رد على الأديبة المتميّزة ريمة الخاني
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أعرف جيّدا أنّ أديبتنا دوما متألقة ومتفوقة زادك الله من فضله...
الحديث عن المناهج الدراسية في أي مجتمع يكون حول الفلسفة التي تأسست عليها المناهج الدراسية أي الإستراتيجية العامة التي يتجه فيها المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا وتربويا وتعليميا، وقطاع التعليم والتربية من اهتمامات الجميع ساسة وقادة وعلماء وعامة، وفلسفة التربية والتعليم تُحدّد المنطلقات والوسائل والمناهج والأهداف والغايات الكبرى التي تمثل السياق الذي تتحرك فيه المنظومة التربوية والعملية الدراسية التدريسية في المجتمع ولدى الأمة، مشكلة فلسفة التربية في بلادنا غير مضبوطة بالدقة المطلوبة ولا بالكفاية اللازمة، بينها وبين الواقع اجتماعيا وثقافيا وتاريخيا تعارض إلى حد التناقضات الهدامة، وبينها وبين الممارسة التربوية التعليمية التعلّمية تباين إلى حد القطيعة أحيانا، الأمر الذي جعلها تفشل وتترك آثارا سلبية وخطيرة على المجتمع بكافة قطاعاته في الحاضر وفي المستقبل، ويزداد الوضع سوءا بسبب غياب المسئولية بين الطرف التشريعي والطرف التنفيذي في قطاع التربية وتبادل تهمة الفشل بين الطرفين، مع غياب النيّة الصادقة في الإصلاح والتغيير والبناء.
أما المناهج التربوية عامة والدراسية بصفة خاصة ينبغي أن تبنى على أساس فلسفة وإستراتيجية واضحة المعالم دقيقة الأهداف بيّنة الوسائل والأساليب تراعي كافة ظروف ومطالب المجتمع بأفراده ومجموعاته ومؤسساته وثقافته وأخلاقه وغيرها، كما تراعي ظروف العصر وتحدياته اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وتربويا وتعليميا، وتراعي التطور الذي عرفته وتعرفه الحياة في الميدان العلمي والتقني وفي مجال البحث العلمي، وفي جانب التربية والتعليم والتعلم، إلاّ أنّ فلسفات منظوماتنا التربوية والتعليمية والاجتماعية يديرها الارتجال والجهل والمصلحة الضيقة وأحيانا الجهوية والعنصرية والفساد والاستبداد، وهذا من شأنه يفضي بالمنظومة التربوية والتعليمية وحتى المجتمع ككل إلى الفشل في تحقيق الأهداف المسطرة والفشل في ضمان الاستقرار والازدهار لقطاع التربية والتعليم بسبب الخلل في فلسفة التربية وفي المناهج الدراسية التي تأسست على فلسفة مريضة مختلة، وأمام هذا الوضع المتردي تصبح كل المحاولات الجادّة في سبيل إصلاح التربية والتعليم من خلال المناهج الدراسية معرضة للفشل بسبب اختلال الأسس والقواعد التي تنبني عليها هذه المناهج.
أزمة عالمنا العربي والإسلامي كما ذكرت أكثر من مرّة أخلاقية بالدرجة الأولى ومشاكل التربية والتعليم تمثل الجزء الأكبر من الأزمة الأم الأزمة الولود، أزمة أخلاق في النظر والعمل معا، خرج الغرب الأوربي الحديث من انحطاطه وتخلفه بعد نضال طويل في سبيل نشر أخلاق رفيعة تقدر الإنسان أي إنسان وتشجعه على تفجير مواهبه وطاقاته وتطلب الحرية الفردية والاجتماعية، وتقدر العقل حق قدره وتقدس الوقت والعلم والعمل، وهنا أنا أتكلم عن الفكر الحداثي التنويوي التي عرفته أوربا خلال الفترة التي سبقت النهضة الحديثة، أما نحن فمازال بيننا وبينهم ما يعادل سنة ضوئية، ما زلنا في عصر ما قبل الحداثة، تميزه أخلاق ذميمة في الفكر والتطبيق، اعتقادا وشرعة، سيطرت على أفكارنا وأعمالنا في مختلف قطاعات الحياة العفوية العمياء والعاطفة الجياشة والارتجال واللفظية والأنانية الشرسة والمصلحة الشخصية والبراغماتية الراهنة، والعبث بالعقل والعلم والدين والتقنية والوقت وتعطيل كل اجتهاد في سبيل الإصلاح والتغيير والرقي والازدهار، فإذا كانت أخلاقنا كذلك وهي فعلا كذلك ماذا ننتظر من منظومة اجتماعية وثقافية وتربوية وتعليمية تحكمها هذه الأخلاق سوى الفساد والفشل.
يتضح مما سبق أن أسباب التخلف والانحطاط في قطاع التربية والتعليم كثيرة ومتنوعة ومتفرعة ومتداخلة ومتشابكة ويزداد الوضع تفاقما لازدياد معاول الهدم وقلة البُناة، صحيح يوجد عدد كبير من الصيحات والنداءات عبر كافة وسائل الإعلام والاتصال والإشهار ومنها شبكة الإنترنيت، لكنها تغرد خارج السرب مادام زمام ألأمور وأمر التربية وأمر المناهج الدراسية بل سلطة القرار السياسي ليس بأيديها، بل بأيدي قوي بعضها خفي وبعضها علني كل يبرر الوضع التربوي التعليمي بمبرراته يبرأ سبيله ويتهم غيره، فهي فتن بحق و"الفتنة أشد من القتل"، لا الأم تضطلع بمهامها ولا المدرسة ولا المسجد ولا الكنيسة ولا الشارع ولا الحاكم ولا المحكوم، الكل يتهم الكل والكل يسبُ الكل فأصبح الأمل منتهيا في الإصلاح والتغيير، ولا سبيل للنجاة من هذا الوضع المأزوم إلاّ بالعودة إلى الإنسان والعقل والعلم والعمل وإعطاء كل منها حقّه اهتماما واستخداما واستثمارا، في إطار قيمنا الإسلامية السمحة التي جعلت شأننا عاليا في وقت مضى.