منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 19 من 19

العرض المتطور

  1. #1

    رد: كيف نفهم القاعدة الاقتصادية؟

    الاستيراد الأقل كلفة.. أم الإنتاج الأكثر كلفة؟

    في أوائل السبعينات وبالتحديد، في الأول من حزيران/يونيو 1972، أمم العراق نفطه، ومنذ ذلك التاريخ فُتحت عليه أحقاد العالم الغربي، فتم حصاره بعد قرار التأميم ومنع من تصدير نفطه، فامتنعت دول العالم عن شراء النفط العراقي، وابتدأت الدول الدائنة للعراق بالمطالبة بتسديد ديونها، ومن بين تلك الدول (الاتحاد السوفييتي)، الذي كانت مجموع ديونه 16 مليون دولار فقط، فعرض العراق على السوفييت أن يأخذوا قمحا من القمح العراقي حيث كان الموسم جيداً، (7 مليون طن إنتاج العراق في ذلك العام)، وبعد طول مفاوضات، فقد وافق السوفييت على أخذ مليوني طن بسعر الطن 8 دولار، في الوقت الذي كان فيه السعر العالمي للقمح بين 39 و 45 دولار.

    تركت تلك الواقعة، أثراً كبيراً عند صانع القرار العراقي، فبعد أن كان شعار الدولة (الزراعة بديل النفط)، تراجع ذلك الشعار، ليظهر مرة أخرى عندما مهد الغرب لمكيدة (دخول العراقيين للكويت)، إذ سبق ذلك التاريخ، ظهور ما سمي في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، توجه العراق لحيازة أسلحة الدمار الشامل، فبعد تهمة تطوير (المدفع العملاق) ألغيت صفقات القمح الأمريكي والقمح الأسترالي في شهر مارس/آذار 1990، ليجد العراق نفسه أمام محاصرة اقتصادية في قوت الشعب، فأدرك أهمية عدم الاعتماد على الاستيراد.

    وصرح بذلك وزير التجارة الخارجية العراقي،عندما قال (كنا نعتقد أنه من إنتاج يومٍ أو يومين من النفط نستطيع أن نؤمن لشعبنا قمح عام كامل، ولكن اتضح لنا أنا كنا على خطأ)

    آراء صانعي القرار في بلداننا لا تختلف كثيراً

    في أحد اللقاءات مع وزير الزراعة، مع منتجي الدجاج اللاحم، سأل الوزير: لماذا تخشون من استيراد الدجاج اللاحم من الأسواق الخارجية؟ ألا تستطيعون أن تبيعوا دجاجكم بنفس السعر الذي يبيعه فيه المستوردون؟

    كانت أجوبة المنتجين المحليين: إن كلفته عند منتجيه في الخارج أقل بكثير من كلفته عندنا.. ضحك الوزير وقال: توقفوا إذن عن إنتاج الدجاج.

    النماذج الحكومية المشابهة لذلك النموذج كثيرة، ففي بعض الدول العربية ينتشر فهمٌ يصل الى حدود التعليم العالي، ففي بعض الدول يقول المسئولون : لماذا نُدرس الطب؟ ولماذا نُرهق أبنائنا في دراسته، لننتج بالتالي أطباء غير أكفاء؟ في حين أنه بالإمكان استقدام آلاف الأطباء من دولٍ كثيرة (كوبا مثلاً) وبكلفة زهيدة؟

    حمى الفهم الخاطئ تصل الى الأسر والأفراد

    يجلس بعض أفراد الأسرة، يناقشون وضعهم الداخلي ومستوى معيشتهم، ويقارنون أوضاعهم بأوضاع الأسر الأخرى، فشكل البيت والأثاث والملابس والطعام هي دون مستوى غيرهم.

    فيتفحصون ممتلكاتهم من عقارات، فتقع أعينهم على قطعة أرضٍ لا تنتج في الموسم إلا القليل من القمح أو الشعير، وإنتاجها كله لا يكفي لإعاشتهم شهراً واحداً. في حين أن ثمنها سينقلهم من حالٍ الى حال، فيبيعونها ويتنعموا بثمنها لفترة، وقد يؤسسون لمشروع تم دراسته على عجل، فغالباً ما تفشل مثل تلك المشاريع وغالباً ما يستنزفون مدخراتهم وأملاكهم في ظرف عدة سنوات، حارمين أنفسهم من ضمانة معنوية ومادية، وحارمين أبنائهم من الاتكاء على تلك الضمانات مستقبلاً.

    وقد ينسحب ذلك على تسرب التلاميذ من المدارس، بتشجيع من ذويهم أو بغض نظرٍ عن ذلك التسرب، بحجة أنه لماذا أتعلم؟ وما هو مستقبل ذلك العلم؟

    هناك مسائل لا تُقاس بالمردود المادي لها

    عندما يجتهد شيخٌ في الثمانين من عمره، في أن يتم أصغر أبنائه دراسته الجامعية، فإنه لا يطمح أن يقوم هذا الابن بالتكفل برعاية والده، ولكن روح الاهتمام بإكمال رسالته تجاه الأسرة هي الدافع لاجتهاده.

    هذا الأمر ينسحب على الدولة أيضاً، فعندما تفتح المدارس وتعبد الطرق وتؤسس المستوصفات الصحية في المناطق النائية، فإنها لا تنشد الربح المباشر، بقدر ما هي مسئولية أدبية وأخلاقية تقود في نهاية المطاف للارتقاء بالشعب الى حالة من القوة تعتمدها الدولة في تحسين مكانتها بين الدول.

    لكن هل المشاريع التي يكون إنتاجها أكثر كلفة من استيرادها، يخضع لنفس المفهوم؟

    هناك بعض الدول، توقفت عن إنتاج بعض السلع وتركتها لدولٍ أخرى ضمن تفاهم معين، كاليابان في صناعة التلفزيونات والأجهزة الكهربائية وحتى السيارات. وهناك دول تخصصت في جزء من صناعة مُنتَجٍ ما، وتعاونت مع دول أخرى في تصنيع الأجزاء الأخرى. وهذا يُفسر اقتصادياً بأن تلك الدول تريد ربط أسواقها الخاصة وأسواق شركائها بمصلحة واحدة تعود بالنفع على تلك الدولة، كما أنه ببعض الحالات يكون من الأوفر على الدولة أن يقوم شركائها من الدول الأخرى في تصنيع أجزاء من منتجها الأساسي، كون الأيدي العاملة أقل كلفة أو أن المواد الخام والقوانين الصناعية في تلك الدولة متوفرة بشروط أحسن.

    لكن كل ذلك، لم يؤثر على القاعدة الاقتصادية، في أيٍ من أطراف الإنتاج، لأنه في حالة فك الشراكة، فإن قدرة الدولة لن تضعف على إيجاد شركاء جدد، أو أنها تقوم بالتصنيع نفسه.

    جدلية نمو القاعدة الاقتصادية

    إن تمسك الدولة بتنويع أبواب اقتصادها، سيحفز الباحثين الإداريين والفنيين على تطوير الإنتاج والبحث عن وسائل تقليل الكلفة، والبحث عن أسواق، إضافة الى تأمين فرص عمل لقطاعات واسعة من الشباب الداخلين حديثاً لسوق العمل. إضافة لتنويع أبواب الدخل القومي للدولة.

  2. #2

    رد: كيف نفهم القاعدة الاقتصادية؟

    القاعدة الاقتصادية .. المكان والتطريد

    عندما تنخفض قدرة خلية النحل، ولم تعد تكفي أفراد طائفتها، لأسباب قد تتعلق بانخفاض كفاءة الملكة على وضع البيض، أو أن الملكة تكون قادرة على وضع البيض وخصوبتها عالية، لكن المرعى أو المكان يكون غير كافٍ لتزويد الخلية بالرحيق وحبوب اللقاح، عند ذلك تبرز ظاهرة (التطريد) أي تفكيك طائفة الخلية لعدة مجموعات، تغادر المكان وتحاول إنشاء خلايا جديدة.

    هذه الظاهرة، تنسحب على أبناء البشر في كل مستوياتهم، فالبيت كمكان للأسرة، سيلفظ بعض أعضائه عندما يكبرون ويتكاثرون ولن يعود هناك حيز لاستيعابهم، وقد يكون خروج بعض الأفراد طوعياً وسلمياً وقد يأتي كنتيجة لاحتراب أو احتكام بعد الاختلاف.

    كما يحدث في الأسرة، فإنه يحدث بالشركات أو المحال الحرفية الصغرى، فقد لا تكفي أرباح محل بيع اللحوم (الجزارة) لشريكين (أخوان أو غيره)، فيضطرا الى المخالصة وتصفية المحل، وإحالته لأحدهما.

    وكان يحدث ذلك في المجتمعات القبلية (البدوية الرعوية)، حيث لا تكفي مساحة المرعى لإطعام مواشي الجميع، فيبادر أضعفهم، وأحياناً أقواهم، للرحيل بحثاً عن مراعي جديدة، مع ما تحمله تلك الرحلات من صعوبات واقتتال وغيره.

    كذلك كانت وما تزال، تفعل الدول بتطلعاتها للتوسع، تمشياً مع نظرية (مالتوس) التي ظهرت قبل أكثر من قرن ونصف، عندما تنبأ بعدم كفاية العالم على اتساعه لإطعام أبناءه، علماً بأن عدد سكان العالم لم يكن يتجاوز المليار، فكيف اليوم والعالم على أعتاب السبعة مليارات.

    هل الأمن كفيلٌ بحل ما يترتب على ظاهرة التطريد؟

    يعتمد مربو النحل طرقاً للتعرف على ظاهرة التطريد، فيعالجونها بتغيير الملكة أو التغذية الصناعية أو زراعة النباتات المزهرة، وإن كانت المسببات آتية من أعداء ك (الزنابير أو طيور الوروار) فإن حمايتها ستكون سهلة أيضاً.

    لكن، هل تتكفل الجيوش القوية وأجهزة الأمن المتيقظة لتدعيم قاعدة اقتصادية، يعاني أفرادها من الجوع والعطش والبطالة والجهل والمرض؟ إن ذلك لن يحدث في المنطق، فالخزنات المنيعة يكون داخلها كنوز عظيمة، ولا يمكن أن تفرد دولة ضعيفة في مواردها هزيلة في إنتاجها جزءا كبيراً من ميزانيتها للتسليح وتقوية أجهزة الأمن، وإن فعلت ذلك، فستكون سياستها مكرسة لإدامة من هم في الحكم وتكون أيضاً أحد العوامل المباشرة في إعاقة نمو القاعدة الاقتصادية.

    هل الجهل أحد أسباب التطريد؟

    قبل أربعة عقود، كان هناك في منطقتنا سبعين من العاملين يكدون ليلاً ونهاراً لإطعام مائة، وهذه النسبة كانت في كوريا الجنوبية أيضاً.

    بعد انتشار العلوم والتقنيات، لم يعد هناك حاجة لتخصيص 70% من الشعب للعمل في الزراعة، بل يكفي حوالي 10ـ20% من الناس ليتخصصوا في تلك المهمة، وزيادة النسبة وقلتها تعتمد على تطور العلوم والبذور والأدوات وطرق الري وطرق استغلال الأرض الخ.

    ولكن، الى أي المجالات سينصرف ال 80ـ90% من الناس؟ وهل الزيادة في السكان ستضمن بقاء نسب العاملين والعاطلين عن العمل؟ وهل انصراف الشباب والشابات (طبعاً) لمقاعد الدراسة الجامعية سيحل المشاكل وحده وسيدعم القاعدة الاقتصادية؟ وهل تضمن الدول أنها في بذل نقودها ونقود أبنائها أن لا تذهب تلك الأموال لصالح الدول التي يتطلع هؤلاء الشباب للهجرة إليها بعد تنفيذهم تلك الهجرة؟

    وعي الأفراد ووعي الدولة..

    الوعي هو القدرة على إنتاج صور.. هكذا بكل بساطة.. فإن كان الوعي يخص حدثاً كان في الماضي فإنه يصبح وعياً (ماضوياً)، وهذا الوعي يستخدم في استجوابات الشرطة عندما يحثون متهميهم على إعادة رسم صورة كانوا شهداء عليها، أو يستخدمه المؤرخون والمحللون السياسيون عندما ينبشوا أوراق الماضي لمئات بل ولآلاف السنين، لتكون لهم بمثابة نقاط لإحداثيات لإتمام رسم الصورة، وعندما تقل نقاط الإحداثيات فإنه تقل معها معالم الصورة والعكس صحيح.

    في تصور ما سيحدث بعد سنة أو عشرة سنين أو مائة سنة، يستحضر من سيقوم بتشكيل الصورة كل مهاراته وثقافاته ومعلوماته الإحصائية ليقوم (بوعيه) في رسم تلك الصورة المستقبلية، فإن كان مثقفاً متعلماً (كفرد) فإنه يستطيع رسم صورة دقيقة أو قريبة من الدقة، وإن كان جاهلاً فإن الضبابية والميتافيزيقة ستلف تلك الصورة.

    في حالة (وعي) الدولة، يلزم استحضار كل أدوات الوعي من مؤسسات ومفكرين وعلماء وأجهزة استخبارية. لتخطط فيها الدولة لكل شيء: مراكز صحية، مدارس، مساكن، فرص عمل، طرق مواصلات الخ. ومن أين ستأتي بتمويل تلك الخطط وما يستوجب عليها انتهاجه.

    من هنا، نجد بعض الدول وأفرادها يأخذون مسألة النمو السكاني بشكل جدي وقاسٍ في بعض الأحيان، وطبعاً لا يخلو أي نمط من أنماط التفكير من خطورات اجتماعية واقتصادية وأمنية الخ.

    يتبع

  3. #3

    رد: كيف نفهم القاعدة الاقتصادية؟

    موقع العمل في القاعدة الاقتصادية

    الحديث عن العمل، بشكل عام سيقود الى تفرعات كثيرة، منها ما يتعلق بضرورة العمل ومنها ما يتعلق بالرغبة بالعمل ومنها ما يتعلق بتقسيم العمل ومنها ما يتعلق بالمسئولية في تأمين العمل للمواطنين ومنها ما يتعلق بمردود العمل على مستوى الأفراد أو مستوى الجماعة أو مستوى القاعدة الاقتصادية الوطنية، وغير ذلك من العناوين الفرعية المهمة، ولكن سنستعرض ما يتعلق بمستوى فهمنا لتأثير العمل على القاعدة الاقتصادية.


    وقبل أن ندخل في مناقشة موضوع العمل، دعنا نذكر ما رواه أحدهم ونتأمل في قوله: (لقد تزوجت في شتاء عام 1948، وكنت أعلم أن المساحة التي كُلفت من الأسرة في زراعتها بالقمح، لن يساعدني أحد على إنجازها، لأن كل من كان في عمري، كان مكلفاً بحجم عمل، عليه إنجازه في الوقت المحدد، فزراعة القمح لها موعدها، ولا يجوز تجاوز ذلك الموعد، ولأن وسائل الحراثة كانت بدائية (بواسطة الحيوانات) فإن تقديرات العاملين وخبرتهم تجعلهم يراقبون أنفسهم... قطعت إجازة عرسي في اليوم الثالث، وأخذت بغلي والمحراث والبذار وخرجت قبل الفجر حتى أصل الى الأرض التي سأزرعها وأحرثها، فأذن الفجر وأنا في طريقي، وكنت لا زلت على جنابة، فتذكرت قول والدي [ لا يصح أن نلمس القمح أو نبدأ العمل دون طهارة وصلاة]، فالتفت فإذا بتجمع لماء الأمطار وقد علا سطحه طبقة من الصقيع، فكسرتها، وأخذت من ماء المطر واغتسلت، وقمت بعملي، وعندما عدت في آخر النهار، كانت الحمى والقشعريرة قد نالت مني، ومع ذلك لم أتغيب عن عملي ساعة واحدة)


    ضرورة العمل والرغبة فيه

    هناك من ينظر الى العمل، على أنه نزوع فِطري لتوكيد ذات الإنسان، وهناك من ينظر إليه على أنه وسيلة أو معبر لتأمين ضرورات العيش، أي لتأمين دخل ثابت يستطيع الإنسان من خلاله إنجاز طلباته الأساسية التي تبدأ من إشباع المنفعة الحدية كتأمين السكن بشكله الأولي الذي يحقق استقرار الإنسان بعيداً عن الأذى الذي قد يلاقيه من الطبيعة (بردها وحرها ووحوشها)، أو يلاقيه من التطفل على خصوصياته التي تؤمنها عزلة السكن الخاص. أو كتأمين الطعام بشكله الأولي الذي يحفظ الحياة، والملبس وغيره، وما أن تتحقق تلك المطالب الأولية حتى تمتد رغبة الإنسان في تطويرها من حيث الفخامة والرفاه.

    من ناحية أخرى، هناك من لا يُعلق أهمية على العمل، فيقول: إذا كان الناس يعملون من أجل أن يعيشوا، فإن كان باستطاعتهم العيش دون عمل، لماذا يعملون؟


    هذه النظرة تغلغلت هذه الأيام في نفوس الكثيرين من أبناء دول العالم الثالث، فبالرغم من أن الفقر ينتشر في أوساطهم بشكل كبير، فإنهم ينزعون بتفكيرهم الى البحث عن مصادر رزق لا يتعبون في تحصيلها، فإن كان أحدهم قد ورث قطعة أرض أو عقار فإنه سيفكر على الفور ببيعها ليؤسس مشروعاً لا يكدح فيه، وإن لم يكن قد ورث شيئاً فإنه سيفكر بالهجرة بحثاً عن فردوس لا عمل فيه، أو أن العمل فيه أقل قسوة من العمل الذي في ذاكرته.

    لقد أدت التطورات الحضارية في العالم وانتقالها بسرعة الى انتشار مفاهيم لم تكتمل بشكل وافٍ عند الناس للتعامل معها، فحتى الآباء والأجداد الذين كدحوا وتعبوا، أرادوا أن يريحوا أبنائهم من ذلك الكدح، وما التوجه الى التعليم في أحد أشكاله إلا دافعاً وراء تأمين شكلٍ مريح للأبناء. ولو سألنا طلاب الصف التاسع عن أحلامهم في المستقبل لرسم معظمهم صوراً، يكون فيها مديراً أو مشرفاً على آخرين يعملون!

    فالرغبة بالعمل تتلاشى مع ضبابية الظنون التي يعيشها الإنسان، قبل مدة (سنة أو اثنتين)، كشفت فضائح (البورصة) التي أكلت معظم مدخرات الناس، راكضين وراء أوهام تعدهم بأرباحٍ هائلة وبوقت قياسي، ودون تعب!

    إدارة العمل وتقسيمه بين الناس

    في المثال الذي ورد بالقصة التي استهللنا بها الموضوع، كان الناس البسطاء يقسمون العمل فيما بينهم بصورة فطرية، وكان التقسيم في المجتمعات الزراعية يشمل كل أعضاء الأسرة حتى الأطفال منهم، والذين كانوا يكلفون برعاية من هم أصغر منهم أو الاعتناء بصغار الحيوانات، في حين كان يعرف الأب وتعرف الأم ويعرف كل يافع وراشد دوره بشكل صارم.

    بعض المهندسين في أيامنا هذه، لا يدركون بشكل جيد إدارة العمل والعمال، فمثلاً كان أحدهم يخسر في كل المقاولات التي يأخذها، أو أنه يربح بشكل ضئيل لا يسد رمقه. ماذا كان يفعل؟ كان يقدر أن صب الكونكريت لسقف ما يحتاج الى ستة عمال، فيذهب بالصباح الباكر فيحضر العمال بسيارته ويذهب الى مطعم ليشتري فطوراً لهم ويذهب الى المخبز ليشتري خبزاً لهم ويكون متفقاً معهم على 60 دولاراً لذلك اليوم من العمل، وعندما يصل الى أرض الورشة يتذكر أنه لم يوصي على صهريج ماء، فيدفع أجور العمال ليواعدهم في اليوم التالي!

    خطوات العمل المتسلسلة ومعرفة قدرة العامل على إنجاز ما يُطلب منه، تعتبر من الفنون التي نهضت بها الأمم المتقدمة. في دراسة أجريناها بين عامي 1974 و1977، على عشرة ألوان من العمل الزراعي (إنتاج حيواني، حقول، بساتين، غابات، وقاية نبات الخ) وجدنا أن معدل إنتاجية العامل الواحد يومياً هي ساعة و13 دقيقة، وعندما ناقشنا الأسباب والتي افترضنا لها أكثر من 100 سبب، منها الرواتب والتغذية والسكن والانتساب لنقابة أو حزب والديانة والطائفة ونمط الإدارة الخ، (كان ذلك في محطة بحوث بستنة نينوى/العراق)، خلصنا الى أن انتهاج العمل في بلداننا بالأجرة وقوانينه وإداراته لا زالت تحتاج الى المزيد من الدراسات والبحث.

    الدولة وسوق العمل

    لم تكن للوظائف العمومية في بلداننا تلك الأهمية التي أصبحت عليها في أيامنا هذه. ومعلوم أنه حتى منتصف فترة الحكم لمحمد علي باشا في مصر، لم تكن الدولة هي من يُعطي الرواتب للموظفين، بل كان الموظفون هم من يعطوا الدولة بدل تعيينهم، لأنهم كانوا يستوفون أتعابهم من العامة.

    مع بدايات الدولة العربية في القرن العشرين، تم تدخل الدولة في إدارة شؤون الحياة العامة وحتى جزء من الحياة الخاصة، حيث تم تقليد الشكل القائم للدول التي كانت تستعمر بلداننا وتديرها.

    وشيئاً فشيئاً، أصبح أثر الدولة يظهر جلياً في حياة الناس، فهي التي تخزن الأغذية وهي التي تنظم العلاقات العامة وهي التي تشرف على العقود المدنية والتجارية، وهي التي تشرف على التعليم،الخ. فانجذبت نفوس الناس إليها باعتبارها الملاذ الأكثر أمناً.

    ولتوسع أدوار الدولة، احتاجت الحكومات الى أعدادٍ من الموظفين الجباة والعمال والموظفين والشرطة والجنود الخ. وظهر أن ما تعطيه الدولة من رواتب يفوق ما يحصل عليه المواطن العادي من كدحه في أعمال الرعي والزراعة والبناء، وظهر أيضاً أن تلك الميزات تعلو كلما علا قدر الموظف بدرجته وعلمه، فأخذ هذا المسار طريقه بتسارع أثر على خريطة الأعمال والحرف وغيرها.

    بعد أن عجزت الدولة على استيعاب كامل القوى العاملة في الشعب، تراجعت الميزات التي كان يحصل عليها الموظف والعامل العمومي، لتصبح فيما بعد تلك الميزات والرواتب لا تغطي إلا جزءا يسيراً من متطلبات الحياة اليومية لهؤلاء العاملين، مما ترك أثراً سلبياً في أخلاقيات العمل (الفساد والرشوة والبطالة المقنعة ورداءة الإنتاج العمومي وتدني كمياته).

    كما أن هذا الالتزام الأدبي غير المصرح به، قد أثقل كاهل المصاريف للدولة، وبنفس الوقت تفشت البطالة، وتشير بيانات البنك الدولي الى أن معدل البطالة خلال الفترة من العام 2000 الى العام 2005 قد بلغ في الجزائر 29.5% عام 2000 ليتراجع الى 15.3% في عام 2005. وفي مصر 11% والمغرب 11.2% والأردن 12.4% وتونس 14.7% والعراق 26.8% وكذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة*1

    خلاصة:

    لقد تأثرت القاعدة الاقتصادية الفردية والمؤسسية والحكومية، تأثراً بليغاً، ولا توحي المشاهد الحقيقية أن هناك من يتوجه بشكل جاد للخروج من تلك الحالة، وهذا بدوره يتطلب المزيد من البحث والمناقشة، لا على صعيد الحكومات، بل على صعيد الجامعات والنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

    هوامش:

    *1ـ حال الأمة العربية (2007ـ2008)/مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت/ صفحة 243.

  4. #4

    رد: كيف نفهم القاعدة الاقتصادية؟

    أشكركم أستاذتنا الفاضلة على المتابعة والتشجيع المستمرين

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. كيف نفهم القدر؟!..
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-27-2018, 02:20 AM
  2. القاعدة الثابتة و القاعدة المتحركة
    بواسطة سعد عطية الساعدي في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-07-2017, 08:17 AM
  3. كيف نفهم القدر؟!..
    بواسطة roulan Al asafadi في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-16-2017, 01:43 AM
  4. كيف نفهم الدعاء؟
    بواسطة أحمد أبورتيمة في المنتدى فرسان الأدعية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-04-2012, 07:15 PM
  5. كيف نفهم السلام العادل
    بواسطة الناصر خشيني في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-02-2009, 07:18 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •