منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 18 من 18
  1. #11
    بهاء طاهر لـ«المجلة الثقافية »:
    حصة الثقافة في مجتمعنا العربي رمزية هزيلة وتخضع للرتابة والرقابة
    .................................................. ........................................

    * القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد الصادق:
    للأديب والروائي بهاء طاهر مكانة مميزة على خارطة الأدب المصري والعربي فهو يعد من جيل الستينيات ذلك الجيل الذي عاصر أحداثا وأحلاما وآمالا وتطلعات ومشروعات نهضوية كبرى ونكسة وانكسارات ومرارات كبرى ايضا.
    ورغم ذلك ما يزال يثري الساحة الأدبية بإبداعاته ونجح في إقامة عالمه الإبداعي الخاص بالعديد من أعماله التي منها مجموعته (الخطوبة) وشرق النخيل ومجموعته (بالأمس حلمت بك) و(خالتي صفية والدير) التي تم تحويلها إلى مسلسل في التلفزيون و(ذهبت إلى شلال) و(قالت ضحى) و(الحب في المنفى) وغيرها.
    نجح بهاء طاهر في المزاوجة بين كونه أديبا مبدعا وكونه مثقفا يلتحم مع قضايا الجماهير وتجلى ذلك عندما شارك مؤخرا في تأسيس حركة (أدباء وفنانون من أجل التغيير)..
    صدر لبهاء مؤخرا روايته (نقطة نور) كما صدر له قبلها كتابه (في مديح الرواية) وقد احتفلت به دار نشر مجدلاوي بالاردن مؤخرا بمناسبة صدور كتاب في عالم بهاء طاهر التقيناه وكان هذا الحوار..
    * يرى البعض أن الكتابة الأدبية أصبحت غائبة وغير مؤثرة؟
    - الكتابة غيرمؤثرة لأن هناك من يريد لها ذلك وإذا ما أريد لها أن تكون مؤثرة فإن ثمة قوى لا تريد لها أن تصل للجمهور، أمامك التليفزيون والثقافة الالكترونية والإذاعة انظر إلى حصة الثقافة في كل هذه الوسائل إنها حصة رمزية هزيلة جدا وتخضع لشتى أنواع الرتابة والرقابة، غير مسموح لك أن تقول ما تؤمن به لهذا أرى أن التكريم الحقيقي غير موجود لأن الإيمان بالثقافة ودورها يتطلب أن نخوض معركة تعيد للثقافة دورها في الإنهاض والتغيير، وهناك كثير من الكتاب الذين يخوضون هذه المعركة وهم خارج جناح السلطة.
    * وكيف ترى علاقة الروائي بالأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة العربية الآن؟
    - الكاتب رسالة وكل عمل مكتوب رسالة وهذه الرسالة إما أن تزيد من وعيك بالواقع المحيط بك، وبعلاقتك الإنسانية المتشابكة، والسياسية، وإما أن تغيب هذا الوعي، حتى تغييب الوعي يعتبر نوعا من الفعل السياسي، ولذلك أعتقد أن تجاهل الكتابة في السياسة هو نوع من فصم العلاقة بين الكتابة السياسة. فكل كتابة في الأدب في العالم هي كتابة سياسية، حتى الكتابة التي تزعم أنها تبتغي وجه الفن الجميل وحده.. هي أيضا كتابة في السياسية فالسياسية موجودة في كل عمل مكتوب.
    * هل تشعر بالإحباط والهزيمة كما يشعر أبطالك المهزومون دائما؟
    - أتذكر هنا مقولة تشيكوف (عندما أكتب عن أشياء محزنة، فأنا لا أدعوكم للبكاء وإنما أدعوكم إلى التفكير في السبب أو الأسباب التي دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هي عليه).. وإلى أن تغيروا الظروف ولكن يتشكل الواقع كما تراه العين الناقدة، لكن نستطيع أن نستفيد من هذه الرؤية الناقدة في تغيير هذا الواقع، أو تغيير ما نرفضه في هذا الواقع من هنا فلا يمكن أن تتهم كتابتي.. ولا كتابات أي مبدع آخر بالهزيمة لأنها دعوة للتسليم وإنما هي دعوة للتفكير والتغيير.
    وحدة وطنية
    * أحداث العنف التي شهدتها مدينة الاسكندرية تستدعي تجربتك في روايتك خالتي صفية والدير فماذا عنها وماذا عن تجربتك في كتابة الأعمال المرئية؟
    - بالفعل في خالتي صفية والدير أردت أن أقول فيها: إن المجتمع المصري نسيج مكتامل.. وإن هذا النسيج المتكامل عاش على أرض هذا الوطن في القرون المتتالية قديما وسيظل يعيش برغم المظاهر التي توحي بعكس ذلك نتيجة الفتنة العابرة أوالكتابات التي تفتقر إلى الفهم أو إلى النية الحسنة.
    تعمدت فيها أن أشير إلى أن الجلايات التي تعيش فيها الرهبان في داخل الدير شبيهة بالبيوت في داخل القرية، وأنك لا تشعر بفارق حينما تنتقل من القرية إلى الدير نفس العادات، وربما لم آت إلا بحوار صغير جدا بين الرهبان ولكنه حوار مثل الذي يدور في القرى بين أهل الريف عموما، وتعمدت عن طريق أكثر من وسيلة أن أشير إلى أن حياة هذا المجتمع هي حياة واحدة.. سواء في بيت مسلم أو مسيحي، لم أكن أول من اكتشف ذلك فحتى أعتى خصومنا (اللورد كرومر) اشتكى من انه لم ينجح في ان يستشير المسيحيين ليقفوا إلى جانب الإنجليز في فترة الاحتلال، وقال إنه لم ير فرقا بين المسلم والمسيحي في مصر، غير أن أحدهما يذهب إلى المسجد والآخر يذهب إلى الكنيسة. ولكن النص المكتوب له جمالياته وله خصوصياته وله خصائصة، والنص المرئي له خصوصيته وله جمهوره، فلا نفرق بين أفضلية أحدهم، ولكن الفن الجيد في أية حالة من حالاته فن قابل للحياة وقابل للاستمرار.
    ولا أزعم أن الكتابة لها فرصة الخلود أكثر من الفن المرئي، بدليل أننا حتى الآن نستمتع بأعمال (شالي شابلن) ونجيب الريحاني وغيرهم من الأعمال، كما نستمتع بقراءة الأدباء الذين كتبوا في هذه الفترة كطه حسين وغيره من الكتاب، فالأعمال المرئية لا تنفي الأعمال المكتوبة ومن هنا فلابد ألا نقع في سذاجة المفاضلة بين أعمال لا سبيل إلى المفاضلة بينها..
    * لكل مبدع طقوس خاص به في الكتابة فما هي طريقة بهاء طاهر؟
    - أنا لا اخطط سلفا للرواية أو القصة كما يفعل الكثيرون، ولا أعتبر نفسي قدوة في هذا الموضوع لكن تظل فكرة البحث فكرة صحيحية دائما، ولكن بينما تبدأ القصة بفكرة هلامية فإن عملية إعادة الصياغة تظل دوما عملية بحث عن جذور الموضوع، فالكتابة بالنسبة لي عملية بحث، فأنا أبدأ الكتابة وفي ذهني فكرة هلامية ثم الموضوع يتطور بشكل آخر تماما، أبدأ وقد سيطرت علي حالة نفسية معينة أو شخصية معينة ففي (خالتي صفية والدير) مثلا كنت أريد أن أكتب قصة قصيرة عن القس بشاي ولكن وجدت الاحداث فرضت نفسها على أثناء الكتابة، وفي (أنا الملك جئت) كنت جالسا في مكتبي بجنيف وكانت هناك عاصفة ثلجية شديدة عطلت كل مظاهر الحياة ولا أدري لماذا ذكرني منظر الثلج بالصحراء ولعل اكثر ما ذكرني بالصحراء الصمت، وأعتقد أن الكاتب لا يكتب لمجرد أنه أنه يجب أن يكتب ينبغي عليه ألا يكتب إلا عندما تصبح الكتابة ضرورية جدا مثل عملية المخاض بالضبط والقارئ يستطيع بذكاء شديد جدا التفريق بين ما هو حقيقي وأصيل وما هو كاذب ومصنوع..
    * ماذا عن تطورك الإبداعي كما تراه كناقد؟
    - عندما بدأت الكتابة في الخمسينات كان لدينا هدف هو تغيير المجتمع بعد ثورة يوليو ولم نكن على وعي كاف بما نود تغييره، وكانت الكتابة في ذلك الوقت إما رومانسية أو لغة كلاسيكية , ثم جاء يوسف إدريس بعاميته الجميلة ولم نكن نريد تقليد يوسف إدريس، ولكن كنا نريد الاستمرار في منحنى التغير، وكان لدينا نوع من الرفض للعاطفة السهلة التي تعبر عنها مضامين ولغة القصص الرومانسية وكنا نسعى لأن يكون الأدب وسيلة للتغيير للتعبير عن المسعى إلى تغيير مضمون وشكل الأدب إلى رؤية أكثر عقلانية وموضوعية للمجتمع.
    ثم أتت مواضيع قصصي التي عالجتها بعض ذلك في (بالأمس حلمت بك) و(قالت ضحى) والتي نحت ناحية الأسطورة ودخلت فيها عناصر ما وراء الطبيعة كانت تفرض لغة مختلفة إلى حد ما، وتحولت اللغة إلى شعرية دون قرار مسبق، وبقي في هذه اللغة الجديدة من اللغة الأولى البعد عن التهدج العاطفي، والبعد عن استخدام الكلاسيكية بقيت تلك المحاولة.
    * وماذا أردت أن توصل إلى القراء من خلال أعمالك الإبداعية؟
    - أنت لا تستطيع أن تخاطب الناس إلا بلغة يفهمونها وطبقا لمستواهم العقلي والفكري والحضاري وإذا لم تفعل ذلك فلن تصل إليه قط، والقيمة الأساسية التي أرجو أن تكون واضحة في كتاباتي هي الحرية.
    ........................................
    *المجلة الثقافية (ملحق الجزيرة) العدد (141) ـ في 20/2/2006م.

  2. #12
    عالم بهاء طاهر

    بقلم الدكتور محمد عبيد الله
    ...........................

    بهاء طاهر، الاسم المضيء لمبدع عربي مصري، اسم يجمع البهاء بالطهر، ليختزل كثيراً من صفات صاحبه، وعلامات تجربته؛ إنه الاسم الأدبي لمحمد بهاء الدين عبد الله طاهر، المولود في الجيزة قرب القاهرة في بدايات عام 1935، لأبوين يتحدران من الكرنك – الأقصر في صعيد مصر. درس في الجيزة وأتم دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956 (ليسانس تاريخ)، ولاحقاً أكمل دراساته العليا في مجال التاريخ الحديث (1965)، وفي مجال وسائل الإعلام (1973).
    قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، كان لها دور جليّ في تطوير السرد العربي الحديث، وفي محاوراته الثرية مع الحياة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، إنه واحد ممن أكّدوا حضور السرد ومركزيته، رغم أن القطاع الثقافي كلّه، قد تعرض لمحاولات متواصلة من الإقصاء والتهميش في الحقبة العربية المعاصرة. ولكن الانتماء إلى جيل لا يكفي لفهم التجربة الفريدة لهذا المبدع، الذي يصحّ أن نصفه بالتعبير العربي القديم، فنقول إن بهاء طاهر "نسيج وحده" بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة رغم السياقات الجماعية التي يتشكّل فيها المبدعون. إنه ابن زمانه ومكانه، ابن المؤثرات الكبرى التي شكّلت جيله، لكنه فتش عن سبل الاختلاف والمغايرة ليؤسس معالم خصوصيته وهويته الإبداعية، ويطوّر رؤيته استناداً إلى مشروعية الإبداع الفردي الذي قد يصبّ في السياق العام، لكنه يظل رافداً له لونه الخاص ومذاقه المختلف.
    تعلّم بهاء طاهر على نفسه الإنجليزية حتى أتقنها، فغدا مترجماً معروفاً منذ زمن مبكّر من حياته، ثم سهّلت له هذه المعرفة أن يطوف في العالم ويستقر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة مدة أربعة عشر عاماً. وهذه التجربة في السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، ليست مجرد تجربة عمل، بل هي إحدى التجارب التي تسللت إلى كتابات بهاء طاهر، وأضيفت إلى خبرته المصرية العربية. ولعلّ من يقرأ أعماله يلاحظ ذلك التنوع في بيئات القصص وأجوائها من البيئات المحلية في الصعيد والريف المصري إلى بيئة القاهرة بطبقاتها وأجوائها الغنية، ثم هناك ما يمكن تسميته بالبيئة العالمية والإنسانية، تلك التي جمع فيها شخصيات من ثقافات وبلدان مختلفة ووطّنهم في دولة جديدة، هي الرواية أو القصة القصيرة، هذا واضح مثلاً في قصته (بالأمس حلمت بك) وقصته (أنا الملك جئت) وروايته الفريدة (الحب في المنفى).
    من المصادر الأساسية التي تأثرت بها ترجمته الإبداعية خبرته الدرامية والإذاعية، وهو الذي انخرط في العمل الإذاعي منذ عام 1957، وأسهم في تأسيس ما يعرف بالبرنامج الثاني في الإذاعة المصرية (البرنامج الثقافي) وعمل معداً ومذيعاً ومخرجاً وتولى منذ عام 1968 موقع نائب مدير البرنامج الثاني، وأسهم أثناء عمله بتقديم الأعمال الروائية والقصصية في شكل الدراما الإذاعية، وأتقن فنون كتابة السيناريو، وعلّم ضمن التجربة نفسها مادة (الدراما) في قسم السيناريو بمعهد السينما. هذه الخبرات لم تذهب عبثا، ومن يدقق في قصصه ورواياته سيلاحظ أنه من أكثر الكتاب تميزاً في تقنية "الحوار"، حتى يغدو عنده عنصراً أساسياً لا تستغني القصة عنه. حوارات أشبه بالسيناريو حتى وهي موجزة، تنبض بالحياة وتسمح للشخصية بتقديم نفسها، وتمنح القارئ متعة خاصة في الاقتراب من أنفاس الشخصية ومن تدرج منطقها.
    يعبر بهاء طاهر عامه السبعين، يواصل إبداعه المتجدد، ودون أن يتخلى عن إيمانه القاطع بدور الثقافة، وحاجة المجتمع إليها؛ الثقافة عنده بصورها وفعالياتها المختلفة، أداة كبرى للتغيير والتنوير، سمّها ما شئت: رسالة أو قضية أو التزاماً، لكّنها ليست مجانية ولا عبثية. يلاحظ بهاء ما حلّ بالثقافة والمثقفين من كوارث وأزمات، وهو نفسه عايش منتصف السبعينات تجربة إقصائية، كانت جزءاً من إقصاء السلطة للمثقف، لكّنه رغم كل شيء يشدد في إبداعاته وكتاباته على دور الثقافة في فهم المجتمع وفي تحليله وفي صيانته، لأن الثقافة مرادفة للحرية وللوعي وللعطاء النبيل. ولا يمكن للثقافة أن تنهض ببعض ذلك دون أن يكون المثقف نفسه مستقلاً صلباً بعيداً عن الأشكال المعروفة من شراء الذمم وفسادها. بهاء من أولئك الصادقين الأحرار الذين اختاروا الثقافة أفقاً للحرية وسبيلاً رحباً نحو الكبرياء، ولعل كتاب بهاء طاهر المسمّى (أبناء رفاعة: الثقافة والحرية) من أبلغ الكتب العربية في التدليل على مكانة الثقافة والدفاع عن دورها وعن استقلالها وحريتها.
    بهاء طاهر، مبدع ومثقف تنويري، بأوضح معاني التنوير، قاص وروائي مجدّد، مسرحي ومترجم، إذاعي عريق، كاتب مجيد في مقالاته ودراساته، ناقد مسرحي، وخبير بشوؤن السيناريو والدراما، يعرف الصعيد الذي يسكن روحه، ويعرف القاهرة ويعيشها، مثلما يمتلك خبرة في مدن العالم، وفي ناسه، يعرف درس التاريخ ويراه مستمراً فينا، بمحتواه الأسطوري القديم أو بوقائعه التي يمكن تجريدها في صورة تجارب وأفكار إنسانية متكررة. إنها خبرات في الحياة والكتب، ومن جماعها تكونت هذه التجربة المتفردة في حركة الأدب العربي الحديث.
    في سياق الإبداع السردي يسلك اسم بهاء طاهر في جيل الستينات، الجيل الذي رسخ الكتابة ونقلها إلى أحوال جديدة رؤية وتشكيلاً. ولبهاء طاهر صوته الخاص وتجربته المميزة بعيداً عن الفكرة الجماعية في مبدأ التجييل. يمكنك أن تحدس بمبلغ عنايته بكل ما يكتبه، بحيث تجمع كتابته بين الأناقة التعبيرية والغنى الرؤيوي، ورغم وضوح حسمه لوظيفة الكتابة، فإنه أبدا لم يقع في فخاخ الأيدلوجيا أو لغة الشعارات، الكتابة عنده تجربة مغايرة لكل ذلك، لها اشتراطاتها الصعبة جمالياً ورؤيوياً، وربما لهذا السبب لم يكن يستعجل النشر، بل إن مجموعته الأولى تأخرت في الصّدور حتى عام (1972)، كما أن ما نشره ليس إلا نسبة محدودة مما كتب، إنه من أولئك المبدعين الذين يقدّسون الكلمة، ويتعاملون مع الكتابة بحرص واحترام وإجلال.. ولعل القيمة العالية لإنتاجه المنشور خير شاهد على جرأة الحذف والاصطفاء والاختيار، بحيث لا يمرّر كلمة ولا جملة ولا قصة تمريراً عبثياً أو يوردها أو ينشرها دون قناعة كاملة بأنها في مكانها الملائم وأنها تنهض بالوظيفة الإبداعية المأمولة.
    إنتاجه أقل عدداً وكماً من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة، لكن الإبداع يعترف بالنوع لا بالكّم، وكاتب صعب مع نفسه على طريقة بهاء طاهر، ينحاز حتماً للنوع وللتميز، وليس لعدد الأعمال أو كثرة الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. كل من كتبوا عنه شهدوا بنزاهته، وبتواريه عن الشهرة التي تلاحقه، لا يميل إلى الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. لكن أعماله تفرض نفسها بتميزها وخصوصيتها وسحرها الخاص. ينشغل بهاء طاهر بجوهر الكتابة وليس بما يحيط بها من سلوكيات ومظاهر، ولذلك يمكن القول أن اسم بهاء طاهر من أسماء عصامية قليلة مردّ شهرتها إلى الإبداع ولا شيء غيره، ورغم غيابه عن مصر والعالم العربي منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات فقد عرفه القراء العرب وقدّروا تجربته، فاجتاز الامتحان الصعب مما يدلّ بعمق على تميز هذه التجربة وفرادتها الخاصة، وصمودها الذاتي دون دوافع أو عوامل مساندة مما يشيع في حياتنا الثقافية العربية.
    (يتبع)

  3. #13
    وحتى اليوم لبهاء طاهر أربع مجموعات قصصية، وخمس روايات، وبعض الكتب في النقد والدراسات. أما أعماله القصصية فهي الأعمال التالية بحسب طبعاتها الأولى:
    1- الخطوبة وقصص أخرى، 1972: وفيها ثماني قصص قصيرة هي: الخطوبة، الأب، الصوت والصمت، الكلمة، نهاية الحفل، بجوار أسماك ملونة، المظاهرة، المطر فجأة، كومبارس من زماننا.
    2- بالأمس حلمت بك، 1984: وفيها خمس قصص هي: بالأمس حلمت بك، سندس، النافذة، فنجان قهوة. نصيحة من شاب عاقل.
    3- أنا الملك جئت، 1985: وفيها أربع قصص هي: أنا الملك جئت، محاكمة الكاهن كاي نن، محاورة الجبل، في حديقة غير عادية.
    4- ذهبت إلى شلال، 1998: وفيها سبع قصص هي: أسطورة حب، فرحة، الملاك الذي جاء، من حكايات عرمان الكبير، شتاء الخوف، ولكن، أطلال البحر.
    أي أن مجموع القصص القصيرة التي نشرها أربع وعشرون قصة قصيرة في أربع مجموعات. ومن المناسب الإشارة إلى أن بعض ما ظهر تحت مسمى (القصة القصيرة) عند بهاء، أقرب لشكل الرواية القصيرة (النوفيلا) وخصوصاً قصص: بالأمس حلمت بك، أنا الملك جئت، محاورة الجبل.. وهذا الشكل الفني يحتاج دراسة خاصة يمكن أن تعتمد على أعمال بهاء طاهر، بما يسهم في بلورة شكل (النوفيلا) في الأدب العربي، واكتشاف خصوصيتها ومنقطها السردي الذي لا يقف عند حدّ الاختلاف في الحجم أو في عدد الصفحات، بل يتعداه إلى اختلافات جوهرية في الخطاب السردي وفي المبنى الحكائي بما يجعل منه نوعاً متميزاً عن القصة القصيرة والرواية وغيرهما من أنواع سردية.
    في مجال الإبداع الروائي، ظهر لبهاء طاهر خمس روايات هي:
    1- شرق النخيل، 1985.
    2- قالت ضحى، 1985.
    3- خالتي صفية والدير، 1991.
    4- الحب في المنفى، 1995.
    5- نقطة النور، 2001.
    ومن ترجماته الأدبية، ترجمته لعمل يوجين أونيل المعنون بـ (فاصل غريب) الذي ظهر عام 1970 وترجمته رواية (ساحر الصحراء) لباولو كويلهو (1996). ومن دراساته: في مديح الرواية، أبناء رفاعة: الثقافة والحرية، 10 مسرحيات مصرية: عرض ونقد، البرامج الثقافية في الإذاعة.
    وقد ترجمت بعض قصصه إلى لغات عالمية، أما روايته (خالتي صفية والدير) فكان لها نصيب واسع من الشهرة العالمية إذ ترجمت إلى معظم اللغات العالمية المعروفة.
    * * *
    هل من مفاتيح لهذا العالم الغني الذي شيّده بهاء طاهر على مدى عقود من الإبداع المتجدد المتألّق؟ يمكن أن نتوقف عند شخصية الراوي المشارك في القصّة التي تحمل عنوان (بالأمس حلمت بك)، ففي أحد حوارات الراوي ولقاءاته مع (آن ماري) (وهو اسم فتاة أجنبية يتعرف عليها بطل القصة بصورة قدرية أعقد من المصادفة) تقول له الفتاة: "قل لي أرجوك ماذا تريد؟
    ماذا تريد؟
    ما أريده مستحيل.
    ما هو؟
    أن يكون العالم غير ما هو، والناس غير ما هم، قلت لك ليس عندي أفكار، ولكن عندي أحلام مستحيلة".
    لا نستطيع في ضوء التمييز بين الكاتب والراوي أن نقول بأن هذه الشخصية هي ذاتها شخصية بهاء طاهر، خصوصاً في عمل ينتمي للمتخيل السردي وليس للسيرة الذاتية، لكننا أيضاً نتوقف عند منطق هذا الراوي الذي يعمل في مدينة غريبة في أحد بلدان الشمال (أوروبا)، وتبدو تأملاته تأملات مبدع أكثر منه شخصية واقعية.
    على لسان هذا الراوي يسرّب الكاتب بعض المفاتيح التي قد تساعدنا على فهم وظيفة الكاتب والكتابة، وربط الإبداع بالتغيير، أي أنه ليس مجرد معمار لغوي برّاق، لكنه فعل يهجس بالتغيير والتأثير بكل ما يملك من سبل، حلم المبدع، وحلم بهاء طاهر أن يكون العالم أفضل وأنبل.
    كذلك يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة.
    لكنّ هذه اللمسات الوجودية والكونية لا تعني أن كتابة طاهر ذات مظهر تجريبي أو منحى فلسفي جاف، بل ترد هذه اللمسات في كتابة أقرب إلى الواقعية، وبشكل مجمل تتسم كتابات بهاء طاهر بمظهر واقعي غني ولافت، في شخصياتها وفي تعاملها مع التفاصيل الدقيقة، في اقترابها من أنفاس البشر، وفي بناء الحدث والاقتراب الحميم من منابع الحياة في اضطرابها وجريانها، كما تتضح الواقعية في أسلوب الحوار وفي وصف الأمكنة وخصوصاً في الأعمال القصصية الأولى وفي معظم الروايات، لكن هذا المظهر الواقعي الدقيق ليس إلا طبقة ظاهرية تشير إلى المظهر الاجتماعي كمصدر لمادة الكتابة، لكن ما يجعل لها امتداداً وغنى، يتمثل في العمق الإنساني، الذي يتمظهر إيحائياً ورمزياً في صور موازية وفي الأحلام والكوابيس وفي التداعيات الوجودية عند الشخصيات، في الحيرة التي تتجاوز الموقف الواقعي إلى أزمة الوجود وأسئلته الخالدة.
    ولعل من أصعب ما في كتابة بهاء طاهر، هذه الطريقة في إحكام العلاقة بين الواقعي والرمزي والوجودي، بعيداً عند التجريد، فإذا كانت الكتابة التجريدية تقوم على حذف التفاصيل والتقليل من الأحداث والوقائع الصالح بروز الفكرة، فإن بهاء طاهر يقوم بالعمل المعاكس الأصعب: إنه ينهض بتسريد المجرّد أو يقوم بتحويل الأفكار ذاتها إلى سرد غني حيّ، يمكنك أن تقرأه مجرداً من وظيفته الفكرية إن كنت تطلب السرد لمجرد المتعة، لكنك حين تعيد النظر فيما مر بك من حوادث ووقائع وحوارات تعيد تأويل العمل وقراءته بفهمٍ جديد، يطل على رعب العالم وأهواله ومآزقه. هذه التوازنات الشقية بين المنحى الواقعي والرؤية الإنسانية الوجودية، تحيلنا إلى المعنى الغامر والغائر الذي يتوارى خلف الوقائع الظاهرية، كما تذكرنا هذه الطريقة إلى حدّ ما بمبدأ جبل الجلد العائم، الذي شرحه همنغواي، واهتم به غالب هلسا، بمعنى أن الكتابة تشبه جبل الجليد العائم، يظهر خمسه وتختفى أربعة أخماسه، النص المكتوب هو الخمس البادي للنظر، لكنه ينبغي أن يساعد القارئ على تخيل أو تصوّر الأقسام المغمورة، كتابة بهاء طاهر من هذا النوع الصعب، الذي يحيل إلى طبقات مغمورة يشارك القارئ في اكتشافها وفي رسم معالمها وأبعادها غير المرئية، حتى يغدو شريكاً في تأويل النص وفي اكتشاف رؤاه وجمالياته.
    (يتبع)

  4. #14
    تكشف كتابات بهاء طاهر عن الانتصار للحرية، ومواجهة القوى المتسلّطة، سواء أكانت سلطة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، ولكن موقفه المبدئيّ هذا بعيد عن التنميط، ولذلك يمكن أن تجد عنده أباً متسلطاً (غالباً) وأماً متسلطة (أحياناً) فالأب في قصة (الخطوبة) مثلاً يأخذ هيئة المحقق مع الشاب الذي يخطب ابنته، ثم يدخل معه بآليات التحقيق إلى صور من التهديد بالفضائح (المفتعلة) ليتخلص منه بطريقة السلطة السياسية ومحققيها البوليسيين. كذلك شخصية الأم وسلوكها مع ابنتها في قصة (الصوت والصمت) الأم الأربعينية التي تقمع ابنتها وتحاول إجبارها على الزواج لتتخلص منها كي تتفرغ لعلاقاتها المشبوهة.
    ولكن في كل حال لا يحكم بهاء على شخصياته، ولا يقاضيها، بل يرسم لها إطاراً كافياً يبرز فيه مختلف توجهات الشخصية في صورة تحليل أو تفسير، أما الحكم فمهمة القارئ بعد أن يطالع الوقائع والملابسات التي تجهد القصّة في استيفائها.
    في القصة التي تحمل اسم (الأب) زوج وأب، وإذ تنفتح على شتائم الزوج ووصفه تقول القصة "وقف الزوج بالقميص والبنطلون يلوح بربطة العنق وقد احتقن وجهه المدور" نتوقف عند هذا الوصف الخارجي وما ينمّ عنه من حداثة شكلية، وقد نتساءل عن الحاجة إليه، لكننا حين نصل إلى موقف تالٍ بعد انتقال الزوجة إلى بيت والدها وشكواها من زوجها ندقق في صورة الأب كما رسمتها القصة، فنجدها مرة أخرى ترسم صورة لملابسه، "أفتى أبوها بعد الغداء وهو يلبس جلباباً مقلّماً وطاقية من قماش الجلباب بأن الطلاق الشفاهي باطل". الذهنية واحدة، بين الزوج والأب في مقابل المرأة، رغم أن المظهر الخارجي حداثي عند الأول وتقليدي عند الثاني، الوعي تجاه المرأة لم يتغير من الجلباب والطاقية إلى القميص وربطة العنق، إنه تطور شكلّي لكنه يخبئ الأفكار الرجعية نفسها. وعلى هذه النحو من المفارقات الموحية، ومن الدقة في التفاصيل تتقدم قصص بهاء طاهر، تغرية بمظهرها البسيط، لكنها دوماً مما يسميه العرب (السهل الممتنع)، الذي ينطوي على بلاغة البساطة وعبقريتها الفريدة. ليس من وصف أو تفصيل دون توظيف أو معنى عميق، نسيج محكم التفاصيل، وكل شيء مستقر في مكانه، ينهض بوظيفته التعبيرية والجمالية.
    عالم بهاء طاهر، عالم غني ممتدّ، ولسنا نهدف هنا إلا استثارة الهمة لقراءته، أما الدراسات المختارة في هذا الكتاب، فبعض ما يمكن أن يساعد القارئ في فهم تطور بهاء طاهر، وفي محاورة عالمه، إنها دراسات متميزة لنقاد ودارسين معروفين، ممن لهم خبرة واسعة بالإبداع عامة، وبتجربة بهاء طاهر خاصة، وتتميز أيضاً بتنوعها إذ تغطي مختلف مراحل تجربة بهاء طاهر القصصية والروائية، ولذلك نرى فيها دليلاً متميزاً يمكن أن يدفع مزيداً من الباحثين والدارسين لمحاورة هذا الفضاء الممتد، وهذا الإبداع المتألق المعنون باسم متميز هو اسم المبدع العربي (بهاء طاهر).

  5. #15
    بهاء طاهر الفائز بالبوكر:
    لا توجد جائزة قادرة علي إحداث انقلاب

    حوار : محمد شعير
    .........................

    " بوكر ل بهاء طاهر . لم يكن الأمر مفاجأة للجميع. إذ كل التوقعات ، واستطلاعات الرأي كانت ترشح صاحب واحة الغروب للجائزة. ربما كانت مفاجأة لبهاء طاهر نفسه الذي كاد يعتذر عن السفر قبل لحظات من إعلان الجائزة، لمرضه. فطاهر ابن الكرنك ذو بنيان جسدي هش، يمرض سريعا عندما يشاهد ما تبثه نشرات الأخبار من فظائع، أو ما تنشره الجرائد من انتهاكات، وربما هذا ما دفعه لإعلان مقاطعة التلفزيون والجرائد أيضا، منذ فترة.
    بهاء أيضا غاضب دائما .. غضبه لا يظهر علي وجهه، يداريه. غاضب من إهمال الثقافة في المجتمعات العربية ، وتراجع دورها ، وانهيار المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية، مما جعل الساحة خالية كلية للثقافة السلفية..... غاضب حتي عندما عرف أن اسمه علي القائمة القصيرة لجائزة من أكبر الجوائز الأدبية البوكر
    ... سألته ألا تري في الجائزة إعادة اعتبار للكتابة؟
    ابتسم بهاء قبل أن يجيب: كنت أتمني أن يكون في الترشيح للجائزة ، إعادة اعتبار للثقافة عموما، ولكن كما تري هناك تعتيم إعلامي عليها، ولم ألحظ أي اهتمام بها، دعك من مقارنتها بالكرة والأنشطة الترفيهية الأخري لأنه لا يوجد أي مجال للمقارنة. ولكن لو فكرت بشكل موضوعي لا يمكن لأي جائزة مهما توفر لها من أسباب النجاح أن تحدث انقلابا في وضع ثقافي مريض لفترة طويلة.
    هذا المرض الثقافي الطويل .. هل يمكن أن نقدم له علاجا؟
    هذا سؤال الأسئلة، لأن المسألة تتعلق بأجهزة رسمية لا تؤدي هذا الدور علي الإطلاق. مثلا وزارات الثقافة والإعلام في كل الوطن العربي لا تؤدي ما ينبغي عليها بوضع الثقافة في قلب الاهتمامات الجماهيرية.
    يصمت بهاء لحظات: أذكر كيف استطاعت مجلة مثل الآداب في الستينيات أن تحدث فورة ثقافية في الوطن العربي، كانت المجلة تسير في أكثر من اتجاه: التعريف بالاتجاهات العالمية في الثقافة، وتشجيع الإنتاج الجديد وإنشاء حوار ثقافي بين المثقفين في العالم العربي علي صفحاتها. هذا الدور الذي كانت تقوم به مجلة منفردة لم تستطع حاليا أية وزارة القيام به.
    ولكن ماذا عن المثقفين أنفسهم؟
    لا أعفي المثقفين من ذلك أيضا، هناك أمراض كثيرة في حياتنا الثقافية، وانحيازات وشلل وحرب داخلية لا تنتهي. كما أن الفهم الشائع للأدب باعتباره شطارة حرفية وتقنية أبعد الأدب عن جمهوره الطبيعي الذي يتطلع إلي أن يجد فيما يقرأ شيئا يتصل بحياته ويتصل بالمجتمع الذي يعيش فيه وهذه واحده من المشاكل الكبري التي أدت إلي انحسار وتراجع الاهتمام بالثقافة. ما تزال أفضل الروايات الجماهيرية التي يقبل عليها الجمهور هي الروايات التي تخاطب الناس عن أشياء تعنيهم وتمس حياتهم، الشطارات التقنية تهم المبدعين فقط. فإذا كان المبدعون يريدون أن يكتبوا لأنفسهم فليتفرغوا لتقنيات الحداثة وما بعد الحداثة، وعليهم أن يعلموا في الوقت ذاته أنهم يطردون الجماهير المحتملة للأدب.
    يبدو من كلامك أنك تدافع عن التقليد؟
    لا أدافع عن الجمود، ولا أن تظل الكتابة تقليدية . ولكن كل كتابة جيدة تتضمن قدرا من التجديد وقدرا من التواصل مع الجماهير، فكرة التواصل مع الجماهير لم تعد موجودة لدي كثير من الكتاب لا لغة ولا صياغة ، وبالتالي لا يمكن أن نلوم الجاهير إذا انفضوا عن قراءة الأدب.
    يعنيك التواصل مع الجمهور؟
    بالتأكيد ، ومما يسعدني كثيرا أن أعلم أن كتابا لي قد نفد، أنا أكتب للناس ، لا أكتب لنفسي.
    'جماهيرية' الأدب ارتبطت بطريقة إحسان عبد القدوس باعتباره أكثر الكتاب توزيعا؟
    إحسان عبد القدوس كان كاتبا جيدا، استطاع أن يخاطب الناس بما يتعلق باهتماماتهم، وأدرك بشكل ما الدور المفروض للأدب، وأظن أن نجاح قصصه كأفلام شاهد علي ذلك. وأظن أيضا أن نجيب محفوظ كان مهتما بتحويل رواياته إلي أفلام. وتحدثت معه في هذا الموضوع وقال لي: إن الأدب يصل إلي جمهور محدود جدا، فإذا وصل جزء من رسالة الأديب من خلال وسيط آخر مثل السينما فهذا شئ جيد ومطلوب. ومن هنا ينبغي علي الكاتب أن يحترم الجمهور بأكثر من معني وألا يتعالي عليه في صياغته لأعماله، أي لا يحدثه عن أمور لا تدخل في نطاق اهتماماته وحياته العادية، بل يسعي إلي اكتسابه بشكل أو بآخر، ليس بالإسفاف أو بالحيل البهلوانية والأشياء التي تحول الأدب إلي نوع من الترفيه الرخيص.
    توقف صاحب نقطة النور لإشعال سيجارة ..ثم أضاف: الجمهور القارئ في الوطن العربي كله لا يتجاوز عشرات الآلاف من بين 300 مليون تقريبا، وأنا تساءلت كثيرا : أية معجزة، هل ما يزال هذا الجمهور المحدود يقرأ أدبا؟ أية معجزة وسط طغيان الإعلام الترفيهي والرياضي، وسط النظام التعليمي البالغ الرداءة، ووسط الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تجعل الكتاب في أدني اهتمامات المواطن العادي الذي يحتاج إلي الخبز أكثر من الكتاب ؟ هذه معجزة أن يوجد جمهور ما يزال يقرأ الأدب.
    (يتبع)

  6. #16
    ( 2)
    هل كان الضيق بالواقع سببا في لجوئك إلي التاريخ في أحدث رواياتك واحة الغروب ... أم أن العودة للتاريخ محاولة للإجابة علي سؤال الحاضر؟
    سأكون كاذبا لو قلت لك أنني طرحت علي نفسي هذا السؤال أثناء الكتابة، أنا أكتب عندما يلح عليٌ سؤال ما، قد يكون تاريخيا أو معاصرا، ولكن في كل الأحوال أنا لا أكتب من برج عاجي ، وإنما مهموم بالواقع الذي أعيش فيه ، ومهموم بالأسئلة التي يطرحها هذا الواقع، والغريب أنني اكتشفت أن كثيرا من الأسئلة التي كانت مطروحة في القرن التاسع عشر هي نفس أسئلتنا اليوم ، وكأن شيئا لم يتغير.
    كيف جاءتك إذن فكرة الرواية؟
    الفكرة التي آثارتني هو ما قام به الملازم محمود عزمي الذي قام بنسف معبد أثري في واحة سيوة لأسباب مجهولة، كان يحدث أحيانا أن يتم هدم المعابد في فترات الانحطاط لأغراض البناء، ولكن أن ينسف معبد عمدا فهذه حادثة ليس لها مثيل في التاريخ المصري. قرأت عشرات الكتب عن شخصيته، ولم أجد سوي إشارة إلي أنه قام بنسف المعبد وإشارة غامضة إلي أن حجارة المعبد استخدمت في تشييد سلالم بيت المأمور، وهو تفسير لم يقنعني علي الإطلاق.. ولذا حاولت البحث عن إجابة لهذا السؤال: لماذا أقدم محمود عزمي علي هذا الفعل؟.قرأت كثيرا عن سيوة، وعن الظرف التاريخي الذي تم فيه هذا الحدث..وحاولت أن أستكشف من خلال الكتابة إجابة للسؤال. لابد أن يكون المأمور قد عاصر الثورة العرابية وكان له موقف منها، ولابد أيضا ألا يكون قد ذهب باختياره إلي سيوة لأنها كانت في ذلك الوقت منفي لكل المغضوب عليهم في ظل الاحتلال البريطاني لمصر، والمعروف أيضا أن سيوة كانت مهد الوحي بالنسبة للإسكندر الأكبر ..كل هذه معطيات حاولت أن أشكل منها عالم لهذه الرواية.
    كيف تبدي سؤال اللحظة الحاضرة في رواية تعود إلي نهايات القرن التاسع عشر ، بل وفي أجزاء منها إلي زمن الإسكندر الأكبر؟
    وجدت أن الأسئلة التي افترضت أن المأمور واجهها ما تزال مطروحة علينا حتي اليوم، الموقف من الماضي، الموقف من الهيمنة الغربية، الموقف الطبقي إذ كان مهموما بالفوارق الطبقية في الواحة... وأعتقد ان الرواية عندما تلح علي هذه القضايا فإنها تجيب علي أسئلة الحاضر.
    في أعمالك السابقة كان القارئ يجد بصيصا من الأمل ، ولكن في هذه الرواية كما يرصد بعض النقاد ثمة يأس وقتامة.. حتي أن بطل الرواية يختار الموت، بل يسعي إليه ويعتبر أنه تأخر عليه؟
    لدي كلمة واحدة أجيب بها دائما علي السؤال، اقتباس من تشيكوف : عندما أكتب عن أشياء محزنة لا أريدكم أن تبكوا علي هذه الأشياء وإنما أن تغيروها .ولذا لا أعتبر رسالة الرواية رسالة يأس إطلاقا وإنما اعتراض علي الواقع ، وليس مطلوبا مني أن أجمل واقعا مريضا أو أن أنشر رسالة أمل زائفة في وقت لا أجد فيه ملامح الأمل ..وأعتقد أن هذه رسالة الأدب عموما.
    ولكن الموت كان مصير للشخصيات المتمردة داخل الرواية، مليكة مثلا هل كنت تعني أن أي محاولة للتمرد ستواجه بالموت؟
    إطلاقا، كنت أعني أن التمرد في مثل ظروف الواحة ، وفي هذا الظرف التاريخي ، وفي تلك التقاليد الجامدة والوحشية لا يمكن أن يسفر إلا عن ضياع المتمرد، ولكنها ليست رسالة ضد التمرد وإنما بالعكس رسالة في تمجيده ، أسعدني أن يقول لي القراء أن شخصية مليكة و الشيخ يحيي الشخصيتان المتمردتان داخل الرواية هما نقطة النور داخلها.
    (3)
    عندما بدأت الكتابة في الستينيات ..هل كنت تسعي إلي تغيير العالم؟
    كلنا كنا نتصور أن الكتابة ستغير العالم.
    والآن بعد أربعين عاما من الكتابة .. ألم يصبك اليأس من أن العالم لم يتغير؟
    سؤال محبط ..لقد حدث تغيير في العالم بالفعل ولكنه تغيير للأسوأ. .. يضيف : عندما بدأنا الكتابة، كنا مجموعة من الشباب نتصور أن ما نكتبه هو لبنة صغيرة نحو نشر الوعي السليم ، وأن رسالة الأدب الحق والخير والجمال ستؤتي ثمارها بعد حين..ما حدث هو عكس ذلك تماما ، نوع من النكوص والتراجع بحيث لا نندم علي سنوات الستينيات ، وإنما نندم علي القرن التاسع عشر، وبرغم ذلك كله ما تزال الكتابة بالنسبة لي رسالة في وجه اليأس والإحباط.
    تراهن علي المستقبل إذن؟
    لو لم أعش بهذا الأمل لمت من زمن.
    هل لهذا السبب نشعر أنك تختار معظم أبطالك من المغتربين .. هل تأثير المنفي؟
    أنا مع أبو حيان التوحيدي الذي قال: ليس الغريب من فارق الدار ..وإنما الغريب من كان غريبا في الدار . وبهذا المعني كلنا غرباء ، كل من لديه حد أدني من الوعي في المجتمع لابد أن يشعر بالاغتراب.
    (4)
    أنت مقل تخاف التكرار ..ولكن ثمة ثوابت في أعمالك: العلاقة بين الشرق والغرب، المثقف والسلطة.. ما المتغيرات؟
    الأسئلة التي تتناول تحليلي أنا للكتابة أفضل أن أتركها للقارئ والناقد. ولكن أنا ككاتب أفترض أن هناك شيئا متصلا منذ كتبت أول قصة قصيرة وحتي روايتي الأخيرة ، أنا نفس الشخص ، لدي نفس الأفكار ولكنها تتطور مع الزمن وأكتب عن نفس الهموم التي تعنيني وأفترض أنها تعني غيري. أنا لا أكتب عن همومي الشخصية فقط ، وإنما عن هموم عامة ، الهموم التي توجعني وليست الهموم الوقتية . وأنا أظن أن الأدب أو كل كتابة ذات مغزي لابد أن تكون كذلك، إذا التفت الأديب إلي العارض والوقتي فإن أدبه محكوم عليه بالنسيان. مما يسعدني كثيرا أن يقول لي أحد القراء أنه معجب بمجموعتي الأولي " الخطوبة التي نشرتها منذ أربعين عاما ، وهذا يعني أن بها شيئا جديرا بالبقاء ، وأنا أظن أن أهم محكمة علي الأدب لا هي النقاد ولا القراء وإنما التاريخ. التاريخ يسقط ما لا يستحق البقاء ويبقي ما يستحق.
    منذ كتبت قصتك الأولي عام 1964 ..ما الذي تغير في بهاء طاهر إبداعيا؟
    علي المستوي الإبداعي قلت أن صراع الكاتب الأساسي مع اللغة ، وهذا الصراع ما يزال موجودا منذ أول قصة كتبتها، وحتي واحة الغروب ، فأنا أسعي إلي لغة شفافة، بسيطة ليس فيها نوع من فرد العضلات اللغوية ، أو استخدام محسنات بديعية شكلية ومع ذلك تحتوي علي شحنة جمالية تغذي القارئ..لن تجد في كل كتاباتي كلمة واحدة يسأل القارئ عن معناها.. ولكن هذه السهولة والبساطة هي أصعب درجات الكتابة، وهذا ما كان يعنيه ابن المقفع عندما قال: الذي إذا قرأه من لا يعرف ظن أنه يحسن مثله . بمعني أن الوصول إلي هذا المستوي من البساطة أمر صعب ، حتي أنني أعيد كتابة الجملة الواحدة عشرات المرات حتي تصل إلي هذا المستوي من البساطة.
    هل هذه البساطة تعلمتها من يحي حقي؟
    عندما بدانا الكتابة ، كنا مجموعة تضم رجاء النقاش وشقيقه وحيد ، وصبحي شفيق ومصطفي أبو النصر ، كنا طلبة في كلية الآداب ونحاول أن نصنع شيئا جديدا، وكان هذا همنا الأساسي، بعد ذلك رأينا وتعلمنا من الجيل السابق علينا : نجيب محفوظ ويوسف إدريس ، ولكن كان لدينا حرص بالغ علي أن نحافظ علي هويتنا ، ولا نقلد أحدا. يضحك بهاء: كانت كلمة السر بيننا ألا نقلد أحدا، وأن يكون ما نكتبه نابعا من ذواتنا ، وكنا نعتبر أن كل قصة نكتبها هي تجربة جديدة . نجحنا في ذلك أو فشلنا لا أعرف.
    ألا تفكر في كتابة مذكراتك؟
    فكرت كثيرا، ولكن كتابة مذكرات صادقة من أصعب الأشياء في العالم، لأن كتابة الحقيقة كاملة أمر صعب ، ومن أفضل الكتب التي قرأتها مؤخرا كتاب جلال أمين ماذا علمتني الحياة وهو نفسه يقول في مقدمة كتابه أن هناك أشياء كثيرة لم يستطع أن يكتبها. حتي عندما تكتب عن راحلين قد تقول عنهم أشيا،ء سلبية ما مدي إمكانية أن يصححوا ما تقول؟ وهل يسمح ضميرك بأن تقول عنهم وهم لا يستطيعون الرد..كل هذه أسئلة واجهتها عندما فكرت في كتابة مذكراتي.
    ما أحلامك؟
    أن يصبح العالم أفضل مما هو عليه، هذا هو حلمي الكبير الذي أتمني أن يتحقق ، لكن كيف؟ لا أعرف. أحلامي الخاصة في الهزيع الأخير من العمر أن أكتب ما أستطيع أن أكتبه ، لدي مجموعة قصصية أنوي أن أنشرها قريبا، ولدي فكرة رواية تحتاج إلي أسفار متعددة ، أتمني أيضا أن أنتهي منها.
    هل اخترت عنوانها؟
    ليس بعد، العنوان يأتيني دائما في وسط الكتابة وليس في بدايتها. وأتذكر أني اخترت عنوان بالأمس حلمت بك من جملة في وسط القصة.
    وماذا عن عنوان واحة الغروب ؟
    كان المصريون القدماء يعتبرون سيوة آخر محطة في الغرب ، العالم الآخر حيث تغرب الشمس ، هذا هو التفسير الأولي، أما التفسيرات الأخري فأتركها للقراء والنقاد.
    ....................................
    *أخبار الأدب ـ في 16/3/2008م.

  7. #17
    رأيت بهاء طاهر

    بقلم: أحمد الفخراني
    ..........................

    في الكتابة ..إما أن تملك عبقرية طاغية ..أو أن تكون دافئا وبصيرا ..بهاء طاهر من النوع الثاني ..
    مشكلة النوع الأول رغم تميزه أنه يجرح ضعفك ،يدنسه ،ويجعل منه عورة ..أما بهاء فيعي ضعفك في مواجهة العالم ..ينسج منه كائناته الهشة ،يحيل ضعفك إلي نقطة نور،وحلم أبيض ودير يبحث فيه الانسان عن خلاص مستحيل ..
    يعلم بهاء طاهر ..أين يسكن الله فينا ..ربما في أشواقنا العصية إليه..في بحثنا الذي تعوقه الأخطاء البشرية ..الله في كتابات بهاء طاهر ..حق..ولكن الرغبة أيضا حق والشهوة حق والضعف حق ..
    كيف تراهن علي كتابة نقية في زمن قاس ،متوحش ،وعار ..
    علاقتي الشخصية ببهاء طاهر لاتزيد عن قاريء نهم لما يكتب وصدفة سعيدة ..جعلتني أراه في مكتبة ديوان ..لم أحادثه..فقط ظللت أراقبه بحذر وبلهفة القادمين الجدد إلي القاهرة ..حيث كل ما يلمع ذهبا .كنت أنبهر كلما رأيت واحدا ممن تربيت علي كتابتهم ..ها قد جئت إلي المدينة التي تصدر الأدب والسينما والصحافة ..المدينة التي تحمل أديبا بحجم بهاء طاهر ..
    مع الوقت تعلمت أن أغلب من منحتهم حبي في الاسكندرية لايستحقون كل تلك الهالات التي وضعتها .. قلائل هم زاد احترامي ومحبتي لهم بعد أن رأيتهم أو تعاملت معهم في القاهرة ..
    لايعرفني بهاء طاهر ..ولايعرف أن القادم من سماء مفتوحة كالاسكندرية ..كان يثق في العالم أكثر قبل أن تدهمه الكباري العالية والمخيفة للقاهرة ..قبل أن تدركه مطحنة العاصمة ..
    كنت أريد أن أسأله..كيف حافظت علي دفء روحك ونداوتها ..في بلد تحيلك إلي مسمار في ترس في ماكينة ضخمة لاتتوقف عن انتاج التيك آواي والانجاز المتعجل .. مدينة تقتل أبناؤها بابتسامة ..هل لأنك هجرتها ..
    لكني لم أفعل.. اختبئت بأسئلتي الرومانتيكية ..محتفظا بعبق حضورك المطمئن ..كنت أريد أن أخبرك أن باولو كاويلهو كاتب سييء وأنه يشبه ضاربات الودع..وأنه لولا لغتك الساحرة وقناعتك أن نور الانسان في ضعفه لكانت روايته ساحر الصحراء ضربا من الدجل اللذيذ..أعرف أصدقاء كثيرين دفعوا ثمنا باهظا لعلامات باولو كاويلهو..
    هؤلاء الذين كتبت عن ضعفهم ..لم نصرتهم علي الحياة في رواية منحتها عبقك ..لم تعطيهم ذلك الأمل في شرق النخيل وقالت ضحي وخالتي صفية والدير ونقطة النور وواحة الغروب..أنت تعلم أنهم منذورين للدهس ..وليس بينهم منتصر في عالم قاس ومتوحش وعار ..
    رأيت بهاء طاهر ..هادئا كما تخيلته ..لم أرده قديسا ..لآيحمل العالم قديسين ..إلا في كتب التاريخ وروايات الدجالين ..لكني اطمئنت عندما تثبتت من استقرار الدفء في عينيه _ فائض روحه* هناك أمل أن لاتجرفني الطاحونة ..أن لاتدهمني الكباري العالية ..أن أحتفظ في قلبي بسماء الاسكندرية المفتوحة
    هل من العبث أن نبحث في القاهرة عن أحبة ..
    مجرد رؤيتك لحما ودما ..كانت كفيلة أن أستعيد ثقتي في العالم .
    ....................................
    *أخبار الأدب ـ في 16/3/2008م.

  8. #18
    بهاء طاهر يؤكد‏:‏
    البوكر من أكثر الجوائز العربية نزاهة

    حوار‏:‏ عماد عبد الراضي
    .............................

    قوبل فوز الروائي الكبير بهاء طاهر بأول جائزة للبوكر العربية بترحيب كبير خاصة من المثقفين العرب‏,‏ حيث ساد الإجماع علي أحقيته بهذه الجائزة‏,‏ وذهب البعض إلي أن الجائزة هي التي فازت ببهاء طاهر‏,‏ وأن فوزه يعطي للجائزة المصداقية‏...‏ وقد كان لـ‏'‏المنتدي الأدبي‏'‏ هذا الحوار مع الروائي الكبير‏:‏
    *ما معني فوز بهاء طاهر بأول جائزة للبوكر العربية؟
    ـ أولا الاسم الحقيقي للجائزة هو الجائزة العالمية للإبداع الروائي‏,‏ والفكرة الأساسية أن هذه الجائزة وضعت لها انواع من الضوابط ربما لا تتوافر في الكثير من الجوائز الأخري‏,‏ بمعني أن الجائزة الأصلية‏'‏ بوكر الإنجليزية‏'‏ لها مجموعة من الضوابط التي جعلتها جائزة عالمية لها سمعة طيبة جدا‏,‏ وحاولت الصورة العربية منها أن تأخذ بهذه الضوابط نفسها من حيث اختيار لجنة التحكيم ومن حيث الإجراءات الخاصة بالتحكيم‏,‏ وأنا لا أعرف هذه الإجراءات ولكن من المؤكد أنها كانت تسعي كلها إلي أن يكون هناك نوع من الموضوعية والنزاهة في الاختيار‏,‏ لأن المسألة أخذت وقتا طويلا في إصدار النتيجة وإجراءات كثيرة من حيث تشكيل لجنة موسعة ثم أصغر منها‏,‏ واختيار مجموعة من الروايات ثم تصفية هذه المجموعة إلي ست روايات فقط‏,‏ وأعتقد أن هذه بالقدر الإنساني الممكن ضمانات للحيدة والنزاهة بقدر الإمكان‏,‏ فلا يوجد ما يسمي بالحيدة المطلقة‏,‏ ولكن بقدر الإمكان هذا هو القدر الإنساني الممكن من الحيدة‏,‏ وأظن أن الدليل علي ذلك أن لجان التحكيم تتهم دائما بأنها تحابي أبناء جلدتها‏,‏ ولكن لجنة تحكيم البوكر لم يكن بها أي عضو مصري ولكنها اختارت مصريا لنيل الجائزة‏,‏ وأيضا كانت هناك مشاركة من البوكر الإنجليزية لضمان الحفاظ علي السمعة العالمية للجائزة‏.‏
    *هل أسعدك وصول روايتين مصريتين إلي القائمة النهائية للترشيح؟
    ـ هذا أسعدني جدا لأن وجود روايتين مصريتين من بين ست روايات شيء مشرف بالفعل‏,‏ وأنا شخصيا أحب رواية‏'‏ تغريدة البجعة‏'‏ لمكاوي سعيد‏,‏ وأحب مكاوي شخصيا جدا‏,‏ وبلا مبالغة أقول إنني كنت سأسعد جدا لو كان قد فاز بالجائزة‏,‏ لأتي أقول دائما إن الفوز في الأدب ليس ضربة قاضية‏,‏ بل تخضع المسألة لمعايير موضوعية‏,‏ وأنا كنت أهاب نفسيا لعدم الفوز بالجائزة‏.‏
    * هل تؤيد ما قيل إن فوزك بالبوكر هو دليل علي انتصار اتجاه الكيف وليس الكم؟
    ـ أنا أرد علي من يؤكدون اهتمامي بالكيف لا بالكم بالقول إن ديوان المتنبي هو أصغر ديوان شعر بالنسبة لدواوين الشعراء المعاصرين ودواوين كل من سبقوه ومن تلوه من الشعراء‏,‏ لكنه الديوان الأكثر تأثيرا في الشعر العربي‏,‏ فالحجم أو الكم لا قيمة له إلا إذا كان مقترنا بالكيف‏,‏ فمثلا أستاذنا الكبير نجيب محفوظ كتب كما غزيرا وكيفا عظيما‏,‏ فإذا كان الكاتب قادرا علي أن يفعل هذا فهذا شيء جيد‏,‏ أما أن يكتب فقط كما غزيرا دون أن يكون له هذا القدر من الكيف العظيم فمن الأفضل ألا يكتب إلا ما يستحق البقاء‏.‏
    * ما أثر تعدد الجوائز الأدبية علي حركة الأدب في الوطن العربي؟
    ـ المأمول أن يكون لهذا أثر إيجابي علي الحركة الأدبية العربية‏,‏ لأن الأدباء في حاجة إلي مثل هذا التشجيع‏,‏ ويدل علي هذا كثرة عدد من تقدموا لهذه الجائزة ولغيرها من الجوائز‏,‏ فهناك جوائز عربية كثيرة بالفعل في مجال الأدب‏,‏ وهذا ليس معناه أن الأديب العربي قد أخذ حقه‏,‏ لكن يأخذ الأديب حقه حينما يغير المجتمع العربي نظرته للثقافة بوجه عام‏,‏ وليس إلي الأدب فقط بل للثقافة الشاملة كالفن التشكيلي والأدب والموسيقي وكل هذه الفنون‏,‏ وعندما يعلي من قيمة الثقافة لن أقول بدلا من الترفيه‏,‏ ولكن علي الأقل إلي جانب الترفيه والرياضة‏,‏ لكن الحقيقة أن الثقافة مازالت تحتل مكانا هامشيا جدا في اهتمامات العامة‏.‏
    * الاتجاهات النقدية الحديثة‏..‏ هل استفاد الأدب منها؟
    ـ لقد قلت كثيرا إنني لا أفهم في هذه المدارس النقدية الحديثة‏,‏ والمدرسة النقدية الوحيدة التي أقتنع بها وأميل إليها هي المدرسة التي كان يمثلها كل من الراحل أنور المعداوي ويحيي حقي ومحمد مندور وعبد القادر القط وشكري عياد وعلي الراعي ولويس عوض‏,‏ فقد عشت عصرا من النقد العظيم الذي كان النقد خلاله وسيطا ما بين القارئ والمبدع‏,‏ وكانت الكلمة التي يقولها الناقد توجه أنظار القراء إلي العمل الإبداعي‏,‏ وهذه هي المدرسة النقدية التي تقول كلاما مفهوما يحقق الصلة بين المبدع والقارئ‏,‏ أما الألغاز التي تكتب الآن باسم النقد فهي عبارة عن رسائل مشفرة من النقاد إلي بعضهم بعضا‏.‏
    * هل استفدت من فترة حياتك بالخارج في الكتابة الروائية؟
    ـ هذا شيء أكيد‏,‏ فقد تعرضت لتجارب وتعرفت علي مجتمعات وحياة لم تكن تتوافر لي قبل السفر‏,‏ وقد ترك هذ أثره‏'‏ و‏'‏حب في المنفي‏'‏ و‏'‏بالأمس حلمت بك‏'.‏
    * قال الأستاذ نجيب محفوظ إن الإغراق في المحلية هو جسر الوصول للعالمية‏..‏ فهل تؤمن بهذه المقولة؟
    ـ أنا أؤمن بهذه المقولة طبعا‏,‏ بمعني أن تكون ذاتك هي خير وسيلة لكي تصل إلي الآخرين سواء كانوا في بلادنا أو بالخارج‏,‏ وأنا شخصيا لا أعتقد أن أي كاتب لديه وصفة مؤكدة لكي يصل كتابه إلي العالمية‏,‏ بل إن بعض الكتاب قد وصلوا إلي العالمية مصادفة‏,‏ وبعضهم وصل لأنه يستحق الوصول للعالمية‏,‏ والبعض يستحق الوصول للعالمية لكنهم لا يصلون للعالمية علي الإطلاق‏.‏
    ......................................
    *الأهرام ـ في 9/5/2008م.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة عمر بهاء الأميري
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-27-2019, 10:33 AM
  2. يا بهاء.. محاولة أولى..
    بواسطة نورا في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-08-2015, 06:13 PM
  3. محمود بهاء الخاني
    بواسطة همام الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-30-2013, 04:59 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-02-2013, 08:23 AM
  5. الروائي/ طاهر أحمد الزهراني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-18-2008, 02:11 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •