تغيير التركيبة السكانية في سورية، هو العمل الأكثر وضوحاً في إستراتيجية نظام بشار الأسد ومشغليه الإيرانييون، وهذه الحقيقة بدات تكشف عن نفسها بشفافية ووضوح لا يخجل منها مرتكبوها..وفي حين كان شباب سورية الثوار يحلمون بالعبور الى عالم الحداثة والحرية بسورية الموحدة، كان ثمة من يضع خريطة سورية على ماكيت التشريح، وراح يرتب صناعة مشهد جديد للبلاد، يقوم على قاعدة إعادة صياغة التركيبة السكانية والخريطة الجغرافية وإخراج سورية جديدة للوجود.من دمشق الى حمص وصولاً الى الساحل السوري، تعمل ماكينة التقسيم والتهجير الإيرانية على فرم عناصر الهوية السورية والعبث بمكوناتها وذلك في سياق خطة طويلة المدى لما يسمى"إعادة رسم الخريطة الديمغرافية السورية"، وفي هذا المسار جرى حتى اللحظة، وبحسب مصادر مطلعة، منح ما يقارب 750 ألفاً من إيران ولبنان والعراق واليمن الجنسية السورية منذ بداية الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، وكشفت المصادر أن النظام الإيراني دفع حوالي 2 مليار دولار للمصرف العقاري السوري في الأشهر الأخيرة لشراء مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي والآلاف من المنازل في جنوبي محافظة حمص، لإحلالهم محل مئات الآلاف من السكان السنّة الذين تم تطهيرهم عرقياً وتدمير قراهم وبلداتهم بشكلٍ كامل، ثم يتم بعد ذلك نقل المزارع والمحلات التجارية وغيرها من الممتلكات إلى ملكية "المواطنين الجدد" أو المجنسين، وقد قامت قوات الأسد مؤخراً بحرق مكتب تسجيل الأراضي في مدينة حمص، حيث يتم فيه تخزين وثائق الأراضي والملكية وتسجيل المنازل وغيرها من الممتلكات في المدينة والمحافظة، يذكر أن هذه السجلات لم يتم حوسبتها بعد ما يعني أن جزءاً كبيراً من الوثائق الرسمية التي تثبت ملكيات مئات الآلاف من المواطنين قد دمرت في هذا الحريق!وفي دمشق اتبع النظام ومن خلفه حلفاءه الإيرانيين تقنيات جديدة بهدف تغيير الواقع الديمغرافي للمدينة، التي يبدو انها تقع تحت ضغط مكثف من اجل إفراغها من سكلنها الأصليين، فقد أصدر النظام المرسوم التشريعي رقم 66 بتاريخ 19 أيلول 2012 القاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة “دمشق” ضمن المصور العام لمدينة دمشق، ومن الواضح أن خطط الهدم تطال الأحياء الثائرة في جنوب دمشق وصولا إلى حرستا. وهو ما يؤكد على نية التغيير الديمغرافي لإعادة تركيب العاصمة والبلاد إداريا واقتصاديا وسياسيا، وذلك في إطار عملية تفريغ ممنهجة تهدف الى فرض أمر واقع على سورية.وفي هذا الإطار يعمل النظام على فرض امر واقع يمنع عودة المهجرين، إذ تفيد شهادات السكان في بعض مناطق دمشق الجنوبية، السبينة، أن النظام رفض عودة أهلها اليها تحت ذريعة عدم إنتهاء عمليات "التطهير"، في حين سمح لعودة الحياة الطبيعية في منطقة "السيدة زينب" الملاصقة، والتي وبحسب شهادات السكان أيضا، أصبحت محمية إيرانية بكل معنى الكلمة، وتشير تكتيكات النظام في مناطق جنوب دمشق وداريا الى عدم وجود رغبة من قبل النظام للحسم في هذه المناطق حتى يصار الى تدميرها بشكل اكبر، وحتى يمل اهلها ويبحثون عن بدائل اخرى كالهجرة الى الخارج، أو بيعها لجهات إيرانية بعد ان تصبح أرضاً غير صالحة للسكن البشري.غير ان الفعل الذي يثير الإنتباه هو ما تقوم به السفارة الإيرانية بدمشق،وذلك عبر شراء العديد من العقارات التي يتركها الدمشقيون، وتعمل السفارة على استغلال الظرف الأمني والاقتصادي الذي تمر فيه دمشق والدمشقيون. فقامت بشراء فنادق عديدة في البحصة حول المركز الثقافي الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق شراء جزئي أو كامل بأسماء شخصيات تدور في فلكها، كما سعت إلى شراء عقارات واسعة جداً في مدينة دمشق القديمة في المنطقة الممتدة من خلف الجامع الأموي وحتى منطقة باب توما وخصوصاً في منطقة غرب المريمية، كما تركز بشكل خاص على المناطق القريبة من المدرسة المحسنية التي بات يصفها الجوار بأنها صارت مقراً للجاسوسية. يشار أن إيران استطاعت مؤخراً القضاء على التيار الشيعي الدمشقي الاصيل في سورية بعدما قامت بتصنيع تيار شيعي دمشقي مرتبط بإيران روحياً ومادياً.ولعل العمل الأخطر الذي تقوم به إيران هو محاولة السطو على التاريخ العربي في دمشق، من خلال إحتلال المقابر والأضرحة بحجة انها لأل البيت، وتحويلها الى مزارات محتكرة لأتباع إيران، كما حصل في مقبرة "باب الصغير" وسط دمشق، اذ ثمة مخاوف لدى الدمشقيين من قيام جواسيس إيران بسرقة تلك الأضرحة ونقلها الى قم وطهران.لا شك ان هذا التغيير الواسع في الخريطة الديمغرافية السورية، عبر عمليات التجنيس والتهجير الكثيفة لمكون سوري بعينه، وإحلال سكان اخرين من مكون أخر، هو عمل ممنهج تقوم به عصابة الأسد، المدعومة بعشرات الاف المقاتلين التابعين لإيران، وذلك لتحقيق أغراض إيرانية بعيدة المدى، لعل اهمها منح عناصر الميليشيات المقاتلة الجنسية السورية، والمحاججة بانهم سوريون في حال تم التوافق السياسي على إخراج جميع المقاتلين الأجانب من سورية، وثانيا من أجل إستخدام هذا العدد، الذي يشكل كتلة تصويتية مهمة في أي استحقاق قادم يتعلق بهوية سورية وحدودها، وثالثاً، التمهيد في مرحلة لاحقة ربما ووفقًا للمتغيرات الميدانية والعسكرية على الأرض، من مد مساحة وجغرافية هذا الامتداد الطائفي إلى شرق سوريا ومحاولة وصله بالعراق، وهو الأمر الذي من شأنه أن يبقي المشروع الإيراني حيّا، ويتحوّل السكان الأصليين في سوريا ولبنان والعراق إلى أسرى للحصار الإيراني وتحت رحمته.وتدل هذه البانوراما المختصرة على استهداف طال الأكثرية السكانية من العرب السنة ومراكزها العمرانية الكبرى، وكأن المقصود بعد بغداد وبيروت والقدس استكمال تهميش هذه المدن التاريخية وتغيير وجهها الأساسي. وبما أن الغالبية الساحقة من المهجّرين والنازحين تنتمي إلى الطائفة السنية، يطمح دعاة تحالف الأقليات إلى تركيب قاعدة أكثرية بديلة للحكم.لم يعد ثمة شك بان بشار الأسد ليس سوى عامل صغير في إمبراطورية ولاية الفقيه، وان مشروعه الاهم الان بات يتمثل بترسيخ مرتكزات هذا المشروع الممتد من طهران الى صور جنوب لبنان، وهو المشروع الذي صرفت عليه طهران حتى اللحظة مليارات الدولارات، والخوف ان يأتي يوماً، في ظل السكوت العربي والعالمي، ونبكي دمشق التي راح الطغاة يلبسونها ثوباً فارسياً غريباً عنها.غازي دحمان – كاتب في أخبار الآن
المصدر:
http://www.globalarabnetwork.com/studies/12691-2014-05-28-20-35-26