الاذاعه والتليفزيون
-------------------------
الحضور الاذاعي
لقد تابعت من خلال الصحف , بعض سوء الفهم , بين صحفي انتقد مذيعة تلفزيونية لأنها تقف طويلا وعيناها مثبته على ما هو مكتوب في ورقه أمامها , الامر الذي اعتبره الصحفي عيبا في مهنة المذيع او المذيعة التلفزيونية – وقد يكون هذا حق – والأمر لم يلفت نظري , تطبيقا لعاده تغلب على الغالبية منا في حب القيل والقال , ولكنه آثار انتباهي إلى قضية الحضور الإذاعي للمذيع التلفزيوني , فهو مثله مثل الممثل المسرحي الذي يقف أمام جمهور غفير , رد الفعل لديهم انى وسريع , إما بالتصفيق أو بالتصفير , فان لم يكن ممثلا حاضر البديهة قوى الإرادة متمكن من موقفه التمثيلي الدرامي أو الكوميدي , متعمقا في النص لدرجة الخلق والإبداع بما لا يؤثر على أحداثه فانه سوف يسقط , وتسقط معه مسرحيته – وهكذا المذيع التلفزيوني إن لم تتملكه تلك المواصفات الثقافية والإنسانية الواسعة سوف يسقط ويسقط معه برنامجه ..
وبدون ان نذكر أسماء فان هناك إطلالة لبعض المذيعين , تعطي لديك انطباعا عن برامجهم لمجرد مشاهدة الوجه الإذاعي ذاته قبل الاستمتاع بفقراته , فهناك مذيعة كلما تشاهدها تشعر وكأنك أمام طالبة في المدرسة الثانوية لا تزال في طور المراهقة ومذيعة أخرى تشعر أمامها انك أمام صحفية تسال ولا تناقش ولا تبحث وتجعلك تعيش جو التحقيق الصحفي , ومذيعة ثالثة تشعر أنها مذيعة فقط لا أكثر ولا اقل .
وفي تلفزيون البحرين تضعك الوجوه الإذاعية أمام الحرم الجامعي , فالمذيعة متكلفة ومتبرجة ومتزنة مع تكلفها وتبرجها وكأنها طالبة جامعية انيقة الهندام .
وفي تلفزيون قطر وجها إذاعيا حيويا ومتدفقا تقدم برنامجا حيويا ومتدفقا .. لديها من حضور البديهة والذكاء الاذاعي ما يربطك امام برنامجها الذي تقدمه مساء كل جمعة من تلفزيون قطر بأسلوب شيق ومنوع وهادف ومحبب للعقل والنفس الطيبة .
ولو فاضلوا بين اقوي البرامج الفنية وبين لقاء الجمعة في تلفزيون قطر الساعة السابعة مساء ما كنت تتردد في اختيار لقاء الجمعة هذا لما فيه من شمولية في الشكل والمعني غالبا .
وهكذا نجح " شريف العلمي " في برنامجه الجماهيري " سين جيم " , ولم ينجح مثل نجاحه غيره من المذيعين الذين حاولوا تقديم أشياء أكبر ناجحة – فالفكرة البرامجية التلفزيونية لا يقويها إلا منفذها – تمام كما القصة أو العمل المسرحي عندما تتحول إلي فيلم أو مسلسل أو مسرحية لا يقويها إلا من يقوم بتمثيل أدوارها الرئيسية أمام المشاهدين ..
حتي النشرة الإخبارية لها حضورها الإذاعي , وكم كان يطيب لنا الاستماع اليها من مذيع سوداني في تلفزيون ابوظبي سافر الي الخرطوم قبل عامين لتسلم منصبا إعلاميا كبيرا هناك ومثله المذيع التلفزيوني المخضرم " عبد المنعم سلام " عندما يقدم النشرة في تلفزيون ابوظبي أيضا .
الحضور الإذاعي في وجه المذيعة أو المذيع أمر ضروري لكي يحيا التلفزيون ويسقط الفيديو مرة أخري .
----------------------
عودة الوعي تدريجيا
--------------------
مرت السبعينات علي الفن العربي بكل عيوبها التي نوجزها في تغليب الروح المادية على الروح الإبداعية في الوسط الفني وكان أهم مظاهر ذلك تتمثل فيما يلي :
- دخول التجار بوجوه جديدة مما أدي إلى انصياع الجميع هواة ومحترفين للشكليات المادية ونتج عن هذا الانصياع ارتفاع ملحوظ في تكاليف أي عمل فني , اثر بدوره على سوق الفن الجاد والملتزم الذي يحاول قدر استطاعته الإبداعية أن يغلب الفن على المادة وسط هذا التكالب التجاري الذي انتشر في الوسط الفني .
ومما سبق يمكن تفسير ظاهرة الردئ والجيد والأكثر جوده على النحو التالي :
حيث يقدم التجار عشرة أعمال رديئة , يتخللها عمل جيد واحد , وعمل أكثر جودة من بين الأعمال العشرة , سعيا وراء استرضاء فني أو ادبى لمواجهة النقد المضاد لاستهتارهم بكل القيم الفنية المتعرف عليها من ناحية ولكي يقنعوا أنفسهم كذبا , ويقنعوا الوسط الفني , بأنهم ليسوا دخلاء عليه من ناحية أخري ... !!
- إلا أن التاريخ الفني لن يرحمهم أبدا , فهم الذي ضيعوا الانتكاسة الفنية , مستغلين ظروف النكسة السياسية ليحولوا السينما إلى مائدة تجارية ويكرسون قاعدة " السينما للحسناوات " ما بين 1965 وحتى 1974 , حين تفتحت عيونهم على الأرباح الهائلة التي يمكن أن يجنوها من مسلسلات التليفزيون فكرسوا القاعدة الجديدة الحالية في أن " التليفزيون للتجار " ...
- وهنا الأمر لا يحتمل أبدا , لان التليفزيون قبل كل شئ وأي شئ قناة ثقافية وتربوية يتابعه الصغير قبل الكبير والجاهل قبل المتعلم ... الخ وتسليم أموره إلى المراهقين السينمائيين والشواذ على الوسط الفني أمر في غاية الخطورة على مستقبل الجيل العربي الجديد ...!!
- وقد أدرك تلك الخطورة العديد من المسئولين عن محطات التليفزيون العربية , وعالجوها بشكل أو بآخر ,
- والمعروف إن تليفزيون القاهرة أول من اهتم بإنتاج المسلسلات التليفزيونية مع أوائل الستينات لا تزال في الذاكرة حتى الآن رغم مضى أكثر من ثمانية عشر عاما على إنتاجها مثل مسلسل هارب من الأيام لعبد الله غيث , ومسلسل خيال الماتة للعملاق المرحوم / حسين رياض , ثم المسلسلات الدينية والتاريخية التي كانت تقدم المعلومة التاريخية والدينية بيسر وسهولة في عقل المشاهد لتبقي راسخة في ذهنه إلى ما شاء الله ...!! وكانت خماسية " الساقية " للأديب الكبير عبد المنعم الصاوي , بداية على تأكيد العلاقة الحتمية والضرورية بين الفن والأدب حين بدا التليفزيون المصري مع أوائل سنة 1967 في تقديم الجزء الأول من الخماسية وهو " الضحية " بطولة زيزي مصطفي وسميحة أيوب وحمدي غيث وعبد الغني قمر , وتبعها الجزء الثاني " الرحيل " والذي شارك في بطولته صلاح قابيل وسهير المرشدى مع حمدى غيث وسميحة أيوب ...!!
وحالت الظروف بين تكملة هذا العمل الأدبي تليفزيونيا بعد الانتهاء من جزئه الثالث " النصيب " وهو عمل بتحدث عن كل مصر ما بين سنة 1900 وحتى 1967 على وجه التقريب , ولم يترك شيئا عن مصر إلا وتحدث عنه بشكل واقعي ومتسلسل من الأجداد إلى الآباء ثم الأبناء فالأحفاد , ومن الريف إلى المدينة , ومن سلطان العمدة إلى سلطان الانجليز , إلى سيطرة الأحزاب إلى جبروت الملكية , حتى الانتقال إلى عهد الثورة وجمال عبد الناصر ..!!
- ومما يذكر لجيل التليفزيون في ذلك الوقت انه كان ينتظر سنوات طويلة حتى يحصل على دور صغير في أي مسلسل تليفزيوني خاصة بعد ان هجم التجار على السينما ولم يقدموها إلا للحسناوات .
- لكن هؤلاء انتبهوا لإرباح التليفزيون فهجموا عليه بالتدريج ابتداء من منتصف السبعينات تقريبا بعد أن كسدت سوق السينما بسلسلة المسلسلات البدوية ذات القصة المكررة والمشاهد المتشابهة , التي قبح من استمرارها الجميع بعد ثلاث أعوام من التكرار المتشابه , فتحول المنتجون ابتداء من أواخر سنة 1979 إلى المسلسلات التاريخية المسلوقة , والمسلسلات التي تتحدث عن حياة الخالدين من الأدباء وبشكل مسلوق وسريع أيضا , والمسلسلات المنقولة عن التراث الشعبي والأدبي في التاريخ العربي مثل " قيس وليلى " التي قدمت في سهرات ومسلسلات تليفزيونية أكثر من خمس مرات
تقريبا ..!!
- إلا أننا مع هذا تعتبر اللجوء إلى تلك المضامين بمثابة عودة الوعي في السوط الفني , بعد تغييب الوعي الذي دام أكثر من خمسة عشر عاما ما بين 1965 وحتى 1979 بين قاعدة السينما للحسناوات ...!!
وقاعدة التليفزيون للتجار ...!!
- ونذكر ضمن عودة الوعي نذاك
مسلسلات مثل المسلسل التاريخي عن هارون هاشم رشيد من إنتاج تليفزيوني قطر ,
ومسلسل جوهرة القصر عن عمر بن عبد العزيز ,
ومسلسل بأم عيني عن المعتقلين الفلسطينيين في الأرض من إنتاج تليفزيوني أبو ظبي ...
ومسلسل زينب والعرش عن قصة الصحافة في مصر ما بين أواخر الثلاثينات وسنة 1967
بجانب المسلسلات التي ذكرت سير الأدباء المعاصرين أمثال العقاد وطه حسين , او سير الأدباء والشعراء العرب القدامى أمثال المتنبي وسيف الدولة الحمداني ... الخ
- إلا أن هذه المسلسلات وما شابهها كانت تمثل نهر الجانب بحر من المسلسلات العاطفية العصرية التي دخل بها التجار لتحقيق مزيد من الأرباح , التي يبدو أن المسلسلات التاريخية والدينية والأدبية لا تحقق لهم جشعهم منها .!!
- ومع هذا وذاك , فقد ظهر مجموعة من المسلسلات الجيدة التي بحثت في قضايا عامة ضمن القضايا العاطفية , وعلى رأس هذه المسلسلات
" ألمرشدي عنتر " إنتاج تليفزيون دبي , " وصاحب الجلالة الحب " انتاج تليفزيون القاهرة , وهناك بعض المسلسلات الجيدة الأخرى التي إن لم تكن قد وصلت إلى مستوى " ألمرشدي عنتر " او " زينب والعرش " , إلا أنها تدخل ضمن المقبول مثل اخو البنات لمحمود يس , وعطفه خوخه لحسين فهمي , والحرملك لكرم مطاوع , ودقة قلب لأنور إسماعيل والضوء الأسود لسناء جميل وأبواب المدينة لصلاح قابيل قدمت مجموعة من الوجوه القوية مثل خالد زكي , وليلى علوي , وإيمان الطوخي , ودلال , وسمير حسني , وهالة صدقي , ورغده , ومعالي زايد ,
- ما يهمنا الآن من هذا العرض الوصول إلي أساس متفق عليه في تحديث نوعية المسلسل الجيد من المسلسل الأكثر جودة من المسلسل الردئ ,
وهذا التحديد يعتمد في الأساس علي نوعية القصة , ونوعية كاتبها في الأساس .. ونوعية المنتج , وخبرته السابقة ثانيا ..
ونوعية الممثلين , وقيمتهم الفنية ثالثا ..
والمخرج المتخصص في عالم المسلسلات التلفزيونية ,
لان هناك من ينجح سينمائيا ويفشل تلفزيونيا
وهذا ما يجعلنا نؤكد للمرة العشرين أن المسلسل إن لم يكن تاريخا أو أدبا روائيا , في حجم الملحمة والأسطورة , والمجتمع , لا يمكن أن يكتب له النجاح أبدا , أما القصة العاطفية التحية , او الحدث البوليسي البحت , فلا يمكن هضمها في مسلسل وبالكاد تكفي لمعالجتها سهرة تليفزيونية -
أما المسلسل باسم " زهرة السور العالي " عن قصة للأديب الكبير محمد فريد أبو حديد فهو الذي يحتاج لوقفة طويلة عن العلاقة بين الفن والأدب ,
وروعة ذلك التزاوج إذا حدث