منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 73

العرض المتطور

  1. #1
    كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
    فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
    رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
    أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
    وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
    ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
    وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
    -أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
    كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
    -إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
    وبعد لحظات قال له:
    -لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
    ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
    وقال المدير:
    -مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
    فدمدم صقر:
    -وأين السجن؟
    كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
    إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
    وفاجأ المدير بقوله:
    -ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
    ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

    وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
    -عليك أنت وهذا المعهد القذر..
    ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
    ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
    أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
    واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
    فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
    دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

    وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
    -سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
    ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
    ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
    -يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
    فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
    -الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
    أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82
    كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
    فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
    رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
    أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
    وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
    ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
    وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
    -أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
    كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
    -إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
    وبعد لحظات قال له:
    -لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
    ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
    وقال المدير:
    -مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
    فدمدم صقر:
    -وأين السجن؟
    كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
    إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
    وفاجأ المدير بقوله:
    -ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
    ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

    وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
    -عليك أنت وهذا المعهد القذر..
    ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
    ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
    أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
    واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
    فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
    دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

    وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
    -سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
    ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
    ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
    -يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
    فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
    -الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
    أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82

  2. #2
    ومع هذا ,فقد امتنع صقر عن توثيق أواصر الود مع أي من الفتيات أو المدرسين,فإنه لفي الباحة في اليوم التالي,يداه في جيبه ,عابس الوجه جهمه,حين جاء إليه زاهر الغلام الخفيف الظل على كل نزلاء المعهد تتلقفه الأيدي بالرفق والتدليل,لأنه لا يسيء إلى أحد ويخدمكل شخص بلا استثناء وهو صغير السن اعتبره نزلاء المعهد أخا صغيرا لهم.
    يتناقلون تدليله والتلطف به النزيل عن التخرج,جاءه زاهرا يأخذ بيده ومسح عليها تحببا,وإذا بصقر يرفع اليد ويلطم الصغير على خده لطمة أدمت شفته.
    ولحسن حظ صقر كان المدير ساعتئذ يخرج من غرفته ,فشاهد الحادث ,وأحس بنذير العاصفة,فلقد بدأ الفتيان بالتجمع حول صقر وهم يهمون بالاقتصاص منه لزاهر الصغير.
    إلا أنعم حين لمحوا المدير يقترب ,عادت الخ
    وات منهم للوراء.
    وجاء المدير بكل هدوء فأخذ بيد الاثنين صقر وزاهر ودخل بهما غرفته ,وهناك أجلس زاهرا أمامه على المكتب وصار يمسح على رأسه ويهدئ من روعه وأخرج منديلا فمسح قطرة الدم التي سالت من شفته.
    وقدم له علبة فيها أنواع السكاكر ,فانتقى منها واحدة ,ونظر إليه المدير وقال:
    -أعرفك يا زاهر مضيافا وكريما ,أليس في الغرفة سواك؟
    ونظر زاهر إلى المدير ثم نظر في خوف في وجه صقر ,ولبث على ذلك لحظات,يردد بصره في الاثنين ,وكانت نظرات المدير وبسماته تشجعه على المضي قدما,ثم دنا كفه شيئا فشيئا من العلبة,وأخذ منها قطعة ثانية ناولها إلى المدير وقطعة ثالثة ظلت في يده بضع لحظات,وظل بصره منكسا يتدبر أمره وقد عذبه التردد والخوف من مفاجأة جديدة من صقر,وإذا به وبشكل فجائي يمد يده بقوة إلى صقر بقطعة السكر ولما لم يجد من هذا الأخير استجابة وضعها على المكتب أمامه.
    كان بصر صقر مسمرا على زاوية من الغرفة لم يطرف له جفن ولم يتحرك فيه عضو ,ووجهه مازال متجهما,ثم نهض بحركة مفاجئة وسريعة وغادر الغرفة.
    وقال المدير يخاطب زاهر بعد خروج صقر:
    -لا تزعل يا زاهر ,سوف يحبك صقر ,على كل حال حصلنا على تقدم لا باس بقدره ق=فإنه لم يمسك على الأقل بأذى حين قدمت له قطعة السكر,وحين دلفت الشمس من سمتها تميل إلى الأفق ,جاء وقت الرياضة ودروس الموسيقى.
    كانت القواعد في المعهد تقضي بتجنب إلزام أي واحد من نزلائها بممارسة العزف على الآلات الموسيقية,ووقف صقر يشهد أداء الطلاب للحركات السويدية ثم عبثهم على الآلات الموسيقية,وسمع قول وهو يبتعد:
    -هي ألعاب للأطفال..
    وحانت من المدير التفاتة,فإذا بأحد المدرسين يخرج من الفصل فاستوقفه وسأله عما إذا كان صقر يتعلم شيئا في الفصول,وقال المدرس:
    -إن صقر يتعلم أكثر مما يظهر عليه,إلا أن الذي لا مراء فيه هو أن البغضاء تنهش قلبه.ص 84

  3. #3
    ومع كل ذلك فقد سمع المدير يقول مرة لقاضي التحقيق الذي حضر يتفقد أحوال المعهد:
    -لا يبدو أن صقر يستمتع بما أوثر هبه أو يخصه به المدرسون ,بطلب من الرعاية والعطف,كما لا يبدو على قسماته مايشير إلى أنه مغتبط بما يصنع من عزف على الموسيقى,انتهى أخيرا إلى الاقتناع بممارسته بعد تمنع طويل,حتى إنه في المرحلة التي قام بها نزلاء المعهد والتي أحطناهم فيها بكل الاحتياطات اللازمة,لم تند عنه بسمة أو صيحة حين مارس صيد السمك وعلقت سمكة بشصه,فكان أن ضج الآخران من لدائه بالصياح والسرور بينما ران على نفسه نفور من كل شيئ,من كل فتى ,وصار ألوذ بالصمت مما كان.
    وأضاف المدير :
    -إن في نفس هذا الفتى فسادا بعيدا عن منالنا,ومع هذا فإن الغاية تبرر الذهاب إلى نهاية التجرية.
    ومع كل الأناة التي اتصف بها المدير ,فقد ساوره حزن عميق,كاد يتحول إلى يأس من إصلاحه,حين دخل عليه في صباح اليوم التالي وكانت عيناه تتقدان حقدا.
    كان الفتى قد برح به شوق لا يقاوم إلى حياته الأولى, وهو ينزع بكل كيانه ,وفي كل لحظة إلى الهروب من المعهد الذي وصفه بالقذارة في أكثر من مناسبة,إن قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو استيقظ,تجلت له فكرة الهرب جذابة لا تقهر.
    وانصب سخطه على المدير فهو في عينيه أصل البلاء والعائق الضخم بينه وبين ممارسة حريته,نسي تماما أنه محكوم من المحكمة بالبقاء في المعهد سنتين من الزمن.
    هو لا يرى رأي الآخرين بأنه شرير ,سلوكه هو المنطق بعينه.
    كل إنسان له دأب في الحياة يعيش بوسيلة وهو له وسيلته.
    ليس هناك شخص خير من شخص,كل الناس سواسية,خلق يعيشون يأكلون ويشربون..وما ألفاظ الاستقامة والخير,التي سمعها ,سوى لغة من لا هم لهم في الحياة.
    شاهد في حياته صنوفا من البشر,فاعتقد أن هذه الصنوف التي اعتاد التعامل معها هي كل من في الحياة,رجل الأعمال صاحب المحل الذي يتجر بالحشيش,ويطلب النائب رضاه ويثني على جهوده
    والغلام الذي يفترس الطفلة القاصرة والحي المزري الذي نشأ فيه.
    هذه هي الحياة فلماذا يقولون أن هناك شرا أو خيرا؟.
    ما هو الشر وما هو الخير؟
    ذلك النائب كان ولده قاطع طرق معتد على طفلة ومع هذا ترك يسرح ويمرح.
    فلماذا ينكس رأسه ليختفي عن العيون؟.
    ليس هو جبانا فهؤلاء الناس المهازيل,هو يشعر بأن عناده وإصراره على أن يكون ما كان انتصارا
    وإذلال لأولئك الذين يفخرون بغير حق,بأنهم خير منه.
    ليكن شريرا ولكنه سيكون شريرا بعناد وإصرار.
    طافت كل هذه الأفكار في رأس صقر واستعرضها مرة ثانية فانتشى ورفع رأسه عاليا وقال يخاطب المدير:
    -مازلت تتوسل بكل حيلة لكي تستملني,ولكن حيلك لم تنطل علي,ولو كنت حقا تطلب لي الخير,لكنت مع ذلك مغفلا لو انقدت إليك ,وقد كدت أنقاد,ولكنني جعلت أتفكر أمس في كل ذلك واليوم عرفت السر
    .ص 86

  4. #4
    كان في لهجة صقر وقوله معنى الجد الصارم والرجولة ,فليس هذا القول قول فتى وقح بائس, فترات للمدير شعاعة من رجاء ساعة رأى اختلاجة لطيفة على شفتي الفتى.
    قال صقر:أنت رجل دجال.
    وقال المدير:إما أن تقيم الدليل عل ما تقول وإما أن تلقى معللة مذلة من اليوم فما بعد..
    فقال صقر:
    -إليك إذن الدليل :لقد رفست أنا اليوم أحد المدرسين ,فماذا تقول عني الآن؟
    -مازلت أرى فيك فتى كريم النفس اسمه صقر.
    وقال صقر:
    -إن قولك هذا مصداق لقولي,فأنت لا تكف عن ترديد هذه الأكذوبة ,وأنت بذاتك تعلم أنها ليست سوى أكذوبة ,أليس هذا دليلا على أنك رجل دجال...فلماذا لا تجعني وشأني وتفتح لي باب المعهد فأذهب في سبيلي وأكفيك شري؟
    فأجاب المدير:
    -من ذا الذي يغلق دونك الباب؟أنت حر يا صقر ..حر صدقني إذا قلت لك أنت حر..
    -وهذا دليل جديد على أنك تكذب.
    وبدا المدير كمن يجول في حنايا قريحته لعله يجد في زواياها ما يقهر منطق هذا الفتى المتوحش.
    إن هذه اللحظة هي حد الفصل فإما أن يخفق وإما أن ينتصر ويريح الفتى إلى الأبد.
    وقال المدير:
    -اسمع يا صقر ,أنت فتى ذكي ,وتدرك حق الإدراك صحة القول تى قام الدليل عليه.
    فقل لي من هو الفتى الكريم النفس ؟الفتى الكريم هو الفتى الطيع .أليس ذلك صححا؟
    وقال صقر :نعم هذا صحيح.
    وقال المدير:هو الفتى الذي يصنع ما يطلب منه معلموه.
    -نعم بكل تأكيد فهل تراني أطعتك في شء حتى الآن؟
    -لا تعجل سآتيك بالبيان والبرهان.
    عندئذ تنفس المدير ولاح كأنه استراح من نصف عبء ثقيل حين شبك أصابع يديه ببعضها ,وقال وهو في ذروة ثقته بنفسه.
    -كل ما صنعته أنت يا صقر حتى الآن إنما كان ذلك غير ,وكل ما في الأمر أنك لم تلق سوى أفسد المعلمين أمثال أبي معروف وأبي لبادة,وهم المتشردين والصعاليك,ولكنك أطعتهم ,لا ريب في ذلك أبدا.
    ص 87

  5. #5

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    كيف؟
    ص 15
    -هلم بنا ادربك.
    ونكس صقر رأسه ثم رفع عينيه إلى أبي لبادة بين مصدق ومكذب .. وقد صعب عليه ما سمع فقال:
    -هل الدراهم التي في جيوب الناس لنا؟هل أمد يدي إلى جيب أم محمد التي أسكن معها؟
    جاءت هذه الكلمات مفاجئة لأبي لبادة , وحار بماذا يجيب! ثم جاء جوابه بطيئا في بادئ الأمر وقويت لهجته فيما بعد:
    -الذي ليس معه يؤخذ منه , والذي معه يعطي ويزاد..
    لم يفهم حجر من ذلك شيئا وظل مبهوتا فأصاف أبو لبادة :
    -لماذا لايعطوننا ؟ يجب ان نعيش.
    وسكت أبو لبادة ينتظر وفعل صقر _ ولكن حجر ظل ساكتا , صراع في نفسه قائم , وعاد أبو لبادة يقول :
    -إلا إذا كان معك دراهم .. هل معك؟
    لم يجب صقر بكلمة واحدة بل مشى مع أبي لبادة عاقدا حاجبيه , تتقاذفه الفكر , هذا الذي يقوله أبو لبادة شيء صعب , ولكن أصعب منه أن يبقى بلا دراهم .. والسينما؟والمشروبات والألعاب؟
    عندما وصلا إلى موقف باص كان الناس ينتظرون وصول ونظر صقر أبي لبادة ,فأشار إليه هذا بالانتظار والترقب..وقفا وكأنهما من خلق الله هؤلاء المنتظرين.فلما وصلت السيارة , تقاطر عليها المنتظرون فاتجهوا إلى بابها الخلفي وكونوا جمهورا متلاحما .
    قال أبو لبادة لصقر:
    -انظر..
    واندس بين الجمهور وراح يناطح ويزاحم إلى صعد ثم انتقل إلى الباب الأمامي ونزل منه , وأخذ بيد صقر ومشى حتى أصبحا في سكان قصي أخرج أبو لبادة ورقة نقدية من ذات الخمس ليرات وقال صقر:
    -هذا ما توصلت إليه من حركتي هذه , والآن حاول بدورك , أن تفعل مثلي . حاول دائما أن تدخل يدك وتخرجها بسرعة , لا تفتش فيها إذا لم تعثر فيها على شيء قريب المتناول . ولتصاحب حركة جسمك كل حركة يدك في الجيب.
    وهكذا ..
    عندما أوفى النهار على نهايته , انتحى صقر قصها حيث أخرج من جيبه حصيلة ماجناه طول النهار فوجده ليرتين ورقيتين وثلاث ليرات فضية وعددا ولفرا من الفرنكات ,ولم ينتظر حتى وافى أبا لبادة في مقره حيث أخرج أمامه كل ما تجتمع لديه دون أن يخفي شيئا فقاسمه أبو لبادة على النصف .
    عاد صقر يرقص رقصا ولا يمشي مشيا وإذا به يلتقي بأم محمد وجها لوجه في الطريق , ارتعش لدى رؤيته لها , ولكنه تجلد قالت له:
    -أين كنت؟
    -كنت ماشيا في الطريق أتفرج.
    -ماذا تفعل؟
    -لا أفعل شيئا
    -رأيتك مع أبي لبادة أنا اعرفه واعرف ماذا يعمل عند المواقف وبماذا يشتغل , تعال.
    س 18
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    اصفر وجه صقر وشعر بدقات قلبه يصل صوتها إلى أذنيه وصعدت غصة إلى حلقه , وبعد لحظات مر بأصابعه على جبهته فابتلت وسار إلى جوار أم محمد منكس الرأس , تصطك ركبتاه .
    عندما وصلا إلى البيت توقع أن تهوي يدها الكبيرة على يافوخه فتقلصت أساريره وغاض الدم من وجهه وأغمض عينيه بانتظار البلاء الأعظم وشد ما كانت دهشته عندما حدث ما لم يتوقع , فقد تناهى إلى سمعه وهو مغمض العينين صوت أم محمد الأجش القوي يقول:
    -هات , م معك؟
    كانت هذه الكلمات بمثابة نسمة لطيفة باردة على وجه معرض للهيب تنور , وأسرعت يد صقر فدخلت في جيبه وأخرج ليرة دفعها إلى يد أم محمد المفتوحة المنتظرة.
    عندما أخذت المرأة الليرة دستها في جيبها الخفي تنفس صقر وهز رأسه وقال بينه وبين نفسه:
    -هم م م م.. الآن عرفت ماذا يجب أن أفعل.
    في صباح اليوم التالي خرج صقر من دار محمد مبكرا .. فطاف على مواقف الباصات , كان الناس في موقف باص الشيخ محي الدين يتقاطرون على باص واقف وكان هو على مسافة كبيرة منهم ,وحين هم بالاتجاه إلى الموقف شعر بيد تمسك بكتفه بقوة آلمته والتفت وإذا برجل ضخم الجسم أسمر الوجه , وبجانبه غلام تبين أنه " صفي".
    وقال الرجل للغلام :
    -أهذا هو صقر؟
    -نعم إنه هو ..
    أجاب صفي.
    وقال الرجل لصقر:
    -امش
    -إلى أين؟..
    -الآن ستعرف.
    -ارفع يدك عني ...أقول لك ..ارفع يدك عني..يا ..يا..
    -امش أحسن ما خربطلك واجهة وجهك.
    -من أنت حتى تقول لي هذا الكلام؟
    -في مخفر الشرطة تعرف من انا..
    تلاشت مقاومة صقر بعد أن كان يقاوم ويشتم ويحاول التملص والفرار ..خصوصا عندما رأى أن سيارة جيب كانت بانتظاره على مسافة خمسة أمتار.
    يتبع
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #7

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وبأمر من الرجل رفع صقر وصفي قدميها بغية القفز إلى السيارة من مؤخرتها , تعثر صقر فأسك به الرجل كأنه ريشة طائرة من تحت إبطه وأصعد ه ورمى به داخل السيارة . هناك شاهد أربعة غلمان آخرين شعث غبر الوجوه . كان هو أحسن حالا منهم جميعا , فقد كانت أم محمد قد ألبستهم أمس ملابس مغسولة علامة الرضى عنه.
    ألم يأتيها بالمزيد من الدراهم؟
    كما ساهد في السيارة رجلين آخرين , وعندما وصلت سيارة الجيب إلى القصر العدلي , شاهد صقر سيارات جيب أخرى تفرغ حمولتها من الغلمان والرجال على السواء . ثم وردت سيارة كبيرة كانت حمولتها أكبر حمولة بين السيارات.
    وأوعز رجال الشرطة إلى الأولاد جميعا بدخول القصر , حيث ساقوهم أمام مكتب قاضي التحقيق.
    لأول مرة يشاهد صقر هذا البناء الضخم الراسخ الأركان , كأنه الود ذا الواجهة المرتفعة الشامخة وتلك الردهات المترامية الأرجاء , الذي تتجاوب الأصوات في جنباتها بأصداء متداخلة والتي تزدحم بالناس الذين تبدو حجومهم صغيرة جدا بالنسبة لسقوف القصر القصية الذاهبة صعدا في العلاء وبرجال القصر العدلي مثله ؟ وأحس برعشة تغزو كيانه كله وتمنى لو كان يعرف واحدا فقط , واحدا ممن يقفون هناك , لماذا ينظر إليه الناس الواقفون في الردهات , لماذا التفتوا دفعة واحدة إليه وإلى الغلمان الذين الذين يواكبونه ؟. وناجى نفسه قائلا.:
    -ماذا يراد بي , ولماذا أتوا بي إلى هذا المكان ؟ يا الله ماذا فعلت , بعض أعقاب السكاير التقطتها واستوفيت عنها أجرا من أبي معروف. هل عرفوا بما نشلته من جيوب الناس المزدحمين على أبواب الباصات ؟ ولكن أحدا من هؤلاء الناس لم ينتبه له , بلى لن واحدة من النسوة كانت تمسك بيد ولدها صاحت سرقت , سرقت اقبضوا على الحرامي فجمد في مكانه لا يتحرك وكأنه لم يفعل شيئا , وبذلك تحولت الشبهة عنه , وصعدت المرأة إلى الباص , وانتهى الأمر.
    طال انتظار صقر ورفاقه امام مكتب قاضي النحقيق , فقد كان القاضي يطلبهم واحدا واحدا , حيث يلبث واحدهم زمنا طويلا , ماذا يفعلون هناك؟ لعلهم يعذبون , وشعر بغصة تضعد إلى حلقه.
    لم يكن صقر يستطيع ان يتصل بمن يخرج من مكتب القاضي , فقد كان رجال الشرطة يسيرون بمن يخرجون إلى سلم حيث ينحدرون لا يدري أين يغدو مستقرهم.
    كانت وجوه الأولاد الخارجين من مكتب القاضي كما كانت لم تتغير وهذا ما أدخل شيئا من الطمأنينة على نفسه. الأرجح أن ليس هناك تعذيب.
    نودي لصفي قبل صقر , ولبث عند القاضي قليلا وإذا بصقر يطلب هو أيضا , دخل وقلبه واجف عيناه ذابلتان يقدم رجلا ويؤخر الأخرى دفعه الشرطي في النهاية دفعا وهو يقول له:
    -مالك؟ تقدم أقول لك.

  8. #8

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني


    وإذا صفي لا يزال هناك يجلس على كرسي .. إذن , فالذين دخلوا قبله كلهم جلسوا على كراسي ..كان هناك أيضا أبو معروف , وكان بمواجهة القاضي.
    لأول مرة يسأله شخص عن اسمه واسم أبيه واسم أمه ومكان إقامته ارتبت كثيرا حين سأله القاضي عن كل هذه الأسماء , فهو لا يعرف اسم الحارة التي يسكن فيها.
    اغتاظ القاضي من نفيه لكل هذا وإنكاره معرفة كل هذه الأيماء وهز رأسه وهو ينظر إليه نظرات ساخنة , وقال القاضي موجها كلماته إلى صفي:
    -أهذا هو صقر الذي تكلمت عنه؟
    واجاب صفي :
    نعم هذا هو .
    وقال القاضي موجها كلماته لأبي معروف :
    -كيف كنت تتعامل مع صقر؟
    -لا أعرفه ولم أتعامل معه.
    تساءل صقر في سريته : بماذا أساء لصفي حتى يتكلم عنه القاضي , ظن ان القاضي جاء طوعا إلى قاضي التحقيق وفضحه , ولكنه أدرك بغريزته أن القاضي كان يمهد لانتزاع إقرار من أبي معروف , فدله حدسه على أن مصلحته هو بدوره أن ينكر معرفته لأبي معروف وهكذا فعل.
    لم بعد يذكر صقر كيف جرت الأمور من بعد , فقد قام قاضي التحقيق عن مقعده وقال لرجال الشرطة الذين يقفون بين يديه:
    -هلموا بنا نكشف على الأماكن ..
    أية أماكن ؟ -لم يستطع صقر أن يفسر هذه الكلمات.
    في تلك اللحظة دخل موظف على قاضي التحقيق وخاطبه قائلا:
    -سيادة القاضي جاء نفر من رجال الضابطة يخفرون سارق السيارات:
    وأمر القاضي بإيداع المتهم بسرقة السيارات أمانة في نظارة التوقيف إلى أن تعود هو من الكشف وخرج مع رجال الشرطة الذين أوعزوا إلى صقر وصفي وأبي معروف وإلى أشخاص وغلمان آخرين عدتهم ثمانية للسير معهم.
    عاد هؤلاء وأولئك جميعا إلى سيارة جيب كانت تنتظرهم أمام باب القصر العدلي ولما كانت لا تستوعب هذا العدد فقد أتي بسيارة جيب ثانية وتحركت السيارتان وعندما توقفتا , هبط الجميع وأشار ضابط إلى مدخل بناية دخلها القاضي وأربعة أولاد من الغلمان المخفورين ورجلا في الخمسين من عمره برتدي شروالا وميتانا وعلى رأسه طاقية بيضاء مزركشة بخيط أسود , حيث شاهد الجميع مكانا تحت درج لإحدى البنايات طوله متر ونصف وعرضه قرابة متر , ليس له جدار ولا سقف , فالجدار والسقف اندماجا ليكونا ظاهر الدرج من الأرض مباشرة بميل شديد , وقد ركب له باب من الأخشاب المتعارضة غير المنجورة لا من الباطن ولا من الظاهر.
    ص23

  9. #9

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وفرشت أرضه بقطع كرتون متخلفة عن علب كرتونية مما يستورد فيه علب حليب نستلة , وقد اسودت معظم جنباتها وتلطخت بالمواد الدهنية , وخرجت إلى الأنوف من ذلك المكان روائح الرطوبة والعفن الخادشة لحاسة الشم وقال رجل من رجال الضابطة للقاضي:
    -هذا المكان ضبطنا فيه أول أمس في وقت الفجر غلمان نائمين هم هؤلاء.
    وسألهم القاضي :
    -من عين لكم هذا المكان لتبيتوا فيه ؟
    وأجاب واحد منهم
    - أبو معروف .
    وسكت الباقون علامة الموافقة.
    وقال القاضي :
    -هل تشتغلون لحسابه؟
    وأجابه غلام آخر:

    -نعم , ننشل ونأتيه بالدراهم فيقسمها معنا.
    بعد ان تم الكشف عاد الجميع بأمر من القاضي إلى السيارتين و ولم يمض على ترحكهما بضع دقائق حتى توقفا مرة ثانية وهبط الجميع.
    في هذه المرة لم يكن الأمر يعني حجرا ولا صفيا , ولكن صقر لم يعد يذكر كيف جرت الأمور من بعد فقد قام قاضي التحقيق عن مقعده وقال لرجال الشرطة الذين يقفون بين يديه:
    -هلموا بنا نكشف على الأماكن .
    ..أية أماكن ؟ لم يستطع صقر أن يفسر هذه الكلمات ..
    في تلك اللحظة دخل موظف على قاضي التحقيق وخاطبه قائلا:
    -سيادة القاضي , دخل موظف على قاضي التحقيق وخاطبه قائلا:
    -سيادة القاضي , جاء نفر من رجال الضابطة بخفرون سارق السيارات:
    وأمر القاضي بإيداع المتهم يسرقة السيارات أمانة في نظارة التوقيف إلى أن يعود هو من الكشف وخرج مع رجال الشرطة الذين أوعزوا إلى صقر وصفي وأبي معروف وإلى أشخاص وغلمان آخرين عدتهم ثمانية , للسير معهم.
    عاد هؤلاء وأولئك جميعا إلى سيارة جيب كانت تنتظرهم أمام باب القصر العدلي ولما كانت لا تستوعب هذا العدد فقد أتى بسيارة جيب ثانية وتحركت السيارتان , وعندما توقفتا , هبط الجميع وأشار ضابط إلى مدخل بناسة دخبها القاضي وأربعة أولاد من الغلمان المخفورين ورجلا في الخمسين من عمره يرتدي شروالا وميتانا وعلى رأسه طاقية بيضاء مزركشة بخيط أيود , حيث شاهد الجميع مكانا تحت مطلع درج لإحدى البناسات طوره متر ونصف وعرضه قرابة متر , ليس له جدار ولا سقف فالجدار والسقف اندمجا ليكونا ظاهر الدرج الصاعد من الأرض مباشرة بمبل شديد , وقد ركب له باب من الأخشاب االمتعارضة غير المنجورة من الباطن ولا من الظاهر.
    نعتذر هناك خطا في النسخة بين أيدينا وكان النقص في الصفحة 25-26
    *********
    وجد صقر نفسه ينحدر على السلم لذي شاهد أحدهم ينحدر فيه قبل قليل .. كان بارد الحركة خالي الذهن .. ينظر ما سيكون من أمره في أسفل السلم.
    وحين وصل وجد شبكا من الحديد , أسرع واحد من رجال الشرطة فادخل مفتاحا في قفل الشبك فصر صريرا مزعجا وانفتح الشبك الكبير العريض ودخل الأولاد والرجال جميعا. ثم أغلق الشبك ثانية ودار المفتاح فيه بالاتجاه المعاكس.
    كان المكان فسيحا وفيه مقاعد طويلة يتسع الواحد منها للعدد الذي تريده .. وكان هناك رجال آخرون يشاهدهم صقر لأول مرة.
    هب واحد منهم متجها إلى الشبك وتبعته أنظار صقر , فإذا على الشبك من الجهة المقابلة امرأة مسنة ترتدي ملاءة وهي تبكي:
    -يا ولد يا جابر يا ملعون ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ألم أنهك عن معاشرة صبيان الأزقة ..لم تسمع كلامي , الذي يخفف رأسه تتعب رجلاه.
    " خرجك الله لا يقيمك"
    وأجاب الفتى ووجهه متجهم وعبراته تكاد تسقط على خديه:
    -لم أفعل شيئا يا تيـ..تة ..أنا بريء ...والله بريء..
    -لماذا إذن وضعوك هنا؟..
    -دغمروني ..وأنا بريء ..سيرانا القاضي للمرة الثانية ..إحك لي معه ليطلعني..
    ص 27

    يتبع
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  10. #10

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني


    -أنا أحكي مع القاضي ؟.. ومن أنا حتى أحكي معه؟ قل الآن هل أنت جوعان؟
    -ليست لي شهية للطعام , أريد ان اخرج.
    -إذا كان لك نصيب ..
    ثم ذهبت المرأة وبحث صقر في زوايا ذاكرته , أليس له شخص يسأل عنه هو أيضا؟ .. من ذا الذي يسأل عن صغير مثله لا أم له ولا أب , أم محمد ..؟ في حياتها لم تسأل حتى عن جيرانها ..لا..لا يجب ان لاتعلم وإلا كان مصيره حين يطلق سراحه ..يا لطيف .وارتد بائسا وقد ارتسم على وجهه حزن شديد . إنه فريد من نوعه ولكن من حيث وحدانيته في هذه الحياة .. من أين أتى من أبوه ؟ من أمه , عادت هذه الأسئلة تحفر في دماغه حفرا , ألا يجب البحث عنهما .. ولماذا البحث ؟ لا حاجة لأحد على الإطلاق .
    وتذكر فجأة أبا لبادة ..صحيح أنا لم أشاهده أبدا بين هؤلاء الاولاد الذين حشروا معي اليوم في السيارة .. أين هو ؟ إنه حتما طليق . القذر عملها وفركها " والعجيب أنه أفلت من يد الشرطة وعلق يجب أن يكون في موضع هذه الست . هذه الجدة التي جاءت وبحثت عن حفيدها , وانتظر وقال لنفسه لعله يحضر بعد قليل . ومضت الساعات ولكن أبا لبادة لم يظهر.
    وتذكر صقر فجاة ان أبا لبادة لا يستطيع ان يظهر او يحضره لعله ملاحق تسأل عنه الشرطة . لإإذن فقد أبو لبادة هو في كل الأحوال لاي ستطيع ان يخلصه , إن صفي قد وشى بأبي لبادة ما في ذلك ريب , كما وشى به هو ولكن يبدو أن أبا لبادة قد اختفى في الوقت المناسب , إنه مثل الزئبق , إنه يعرفه.
    إذن فقد علقت وحدك يا صقر , في المرة الآتية كن أخف حركة مما أنت الآن , بماذا أخطات حتى قبض عليك, لقد ذهبت مباشرة إلى موقف الباص , كان يجب ان تلتفت يمنة ويسرة , ان تنتقل بسرعة وسيولة , لقد تعلمت الىن ان منظر سيارة الجيب هو إنذار لك, الملاعين رجال الشرطة سيارتهم الجيب كأية سيارة جيب اخرى ليس لها علامات فارقة.
    آه لو أخرج من هذا المكان كنت أفعل الأفاعيل , ام ان من الخير ان أقلع عن كل هذا النشاط ؟ لا أريد المطلوب دراهم .
    واحس بيد تمسك بيده والتفت فوجد احد الاولاد الموقوفين معه يبسم له قال له:
    -هذه أول مرة تغشى فيها دور التوقيف؟
    -اهي دار توقيف ؟ حبس؟
    -وماذا تراها إذن؟
    -نعم . وانت؟
    لم يرد الغلام وإنما نظر إلى صقر نظرة ذات معنى ,واحس صقربأن قلبه قد هبط ثم ضحك الغلام وقال:
    -هذه رابه مرة يدخلني هؤلاء الملعوني الوالدين إلى دار التوقيف ثم سمع دقات قلبه وقال الغلام مضيفا :
    -لاتحزن , ليس في الأمر مايحزن أبدا ولو بلغ الأمر ذروة السوء فليس امامنا سوى معهد الاحداث . هناك تأكل وتتعلم مهنة.
    لايعلم صقر ماهو معهد الاحداث , لهذا هاله الأمر جدا وكأنه لم يسمع الكلمات الأخيرة , وقف سمعته عند كلمة معهد الأحداث الجانحين تعقب قول الغلام هذه رابع مرة.
    ظل عقله يردد حديث الفتى :
    دار التوقيف . حبس دار التوقيف واخيرا وبعد ان مضى عليه ساعات ينظر إلى الشرطي المناوب يروح ويجيئ امام الشبك من الخارج تعب ذهنه وكانه أغفى , فلما أفاق كانت الشحنة العصبية قد زالت او كادت فلم يعد الهاتف الداخلي يعذبه وتفتح ذهنه قليلا وقال في نفسه:
    -انا لاأرى ادوات تعذيب ولا عصيا للضرب ولا ما يشبهها , لعل ماأفادني به هذا الفتى صحيح ؟ والآن ماالعمل ؟ لاشيئ الدنيا هدوء في هذا الليل , نحن في نظارة التوقيف والناس نيام.
    مر الزمن بطيئا , بالرغم انه مستسلم لما هي عليه الأمور , يبدو ان الاستسلام لايسعف في استعجال مرور الزمن . ومع ان الفجر قد اقترب , وهذا ظاهر من خيوط الظلام التي تتسرب من نوافذ القبو المستطيلة الرفيعة فإن من الديكة لم يسمع صياحه كما كانت تفعل حين كان ينام دار أم محمد . الأمر مختلف هنا.
    ص 31
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •