منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 13 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 121

العرض المتطور

  1. #1
    المحور الثالث..
    1-ممكن اعتبار كل عربي يقطن في قطر عربي أو غربي مثلا : مطبع بتلك الحياة التي يعيشها؟ إلى أي مدى نؤمن بصحة هذه المقولة؟ وهل العرق العربي قابل للذوبان في الجنسيات الاخرى ولماذا؟
    2-كيف يمكننا ان نربي جيلا يتبنى القضية وسط هذا الهرج والمرج والفوضى العروبية؟الإجابة..أولا وقبل كل شيء يجب أن نتفق على أن ليس كل ما لدى الآخر سيئا، بل إن لديه الكثير مما هو جيد، بل مما هو أفضل مما لدينا. بل على العكس من ذلك تغمرني قناعة عارمة بأن الإنسان العربي وبسبب العديد من العوامل يعيش حالة من انعدام الوزن والتيه والتناقض، حتى وهو ينشأ على ثقافته التي ورثها داخل بلده وبعيدا عن المؤثرات الأجنبية! إن الإنسان العربي بحاجة لأن ينفتح على الثقافات والحضارات الأخرى كي يتعلم منها ما عجزت ثقافة الاستبداد والخوف والألفة المقيتة التي يعيشها في وطنه عن أن توصلها إليه. لا يخيفني الانفتاح إطلاقا. حتى لو حصل في مراحل التكوين الأولى. إن الذي يخرج عن عباءته بسبب الانفتاح، هو لم يكن في عباءته من الأساس، وكأن حاله أشبه بالسكوت على باطل أو على ضلال، وبالتالي فقد كان جيدا أن يتعرض لزلزال الانفتاح حتى يظهر على حقيقته ولا يحيى ويحيينا معه حالة الانطواء التي كانت تظهره إنسانا سويا، بينما هو مليء بكل أشكال العقد. إذا تمكنا من أن ننشئ جيلا جديدا، على التفكير، وعلى حسن وسلامة استخدام العقل، وعلى الحرية وعدم الخوف، وعلى الثقة بالنفس ورفض فكرة التقليد الأعمى، والانصياع لكل ما هو من الماضي، وعلى الرغبة في خوض المغامرات والكشف عن الحقيقة، فإننا نضمن أن هذا الجيل سيؤثر في الآخرين أكثر مما سيتأثر بهم. أما والحال أن الإنسان العربي يذهب إلى الغرب وهو منطوٍ في داخله على كل التناقضات والأمراض الذهنية والنفسية، الناجمة عن حالة الخواء، ومحاربة العقل والفكر، والرضوخ للاستبداد والظلم، والهروب إلى الماضي، والتناقض بين القول والعمل، وتعارض المدخل التعليمي والتربوي مع المخرج الاجتماعي والقُدووي، فلا يمكن أن ننتظر غير الضياع والانفلات أو الإمعان في الانطواء.لماذا نخاف على مريض من الاطلاع على أدوية الأطباء؟ أليس من الممكن أن يجد في أحدها علاجا يشفيه من أمراضه؟ المهم أن يعرف كيف يقرأ وصفة الدواء كي يعرف أي دواء يناسبه؟ أميل إلى اعتبار الخوف من التطبع بالثقافات الغربية، والاندماج في تلك المجتمعات، والخوف على الهوية الذاتية من الالتحام بها، أعتبر ذلك مبالغة وتأسيسا خاطئا لفكرة تكوين وإنشاء الإنسان العربي.يجب أن نحدد ابتداء شكل ونمط وهيئة الإنسان الذي نريده، وننشئه على ذلك، ثم نلقي به في أتون كل الصراعات والمحاورات والمؤثرات دون أن نخاف عليه. كي نتحرر من الخوف على أنفسنا وعلى أبنائنا مما أثاره السؤال المطروح، يجب أن نحررهم من ذهنيات الألفة، والخوف، والتميز الفارغ، وإعادة إنتاج ذهنياتهم لتصبح ذهنيات تمرد وتجديد، وذهنيات جرأة وإقدام، وذهنيات تميز على أسس بناءة منتجة وفاعلة. عندئذ لا يخيفنا عليهم شيئ. أما ما دمنا نعرف أنهم خائفون من الجديد، متعودون على القديم، مستأنسون إليه وقانعون بالعيش في ظلاله، متوجسون من المغامرة والإقدام في المعرفة وفي السياسة كما في الحياة، واهمون في إحساسهم بالتميز، فلن يفيدنا في شيء إبقاؤهم حتى في قمم، لأن هذه الذهنيات تدمرهم وتقتلهم، حتى وهم في أوطانهم وبين ذويهم وتحت تأثير الثقافة السائدة.تقول الحكمة.. "إذا رغبت في شيء بشدة، فأطلق سراحه.. فإن عاد إليك، فهو ملك لك إلى الأبد.. وإن لم يعد، فهو لم يكن لك منذ البداية..
    مع بالغ تحياتي واعتذاري على الإطالة والمبالغة في الثرثرة
    أسامة عكنان

  2. #2
    السادة المحترمون في موقع فرسان الثقافة الأغر
    السيدة ريما الخاني المحترمة
    تحية وبعد
    هذه محاولاتي القاصرة للوصول إلى هامات أسئلتك العالية
    مع رجاء ان أكون قد لامست بعضا من سموها في هذا العبث بالكتابة التي خطها قلمي
    ولك وللجميع بالغ تحياتي
    أسامة عكنان
    *************
    المحور الاول:
    عرب 48

    1-هناك جدل دائر حول عرب 48 (على معظمهم)، منهم من يقول انه جيل تشرب رغما الطباع الصهونية وبات يتبع المسارت المتعرجة في الحياة, فضلا عن انه لا يملك عقيدة راسخة وقويمة وهناك أسماء كبيرة اخذت حقها إعلاميا وثقافيا وهي تملك من خفايا مخجلة سلوكيا, مثال:
    "لاضير من السير عبر كل الاتجاهات واجتياز معظم السدود والجسور, على أن اكون انا الرابح أولا وأخيرا..
    لا حرج في ارتكاب المعاصي فالله غفور رحيم..
    مادامت محبوبتي راضية فلا ضير من كل سلوك.. الخ..
    ونرى جرائم الشرف.. وبيع الهوية والمصالح ضمنا. وما تقييمكم بصدق وشفافية حول ذلك؟"
    .2-هل يمكنك القول ان الجيل الجديد بات أكثر وعيا؟ ام هو على أغلبيته صورة مصغرة لجيل ذاق الويلات وبات نتاج ذاك الزمن المر؟ هل قدمت تحليلا عميقا لهذه القضية بالذات؟ وماهي رؤيتك عنها؟ وهل يمكننا ان نقول بكل حزن ان شريحة كبيرة من العرب الذين باتوا كذلك من جراء التضييق الذي يمارس عليهم يوما بعد يوم؟
    ***********
    الإجابة..
    بداية أحب أن أعترف بأن موضوع "عرب 48"، لم يحظى مني باهتمام بحثي خاص يخولني أن أقول أنني قدمت تحليلا عميقا لهذه القضية، فهذا لم يحدث ولم أفكر فيه، ليس بسبب عدم أهميته، ولكن بسبب وجود قضايا أهم منه كانت هي هاجسي وشاغلي، وخاصة لأنني أيقنت أن تلك الفئة من الفلسطينيين الرازحة تحت الاحتلال منذ عام 1948، تتأثر بالعناصر المحيطة بها إسرائيليا وعربيا وعالميا أكثر مما تؤثر فيها. وهو الأمر الذي جعلني أركز على تحليل واقع القضايا والمَواطِن التي إذا تغيرت وتفَعَّلَت غيَّرَت وفعَّلَت كل ما حولها، وهي القضايا التي تحدثت عنها في إجابتي على أسئلتكم الأولى.. ولكن..هذا لا يمنع بموجب توفر التصورات العامة للقضية وعناصرها، وللصراع ومفاعيله، من فهم ما يحصل هناك على الجانب الآخر، ومعرفة أسبابه وتداعياته. وهذا ما سأحاول عرضه في هذه الإجابة المختصرة عسى أن أُوَفَّق في إيصال فكرتي على الوجه الصحيح.بادئ ذي بدء أسجل اعتراضي الشديد على تسميتهم بـ "عرب 48"، فهذا المصطلح هو الذي أطلقته عليهم إسرائيل بدل أن تطلق عليهم "فلسطينيو 48" على الأقل، لأن الهدف في تلك المرحلة المبكرة من عمر الدولة الصهيونية، كان هو تغييب البعد الفلسطيني في هويتهم بصفته النقيض المباشر والفوري للبعد الصهيوني في هوية غيرهم من اليهود. ونحن مع الأسف انجررنا بلا وعي منا وراء الأطر السايكولوجية التي تضعنا فيها الإمبريالية ومن ورائها الصهيونية. ولو دققنا النظر لوجدنا أن الكثير من المفاهيم التي نتداولها في يومياتنا الثقافية والسياسية، هي مفاهيم لم نخلقها أو نكونها نحن، بل هي كُوِّنَت وخُلِّقَت لنا ثم تشربناها بعد أن تداولناها للتعبير بواسطتها عما أريد لنا التعبير بواسطتها عنه، لتفعل فعلها السايكولوجي والاجتماعي التاريخي فينا من حيث لا ندري. وسأسوق في هذا المقام ثلاثة مصطلحات "مفاهيم" هامة جدا من تلك التي تحكم معظم خطابنا السياسي العربي المعاصر، حكاما ومحكومين، وأنظمة ومعارضين، عامة ومثقفين، بينما هي في الواقع ليست مفاهيم ولدتها ثقافتنا الخاصة "عربية كانت أو إسلامية"، بل ولدتها لنا وفرضتها علينا وعلى خطابنا ثم على فكرنا، ثقافة المستعمر، لأغراض سوف تتضح من خلال شرحي لها. ومن ثم سوف نتبين كيف فعلت هذه المفاهيم والمصطلحات فعلها اللاشعوري في السايكولوجية العربية على كل الصعد والمستويات.المصطلح والمفهوم الأول.. "دول الطوق".. بدل "دول الجوار"..المصطلح والمفهوم الثاني.. "العالم العربي".. بدل "الوطن العربي"..المصطلح والمفهوم الثالث.. "الشرق الأوسط".. بدل "المشرق العربي"..ولنبدأ بالمصطلح والمفهوم الأول.. "دول الطوق"..إن الفكر الصهيوني حرص على الاحتفاظ بعنصرٍ رئيسي من عناصر التكوين السايكولوجي الإسرائيلي موجودا وحياًّ على الدوام، وهو ألاَّ مكان في ذلك التكوين ليهودي منتصر بالمعنى الحقيقي والواسع والحاسم لكلمة منتصر، بل هناك فقط مكان ليهودي يَرُّد اعتداءً ويقدر على ذلك بكفاءة، أو يستعد لحماية نفسه من اعتداء ويتجهز لذلك باستحقاق، ليغدو الانتصار في القاموس الصهيوني، هو مجرد التمكن من تحقيق ذلك، أما تحقيقه بالفعل بإنهاء الخصم إنهاءً ينعدم معه وجود العدو الذي هو "مصدر التهديد"، فهو كارثة حقيقية بالنسبة له. وإذا لم يكن هناك ثَمَّةَ في الواقع اعتداء أو تهديد باعتداء، عندئذ يكون من المحتم الإيهام بكل ذلك، كي تذوي سريعاً صورة "الانتصار" وتحل محلها من جديد صورة "مخافة الاعتداء. لقد أظهر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أن العرب قد بلعوا الطعم على ما يبدو، فلا هم خاضوا حرباً حقيقية فوق قدرة هذا الكيان على الاحتمال والاستمرار، ولا هم خاضوا تسويةً قادرة على تفجير كل تناقضاته القاتلة التي من شأنها أن تُحَوِّلَه إلى ركام. ونجحوا فقط في أن يُمَرِّروا هدف المشروع الصهيوني المتمثل إسرائيليا في الإبقاء على معادلة التهديد والتوازن قائمة، للحفاظ على الوحدة السايكولوجية للإنسان الإسرائيلي، وهي المعادلة التي طالما تم التعبير عنها في أدبيات الصراع بحالة "اللاحرب واللاسلم". إن الحرب تعمل دائماً على تجميع كلمة الأمة، وليست هناك قوة أكبر من الحرب تعمل على الوحدة وتؤجل الخلافات وتُرَحِّلها إلى المستقبل. هكذا يفعل على الدوام من لا يملكون حلولاً حقيقية لتناقضاتهم المصيرية، الترحيل ثم الترحيل، ولا شيء غيرَ الترحيل، عبر تسخين الأوضاع، إلى أن يأتي اليوم الذي لا يستطيعون معه الترحيل، فتسود عندئذ معادلات صراعٍ جديدة. وهذا ما فعلته وتفعله الصهيونية في إسرائيل ذات التركيب الفسيفسائي العصي على الانسجام السايكولوجي الطبيعي الذي يُعْتَبَر أهمَّ عامل من عوامل تكوين واستقرار الأمم والشعوب في كيانات قومية متماسكة. لقد أتقنت الصهيونية بوجه عام فن استثمار عنصر العداء والكُره اللذين تُكِنُّهما الشعوب لليهود، كي تُنْجِحَ مشروعَها. واعترف أساطين الحركة الصهيونية بأن المُعاَدين للسامية مثلوا لها قوة إيجابية خدمت نضالها من أجل تحرير يهود الشتات من عبوديتهم في الجيتو. لقد كانت وجهة نظر الكثير من الصهاينة ومازالت تؤكد على أن فكرة "معاداة السامية" كانت قوة دافعة، إلى درجة أن بعضهم سيطر عليه الاعتقاد بأنها مُسْتوحاةٌ من عقيدة إلهية، وربما أنها كانت تحتوي على إرادة الرب لأنها أجبرت اليهود على توحيد صفوفهم كما أعلن "تيودور هرتزل".وكمحصلة لذلك، ترى وجهة النظر هذه، أن السلام مع العرب إنما يعني دفع التناقضات الداخلية للتجمع الإسرائيلي إلى التفاقم، ويُعتبر بمثابة المناخ الأنسب لازدهار القوى الوطنية العربية وتوجيه جهودها إلى نشاطات التنمية الحقيقية. لذلك فإن مشروع السلام العربي الإسرائيلي هو مشروع مرفوض صهيونيا، ويجب أن تبقى المنطقة خاضعة لمعادلة اللاحرب واللاسلم. فإذا ما أُجْبِرت إسرائيل لسبب أو لآخر على توقيع اتفاقات سلام مع العرب، فيجب أن تكون هذه الاتفاقات منفردة أولا، ومتبوعة بانفجارات وحروب وصدامات في مكان آخر ثانيا، كي يساعد ذلك على إبقاء معادلة توازن التهديد والقوة قائمة.إن الموقف الأمثل لازدهار التكوين السايكولوجي الإسرائيلي المهمين والهادف والدافع إلى الاستقرار المجتمعي وإلى ترحيل التناقضات القاتلة والمدمرة إلى أجل غير مسمى، هو موقفٌ يكفل توفر الأمن المهزوز، ويتضمن في الوقت نفسه ظهور التهديد المحدود. وبعبارة أخرى، هو ذلك الموقف الذي يحمل قدراً محدوداً من التهديد العربي يسمح بتفجير أقصى طاقات العدوان لدى اليهود الإسرائيليين ويوحُّدها، ويحمل في الوقت نفسه ضماناً كافياً للقدرة على إلزام هذا التهديد حداً لا يتجاوزه، بحيث لا يؤدي إلى زوال هذا المشروع من جذوره.إن هذه الثنائية السائلة القوام، هي المعادلة الدقيقة التي تُجَسِّد الإستراتيجية السايكولوجية للتجمع الإسرائيلي، الإستراتيجية التي تكفل بقاء ذلك التجمع صهيونياً استعمارياً جوهراً فيحقق أهدافَه، ويهودياً إسرائيلياً مظهراً فيستقطب التعاطفَ والحشدَ، وهي أيضا الإستراتيجية التي تكفل ترحيل كافة التناقضات التي عجزت مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة عن حلها في الإطار السلمي، إلى المستقبل، مع ضمان استمرار البعد الصهيوني الاستعماري في التجمع الإسرائيلي أطول مدة ممكنة. ولكي تتمكن القيادة الإسرائيلية من المحافظة على التوازن الدقيق بين طرفي المعادلة، فقد عَمَدَت إلى تأكيد أمرين أساسيين يخدمان هذا التوازن، منذ نشأتها وحتى الآن، وستعمد إلى الأمر نفسه ما بقيت بصفتها الاستعمارية. فهي قد أكدت على الدوام وجودَ تهديد عربي حقيقي للتَّجَمُّع الإسرائيلي، وسعت إلى إبرازه بكافة الوسائل، وعلى رأسها الوسائل الإعلامية التي نجحت في ابتداع مصطلح "الإرهاب" الذي غدا مصطلحاً عالمياً دخل كل الثقافات الإنسانية بمفهومة الصهيوني الاستعماري، فضلا عن ابتكارها مصطلح "دول الطوق" العامل في الاتجاه نفسه. ثم هي أكدت في الوقت ذاته على التَّفَوُّق العسكري الإسرائيلي، وسعت إلى إبرازه وتحقيقه بكافة الوسائل أيضاً، ولم تقف في ذلك عند حد الإعلام، بل وصلت إلى حد العدوان المتكرر والاستفزاز المستمر لتأكيده. ولعله لا يبدو لنا غريباً في ضوء فهمنا لجوهرية طرفي المعادلة المذكورة بالنسبة للمحافظة على التكوين السايكولوجي لليهودي الإسرائيلي، أن يحرص الماسكون بزمام السلطة في التجمع الإسرائيلي وبشكل دائم على إبراز صورتين تبدوان على طرفي نقيض للوهلة الأولى. صورة هذا التجمع بوصفه جزيرة صغيرة يحيط بها طوفان من الكراهية والتربص العربيين، وصورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، والذي يستطيع دق عظام العرب في أي وقت يشاء. وإذا كانت فصائل النظام العربي قد أثبتت عجزاً ملفتاً حتى عن مجرد زعزعة ثقة الإسرائيليين في صحة الصورة الأخيرة، لخلخلة التكوين السايكولوجي المهم لديهم، فإن عجزهها عن خلخلة العامل الأخر من عوامل هذا التكوين السايكولوجي، ألا وهو عامل تصوير التجمع الإسرائيلي بأنه ضحية غارقة في محيط الكراهية العربي، كان أنكى وأخطر. فدول الجوار العربي التي تحد إسرائيل من كل الجهات، لم يعجبها أن تطلق على نفسها اسم "دول الجوار" بكل الدفء الذي تشحن به كلمة جوار قلوب ونفوس السامعين، بوصف ذلك الدفء جزءاً مفترضا من الحرب النفسية المضادة، التي تأخذ في الاعتبار طبيعة البناء السايكولوجي للإنسان الإسرائيلي، ما قد يسهم في شرخ الصورة الصهيونية لهذا الجوار، وبالتالي في خلخلة عنصر التكوين السايكولوجي القائم على وصفه بمحيط الكراهية. بل هي قد بلعت الطعم وقبلت بأن تُطْلِقَ على نفسها اسم "دول الطوق" الذي يعد براءة اختراع صهيونية، بكل معاني الحصار والضغط والاعتصار والإذلال التي تشحن بها هذه الكلمة قلوب ونفوس السامعين، بحيث تكون الصورة الصهيونية المُسْتَهْدَفة لهذا المحيط العربي قد كسبت نصيراً هاماً ساعدها على تحقيق هدفها المتمثل في حفظ التوازن في مكونات السايكولوجيا الإسرائيلية. وهذا النصير هو الغباء العربي بلا منازع، هذا إذا افترضنا حسن النية في أنظمة التجزئة العربية ذات الأبعاد القطرية الوظيفية، وهو الأمر الذي نستبعده. ومن شاء أن يتأكد مما نقوله، فليرجع إلى الخطاب السياسي العربي، سواء كان خطاباً معادياً لإسرائيل أو مهادنا لها، ليعرف أن مصطلح "دول الطوق" هو المصطلح الرائج في هذا الخطاب عندما يتم الحديث عن كل من لبنان وسوريا والأردن ومصر، علماً بأن الشحنة النفسية التي يتضمنها هذا المصطلح هو قذيفة موجهة إلى خطة المواجهة العربية إن وُجِدَت، في حين كان يمكن لمصطلح "دول الجوار" اللطيف الدافئ أن يتضمن شحنةً نفسية أكثر تأثيراً من الأسلحة التي لم يمتلكها العرب، وأن امتلكوها فلم يستخدموها، وأن استخدموها فلم يحسنوا استخدامها. وإسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية هي التي أوجدت مصطلح "دول الطوق"، بينما نحن أبدينا إعجابنا به لأنه يعوضنا بمعاني الاعتصار والخنق التي فيه عن عجزنا عن اعتصار وخنق إسرائيل على وجه الحقيقة. لتصبح سايكولوجيتنا مبنية بالشكل الذي أريد لها من قبل أعدائها.المصطلح والمفهوم الثاني.. "العالم العربي".. بدل "الوطن العربي"..مجددا نجد أنفسنا أمام صياغة إمبريالية استعمارية ماكرة، تريد إضفاء صفة التنوع الشديد والواسع والكبير على الجغرافيا والديموغرافيا العربية، بشكل يجعلها في الذهن والنفس العربيين وغير العربيين عصية على التوحد في فكرة "الوطن" الذي تسببه حالة التقارب محدودة التنوع في الأساسيات على الأقل. فلفظة العالم تقودنا على الفور إلى تصور الصراعات والحروب والخلافات التي يشهدها الكوكب الذي هو "العالم"، أو التي شهدها العالم الغربي في القرن العشرين، او التي شهدتها مناطق متناحرة في العالم الثالث على مدى سني الحرب الباردة. وعندما يترسخ هذا التصور عن الجغرافيا والديموغرافيا العربيتين، في الذهن والنفس العربيتين، يغدو الحديث عن فكرة "وحدة عربية" في "وطن عربي"، حديثا مثيرا للاستغراب. فكيف يمكن للعالم العربي أن يتوحد، وهل تتوحد العوالم القائمة على أقصى درجات التنوع والاختلاف والاحتراب، كما نهو شأن العوالم التي نراها أمامنا على سطح هذا الكوكب؟! ولأن كلمة "العالم العربي" تمنحنا الإحساس بالضخامة المزورة الناتجة عن فكرة الاتساع، فإنا تلبي غرورنا بأننا كبار ومهمين وعظماء، وإن كنا سنعترف بموجب هذا الغرور نفسه، بأننا نتيجة لذلك عصيون على التوحد. ففكرة "الوطن" لا تتحقق في العالم، لأن كل عالم من العوالم يتكون من العديد من الأوطان، ولا يمكنه أن يكون وطنا واحدا. ولنا أن نتخيل المردود السلبي لهذا المفهوم العجيب عندما يصبح جزءا لا يتجزأ من خطابنا الثفافي والسياسي، بل والاجتماعي أيضا؟ إنه مردود جعل حتى الآن، أكثر أمة تتوفر على دواعي التوحد في العالم، وهي الأمة العربية التي اشتركت على مدى 1400 سنة في اللغة والدين والجغرافيا والمصير والقضية، مجزأة إلى 22 وطنا، بينما أمة مثل الأمة الصينية أو الهندية اللتين تتكون كل منهما من مئات القوميات والديانات، موحدة في كيان سياسي واحد فرض على الجميع أن يكون هو "الوطن"!! فلنتأمل المكر من جانبهم والغباء المفرط من جانبنا!!المصطلح والمفهوم الثالث.. "الشرق الأوسط".. بدل "المشرق العربي"..هذا المصطلح "المفهوم"، لا يختلف كثيرا عن سابقه في الغاية السايكولوجية التي يحاول تكريسها ألا وهي نفي فكرة التواصل السياسي والاجتماعي والاقتصادي عن الجغرافيا والديموغرافيا العربية تحديدا. ومع أن مصطلح "المسألة الشرقية" الذي كانت بريطانيا وفرنسا تستخدمانه للتعبير عن الصراع الأوربي العثماني في حقبة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هو أيضا مصطلح عمل في هذا الاتجاه إلى حد ما، فإن وصف منطقتنا بأنها "شرق أوسط"، يهدف إلى حرمانها من أن تكون منطقة معيارية، وتجزئتها في الذهن وبالتالي في التخطيط وفي التكتيك وفي الإستراتيجيات وفي التحالفات.. إلخ، إلى مناطق يمكن اعتبار بعضها ليس "شرقا أوسطا"، وضم جهات أخرى لتصبح من هذا "الشرق الأوسط". إنها لعبة معاداة العروبة بكل ما يتاح من وسائل. وبموجب هذا المعنى المراد تكريسه بهذا المصطلح، تصبح قبرص وتركيا وإسرائيل وإيران وأحيانا باكستان جزءا من "الشرق الأوسط"، بينما تحذف من هذه القائمة معظم دول المغرب العربي بل وربما الصومال والسودان أحيانا!!! إننا مجددا أما مصطلحات ذات أغراض سايكولوجية ماكرة هدفها الأساس خلق حالة ثقافية في الذهن العربي يمكنها أن تتحول إلى مضمون سياسي واقتصادي يخدم الخطة الإمبريالية الصهيونية. إنهم باختصار يعملون في كل الاتجاهات لتحقيق أغراضهم وأهدافهم ونحن نبلع الطعم بمنتهى الغباء.والخلاصة أنني ومن منطلق قناعتي بأن الغاية من تسمية سكان فلسطين الذين لم يغادروها عام 1948 بـ "عرب 48"، إنما هي طمس الهية وتكريس حالة سايكولوجية مستهدفة تعمل في هذا الاتجاه، أكرر اعتراضي على هذا المصطلح، مطابا بتسميتهم بسكان فلسطين المحتلة عام 48، أو بفلسطينيي الأرض المحتلة عام 48، راجيا أن أكون قد أوضحت سبب ذلك من خلال ما أوردته من نهج إمبريالي استعماري صهيوني عام متبع ضدنا حتى على الصعيد السايكولوجي. معتذرا عن الإطالة والإسهاب، فالفكرة اقتضت التوضيح.أما عن الحالة الثقافية وحالة ضبابية الإحساس بالهوية والانفلات الأخلاقي التي أشرت إليها في سؤالك، فهي حقيقة وأمر واقع، فما تعرض له هؤلاء من محاولات طمس وتغييب ليس بالأمر الهين. فإذا كانت الشعوب العربية المستقلة، وبسبب أنظمة التجزئة يتم تزييف وعيها وخلق هويات فرعية لديها ليست لها أي قيمة، ويصار إلى زجها في دوائر اهتمامات تسهم في تغييبها، فما الذي يمكننا أن نقوله عن فلسطينيي فلسطين المحتلة عام 48؟! ولكن في عصر الإعلام المفتوح والتواصل غير المسبوق بين البشر، فإن أمورا كثيرا تغيرت وسوف تتغير، هذا فضلا عن أننا يجب أن نعترف بأن الكثيرين منهم قد تمكنوا من الخروج من عنق الزجاجة والحفاظ على مشروع وطني يحاول أن يخلق حالة ثقافية فلسطينية وعروبية وإسلامية وإن تكن ما تزال محدودة ومقيدة بواقع هذه المواطنة الإسرائيلية المفروضة. وأنا أميل إلى تحميل فصائل الحركة الوطنية والمثقفين العرب خارج فلسطين الجزء الأكبر من مسؤولية ما آل إليه وضع هؤلاء. فإذا كان النضال السياسي والثقافي في جوانبه الأهم يقع على كواهلهم، فكان عليهم أن يدركوا أن استهداف إعادة انتشال هؤلاء من المستنقعات التي زجوا إليها، هي مهمتهم بالدرجة الأولى، وأنه كان عليهم أن يعتبروا استهدافهم في هذا الاتجاه جزءا لا يتجزأ من مشروعهم الوطني. أما ما سميته الانفلات الأخلاقي في جانبه السلوكي، فإنه لا يستوقفني كثيرا، لأن المسألة هنا نسبية، فمن تشرب ثقافة تعتبر العلاقات الجنسية خارج نطاق مؤسسة الأسرة مثلا علاقات مشروعة وطبيعية، فهو عندما يمارسها لا يعد منفلتا أخلاقيا، وإن كانت الثقافة التي يقوم على أساسها سلوكه، ثقافة فيها نظر من وجهة القيم والأسس الفلسفية!! فالزاني مثلا هو الشخص الذي يرتكب "الفعل المسمى عندنا زنا"، إذا اعتبره فعلا غير مشروع ومخالف للقانون وللقيم التي يستند إليها مجتمعه. أما من اعتبره مشروعا ومباحا، فهو لا يُعتبر زانيا، بل يمكن أن نعتبر فكره بهذا الخصوص منحرفا. أما سلوكه فهو منسجم مع فكره، وبالتالي فهو لا يعاني من تناقض بين النظرية والتطبيق، أو بين العقيدة والسلوك. فنحن لا نستطيع ولا بأي مسوغ قيمي أو أخلاقي أو منطقي اعتبار كل شباب وشابات أوربا الذين يؤمنون بشرعية العلاقة الجنسية قبل الزواج ويمارسونها عبارة عن زناة بالمعنى الذي نتداوله نحن معشر المسلمين، ولكننا نستطيع القول بناء على مرجعيتنا الدينية، أن ثقافتهم التي جعلتهم يبيحون هذ الفعل، هي ثقافة غير ملائمة وفيها إضرار بالمجتمع.. إلخ. ولكن نستطيع أن نلاحظ أن الزنا في تلك المجتمعات هو العلاقة الجنسية التي تقوم بين رجل وامرأة أحدهما أو كلاهما متزوج، وإنه بصرف النظر عن شكل العقاب الذي ترتبه قوانيهم على مثل هكذا أفعال، فإنها عندهم مجرمة، ويعد فاعلها زاني يستحق العقاب، وهو ما يسمونه "الخيانة الزوجية". المسألة إذن مسألة ثقافات، والأحكام يجب أن تنطلق على السلوكات من الثقافات التي تحصل في دائرتها تلك السلوكات، أما عندما نناقش الثقافات نفسها ومرجعياتها، فإن الموضوع يتخذ طابعا فلسفيا حتما، وبالتالي فهو يُناقش في دائرة فلسفة القيم.

  3. #3
    السلام عليكم
    وتحية كبيرة من شعب مصر انقلها إليك باحثنا العزيز:
    أرحب بك من هنا وأتمنى لك لقاء موفقا وشيقا وبعد:
    من خلال ردودك القيمة يمكنني سؤالك :
    1- كيف تترجم التيار التوعوي حسب ماذكرته للكتاب والباحثين الملتزمين برسالة نبحث عنها على عمومها؟ وكيف يترجمونه حركيا عير المسارات التي تضيق رويدا رويدا على المثقف؟
    2-ماذا تنتظر من الباحث المكبل اليدين إلى حد ما لمّا يلقى في الماء؟وكيف تنظم له مساره برايك الخاص عبر زمننا الصعب؟
    مع جل الاحترام

    مغترب مصري
    #00FF00
    إمضاء / عبدالرحمن سالم سليمان
    مع أرق التهانى ودوام التوفيق والنجاح

  4. #4
    السلام عليكم
    ويامرحبا بك باحثنا الكريم
    ولقاء هام كما ارى وبعد:
    قال الصحفي المعروف احمد منصور عندما أجري معه لقاء ودي مامعناه:
    لقد أبعدني عملي الصحفي عن بيتي وحياتي العائلية وأنهكني قراءة وبحثا..
    إلى أي مدى هذه المقولة صحيحة والتي تمس الباحثين والمثقفين المخلصين لعملهم؟
    ومارأيك بما يجري حولنا من احداث بتقييمك العام ومن هو المحرك الرئيس لها.؟؟
    مع التقدير والاحترام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    تحياتي لكم جميعا
    وهذا ما تمكنت من كتابته إجابة على أسئلة الصديق عبد الرحمن مصر العظيمة
    أسامة عكنان

    1- كيف تترجم التيار التوعوي حسب ما ذكرته للكتاب والباحثين الملتزمين برسالة نبحث عنها على عمومها؟ وكيف يترجمونه حركيا عير المسارات التي تضيق رويدا رويدا على المثقف؟
    2- ماذا تنتظر من الباحث المكبل اليدين إلى حد ما لمّا يلقى في الماء؟ وكيف تنظم له مساره برايك الخاص؟ عبر زمننا الصعب؟
    ..........................
    الإجابة..
    إذا اتفقنا على أن الكتاب والباحثين والمبدعين الملتزمين، هم جزء لا يتجزأ من البناء الثقافي للأمة، فمن المفهوم – ضمنا – بناء على تصورنا لمعنى أن يكون الإنسان مثقفا، أن يتجسَّد التزام هؤلاء المثقفين، وبالتالي أن تتجسد ثقافتهم ذاتها، في فعل ذي مضمون سياسي، على اعتبار أن الفعل السياسي، هو الغاية النهائية للمثقف الملتزم في أي مكان وفي أي زمان، بصرف النظر عن مجال الصيرورة المجتمعية التي سيتجسد من خلالها وفي فضاءاتها هذا الفعل السياسي، على اعتبار أن السياسة هي في المحصلة، صيرورة مجتمعية، جانب منها أيديولوجي أو فلسفي، وجانبها الآخر تقني أو إداري.المثقفون ليسوا نبتا شيطانيا ينبت في فراغ، ولا هم مخلوقات مبهرة تستحضرهم الأمم من الخواء، لتتغني بهم تغني أصحاب الصالونات الاستعراضية، وهم يتملقون إلى السمو بمحاولة مجاراته بغباء. بل هم "الأمة" بقضاياها جميعها، بآمالها وآلامها، بقوتها وضعفها، برغباتها وانكفاءاتها ومغامراتها، بعافيتها وكل أمراضها، برؤاها وتنوعها، بقسوتها ورقتها، بنفورها من الاستبداد وتطلعها إلى الحرية، باجترارها الظلم وانتظارها لحظات العدل، بتخلفها ونهضتها، بكفاحها واستسلامها، بوعيها وأوهامها.. المثقفون هم الأمة بكل تلك المكونات مكثفة فيهم، معبرة عن نفسها بأدائهم. لذلك كان المثقفون في كل زمان وفي كل مكان هو الدالة على الأمم، والمؤشر على حالتها، والعامل الحاسم في تقييم حراكها.لا يوجد مثقف لا يمثل بإنتاجه الثقافي، وبنمط تَكَوُّن عناصر الوعي لديه، رأسَ الهرم الفكري والتصوري والتعبيري، لسلسلة مجتمعية في مجتمعه. كما أنه لا توجد سلسلة مجتمعية في أي مجتمع، لا تُعبر عن نفسها بنمط ثقافي تجسده فئة من المثقفين فيه. أي أن المجتمع يفكر ويبدع، ودماغه هم مثقفوه، ويناضل ويتحرك ومقاتلوه هم مثقفوه، ويموت ويضحي وشهداؤه هم مثقفوه. يصعد أو يهبط بصعودهم أو بهبوطهم، يقوى بقوتهم ويضعف بضعفهم. "نجيب محفوظ" مثلا، هو صورة مكثفة عن الآلاف من المصريين الذين كان ينتشر في داخلهم نمط في التفكير، ونمط في التعبير، ونمط في الأداء، ونمط في فهم العلاقات المجتمعية في الحارة المصرية، تجلى في شخص مثقف مبدع اسمه "نجيب محفوظ". و"محمد حسنين هيكل"، هو أيضا صورة مكثفة عن عشرات وربما مئات الآلاف من المصريين والعرب، الذين ينتشر في داخلهم نمط في التحليل السياسي، ونمط في ربط المسائل بعضها إلى البعض الآخر، ونمط في التشخيص والتركيب والتعبير، ونمط في الوعي والتخيل، ونمط في الطموح والأمل، تجلى في شخص مثقف اسمه "هيكل". وهكذا دواليك. ما من مثقف إلا وهو تجسيد لفسيفساء مجتمعية موجودة فعلا، هو فقط عبَّر عنها، أو أنها – أي هذه الفسيفساء المجتمعية - بتعبير أدق نطقت بلسانه، وتحركت بأدائه وعبرت بكلماته.مادام هذا هو حال المثقف في موقعه من مجتمعه، فإن العلاقة بينهما، لا يمكنها أن تقوم على المناددة أو المخاصمة أو المناكفة، ولا على الاستعلاء والاستكبار، ولا على الاستخدام والتوظيف. المثقفون لا يستخدمون مجتمعهم لتحقيق أهدافهم ورؤاهم وأيديولوجياتهم. كما أن المجتمع لا يستخدم مثقفيه لتحقيق طموحاته ولتجسيد آماله. وعندما تقوم العلاقة على أي من تلك العوامل فإنها – قطعا – علاقة غير صحية، ولا يمكنها أن تكون لصالح أي منهما. إن كلا من "المثقفين" و"المجتمع"، هم "الآخر منهما" بشكل مختلف. فكما أن علماء السياسة يقولون أن "الحرب هي السياسة بوسائل عنيفة، وأن السياسة هي الحرب بوسائل ناعمة"، فإننا نقول أن المجتمع هو مثقفوه بعد تحليل هؤلاء المثقفين إلى أبسط مكوناتهم، وأن المثقفين هم المجتمع بعد أن نركب المكونات البسيطة لذلك المجتمع ونصبها في أعلى درجات كثافتها المجتمعية.في مجتمع معين فإن الفئات المحبطة من الناس تعبر عن نفسها في مثقفين محبطين، والفئات المغامرة تعبر عن نفسها في مثقفين مغامرين، والفئات المتشددة في مثقفين متشددين، والفئات الجريئة والمقدامة في مثقفين من هذا النوع، والفئات المهزومة في مثقفين مهزومين، والفئات الوصولية في مثقفين وصوليين، والفئات النفعية في مثقفين نفعيين، والفئات السلبية في مثقفين سلبيين، وهكذا إلى آخر قائمة البنى النفسية والذهنية الممكن تشكلها في مجتمع ما في مكان وزمان معينين. ولأن القراءة الموضوعية لحالة أي مجتمع ممكنة بتجرد وحياد وموضوعية، فإن كل فئات المثقفين التي لا تتجاوب حركيا وأدائيا وتنظيميا مع الرؤية المحايدة والمجردة هذه، تكون من الفئات التي لا نحبذ حسابَها على فئات المثقفين بالمعنى الملتزم والمُنتج والإيجابي والفعال للمثقف. من هنا نصل إلى النتيجة التي نود الوصول إليها والتي نكون – ربما – قد وضعنا من خلالها أيدينا على مكمن الإجابة على السؤال المطروح، وهو السؤال المتعلق بـ "كيفية ترجمة حالة الوعي على شكل مسارات راحت تضيق رويدا رويدا"، كما عبرت في سؤالك.لا يوجد شيء يحصل "فوق"، أي في البناء الفوقي للمجتمع، دون أن تكون قد حصلت قبله أمور كثيرة "تحت"، أي في البناء التحتي للمجتمع، أدت إليه بشكل حتمي. الثقافة هي البناء الفوقي الذي يعكس ما يوجد في البناء التحتي للمجتمع، أي في قواعده وخفاياه وحاراته وبيوته ومدارسه وجامعاته، وفي أنماط تنشئته الاجتماعية المختلفة، في مساجده وكنائسه ووسائل إعلامه، وفي أسواقه وورش عمله ومصانعه ومزارعه، بل حتى في غرز الحشاشين، وأوكار المجرمين والمتسولين والمشردين، وشوارع لعب الأطفال، وأماكن اختلاس المتعة الحرام، وفي كل مؤسسات الدولة وإداراتها ومخافر شرطتها.. إلخ.المثقف الذي لا يفهم أن ما يعانيه، وأن ما هو فيه من تضييق عليه، وخنق لانطلاقه وحريته، وتلجيم لإبداعه وحجر على فكره، ومحاصرة لأدائه، إنما تَكَوَّنَ وتَخَلَّقَ في الأسفل، هناك، حيث تولد كل الأجِنَّة التي تمهد للبناء الفوقي.. إن مثقفا من هذا النوع، هو قطعا يعاني من قصور في وعيه، وإن عليه أن يعود إلى الأسفل، أن يهبط إلى هناك، إلى حيث هؤلاء الذين رفعوه بشكل خاطئ، كي يؤسس فيهم لأدوات وحواضن وروافع جديدة، من شأنها أن ترفعه بشكل صحيح.حيثما اكتشف المثقفون خللا يتعارض مع ما يفترض أن تكون عليه الأمور في سياقها الصحيح الذي تقتضيه القراءة الموضوعية المحايدة للواقع المجتمعي، فإنهم يقعون في احتمال المراوحة في المكان والعجز عن التعامل مع هذا الخلل بالشكل المناسب، إذا هم ظنوا أن المشكلة هي بالضرورة هناك عندهم في القمة. لأن الخلل قد يكون ناتجا عن بنية تحتية مختلة أساسا وَلَّدَت بناء فوقيا مختلا، وقد تكون ناتجة عن خلل في اتجاهات البناء الفوقي بعد أن تولد هذا البناء وتأسس في "الأسفل" بشكل صحيح. إن الذي يحدد أي الأمرين هو الصحيح، هو هذه القراءة الموضوعية المحايدة التي نتحدث عنها، والتي بناء عليها يتحدد إن كان التعاطي مع هذا الخلل يتطلب العودة مجددا إلى الأعماق لإعادة البناء، أم أن من الممكن البدء من طابق من الطوابق العلوية لإعادة التأسيس الصحيح بدءا منه.من جانب آخر فإن المثقف الذي يتعامل بسلبية أو بتقاعص مع ما يراه من تضييق وتكبيل، حتى بعد أن فهم هذه الحقيقة – حقيقة ضرورة العودة إلى مكان الخلل للعمل على إصلاحه حيثما كان، حتى لو تطلب الأمر البدء من أسفل نقطة في البناء المجتمعي - هو مثقف – بالتعبير المصري خفيف الظل - "بيتلكك"، ويسعى إلى تحرير نفسه من المسؤولية الملقاة على كاهله كمثقف. أي أنه يريد أن يحافظ لنفسه على امتياز المثقف باعتراف المجتمع والنخب والآخرين به كمثقف مادام يتعاطى مع حيثيات الثقافة، وأن يتقبل منه المجتمع والآخرون والنخب التبرير الذي يقدمه كي يعفيَ نفسه من مسؤوليةٍ - ربما أنه - ليس أهلا لها.خلاصة القول يا سيدي العزيز، أن المثقف لا يكون مثقفا بإرادته الكاملة، فليست كل جوانب كونه مثقفا هي من صنع يده ومن محض قراراته، فالمكونات النفسية والذهنية التي لا فضل للمثقف فيها، تشكل أهم العناصر في شخصية أي مثقف، وهي التي تدفعه إلى أن يصنع من نفسه مثقفا برغبة واستمتاع وحرص. وبالتالي فالمثقف هو مخلوق قَدَري في الكثير من جوانبه التكوينية، أي أن قدَرَه أن يكون مثقفا، وقدُره أن يكون عارفا، أما مسألة تحويل ثقافته ومعرفته إلى حالة من الوعي عبر تجسيدها في حراك سياسي، فهي مسألة إرادية محض، أو لنقل أن الجانب الأكبر منها إرادي. من هنا فعلى المثقف أن يختار بين أن يكون مُجَسِّدا لحالة الوعي، وإما ألا يكون. والفرق بين الحالتين هو الفرق ذاته – بمنتهى الدقة – بين المناضل وغير المناضل، بين المكافح وغير المكافح، بين المقاتل وغير المقاتل. لذلك لا يوجد توصيف يمكنه أن يقدم للمثقف "مبدعا أو مفكرا أو باحثا أو فنانا.. إلخ"، لمساعدته على كفاءة التعاطي مع حالة التضييق التي يعاني منها، في بحر يُلقى فيه بلا دربة ومقيدا في الوقت ذاته، كما أشرت في عرضك لسؤالك، فلا توجد وصفات سحرية بهذا الشأن، لأن كل ما في الأمر أن المثقف الذي وعى قضاياه وقضايا وطنه، وأدرك طبيعة الدور الذي يفترض أن يقوم به كي يجسد مشروعه الثقافي على شكل مشروع سياسي متحرك وفعال ومنتج، ومع ذلك يَدْفَعُ بالتذكير بالصعوبات التي تعترض الطريق، وبالمعاناة وبالظلم وبتقييد الحريات، هو في الواقع ذلك النوع من المثقفين الذين أنتجتهم سلاسل اجتماعية سلبية، وعليه من ثم أن يعيد النظر في الكثير من مكونات بنائه الثقافي والوعيوي والمعرفي. فلا يوجد يا سيدي جندي في جيش، ولا يعرف أن عليه أن يقاتل، ولا يوجد معلم في مدرسة، ولا يعرف أن عليه أن يشرح الدرس لتلاميذه بالشكل الفلاني، ولا يوجد طبيب جراح، ومع ذلك لا يعرف أن عليه استئصال الزائدة الدودية قبل أن تنفجر وتسمم الجسم! وإذن فلماذا يراد لنا أن نقتنع بوجود مثقف واعي لا يعرف أن عليه أن يكون قربانا لمشروعه الثقافي سواء كانت هذه القربانية، أثناء تجسده كمشروع ثقافي أو خلال تجسده وصيرورته كمشروع سياسي.صدقني أخي "عبد الرحمن" لم أقرأ عبارة ثورية تضع المثقف الواعي الملتزم على طريق تجسيده لوعيه أكثر دلالة وعمقا من تلك التي قالها "فريدرك نيتشة" عندما نصح "الإنسان"، كي يستشعر ويتذوق أرقى معاني إنسانيته ووعيه وهي .. "عش في خطر".ولك مني صديقي العزيز "عبد الرحمن" بالغ تحياتي وتقديري، ولأني كثير السفر إلى مصر فمن المحتم أن القاك هناك إن شاء الله، فلي كثير من الأصدقاء المثقفين الذين أتعلم منهم الإقدام والجرأة، فمصر هي دائما ملهمتنا لكل ما هو جميل وريادي وعظيم. مع رجاء ألا أكون أرهقتك بثرثرتي. لكني واثق من سعة صدرك، فمن يسأل مثل تلك الأسئلة الكبيرة الدالة على الوعي والحرقة والغيرة، لهو أقدر على تحمل ثرثرة من كان مثلي.
    ولك الشكر.
    أسامة عكنان

  6. #6
    "فريدرك نيتشة" عندما نصح "الإنسان"، كي يستشعر ويتذوق أرقى معاني إنسانيته ووعيه وهي .. "عش في خطر".
    مقولة عميقة وخطيرة جدا أستاذ أسامة...
    الأشياء تعرف بضدها امر لانختلف عليه...
    ولكن لو سألناك ماهو المثقف النموذجي برأيك الخاص فماذا عساك ان تعرفه؟
    مع التحية والتقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #7
    الأفاضل في موقع فرسان الثقافة الأغر
    تحياتي لكم وتقديري لجهودكم
    هذه إجابتي على آخر ما وردني من أسئلة فرسانكم
    أسامة عكنان أولا.. أسئلة السيدة "بنان"
    قال الصحفي المعروف أحمد منصور عندما أجري معه لقاء ودي مامعناه:
    لقد أبعدني عملي الصحفي عن بيتي وحياتي العائلية وأنهكني قراءة وبحثا..
    إلى أي مدى هذه المقولة صحيحة والتي تمس الباحثين والمثقفين المخلصين لعملهم؟
    ومارأيك بما يجري حولنا من احداث بتقييمك العام ومن هو المحرك الرئيس لها.؟؟
    الإجابة..السؤال الأول..
    مقولة الصحفي "أحمد منصور" صحيحة إلى حد كبير. ولا أحد يستطيع المزايدة على صحفي مثله أعطى للصحافة أكثر بكثير مما أخذ منها. وربما أنني أنا شخصيا أستطيع تأكيدها من واقع تجربتي الشخصية. فهناك – قطعا – فرق بين من يتخذ الصحافة أو الفكر والبحث والإبداع مشاريع حياة يغرق نفسه فيها، ومن يتخذها هوايات يلامس أطرافها. فالأول يجد نفسَه مضطرا لتقديم الكثير، وإلى إعادة إنتاج حياته وترتيبها بما يتناغم مع كونها مشاريع حياة، بينما الثاني يعيش معها بوصفها حالة من الاسترخاء. والفرق بينهما كالفرق بين من يسافر للعمل وطلب الرزق، فيضطر لتغيير حياته في ضوء ذلك، ومن يسافر إلى منتجع للراحة والاستجمام. فكلاهما مسافر، ولكن شتان بين هذا المسافر وذاك.

  8. #8
    ثانيا.. أسئلة السيدة "ريما"..
    قال "فريدرك نيتشة" عندما نصح "الإنسان"، كي يستشعر ويتذوق أرقى معاني إنسانيته ووعيه.. "عش في خطر". مقولة عميقة وخطيرة جدا أستاذ أسامة...
    الأشياء تعرف بضدها امر لا نختلف عليه...
    ولكن لو سألناك ماهو المثقف النموذجي برأيك الخاص فماذا عساك أن تعرفه؟

    الإجابة..
    لا أستطيع أن أتخيل مثقفا يستحق هذه الصفة إذا لم أره في مقدمة الصفوف مع شعبه، بقلمه حين يكون القلم هو السلاح، وبحياته عندما تكون الحياة هي وسيلة الكفاح. ولا معنى لأن يعيش المثفف في "الخطر النيتشوي" إذا لم يختر لنفسه أن يكون "سوبرمان" أمته وشعبه أو أحد سوبرماناتهما على الأقل، عندما يكون السوبرمان هو النموذج المطلوب تجسيده، ليعي الشعب ذاته ويستشعر هويته ويناضل من أجل تحقيق مطالبه. أن يعيش المثقف في خطر، ليس شكلا من أشكال الرعونة والتهور، بل هو شكل من أشكال التمرد على الخنوع والمهانة. الأبطال هم دائما القدوة في التضحية، وكيف لأمة أن تضحي من أجل حقوقها إذا لم تكن قد رأت نفسها تستشهد في أبطالها؟ وكيف للأبطال أن يتشكلوا ويتخلقوا إذا لم يكن نخب المثقفين الفاعلين هم طليعتهم؟أعيد وأكرر.. لا أستطيع أن أتصور مثقفا يتبنى قضايا أمته ولا يكون على النحو المذكور. أرجو أن يقنعني أيٌّ كان بغير ذلك إن كنت مخطئا، مع اعترافي بأنني لا أسحب صفة "مثقف" عمن لا يتصف بهذه الصفات من المثقفين والمبدعين، ولكني فقط أعتبره مثقفا غير نموذجي، قد يكون عبئا على مجتمعه أكثر من كونه عونا له. فعندما يرى الشعب من يفترض أنه نموذج وقدوة وبطل، لا يتقدم الصفوف ويؤثر الانزواء، ويكتفي بالكلمة والقصيدة واللون والنغم والفكرة، وبإلقاء الرؤية في الطريق والهرب من مسؤولياتها، فإنه يصاب بالإحباط واليأس، ويستحضر على الفور الآية القرآنية العظيمة.. "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".. والمثقف إن كان يقول الحقيقة فعليه كي لا تنطبق عليه هذه الآية أن يجسد ما يقوله على شكل فعل سياسي مجتمعي واضح وبين، أما إذا لم يكن يقول الحقيقة، فإننا هنا بصددٍ غير الصدد، وفي سياقٍ غير السياق..تحضرني في هذا السياق كلمة عظيمة قالها المجاهد والشهيد الجزائري الكبير وأحد أكبر صناع ومفجري الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954، ألا وهو الشهيد "العربي بن مهيدي". فقد رد على الخائفين من مواجهة الاستعمار، وعلى المتشككين من إمكان أن يستجيب الشعب الجزائري للثورة إذا انطلقت، وعن كيفية بث روح الثقة في هذا الشعب بعد 125 عاما من الاستعمار الدموي بقوله: "ألقوا بالثورة إلى الشارع، يلتقطها الشعب وهي ما تزال حية.. وإذا التقطها فلا تتركوه وحده.. تقدموا صفوفه.. لأنه إذا لم يرَكُم في المقدمة.. سيعيد إليكم بضاعتكم.. وتجدونها مرة أخرى ملقاة في الشارع.. لكنها هذه المرة جثة ميتة"..أرجو أن أكون قد أجملت وأوضحت. والله هو وحده من وراء القصد أستاذتي العزيرة ريما.ولكم بالغ الشكر
    أسامة عكنان

  9. #9
    السؤال الثاني..
    أما بخصوص سؤالك الثاني سيدة بنان، فكأني فهمت أنك تقصدين ما يحدث في "وطننا العربي" من ثورات ومن حراك شعبي. وسوف أجيبك على سؤالك، على أساس أن هذا الذي فهمته من سؤالك هو ما قصدت إليه.
    1 - الفرق الدقيق بين المطالب الإصلاحية والمطالب الثورية..
    إن أي نظام سياسي يحاول التفاعل مع مطالب الشعب ومطالب قواه السياسية في إطار إصلاحي، عندما يكون المطلب يمسُّ منظومةَ الحريات وآليات الحكم ومبادئ العملية الديمقراطية، إنما هو نظام على رأي إخواننا المصريين "بْيِسْتَعْبَطْ"، أي يتظاهر بالعَبَط ويتجاهل جوهر المشكلة، لأنه يريد الزج بالمطالب الشعبية في خانة المطالب الإصلاحية، للحفاظ على الميكانيزمات التي تُخَّوِّل التحالفات الطبقية الحاكمة الإبقاء على هيمنتها على مفاتيح الاقتصاد، بعدم المساس بمفاتيح السلطة مساسا جوهريا قد يغير من مفهوم التداول فيها ليجعله حقيقة بعد أن كان كذبة وتزييفا، انطلاقا من القاعدة التي تنص على أن من يمتلك مفاتيح السلطة في أمة من الأمم، يمتلك مفاتيح ثروة تلك الأمة ومفاتيح إدارتها وتوجيهها.كما أن أي قوة سياسية تطالب نظاما سياسيا معينا بإجراء إصلاحاتٍ فيه، يجب أن تكون مُدْرِكَة لحقيقة أنها ليست بصدد المطالبة بتغييرات جوهرية في آليات الحكم ومفاتيح العملية السياسية، وأن كل ما تطالب به هو عمليات تجميلية في هذا المرفق من مرافق تسيير الدولة أو في ذاك، وهذا لا يتم أو يحدث عادة إلا في الدول الديمقراطية التي تكون قد حَسَمَت منذ زمن آليات تداول السلطة فيها. أما إذا كانت تلك القوة السياسية تطالب بإجراء تغييرات ذات طابع دستوري سلطوي جوهري في بُنْيَة النظام، دون أن تعي أنها تمارس ثورة ضد هذا النظام، فإنها إما تخدع نفسها، وإما تجهل متطلبات حراكها السياسي.ما يجب أن يكون واضحا، هو أن المطالبة بتغييرات تَحْدُث على مستوى البُنية الدستورية الجوهرية للدولة، ونظام الحريات وآليات الحكم وتداول السلطة فيها، هي مطالبة تُحْدِث في المجتمع حراكا ثوريا. أما لو كانت المطالبَة تنصَبُّ باتجاه إحداث تغييرات على مستوى إدارة المرافق غير الدستورية للدولة كلِّها أو بعضِها، أو حل بعض المشكلات والقضايا ذات الطبيعة الهيكلية اجتماعية أو اقتصادية.. إلخ، في ظل المحافظة على البناء الدستوري نفسِه، بل حتى لو أُرْفِقَت تلك المطالبات بتعديلات دستورية طفيفة، يمكنها أن تَحْدُث وفقَ الآليات التي يسمح بها الدستور نفسُه، على اعتبار أن كل دستور يحتوي على آليات تتعلق بإمكانية وكيفية تعديله، فإنها مطالبة تُحْدِث في ذلك المجتمع حراكا إصلاحيا.إن جوهر الثورة المجتمعية يتعلق بطبيعة التغيير المطلوب لا بشكلِه. فإن كان هذا التغيير دستوريا جوهريا يهدف إلى قلب طبيعة الدولة، وأسس نظام السلطة والحكم فيها، فنحن بإزاء عمل ثوري، حتى لو حدث ذلك بدون عنف. أما إذا كان التغيير المطلوب لا يمس البناء الدستوري، حتى لو تعلق بكل مرافق الدولة الأخرى، أو حتى لو تعلق بتغييرات دستورية تحدث في ضوء إمكانات وفضاءات الدستور نفسِه، فنحن بإزاء عمل إصلاحي، حتى لو تم ذلك بمنتهى العنف. ولكن لماذا يعتبر التغيير الأول ثورة فيما لا يتعدى التغيير الثاني حدود كونه إصلاحا؟ إن طبيعة العلاقة بين منظومة "قواعد الحرية" ومنظومة "قواعد العدالة" في المجتمع، هي التي تؤسِّس للاعتبار السابق. إن أي تغيير في "قواعد العدالة"، لا يقوم ابتداءً على تغييرٍ أسبقَ منه في "قواعد الحرية"، هو تغيير قِشْري سطحي لا يفعلُ فعلا حفريا في إعادة إنتاج علاقات وهياكل وبُنى المجتمع بشكل مختلف قادرٍ على إحداث تغييرات مستقبلية ملموسة على صعيد علاقات الإنتاج، وأنماط الفرز الطبقي، وأشكال تمركز الثروة في المجتمع، وإنما يقوم فقط بإحداث تغيير طفيف في زاوية الدَّفَّة التي تقود السفينة الاجتماعية، بشكل يخفف من احتقانٍ هنا ويُنَفِّس ضغطا هناك ليس إلا، مبقيا على بوابة الاحتقانات وتراكم الأزمات، قائمة وقابلة للاستفحال في المدى القريب، ناهيك عن المدى البعيد. أما إذا حدث التغيير ابتداء على مستوى السلطة والنظام السياسي ومنظومة "قواعد الحرية" بشكل أساسي، فهذا يعني أن مُحَدِّدات تداولِ الثروة والانتقال في تمركزاتها والفرز الطبقي المرافق لها قد تغيرت، ما يُمَهِّد الطريق لتلك التغيرات المجتمعية كي تَحْدُث بشكل عميق وملموس. ولهذا السبب كان التغيير على المستوى الأول إصلاحا سطحيا وقِشْرِيا، فيما كان التغيير على المستوى الثاني ثورة اجتماعية عميقة. ترى، ما الذي تطالب به الشعوب العربية في هذه المرحلة التي أطلق عليها "الربيع العربي"، في ضوء التوصيفات السابقة لدلالةِ كلٍّ من التغيير الإصلاحي والتغيير الثوري؟ هل نحن بصدد ثورات أم بصدد إصلاحات؟ هل أن هذه الشعوب تريد تغييرات ثوريَّة الطابع أم تغييرات إصلاحيَّة الطابع؟ وبتعبير أدق وأوضح: هل أن مطالبَ الشعوب العربية في ليبيا واليمن وسوريا والأردن والمغرب والبحرين وقبلها في مصر وتونس، يمكن تجاوبُ النظام معها في ضوء أداءٍ إصلاحي، أم أن التجاوبَ معها لا يمكنه أن يتم إلا في ضوء أداءٍ ثوري؟ وفي كل الأحوال، هل أن هناك أفاقا لتغييرٍ – ثوريا كان هذا التغيير أو إصلاحيا – بدون عنف، أم أن العنفَ مسلكٌ لا مفر منه لتحقيق تلك المطالب؟ إن الإجابة الحاسمة على هذا السؤال تتطلب التعرف ابتداء على مطالب الشعوب العربية في تلك البلدان، ليتبين لنا في ضوء تلك المطالب إن كانت طبيعتها تتطلب ثورة أم إصلاحا!! فما الذي تريده تلك الشعوب؟!بعيدا عن كل التوصيفات المفتعلة، لا يوجد عاقلان يختلفان على أن كل الشعوب العربية في تلك الدول التي ذكرناها إنما تطالب بتغييرات جوهرية في البُنَى الدستورية لها، إلى درجة ترقى في بعضها إلى مستوى المطالبة بإسقاط النظام نفسه. وحتى في دول مثل الأردن والبحرين والمغرب، حيث الأنظمة الملكية التي يظهر الجميع عدم رغبة في تغييرها كأنظمة، أو في إسقاط رؤوسها كملوك، فإن المطالب الشعبية في الواقع تنصب باتجاه إعادة إنتاج الحياة الدستورية فيها بشكل يفقد الملك معه كل معاني السلطة والحكم، ويحوله إلى سيد ورمز فقط. وبالتالي فنحن في كل هذه الدولة الساخنة منذ أشهر، بصدد حركات ذات مطالب ثورية في جوهرها وليست مطالب إصلاحية بالمعنى الذي أشرنا إليه سابقا.
    2 - معركة المفاهيم والمصطلحات بين الثورة والنظام..
    على مدى الأيام الثمانية عشر من عمر ثورة الشباب في مصر، وقبلها على مدى الأيام الثلاثة والعشرين من عمر ثورة الشباب في تونس، وبعدهما على مدى الأشهر الخمسة أو الستة أو السبعة التي مرت والتي ما تزال متواصلة من أعمار ثورات أو "حراكات" – بالألف الممدودة بين الراء والكاف - الشعوب متنوع المستويات ومختلف الأدوات، في كل من ليبيا واليمن وسوريا والأردن والمغرب والبحرين، فرضت أزمة المفاهيم والمصطلحات نفسَها، ليحدث التجاذب الحاد بين مفهومي "الإصلاح" و"الثورة". وإذا تجاوزنا مفهوم "الإصلاح والثورة"، إلى مُكَوِّنات الفعل الشعبي من الناحية السوسيولوجية، فقد فرضت تلك الأفعال الشعبية، مناقشةَ مسألةٍ غاية في الأهمية، هي مسألةُ: أيهما يُنْتِجُ الآخر، "الثورة" أم "الأزمة"، وأيهما يتسبب في الآخر، "الثورة" أم "الفوضى"، وأيهما يؤدي إلى الآخر، "الثورة" أم "الانهيار". وكانت هذه المسألة هي مثار التجاذب الحاد بين قادة الحراك الشعبي وجماهيره التي راحت تتنامى عدديا يوما بعد يوم، وتتطور فكريا ساعة بعد ساعة، وبين النظم التي استماتت في الدفاع عن نفسها، مستخدمة كل الأكاذيب والخدع ومحاولات الاستدراج والتسويف والوعود المتصورة، خلال مسيرة تراجعِها الفاضحة أدائيا وأخلاقيا، دقيقة في إثر دقيقة، على مدى أيام الثورات، وحتى آخر رمقِ حياةٍ فيها، عند الحديث عن تونس ومصر، وحتى الآن، عند الحديث عن باقي الدول التي تشهد حراكا جماهيريا، سواء كان حراكا واسع النطاق أو محدوده، وسواء كان حراكا ثوريا غلَّفَه العنف، أو حراكا ثوريا ما يزال محاطا باللاعنف.ولأن ديدنَ الأنظمة التي تُواجَهُ بحراك شعبي عميق يستهدف وجودَها، هو اللعب دائما على أوتار التشكيك في شعبية هذا الحراك وقادته ومسببيه، وفي انتمائهم ووطنيتهم، عبر توجيه كل تهم التَّخوين الممكنة لهم ولمن يستجيب لهم، مستخدمة في ذلك منظوماتِ وحُزَمِ المعلومات والعلاقات المتاحة لدى أجهزتها الأمنية، لتوظيفها التوظيفات المشبوهة القادرة من وجهة نظر تلك الأنظمة على خلق الشروخ في جسد هذا الحراك، فقد ظهرت عبر صيرورة الأحداث في يوميات كل مظاهر الحراك الشعبي – وإن يكن بنسب متفاوتة - ومنذ اللحظات الأولى في كل حراك، مقولةُ "الثورة والأجندات الخارجية والداخلية" التي لم يتحرر من استخدامها الرؤساء أنفسهم، وبأشكال مبتذلة فقدت قيمتها على صعيد التأثير والمصداقية، حتى لغايات الاستهلاك الإعلامي، على اعتبار أن "الأجندة الخارجية" المرتبطة بِدُوَلٍ عدائيةٍ، ومثلَها إلى حد ما "الأجندة الداخلية" المرتبطة بفئات منبوذة من المجتمع، إذا تم النجاح في إلصاقها بحراكِ فئةٍ تطرح نفسها وفعلَها ضمن أطر الوطنية والانتماء، هما بكل تأكيد مبررٌ قاطع للتشكيك في تلك الفئة وفي حراكها المُجْتَمعي الجاد، الساعي إلى التغيير الحقيقي، بنزع صفة الوطنية والانتماء عنها وعنه.ولما كان أي حراك شعبي واسع النطاق هو في جوهره وفي أول مظهر من مظاهره استفتاءٌ شعبيٌ على الشرعيات، يقوم بهدم شرعية وإنشاء أخرى والتأسيس لها، على أنقاض تلك التي هدمها، فقد ظهرت معركة التجاذبات خلال يوميات حركة الشعوب العربية، كدالَّةٍ واضحة على هذا المعنى. فمع كل خطوة كانت يتقدمها كل شعب إلى الأمام في التأكيد على شرعيته الجديدة الداعية إلى إسقاط النظام، ممثلا أولا وقبل أي شيء في رحيل رئيسه، ليتمَّ التفاوضُ فيما بعد على آليات بناء الشرعية الجديدة ونظامها السياسي، كان النظام المترنح المستميت في الدفاع عن نفسه وعن شرعيته، يحرص في كل عروضه التي كان يتقدم بها من وقت لآخر، ويصر في كل تنازلاته التي كان يضطر إليها تحت ضغط التنامي في المد الشعبي والتصاعد في مطالب حراكه، على التظاهر بأنه لم يدرك هذا المعنى في الحركة الشعبية ولا صدَّقَه، لتأتي طروحاته وتنازلاته كلُّها ضمن دائرة الإصلاحات، التي بدا مثيرا للسخرية أن يتعهد بتنفيذها، ومن خلال الأشخاص المنبوذين أنفسِهم، وبلا أدنى خجل أو حياء، مستغربا مبدأ التشكيك فيه وفي رجالاته، نظامٌ قامت حركة الشعب لتسقط شرعيتَه ابتداء. إن الأدبيات الثورية تُظْهِرُ لنا بجلاء، أنه ما من ثورة فجرَّها شعب من الشعوب، إلا وكانت مسبوقةً بظاهرة غاية في الأهمية، هي ما تطلق عليها تلك الأدبيات ظاهرة "انشقاق المثقفين" عن النظام الحاكم. إن هذا الانشقاق الذي يُرْهِصُ حتما بأجواءِ ثورةٍ تحتقن سحبُها في الأفق، تتزايد وتيرته عشية الثورة وخلال صيرورتها، عندما تبدأ الكثير من الفئات "المترددة في مواقفها لسبب أو لآخر"، و"الخائفة والمتوجسة من آلة بطش النظام"، و"الانتهازية والمنافقة والوصولية والمترقبة لجهة ميلان ميزان القوى"، في حسم مواقفها كي تجد لنفسها موقعا في النظام المرتقب عبر شرعيته التي أصبحت قيد التَّشَكُّل. وبالنظر لما لظاهرة الانشقاق الثقافي من أثرٍ بالغ في الحراك الثوري خلال كل مراحله، فقد كان من الطبيعي أن تُجَلي لنا مظاهر الحراك الشعبي العربي الراهنة، هذه الظاهرة بكل تداعياتها المتصورة. إن الثورة المصرية – وقبلها الثورة التونسية إلى حد ما، وبعدهما كل مظاهر الثورة والحراك الشعبي الأخرى في الكثير من الدول العربية – وفي ظروف تكنولوجيا العصر المعتمدة بشكل غير مسبوق على عنصر التواصل الاجتماعي الذي جَسَّدَتْه الشبكة العنكبوتية، ظهرت وكأنها ثورات وحركات وفعاليات بلا رأس، وهو الأمر الذي أثار القلق والخوف لدى فئات واسعة من المثقفين، وعلى رأسهم قادة القوى السياسية التي أخجلها وربما أحرجها أن تكون رغم كل جعجعاتها السابقة، متخلفة بمراحل لا توصف عن فعل الجماهير والقوى الشبابية التي حركت تلك الجماهير باتجاه مطالب لم تَرْقَ مطالبُ كل تلك القوى السياسية إلى أدنى مستوى من مستوياتها قبل الأحداث. وهو الأمر الذي أتاح الفرصة لظهور دعوات "الخشية من الفراغ السياسي" التي روَّجت لها بعض القوى السياسية التي راحت النظم المتهاوية نفسها تدعمها في ذلك، إدراكا منها أن مثل هذه الدعوات إن وَجَدَت لها سوقا ورواجا في أوساط الجماهير أو الثائرين، فإن من شأنها أن تَرْفِدَ خروجَه – أي النظام – من مأزقه بمقوِّمات البقاء، بتفريغ الحركة الشعبية من زخمها، وتحويلها إلى مجرد حركة مطلبية إصلاحية يمكن التفاهم على تلبية مطالبها من خلال أدوات النظام ذاتها، وعبر القوى السياسية التي راحت تقفز هنا وهناك لتفاوض النظام مرة ولتحاوره أخرى، ولقد تجلت هذه الظاهرة أكثر ما تجلت في الثورات المصرية واليمنية بشكل واضح، وفي الثورات الأردنية والبحرينية والمغربية بشكل أقل وضوحا بسبب الاضطراب الذي خلق حالة من التداخل – في هذه الثورات الثلاث – بين مفهوم الثورة ومفهوم الإصلاح، رغم أنها جميعها – أي القوى السياسية التي نتحدث عنها - ونظرا لزخم الحدث ما كانت لتجرؤ على ادعاء أنها تفعل شيئا أكثر من مجرد جس النبض، لنقل ما يحدث بعد ذلك إلى صناع الحدث في الساحات والميادين والشوارع، ليروا رأيهم فيه. وهنا وجدنا مقولة غريبة ومشبوهة تتجسد كمفهوم يروج له النظام من خلال بعض القوى السياسية، ألا وهي مقولة "ثورة بلا رأس".وكما هو شأن كل الأنظمة المتداعية تحت وطأة بلدوزر الحركات الشعبية، لم تُقَصِّر في استخدام الفزاعات المختلفة لمواجهة زخم التنامي والتصاعد في هذا الفعل الشعبي غير المسبوق. وإذا كانت فزاعة "القوى الظلامية المحلية" ممثلة – حسب زعم تلك الأنظمة – مرة في "الإخوان المسلمين"، كما حصل في مصر، ومرة في "تنظيم القاعدة"، كما هو حاصل في اليمن وليبيا، ومرة في "القوى السلفية" أو "العصابات الإجرامية المسلحة"، كما هو حاصل في سوريا.. إلخ، وفزاعات الأجندات الخارجية ممثلة في كل من "حزب الله"، و"حماس"، و"إيران" حينا، عندما يكون الحديث عن نظام حليف لإسرائيل وأميركا، مثل النظام المصري، وممثلة في نقائضها "إسرائيل"، و"الولايات المتحدة"، و"الاستعمار الأوربي"، و"الصهيونية العالمية" حينا آخر، عندما يكون الحديث عن نظام يعلن عداءه للصهيونية والإمبريالية وعدم مهادنته لهما على حساب الحقوق العربية، ويطرح نفسها ممانعا وداعما للمقاومة، كما هو شأن النظام السوري.. نقول.. إذا كانت تلك هي حُزَم الفزاعات السياسية، الداخلية والخارجية، التي استخدمتها الأنظمة بلا استثناء، بغرض الحد من تنامي الحراك ومن التعاطف الشعبي معه، فقد كانت الفزاعة الاقتصادية التي ارتكزت إلى مقولاتٍ مثل "انهيار الاقتصاد الوطني"، و"خسائر الأمة"، و"تراجع التنمية" بسبب الاحتجاجات.. إلخ، هي الفزاعة التي ركزت وتركز عليها كل الأنظمة، بهدف إخافة المواطنين من المستقبل المجهول والمرعب الذي تدفعه إلى أتونه هذه الحركات وتلك الثورات، التي أرادت الأنظمة أن تُقْنِعَ ذلك المواطنَ بأنها عَبَثِيَّة وعَدَمِيَّة. دون أن ينتبه أحد إلى أن الثورات هي أكبر استثمارات مجتمعية تاريخية، فيما تطلق عليه الاقتصادات المحنكة البصيرة "التنمية المستدامة". فالشعوب تثور عندما تثور لخلق حالة من التوازن في الصيرورة الاقتصادية لمفاعيل التنمية بتحويلها من تنميبة عبثية طبقية إلى تنمية جادة ومستدامة تنظر إلى مصلحة الأمة ككل في إطار "منظومة قواعد العدالة"، وهي تتفاعل مع "منظومة قواعد الحرية".
    3 – خلاصة..
    خلاصة ما أريد التوصل إليه يا سيدة "بنان" في إجابتي على سؤالك الثاني هذا، أن ما يشهده الوطن العربي هو حالة بحث عن الذات عبر تخليق عناصر الانفلات من عُقُل الماضي السيئ الذي كبل الأمة ورهنها وعطل نهضتها ووحدتها وتحريرها عشرات السنين. وهنا أرجو أن نكون جميعا على قدر من الوعي فننتبه إلى حقيقة أن الثورات ليست "عصي سحرية" ولا هي "قوى خارقة" تقول للشيء "كن" فـ "يكون". وإنما هي آليات تعمل على وقف النزيف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، عبر إعادة صب المجتمع وإنتاجه، ليبدأ السير على سكة جديدة غير السكة، وأما ظهور النتائج الفعلية والمردود الحقيقي للفعل الثوري لتلك الثورات، فإنه يحتاج إلى وقت طويل، ومرتبط بعناصر كثيرة، ليس أقلها أهمية، "فلول الأنظمة" المتهاوية، ومحاولاتها العودة من جديد عبر إثارة الفتن والمشكلات والإحباطات، و"المؤامرات الأجنبية" وعلى رأسها الصهيونية والإمبريالية، والتي تحاول أن تبذل كل ما في وسعها لتفريغ الفعل الثوري – حتى لو جزئيا ونسبيا – من مضمونه ومحتواه النهضوي والوحدوي والتحرري. وإذن فلا داعي لليأس والإحباط، وما علينا إلا أن نكون في مستوى الأحداث الثورية، وعيا وإصرارا ويقظة واستعدادا للتضحية والعطاء، وقدرة على إفشال المؤامرات بالصبر والتؤدة والرصانة، وعدم الاستجاية الرعناء للشباك والفخاخ التي ترمى في طريقنا، بهدف خدمة المشاريع المعادية، التي لا شك في أنها موجودة في كل الثورات الحالية للقفز عليها أو منها إلى مستقبلنا، بعد استفادتها من تأخرها في التواجد في ثورتي تونس ومصر. إلا أن هذا لا يغير من الحقيقة شيئا. شعوبنا ثارت وتريد أن تغير حياتها، وهي تقدم التضحيات وتصر عليها، وما علينا إلا أن نكون منتبهين وواعين، رافضين أن تنجر ثوراتنا إلى ما يحرص جميع الأعداء على جرها إليه، ألا وهو الاقتتال الداخلي، والاستقواء بالعون الخارجي، وإلا كنا عليها، وليس معها. فلنحذر، ولنظهر أكبر قدر من الانتصار على الأنا المجروحة تنظيميا وسياسيا وأسريا.. إلخ.

  10. #10
    السلام عليكم وبارك الله بك ومتابعة :
    من خلال ماتقدم مما شرحتم وفندتم يمكنني السؤال :
    لم تكن الثورات كلها على مستوى واحد هذا أولا , ولم تعالج جميعها محليا وعربياوعالميا بنفس المستوى...
    كيف ترى مستقبلها على المدى القريب والبعيد؟وكيف يجب أن تكون عليه من خلال المعطيات الواضحة أمامنا؟
    وهل فعلا هناك أسطر فاتك تضمينها عبر إجابتك على سؤال الدكتورة بنان الثاني؟وأن هناك الكثير مما يمكننا قوله خاصة عن الشرق الاوسط الجديد؟
    مع التقدير والاحترام

صفحة 2 من 13 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 11:24 AM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 05:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 02:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 08:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 07:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •