منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 23
  1. #11
    * صابر عبد الدايم يونس ..
    بقلم: سمير الفيل

    ـ عرفته طالبا بالأزهر الشريف زميلا لواحد من أهم رواد قصيدة العامية في مصر هو
    السيد الجنيدي
    .
    ـ كنت ازور الجنيدي ( بلدياتي من قرية شط الملح ) أثناء دراسته في الأزهر ربما في حي الموسكي أو خان الحليلي أو غيرها من الأحياء الاسلامية فألتقي زملاءه ومنهم صابر عبد الدايم .
    ـ تخرج صابر وعمل مدرسا بمدرسة دمياط الأعدادية في مادة اللغة العربية .
    ـ كنت أزوره ف عمارة يسكن دورها الأخير ، واقوم بمهمة النقد ، ورغم أنه يسبقني سنا فقد كان يستفيد من كل نقد يوجه له ،و كان يعمل لي شايا شرقاويا معتبرا .
    ـ عاد إلى بلدته
    ديرب نجم
    وصار هو وحسين علي محمد نجمان بارزان في سماء الثقافة المصرية .
    ـ ما زلت أذكر ديوانه الأول "المسافر في سنبلات الزمن " ..( وذلك باسقاط الديوان المشترك ) . كانت لي قراءات مطولة معه أعتقد انها أفادته كثيرا .
    ـ بطريقة عصامية فريدة حصل صابر على الماجستير والدكتوراة ، لكنه ظل نفس الشخص الجميل خلقا ، والدمث سلوكا ، المهذب لأنه ببساطة متربي وابن ناس . بل يمكنني الزعم أنه من اطيب مائة شخصية قابلتها في حياتي ( لا يسألني احد عن التسعة وتسعين الآخرين ! ) .
    ـ رشح نفسه عضوا لمجلس إدارة
    اتحاد كتاب مصر
    فانتخبناه ، ونجح لكن الاتحاد كله بسبب عجلة الروتين لم يفعل شيئا وظل نائما في العسل .. الأسود ! .
    ـ قضى سنوات طويلة معارا للسعودية ورجع لمصر ثم هاهو يعود ثانية ، مضيفا لدوره كشاعر دوره كمدرس جامعي مرموق .
    ـ حضرت معه الكثير من المؤتمرات الأدبية فكان محل فخار لنا بجهده وانطلاقته ووطنيته، وقيادته الحكيمة لندوات كثيرة .
    ـ آخر مرة قدمني فيها بعاصمة الشرقية ( الزقازيق ) منذ حوالي ثلاث سنوات في سرا دق كبير خلال احتفاليات شهر رمضان ، قال :
    "هذا شاعر وروائي وقاص ، وصحفي ، وشاعر عامية وبسبب كل هذه المواهب ظلم سمير نفسه " .
    كان يتكلم من منطق تقدير لي ، ولم أحب أن اخبره أيضا أنني أيضا ملاكم وكابتن المعلمين لثلاث سنوات في الكرة الطائرة وبطل في الوثب العالي . وبائع للأحذية مدة من الزمن تقدر بعشر سنوات .. فهل نفعت نفسي بكل هذه الهوايات والمهن؟!!!
    ـ ربما أختلف معه ـ قليلا ـ في
    نزعته التقليدية
    في الشعر فهو يخشى الحداثة ، ويقف على أعتابها بوجل ، وهي سمة من سمات معظم من درسوا في الأزهر .
    ـ صابر عبد الدايم قبل هذا وبعده من أحب الأدباء إلى قلوب الدمايطة القدامى ( جيل السيد النماس ، أنيس البياع، د. عيد صالح ، د. عزة بدر ، محمد علوش ، زينب مصطفى عبده ، محروس الصياد ، محمد العتر ، محسن يونس ، محمد النبوي سلامة ، السيد الغواب، حسين البلتاجي ، يوسف القط ، مصطفى الأسمر ، وغيرهم وهو الجيل الذي بدأ ينشر في السبعينات منذ حوالي 30 سنة أو أكثر وتوقف أغلبه وتساقط مع امتداد المسيرة إما بالصمت ، وإما بالموت ) .
    ـ هذا هو صابر عبد الدايم في مرايا الفقير إلى ربه سمير الفيل . حيث أن أغلب محاولاتي في الشعر والقصة والنقد طالها العطب ، ولما لم أفلح أبدا ، أكتفيت بالتنقل ـ حاليا وبنجاح كبير ـ عبر صفحات الأنترنت كما أخبرت
    أحمد السيد
    منذ قليل في حوار معه .... .لا أراكم الله مكروها في موهبة لديكم !!
    ...................
    شكرا يا دكتور
    حسين علي محمد . يجمعنا لقاء قريب إن شاء الله .

  2. #12
    لسان العرب تكرم د. صابر عبدالدايم

    جمعية لسان العرب.. تكرم د. صابر عبدالدايم عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر فرع الزقازيق.. يأتي التكريم خلال مؤتمر الجمعية الذي يقام في الفترة من 8 إلي 10 نوفمبر بقاعة المؤتمرات الكبري بمدينة نصر. يشارك في المؤتمر أكثر من 50 باحثا من مصر والبلاد العربية. يناقشون سبل النهوض باللغة في مجال التعليم والمجامع العربية والإعلام.
    ..........................................
    *المساء ـ في 8/11/2008م.

  3. #13
    قراءة في ديوان «مدائن الفجر» لصابر عبد الدايم

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد

    أصدر الدكتور صابر عبد الدايم عن سلسلة "مواهب" عام 1983م مجموعة شعرية بعنوان "الحلم والسفر والتحول"، وقد نشر بعدها عدداً من الدواوين آخرها ديوان "مدائن الفجر"، وأنا أرى أن ثلاثية "الحلم والسفر والتحول" ليس عنواناً لديوان صدر من اثنتي عشرة سنة فحسب، وليس عنواناً منكفئاَ له دلالة على مجموعة من القصائد بعينها هي تلك التي ضمّها هذا الديوان الذي عُرف بين الناس، وكتب عنه النقاد، وإنما ثـلاثية "الحلم والسفر والتحول تًمثل رمزاً دالاً على شعر الشاعر صابر عبد الدايم منذ ذلك الحين، حتى الديوان الأخير الذي بين أيدينا.
    و"مدائن الفجر" فيها من الحلم روعة الرؤية التي يحلم بها من طال عليه السُّرى (السير ليلا)، وفيها من السفر روعة الوصول بعد وعثاء السفر، والجد فيه. وفيه من التحول أن المدينة نهاية تطور التجمُّع البشري من العزلة، إلى القرية، إلى المدينة، وأن الفجر نهايةُ ليل طويل، ويشهد تحولات الزمن نحو يوم آخر مختلف، نغذ نحوه السير، ونحلم بالوصول إليه …
    أرأيتم أن ذلك العنوان فيه استمرار للحلم والسفر والتحول؟ وأن "الحلم والسفر والتحول" ليس عنوان ديوان، وإنما توصيف لعنوان شاعرية. أو هو على حد تعبير العقاد العظيم في "عبقرياته" ـ مفتاح عبقرية هذا الشاعر الكبير الذي نحتفي بشاعريته اليوم؟!
    وإذا قلبنا صفحات هذا الديوان الصغير الذي أرى أنه فتح في عالم الشعر، فسنرى أنه يضيف إلى العبقريات الكبيرة في العربية الشاعرة شاعرا عبقريا، لا يمكن لعين دارس لراهن الشعر العربي أن تتخطاه.
    والآن، لنبدأ رحلتنا:
    1- الحلم:
    رافق الحلم شاعرنا منذ البداية، وأظن أن الحلم مرادف لوجوده منذ أن وعى الحياة:

    صرختُ أُعلنُ أني جئتُ فابتسَمَتْ .:. أمِّي لصُبحٍ أتاها جدَّ بسَّامِ
    ويُبصرُ الطفلُ في عينيْـهِ أوديــةً .:. من الأمَـانِ، وما ناءتْ بأسقامِ
    فمنذ وجوده الباكر، وصرخته التي تعلن بدء الحياة كان يرى في حلمه الحياة أودية من الأمان والحيوية والصحة الدافقة التي لا تُروَّع بالسقم. وما أظن هذه الرؤية إلا حلم الشاعر، الذي يُريد أن يُقيم جنة الله على الأرض.
    ومن ثم فهو يرى الكون ـ حتى في لحظات السواد والقتامة، حتى وهو يصرخ في عنوان القصيدة الثانية "وا إسلاماه!"
    ـ يرى الكون متناغماً بالحياة، والإيمان، والعطر، والضوء، والفجر، والرايات الإسلامية الظافرة.
    الضوءُ حروفٌ تنسجُها هالاتٌ قُدسيَّهْ
    والأفقُ مناراتٌ يُذكيها عطرُ الصلواتِ الكونيَّهْ
    والليلُ.. تُناجي آيتَهُ نبضُ السنواتِ الضَّوئيَّهْ
    والفجرُ على أبوابِ مدينتِنا يرفعُ راياتٍ إسلاميهْ
    والفجرُ يُؤذِّنُ … إلخ
    إن الصور التي تتوالى في هذا المقطع أقرب إلى الحدس الروحي منها إلى الواقع المحكي أو المُشاهَد، فالضوء الذي هو حروف، والأفق الذي هو منارات، والهالات القدسية التي تُنسج، والليل الذي يناجي .. كلها أقرب إلى الحدس الرومانسي، وخيالات العشاق والحالمين، وهي في رؤية صابر عبد الدايم أسميناها في دراسة سابقة بـ"الرومانسية الثورية"، ونقصد بها الرومانسية التي لا تغرق في ظلال الذات، ووهم الغربة، وتفرُّد الألم .. وإنما تحاول أن تلتحم بالمجموع( )، وتُقدِّم هموم الأمة .. ومن ثم فالحلم عنده حلمٌ جسور مقتحم:
    نعُودُ منْ غربةٍ للتيهِ تُطعمُنا
    ونرقُبُ الفجرَ يأتي بعد إظلامِ
    ونحملُ السيفَ في كفٍّ موحِّدةٍ
    تذودُ عنْ وطنٍ في كفِّ إجرامِ
    ترنو لبدرٍ وفجرِ الحقِّ في أُحُدٍ
    تهفو إلى أَسَدٍ للشركِ قصَّامِ
    فمنْ هُــــناكَ تعُودُ الآنَ قافلتي
    وتُبصرُ الفجرَ في آفاقِ إسْلامي
    إن مدائن الفجر التي يحلم بها الشاعر، ليست إلا مدن الحلم الإسلامي، فهل يتحقق الحلم؟
    2-السفر:
    شاعرنا مسافر في نصوصه، مسافر في الزمان، ومسافر في المكان، ولعله سافر في شعره كما سافر في حياته؛ بدأ السفر طفلاً في أحضان أمه، بين قرية أمه وقرية أبيه، ثم بدأ في العاشرة سفره إلى الزقازيق ليتلقى العلم في معهد الزقازيق الديني، ثم سافر إلى القاهرة طالباً جامعيا، ثم سافر إلى دمياط معلما، وبعد ذلك سافر إلى ليبيا، والسعودية، وتركيا.
    ومن أول أبيات ديوانه حتى آخرها نلمح السفر ماثلاً في نصه الشعري المُنجَز، يقول في مطلع قصيدة "مدائن الفجر" (وهي أولى قصائد الديوان):
    مُعَلَّقٌ بين تاريخي وأحْلامي .:. وواقعي خَنجرٌ في صدرِ أيَّامي
    أخطـو فيرتدُّ خطوي دونَ غايـتِهِ .:. وما بأُفقي سوى أنقاضِ أنغَامي
    إن أولى مفردات السفر هي "الخُطا" (في البيت الثاني: أخطو)، لكن السفر لن يكون سهلاً ، في الواقع أو في النص، فـ ..
    ما كلُّ ما يتمَنَّى المرءُ يُدركُهُ .:. فالرُّمحُ يطعنُ ما لا يبتغي الرامي
    وفي انكسار المرايا حُطِّمتْ سُفُـني .:. وفي انحرافِ الزوايا غاب إقدامي
    هاهو قد أصابته رماح، وحُطِّمت سفنه، وغاب إقدامه … فهل كان ذلك حقيقة؟، أم كان من أوهام الشعراء؟
    أظن انه من قبيل اللَّعب الشعري، والخيال الجامح والجانح معاً، فهاهو يسافر في التاريخ إلى أمكنة لها رؤى في القلب؛ إلى مكة، وبدر، وسراييفو، وكربلاء، والقدس، و"العطارين" (تلك القرية الصغيرة التي نشأ فيها من أعمال مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية).
    وأحب أن أتوقف أمام "العطارين": لأن بدراً، وسراييفو، ومكة سأتوقف عندها في دراسة أخرى أرجو أن أقوم بها قريباً ـ إن شاء الله ـ وأتوقف أمام "العطارين" لأنها تُشكِّل أيضا جزءاً من رؤاي، وتجعلني أتذكّر ذاك الصبي الأسمر الذي عرفتُه ـ وكلانا دون العشرين ـ ورأيتُ مثله هذه المشاهد التي يتحدث عنها في قصيدته "الطائر الحبيب" التي يرثي بها أخاه الدكتور صفوت عبد الدايم ( وكان صفوت زميلا لي في مدرسة ديرب نجم الثانوية ـ يسبقني بسنة واحدة). فماذا يقول صابر عن تلك الأيام الجميلة الخالية، مخاطبا أخاه الراحل، ومستثيراً فينا عبق الذكريات الجميلة؟
    أنت مازلتَ في رؤايَ صبيا .:. خلف سربِ الجرادِ تجري إزائي
    نحنُ والريحُ في سباقٍ وعَدْوٍ .:. والفراشاتُ في دروبِ الفضَاءِ
    تارةً نخطفُ الفراشَ .. وأخرى .:. نتخفَّى وراءَ ظلِّ الخباءِ
    وإلى الحقلِ كمْ عدوْنا سويا .:. ظلُّنا واحدٌ بجوفِ الماءِ
    يرصدُ البدرُ في المسَاءِ خُطانا .:. وعلى وجهِنا صفاءُ الضياءِ
    وحكاياتُنا لها الحقــلُ يُصْــغي .:. وتُعـيدُ النجـومُ رجعَ الغنـاءِ
    إن هذه الأبيات سفر إلى طفولتنا جميعاً، واقتحامٌ لهذه المناطقِ البكرِ في أنفسنا، والتي هي على طرف ألسنتنا، لكننا لم نكتبها، وكتبها هذا المسافرُ في سنبلات الزمن.
    (يتبع)

  4. #14
    ورغم أن الطائر الحبيب صفوت عبد الدايم لم يكن صديقاً لي، بينما كنت صديقا لأخيه صابر عبد الدايم الذي لم يُزاملني في مدرسة أو جامعة، ولكنه زاملني رحلة الشعر، وعبق الكلمة، ودفء الحرف الأخضر الوارف بالجموح والطيبة والجنون. أقول: رغم ذلك، فقد شاركتهما الإحساس والمعاناة في ذلك الريف الملوّن بالذكريات المنقوشة على جدار القلب، والتي أشار إليها الشاعر في أبياته السابقة.
    3-التحول:
    ليس التحول في الرؤي، وإنما التحول في البنية الفنية؛ فصابر عبد الدايم واحد من كبار شعراء عصرنا الذين يحافظون على القصيدة الخليلية، ويصرون على ألا يخلو ديوان من دواوينهم من هذا الشكل (ولا أدري كيف أصبح الشعر الخليليُّ شكلاً مرفوضا عند أصحاب الحداثة المدّعين! هل أصبح الشاعر الذي يكتب قصيدة خليليةً متخلفاً، وأصبحت قصائده متهمة بالضلوع في "التخلف" أمام قصيدة التفعيلة، ثم هذا الشيء المُسمَّى "قصيدة النثر"؟!)
    لقد بدأ صابر عبد الدايم بكتابة الشعر الخليلي، وتمرس عليه عدة أعوام، ويشهد ديوانه الأول "نبضات قلبين"( ) على تمكنه من هذا الشكل، ويتمثل ذلك في مطالعه القوية، في مثل قوله:
    الشعرُ فيْضٌ من الرحمنِ مجْراهُ .:. لو كان وحْياً لقلتُ: اللهُ أوْحـاهُ!
    لكنّهُ سلسلٌ فاضتْ مشَاعرُنا .:. بهِ، وكنزٌ لنا الرحمـنُ أهْداهُ
    ولمحةٌ منْ سنَــا الرحمَــنِ مُشرقةٌ .:. وهاتفٌ صادقٌ في القلبِ سُكناهُ
    وقوله:
    لسواكِ لمْ أُبصِرْ ولي إبصَارُ .:. وعليكِ منْ بدرِ السماءِ أغارُ
    وأغارُ إنْ هبَّتْ عليْكِ نسَائمٌ .:. وتغرَّدتْ بجمالِكِ الأطيَارُ
    منْ ثغرِكِ البسَّامِ يا حوريَّتي .:. قدْ فُجِّرتْ في قَلبيَ الأنوارُ
    منْ كأسِ حبِّكِ قدْ شربْتُ فزادني .:. شوقاً إليْكِ، وغَنَّتِ الأشعارُ
    ولقد ذكرتُكِ فانتفضْتُ كزهْــرةٍ .:. عبثَتْ بنضـرةِ حسنها الأزهارُ
    لكن الشاعر تحول إلى قصيدة التفعيلة، وأصبحت تشارك القصيدة الخليلية إبداعه ودواوينه التالية، وظل يُحافظ على الإيقاع والتقفية. يقول في مطلع قصيدة "الكلمة والسيف":
    الآن الكلمةُ ليستْ حرفا
    الآن الكلمةُ صارتْ سيفا
    صارتْ سيفاً وخناجرْ
    ولهيباً ومشاعرْ
    وحاول أن يجرب القصيدة المدورة في بعض تجاربه( )، لكن تحوله الأساس في هذا الديوان هو عودته إلى القصيدة الخليلية، فمن بين عشر قصائد ضمتها مجموعته "مدائن الفجر" لم نجد غير قصيدتين تفعيليتين، هما: "واإسلاماه!"، و"أعراس الشفق"، فكأن قصائد التفعيلة انحسرت عنده ـ في هذه المجموعة ـ إلى 20% من شعره.
    إننا لا نقول كما قال "محمد بن رقطان" في قصيدته "دفاعاً عن الخليل":
    حسبوا شكلك الجديدَ جديراً
    بابتكارِ الأديبِ فنا نبيلا
    ورأوْا وزنَكَ الخليليَّ قيْداً
    فأباحوا لنثرهمْ مستحيلا
    وغزَوْا محتوى الشعورِ برمْــــزٍ
    وأسَـاطيرَ تستفِــزُّ الخلـيلا
    أو نقول كما قال مفدَّى زكريا:
    وعابثينَ أرادوا الشعرَ مهْزلةً .:. فأزعجوا برخيصِ القولِ آذانا
    تنكرو للقوافي حين أعجزَهمْ .:. صرْحُ القوافي وضلوا عنْ ثنايانا
    قالوا جمودٌ علىالأوضاعِ وزنُكُمو .:. فشعرُنا الحرُّ لا يحتاجُ أوزانا
    فأين من جرسِ الإيقَاعِ خلطكُمـو .:. ما الشعرُ إن لمْ يكنْ دوْحاً وأغصانا؟
    إن الشعر الحقيقي يكتب في كلا الشكلين، ونراه عند: عبد المنعم عواد يوسف، وحسن الأمراني، وعبد الرحمن العشماوي، وجميل محمود عبد الرحمن، وأحمد محمود مبارك، وأحمد فضل شبلول … وغيرهم.
    لكن تحول صابر عبد الدايم إلى الشكل الخليلي تحول إلى الشكل الذي يستطيع من خلاله أن يُعطي القصيدة نبضها وروحها وتأثيرها.

  5. #15
    تراثنا الأدبي والعلمي يؤثر فى الآداب الأوربية
    وفى النهضة العلمية الحديثة

    بقلم: أ.د. صابر عبد الدايم

    ـ 1 ـ
     ان الأمة الإسلامية ، فى بحثها الدائب عن أصالتها ، وفى محاولاتها الكشف عن معالم هذه الأصالة ، وازالة ما ران عليها من جمود وزيف ، تحتاج إلى التآزر بين مفكريها وكتابها وشعرائها وعلمائها ، كل يشارك بجهده المتميز فى بعث الحضارة الإسلامية التى امتدت جذورها فى الفكر الإنسانى ، فأينع وآتى أكله طيبا .

    ـ 2 ـ
     وحين نتأمل الجو الفكرى ، فى العصر العباسى ، نرى التلاحم الثقافى بين آداب الأمم ، التى فتحها الإسلام ، ونرى لكل أدب مؤيدين ، ولكل ثقافة أنصارا ، فوزراء العباسيين ، ومن نحا نحوهم يؤيدون الثقافة الفارسية ، ومدرسة "جنديسابور" وما تفرع منها تؤيد الثقافة اليونانية ، والأدباء وعلماء اللغة والنحو يؤيدون الثقافة الهندية ، وقد نشر هؤلاء جميعا ، فى الجو الفكرى الإسلامى ، هذه الثقافات المختلفة المشارب المتعددة المنازع ، يتنفس كل منها حسب ميوله واستعداده .

    • ونتيجة لهذا التلاحم الثقافى والالتقاء التاريخى الذى يمثل لب المقارنة بين الآداب تأثر أدبنا بالأدب اليونانى والهندى والفارسى وكأنه بهذا التأثر يترجم عالمية الإسلام إلى واقع أدبى مؤثر ، لأن هذه الآداب سرت فى جسمه ، وذابت فى كيانه ، ولم تعد مستقلة ، ولم يذب أدبنا الإسلامى العربى فيها ، بل ذابت فيه.
    وهذه هى الأصالة التى لا بد منها فى أزمنة الاستجابة للموجات الوافدة.



    ـ 3 ـ
    " من ثمار الحضارة العربية والإسلامية "
    (أ) أثر العلوم الكونية والطبيعية فى النهضة العلمية العالمية الحديثة .
     إن هناك عدة ميادين ومحاور تمثل فى مجموعها الهرم الحضارى الذى شاده الباحثون والعلماء العرب والمسلمون فى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية فى العصر العباسى الذى امتد منذ القرن الثانى الهجرى حتى القرن السابع .. أكثر من خمسة قرون ، وكذلك "فى العصر الأندلسى الذى تزامن مع حضارة الإسلام فى المشرق " فى الدولة العباسية واستمر بعدها عدة قرون .
    • وفى ظل هذه الحقبة المزدهرة تفوق المسلمون فى العلوم الكونية والإنسانية والتجريبية واللغوية والشرعية والطبية والهندسية ، وانتشرت هذه العلوم وآثارها الحضارية فى العالم كله " شرقا وغربا " .
    • وقامت النهضة الأوروبية على دعائم الحضارة الإسلامية الزاهرة إثر الاتصالات القوية بين الغرب والشرق عن طريق الرحلات والترجمة .. والحروب الصليبية ، واحتكاك الغرب المسيحيى بالشرق الإسلامى فى بلاد الأندلس .
    • وأهم الميادين التى تأثر بها الأوروبيون والعالم الغربى بصفة عام هى (الأدب ـ الفلسفة ـ العلوم الطبيعية ـ الطب ـ الجغرافيا ـ المعارف الملاحية ـ التاريخ والعمارة ـ التحف الفنية ـ الموسيقى ) .
    • وهذا التأثر الحضارى المعروف جاء نتيجة الاتصال بين نتاج الحضارة العربية الإسلامية والعالم الأوروبى فى أوائل عصر النهضة فى مرحلة تمتد من القرن الثانى عشر إلى القرن السادس عشر الميلادى .
    • والشواهد والأدلة ما زالت قائمة وناطقة بتأثر حركة الفكر الأوروبى فى هذه العصور بمنجزات التراث الحضارى للفكر الإسلامى .


    (ب) الآثار العلمية للعرب والمسلمين فى العلوم الطبيعية .
    • إن الإسلام دين العلم والحضارة ، ومعجزة الإسلام الخالدة هى "القرآن الكريم " ، وأولى آياته التى نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هى  أقرأ باسم ربك الذى خلق ، خلق الإنسان من علق  .
    • ويقول الحق سبحانه :  وقل رب زدنى علما  .
    • ويؤكد القرآن الكريم ـ على الرغم من تربع الإنسان على ذروة التقدم العلمى ، وبلوغه المدى الأعلى فى هذا المجال ـ أن الإنسان ما زالت أمامه آفاق كثيرة متشعبة لم يتعرف عليها ،ولم يصل إليها قال تعالى :  وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  .
    • ويحث القرآن الكريم البشر أجمعين على التفكر فى خلق السماوات والأرض ، والكون والكائنات ، وينعى على المتشككين فى قدرة الله عز وجل عدم التدبر والتفكر والتذكر ، فيقول سبحانه فى سورة الغاشية  أفلا ينظرون إلى الأبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت  .
    • ولذلك ما إن استقرت الدولة الإسلامية ، وامتد سلطانها من مشارف الصين شرقا ، إلى مشارف فرنسا غربا .. حتى أخذ العلماء العرب والمسلمون ينهلون من موارد العلم بمختلف فروعه وفنونه، فأخذوا يترجمون الذخائر العلمية ، وينقلون إلى اللغة العربية علوم الإغريق والرومان والفرس والهنود .
    • وتنافس الخلفاء والحكام فى رعاية العلم والعلماء ، وقبل إنشاء المدارس كانت قصور الخلفاء ، ومنازل العلماء ، ودور الكتب والمساجد بمثابة جامعات يحج إليها طلاب العلم من كل أرجاء الأرض ؛ وقامت المساجد بدور رائد فى النهضة العلمية .
    • ومنها الجامع المنصور فى "بغداد" والجامع الأموى فى "دمشق" ، والجامع الأزهر بالقاهرة ، وجامع القيروان بتونس ، وجامع القرويين فى فارس ، وجامع قرطبة بالأندلس ، والجامع الكبير بصنعاء .
     وفى هذه البيئة العلمية الصالحة ، وفى هذا الجو العلمى الحافل بالتفاعلات الحضارية نشأ عدد من العلماء يقرنون إلى عدد من العلماء فى كل عصر وآن .
    • وكانت اللغة العربية لغة العلم يكتب بها العلماء ليقرأها الناس فى أى صقع من أصقاع الوطن الإسلامى الكبير ، وازدهرت حركة الترجمة أيما ازدهار ، ثم أقبل العلماء على التأليف والكتابة فى مختلف فروع المعرفة العلمية ، ونقلوا علوما وابتكروا أخرى ، وأضافوا كثيرا من الأراء والنظريات التى نسبت إلى غيرهم .
    • وتكلم العلماء العرب والمسلمون فى نظرية "التطور" ثم نسب ذلك إلى "داروين" فى القرن التاسع عشر ؛ وقد كتب فى هذه القضية "ابن مسكويه" و "اخوان الصفا" وابن خلدون قبل داروين بقرون عديدة .
    • وتحدث العلماء العرب والمسلمون فى قانون "الجاذبية" ، والربط بين السرعة والثقل والمسافة ، وقد نسب كل ذلك إلى نيوتن دون سواه ، وقد ثبت أن الخازن وغيره كتبوا فى ذلك قبل نيوتن بمئات السنين .
    • وتحدث العلماء المسلمون فى أثر البيئة على الأحياء قبل لامارك ، كما نسب ذلك إلى ابن خلدون ـ فيلسوف العمران والاجتماع فى الإسلام .
    • وشرح ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى قبل "هارفى" ببضعة قرون.
    • وكذلك الحال فى طبيعة الضوء وسرعته وانكساره والذى كتب فيه ابن الهيثم قبل علماء أوروبا بزمن بعيد .
    • وكذلك قاس العلماء العرب والمسلمون محيط الأرض ، وقدروا حجوم الكواكب وما بينها من مسافات قبل "جاليليو " ، وغيره فى عصر النهضة الأوروبية ، وأضافوا إلى المعارف الفلكية الشئ الكثير ، ومن العلماء فى ميدان "المعارف الفلكية" البتانى ، والفرغانى ، والكندى ، والخوارزمى ، الصوفى ، وغيرهم .
    • وابتدع الخوارزمى استعمال الأرقام فى الحساب بدلا من حساب "الجمل" الذى كان سائدا ، واختار سلسلتين من الأرقام : الأولى ما يعرف بالأرقام الهندية وهى (1، 2 ، 3 ) ، والثانية ما يعرف بالأرقام الغبارية أو العربية ( 1-2-3 ) .
    • وأنشأ الخوارزمى علم الحساب وعلم الجبر ، وعلمهما للناس أجمعين.
    • وكذلك ألف علماء العرب فى النبات والحيوان والمعادن والفلك والرياضيات والكيمياء والصيدلة وحساب المثلثات والهندسة والطب والموسيقى، ولهم إنجازات رائدة فى هذه المجالات.
    • واعترف عدد كبير من مؤرخى العلم بفضل العرب والمسلمين على العلم والإنسانية حتى قال أحد علماء أوروبا "لولا أعمال العلماء العرب والمسلمون لاضطر علماء النهضة الأوروبية أن يبدأوا من حيث بدأ هؤلاء ، ولتأخر سير المدنية عدة قرون ، وقال آخر " إن كثيرا من الأراء والنظريات العلمية حسبناها من صنعنا فإذا العرب سبقونا إليها .
    • وابن سينا : الفيلسوف والشاعر والطبيب .. له إنجازات فى علمى "الطبيعة والميكانيكا " فقد عالج موضوع سرعة الصوت وسرعة الضوء فى كتابه "الشفاء" .
    • وابن الهيثم يعد فى مقدمة علماء " الطبيعة " فى جميع العصور والأحقاب ، وهو من آئمة علماء الضوء ، وقد عرفته أوروبا باسم "الهازن" وهو تحريف لكلمة "الحسن" ، وقد ألف فى علم الطبيعة "24" أربعة وعشرين كتابا.
    • والبيرونى : اشتهر فى الطبيعة ولا سيما "الميكانيكا والأيدروستاتيكا" ، وله شروح فى ضغط السوائل وتوازنها ، وصعود مياه الفوارات إلى أعلى .
    • والخازن فى كتابه " ميزان الحكمة " كان له دور رائد فى تاريخ الطبيعة ، وتقدم الفكر العلمى عند العرب .
    • وقد سبق "الخازن " علماء أوروبا فى الإشارة إلى مادة الهواء ووزنه ، وأشار إلى أن للهواء وزنا وقوة رافعة كالسوائل ، وأن وزن الجسم المغمور فى الهواء ينقص عن وزنه الحقيقى .
    • ويعد "جابر بن حيان " شيخ الكميائين العرب ، وقد أدخل على الصناعة شيئا جديدا اسمه علم الميزان ، وعرف كثيرا من العمليات الكيماوية كالتبخير والتقطير والترشيح والتكليس والإذابة والتبلور والتصعيد
    • وكانت مؤلفات ابن حيان المراجع المعتمدة فى علم الكيمياء عدة قرون بعد ترجمتها إلى اللاتينية ، وقد درس مؤلفاته مشاهير علماء الغرب من أمثال "كوب ، وكراوس ، وسارتون " ( ) .
    • والحقائق السابقة لا تنفصل عن الجذور الحضارية لأمتنا فى مسيرتها الأدبية لأن البنيان الثقافى لا بد أن يكون متماسكا ـ ومتكاملا .. وبعض هؤلاء العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية بما قدموه من إنجازات وابتكارات كانت لهم كذلك إنجازات فى المجالات اللغوية والأدبية .. ، وقد شاركهم مبدعون كبار .. ونقاد راسخون .. وعلماء جادون .. فى العلوم الإنسانية .. والأدبية ومنهم الشعراء الكبار .. المتنبى .. وأبو العلاء المعرى ... وابن عربى ... وأبو تمام وغيرهم من كبار أدباء العربية .
    • ومن العلماء الذين أثروا الميدان البيانى ... واللغوى ... والأدبى "الجاحظ ، وعبد القاهر الجرجانى ، وحازم القرطاجنى ، وابن سلام" ، وغيرهم من أعلام الحضارة العربية والإسلامية .
    • ولا يمكن إغفال دور الفقهاء ... وعلماء الحديث ، وعلماء الدراسات القرآنية . وعلماء الكلام ، وعلماء التصوف .. فى إرساء قواعد الحضارة العربية والإسلامية .
    • وهذا التفوق الحضارى فى ميادين الحياة المتعددة منح الآداب طاقة إبداعية متجددة ،وتفوقا فنيا مدهشا ... ولا عجب ... فكثير من الآراء تذهب إلى أن الإبداع فطرة إنسانية تضم داخل دائرتها كل جهد إنسانى ابتكارى رائد ، وكل نشاط حياتى ممتزج بحياة الإنسان ومستقبله.
    فالأدب بمعناه "المجازى" يدل على جملة المعارف التى تسمو بالذهن ، والتى تبدو أكثر صلاحية فى تحسين العلاقات الإجتماعية . وخاصة اللغة ، والشعر وما يتصل به وأخبار العرب والشعوب الأخرى .
    • ومن الطبيعى أن لا يكون للأدب محيط يحد ، فقد تدخل الدقة الفنية ، كما تدخل المهارة الصناعية ضمن فنون الأدب ، والعلوم الرياضية تسمى أحيانا بالأدب فى التقسيم المأثور عن أرسطو للعلوم .
    • ويدخل إخوان "الصفا " فى عداد هذه العلوم الرياضية التى سميت بالأدب أحيانا (السحر والكهانة والكيمياء ) وغيرها إلى جانب اللغة والشعر والرياضة ، وقال علماء الجمال: الفن هو إشعاع حسى منبثق من الفكرة .
    ـ 4 ـ
     وتجاوز أدبنا وتراثنا الإسلامى مرحلة التأثير ، وبخاصة بعد حركة ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية والأسبانية "وقد نشطت حركة الترجمة فى عهد فروجا الثانى " الذى استولى على صقلية فى عام 484هـ ، وكان العرب قد فتحوها عام 212هـ .
    فقد أنشأ " أكاديمية " كان يعمل بها العلماء المسلمون مع العلماء النصارى واليهود جنبا إلى جنب ، وأحسوا بالحاجة إلى ترجمة العلوم العربية إلى اللاتينية،وحركة الترجمة كانت قد نشطت فى طليطلة قبل ذلك بعشرات السنين ، واستمرت فى القرن الثالث عشر ، وفى عهد " الفونسو الحكيم " انتشرت حركة الترجمة العربية إلى اللغة الأسبانية الناشئة ( ) .
    • ومن مظاهر تأثير تراثنا الأدبى فى الآداب الأوروبية أن الشعر الأسبانى تأثر بالشعر الأندلسى ، وبخاصة " فن الموشحات والزجل " .
    • والمستشرق الأسبانى " انخل جو نثالث بالثيا " أول من نبه إلى هذا الأثر ، وقام بدراسة مقارنة فى هذا الموضوع ، وجعل عنوانها " الشعر الأندلسى وتأثيره فى الشعر الأوروبى " وقد نشرت هذه الدراسة فى " المجلة الأسبانية الحديثة " السنة الأولى ، العدد الثانى ، يناير 1935م ، ويقول هذا المستشرق: "ولد فى الأندلس جنس غنائى آخر ، انبثق عن اللغة العامية ، وارتبط بعربية الشارع ، وباللغة الرومانسية ، وكانت تستخدم فى الحديث اليومى ، وأصبحت لغة البيت ، وهو جنس بلغ من الحيوية والنضج حدا عاليا فى شبه جزيرة أيبريا ، وامتد تأثيره خارجها"( )
    • وقد نبه "انخل جو نثالث " إلى أن أول من قام بهذا الاكتشاف هو أستاذه "خوليان ريبيرا " فى بحثه عن ديوان "ابن قزمان" الذى قدمه للمجمع الأسبانى ، وقد عارض النقاد الأسبان والأوروبيون ، صاحب هذا الاكتشاف ، وذلك بدافع من تعصبهم لقوميتهم ، وتمسكهم بأحقية الابتكار والابداع الأدبى ، وطالبوا " خوليان ريبيرا " بالوثائق ، وبالشواهد التاريخية التى تبرهن على وجود هذا الشكل فى تلك العصور البعيدة ، وحتى تكون المقارنة ذات طابع علمى ، أتى "خوليان " بالدليل : حيث قرأ فى كتاب " الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة " لابن بسام ما يثبت رأيه ، يقول : " ابن بسام " .
    • وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا ، واخترع طريقتها فيما بلغنى ـ محمد بن حمود القبرى الضرير ـ وقيل هو ـ مقدم بن معافى القبرى الضرير ـ 225 هـ ـ 299هـ . وكان يصنعها على أشطار الأشعار ،غير أن أكثرها كان على الأعاريض المهملة غير المستعملة ، يأخذ اللفظ العامى والعجمى ، ويسميه ـ المركز ـ ويضع عليه الموشحة ، دون تضمين فيها ولا أغصان.
    • وقد أحدث اكتشاف هذا النص قلبا فى موازين النقد الأوروبى ، لأنه كان قد استقر على أن الشعر " البروفنسالى " جاء منذ نشأته بعيدا عن أى تأثير أجنبى ، لقد انبثق ـ فجأة ـ كزهرة انشقت عنها الأرض ، بلا ساق ، ولا جذور!! .
    • ومن النقاد من يعد الشعر " البروفنسالى " أصل كل الأشعار "الرومانسية" ولكن هذه المعتقدات تخلخلت . بعد أن ثبت أن الشعر الأندلسى أثر فى الأشعار "الرومانسية" الأسبانية ، وقد عارض هذه الفكرة الكثيرون ، ومنهم "رودربجيزلابا" البرتغالى و "نيكل " التشيكى ، والمقيم فى الولايات المتحدة .
    • ولكن النصوص الشعرية التى أبدعها الشعراء "الترو بادور اليرفنساليون" الأوائل تثبت أنهم استخدموا قوالب الشعر الأندلسى ، ومنهم "جيوم التاسع " و "كونت بواتييه " ،وفى قصائد شعراء "التروبادور" الآخرين : مثل "موان دىمونتودون" و " ج . رينولد" نجد أشعارا جاءت فى القالب الذى صاغ فيه " كونت بواتييه" أشعاره .
    • وانتشر هذا القالب الفنى فى الأوساط الأدبية فى أوروبا ، بصورة تدعو للإعجاب والدهشة : فقد ظل باقيا فى صناعة الألحان الموسيقية ، خلال العصور الوسطى ، ولاسيما فى هذا النوع من الألحان المعروفة "بالروندو" وفى الأغانى الشعبية الفرنسية مثل " التعسة فى زواجها " و " وردة دنكرك " .
    • وفى اللغة البرتغالية توجد أشعار جاءت فى قالب "زجلى" فى ديوان " الفاتيكانة " وفى " مختارات برانكونى" وتظهر ـ أيضا ـ فى قصائد "فرنان فلهو" شاعر من عصر الملك " الفونسى العاشر" الملقب بالعالم ، وفى ديوان الشاعر "يابو سواريز" .
    • وفى انجلترا : نلتقى بأغان شعرية قديمة موجهة إلى العذراء ، أو تقال فى أعياد الميلاد صيغت فى هذا القالب الشعرى الأندلسى .
    • وفى إيطاليا : درس العلامة " خوسيه مياس فايكروما" الصلات بين الشعر الإيطالى فى العصر الوسيط ،وبين أصوله العربية ، وفى ظل الحضارة الإسلامية ، ووجد أن عروض القالب الشعرى المسمى "الكونتراستو" ومعناه الخصام أو الاختلاف يرجع إلى أصول فارسية ، ويصاغ فى قالب الزجل الأندلسى ، ويرى هذا الباحث أن الشعر الإيطالى الدينى فى العصر الوسيط ، والذى يطلق عليه اسم " المدائح " وينظم باللهجة الدارجة كان على صلة وثيقة بعروض الزجل الأندلسى .
    • وللشاعر " خوان دل أنثيا" مقطوعات دينية : تتضح فيها طريقة الشعر الأندلسى ، ومنها هذه المقطوعة "مترجمة" إلى العربية :
    (يتبع)

  6. #16
    لا تغب عنى فإنى أموت يا سجاني
    لا تغب عنى فإنى أموت
    عجل بالمجئ ... حتى لا أخسر حياتى
    وفيك لم يضع إيمانى ... يا سجانى
    فك عنى هذه القيود .. وفيها قاسية آلامى
    حين تغيب عنى .. تقضى على .. يا سجانى



    ـ 5 ـ
     وامتد تأثير الشعر الأندلسى والعربى بعامة فى الشعر الأوروبى إلى طريقة علاج الموضوع ،ولم يقتصر على طريقة النظم : ففكرة الحب النبيل التى تسود الغزل فى الشعر "البروفنسالى" نجد أصلها فى الشعر الأندلسى ، بل وفى أزجال " ابن قزمان " ويؤكد هذا " بيدال "حيث يرى أن هذه الفكرة قد عرضها " ابن حزم " فى " طوق الحمامة " وأنها كانت فكرة سائدة عند أهل الظاهر فى نظرتهم إلى الحب .
    • وفى " عصر النهضة " فى إيطاليا ـ نجد أصداء التأثر بالأدب العربى الإسلامى متغلغلا فى نتاج رائدين من رواد النزعة الإنسانية : وهما "فرانسيسكو بترارك " (1304 ـ 1374م ) ، و " جيوفانى بوكاشيو" وقد اشتهر (بترارك ) بفصاحته ، وقد ابدع شعرا غنائيا نسب إليه ، وعرف باسم (البتراركية) وفى هذا الشعر الغنائى تتضح نزعته المثالية والإنسانية فى الحب ، فموقفه من الحب اتسم بالاستسلام المطلق ، والايثار الذى لا يعرف حدا ، والارتقاء بالغزل إلى مستوى السمو الروحى ، وهذه النزعة فى الحب كانت ردا على ما ساد القرون الوسطى من نظرة غير متسامية للمرأة ، وكانت ـ أيضا ـ مظهرا من مظاهر تأثير الفلسفة العربية فى الحب ، حيث كانت تستقى معانيها من فيض الغزل والعذرى فى الأدب العربى .
    • ولهذا الأديب ديوان بعنوان " أشعار الى سيدتى لورا " ويعد هذا الديوان تجسيدا فنيا لتأثر الشاعر بالنبض الأدبى عند العرب والمسلمين ، فأغانيه فى هذا الديوان من أنفس وأرق ما تقدم به رجل لامرأة ، فقد عبر فى هذه الأشعار عن حبه لمحبوبته ، وعن أمله ويأسه وصب فيها حزنه العميق لموتها .
    يقول من مقطوعة "لا سكينة لى فى الليل " :
    تملك على الحبيبة لبى
    لكنى أستمد من ذلك راحتى
    فمن معين واحد نابض متأنق
    ينبع غذائى من حلو ومر
    ان يدا واحدة فيها شقوقى وراحتى
    وهكذا أجاهد فى الحب جهادا غير محدود
    فأحس كل يوم ألف موت وألف حياة
    ألا ما أبعد الطريق إلى سكينتى وسلامى
    • والأديب الإيطالى "جيوفانى بوكاشيو" وهو من رواد الفن القصصى ، ومن رواد عصر النهضة ، نراه فى كتابه "الديكاميرون " يعتمد على مصادر قصصية عربية فى مادة الكتاب ، وفيما يتصل ببنائه ، الفنى ، وفى كتاب "السوط" تتضح مشاركته فى تصحيح وضع المرأة الأوروبية فى عصر النهضة ، حيث كان لهذا الكتاب تأثير واسع فى كثير من البلاد الأوروبية .
    وقد تأثر "بوكاشيو" فى هذا الكتاب ، كما تأثر (بترارك ) بالفلسفة المثالية فى الحب عند العرب : وكذلك بوضع المرأة العربية ، فى ظل الحضارة الإسلامية.
    • وأعلن المستشرق الأسبانى "أسين بلاثيوس" أن "دانتى " فى الكوميديا الإلهية قد تأثر بالإسلام تأثرا عميقا واسع المدى يتغلغل حتى فى تصويره للجحيم والجنة ، وكان لقصة المعراج ، ووصف كتب التفسير لها ، وكذلك لكتاب "المعراج" الذى ألفه " ابن عربى" فى وصف رحلة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماء ، وكذلك لرسالة الغفران لأبى العلاء المعرى .
    هذه المعالم كان لها أكبر الأثر فى " الكوميديا الإلهية " وثبت ذلك تاريخيا وفنيا ، برغم معارضة كثير من مفكرى الغرب ، وبخاصة فى " ايطاليا " ورد عليهم " آسين بلاثيوس" فى بحث بعنوان " الأخرويات الإسلامية فى الكوميديا الإلهية " .
    ونشر الباحث الإيطالى "نريكو اتشرولى " فى سنة 1949م الترجمتين اللاتينية والفرنسية لكتاب " ابن عربى " فى " المعراج " وفى السنة نفسها نشر "خ . منيوث " الترجمات الثلاث الاسبانية واللاتينية والفرنسية للكتاب نفسه، مع مقدمة وتعليقات .
    • وهذه الجهود ترد على من يعارض وينكر تأثر " دانتى " بالأدب الإسلامى ، لأن الترجمات السابقة تم نقلها من العربية إلى اللاتينية فى سنة 1264م و "دانتى "ولد سنة 1265م ، وتوفى سنة 1321م ، ومن البديهى أن يكون قد قرأ هذا الكتاب أو قرأ ترجمته ، ولا يعد هذا أمرا عجيبا ، وإنما إنكار تأثره هو العجب العجاب !! .
    • ومن هنا نؤكد أن تأثر " دانتى " بتراثنا الأدبى الإسلامى لا مجال لأدنى شك فيه ، ولا يمكن تفسيره بالصدفة أو توارد الخواطر .
    وحين نتأمل مشاهد "الكوميديا" نجد أن هناك تشابها كبيرا بينها وبين ما ورد فى كتاب "ابن عربى " عن إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه ، وهذا التشابه يتجلى فى الملامح الآتية :
    أولا : يصف "دانتى" الجحيم بأنه أراض متوالية تحت هذه الأرض مملوءة نارا ، وفى الدرك الأسفل منها الشيطان ، وهذا مطابق لما جاء فى كتاب "ابن عربى " عن " المعراج " .
    ثانيا : وصف النسر الملائكى ، حيث تأثر "دانتى" فى وصفه له بملحمته بوصف الديك العملاق فى "المعراج" وهو ذو أجنحة كثيرة ، يضرب بجناحيه حين يغنى يمجد الله ، ويدعو الخلق للصلاة ، فإذا انتهى من غنائه سكنت أجنحته وسكت .
    وهذه الأوصاف نفسها يضفيها "دانتى" على النسر الملائكى فهو ذو أرواح كثيرة وأجنحة ووجوه متعددة ، يشع نورا باهرا ، ويغنى فى نغم حلو ، داعيا الخلائق إلى عيش الاستقامة ، يضرب بجناحيه كلما غنى ، حتى إذا انتهى من غنائه سكن .
    ثالثا : المثول القدسى أمام الله : وهذه اللحظة متفقة تمام الاتفاق بين تصوير "دانتى" وبين ما حدث فى قصة "المعراج" فرؤية الله ، كما يصف "دانتى" متأثرا بما ورد فى قصة "المعراج" تتم فيما وراء السموات حيث عرش الله تحيط به تسع صفوف من الملائكة لا ينقطعون عن ذكر الله فى ألوان وأنوار تغشى الأبصار : وهنا لا يستطيع "دانتى " الإبصار ، ويعترف بعجزه عن وصف هذه الألوان والأنوار الرائعة ، التى تفوق كل ما يعرف البشر ، ولكنه حين يعجز بصره يشعر فى قلبه بنوع من النشوة والراحة الروحية يغزو جوانب نفسه( ).
    ـ 6 ـ
     وأثرت القصص العربية المترجمة إلى اللاتينية فى نشأة الأدب القصصى فى أوروبا ، فقد قام (الفونسو) بترجمة ثلاثين أقصوصة ، نقلا عن العربية وأثرت كليلة ودمنة فى الأدب الأوروبى ، بعد أن ترجمت فى عصر (الفونسو الحكيم ) حوالى سنة 1250م إلى الأسبانية ، وكان لها أكبر الأثر فى انشاء فن القصص على ألسنة الحيوانات ، فى فرنسا ، على يد "لافونتين" كما كان للقصص الشعبى الذى انتقل إلى أوروبا ، أثناء الحروب الصليبية وبعدها أعمق الأثر فى انشاء القصص المسمى بالفابليو ويتسم هذا النوع بالنزعة الشعبية الساخرة ، كما ترجمت بعض القصص التى تسربت من "ألف ليلة وليلة " إلى الأندلس ، ومنها " حكاية الجارية تودد" التى ترجمت إلى الأسبانية فى القرن الثالث عشر ، وأثرت كذلك فيما بعد حتى فى "لوب دى فيجا" أكبر كتاب المسرح الأسبانى ( ) .
    • وأثرت المقامات العربية فى قصص الشطار الأسبانية ، ثم الفرنسية التى تأثرت بدورها بهذا النوع من القصص الاسبانية .
    • ويذهب بعض النقاد إلى أن المقامات العربية كان لها تأثير مباشر وغير مباشر فى نهضة القصة العالمية.
    ويرى أحد النقاد فى مجال مقارنته بين تطور الفن القصصى بين الأدبين العربى والانجليزى أن مقالات "ستيل" و "اديسون" فى الإنجليزية بمثابة المقامات فى العربية ، خصوصا عند "بديع الزمان الهمذانى" ( ) والكاتبان من مشاهير النقاد والكتاب فى الأدب الكلاسيكى ، أولهما اتسمت كتاباته بالنزعة الإصلاحية نحو مجتمعه ، واحتوت مقالاته على السخرية والفكاهة ، وثانيهما من كتاب المقال والشعر ومن النقاد فى مجال الشعر اللاتينى .
    وقصة "حى بن يقظان" ( ) التى ألفها " ابن طفيل " ولخص فيها فلسفته فى المعرفة الإنسانية ومعتقده فى نشأة الإنسان ، وامكانية اهتدائه للحقيقة عن طريق التأمل ، وتعمق الظواهر الكونية ، واستنطاق الطبيعة ، والوقوف على أسرارها.
    هذه القصة كان لها أثرها الفعال فى الآداب الأوروبية بعد عصر النهضة ، وذلك بعد أن ترجمت إلى لغات أجنبية مختلفة ، وانتشرت طبعاتها فى كل مكان.
    فقد ترجمها "موسى التربونى " إلى اللغة العبرية سنة 1349م .
    وفى سنة 1671م ظهرت طبعة تحمل النص العربى للقصة ، مع ترجمة لاتينية "لادوار بوكون" وتنسب إلى "سبينوزا" ترجمة لهذه القصة من اللغة اللاتينية إلى اللغة الهولندية .
    وفى سنة 1674م ظهرت ترجمة للقصة باللغة الإنجليزية عن الترجمة اللاتينية ، قام بها "جورج كيث" وقد أفاض فى مقدمة ترجمته فى الثناء على الكتاب وعلى المؤلف ، وقال : " إنه صور ببراعة مدى البون الشاسع بين المعرفة التى يبلغها الرجل المتفتح البصيرة ، وتلك التى يكتسبها سواد الناس ، عن طريق التلقين سماعا أو قراءة ".
    • وعرفت اللغة الألمانية ترجمة "حى بن يقظان " قام بها "بريتوس" سنة 1726م ، وفى سنة 1900 م نشرت فى "سرقطة" الترجمة الاسبانية لهذه القصة قام بها "ب . يونز" كما قام "ليون غوتيه" بترجمتها إلى اللغة الفرنسية و" غوتيه" كان أول من بحث علاقة قصة "حى بن يقظان " بقصة "روبنسن كروزو" المنشورة سنة 1719م والتى ألفها "دانييل دى فو" و"أرنست بيكر " فى كتابه "تاريخ القصة الإنجليزية " الصادرة سنة 1942م يعد هذه القصة أحد المصادر الرئيسية لقصة " روبنسن كروزو"، ويعقد "أنطونيو باستور" مقارنة بين القصتين فيلحظ التشابه فى الأحداث ، كما نوه باتفاق القصتين فى تسجيل تطور الإنسان والتاريخ من البدائية والحيوانية إلى الحضارة ، مشيرا إلى المراحل التى مر بها فى جميع شؤون حياته.
    ـ 7 ـ
     وكتاب "مختار الحكم ومحاسن الكلم" للمبشر بن فاتك الآمرى يقف مع غيره من الأعمال التراثية الإسلامية ، المؤثرة فى المسيرة الإنسانية ، وهو كنز ضخم من الحكمة الرائعة النافذة والأراء الرصينة السديدة التى كانت ثمرة تجارب عميقة ، ومن هنا اهتم به الأوروبيون منذ وقت مبكر لأنه أوفى كتاب فى العربية استقصى أقوال الفلاسفة والحكماء اليونانيين ، وتكمن قيمة هذا الكتاب فى أنه يفيض بالحكم اليونانية ، حيث يعرض أفكار (هويروس) وأخبار (سولون الحكيم ) واضع شرائع اليونان وحكم بقراط وحكم فيثاغورس وحكم سقراط وحكم أفلاطون وقصة الإسكندر الأكبر ( ) .
    • والأقوال والأراء التى عرضها (المبشر بن فاتك) فقد أصلها اليونانى ، وهى بذلك تعمق من شأن التراث اليونانى وتزيد من قيمته ، ولذلك تعددت ترجمة ذلك الكتاب ، فقد ترجم إلى الأسبانية فى عهد "الفونسو الحكيم " ترجمة ملفقة ، ثم ترجم ـ بعد ذلك ـ إلى اللغة اللاتينية ترجمة دقيقة سايرت الأصل العربى إلا فى الفصلين الأخيرين ،وتمت الترجمة فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر الميلادى : وعلى أساسها تمت ترجمة الكتاب ـ مرة أخرى ـ إلى الأسبانية ، وترجم الكتاب إلى الفرنسية حوالى نهاية القرن الرابع عشر ، وأوائل القرن الخامس عشر الميلادى ، وعن هذه الترجمة الفرنسية ترجم إلى اللغة "اليروفنسالية" وترجم كذلك إلى اللغة الإنجليزية ( ) .
     وفى العصر الحديث نفاجأ بانحسار المد الثقافى العربى والإسلامى ، ثم تأتى محاولات النهوض بعد ركود فكرى مميت بلغ عدة قرون ، وتأتى محاولات النهوض بعيدة عن الأصالة ، حيث تغير مجراها ، ولم تفتش عن المنبع الفياض الذى تدفقت منه من قبل : بل حولت وجهتها نحو الغرب الذى سبق أن أخذ عنا ، وأقام نهضته على دعائم حضارتنا الإسلامية التى اكتسبت صفة العالمية .
    • ويعترف بهذه الحقيقة بعض المنصفين من علماء الغرب ، ومنهم المستشرق "روم لاندو" صاحب كتاب " الإسلام والعرب " فيقول فى صدر مقدمة الكتاب :
    " فالواقع أن الإسلام على العموم والحضارة الإسلامية "أو العربية " على الخصوص ، يتمتعان بأهمية أعظم بكثير (من أى حضارة أخرى ) أن الحضارة الغربية ابتداء من الفلسفة والرياضيات إلى الطب والزراعة ـ مدينة لتلك الحضارة بشئ كثير نعجز معها عن فهم الأولى (الغربية ) اذا لم تتم لنا معرفة ما بالأخرى "الإسلامية أو العربية " ( ) .
    • وبرغم هذا الدور الذى لا ينكر ، وهذا التأثير الواضح فى جوانب الفكر الأوروبى ـ نجد بعض الأوروبيين ، وهم "الأكثرية " يتناسون كل هذه المعالم التأثيرية ، وينسبون لأنفسهم كل ابتكار فنى جديد ، ويثورون على كل دعوة تكشف عن تأثير الأدب العربى الإسلامى فى مسيرة الآداب الأوروبية والإنسانية.
    • ولذلك نراهم ـ كما أوضحت فى بداية هذه الدراسة ـ يطالبون "ريبيرا" بالوثائق التى تثبت تأثر شعراء "التروبادور" فى أسبانيا بالموشحات الاندلسية .
    ونراهم يعارضون بشدة فكرة تأثر (دانتى) فى الكوميديا الإلهية بقصة "المعراج" التى كتبها "ابن عربى " فى وصف رحلة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ ليلة الإسراء والمعراج .
    • وذلك مرده إلى سيطرة نزعتى الجهل والتعصب : فأدباء أوروبا الذين ظهروا فى القرن التاسع عشر ، وأوائل القرن العشرين ، كان بعضهم يجهل معالم الثقافة العربية وأثرها فى توجيه الثقافة الأوروبية،وكان أكثرهم ينزع إلى طمس آثار الحضارة الإسلامية بدافع من التعصب،والاتجاه إلى الغزو الفكرى والاستئثار بروح المغامرة والاكتشافات الفكرية والأدبية والعلمية.
    • وكان لتحامل كبار المفكرين العرب ، فى العصر الحديث . على الأدب العربى ، واتهامه بالجمود ، وهروبهم إلى الثقافة الأوروبية أثر فى تقوية هذا الاتجاه .
    • ولم يعلم هؤلاء المستغربون أن الثقافة العربية أسبق من ثقافة العبريين واليونانيين ، وهذه حقيقة تاريخية ، والإيمان بها لا يحتاج ، كما يقول "العقاد" إلى أكثر من الإطلاع على الأبجدية اليونانية ، وعلى السفرين الأولين من التوراة التى فى أيدى الناس اليوم ، وهما سفر التكوين وسفر الخروج ، فالأبجدية اليونانية عربية بحروفها ،وبمعنى تلك الحروف وأشكالها منسوبة عندهم إلى "قدموس الفينيقى " وهو فى كتاب مؤرخهم الأكبر "هيرودوت " أول من علمهم الصناعات .
    • ولم يعلم هؤلاء "المستغربون" أن بعض علماء اللغات السامية يرى "أن الكلمة التى تفيد معنى الشعر فيها واحدة مأخوذة من أصلها العربى مع قليل من التحريف طرأ عليها ،وبعد انتشار الساميين ، فى وادى النهرين ، وبادية الشام وأرض كنعان ، ولا غرابة فى أن تكون كلمة "الشعر" فى لغة الجزيرة العربية سابقة لمرادفاتها فى وادى النهرين ، وأرض كنعان : لأن الجزيرة كانت مصدر الهجرات المتوالية إلى تلك المواطن ، كما تواتر فى أشهر الأقوال ( ) .
    • وإمعانا فى الكشف عن أصالة اللغة العربية ـ لغة القرآن الكريم ـ ولغة البيان العربى ، والحضارة الإسلامية ، يوضح الأستاذ "العقاد" ثراء اللغة العربية بالإيقاع : فقد جمعت هذه اللغة كل عناصر الإيقاع الشعرى التى تتوزعها اللغات الأخرى ، يقول : " فلا شعر فى لغة من اللغات بغير إيقاع ، وقد يجتمع كله من وزن وقافية وترتيب فى القصيدة الواحدة ، ولكنه اجتماع نادر فى لغات العالم ، ميسور فى لغة واحدة على أكمل الوجوه لامتيازها بالخصائص الشعرية الوافرة فى ألفاظها وتراكيبها ، وهى اللغة العربية ، فالكلمات نفسها موزونة فى اللغة العربية ، والمشتقات كلها تجرى على صيغ محدودة بالأوزان المرسومة كأنها قوالب البناء المعدة لكل تركيب ، وأفعال اللغة مقسومة إلى أوزان مميزة فى الماضى والمضارع والأمر ، وفى الأسماء والصفات التى تشتق منها حسب تلك الأوزان ، ولا نظير لهذا التركيب الموسيقى فى لغة من اللغات الهندية الجرمانية ، ولا فى كثير من اللغات السامية " ( ).

  7. #17
    الشهيد والسلام الذبيح

    شعر : د . صابر عبد الدايم

    صعوداً ... صعوداً .. إلى سدرة المنتهى
    فإن السلام الذي يزعمونَ ... انتهى ! ! !
    دماؤك طوفان عزمٍ ومدٍّ وملحمة الثأر أشعلتَها
    وكفاكَ للشمس مرفوعتان وراياتك الخُضْرُ أعْلنْتَها
    وأشعلت فينا .. فتيل الجهاد وكل المخاوف ... مَزّقْتَها
    دم القدْس يجري .. بأصلابنا ومن دمكِ الحرِّ روّيْتَها
    وما قتلوك .. وما صلبوك وإن الأمانةَ ... ما خنْتَها
    رفعت الجهادَ .. لنا رايةً بوشْم فلسطينَ شَكّلْتَها
    نقشت عليها حروف الكفاح وعمركَ ... ملحمة صُغْتَها
    صعوداً ... صعوداً ... إلى سدرة المنتهى
    نتهى
    فإن السلام الذي يزعمونَ ... انتهى ! ! !
    وصهيون يسْرق تاريخنا ويقتلُ فينا رؤًى عِشْتَها
    نهرْول .. نعدو .. إلى غاصبٍ يرانا دُمًى ... أدْمَنَتْ صمْتها
    وتصْهل خيل الجدود ضحًى ولكنهم ... مَزّقوا صَوْتها
    بمرج الزهور .. دماء العصور تفورُ ... وترْشقهم مَقْتها
    فلسطينُ قصة أمجادنا ولكنهم أعلنوا موْتها
    فيا ليت كانتْ .. ويا ليت كنّا ... وهل تنفع الآن ... ياليتها ؟
    دفنّا .... تواريخنا جَهْرة وفي دمك الحرِّ كفّنْتَها
    وما قتلوك ... وما صلبوك وإن القضيّة ... ما خُنْتَها
    فهل تطلق الآن أسرارها ؟ وكل السراديب فتّشْتَها ! ! !
    وهل تجمع الآن أشلاءها ؟ وكل الملفاتِ فجّرْتها ! ! !
    رفضْت زمان الهزيمة فابدأ حياتك .. إذْ أنْت حرّرْتها
    وعش في صدور الألى .. يرفضون حياة الهوان التي عفْتَها
    وعش في الحقول جذور إباء بأرض القداسات ألقيْتَها
    وسرْ في الشرايين .. نهْر حياةٍ من التيه والوهم ... أيقظتَها
    وفي الأفْق .. ألمح أنشودة وكم أنْت للقدْس غنيتَها
    (أخي جاوز الظالمون المدى) [1] .. وإن السلام الذبيح انتهى !
    فأطلقْ خيولك من أسرْها وأنقذ مرابع ... شيّدْتَها
    (وجدِّد حسامك من غمده) [2] لتُحييَ أرضاً .. محَوْا سَمْتَها
    إليها (محمّد) أسرى ... ومنْها عروجا .. إلى سدْرة المنتَهى
    وبورك فيها .. وما حولها وسُرّاقُها .. شوّهُوا ذاتها ! ! !
    (وجاسوا خلال الديار ببأس) وهم يعلنون ... لنا موتها ! !
    أنتركهم يغصبون السلام ... وأرْضاً ... يعدون تابوتَها ؟ !
    فقم يا شهيد السلام ... وأسْرجْ خيولاً .... إلى القدْس وجّهْتها !
    تُغير صباحاً ... وتعدو ضباحاً وأنْتَ إلى الفتْح .. قدْ قُدْتَها
    فما قتلوك .. وما صلبوكَ وإن القضيّةَ ... ما خُنْتَها
    فعشْ في الحقول جذور إباءٍ بأرض القداساتِ ألقيْتَها
    وسرْ في الشرايين نهْر حياةٍ من التيه والوهم أيقظْتَها
    دم القدْس يجرْى بأصلابنا ومن دمك الحُرِّ رَوّيْتَها
    ________________________
    (1) هذا الشطر مقتبس من قصيدة (أنشودة فلسطين) للشاعر علي محمود طه .
    (2) هذا الشطر مقتبس من قصيدة (أنشودة فلسطين) للشاعر علي محمود طه .

  8. #18
    الدكتور صابر عبد الدايم في «العصف والريحان»

    بقلم : أ.د. حسين علي محمد



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله ـ r ـ وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:
    فهذه هي الطبعة الأولى من كتاب « العصف والريحان»، الذي يضم الحوارات التي أجريت مع الشاعر والناقد والأستاذ الجامعي الدكتور صابر عبد الدايم.
    والكتاب صورة أمينة لتفكير الدكتور صابر عبد الدايم، وقناعاته؛ وكل حوار من هذه الحوارات بمثابة بحث أو مقالة في القضايا التي يرد فيها على مُحاوره؛ فالدكتور صابر يتلقى الأسئلة مكتوبة من مُحاوره، ثم يكتب الرد في روية ومُراجعة، وهذا ما جعلنا نُطلق الحكم السالف، ونقول «إن كل حوار منها بمثابة بحث أو مقالة».
    ويضم الكتاب تسعة عشر حواراً، تناقش الكثير من القضايا، مثل: الأدب الإسلامي: تجلياته، وواقعه، وآفاقه، وتبعية المذاهب الأدبية المعاصرة للمذاهب الأدبية الغربية، والمعنى الحقيقي للواقعية الغربية، والفرق بين التجديد على بصيرة والحداثة المرذولة المُقلِّدة ... وغيرها.
    ومن أهم القضايا الكثيرة التي أُثيرت في هذه الحوارات، قضية الأدب الإسلامي: تجلياته، وواقعه، وآفاقه، وقضاياه.
    ويرى الناقد الدكتور صابر عبد الدايم أن الأدب الإسلامي «هو مشروع تطهيري يحاول تنقية الكلمة من الشوائب لأنه يؤكد على صدق المحتوى وشرف الغاية وسلامة الوسيلة وجمال العرض، ويعترف ببشرية الإنسان الناقصة وحاجتها إلى الترويح البريء. وأن الأدب العربي المعاصر لا ينهض بكل هذه الملامح».
    ولقد جاءت رابطة الأدب الإسلامي لتقوم بدورها في الدعوة لهذا الأدب وتبنيه، ولكي تنقذ الأدب العربي من شراك التبعية. وهو يرى أن هناك تبعية في الأدب العربي لا ينكرها أحد. وهذه التبعية تتمثل في المناهج الأدبية كالرومانتيكية، والكلاسيكية، والواقعية والرمزية وغيرها، التي ترمى إلى فصل الأدب عن الفكر الإسلامي، وإعلاء الشخصيات المشبوهة، وهي مناهج تتسم بالسقوط الأخلاقي، وتريد ضرب لغة القرآن، ومحاكمة الشخصيات الإسلامية بمعايير مادية، وتبغي كسر الثوابت.
    ومن ثم فهو يشير إلى الرابطة في أكثر من حديث، ويشير إلى مجلتها الناهضة (مجلة «الأدب الإسلامي»)، بمثل قوله:
    «إن مجلة الأدب الإسلامي مشروع طموح لإعادة نبض الحضارة الإسلامية إلى الكلمة العربية، وإلى لغات وآداب الشعوب الإسلامية. بعد أن تاه الأدباء المعاصرون في بوادي الجدب الروحي كما يقول الناقد السعودي الدكتور محمد عبد الر حمن الشامخ».
    وهو يرى أن الأديب المسلم مطالب بالوعي التام، والحذر الشديد وهو يقرأ التراث الإنساني، كما أنه مطالب بهضم ذلك التراث وتصفيته من الشوائب حتى لا تتحول تجاربه الإبداعية إلى مسخ شائه، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة «فتجربة الأديب المسلم ينبغي أن تكون موشاة بإطار العقيدة السمحة، التي تخاطب الكينونة الإنسانية بأسلوبها الخاص، وهو أسلوب يمتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء ومخاطبة الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وطاقاتها ومنافذ المعرفة فيها، ولا يخاطب الفكر وحده في الكائن البشري».
    وهو يرى أن الصحوة الإسلامية ـ آزرت الأدب الإسلامي ـ في تقليص موجات التغريب التي غزت عالمنا الإسلامي، ويقول: «أرى أن هذه الموجات التغريبية لم تزل في مدها وجزرها .. تؤدى دورها المنوط بها .. ولما تنحسر بعد، ويمكن أن نقول: إن دور هذه الموجات بدأ يتقلص ويضعف عن ذي قبل، وذلك يرجع إلى اليقظة الإسلامية المعاصرة التي نشرت الفكر الصحيح بين الشباب، فاستيقظ على صوت هذه الصحوة كثير من الذين جرفهم تيار التغريب، وكان لسقوط الشيوعية وانهيارها الأثر الأكبر في بدء انحسار هذه الموجات السامة… ولكنها لن تزول إلا بتكاتف المخلصين لدينهم ووطنهم من أبناء أمتنا العربية والإسلامية».
    ولأن الدكتور صابر عبد الدايم يرى ذلك، من خلال رصده للحركة الثقافية فإنه يعد نفسه من شعراء الإسلام المُعاصرين الذين لهم رؤية، يقول في حوار له: «إنني أكتب الشعر الحضاري الذي يُشارك في مسيرة الأمة الإسلامية وبلورة شخصيتها، وتجلية حضارتها، انطلاقاً من إدانة الواقع الآسن، وطموحاً إلى واقع كريم: أصيل ومُعاصر».
    وهو يرى أن الساحة الأدبية تشهد «كثيرا من المبدعين الملتزمين بالتصور الإسلامي، الذين هم على درجة عالية من المستوى الفني.. والجودة الأدائية في شعرهم وفي قصصهم ورواياتهم ومنهم على سبيل المثال: نجيب الكيلاني، محمد بنعمارة، حسن الأمراني، حسين على محمد، جميل محمود عبد الرحمن، عبد الله شرف، أحمد فضل شبلول، أحمد مبارك، عبد الرحمن العشماوي، وصالح الزهراني... وغيرهم».
    وإذا انتقلنا إلى قضية أخرى من القضايا التي تُضيئها هذه الحوارات، وهي: الشعر، كيف يراه ويتذوقه الدكتور صابر عبد الدايم نراه يقول «إن الشاعر: موقف وأداة. وموقفه ينطلق من إحساسه بالوجود من حوله، وتعامله معه واندماجه فيه أو رفضه محاولاً تغييره، وهذا شيء لا يُمليه عليه أحد كائناً ما كان».
    ويرى أن العيش في الحياة برؤية إسلامية، والنظر إلى الكون بمقياس متأمل، والتعامل مع حقائق الكون بفهم ووعي وقبل ذلك إجادته وسائل التعبير الفني هي ما تجعل الشاعر شاعراً حقا: «إن التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة في مشاهدها المحسوسة المؤثرة .. يقود الأديب المسلم إلى منافذ الإبداع الحقيقي .. فالكون مسرح التأملات، وإشراق الرؤى. وإبداع الصورة المبتكرة المؤثرة، والعودة من رحلة التأملات بزاد روحي عميق، وزاد أدبي مؤثر، ناضج بخصائص التجربة الإسلامية، لا يقود الأديب المسلم إلى الهروب والارتماء في أحضان الطبيعة، ولا يجعل من الطبيعة إلها يعبده الأدباء، ولا يجعل من الغاب فردوس الشاعر المفقود، ومهاجره الآمن، ومستقر أحلامه هربا من عالم الناس ودنيا الواقع ، بل تصبح هذه الطبيعة مرآة مجلوة يرى فيها الأديب نفسه وأمانيه وأحلامه، من جبالها يستمد مفردات الشموخ والآباء، ومن بحارها يستلهم مشاعر الحب، والنقاء والصفاء، ويتلقى دروس السمو والعطاء، ومن تقلبات فصولها يرسم للنفس طريق رؤاها».
    ولا يهاجم الدكتور صابر عبد الدايم شعر المناسبات ـ كما يفعل غيره ـ وإنما يقول: «لكل قصيدة مناسبة وهى الموقف الانفعالي الذي دفع الشاعر إلى صياغته في تجربة شعرية منبعها النفس، وباعثها الانفعال الصادق0 ولكن المناسبة الجاهزة ـ التي يعرفها الكثيرون مسبقا ـ ليست تجربة انفعالية صادقة إلا إذا كانت تلمس وترا حساسا في عالم الشاعر ورؤيته، ولا ينجح الشاعر في قصيدة المناسبة إلا إذا أضفى عليها رؤية خاصة به .. وصاغها صياغة موحية تتعامل مع أثر المناسبة .. وآفاقها ولا تتعامل معها بصيغة مباشرة تقديرية».
    ويرى البعض في شيوع الرمز وبخاصة في "شعر التفعيلة" وما يسمى «بقصيدة النثر» ملمحاً فنياً خاصا بالحداثة، وهذا الوهم ناشئ من قناعة البعض بأن الشعر المقفى لا يكون إلا "مباشرا تقريريا" وخاليا من الإيحاء، وبالتالي يطل بمنأى عن "الرمز"، ويعلق الدكتور صابر عبد الدايم على ذلك بأن «الواقع الفني والشعري يأبى ذلك، فشعراء المهجر وفى مقدمتهم جبران خليل جبران، وإيليا أبوماضي، وميخائيل نعيمة لهم تجارب كثيرة رامزة في قالب الشعر المقفى، وسعيد عقل كان شعره ينزع إلى الرمزية الجمالية الخالصة وهو في القالب التراثي، وزنا وقافية، وبشر فارس كانت رمزيته ميتافيزيقية أو رمزية ما وراء الواقع، وشعره موزون مقفى، وكذلك الشاعر صلاح لبكي0
    ورمزية التعبير تتجلى في بعض تجارب حسن كامل الصيرفي وفى شعر محمود حسن إسماعيل وعمر أبي ريشة وأمين نخلة، وهؤلاء الشعراء يصوغون أشعارهم في قالب الشعر الموزون المقفى0
    ومن خلال تجربتي في هذا الاتجاه أرى أن المنحى الرمزي في الشعر أعمق رؤية، وأقرب إلى روح الشعر الحقيقي إذا نجت القصيدة من الضبابية والغموض الداكن».
    وتتكرر في الحوارات إشاراته إلى بعض قصائده، ومنها «الهوية» و«المسافر في سنبلات الزمن»، و«القبو الزجاجي»، و«الظمآن»، و«ملامح من تاريخ شجرة»، و«الغروب»، و«رمل السماء»، و«سباق»، و« الظل المضيء»، و«إيقاعات غير منتظمة». ... وغيرها.
    ومن قصائده التي يعتز بها، ويذكرها في حواراته قصيدة «الهوية»، وهي قصيدة قصيرة، تشي بعمق انتمائه إلى الجذور وهي القرية المصرية التي تحمل ـ عن الإسلام ـ قيم التدين والسماحة والحب والعطف، كما تشي بعالمه الخصب الذي يبحث عن الارتواء من قيم الأصالة:
    اسمي : صابرْ
    عمري : سنوات الصبار جهلت بدايتها أو حتى كيف تسافرْ
    بلدي : مصر ـ القرية ـ والموال الساخرْ
    والمهنةُ : شاعرْ
    وهواياتي : فك الأحجبة وهدم الأسوارْ
    وقراءة ما خلف الأعين من أسرارْ
    والبحث عن الخصب المتواري خلف الأمطار
    والتنقيب بصحراء النفس عن الآبارْ
    ولأن صابر عبد الدايم أمضى في المملكة العربية السعودية اثني عشر عاماً، أستاذاً للأدب والنقد: عايش فيها الأدب السعودي وقضاياه، وناقش عدداً من الرسائل فيه، فإن حكمه عليه حكم الخبير الحاذق.
    يقول في أحد الحوارات عن الأدب السعودي: «الأدب السعودي المعاصر غصن مثمر في شجرة الأدب العربي الحديث، وهو في ملامح تطوره، واتجاهاته وخصائصه وميادينه يعد مكونا أساسيا من مكونات النهضة الأدبية المعاصرة، وعلى دارسي الأدب في الجزيرة العربية أن لا يغفلوا ارتباط هذا الأدب بالجذور التراثية العربية في عصور ازدهارها بدءا من ريادة الشعر العربي في عصر ما قبل الإسلام (العصر الجاهلي)، ثم ما تلاه بعد ذلك من عصور أدبية ولغوية بذل فيها علماء اللغة ورواة الشعر والنقاد ومؤرخو الأدب جهودا مضنية في الحفاظ على اللسان العربي المبين: بنية وضبطا وتراكيب، وأساليب فنية متجددة في إطار البيان العربي الدال المفيد0
    والأدب السعودي لا ينفصل عن هذه الجذور الذهبية، وهو مع ذلك يواكب التيارات الجديدة في عالم الإبداع وعالم النقد، ولكن آمل أن تظل هذه المواكبة راشدة في استقبالها للموجات الحديثة الوافدة، فليست جميع الأنماط والقيم الأدبية الوافدة تتناسب مع بيئتنا العربية الإسلامية المحافظة على هويتها ومعالمها وقيمها الثابتة الأصيلة».
    ...
    .. وما أكثر القضايا التي تُثار في هذا الكتاب، الذي يكشف عن تجربة الدكتور صابر عبد الدايم الإبداعية والنقدية.

  9. #19
    الشاعر الدكتور حسين على محمد .. والطاقة الإبداعية

    بقلم أ0 د. صابر عبدالدايم

    الحمد لله الرحمن الرحيم .. علم القرآن ، خلق الإنسان ..علمه البيان . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .. أفصح العرب لسانا …… أوتى جوامع الكلم ..
    فكلامه .. ألقى الله المحبة عليه … وغشاه بالقبول … ،
    وبلاغته كما يقول الرافعى : هى البلاغة الإنسانية التى سجدت الأفكار لآيتها، وحسرت العقول دون غايتها – لم تصنع – وهى من الإحكام كأنها مصنوعة . ولم يتكلف لها وهى على السهولة بعيدة ممنوعة .
    وبعد :
    ففى هذه الليلة المباركة المضمخة بطيوب المحبة .. ونسائم الإجلال والتقدير ، لايسعنى إلا أن أعلن أمام الجميع وأجهر بما كنت أكنه فى نفسى .. وأخبئه خلف لسانى .. وهو إعجابى الشديد .. وحبى الأشد .. وشعورى بالألفة والحميمية .. والقربى .. لنجم هذه الدار العامرة .. الأديب الشيخ عبدالمقصود خوجة .. إنه بهذا الصنيع الحضارى .. يكرم الكلمة الطيبة ، ويجسد نموذجاً للوجدان العربى ، وأجدنى مسافراً فى سنابل الزمن .. ملقياً برحلى فى دار أبى تمام ، وبدون استئذان أنقل آلة الزمن .. كلماته العذاب .. وهى مازالت ممشوقة القوام ، عربية القسمات
    ظبية من ظباء وجرة أدماء .. تسف الكماث تحت الهدال
    حرة طفلة الأنامل ترتب سخاماً تكفه بخلال ..
    .. هذه الكلمات " الحسان " التى تصور ملامح المروءة – والصدق – والأصالة فى الإنسان .. الأحق بها هذه الليلة – الفارس النبيل الأستاذ عبدالمقصود خوجة – فمن أحق منه بهذا الخطاب الإنسانى الصادق فى هذه الليلة المضيئة .
    ألبست فوق بياض مجدك نعمة بيضاء حلت فى سواد الحاسد
    ومودة لا زهــدت فى راغب يوماً ولاهى رغبت فى زاهد
    عنــاء ليس بمنكر أن يغتدى فى روضها الراعى أمام الرائد
    ماأدعــى لك جانباً من سؤدد إلا وأنت عليه أعــــدل شاهد
    د/ حسين على محمد .. والطاقة الإبداعية ..
    الشاعر الدكتور / حسين على محمد منذ ثلث قرن .. 0 الثلث الأخير .. من القرن العشرين ) وهو يشارك فى الحياة الأدبية " المصرية والعربية " مشاركة فعالة جادة ، ومشهد هذه المشاركة يتجسد فى متابعته الجادة لتطور معالم الحياة الأدبية ، والوعى الفنى بملامح هذا التطور … ، وإنعكاس هذا الوعى على نتاجه الإبداعى .. رؤية وبناءً ، وتنوعاً فى الفن الأدبى … ، وتضاريس هذا الفن .. وتجلياته التشكيلية .. والطموح إلى التجازو والابتكار .. وهذه المتابعة الجادة الواعية للمشهد الإبداعى العربى .. لم تكن أحادية الجانب .. أو كما نقول " حب من طرف واحد " .. ولكن كان التفاعل .. والحوار .. والصدام .. والوئام .. من مفردات هذا الحضور الثقافى والإبداعى .. على الساحة المغطاة بالأشجار الباسقات .. والحشائش المتسلقات … ، وحسين .. منذ كان برعماً صغيراً .. إلى أناستوى على سوقه .. يتجول فى هذه الساحة .. يراسل .. كبار الأدباء والنقاد ، ويحتفظ بآلاف الرسائل فى خزانة كتبه … التى تئن الآن من تراكم المجلات والجرائد .. والرسائل .. فهو يراسل الأدباء ..والنقاد .. فى المغرب .. وتونس .. والأردن .. والعراق .. والسعودية .. والبحرين .. وسوريا .. واليمن ، وقد تمخضت هذه الحركة عن مولود .. فى أدب الرسائل . حيث أصدر كتاباً يصور فيه الملامح الشخصية والأدبية والنقدية للأديب الناقد .. وديع فلسطين .. معتمداً على الوثائق والرسائل الخاصة المتبادلة بينهما ، ود/ حسين على محمد .. باحث عن المجهول .. يعنى بأدباء الظل … أو الأدباء الذين ابتعدت عنهم أضواء الإعلام … وربما شاركت هذه الرؤية لديه فى إلقاء " الظل " عليه .. أو الإبتعاد به قليلاً عن " الوهد الإعلامى " .. ، والضجيج الأجوف البراق ، .. ولكن موهبته الأصيلة .. وملكته الفطرية .. مازالت : هى النار المبدعة التى لم تنطفئ .. ، وقد تفتحت ملكته الإبداعية فى ظل نكسة 1967 م .. – وهو ظل ملتهب منكسر ، وهذا الانكسار صبغ رؤية حسين على محمد بالتشاؤم والتحدى ، وتحركت فى شرايين الطاقة الإبداعية لديه دماء ساخنة أبعدته عن تيار الرومانسية الهادئ ، وعن حركته المنسابة فى غير ما ضجيج ولاصخب ، …وهو منذ هذا التاريخ .. وهب حياته لفنه .. حماساً ومتابعة وتفاعلاً وابداعاً ، وفنه الشعرى يتمرد عليه كثيراً ، لكنه يقاومه ويسيطر عليه بما يتقد فى ذاته من وهج إبداعى صادق ، واع وحماس مخلص يدور الشعر الرائد فى الكشف عن الحقيقة التى تهرب كثيراً من عقول الفلاسفة ، وتجارب العلماء مهما جدوا وتنافسوا فى البحث عنها .. وحبه للشعر .. عشق ووجد وذوبان .. يفنى فيه المحب فى ذات المحبوب .. فإذا هما شئ واحد ..
    وتتوالى دواوين " حسين على محمد " بدءاً من " السقوط فى الليل " إلى " غناء الأشياء " تسعة دواوين شعرية من شعر الفصحى ، وله أكثر من ديوان فى شعر العامية المصرية . وقد أعلن توبته .. وندم على مافات .. وعزم على أن لايعود لقوله : الشعر العامى " البته ط وهو محق فى ذلك .. ونأمل أن تكون التوبة نصوحاً .. ولاتكون من قبيل توبة الشعراء .. وحين نرصد معالم التجربة الشعرية لدى حسين على محمد .. نشهد هذه المرائى تتحرك أمامنا.
    أولاً : البوح الذاتى .. وهذا المعلم يمثل تياراً رئيساً فى نتاج حسين الشعرى كله .. حتى فى القصائد ذات الحس الإنسانى .. والوطنى .. والدائرة فى الفلك الإجتماعى .. والتى تعتمد على توظيف المواقف ، والشخصيات التاريخية .. والأسطورية ، وقصيدته : " أغنية حزينة " التى كتبها فى الظل الدامى .. لانكسار .. يونيو 1967 م . نموذج لذلك يقول فى مطلعها :
    الصمت تمدد فى أقبية الخوف
    فرأيت جناحى أغنتى المكسورة فى القاع .. يقتتلان ..
    ورأيت الظل المشطور بحد السيف
    يتقهقر منهزماً .. نحو الصيف المقهور الأحرف والكلمات
    ووجدت ربيعى طللاً .. يبكى حبا مات ..
    … وعناوين دواوينه .. تفصح عن هذا الملمح الذاتى الذى يؤكد أن شعر حسين صورة لحياته .. التى تذوب فى الروح الكلى .. وروح المجتمع .. وروح الإنسانية – لكنها تظل متمسكة بخصائصها ومقوماتها .. وأشواقها ورغباتها .
    ثانياً " التأمل .. والتمرد .. والتأمل فى شعر حسين – ليس تأملاً تجريدياً – وليس تأملاً فى ماهية النفس .. وقواها المختلفة .. ورصد الصراع بين هذى القوى .. ، ولاتأملاً باحثاً عن الحقائق الكبرى فى الوجود ، ولاتأملاً فى الطبيعة الكونية .. ، وإنما تأمل فى أحوال الإنسان .. ورصد حركة الصراع .. بين الواقع .. والحلم ، بين الصدق والادعاء ، بين الزيف والحقيقة .
    ولنتأمل هذه التساؤلات .. التى يقذف بها " الصدى " فى وجه " الصوت "
    هل كنت أطياف نـور غــــدا بدربى خطايا
    أم كنت ناراً بخلــدى لم تبـــــــق منى بقايا
    أم كنت عارى وحزنى وصوت صمت بكايا
    أم كنت ميلاد قهـــــــر فى صحوتى وسمايا
    فصرت روحـاً غريباً وصار دربى شظايا
    ثالثاً : استدعاء التراث وتوظيفه فى تشكيل " التجربة الشعرية " :
    .. وحسين على محمد .. ينطلق من التراث الإسلامى بكل معطياته شخوصاً وأماكن ومواقف وأزماناً .. وقيماً سامقة .. وهو يستدعى هذه المعالم بدافع من الإحساس بالتصادم مع حركة الحياة المتناقضة فى هذا العصر .. فيفزع إلى التراث باحثاً عن المواقف المضيئة فى سيرة التاريخ ليعود بنفس منها إلى الحاضر الآسن .. لعل هذا الحاضر من لهوه يفيق .. ومن عثرته ينهض .. ومن علله يبرأ ،
    … فالشاعر يستدعى قصة يوسف متمثلاً التراث الإنسانى والإسلامى .. فى قصيدته " فواصل من سورة الموت " ويكتب مطولة شعرية مكونة من عشرة مشاهد .. عنوانها : " من اشراقات عمرو بن العاص " أو التحديق فى وجه الشمس ، ومن مكابدات عبدالله بن الزبير " ومن " أوراق سعد بن معاذ " يستوحى قصيدة مطولة مكونة من خمسة مشاهد .. تجسد " الحس الحضارى الإسلامى فى مواجهة الزحف اليهودى الصهيونى المعاصر .. ومن أقباس شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم . والفاروق عمر ، وبلال … وأبى ذر يشعل حسين على محمد مصابيح تجاربه .. متجولاً فى دروب العصر المظلمة رغبة منه فى إيقاظ الوعى الحضارى المدرك لحقائق الإسلام .. الباهرة .
    وتطالعنا هذه العناوين المثيرة ………( صهيب ينادى وامعتصماه ) مهداة إلى ( إلى سرييفو المحاصرة ) وسطور من مواجيد ابى الطيب المتنبى ، من مكابدات صفوان ابن أمية – أوراق من عام الرمادة " الأميرة تنتصر " .. وهذه القصيدة مستوحاة من هزيمة الصليبيين فى مصر .
    وتجارب حسين على محمد فى هذا المضمار ثرية خصبة تؤكد قدرة الشاعر الملتزم بالتصور الإسلامى على صياغة تجاربه وفق المعايير الجمالية الحديثة لغة ومعجماً .. وصورة ورؤية ، ومعماراً فنياً .
    رابعاً : معالم التشكيل الفنى فى شعر حسين على محمد :
    تتنازع حسين على محمد عدة أطر فنية فى القالب الشعرى … ، وكلها .. تنحو نحو " التحديث الشعرى " ومواكبة الموجات الجديدة فى تطور القصيدة العربية .. فى معجمها .. ولغتها .. وصورها .. ورؤاها .. وهذه القوالب الفنية تجئ على هذا النحو :
    1 ) القالب الخليلى " المتوارث " .. " شعر الشطرين " .. ويمثل هذا القالب نسبة قليلة فى النتاج الشعرى لدى الشاعر .. ومن أطول أعماله الشعرية فى هذا الإطار .. قصيدته "رباعيات" وهى من أطول قصائده فى هذا الشكل الشعرى إذ تبلغ 40 أربعين رباعية تبوح برؤيته وموقفه من صور الحياة المتصادمة سياسياً .. واجتماعياً .. وسلوكياً …
    ومنها سبع خماسيات فى ختام ديوان " غناء الأشياء " .. ومن القصائد الجيدة ذات الرمز المضئ .. قصيدة " حديث إلى النخلة " : ومنه قوله :
    يانخلة فى حنايا الروح تمطرنى بوابــل الرمل فـى العينين والوصب
    رايات حزنك فى عينى ترفعها أصابـــع الملح بالأنـــــواء والنــوب
    هذا دمى فى يدى كسرى يقر به وبيتنا فى الوغى حصن من الحطب
    إلى متى نتخلى عنك فى شغف ببارق خادع من أنجـــــــــــم الكذب
    وأنت راية أجـداد وسرب منى وذوب قلب شــدا بالنار والغضــب
    القادسية نــور الفتح فــى دمنا ووردة طفلة فـــــى القلب لـم تشب
    2 ) المزج بين الشكل المتوارث والشكل الجديد ..
    وفى هذا الاطار يقدم الشاعر الشكلين فى امتزاج كامل من شعره ، وهو تقليد فنى ينتهجه كثير من الشعراء المعاصرين .. وأحياناً يضمن الشاعر .. تجربته الجديدة مقاطع من الشعر العربى القديم مازجاً بين اللونين فى اتساق فنى كامل .. مثل قصيدته " خمس صفحات من كراسة المجنون " وفيها مزج بين تجربة حسين الوجدانية الرامزة وبين تجربة مجنون ليلى .. التى ملآت الدنيا .. وسارت بها الركبان
    3 ) المطولات الشعرية ذات الأصوات المتعددة والحوار .. والدراما ………..0 ومنها " أوراق العمر الضائع " تسعة مقاطع ، وقصيدة " القصيدة " وهى تسعة أناشيد و " من إشراقات عمرو بن العاص " وهى مكونة من عشرة مشاهد ، و " ومن أوراق سعد بن معاذ " وهى خمسة مشاهد
    4 ) القصائد " البرقيات " أو " الشظايا " أو " الشهب " أو " التوقيعات " .. وهى قصائد قصيرة جداً تحمل شحنة وجدانية رامزة مكيفة .. ويمكن أن تتعدد وجوه تأويلها .. ولها أكثر من قراءة .. وكل يفسرها حسب توجهه الثقافى والمذهبى ، .. ومنها قصائد: الغربان - الخوف – مملكة الصمت – الوهم – قطط مائية – الجواد المكسور – وردة – الغزالة – وفى قصيدة " وردة يقول :-
    هى وردة الفجر التى .. ألقت مباسمها إليك ولاتروح
    ولكل لفظة نبضة .... ولكل فاتنة جموح
    ولكل سهم برقة .. ولكل لاحظة جروح
    5 ) المسرح الشعرى :
    .. وشعر حسين .. وخاصة القصائد المستوحاه من التاريخ .. تقوم على الحوار وتعدد الأصوات .. وهى أقرب إلى الدراما الشعرية .
    .. وقد أبدع ثلاث مسرحيات شعرية – مسرحية " أبى ذر الغفارى " " الباحث عن النور " و " الرجل الذى قال " و " الفتى مهران 99 " .
    .. وهو فى المسرحيات الثلاث .. ينوع أدواته الفنية . فالتراث الإسلامى يستمد منه مسرحية " أبى ذر الغفارى " .. وهو لم يقلد غيره من الشعراء المعاصرين الذين اتخذوا من أبى ذر رمزاً لمقاومة الثراء وقالوا أنه أول اشتراكى فى الإسلام ، وهى صورة قاصرة لشخصية أبى ذر ، فالغنى ليس مرفوضاً فى التصور الإسلامى ، وكذلك الفقر ليس هدفاً يركض وراءه المسلم .
    ومسرحية " الرجل الذى قال " نموذج للمسرح الواقعى الذى يجسد حركة الحياة فى صورة مباشرة ، أما مسرحية " الفتى مهران 99" فهى أقرب إلى المسرح الذهنى والرمزى ، وكأن " د / حسين على محمد " يؤمن بأن قدرة العمل الأدبى نفسها على أن تكون مرآة للواقع تتطلب انفصالاً عن الواقع يتسم بشدة التوتر والفعالية والعمل الأدبى الجيد " يخلق تأثيراً جمالياً بفضل حيوية مادته ، والتوصيفات السيكولوجية ، والمشاهد الدرامية المتفرقة ، والاستطرادات الاجتماعية حول قضية من قضايا الساعة الملحة ، " وفى هذه المسرحية تتجسد الرؤية الإيجابية فى مواجهة القهر والظلم والفساد ، وتعلن عن رفض " حسين على محمد " لكل مفردات الاستلاب والتفسح والقمع والجهل ، والخنوع والذلة ، وهذه من ألزم الصفات التى تدفع بالإنسان إلى أفق الفعل النبيل ، والحياة الكريمة فى ظل المبادئ والقيم العادلة .
    6 ) وظيفة اللغة :
    إن وظيفة اللغة فى شعر حسين على محمد لاتنحصر فى مدلولها المعجمى أو تراكيبها التقليدية ، بل يعيد صياغة اللغة ويعيد تشكيلها .. مع البعد عن دعاوى التحطيم ، والتجاوز والتحذير ، ومع الحرص على جعل " الوظائف النحوية ، وكذلك الأساليب المتنوعة ذات دلالة فنية إيحائية فى الصياغة الشعرية "
    فاللغة فى قصائد " حسين على محمد " لغة إشارية تحيل المعنى المجرد إلى كائن مشاهد إيماناً بالقيمة التصويرية للغة ، وإيماناً بأن لكل وحدة لغوية دورها فى العمل الفنى .
    وأتفق معه فى موقفه ضد من يقول : إن الشعر مغامرة لغوية فقط ، وأنه يقوم على مبدأ الانحراف ، وبعضهم يغالى فيعد تدمير اللغة نشاطاً إبداعياً ، وهذا ليس صحيحاً ، ولاتسانده رؤية ثاقبة منصفة ، فالتجديد غير التدمير والقصيدة إحساس متنام ، والشعور فيها متصاعد ، ونجاح القصيدة يتجسد فى عدم كسر هذا الشعور ، أو الوقوف بها دون مداه ، أو بعثرته فى مزايا متعاكسة ، فاللغة الموحية تشد القارئ ولاتتركه حتى يفرغ من القصيدة ، فإذ بكيانه يشرق بالمشاعر الجديدة ، والأحاسيس الصافية الغائرة ، فى أنحاء النفس ومجالات الشعور . وكانت الطبيعة فى شعر حسين على محمد – وفى الشعر المعاصر – تتحول إلى رموز حية تضئ الواقع وتفتح أمام النفس دروب المعرفة .
    والتشكيل بالصورة الشعرية من أهم الوظائف التعبيرية فى شعر " حسين على محمد " وأهم سمة لهذا التشكيل أن القصيدة – فى بعض نتاجه الشعرى – تصبح صورة واحدة كلية
    ويمكن أن أقول إن " حسين على محمد " يدور فى فلك القائلين " بأن للشاعر طبيعتين: إنسانية ، وفنية ، فالشعر لديه : ينبع من مصدرين : من جبرية غامضة تكمن فى " اللاوعى " ومن تنظيم صناعى تام الوعى " فهو عملية تختلط فيها الحياة باللغة ، ويتراوح فيها المعنى بالمبنى ، ويلعب فيها كل من التنقيح والطبع دورهما .
    وفى النهاية أوجه تحيتى وشكرى وتقديرى للمحتفى به الصديق الدكتور حسين على محمد .. متمنياً له دوام التوفيق . وإلى صاحب الأثنينية عظيم الشكر وبالغ التقدير لحفاوته بالعلم والعلماء والأدب والأدباء .. والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل .

  10. #20
    أنشودة البراءة

    شعر: د. صابر عبدالدايم

    "كريمُ" يا أنشودة البراءةْ
    يا صوت موسم الوضاءة
    يا عطر إيقاع الطفولة الجميلة
    يا نبض قلبين تعانقا
    وللحياة غرّدا
    ونسَجَا من العبير حلم أيام ظليلة
    وأنت شمس أشرقت
    في ليلنا الشتوي يا كريم
    فأدفأت أيامنا المرتعشة
    وعلّقت في القلب قنديل الأمان
    وأطلقت في الروح أسراب الضياء والحنان
    * * *فهل تجود ياكريم بالرضا..؟؟!!
    وهل يهل نجمك السعيد
    في عامنا الجديد؟؟!!!
    وهل يضيء وجهُك الوضيء أيامنا؟؟!!!
    وهل تعيد بسمةُ الحياة في عينيك أحلامنا؟؟!!!
    * * *وعن زماننا الغريق في الدخان
    هل ترحل الغيوم والأحزان؟؟!!!
    وهل على وجوهنا
    تشرق يا كريم بسمة البلابل المهاجرة؟؟!!!
    وهل تعود للحقول..
    .. خضرة الحياة والسواعد المسافرة؟؟!!
    وهل تَضُوعُ بالمرافئ الأغاني...
    ... في فم النوارس المطارَدة؟؟!!!
    وهل يعانق الشطوطَ الموجُ...
    ... يلقي زبد الترحال...
    يسقي الموريات المجهَدَة؟؟!!!
    وهل تجود يا كريم بالرضا؟
    على زماننا الأسير في سراديب الفضا
    وقد تشظى حلمنا وانكدرت نجماته المبعثرة؟؟!!!
    واحترقت أوراقه في شهب الترحال والمكابرة!!!
    وسافرت أيامه...
    ... في سنبلات الزمن المصادرة!!!
    * * *قم واجلس الآن أمام "الكمبيوتر"
    ساحر العصر الجديد!!!
    استدع ما تشاء...
    من غرائب الأشياء!!!
    أعد إلى ذاكرة الوقت حكايا السندباد
    وقصة الإبحار والضياع
    أمسك بأصداء الرياح والمغامرة!!!
    أعد إلينا شذرات من حكايا فارس الشجاع!!!
    ومن روايات أبي زيد.. وبيبرسٍ.. وعنترة!!
    ومن شظايا سابحات في شرايين الشهيد
    تحيي خلاياها المشعة...
    ... قصة الزمن المبعثر... والمحاصر...
    في فضاءات الوعيد!!!
    لم يعلن الأمجاد للأطفال...
    .... والحجارة!!!
    وفي دم الأطفال خاض يكتب انهياره
    وأطفأ انتفاضة الزمان...
    ... في البروق... والعروق... والشروق..
    ... والكواكب السيارة!!!
    وأنت يا كريم وحدك الذي...
    ... تقرأه... وتشهد انكسارهْ !!!

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. صابر حجازى يحاور الشاعر د.محمد ابراهيم الدسوقى
    بواسطة صابر حجازى في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-05-2015, 08:42 AM
  2. صابر حجازى يحاورالأديب الاردني الدكتور فوزي بيترو
    بواسطة صابر حجازى في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 05-30-2015, 04:00 PM
  3. صابر حجازى يحاور ..الشاعر الاديب الفلسطيني علي أبوحجر
    بواسطة صابر حجازى في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-27-2015, 11:23 AM
  4. صابر حجازى يحاور..الشاعر د. هاني أبو الفتوح
    بواسطة صابر حجازى في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-19-2015, 09:42 AM
  5. د . صابر عبدالدايم
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-15-2008, 09:20 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •