أولوية الإصلاح الاقتصادي والإداري :
أ) إذا كان التوحد أهم وظائف الدولة القائدة لأي نظام إقليمي مستقل , فإن الاقتصادية وتحقيق الرفاهية للشعوب عن طريق التنمية القطرية والتكامل الإقليمي الاقتصادي , من أهم الواجبات الملقاة على عاتق أي حكومة مركزية أو دولة قائدة , ويمكن القول أن الاقتصاد القوي مدخلاً ضرورياً لتحقيق القوة والمناعة السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية – وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد نجح في إقامة كيان مركزي يؤمن بالمساواة الشكلية بين أعضاؤه ومع الاعتراف الواقعي بعدم المساواة الفعلية بينها , حيث تتميز الدول الكبيرة والقوية مثل / بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا , بعدد أكبر من الأصوات داخل البرلمان الأوروبي – فإن هذا ينطبق على أي نظام إقليمي قوي , يريد الوصول إلى تحقيق أهدافه في الوحدة وتحرير الإرادة السياسية عن طريق تحقيق أعلى معدلات التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية .
• وإذا كانت مصر هي الدولة القائد بمنطق / الجغرافيا والتاريخ والثقافة – مقومات القوة الناعمة , الممثلة للتجانس الطبيعي في المنظومة العربية – فإنها ليست كذلك على الجانب الاقتصادي , لدرجة يمكن تصنيفها تبعاً لمتوسط دخل الفرد من الدول الفقيرة عالمياً للإنتاج القومي من الدول المتوسطة وهي بالفعل كانت تعيش أزمة اقتصادية طاحنة – خاصة في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين الذي وصلت فيها الديون الخارجية إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار – بالتأكيد تؤثر على دورها ومكانتها كدولة قائدة للنظام الإقليمي العربي – بالنظر إلى دولة مثل المملكة العربية السعودية التي تتميز بارتفاع متوسط دخل الفرد فيها إلى المستويات العالمية الكبرى – مع أهميتها المركزية الإسلامية – والتي تجعلها بوجود الأماكن المقدسة الإسلامية فيها – محوراً لالتقاء الشعوب العربية والإسلامية من الناحية الدينية ولكنها لا تتوفر بمقومات القوة الناعمة المتوفرة – والتي يجب أن تتوفر- لأي دولة قائدة في أي نظام إقليمي دولي أو فرعي , وهو ما يعني أنه مع أهمية الاقتصاد فإنه لا يمكن أن نعتبره العامل الحاسم الرئيسي للدولة القائدة بعيداً عن المقومات / السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية التي تتوفر للدولة القائدة , وهنا يأتي الحديث عن التكامل الاقتصادي العربي – كخطوة أولى لنجاح النظام الإقليمي العربي في تحقيق أهدافه الجماعية في الوحدة وتحرير الإرادة والتنمية الشاملة – وهو أمر يحتاج إلى قرار سياسي , على العكس من المقومات الثقافية والاجتماعية التي يتطلب توفيرها أوضاع سكانية وحضارية طبيعية , وما تحتاج إليه مصر كدولة قائدة للعالم العربي – هو قرار سياسي – بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي , بعيداً عن اشتراطات البنك الدولي , وفرض الوصاية على الإرادة السياسية , للخروج من الأزمة الاقتصادية وفي النهاية لا يمكن أن نصل من خلال النظام الدولي إلى مواصفات المناعة الاقتصادية التي توفر وجود دولة قائدة عربية تتمتع بمقومات الدولة القوية خاصة في جنوب العالم . حيث تقبع الدول الافرواسيوية ومنها منظومة الدول العربية , وكان لا بد من وضع أولويات في النظام السياسي المصري , تسعى لحل المشكلات الاقتصادية الطاحنة....
ب) وقد تم تنفيذ أربع خطط خمسيه في عهد الرئيس/ حسني مبارك ما بين (1982- 2002) ساهمت في تحريك المجتمع المصري من خلال منظومة تنموية متكاملة , أوجدت قاعدة إنتاجية ضخمة تقدر قيمة أصولها بما يتجاوز ألفي مليار جنيه , توفر إنتاجاً سنوياً بمبلغ 635 مليار ويولد قيمة إضافية بمبلغ 400 مليار جنيه , وعلى مسار التجارة الخارجية ترتبط مصر بعلاقات تجارية مع مختلف دول العالم واكتسبت عضوية تجمعات اقتصادية وتجارية متعددة أهمها اتفاقية الشراكة المصرية الأوربية سنة 2001م وكما يقول الدكتور / نبيل حلمي في كتابه " لماذا – مبارك " : فإن سياسة الرئيس مبارك تميزت برؤية عادلة في توزيع الموارد على الأقاليم والمحافظات لتحقيق التنمية المتوازنة وترسيخ أسس التخطيط السكاني وشهدت الفترة
( 1982- 2002) إنشاء عشرين مدينة وتجمع عمراني جديد , وزادت المساحة المأهولة إلى 25% من إجمالي المساحة الكلية لمصر وزادت معها الطاقة الكهربائية وخطط السكك الحديدية وشبكات المياه – في معادلة اقتصادية صعبة مع تزايد عدد السكان ...
جـ) وكانت لدى إسرائيل مخططاتها الاقتصادية مع مصر والعالم العربي التي سعت إلى تنفيذها عبر معاهدة الصلح المنفرد مع مصر , بعد العام 1979م , ثم حاولت فرضها على الطريقة الأمريكية بعد اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين , وبداية كانت المفاهيم الإسرائيلية لاقتصاد السلام مع مصر تعود جذورها إلى الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل سنة 1967م , والذي عبر عنه " أبا أيبان" بقوله : " إن أمل إسرائيل هو أن تصبح الولايات المتحدة الصغرى... نحن لا نريد أن تكون لنا علاقات في الشرق الأوسط على غرار علاقات سوريا مع لبنان – ولكننا نريدها على غرار علاقات الولايات المتحدة مع بلدان أمريكا اللاتينية من حيث التعامل الاقتصادي " وهكذا فإن الإسرائيليين لا يفهمون إقامة علاقات مع مصر أو غيرها من الدول العربية إلا في إطار المنفعة الاقتصادية والسلام في نظر إسرائيل هو الاقتصاد , وإقامته مع أكبر دولة عربية – بداية مسار التطبيع في العالم العربي كله , والمسئولين عن رجال الصناعة والمال في إسرائيل يعتبرون أن القدرة على الإنخراط – التطبيع- في العلاقات الإسرائيلية المصرية هو بداية النجاح الإسرائيلي في تحقيق الهيمنة الاقتصادية على منطقة الشرق الأوسط بأكملها – إن السلام مع مصر سوف يحقق أهداف الحركة الصهيونية بإقامة دولة نموذجية – دولة قائدة- تندمج فعلاً بين دول المنطقة ...