بدعم قواة الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة . خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا ، واتجه به صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قواة فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل و عدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال . على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق الكبير في العدد و العدة بين قوات الطرفين ، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات و إيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان . إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود ، إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا ، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء . وخوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال و نساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة ، على إثر مرض عضال تسبب في شللها . عُرف عن السيدة فاطمة نسومر التدين وحبها الشديد للوطن ، وعرف عنها أنها ساندت أخاها الأكبر سي الطاهر عندما تولى قيادة المقاومة وشرع في تجنيد المسلمين (أي الذين وهبوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله) ، كما ساندت الشريف بوبغلة في توجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال قبل أن تتمكن تلك القوات من إخضاع منطقة القبائل في سنة 1857. وفاتها أُبعدت السيدة فاطمة نسومر بعد أسرها إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وذلك خشية من الثورة التي قد تحدثها ضد الاحتلال الفرنسي ، ولم ترق لها الحياة فقد أصابها مرض عضال سبب لها شللاً ، ووافتها المنية في سبتمبر 1863، عن عمر يناهز 33 سنة ، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
    --

  10. #10
    حافظ صقر


    المولد و النشأة


    ولد حافظ صقر - رحمه الله - في مدينة اللد من مدن فلسطين المشهورة وفيها مطار مشهور.نشأ هذا المجاهد - رحمه الله - في بلده اللد وترعرع فيها ، وكان من الذين نذروا أنفسهم في سبيل الله لقتال أعداء الله الصليبيين من الإنجليز المحتلين والصهاينة الغاصبين .


    أهم المعارك ودوره فيها من الجدير بالذكر لأهل اللد نشاط ملموس في قتال الإنجليز واليهود ، خاصة الإغارة على قطار السكة الحديدة والمحمل بالجنود الإنجليز، ومن أعمالهم الجهادية مهاجمة قاطرة مع ست عربات بين السافرية و اللد مما سبب خسائر فادحة .لقد قام المجاهد القائد حافظ صقر - رحمه الله - بوضع خطة لمهاجمة قطار يحمل جنودًا بريطانيين وإبادتهم ، وتولى هو تنفيذ الخطة التي وضعها واستعان بنفر من المجاهدين لتنفيذ هذه المهمة ؛ ففي 24/7/1936م قام المجاهدون بنزع قضيب من السكة الحديد فوق الجسر الواقع بين محطتي اللد وكفر جفس عند الكيلو متر 107 وقبل أن يمر القطار من فوق الجسر، فاجأه المجاهدون بإطلاق الرصاص بكثرة هائلة ، مما أرغم سائقه على مضاعفة السرعة كما أخذ أفراد الجند المكلفون بالحراسة بإطلاق النار ردًّا على النار، ولما وصلت القاطرة إلى موضع القضيب المنزوع فوق الجسر اختل توازنها ، فارتجت وتدهورت إلى الوادي وجرت وراءها عربتين محملتين بالجنود ؛ مما أدى إلى خسائر فادحة .



    الوفاة بقي المجاهد حافظ صقر يشاهد ثمرة عمله الجهادي ، ويحصي ما سقط من القتلى والجرحى ، فشاهده جندي بريطاني فأطلق عليه الرصاص فأصابه إصابة قاتلة ، وقبض عليه البوليس وساقه إلى التحقيق ليحقق معه ، فسألوه عن الذين اشتركوا معه في انتزاع القضبان الحديدية ، فأجاب : لم يشترك معي أحد بل إني قمت وحدي بهذا الواجب الوطني . ثم صعدت روح القائد إلى بارئها [1] .

    المصادر : [1] توفيق الواعي : موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث جـ1.
    من الايميل

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مكانة المجاهدين فى المسلمين
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-18-2014, 05:49 PM
  2. شيخ المجاهدين : عمر المختار
    بواسطة سامي العبيدي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-16-2011, 06:29 PM
  3. حصاد المجاهدين 2007
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المآثر والمنجزات.
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 09-24-2007, 05:38 AM
  4. جهاد الليزر .. متى يصل إلى المجاهدين؟
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المآثر والمنجزات.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-14-2007, 04:18 AM
  5. ملف خاص بسجل المجاهدين
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-01-2007, 06:19 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •