أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"10"
نبدأ هذه الحلقة بإلقاء الضوء – عبر وصف "أم سعود" – على الأعمال التي كانت تقوم بها المرأة البدوية،إضافة إلى جلب الماء،و رعي الماشية .. ( وعندما يكون في الخيمة رجل غريب أو زائر فإن النساء لا تأتي إلى الجزء المخصص للرجال من الخيمة،فهن لا يدخلن هذا الجزء إلا عندما تكون العائلة فقط مجتمعة،وتحضر كل امرأة معها كومة من الصوف،ومغزلها. وكانت إحدى النساء لديها صوف قرمزي يبدو أنها صبغته ولفته على عصا. وكانت الأخريات لديهن صوف ابيض أو بني يقمن بغزله. وقد كان هذا واجب النساء العجائز في المقام الأول،اللواتي كن يقمن أيضا بالإصلاحات اللازمة للخيام وستائرها الجانبية. ولكن النساء الأصغر سنا يقمن بالغزل أيضا على سبيل الاستراحة بعد العمل الصباحي الشاق.{على سبيل الاستراحة : أي مثل مشاهدة برنامج في إحدى الفضائيات،أو تصفح مجلة ملونة مثلا!!} وفي العصر تخرج النسوة لجمع الحطب وروث الجمال من المنطقة المحيطة بالخيام حيث كانت الجمال تربض طيلة الليل. ومن خيمة مبارك ذهبنا إلى خيمة راشد بن هادي لاحتساء المزيد من القهوة من جديد،بينما وضعت أمامي قصعة مملوءة باللبن الممزوج بالزبدة الطازجة والتمر وبينما كانت أقداح القهوة تدور علينا كان سليم بن علي يعطينا نصائحه حول كيفية الاحتفاظ بالشباب. وقد قال أن هناك ثلاثة أمور نافعة للرجال وعدّد هذه الأمور الثلاثة بلهجة لم أستطع تتبعها بينما تسلى بها الآخرون وسروا. ثم واصل نصائحه قائلا إن هناك ثلاثة أمور تضر بالرجل،ومرة أخرى ضحك الجميع عندما عدّد هذه الأمور.){ص 300}.وتذهب المؤلفة في رحلة جديدة إلى الصحراء .. ( وفي منتصف يناير 1963 قررت الخروج من جديد إلى مضارب المرة. فذهبت إلى الأحمدي ذات صباح لأخذ ناصر بسيارة ثانية،ثم ذهبت معه لإحضار خيمتي البيضاء التي كانت مع ناصر خرميط في الصحراء. سرنا بالسيارة لمدة ست ساعات بسرعة عالية،وأصبحنا في شمالي المملكة العربية السعودية عندما رأينا جبل أم نقا من على بعد،وبالقرب منه أربع خيام سوداء. فخرجنا عن الطريق الذي كنا نسلكه واتجهنا إلى الخيام التي اكتشفنا أنها كانت تخص راشد بن هادي مرضي وإحدى أخوات ناصر.(..) وبعد ذلك قدنا السيارة مسافة نصف ساعة أخرى متجهين إلى خيمة والد ناصر التي كانت منصوبة على الطرف الشرقي لخط من أربع خيام. وقد ذهبت أنا وناصر إلى الجزء المخصص للرجال من الخيمة حيث كانت القهوة معدة سلفا. وقد نصبت خيمتي البيضاء الصغيرة بمحاذاة خيامهم وقريبة منهم وتمكنت من نيل قسط من الراحة قبل أن نركب السيارة عائدين إلى خيمة راشد بن هادي لتناول طعام العشاء.وعندما عدنا إلى قوم ناصر جلسنا حول النار لبعض الوقت،وقد انضمت إلينا النساء اللواتي جلسن يدفئن أقدامهن الحافية على حافة الموقد وكن من وقت لآخر يلقين بالمزيد من الحطب وروث الجمال في النار لإضرامها وفي ذلك الوقت كانت الجمال قد بدأت تعود وتستقر في مرابضها أمام الخيام الأربع. وقد شد وثاق الجمل الصغير بإحكام حيث كان راغبا في ناقة كان متوقعا أن تلد في تلك الليلة. وقد جاءت الجمال المريضة أو التي كانت في حالة بائسة إلى داخل الخيام تقريبا. وقد أخبرتني شويقة أخت ناصر بأن الناقة ستلد في تلك الليلة وعندما أبديت استرابة في قولها قالت ببساطة"إننا ندري"وقد كانت محقة،ففي الساعة الخامسة صباحا قبل انبلاج الفجر مباشرة ولد الجمل الصغير.){ص 301}. ومن سنة 63،تعود المؤلفة لتتحدث عن سنة 1962،حين .. (جاءت أيام العطلة في شهر مارس وهو أفضل أوقات السنة في الكويت حيث يكون الليل لا يزال باردا والنهار طويلا ومشمسا. وفي اليوم الرابع ذهبت لزيارة ناصر خرميط وعائلته الذين كانوا يعسكرون بالقرب من وراة.(..) وبعد أن قامت ابنته وضحة وزوجته ربية بفرش الأبسطة،ووضع المساند للاتكاء عليها جاءت البنات الصغيرات بسرعة وتجمعن حولي في خيمتي البيضاء الصغيرة وقد دارت أعينهن الحادة بجوانب الخيمة لترى ما أحضرت لهن وكانت هديتي لهن في هذه المرة هي صفيحة كبيرة من مربى العسل والليمون وحوالي اثني عشر رغيفا من الخبز العربي المسطح وهي هدية كانت تلقى الترحيب دائما.وكانت هيا ابنة وضحة ومرزوقة وأختها هيا ابنتا وربة يرتدين ملابس من قماش واحد وهو قماش مخملي مطرز باللون الفضي والأزرق ويرتدين على رؤوسهن القبوع أو البخنق المطرز بلون ذهبي والتي أحضرتها لهن قبل أسبوع من هذه الزيارة. وقد قلن بحياء أنهن يردن أن يرقصن لي فهل يفعلن ذلك الآن أم في وقت لاحق؟ .. فأشرت عليهن بأن يؤجلن ذلك إلى أن أتناول غدائي (الذي أحضرته معي).وجاءت ضحية أخت وضحة من خيمتها محضرة ابنتها الكبرى نورية التي كانت تبلغ الخامسة من عمرها وابنتها الرضيعة هيا لتقديم تحية العيد إليّ. وكانت ضحية تتمتع بصوت رخيم يجعل الاستماع إلى حديثها أمرا ممتعا. وكانت ترتدي ثوبا من المخمل الأزرق كنت قد أهديتها قماشه من قبل وقد أخبرتني أن القماش كان كافيا لصنع رداء لابنتها الكبرى أيضا. وكان زوج وضحة الذي يتولى رعي أغنام الشيخ سالم العلي قد جاء من الشمال لقضاء العطلة مع زوجته وقد انضم إلينا ومعه أخوه سويلم في الخيمة الكبيرة لاحتساء القهوة .. (..) وبعد أن تناولت غدائي وانسحب الرجال بدأت الفتيات في الرقص. وقد وقفت ست نساء أولا في صفين متقابلين وبدأن في الغناء على نغمات تصفيق الأيدي. وكانت ثلاث منهن يبدأن في غناء مقطع من الأغنية ثم تقوم الأخريات بترديد نفس المقطع من الأغنية وأثناء الغناء ظهرت هيا من وراء ستار الخيمة وقد أزالت غطاء رأسها وأرسلت شعرها الطويل المموج. وكانت تمسك بيدها خيزرانة قصيرة وقد أرخت عينيها إلى أسفل،وكسا وجهها تعبير جدي. وبدأت تطرح {هكذا} برأسها يمنة ويسرة على إيقاع تصفيق وغناء النساء ثم تقفز قفزات الرقص والمعروفة عند العوازم إلى أن انتهت الأغنية وبعد دقائق قليلة بدأت مطرة ابنة وضحة الكبرى التي كان ترتدي ثوبا حريريا ورديا وتضع عليه ثوبا أسود مطرزا باللون الذهبي بدأت في أداء رقصة مماثلة .. ثم جاء دور بيبي،الأخت غير المتزوجة لوضحة وكانت ترتدي رداء حريريا مزركشا بالزهور وتضع فوقه ثوبا مطرزا بالأخضر والذهبي،وتزين جيدها بقلادة ذهبية وقد رقصت بيبي برهة قصيرة فقط حيث جاء زائر شاب من خيمة مجاورة وتنحنح ثم ظهر بالباب وكان من الواضح أنه يريد أن يختلس نظرة إلى بيبي ولكنه تعلل بأنه يريد أن يأخذ دلة القهوة من الموقد. وقد فرت بيبي صارخة (وي) وهي تغطي وجهها وشعرها.){ص 306 - 307}. ومن مارس سنة 1962،تعود بنا المؤلفة إلى الخلف .. (وبعد عيد الميلاد وأمسية السنة الجديدة العام 1962 قمت برحلة بالسيارة من الكويت إلى الظهران في السعودية (..) في طريقنا إلى الظهران فقد توقفنا لزيارة شويقة أخت ناصر وزوجها. وكان هنا أيضا حمد أخو ناصر ومعه سيارة (وانيت) جديدة وقد أعطيناه نصف كيس من الأرز لحمله إلى والده. وبين البدو دائما ما تجد شخصا يريد أن يركب معك مهما كانت وجهتك،وفي هذه المناسبة كان هذا الشخص هو جابر بن جمعان الذي ما إن رأى مقعدا خاليا بجانب ناصر حتى طلب منا أن نأخذه معنا. (..) والطريق من الخفجي يتجه مباشرة إلى المشعاب. ومن هناك سلكنا طريقا جانبيا إلى النعيرية. وكان من معالم طريقنا البارزة جبل بعل وهو جبل طويل يحصل منه المقاولون على الحجارة المستخدمة في البناء وشق الطرق ..إلخ. وقد خلفنا هذا الجبل إلى يميننا وبعد مسافة قصيرة استدرنا باتجاه أبو حدرية (..) وعندما اقتربنا من الخيام جرى ثلاثة أطفال صغار لتحية والدهم والترحيب به ولم يكن في الخيمة غير الصغار. وقد أخبرت ابنة جابر الصغيرة والدها بأن أمها وأختها الكبرى قد قضين معظم النهار في الخارج للبحث عن بعض الجمال التي ضلت في الصحراء. (..) وفي الخيمة السوداء الثانية وجدنا رجلا مريضا،وعلى الرغم من مرضه فقد دعانا لتناول القهوة معه وقد وضع لي لحافا مزركشا فوق صندوق صغير لأتكئ عليه،وبينما كان البن يحمص فوق النار تسلل كلبان سلوقيان تحت اللحاف في الجانب الآخر من الصندوق طلبا للدفء. وكان الرجل المريض هو محسن بن عريجان الذي كان يعيش هناك مع زوجته وولديه وكان له ابن يعمل في الكويت في مكتب البلدية.وحتى هذا الوقت لم يظهر أي أثر للنساء أو الإبل. وقد رأى ناصر أن الحطب المتبقي لم يكن كافيا فاقترح أن يقود السيارة إلى مرتفع قريب لجمع حطب يكفي لتلك الليلة. وقد ذهبنا معه أنا وعلي وسرعان ما جمعنا كمية كبيرة من شجيرات الأرطاء،والعرفج،وكانت الشمس تغرب عندما عدنا إلى الخيام ورأينا النساء يظهرن فوق مرتفع من الأرض ومعهن جمل واحد. وفي نفس الوقت ولكن في اتجاه آخر ظهر أحد الأبناء ومن ورائه كلب أغنامه. وقد قفز إلى مؤخرة السيارة مؤكدا لي أن كلبه سوف يتبعه.(..) وكان الليل عندما عدنا إلى خيمة جابر للجلوس حول النار واحتساء القهوة والشاي مع العائلة ولم يكن المطر قد سقط بعد على هذا الجزء من السعودية وكانت شجيرات العرفج قد اسودت حيث لم يجر في جذورها أي نشغ بعد. وبعد سقوط المطر يتغير لون هذه الشجيرات إلى الأبيض. (..) وقد انضمت إلينا بجوار النار زوجة جابر،باينة،التي كانت ابنة عم محمد بن سالم الذي كان صديقا لنا لعدة سنوات وجلست باينة تغزل وتحكي لزوجها بالتفصيل عن كل ما حدث أثناء غيابه. وقد ذكرت أنها قد رأت آثار أربعة ذئاب في ذلك الصباح غير بعيد عن الخيام وخلف الستار الذي يقسم الخيمة كان طعام العشاء يطهى على النار وكانت شيخة تتولى وضع الأطفال الأصغر سنا في فراشهم ليناموا.وكانت الإبل الهزيلة قد عادت مع محسن من بحثها عن الكلأ الذي استمر طيلة النهار واستقرت بجانب الخيمة وكل واحد منها مغطى بقماش من الخيش فوق ظهره لاتقاء البرد،ولقضاء الليل.وقد طلبت من ناصر أن يتلو عليّ السجع لذي يقولنه عن لأشياء التي تزيد الصحة،والأشياء التي تضرّها حيث أنني لم أستطع تذكرها كاملة،وأما الأشياء النافعة للصحة فهي كما يقول جابر (؟؟) والركوب على السرج،والجلوس بين النباتات. وأما الثلاثة الضارة بالصحة فهي. (؟؟) ومشاهدة الجثث،والنميمة الخبيثة.وقد قهقه الحاضرون عندما فرغ جابر {مع أنها طلبت من ناصر أن يسمعها تلك الأقوال!!} من تلاوة سجعه هذا.وسرعان ما حان وقت صلاة العشاء فغادر الرجال جميعا الخيمة وخرجوا لأداء الصلاة. وانسلت باينة من خلف الستار الذي يقسم الخيمة وجاءت لتجلس بجانبي. وقد خلعت سواريها الفضيين من معصمها ورجتني أن أقبلهما كهدية،قائلة (إننا في غاية الخجل لعدم تقديمنا العشاء لك هذه الليلة ولأننا لم نذبح لكم خروفا).وقد أكدت لها أنني قبلت إكرامها لنا بما قدموه من قهوة وشاي وأنني كنت ممتنة لهم جدا،وكنت سأقبل هديتها وبعد ذلك أعيد سواريها إليها.){ص 309 - 312}. هنا لابد من وقفة .. لأشير إلى أن هذا الكتاب،ليست فيه عبارات،أو مواقف تدعو للتحرج من نقلها .. باستثناء العبارتين المعوض عنهما بعلامات الاستفهام .. وهذه خصيصة غير موجودة في أي من الكتب التي قمنا بالسياحة فيها ... دون استثناء .. وإن كان بعضها أقل من بعض.نعود إلى "أم سعود"التي واصلت رحلتها لتقضي (أربع ليالٍ كضيفة على أرامكو في بيت ضيافتها البهيج. وفي اليوم السابق لرحيلي رافقني الصويغ في زيارة للأمير عبد العزيز بن سعود بن جلوي الذي كان يقوم بأعمال أمير المنطقة الشرقية في ذلك الوقت للسلام عليه. وكان الأمير سعود بن جلوي قد ساءت صحته فعهد بمعظم الأعمال المتعلقة بالشركة{هكذا} إلى ولده عبد العزيز الذي استقبلني في فيلته الجديدة على مشارف الدمام ورحب بي عند البوابة. وقد وجدت الأمير عبد العزيز مرحا جدا وودودا وقد انضم إلينا بعد ربع ساعة عمه الأمير عبد المحسن بن جلوي أمير الأحساء وتركي بن عطيشان الذي كان ممثلا للملك في واحة البريمي إبان النزاع الإقليمي عليها. وقد أصبح الآن أمير رأس تنورة وهو في نفس عمر عبد العزيز ويتمتع بابتسامة ساحرة وعيون براقة. ){ص 312 - 313}. هنا ننهي هذه الحلقة .. مذكرين بأن هذه السيدة التي تسافر في الصحراء،في سيارة مسرعة،لست ساعات متواصلة،والتي تساعد في جمع الحطب .. قد ولدت – لمن نسي – سنة 1896م .. وهي تتحدث عن سنة 1962!!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com