كتب مصطفى بونيف

تعـــددت الكراسي والمقعد واحد !


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

في الماضي سمعت أغنية ماجنة فرنسية يصرخ في مطلعها المغني ( أتمنى أن أكون كرسيا في صالة كوافير نسائية !) ... ولم أتفهم شعور هذا المطرب إلا حينما وقعت عيني على محل كوافير للنساء !.
تجلس الواحدة منهن بكل لطف منتظرة دورها ..لتصبح أجمل ، ولا تترك الكرسي إلا بعد أن تملأه عطرا ..والعكس صحيح في بعض صالات حلاقة الرجال والتي تكاد تكون الكراسي فيها أشبه بمقاعد المراحيض أكرمكم الله .
دعاني الحلاق للجلوس على كرسي الحلاقة حاملا في يده ( الموس) فكان أشبه بذباح خروف العيد ..تقدمت بخطوات متثاقلة ، وارتميت فجأة على الأريكة التي كانت تبدو لي منتفخة ، وما إن جلست عليها حتى وجدت نفسي وجها ..ل..ل..لوج..ه مع حديدة كادت أن تدخلني إلى عالم الزاهدين في الزواج لولا أن ستر الله !.
بلا شك فإن الكرسي الذي أجلس عليه عند طبيب الأسنان يختلف كليا عن ذلك الذي عند الحلاق ...
دعاني الطبيب للجلوس على الكرسي حاملا في يده شيئا يشبه المفتاح الإنجليزي .فجلست..وللأمانة كراسي أطباء الأسنان هي خمس نجوم ...
وعلى غير العادة طلب مني الطبيب أن أفتح فمي ..ففتحته وأنا أحمد الله لأنني سمعت أن هناك بلادا يخلع فيها الضرس عبر فتحتي الأنف ! .
كان الجلوس على الكرسي مريحا لولا ذلك الألم الذي يصاحب قلع الضرس المسوس ..خرجت من العيادة وأنا أمني نفسي بكرسي مريح ..ولأنني مواطن من الدرجة الثالثة فإن قدري أن أجلس على كرسي الأتوبيس ..
بعد أن لفحت الشمس رأسي وأنا في انتظاره ..تمكنت من أخد مكاني وكعادتي حجزت المقعد الذي جنبي لأجمل فتاة كانت تقف في المحطة ، لأنني لا أتفاءل بالمشوار إلا إذا جلست بقربي فتاة جميلة ، وفي كثير من الأحيان يقتحم المقعد الذي بجنبي رجل يفرض نفسه بالقوة ..فأستسلم للأمر الواقع صاغرا ..! .
ألقيت بثقلي على كرسي الأتوبيس والذي حديدته تقطع الخلف ، من أجل ذلك أنصح أصدقائي من الرجال أن يتفحصوا الكراسي قبل أن يجلسوا عليها و قبل أن تقع الفاس على ال ..الرا..س ...وتصبح فضيحتهم بجلاجل ..
لم أنس تلك الآلام المزمنة إلا عندما جلست بقربي فتاة ..( عيناها سبحان المعبود ، فمها مرسوم كالعنقود ) ..اقتربت منها وهمست في بلاهة منقطعة النظير : ( كم الساعة ؟) ، فأجابت في رقة ( الساعة الواحدة والنصف )..
قلت :- الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف النهار أم بعد منتصف الليل ؟
ضحكت وكانت ضحكتها أنغام وورود ثم قالت
- وأنت ما رأيك ؟.
فأجبت في غزل صريح " يبدو لي أنها الواحدة بعد منتصف الليل لأن القمر كله يجلس على الكرسي بقربي "..ثم سألتها بمناسبة الكرسي " هل تشعرين بشيئ ما ؟" ..مع أنه يبدو لي أن النساء لا يعانين من كراسي أتوبيسات هذه الأيام كالرجال ! .
وعند نزولي في المحطة لم يشأ الكرسي أن يتركني دون أن يمزق أحد أسلاكه الشائكة مؤخرة سروالي ..!!.
كرسي آخر من الكراسي المهمة المقدرة على المواطن ..كراسي مكاتب التحقيق والشرطة ...
يستقبلك الضابط ..ويدعوك للجلوس على كرسي الاعتراف والذي يبعث فيك الشعور بأنه مكهرب دون أن يوصل بالكهرباء !...فبمجرد أن تجلس عليه حتى يقف شعر رأسك ، وترتعد أوصالك ..ويرتخي رأسك كاشفا عن قفاك التي يتفنن ( عمي المخبر) في ضربها بكفه المتين !.
وتحت الضربات الترجيحية لعمي المخبر ( حفطه الله) ..يسألني الضابط :
- أين كنت في الساعة الواحدة والنصف ؟.
فأسأله ببراءة لا تختلف عن براءة سؤالي لفتاة الأتوبيس ..( الواحدة والنصف بعد منتصف النهار أن بعد منتصف الليل ؟ ) ...يصرخ الضابط غاضبا ..( وما الذي يجعلك تخرج بعد منتصف الليل ؟) ..
فأجيبه يائسا ..
( في كثير من الأحيان نفعل نحن المواطنون أشياء نستحق عليها ضرب الجزمة !) ...;ويسترسل صاحبي المخبر في ضربي على القفا الذي انكشف بمجرد جلوسي على الكرسي ! .
هناك أنواع أخرى من الكراسي يعتبر مجرد الجلوس عليها بدعة منكرة ..
وهي تلك الكراسي التي تدور في مكانها ..
حدث وأن انصرف مديري في العمل إلى الحمام فجأة بعد أن أصابه تلبك معوي تاركا مكتبه ..فقررت أن أجرب الجلوس على كرسيه الدوار !.
والذي يراني جالسا على ذلك الكرسي يقول أنني سيناتور في الكونجرس ..حتى أنني رسمت على ورقة حيزين كتبت على أحدهما إيران والآخر سوريا ..لأقدم اقتراحا لأعضاء الكونجرس لضرب الدولتين ، ورسمت خارطة طريق لحل القضية الفلسطينية وذلك بحرمان حركة حماس من الجلوس على الكراسي ...ما أفخم كراسي المديرين ، على العكس من كراسي الموظفين التي تتسبب فيما يسمى بالبواسير !!.

حقا إن الكراسي تختلف ليس بأشكالها فقط ، ولكن في الشعور الذي يصاحبك طوال الجلوس عليها ..فأنا مثلا لا أكتب إلا حينما أجلس على كرسي محدد ، وإذا حدث أن اختفى ذلك الكرسي فأغلب الظن أنني سوف أعتزل عالم الكتابة إلى الأبد .
كرسي آخر مهم في حياتي بصفتي مواطن .. وهو كرسي المقهى الخشبي والذي بمجرد أن أجلس عليه أشعر بتنميل في كافة أنحاء جسمي مما يدفعني لطلب كأس من الشاي وسيجارة ...أو شيشة ...ثم أنطلق في تقديم التحاليل ..تحليل الأحداث السياسية ، وتحليل أسهم البورصة ، وتحليل مباريات الدوري ، وتحليل البول ...كل شيئ قابل للتحليل بمجرد أن أجلس على هذا الكرسي .
أضع رجلا على رجل ..لأتحول إلى حسنين هيكل ..
إن ما يحدث في الساحة هو أزمة سياسية ألقت بظلالها على الاقتصاد الذي يتاثر عكسا وطردا بالمتغيرات التي تعرفها المنطقة ، خاصة وأن مؤشرات التنمية البشرية في تنازل مستمر في العالم العربي الذي يتفاعل كقطعة الدومينو مع بقية العالم ، وأرجوكم لا تسألوني لأنني شخصيا لا أفهم شيئا ...
ثم أخرج غائبا في الزحام ...مخلفا ورائي الجريدة ..!!.
هناك كراسي ..لا يمكنك أن تجلس عليها حتى يأذن لك الشعب بالتصويت ...كرسي نيابة البرلمان ، وكرسي الرئاسة ...تلك الكراسي التي بمجرد أن تجلس عليها يطلق عليك لقب الفخامة ..
أعود وأتذكر الأغنية الفرنسية لأصرخ ( ليتني أكون كرسيا في قصر الرئاسة ) ...لأنه إذا قدر لي أن أكون كذلك ..فسأكون حتما الحديدة التي تقطع الخلف !.


مصطفى بونيف