منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 27
  1. #11
    1:12🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الَّليلة الحادية عشر ..



    قال التلميذ : لمّا خلق الله القلم قال له :
    اكتب كل ماهو كائن الى يوم القيامة ..
    ثم جفّ القلم .. ورُفعت الصحف !


    ثم بَلَغَنا أن عمر كان يدعو ؛ ( اللهم إن كنتَ كتبتني عندك شقيّاً ؛ فامحني بقدرتك ، واثبتني عندك سعيدا ) !


    فهل تتغيّر الأقـدار يـا شيخي ؟


    فأجاب العالِم الرباني :
    أوَ ما بَلغَك أن الدُّعاء يُصارع الأقدار !
    وأنّ ثَمّة دعاء من قوته ، وكثرة إلحاح صاحِبه ، وشدّة توسله ؛ يغلب أقداراً تنزَّلت ، و شارفت على الوقوع !


    يا بُنيّ ..
    ثمّة من يُتقنون الدّعاء بكثافة ؛ حتى تتنادى لدموعِهم ملائكة العرش !


    يـا بُنيّ ..
    إنّ الدعاء بعضٌ من ارادة الله .. فتعلّم كيف تفر من قدر يُرهقك ؛ الى قدر يرحمك ..
    تعلم كيف تفر من رمادية الأيام ؛ الى ألوان الفرح ومـواسم الشـتاء ..
    ولن يكون ذلك إلا إذا علَّمت رُكبتيك كيف تجثو في الأسحار !


    يا بُنيّ ..
    في لحظة ما .. ربما تُبعِثر الريح من حولك كلّ شيء .. حتى سقف بيتك .. لكنّها في الحقيقة ؛ تكون مأمورة بذلك .. فهي تعيد ترتيب كل شيء لك !


    إن كلماتك في السُّجود .. تشتدّ كل ليلة كَسِياج .. حتى يتطاول لك البُنيان ..
    وفي لحظة اكتمال .. سيبدو لك جليّاً أين كانت تذهب تلك الأنّات وتلك الدعوات !


    يـا ولدي ..
    ثق أنَّ الدُّعاء يعيدُ ترتيب المشهد .. فاغتنم شهر رمضان !






    د.كفاح أبو هنود ~
    ________
    رقم خدمة رسائل الواتس أب
    📲00972598981055
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  2. #12
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الَّليلة الثانية عشر ..
    قال الشّيخ .. وقد سبَقت أنوارُه حُروفه .. وبدا البِّشر على وجهه ؛
    ما أعذَب ليالي رمَضان ..
    وما أعذَب الحديث مع الله ..
    وما أعذَب طَرْق الأبواب !
    يا وَلدي ..
    إنّ مَن يُدمن قرع الباب ؛ يوشَك أن يُفتح له !
    فَقِفْ على سِجادتك .. وتناول ناصِية الأمنيات دَانية لك ظلالها !
    القِ دُعائك ان خفت أمرا ؛ مثل عَصا موسى { تَلْقَف ما يَأفكون } !
    ألقِ دُعائك في الأرض اليَباب ؛ تَنبَجِس لكَ { اثنتا عشرةَ عَيناً } !
    على قَدر ما قدّمت في اثَنتَي عَشر ليلةٍ رَحلنَ إلى الله !
    رَمضان يا ولدي .. دُعاءٌ يَتبعه عَمَار !
    دُعاء رمضان .. هو عَمارُ البيوت .. وَعمارُ الأيام .. وعَمارُ الأحوال !
    لمْلِم إحساسَك .. رُبّما كان مكسوراً .. لَملِمه بالدّعاء !
    ينتهي الغَبش ، و نَصحو مِن غَيبوبة الأحلام ؛ إذ الدّعاء في رمضان أقوى مِن كلِّ الأبواب المُشرَّعة للأحزان !
    ما أعذب رَمضان ..
    إذْ يجعل لكَ مع الغَيم المُمطر مِيعاد !
    ما أعذَب ليالي رَمضان ..
    تُشرق بها ؛ وقد كنت قِنديلاً على وشَك الإنطفاء !
    تعلّم صَلاة الإستسقاء في رَمضان .. تعلّم كيف تَنهمر السّماء بالدّعاء عليكَ مِدراراً !
    تابِع .. لا زالَ رمضان في أّوله .. انفُض عن كاهليك الذّنوب بِتوبةٍ نَصوح ؛ ثمّ انظُر كيف يذوب المِلح من أيامك !
    ألمْ تسمع السَّلف يُخبرك عنه أنّه يقول ؛ " ادعُوني بلاْ غَفلةً .. استَجب لكُم بلا مُهلة " !
    لا يُفسُد الدُّعاء يا ولدي إلا الغَفلة !
    لذا افتَتِح دُعاءك بحسنةٍ خفيّة .. بتوبةٍ عَميقة .. واذكر قول السّلف ؛ ( مثَل الذي يدْعي بغير عمل .. مَثل الذي يَرمي بغير وَتر ) !
    مثلُ رَمضان يا ولدي .. مثلُ نهرٌ يصبّ في قلبك ..
    جدول صغير رقْراق ؛ ينسابُ بالطّهر فيك ..
    فاجلس على ضِفاف ليالي رَمضان واستَمع له ..
    إنه جاءَ كي يهديك أسرارَ العطاء ؛ لو تعلَّمت كيف تغيبُ في الدُّعاء !
    قلْ للهِ في دعائك ..
    كم مرّة زَللت .. وكمْ مرّة فَشِلْت .. وكمْ مرّة تُهت .. وكمْ أنت مُحتاجٌ لِعينه التي لا تَنام !
    قلْ له ..
    أن يَدك تَرتجف .. وعاجزة عَن نزعِ التّراب عن بقايا رُوحك ..
    وانهمَر له بالدّمع .. دَمعتك تلك ستتدفّق كثيراً وتمورُ موراً .. وسيكون صُبحك نظيفاً !
    قلْ لله ..
    أنّ يدَك عاجزة عن بيَعةٍ ليس فيها للشيّطان نصيباً !
    قلْ له ..
    أن عُمرك مليء بالهَزائم !
    قُلْ له ..
    كمْ مرّة سجَّلتَ تاريخ موتِك ؛ يوم نخرَ الشّيطان في قلبك مراتٍ كثيرة !
    مَرِّغ وجهك في تُراب الذّل ..
    وقلْ له ..
    نَبذتْني ذنوبي في العَراء ؛ فأعزِّني يا مولاي بِطاعتك عزّاً لا يَفنى !
    يا ولدي .. اسألهُ تذلُّلاً ؛ يُعطِكَ تفضُّلاً !
    واذكُر مقام إخوة يوسُف إذْ قالوا ؛ { يا أيّها العزيزُ مسَّنا وأهلَنا الضُّرّ وجِئنا ببضاعةٍ مُزْجاة فَأوْفِ لنا الكَيل وتصدّق عَلينا } !
    ردِّدها .. وابكِ فقرك بين يديه !
    يا وَلدي ..
    دُعاء رمضان ينتَشِلك مِن غَيابة الجُبّ !
    دعاء رَمضان .. هو ما تُخبِّىء في سِلالك لسَبعٍ شِداد ..
    رَمضان لو فَقِهتْ الأمّة ؛ كان عُمرها منه أعواما .. فيها يُغاث النّاس وفيها يعْصرون !
    قال التِّلميذ :
    كيفَ أسْتَدرِك ما مضى مِن رمَضان .. أخشَى أنّي فَرَّطتُ !
    ردَّ الشّيخ :
    اعلَم أنّ عُمراً ضُيِّع أوّله ؛ حَرِيّ أن يُحفَظ آخِره !
    فاحفَظ إذن ما بَقي مِن عمرك من رمضان .. !
    احفَظه بِوَرع ؛ يٓرفعُ لك الدّعاء .. فقد قالها السّلف : ( بالوَرع عمّا حرّم الله ؛ يَقبَل اللهُ الدّعاء) !
    رَمضان هو بُحور الفَضل .. وماعدا ذلك زيْف ..
    ومَا على الشَّاطىء بعد رمضان غيرُ الزَّبَد !
    د.كفاح أبو هنود ~
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #13


    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الَّليلة الثالثة عشر ..
    ما أعذَب الجنّة يا شَيخي ..
    قال الشَّيخ .. وماذا رأيتَ مِنها ؟
    قال التَّلميذ :
    رأيتُ رمضان !
    رأيتُ انفسِاح القَلب بالنُّور ..
    رأيتُ فَرحة العافِية مِن الذَّنب .. رأيتُ بعد الدُّعاء قِبلتي ؛ بعدَ أن كنتُ قدْ تشَظَّيَت في الفِ اتِّجاه !
    رأيتُ الملائِكة حَولي .. مِثل أسراب الحمام تَهمس لي ؛كلّما أمطرتُ بالدُّعاء مكروباً ولكَ بالمثل !
    أكادُ أسمَعهم .. وأرى السّنابل بالأُجور مُثقلة !
    قال الشّيخ :
    صدَقت .. نحنُ نَزدحم طُوال العام بالخَطايا .. فيأتِ رمضان مِثل صبحٍ عَتيق .. يوقِف تناثر العَتمة فينا
    .. ويَفتح لنا طاقة الفَرج !
    أوّاه يا رمضان ..
    ( يا بابَ ميلادنا المَوصول ) بالسَّماء !
    قالَ التِّلميذ :
    انصَحني ..
    فقال الشّيخ :
    قدِّم رمضان بينَ يديْ العَام ؛ يَكفِك الله كلّ سُوء !
    الدُّعاء في رَمضان صَدىً يَرِنّ في بَقية عُمرك ..
    يلوّن لك أيامك !
    لاشَيء يَسقط من هَمساتك .. كلّ الهَمسات المَقبولة تُحلِّق نحوَ سِدرة المُنتهى .. تُدندن باسمِك حَول العَرش ..
    فيَسمعه الملأ الأعلى .. فَتقترب مِنك الجنّة ..
    و تَقترب مِنك غاباتُ النّور البيضاء !
    بعضُ الدُّعاء ؛ يجيد الصّعود إلى عوالمِ الإجابة !
    قال التّلميذ :
    عَلِّمني فِعل ذلك !
    قال الشَّيخ :
    افْهَم عَنّي ما قالهُ السَّلف ؛ ( إنّ اللهَ لا يقبلُ إلا النّاخلة مِن الدُّعاء )
    ..
    أي التي نَخَلها القلبُ ؛ حتّى كانت أجوَد ما صَعد إلى الله !
    إيّاك أنْ تُرسِل صَوتك ملوثاً !
    إيّاك أن تَسير إلى الله حافِياً !
    إيّاك أن تُرسل دُعاءك ؛ مِن بقايا مارسَب فيك من السُّمعة ، أو الرِّياء ، أو ماضي الذُّنوب !
    لَمْلِم كلماتك ، وأحسِن أنّاتها .. وابعَث مِنها ما يَليق بالله !
    واذكُر قول حُذيفة بن اليَمان : ليأتينَّ على النّاس زَمان ؛ لا يَنجو فيه إلا من دَعا بدُعاء كدعاءِ الغريِق ..
    دعاءُ رُوح تتَلوّى حولها أمواجُ البحر .. وتحصي لها ما بقيَ من زمنها .. ويُنذرها الطّوفان بالهَلاك ..
    رُوح تستغيثُ مِن أخمصِ جِراحها .. وتهزُّ السّماوات بِ " يا الله .. لا تَجعلني غنيمةً للشيطان .. لا تجعلني غنيمةً للفَناء !
    لا تجعل السعي هباءً منثورا !
    هل تَرى نفسَك على حافّة الموت .. على حافّة الضّياع ..
    على حافَّة الغِياب .. فتهرَع إلى الدّعاء ترجُوه أنْ لا يخذُلك !
    تَرجوه أن يمدّ يدك بحَبلِ النّجاة .. تتوسّل له أن يَرحم هَشاشة أقدامِك ؛ فقد شارفَتْ على السُّقوط ..
    ذاكَ يا وَلدي هو ُدعاء الغَريق !
    ادع دُعاء مَن يثق ؛ أنَّ كلّ شيءٍ في قُدرة الله .. فهو القائِل ؛ { يَمحو الله ما يَشاء ويثْبت } !
    حتّى مدّ الأعمار مِن ذلك .. إذْ قد يكون طُول العُمر في علم الله مشروطًا بدعاءٍ مُجاب ..
    فتنبَّه لذلك !
    وعامِل الله بالأَدب في الطّلب .. فقد قال السَّلف :
    ( إذا بدأ الرَّجل بالثَّناء قبل الدّّعاء ؛ فقد وجَب .. وإذا بدأ بالدُّعاء قبل الثّناء ؛ كانَ على رَجاء ) !
    ولا تَعجل !
    فأفضَل الدّعاء ؛ هو الإلحاحُ على الله ..
    ربّما تُثقلنا فَجيعتنا ..
    ويُرهقنا الخَوف ..
    فإذا فاضَ لسانك بالطّلب ؛ فاعلَم أنّ الله يُريد أن يعطيك مفاتيح الدَّهشة !
    يريدُ أن يَسكب لك الإجابة ؛ كيْ تنْساب في أيامك !
    و احْرِص على دُعاء الفّريضة ؛ فقد قال السّلف :
    ( اجعلوا حَوائجكم الّلاتي تهمّكم في الصلاة المَكتوبة، فإنّ الدّعاء فيها، كفَضلها على النّافلة ) !
    دوماً ابحث لك عن سَطر في سِجلات المؤمنين ..
    لا تُضِع وَجهك من صفوف صلاة .. رُبما تُشرق وُجوه الأولياء الأخفياء عليك ؛ ويُستجاب الدُّعاء ..
    أمَا سمعتَ أنّه ؛ ( ما مِن أربعين، يمُدّون يَدهم إلى الله يَسألونه، لا يسألونه ظُلماً، ولا قَطيعة رحم؛ إلا أعْطاهم الله ما سَألوه ) !
    لاتُغادر دُون دُعاء ..
    ربّما بكرامةٍ تقيٍّ تَندمل الجِراح .. وتُورق الدّعوات !
    بعض الأكفِّ إذا ارتفعَت ؛ يَعلق بها النّور .. فينتَثر على من يُجاورها .. يتسَلّل الفَجر مِن بين أصواتهم .. فلا تُغادرهم دون أن تلتقِط منهم شُعاع !
    قال التِّلميذ :
    علِّمني أجملَ الدّعاء !
    رد الشّيخ :
    لو عَلِمت ما في الرّؤية ؛ لأدركت أنّها فوق الجنّة !
    إنّ العبد إنْ كانَ ذا اتّصال ِ.. أبصَر في العـُلا ؛ النّورَ مُتلالي !
    يا وَلدي ..
    إذا هشّ رمضانُ الليل مِن عينَيك .. اتّسَعت لك الرّؤية ، وقارَبتْ مقام ؛ " أذِقنا لذّة النَّظر إليكَ " !
    فأكثِر مِن قولِك : وأذِقنا لذّة النَّظر إلى وجهك الكريم ..
    فذاكَ هو زمنُ الجنّة ؛ الذي ما خَطر على قلبِ بشَر !
    لا تتأخّر الليلة ..
    نظِّف مَوطن الدُّعاء فيك ..
    نظِّف لِسانك مِن جِراحاته وآثامه .. نظِّف قلبك مِن نِكاتِه ..
    ثمّ ارتشِف الدّعاء ، واغتَسِل بالوَصل .. وقُل :
    يا واصِل المُنقطعين أوصِلنا إليك !
    د.كفاح أبو هنود ~
    ___________________
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #14
    [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الَّليلة الرابعة عشر ..
    قال الشّيخ في مجلِسه :
    ماذا يفعل بنا رمضان ؟
    إنّه يعلّمنا أنّ فينا طاقة مَدخورة .. لكننا نحن من نَجعلها طوال العام طَاقة مَهدورة !
    انظُر إلى نفسك تبلُغ أعلى القرب ؛ وقد كنتَ قُبيل رمضان في هُوّة الضّعف !
    نعيشُ طوال العام على السّكون في انتظار شيءٍ ما ..
    وقد كنّا قادرين ؛ أن نجعل لخطو أقدامنا صدىً في الجنّة مثل بلال !
    رمضان ..
    يعلّمك ؛ كيف تفِرّ من دربِ العطِش إلى باب الرّيان ..
    أتدري ما مَعنى الرَّيان ؟!
    الرّيان في الُّلغة ؛ هو المُمتلىء .. هو مَن ارتَوى من كلّ شوق ..
    هو من شَبع من كلّ فضل ..
    وهو العُود الذي اخْضرّ ؛ حتى صار ناعماً مِن كثرة الرّيّ ، و دلال الفَضل ، وجمال السُّقيا !
    فيا لله ..
    حينَ جعل باب الرّيان مدخل الصّائمين لحناءِ الفرح وشلّالات الأُنس !
    قال ﷺ : [ إنَّ في الجنة باباً يقال له الريّان ، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ... فإذا دخلوا أُغلقَ فلم يدخل منه أحد ] .
    هل تَفهم مَقصد نبيّك من الحديث .. هل تدري أنّه يخبرك ؛ أنّ العَبد يقبِض ميراثه في الآخرة ..
    يتدثّر بجوعِه ، ودَمعه وصَمته ، وفَقده ، وكلّ أسمال الوَجع والجَوع ؛ ويصبح بها نَجمة في الفِردوس الأعلى !
    ووحدَه المؤمن .. من يُتقن صِناعة الميراث !
    تمسك برمضان ..
    تمَسّك بكلّ النور ..
    تمسّك به ؛ وانفُض الخَطايا عن أصَابعك .. سيُثبت الشهر حينها في يَدك ولنْ تسقط !
    تعلم كيف تقبِض على ذاتك .. على وُقوفك بين يديه .. على صوت القرآن دوماً في الليالي !
    احفر في قلبك بعُمق .. ستفاجأ أنّ فيك حقولا من الياسَمين المَخبؤة .. أنّ فيك ربيعاً ؛ لكنّه محروم من ضَربة فأسٍ تنبش عنه غَوائل الذّنوب !
    الذّنب عجْز ..
    الذّنب ضَعف ..
    رَمضان يطهّرك .. ثمّ يحرّرك .. ثمّ يكشف لك أنّك لو شئت لكنت من أهل { السّابقون السّابقون أولئِك المُقرّبون } !
    رَمضان يقول لك .. حذارِ أن تموتَ عاجزاً ..
    حذارِ أن تموت بقامة مَحنية ..
    بل مُتْ سابقاً !
    يا ولدي ..
    لقد كانَ الصّالحون يستَحوُن من الله أن يكون يومهم مثلَ أمسِهم !
    يتفقَّدونه .. فيضعونَ فيه و لو مِثقالَ شَعيرة حَب ؛ٍ ليرجَحَ ميزانُ اليوم عن ميزانِ الأَمس !
    رُبّما تبدو الحبّة خفيفةً .. لكنَّ النّهار بها أصبحَ مختلِفاَ ولو قليلاَ !
    فكيفَ كان حالٌهم مع زمنٍ ؛ هو من أحبٌّ الأزمان إلى الله ؟!
    لقد كان الحياءُ في نفوسِهم يشتَدّ أن يلقوا الله بصحيفةٍ ؛ تُشابه في ملامِحها صحيفةَ العام الذي مضى .. أو تُقاربه ..
    إذ للقربِ خطواتٍ لا يجوز أن تَتكرر !
    لذا كانوا يرددون ؛ أشعلوا السّرج في لياليكم .. عسى أن تشعل لكم أنوارَكم على الصّراط !
    لقد كان السّلف يعلمون أنّه لكلّ قرنٍ سابق ..
    ولكلّ رمضان سابق .. ولكلّ مِضمار سابق !
    فكانوا يوُصون قائلين ؛ اذا استطعت أنْ لا يَسبقك الى الله أحدٌ فافعَل ..
    و لَئن نازَعتك نفسَك فَقل لها ؛ لامُستراح للعبدِ إلا تحت شَجرة طُوبى !
    قال التّلميذ :
    كيف أصِلْ ؟!
    ردّ الشّيخ :
    من صحّ فِراره إلى الله ؛ صحّ قرارهُ عند الله !
    لا يتقلّب إلا المخذُولوون ..
    من نبتت في قلوبهم أعشاباً سوداء ..
    وقد قالها إبن القيم : (حال العبْد في القبرِ ؛ كحال القلب في الصّدر .. سِجناً ونعيماً وفَسحة ) !
    كاد التّلميذ أن يهتزّ للكلمات .. إذ في الصدر ضِيق تلوح أعلامه بين الحِين والآخر ؛ أيكون هذا حالي في القبرِ يا شيخ ؟!
    قال الشّيخ :
    لقد دلنا الصّالحون من قبل حين قالوا
    اصحَب الله إليه ! .. تَصل إليّه !
    استغرِق في قوله ؛ { إنّي مَعكما أسمعُ وأرَى } .. إن شئتَ أن يكفيكَ عجْزك .. فبها كفى موسى أمرُ فِرعون !
    إذا عَرَاكَ أمرٌ فَكِلْهُ إليه .. يكْفِكَ عُقباهُ وعَاجِلَتَه ..
    هو لما عراك خيرٌ من فِكْرِكَ ... وهو على ما طَرَقَكَ أقوى من دَفْعِكَ ..
    لا يعجزه إصلاح نفسك .. ان توقفت عن الصعود المتخاذل !
    يا بني ..
    اصحب رمضان في عمرك .. و توقف عن مغادرته كل عام !
    د.كفاح أبو هنود ~
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #15
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ الخامِسةَ عَشَر ..
    في الزّمَنِ المُباركِ .. نَشْتَمُّ في الأرضِ رُوحانيةً عَجيبَة .. كأننا نَسمعُ دَبيبَ الملائكَةِ وهيَ تلتَقِطُ الحَسَنات !
    تَلتقطُ الآيات ؛ِ مِثل الشَّمسِ تَجري في الأفْواهِ ..
    تَلتقطُ التَّسابيحَ ؛ مثلَ الفَجرِ يَمتَدُّ لنا على طولِ الصِّراط !
    تَلتقطُ النَّجوى .. تَفيضُ بالوجْدِ .. كأنها بُردةُ الحسنِ يَبلغُ بعدَها العَبدُ أن يُذكرَ في المَلأِ الأعْلى !
    تَمشي الطَّاعةُ في عوالمنا ، وتَختالُ في خواطِرِنا .. ويعلو الشوقُ حتى يَكاد العَبدُ أن يقولَ : { ربِّ أَرِنِي أنْظُرُ إلَيك } !
    هكذا كان حَالُ مُوسى بعدَ أنْ خَلا بالله ثلاثينَ يومًا ..
    عَرَجَ به الحبُّ إلى الأعَلى .. وشَفَّ الغَيبُ في روحه ؛ حتى كادَ أن يَرى !
    دَمعَ التِّلميذُ ، و تحرّك منه الفؤادُ !
    فقالَ الشيخُ :
    يا وَلَدي .. هذا طَعمُ الخَبرِ ؛ فكيفَ بطعمِ النظَرِ !
    قالَ التّلميذُ :
    كيفَ السَّبيلُ إلى مُقامِ مُوسى .. كيف السبيل إلى الحُبِّ لله ؟!
    قالَ الشيخُ :
    اسمع قولَ السَّلَفِ .. إنَّ اللهَ يُخلِصُ لكم من بِرّه حَسْبَ ما خَلُصَ إلى قلوبِكم من ذِكره !
    إن كنتَ تَشتاقُ إلى تَوَهُجِ الرّوح .. إلى عُرسٍ أزَليٍّ مَشهودٍ في الفِردوس الأعلى ؛ فاعْمُرْ قلبَكَ بُذكره ..
    فهو القائل {فاذْكرونِي أذْكُركُم } ..
    يا لله يابنيّ ..
    هنا آيةٌ .. هنا وَعدٌ إلهيٌّ .. هنا سِرُّ انفتاحِ جهاتِ الكَونِ وبَواباتِ العُبورِ للخلُودِ ..
    هنا حُقولُ القَمحِ تَظلُّ إيمانًا لك يُثمر ..
    هنا اللهُ يَذكرُ اسمَك !
    ويا لله بعدها ..
    كيفَ يَشعّ النّورُ من عُمقِك !
    ويا لله ..
    كيفَ يَغيبُ الحزنُ عن عمرِك !
    ويا لله ..
    كيفَ يَطلُّ الخيرُ في وجهك !
    يا ولدي لو سَمِعتَ صَريرَ الأقلامِ في المَلأِ الأعلَى وهيَ تكتبُ اسمكَ عندَ ذِكرِكَ لله لَـطِرْتَ فرحًا !
    قالَ التلميذُ :
    من أينَ أبدأُ الذكرَ ؟!
    قال َالشيخُ :
    من حيثُ قالَ اللهُ تعالى : { إنّ الذينَ يَتلونَ كِتابَ اللهِ .. يَرجونَ تِجارَةً لنْ تَبُور } !
    لا شيءٌ يَبلغُ العَرشَ أحبَّ إلى اللهِ من القُرآنِ ..
    ينبتُ الزّنبقُ في صوتِ القارِىء ؛ ثمّ نراهَ جنانَ الخُلدِ ..
    يَسهرُ الغيثُ على الزرعِ ؛ حتى يَموجَ به المَدى .. و يُنادى على صاحبهِ في الجنةِ ؛ ذاكَ ما عليهِ عَكَفْت !
    لقد كانَ ابنُ تيميةِ يكررُّ الفاتحةَ كلَّ يوم ؛ٍ حتى شُروقِ الشمسِ ..
    يَفتحُ بها خزائنَ العَطايا .. و يَقفُ بها على كلّ مشاهدِ الفَتح !
    وكان يرابط على عشقها ..
    قال التلميذُ :
    كيف أنالُ نورَ القرآن وفتحِه ؟
    ردّ الشيخُ :
    ألمْ تسمَعْه يقول ؛ { لا يَمَسَّهُ إلا المُطَهَرون } !
    من اكتملَ في الجوهر ؛ِ أمْطرتْ عليه سَحائبُ المِنَن !
    قال التلميذُ :
    في قلبِي لهفةُ الوَصلِ ؛ فَدُلَني على خيطِ النّور ..
    دُلَني .. كيفَ أبلغُ عَيشَ القرآنِ !
    قال الشيخُ :
    انْهُجْ طريقَ السَّلفِ ..
    اسمعْ وصيتَهُم .. يُوجزُها لكَ أحدُهم في قوله ؛ " تَكبدْتُ القرآنَ عشرينَ عامًا ، وتَنَعمتُ به عشرينَ عامًا " !
    لقد جَاهدوا بالقرآنِ ؛ { جِهادًا كبيرًا } ..
    لقد أعْلنوهَا .. أنَّ القرآنَ رسائلٌ أتَتنا من ربِنا ؛ لنقفَ عليها في الخَلواتِ !
    لتخلقَ فينا مواسِمَ خضراءَ ..
    لتُولِّدَ بها أمةً ؛ كانت تَحيا في شَوكِ الزَّقومِ ..
    لتطلقَ روحَ أمةٍ إلى أعراسِ التّاريخ !
    يا ولدي ..
    لما مات أبو جعفر القارىء .. رؤي في صدره فقط دون جسده غرة بيضاء ؛ مثل اللبن .. وكان ذلك نور القرآن ..
    وكان يقال فيه ؛ رجل خالط القرآن لحمه ودمه .. رجل أضاء صبح القرآن على صدره !
    فلما كُفن انتقلت الغرة بين عينيه كرامة للقرآن الذي امتزج به !
    يا ولدي ..
    بالقرآنِ لن يُدرككَ الليلُ ؛ إن سَكبتَ نورَه في قلبك !
    اغْمرْ روحَك فيه .. اغمِسهَا في فَيضِه !
    انظرْ إلى فقه السّلف مع القرآن ؛ إذ يقولُ أحدُهم ( إنّي لا أتْلو الآيةَ فأقيمُ فيها أربعَ ليالٍ ) ..
    إقامَة مَن يدركُ ؛ أنه بالقرآنِ يَحرسُ زحْفَهُ نحو الفِردَوسِ الأعْلى !
    يقولُ أحدُهم ؛ ( إنّي لأعيدُ الأيةَ إنْ تَلَوتُها غافلا ؛ً خَشية أن يُكتبَ أجرُها لي مَنقوصًا ) !
    ويقولُ آخرٌ ؛ ( آيةٌ لا أتفَهمُها.. ولا يكونُ قلبي فيها ؛ لا أُعدّ لها ثوابًا ) !
    يا الله
    هل كانَ هؤلاءُ من خَارجِ الزّمنِ البَشريِّ !!
    أمْ أنّهم كانوا مقيمين على عِشقِ الأُجورِ ؛ فاستنارَت الأرْواحُ منهم .. فأبصَروا كيفَ يكونُ إلى اللهِ المَسِير !!


    يا ولدي ..
    كانَ " نافعٌ " إذا قرأَ القرآنَ ؛ يُشمُّ من فَمه رائحةُ المسك ِ..
    فسُئِلَ في ذلك .. فقالَ :
    إني ما أمسُّ طَيبًا .. ولكنَي رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام يقرأُ في فَمي ، فَمِن ذلكَ الوقت أشمُّ المِسك "َ ..
    كأنَ القرآنَ بُستانٌ عَصَر كلّ عطرِه فيه !
    تَعلّم ..
    كيفَ تَتلو القرآنَ بمزامِيرِ رُوحِك .. لامِس به منكَ القَعرَ ؛ إن شئْتَ أن يتفجَّرَ منه النَّهرُ !
    ما بينَ البدايةِ بالقرآنِ والخِتامِ في دَرجاتِ القُرب ؛ِ أن تُتقنَ عَيشَ الخَلوَةِ بالقُرآنِ ..
    لا هذّ الألسُنِ بالقرآن !
    د.كفاح أبو هنود ~
    _______________
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #16
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ السادسة عَشَر ..
    قال الشّيخ :
    وتمَّ فتح مكّة في رَمضان ..
    قال التّلميذ :
    عِبارتُك توحي بأنّ الفَتح سُبق بِمراحل .. فهلْ كان ذاك ؟!
    اعتدَل الشّيخ في مجلِسه .. ثمّ قال :
    فتْحُ مكّة سُبق بميلادِ أمّة ..
    إذْ كان القُرآن يستلّ مِن عباءَتهم خُيوط الجاهليّة .. وينْسُج لهم ثياب الإنعتاق !
    كان يُنظِّفهم مِن إعوِجاج الذَّنب .. إذْ تَعلو الرّايات فقطْ باستقامة الفَاتحين !
    و كان النّبي يعْلم ؛ أنهم إذا استقرّت صُفوف الصّلاة في عُمقهم .. وثاروا على تقْسيم الجاهلية ؛ فإنهم سينتصبون للصلاة صفا { كأنّهم بُنيان مَرصُوص } ..
    إذْ مِن أول صلاة ؛ كان مُحمّد يُهيءُّ جَيش الفَتح لمكّة !
    كانت مدينة مُحمّد .. ليس فيها ليلُ الشَّتات .. واضِحة مَعالِم القِبلة فيها .. { لا شَرقِيّة ولا غربيّة } .. البُوصَلة تؤشِّر على العلوّ ..
    المَأذنة تعلن فيهم :
    الله أكّبر ..
    وتَلبسهم ثياب { أحسَن تقْويم } !
    نَثرتْهُم معارِك الصّحراء .. فعلّمهم مُحَمّد ؛ أنّ الرّايات المُنقسمة هي براكين مَوتنا .. هي قُيود الأسرِ المُبكر !
    لذا ..
    كانت مُحرّمة عليهم الخَمر من أجلِ عقولهم ..
    ومحرّمة عليهم نِداءات الجاهليّة .. محرّمة عليهم : يا للأوسِ .. ويا للخَزرج لأجلِ بقائهم !
    يا ولدي كلّ الذين تحدَّوا طَعنات يَهود في المدينة ؛ كانوا قادِرين على كسر ِهُبل ، والّلات ، ومَناة الأولى !
    وحدها العُقول الهادرة على حِيل بني قُريظة ، والنّضير .. كانت قادرة على كتابة ألحانِ الفتح لمكّة !
    يا وَلدي ..
    من يفرطون عُقد اليهود ؛ يفرطون عُقد الأصْنام !
    وكل سَيف في صَدر أخيك طَريح قابل للكَسر .. و تنتَفض لك البَيداء فقط يا ولدي ؛ إن صَقلت سَيفك للعدوّ !
    تُصفّق الهزيمة لنا ؛ إذا تَباعدت جُذورنا .. ويبتَعد بعدها فتحُ مكّة !
    تظلّ جِراحنا تنزِف على الرّمضاء ؛ إن صَهل الخَيل للعنصريّة ، أو لرايةٍ غريبّة ..
    وتكْتمل المعركة ؛ إذ ظلّت الخيلُ تصهل لقتالِ منقى من الغنائم !
    راجِع سورة الأنفال ؛ فقد كانت تُهيء لفتحٍ نقيّ .. لفتحٍ غنيمته نصرٌ أو شَهادة !
    كان النّبي ﷺ يكتُب رُواية الأسطورة .. يشدّ سطورها بخيوط الأخوة .. فيَغدو كل صحابيّ منارةً في الذّل على إخوانه ..
    وفي انسياب العَطاء للجَسد الواحد ؛ كانت جِنسيتهم الإسلام والإسلام فَقط !
    كان القرآن يتَغلْغل فيهم ؛ فيُخرجهم مِن حظُوظ نفوسهم إلى حظّ الله ..
    كيْ يُخرجهم من ضَمير الغائِب ؛ إلى عُنوان التّاريخ !
    هاهم يولَدون في غزوة أُحد مِن جِراحهم .. مِن بَصيرة { قُلْ هوَ مِن عند أنفُسكم } ..
    يصنَع لهم القرآن وعياً ربّانياً .. أنْ نقِّبوا في تضاريس أنفُسكم .. في كلّ شَرخ ..
    لا تعلّقوا معاذيركم على جُذوع الآخرين !
    بعد غزوة أُحد .. ضاقت المسافة الى فتح مكّة ..
    يوم ردّد الصحابة بشجاعةٍ ؛ { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويعفو عن كثير } !
    ثمّ كانت غزوة الأحزاب درساً عاصفاً .. إذّ اشتدت الرِّيح .. واشتدّ الجَمع عليهم .. واشتدّت المَعاول عليهم ..
    وفهِموا .. أنّ مَن يريد أن يرسم للإسلام خارطة الكون ؛ فليخرج من خارطة الجُرح .. من خارطة ضَياعنا ..
    إذْ أول الجُرح أن لا تشدّ { عَضُدكَ بأخِيك } ..
    أنْ تنقسم أحزاباً .. وتشدّ خَصرك بالكوفيّات الملوّثة ..
    " لنْ يحمل الفأس في الخندق الا أَخيك .. سيخذِلك اليَهود والمُنافقون " !
    لذا اقبِض على ثوب نبيِّك فقطْ !
    و إذا رأيتَ مِعْوَلك يكسِر صخرةً أعاقَتْك في الخَندق .. ورأيت مِن بريقها مفاتيح "رُوما" تُهدى إليك ..
    وإذا رأيت مِعولك في صَقيع الوحدة .. يُشعل الشّرارات لتُضيء لك طُرُقات الفَتح المَوعود .. وإذا رأيت رِيح الأحزاب تعصف بكَ وتقلِب القُدور مِن حوْلك .. وليس لك إلا عَباءة النّبي .. فتدثّر بها ..
    ثمّ تدثّر .. ثم تذكّر ؛ أنّ سُورة الأحزاب .. هيّأَت لسورة الفتح .. وأسرَجت الخُيول لكلِّ قُصور كِسرى وفارِس !
    لقدْ كانت الأحزاب تخْلِق لهم اليَقين أنّه ؛ {ما يَعْلَم جُنود ربِّك إلا هُو } .. إنْ تمَسَّكْت بثيابِ النّبيّ فقط !
    يا ولدي ..
    لا يكْنِس الأسيادَ والارباب حول الكّعبة ؛ الا مَن تحرّر مِن السّبي لغيرِ الله .. من عبوديّة الباطن !
    كمال الوَعي .. يوم لا نرقص لطَاغية .. ولا نهتزّ لبريقِ المناصب .. يوم نتطاول عن مائِدة الدّراهم .. يوم لا تَركع الأعماق إلا لوَحي السَّماء !
    عَشرة أعوامٍ ..
    مِن دأْبِ التّربية النبوية العَميقة .. عزَفت بعدها سُيوف الصّحابة ألحانَ النّصر !
    عَشرَة أعوامٍ ..
    انقضّ الجُهد النبويّ على بناءِ إنسانٍ ؛ كل واحد كان يَنتهي في أمّة !
    عَشَرة أعوامٍ ..
    مِن مواجهة الذّات .. و التّفتيش على الصّغائر والكبائِر في سُورة التّوبة ..
    حتى خَشِي عُمَر مِنها .. وظنّ أنّها ستَفضحه ؛ وتُعلن اسمه في المُنافقين !
    عَشَرة أعوام ..
    ٍ مِن الإغتسالِ ، والأوبِة ، والبِناء المَتين !
    عَشرَة أعوامٍ ..
    كانت كافية ؛ كيْ يرسُم بها مُحمّد صلى الله عليه وسلم خارِطة الفَتح لِمكّة !
    تشتدّ أقدام الفَاتحين .. يكسِرون المَسافات ..
    الغيم خَلاخل النّساء .. إذْ علَت المَرأة في الزّمن النّبوي ؛ّ حتّى لا تُبصرها إلا سَحاباً ..
    شكَّلَتها سُورة النّور .. وعلَّمَتها : أنّ العِفّة تَصنع في ثِيابها أمّة .. تَصنع مِنها علوّاً لا يُدانى !
    يشتَدّ الجَيش وهو ينشُدْ :
    جاءَ الحقُّ وزَهَق الباطِل !
    وفي قَرارةِ كلِّ مُقاتِل .. أنّه لو لمْ يكُن هوَ الحقّ ؛ لمُّا زهَق الباطِل !
    د.كفاح أبو هنود ~
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #17
    [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ السابعة عَشَر ..
    قال الشّيخ :
    في مِثل هذه الليلة من تاريخ السماء .. كانت سُيوف الملائكة تُؤوي أحلام الصّحابة العاملين !
    وتتهيء ليوم صبيحته معركة بدر ،،
    كان الوعد من الله في نفوس الصحابة إيماناً .. لكنّ الوعد يتنزّل بسلاسل الأسباب !
    يا بني .. تَميل الشّمس إلى جهتك .. تنبتُ لك زَرعك ..
    أو .. تزاورُ عنك حتّى لا تحْرقك .. أو ربّما تتوقّف ساعة تحسِم لك المعركة ؛ مثل يوشَع ..
    تفعل لك ذلك .. إن كنت بدريًّا في اكتمال !
    قال التّلميذ :
    كيف اكتَمِل في معاني بَدر !؟
    قال الشّيخ :
    لقد كانت معركة بدرٍ ..
    معركة إقرار الحَقائق !
    إذ كشَفت علانية ؛ عن أسباب المدَد الإلهيّ ..
    وكيف تُقطف الأحلام .. ويُحصحص بين يديك الفَجر !
    لقد كشفت معركة بَدر ..
    أنّ طاقة المؤمن ؛ مثل زِناد يبلغ المُستحيل .. إذْ يقول الله { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } !
    فالمُؤمن في طاقة إنتاجه ؛ يَفوق عِشرين .. وهذا بعض معنى الحديث ( وكنتُ يده التي يبطِش بها ) !
    فإن تدَنّى العبد ؛ كان الواحِد باثنين .. { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ } !
    ولا أقل من ذلك .. !
    لقد كشَفت معركة بَدر ..
    أنّ التّوحد بين الروح البشرية والروح المَلائكية ؛ يشرعُ الأبواب للتنزّل العلوي ..ّ ويَمنح الأيدي المُقاتلة سُيوفاً سماوية ..
    فحين تجاورت أرواح أهل بدر مع أرواح الملأ الأعلى ؛ استَحقوا اختلاط الأنفاس في القتال !
    كشَفت معركة بَدر ..
    أنّ ترسانة تعكف على صناعتها بكلِّ ما تملك .. يمدّها الله بما يحيلها حديداً ؛ ولو كانت ضُلوعك التي بين جَنبيك !
    لذا اطلِق صهيلك حتى يبلُغ المدى .. عندها ؛ تَتنادى لك الملائك بالأثر !
    صَلِّ باشتعالك .. وهروِل الى الله بثوْرة الإيمان .. صَلِّ صلاة تائب عن خيانة الجهاد !
    قال التّلميذ :
    ماذا تقصد ؟!
    قال الشّيخ :
    الجهاد ؛ أن تبذل وسْعك ..
    وسورة الأنفال ؛ تُخبرك أنّك قادرٌ أن تمتدّ على كلِّ أطراف السّواحل بسَعيك .. فأنت بروحِ عشرين مُقاتل !
    لرَكعة يابني في جِهاد الوسعِ ؛ تنصب لك أمواجاً من الأجر .. أحبّ إلى الله من رَكعة جَسد ؛ كان قادرا ًأن يصنع الفلك .. لكنّه ترك الطّوفان يغمر المآذن !
    لا تخشى الحَرب .. فالسّيف لا يسلِب الرّوح .. إنّما يسلب الرّوح ؛ الوَهن !
    الوَهن ..
    يضعُ لك فواصِل في وثيقة العبور الى الفِردوس الأعلى .. ويظلّ بك حتّى تصير في هامِش الشَّرف !
    لقد كشَفت معركة بدر يا ولدي ...
    عن بصيرةِ المؤمنين ؛ فرأوا الملائكة على خيلٍ بِيض .. كلّ حبّة رملٍ ؛ تنتفض في أيديهم قهراً على الظّالمين ..
    كانت الكائنات تصلّي لأجلِ بَدر .. وترتّل الملائكة سُورة الأنفال .. و { يُهزم الجمع ويُولّون الدُّبر } !
    يومها كشَفت معركة بدرٍ ..
    عن الإيمان الثائر ؛ أنَّه وحده من يمتَصّ لهاثَ العَجز فينا !
    ترى كمْ مِن الإيمان نحتاج كي نكون مثل بَدرِيّ ..
    مثل شلّال سنابل .. خطوته في الأرض ؛ تُكتب بخَطوة عِشرين مُجاهد !
    { أعدّوا } .. هكذا كان الأمر فأعدوا كل الوسع .. ثمّ قَلّ العدد ؛ فاستحقوا المَدَد !
    كانت السّماوات مَلىء بالوُعود .. وعلى الأرض ؛ علامات مَصارع القوم ..
    كلّ الجهات كانت حُبْلى بغيم النّصر ..
    " لكنّ الأبواب لا تُفتح بدون طارِق " !
    لذا ظلّ النّبي جاثياً على رُكبتيه .. في ليلةٍ ؛ كانت تصهل خيلُ الملائكة فيها في عَرض السّماوات كلّها .. وتنتظر دعوةَ النّبي كيْ تَدنو وتتجلّى ؛ مثل بَرقٍ خاطِف .. يقلِب الموازين لصالحِ مَن أعدُّوا !
    لصالح من سَقطت عَباءتهم ؛ مِن شدّة الدّعاء عن المَناكب !
    يا ولدي .. بالإِعداد ، والدُّعاء .. اكتمل الترتيل ؛ فاستحقوا التّنزيل !
    الإيمان الواعي .. تِلك هي قصّة بَدر ..
    لا الإيمان الباكي !
    ثمّ انظر إلى هذا المعنى في نبيِّك ؛ وهو يُؤوي أسرى بَدر .. يَمنحهم لحظَة الإنسانية المَفقودة .. إذْ يجلسون إلى أطفالِ المسلمين ؛ يعلِّم كلّ أسير عشرة أطفال القراءة والكتابة .. ثمّ يتحرر !
    كان يومَها .. يخلِق وظيِفة جديدة للأسير ؛ِ لا تعرفها البشريّة .. يعتِق بها أبناءَنا من الجهلِ ؛ ويعتق أولئك الأسرى من وَحشية نفوسِهم !
    كان يترُك المقاتلين مع الأطفالِ ؛ ليتعلّموا فِطرة الحَياة .. و براءَة المشهد الأصِيل ..
    ويصنع لهم مَهمّة جميلة ؛ بديلة عن السّيف والدّم !
    كمْ مرة ضَحكوا مع الصّغار ؛ وهم يكتشفون القراءة والخُطوط .. ويتلَعثمون .. ويَنجحون .. ويصفِّقون فرحا بما فعلوا !
    وكيف غادَر المُقاتلون مدينة النّبي ؛ وقد تَركوا بِضعة لهم فيها .. وذِكريات صَاخبة حَميمة !
    كيف كان يخلِق الحياة .. ويُعيد بناء الإنسانِ .. ويَمنح الحياة مذاقاً جديداً !
    مَن سِواك يا رسُول الله ؛ يصنعُ مِن السّيف قلماً !
    مَن سِواك ؛ يخلِق مِن المُقاتل مُعلِّماً !
    وتنبّه .. أنّه عوتِب في توقيتِ الفعل .. ولم يعاتَب في الفعل !
    بدَْر هي بدرُ الحقيقة .. أنّ النّصر ربانيّ السِّمات والشّمائل ..
    فإن فهمتَ يا ولدي ؛ فأعرِض عَن هزيمتنا ولا تُجادل !
    د.كفاح أبو هنود ~
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #18
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ الثامنة عَشَر ..
    قال الشّيخ :
    هل دارَت ساقِيات الشّهر عليك .. فأنبَتَتْ فيك ؛ { النّخل باسِقات } ؟!
    قال التّلميذ :
    كأنّك تقول .. هل غَيَّرَك الشهر ؟!
    يا شَيخي ..
    لقد تحسَّست مَكنون ذاتي ؛ فرَأيت فيه عطراً وجُرحاً ..
    شمَمت التّسبيح في روحي .. ولمَحت في رمضان ؛ نَزيف الغُوايات القديمة !
    قال الشّيخ :
    أحْيِ مناسِك التّوبة .. و شِدّ خطوتك بالمعراج ..
    وانفُض مِن أمتعتك ؛ كلّ أسباب العذابات !
    قال التّلميذ :
    أنّى لي ذلك ..
    وكلَّما اشتَدّ حر الهوى ، واشتدَّ هَجير الذّنب ؛ ( خانَتني مَظلّاتي ) !
    قال الشّيخ :
    كنتَ في الرّعيل الأول ؛ فما الذي ردّك إلى العامّة !!
    أنتَ تُؤتَى كلّ مرّة من غفلاتك.. وقدْ قالها السّلف :-
    ، لنْ تَصِل .. حتّى تجعل بينك وبين الشّهوات حائِطاً مِن حديد " !
    صُمْ عن الزَّلات ؛ فهي خيبات القِيامة ..
    وافطر كلَّ يومٍ على أنّات الأَوبة ..
    وارفَع الصّوت في داخلك ؛ { إنّي تُبتُ إليكَ } !
    هذه الآثامُ أحجَار الطّريق ..
    فاكتُب على رمْل السّفر ؛ انّك توقَّفتَ عن مَوتك في ممْشاك ..
    إذ الذُّنوب انطفاءة كلّ خير !
    ولا تتّخِذْ في السَّير رِفقة قاعِد !
    انْأُى بصدرٍك عنهم .. و أوقِف سُقوطك ؛ بألفِ توَسّل ..
    وشدّ جِذعك الى نخيل الجنّة ؛ بألفِ ابتهال !
    و اصحَب بدلاً مِن العاجزين ؛ مَنْ يعِظك بلحظهِ قبل لفظهِ ..
    مَن يروي قَحْطك باخضرارِ روحه ..
    مَن إذا صافحتَه ؛ صار رمضان لك [ ريّان بالوصل ] لا ينتهي .. الا وفي الأيْدي مفاتيح باب الرَّيان ..
    تهتزّ شوقاً .. وتَفيض عليك في الدّنيا قبل أن ترحل اليها !
    قال التّلميذ :
    أنّى لي بِمثله ؟!
    قال الشّيخ :
    إذنْ .. طالِع سِيَر السّلف .. وابحث في أرشيفِ حدائقِهم ؛ تجدْ رَبيعهم لم يمسه حريق تِيهنا ..
    ستُضيء مِشكاتك نوراً ..
    وسيتَّقِد الزّيت في ذبالاتك ..
    تلك حقول ؛ سقيت بالتَّبتل لله فلا تَذبُل .. ومَن قاربها أزَهر وأنوَر !
    تَعلُّم مَن سِيَرهم ؛ مراتب الأعمال عندَ الله ..
    إذ يَجيئك إبليسُ وأنت في شيٍء من الخير ؛ فيشير عليك دونه ليربح عليك شُعيرة !
    ويفوتُ عليك أجر السَّبق ..وينقُص مِن ثواب المَسير !
    اجلِس اليهم .. واسمو في مَعارجهم .. إنّهم يبلّغونك نهايات السّعي ..
    يعلَّمونك ؛ كيف تنبت رياحين الجَنّة مِن صدى خَطواتهم ..
    يرحلون بك إلى فضاءاتٍ ؛ علوّ المغفرة بعض مدارجها ..
    هؤلاء .. من يستحقون الصحبة !
    كيف ترى سعيك .. حين تسمع أن ابن القيم كتب " زاد المعاد " وهو مسافر !
    وشرح القرطبي " صحيح مسلم " وهو على ظهرِ السّفينة !
    وكتَب ابن تَيميّة كلَّ كتُبه ؛ وهو في السَّجن محبُوسا !
    إنّهم يكسِرون لك قيودك.. ويشدّون حبِالك ؛ ب { مقعدِ صدقٍ عند مليك مقتدر } !
    لو كانَ بينك وبين الله جِبالاً مِن ذُنوب البُعد .. فتذكّر قوله ؛ { فَلو صَدَقوا الله } !
    ابنِي من صمْت التّوبة ؛ طريقَ العَودة !
    وخُذْ بحظِّك مِن العُزلة !
    يا وَلدي ..
    إذا رُزقت اليَقظة ؛ فَصُنها في بيتِ العزلة .. فإنّ أيدي البَشر نهابة !
    و لا يَمنعك عَجزك .. فتتوجَّع يوم القيامة على ما فاتَك مِن السّبق !
    وارفَع سقفَ هِمّتك ..
    وضِىءْ طمحوك بعلُوِّ الهِمّة ..
    وتوقَّف عَنْ الانحناء ..
    واذكُر همّة " رَبيعة " الذي قال :
    ( كنتُ أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوَضوئه وحاجتَه ، فقال لي ؛ سَلْ .. فقلت أسألكُ مُرافقتك في الجنّة !
    قال ؛ أو غيَر ذلك !!
    قلت ؛ هو ذاكَ !
    قال ؛ فأَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السّجود ) !
    واذكُر الأعرابي ؛ إذ جاءه سائلاً حفنةَ شَعير !
    يا وَلدي ..
    مَن لمْ تبكِ الدّنيا عليه ؛ لمْ تضحك الآخرة إليه !
    " أمْخر صَباح السَّبقِ مُنْفَرِداً ..
    واختَرْ هواكَ على هواكْ ..
    عساكَ أنْ تلقى هُناك الى الطِّريق رَفيقاً " !
    د.كفاح أبو هنود ~
    __
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #19
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ التاسعة عَشَر ..
    قال التّلميذ :
    حَدِّثنا يا شَيخي الّليلة عن الشُّهداء !
    قال الشّيخ :
    الشُّهداء يا ولدي .. هُم الذين لاتُغريهم الّلحظة الرّاهنة ..
    الذين لا يتوقَّفون عند لقْطة الكاميرا .. أو نُقطة مَجٍد عابِرة !
    الشُّهداء ..
    هُم مَن يبحثون دوماً عن لحظةٍ مُتجذِّرة في العُمق ..
    مُتجذِّرة في مَلامح الكون ؛ وفي ضَمير الوُجود !
    الشُّهداء ..
    هُم من يَعرفون كيف يحفرون حُضورهم بإتْقانٍ مُذهل .. عبرَ نقطة دَمٍ سَخيّة .. تظلّ تفورُ في تضاريسِ الفعلِ البَشريّ ؛ حتى تُصبح شلّالا أو ربّما طوفاناً غامراً !
    الشُّهداء ..
    هُم الذين تتغيّر بَعدهم الكثيرُ مِن المُعادلات ..
    ويحتارُ الشّيطان في بَصيرتهم ..
    و لا تَبقى ذاكرة التّاريخ بَعدهم كمَا هي !
    الشُّهداء ..
    دوماً لهم مِنصّة الحياة ، ولا يَقبلون بالعتَبات !
    لذا .. يُغامرون كثيراً بِما يملِكون من أوراق عُمرهم .. لكنّهم دوماً هم الرَّابحون !
    يَرسِمون خَطوات الصُّعود إلى المقاعد الشّاغرة بجانبِ النَّبِيين .. ويَبتسمون في ألقْ الشّهادة ؛ إذْ يُقَلَّدون الجَزاء قبلَ العُروج !
    قال التّلميذ :
    وأين يَفطر الصّائمون مِن الشّهداء ؟
    قال الشّيخ :
    هُناك ..
    هناكَ حيث لحْظة إكتشاف الخُلود ، والغَيب ، وَتفاصيل الفرحِ الأزَليّ !
    هناكَ ..
    حيثُ النّعيم ينتَثر فوقَ رؤوسِهم كَحبّات المَطر ..
    حيثُ أيديِهم تلمَس النّور وتقطِف المُستحيل ..
    دانيةٌ لهم حَقائق الآخرة !
    هُناك ..
    تبدأُ كلّ البدايات !
    وهُناك .. يتَضاعف الزّرع والحَصاد ..
    وهُناك .. يسمَعون حرُوف أسمائًِهم في غِناء الحُور العِين .. وهُناك .. يَذُوقون دَهشة الفرَح على مائدِة النّبيّ !
    هُناك ..
    يُدرك الشّهداء عِظَمة الألمِ ورَوعة البَذار !
    في مِثل هذه الّلحظات .. تتَنادى أرواح الشّهداء ؛ في حواصِل طيرٍ خُضْر ..
    وحولَ العرش تتَهادى ؛ في فَرح أسطوريّ !
    هُناك ..
    يُدرك الشّهداء ؛ أنّ ماوراءهم كانَ رُكاماً مَنقوصاً ياولدي !
    يا ولدي ..
    إنّ الأُمنيات المُستحيلة ؛ هي التي تَصنع النّهايات المُستحيلة !
    الأُمنيات التي تَبدو كأنّها وُلادة من الّلامَعقول ؛ هي التي تُوقفك على شَاهقٍ مِن الجبال .. حيث تستَقرّ هُناك دوماً القِلّة !
    حيث يستقر الشهداء ..
    من شهداء فِلسطين ..
    تُعَلِّمنا السّماء ؛ أنّ الإمامة في لقيادة فوق المَشرق و الَمغرب " و فَوق كلِّ الأقاليمِ الضَّيقة !
    في فِلسطين يا ولدي ..
    تُعاد رَسم الخَرائط .. فَمِن مكّة إلى الأقصَى ؛ تُصبح المَسافة للسّماء اقرب عندَ نُقطة الصَّخرة !
    وفي سوريا والعراق و بقية جراحنا ..
    تصبح كلّ خَطوة للشهداء هي الحَياة ..
    لا رُواية للموتٍ في عالم الشهداء ؛ ( إمّا الحَياة ؛ وإمّا الشّهادة ) !
    الشّهداء ياولدي لا يَشيخُون .. و لا يَهرمون .. و لا يَموتون ..
    هي رُواية واحِدة ؛ في الشهادة الحَياة تكْتمل !ُ
    في عالم الشهدا فقطْ .. يُعاد كِتابة الأسْطر بالمَعاني الحَقيقيّة ..
    حيثُ يصَحِّح الشهداء الكَلمات .. يضعون في أول السّطر البُطولة .. و النُّقطة هي الشّهادة !
    في عالم الشّهداء .. ضلوعهم مَوسومة بالأدلة .. أقدامهم مُغْبرَّة .. وبِرائحة تُراب المسك ؛ يُبعَثون !
    يا ولدي ..
    كلّ مَن سِوى الشّهداء مِمن عاشَ لغايةٍ دِنيوية ؛ ينتَهون إلى العَدم ..
    ولا يمتلَِكون حتّى مسَاحة في ذاكرةِ التّاريخ أو الوَطن !
    يتحاشَاهم الخُلود في الفِردوس الأعلى ..
    ربَّما تَبكيهم بضعُ نِسوة في مكانٍ ما ..
    ربّما تُعَلَّق صورة لأحدهم على حائط ..
    ربّما يقتَرح أحدهم ذاتَ يومٍ ؛ أن تُنزَع صُوَرهم لأنّها أصبَحت باهِتة !
    و ربّما يشتَهون .. لو أنّهم تناوُلتهُم الحِراب حين يسمعون صوتَ صريرِ الأبواب تُفتّح للشُّهداء ؛ ليدْخلُون على اللهِ في عليِّين !
    ربّما .. إذ يعلَمون أنّ الله يضْحك لهم .. و أنّ ثمّة الكثيرِ مِن النِّعيم المَخبوء ؛ ينتَثِر في عَوالمهم !
    حينها ..
    يتمنَّون بعض جِهادهم .. وبعض خواتِيمهم .. وبعض عذاباتِهم في الدّنيا !
    د.كفاح أبو هنود ~
    _________
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  10. #20
    🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الليلةُ العشرون ..
    قال الشّيخ :
    حَديثي الّليلة كلّه مُقتبسٌٌ مِن كلمات السَّلف الصّالح .. التي جعلَ الله عَليها نوراًٍ من نُوره ..
    تسْمعها .. فَترى فيها آثارَ النّبوة ، ورَوائح الصِّدق المُبارك !
    اعتَدل الشّيخ في مَجلسه .. وأقبَل بصوتٍ ؛ كأنّه آتٍ مِن أبعَد مَدى .. مِن زمنٍ كان النُّور فيه لا ينطفىء .. ثُمّ قال :
    يا وَلدي ..
    علَّمنا السّلف الصّالح .. ( أنّ مُقيمَ جسَد الفقير بأسبابِ صَلاته ؛ مُشارِكٌ له في ثوابِ صَلاته ) !
    قال التّلميذ :
    كأنّك تَعني الصّدقة ؛ إذا اختَلطت بلحمِ الفَقير وأعانَته على رُكوعٍ مُطمَئنّ !
    قال الشّيخ :
    نعَم .. لقد كانَ " إبراهيم التَّيميّ " يَجمع الفُقراء ، ثمّ يقول ؛ تعبَّدوا الّليلة مِن رَمضان ، وأنا أكفِيكم حَوائِجكم !
    رغبةً مِنه أنْ ينالَ أجر صَلاتهم .. فأيُّ فقهٍ سلَفيٍّ مبارك هَذا ؟!
    و تأمَّل مَعي .. ما قَدر لُقمة تُعطيها .. إذا كانَ الرّبُّ يُربيِها .. فَيراها صاحِبها مثل جَبل أُحد .. أفَيرغبُ عن هذا الخير أَحد ؟!
    البَخيل يا ولدي ؛ ماتَ وذَهب ..
    وأمّا الكريم ؛ فعاشَ بعدَ الموتِ بِما وَهب !
    إنّ الُّلقمة إذا أُكِلت ؛ صارت أذىً في الحشّ .. وإذا تصَدَّقت بها ؛ صارت مَدائح عند العَرش !
    هيهاتَ أن يسمنَ لك المَدحُ عند اللهِ ؛ حتّى يهزَلَ الكِيس !
    يا ولدي ..
    إنّ الصَدقة إذا خرجَت مِن نفسِ تقَيٍّ ؛ فإنّها عن مِيتَةِ السّوء تَقي !
    أمَا سمِعتَ ( أنّ صنائعَ المعروفِ تقَي مَصارع السّوء ) !
    يا ولدي ..
    إنّ الصّدقة سَريعةُ الخَلف .. وهي حافظةٌ بعدَ الموتِ للخَلَف ..
    أنْفِق يُنْفَق علَيك !
    انظر وتنبه .. ألمْ تَر كيف أنّ النّعم اتّسَعت .. وعلى المُنفِق سَبغت وَوفَّرَت !
    ألمْ تَسمع .. أنّ الله آخِذٌ ( بِيَدِ السَّخِيّ كلَّما تعثّر ) ..
    يدٌ طابَت بالنَّفقة للهِ ؛ فاستَحقّت أنْ تكونَ في يَدِها يدُ الله !
    إنّ خيرَ الأعمالِ .. ( أنْ تُدخل على أخِيك المُؤمن سُروراً ) !
    وقدْ قالها " عبد القادر الجِيلاني " حينَ سَمع هذا الخَبر ؛ فتَّشتُ الأعمال كلِّها ، فما وجدتُّ خيرا مِن ذلك ، ومِن يَومها وكَفِّي للخيرِ مَثقوبة ! ً
    وقالها أيضاً " حكيم بِن حِزام " ؛ إذا رأيتُ بِفَنائي طالبَ حاجةٍ .. حمدتُ اللهَ عليه !
    بلْ إنّ بعضهم كان يُردّد ؛ مَن أصابه غُبار طَحيني .. فقدْ وجب الّليلة عليَّ شُكره !
    أتَدري لماذا ..
    لأنّهم فَقِهوا قولَ السّلف ؛ ( لا تَنهر سائلِا ،ً فلو عرَفْتَ ما يحمل مِن البرِّ لك يوم الِقيامة ؛ لحَملته في فُؤادك ) !
    لقد كانوا يا ولدي يُسَمُّون السَّائل ؛ رسول المَقابِر !
    وكانوا يوصُون بعضهم بالقَول ؛ بادِروا بالصّدقة المَواريث .. وتصَدّقوا في السِرّ بالمَحبوب المَصون .. حتّى تكونوا مِن أهلِ ؛ { لنْ تَنالوا البرّ حتّى تُنفقوا ممّا تُحِبّون } !
    لو قدَّم المرءُ خيراً لِنفسه ؛ لنَفعه في رَمسه ..
    إذ الجُنون ؛ أنْ لا تكون ممّن { ومُن يوقَ شُحّ نفسِه فأوُلئك هُم المُفلِحون } !
    لذا .. كان غالبُ دعاء السّلف ؛ الّلهمّ ارزُقني مالا وفِعالاً نكتَمل بها عِندك !
    نحنُ مِثل حبّة رَمل .. مِثل هباءَة .. لكنّنا نصبح رَبْوة تنسابُ مِنها مياهُ الخُلود ؛ إذا اطلَقنا أنفسنا بالعُطاء !
    يا ولدي ..
    في عام ( ١٩١٢م )كانَت العِراق أغنى دولةً في المَنطقة .. وكان يَصِفها الشّعراء بأنّها ؛ غابةٌ لا تُحَدّ ، وانهارٌ لا تُعَدّ !
    كانت توصَف بأرضِ السّواد ؛ لكثرةِ نَخيلها وتُرابها المَروي .. إذْ في البَصْرة وحدَها ؛ كان تِعداد النَّخل " ١٣ " مِليون نَخلة !
    وفيها " ٣٥٠ " صِنفاً مِن التّمر .. وكان يُقال عن أهل العِراق ؛ قومٌ لا يَجُوعون !
    اليومَ ..
    تَعب نخيلُ العِراق .. وغاضَ حتّى جاعَ أهُله ، وجاعَت الأمّة كلّها مِنْ بَعدِهم !
    منذ ان كُسِر نخيل العراق ونحن ننكسر كل يوم
    يا ولدي ..
    هل تَدري .. أنّ عُلماء الصّومال ؛ كانوا يوصون أهلَ الصّومال بِصَرفِ زَكاتِهم لأهلِ نَجْد !
    هلْ تَفهم مَا ذا أقصِد .. هلْ بلغَكَ المَعنى !!
    تدبر وأعلم أن النعمة تسأل حفظها !
    إيّاك أنْ تَشتري جُوعك بِوَجعِ التّبذير ..
    أنفِق مالَك للهِ ؛ يُنفَق علَيك ..
    وكلّ نفَقة في غيرِ الحقِّ ؛ مِثل الفَخر والسُّمعة .. فاعْلَم أنّ مآلها نقصٌ لا يرْتقه أحَد !
    و إيّاك أنْ تضَع مائِدة فيها أيديْ الشّياطين ؛ إذ المُبَذِّرين إخوان الشّياطين !
    وأغلِق على مالِك بالصّدقة ..
    وطَهر بيتِك مِن التّبذير ..
    وأنصِت إلى صوتِ التّاريخ فينا ..
    أنصت إلى صوت الخيام حولك ..
    فإنّي أخشَى على المُبذِّرين فجأةَ الطُّوفان .. واندفاع الرّيح تَحمِلهم إلى حيثُ انكسار الفَرح !
    يا ولدي ..
    الصَّدقة لكَ ؛ والتّبذيرُ علَيك ! فاصنَع خيْمَتك مِن مالِك .. مِن حبّة الحِنطَة ..
    وبادِر .. قبلَ أن يَهبِط الجُوع عليك فَيطحَنك !
    د.كفاح أبو هنود ~
    ____________________
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ستفوح كفاي عطرا !!!
    بواسطة شادية مقداد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-21-2016, 01:53 AM
  2. إنني مرتبكٌ
    بواسطة فادي شعار في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-19-2015, 09:15 AM
  3. ملاحظات من الدكتورة /كفاح عبد المجيد رباح
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-04-2013, 08:48 PM
  4. إنني أنا الزراد
    بواسطة يعقوب القاسمي في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-14-2010, 06:57 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •