جزاك الله خيرا اختي
رومضان كريم
هل يقضي عن أمه صيام رمضان؟
السؤال: شيخي الفاضل.. أمي عليها دين صيام ثمانية أشهر من رمضان، أعاقها المرض المتزامن مع مجيء كل رمضان، والسؤال: ما العمل؟ هل أقضيه عنها؟ أذهبوا حيرتي جزاكم الله خيراً.
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
الجواب:
إذا كانت تستطيع القضاء ولو لم يكن بالتتابع فعليها القضاء، وإذا أيست من القدرة على القضاء فعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، لكل مسكين كيلو ونصف من قوت البلد. والله أعلم.
الفدية بدل الصيام
السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: علي صيام شهرين بسبب الحمل والرضاعة، وقدرتي الجسدية لا تعينني على ذلك، حيث إني مصابة بمرض في القلب، فهل أستطيع أن أخرج الفدية بدلا من الصيام؟ وهل يجوز أن أنفق هذه الفدية في إطعام أسرتي؟ حيث إني لست مكلفة بالإنفاق عليهم، أم أنه يجب أن أنفقها على المساكين؟ وجزاكم الله خيراً.
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
الجواب:
إذا كان تأخير هذا الصيام عن شهري رمضان بسبب الحمل والرضاعة والوضع فعليك القضاء ولو بغير انتظام، فلا يلزم التتابع، ولا يجوز لك إخراج الفدية، إلا إذا أيست من القدرة على القضاء بقية حياتك بسبب المرض، وذلك بتقرير طبيبين مسلمين ثقتين وحينئذ عليك الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، وقدره كيلو ونصف من قوت البلد، والمسكين هو من تجوز له الزكاة من غير والديك وأولادك ومن ترثينه من الأقارب.
كفارة تسعة رمضانات
السؤال: لقد كنت في رمضان في السنوات الماضية من العمر 14 سنة إلى 22 سنة لا أصوم الشهر كله أطلب من فضيلتكم إيجاد حل ولا أستطيع إطعام ستين مسكيناً في اليوم الواحد هل بإمكاني أن أدخر المال عن كل يوم وأعطيه مثلاً لديار الرحمة أو لمسكين واحد عن كل يوم؟ وجزاكم الله خيراً.
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
أهنئك على رغبتك في التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم، وأوصيك بالإكثار من الاستغفار وصيام ما تيسر من النوافل – إذا انتهيت من القضاء-.
ثانياً: الذي عليه الأئمة الأربعة في مثل حالك، أنك تقضي عن كل الأيام التي أفطرتها وتطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا يلزمك التتابع في قضائها، فمتى ما استطعت الصيام فصم حتى تنتهي الأيام التي أفطرتها وبالنسبة للإطعام يمكنك فيه أن تجمع كل عشرة جميعاً أو كل عشرين، أو كل خمسة حسب استطاعتك، وأنت مخير بين أن تعطي كل واحد منهم نصف صاع من الأرز كيلو ونصف تقريباً، وإن وضعت معه شيئاً من الإدام –إن كنت تقدر- فهو حسن، هذه طريقة.
وهناك طريقة أخرى وهي أن تصنع طعاماً في بيتك أو تذهب إلى أحد المطاعم فتدعو إليه عشرة فقراء أو عشرين أو حسب استطاعتك إلى أن تنتهي الأيام التي أفطرتها، وهكذا كلما أطعمت المساكين سقط عنك من حساب الأيام، أسأل الله تعالى أن يتوب علينا، وأن يتقبل منا صالح العمل.
صوم التطوع
صيام يوم السبت
السؤال: أرجو إفادتنا عن حكم صيام يوم السبت حيث حصل خلاف بين مجموعة من طلبة العلم حول صيامه نفلاً ؟
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد فرض الله على الأمة المحمدية صيام شهر رمضان، ورغّبهم فيه ،وحثهم عليه ، ووعدهم بالأجر الجزيل على صيامه، وقد تكلم كثير من أهل العلم عن فوائد الصيام ، ومزاياه، كابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد، وغيره . وحتى تبقى الأمة مرتبطة بهذه الفوائد التي تحصل لها من جرّاء الصيام؛ ورد الحث على صيام الأيامٍ أُخر في مناسبات متفاوته من العام ، لا على سبيل الفرض ، ولكن على سبيل الاستحباب والسُّنيَّة؛ كصيام ستة من شوال ، ويوم عرفة ، وشهر محرم ، والتاسع والعاشر منه على وجه الخصوص، وصيام أكثر شعبان ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والأولى أن تكون أيام البيض، وصوم الإثنين والخميس ، وصوم يوم وإفطار يوم ،وصوم باقي عشر ذي الحجة – عدا يوم العيد – لدخولها في عموم العمل الصالح.
ولا شك أنه سيدخل في هذه الأيام التي تُصام : يوم السبت؛ لموافقته أحياناً.
وقد ورد حديث عبد الله بن بسر السُّلمي، عن أخته الصَّمَّاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عِنَبَةٍ، أو عود شجرة، فليمضغه) أخرجه أصحاب السنن. وقد اختلف أهل العلم في صحته، وأكثر الأئمة العارفين بعلل الأحاديث أعلّوه بالاضطراب، والشذوذ، ومن صححه أو حسَّنه منهم حمله على كراهية تخصيصه بالصوم؛ لأنه يوم تُعظمه اليهود، وأما إن وافق صياماً كان يصومه الشخص ويعتاده، فالكراهة مرتفعة عنه عندهم.
ولم أجد أحداً من أهل العلم نهى عن صومه إذا وافق عادة الشخص، سوى الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – فإنه حرّم صومه في النفل سواء كان في ست من شوال أو وافق عرفة ، أو التاسع والعاشر من محرم، أو صوم يوم وإفطار يوم، أو غير ذلك، وهذا شيء لم يُسبق إليه فيما علمت، وقد أطال أهل العلم في الكلام عن الحديث من حيث صحته من عدمها، ومن حيث دلالته، وقد جمعتها في بحث مفرد، من أراد الاستزادة فليطالعه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قضاء يوم عاشوراء
السؤال: من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يقضي من النوافل؟ وما لا يقضي؟ جزاك الله خيراً.
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
الجواب:
النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له. فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يُقضي، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه ثم أراد أني يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد، لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي ولا ينتفع به لو قضاه، أي لا ينتفع به على أنه يوم عرفة ويوم عاشوراء.
وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي، لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله (20/43)]
حكم استمتاع الزوج بزوجته أثناء صيام التطوع
السؤال: ما حكم استمتاع الزوج، بزوجته وهو صائم، وذلك في غير القبل؟
المجيب د.أحمد بن محمد الخليل
الجواب:
الاستمتاع بالزوجة بما دون الجماع في القبل فيه تفصيل ، فيكون جائزاً إن كان يأمن على نفسه أن يفسد صومه بالجماع، ويحرم إذا غلب على ظنه أنه سينـزل، سواء كان الإنزال بأن يجامع أو من المباشرة فقط، وهذا التفصيل يصدق على الصوم الواجب.
أما التطوع فلا يحرم عليه ولو غلب على ظنه أنه سينـزل؛ لأنه يجوز للإنسان أن يقطع صوم التطوع ولو بدون سبب.
إفراد الجمعة بالصيام
السؤال: هل أستطيع أن أصوم الجمعة على انفراد باعتبارها يومًا من صوم ستة أيام من شوال؟
المجيب د.أحمد بن محمد الخليل
الجواب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ". متفق عليه: صحيح البخاري (1985) وصحيح مسلم (1144). وهذا نهي صريح عن صيام يوم الجمعة، ولم يُخَصّ منه إلا صورتان:
الأولى: إذا صام قبله أو بعده.
الثانية: إذا وافق يوم الجمعة صومًا معتادًا، كما في حديث مسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". والذي يظهر بناء على ذلك أنه لا يجوز إفراد الجمعة بصيام ولو كان من أيام الست من شوال؛ لعدم اندراجه تحت الصورتين السابقتين.
صيام الست في غير شوال
السؤال: هل صحيح أنه يجوز صيام الست في غير شوال؛ لوجود رواية تقول : " من صام رمضان وأتبعه بست " من دون تحديد شوال ؟
المجيب د. محمد بن تركي التركي
الجواب:
لا يشرع أن يصوم الإنسان الست من شوال في غير شهر شوال؛ لأن الحديث جاء بتخصيص هذه الأيام الستة في شهر شوال فقط، كما في الحديث الذي عند مسلم (1164) وغيره من حديث أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه - "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال"، وأما ما جاء في بعض الروايات " وستة أيام بعده" انظر ما رواه ابن ماجة (1715) والدارمي (1755)، وأحمد (21906) من حديث ثوبان بن بجدد – رضي الله عنه - فهي محمولة على أنها من شوال؛ لورود تخصيصها في الروايات الأخرى، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات ، والله أعلم .
صيام الست من شوال
السؤال: ما الدليل على استحباب صيام ستة أيام من شوال ، وما الحكمة من ذلك ؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
الجواب:
نورد لك خلاصة ما ذكره الحافظ ابن رجب في كتابه ( لطائف المعارف ) ص (389).
الدليل على مشروعيته :
خرج مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : " من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر ".
وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وقد جاء ذلك مفسراً من حديث ثوبان – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " صيام رمضان بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بشهرين ، فذلك صيام سنة " يعني رمضان وستة أيام بعده، خرجه الإمام أحمد (5/280) وابن حبان في صحيحه (3627).
وقال الإمام أحمد : ليس في أحاديث الباب أصح منه .
ولعل من الحكم في ذلك :
أولاً: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها المسلم أجر صيام الدهر كلُّه .
ثانياً: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص ؛ فإن الفرائض تكملُ بالنوافل يوم القيامة ، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل ، فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال .
ثالثاً: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب ، فمعاودة الصيام بعد الفطر شكرٌ لهذه النعمة ، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب .
وقد أمر الله – سبحانه وتعالى – عباده بشُكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره ، فقال : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون " [البقرة: 185]، فمن جملة شكر العبد لربّه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك .
رابعاً: أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بإنقضاء رمضان ، بل هي باقية ما دام العبد حياً، فالعائد إلى الصيام بعد فطره يدّل عودُه على رغبته في الصيام وأنه لم يملَّه ولم يستثقله ولا تكرّه به .
شهر شوال كله محل لصيام الست
السؤال: هل يجوز للإنسان أن يختار صيام ستة أيام في شهر شوال ، أم أن صيام هذه الأيام لها وقت معلوم ؟ وهل إذا صامها تكون فرضاً عليه ؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر " خرجه الإمام مسلم في الصحيح ، وهذه الأيام ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر ، فإذا شاء صامها في أوله ، أو في أثنائه، أو في آخره ، وإن شاء فرقها ، وإن شاء تابعها ، فالأمر واسع بحمد الله ، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل ؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير ، ولا تكون بذلك فرضاً عليه ، بل يجوز له تركها في أي سنة ، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل ؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل " والله الموفق .
[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز – رحمه الله- الجزء 15 ص 390]
--------------------------------------------------------------------------------
لا يشترط التتابع في صيام ست شوال
السؤال: هل يلزم في صيام الست من شوال أن تكون متتابعة أم لا بأس من صيامها متفرقة خلال الشهر ؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
صيام ست من شوال سنة ثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويجوز صيامها متتابعة ومتفرقة ؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أطلق صيامها ولم يذكر تتابعاً ولا تفريقاً ، حيث قال – صلى الله عليه وسلم - : " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه . وبالله التوفيق .
[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – الجزء 15 ص 391]
صوم الست من شوال قبل قضاء رمضان
السؤال: هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان ؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
قد اختلف العلماء في ذلك، والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست وغيرها من صيام النفل ؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر " خرجه مسلم في صحيحه . ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان ؛ ولأن القضاء فرض، وصيام الست تطوع ، والفرض أولى بالاهتمام والعناية . وبالله التوفيق .
[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز – رحمه الله- الجزء 15 ص 392]
التطوع بصيام شهرين متتابعين
السؤال: هل يجوز الصوم كل يوم بدون انقطاع لمدة شهرين أو أكثر - مثلاً -تطوعاً لله - سبحانه وتعالى - ، وبدون أي سبب ككفارة – مثلاً-، وبارك الله فيكم على مجهوداتكم.
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
لا شك أن الصوم عبادة من أفضل العبادات، وقد كان لرسولنا – صلى الله عليه وسلم – حظ وافر من هذه العبادة، إلا أنه - بأبي هو وأمي - لم يصم شهراً كاملاً قط غير رمضان، كما قالت عائشة – رضي الله عنها - : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، فما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان " ، أخرجه البخاري (2/50) ح (1969)، ومسلم (2/810) ح (1156) .
وروى مسلم في صحيحه (1/513 – 514) ح(746) عن عائشة - رضي الله عنها – أيضاً أنها قالت – في ضمن بيان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدة أمور - :" ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم – قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان " .
ولا يخفى أن صيام شهرين متتابعين، لم يرد في الشرع إلا مورد الكفارة المغلظة في قتل النفس خطأ، أو في كفارة الظهار، أو في كفارة الجماع في نهار رمضان.
وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم - ، والاقتصار على ما ورد هو الخير والبركة، من صيام ثلاثة أيام من كل شهر ( ومنها : الأيام البيض)، أو الاثنين والخميس ، أو ست من شوال، وإن نشط وقوي فصيام يوم وإفطار يوم.
وعليه فلا يشرع للمسلم أن يواصل صيام شهرين متتابعين أو أكثر، ما لم يكن هناك سبب شرعي، ولأنه إذا واصل أكثر من ذلك فيخشى أن يتصل به الأمر إلى صيام الدهر، وهو منهي عنه كما في الصحيحين ( البخاري " 1975 " ومسلم " 1159" ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – والله أعلم .
هل صح في صيام العشر من ذي الحجة حديث؟
السؤال: هل ثبت في الحث على صيام أيام العشر من ذي الحجة شيء مخصوص؟ ثم إن لم يثبت منها شيء فهل يعني هذا عدم مشروعية صيامها؟
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
جاء في فضل العمل في أيام العشر – دون تحديد نوعه، لا صيام ولا غيره – الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري 1/306، باب فضل العمل في أيام التشـريق ح (969)، واللفظ له، وأبو داود 2/815، باب في صوم العشر ح(2438) ،والترمذي 3/130، باب ما جاء في العمل في أيام العشر ح(757)، وابن ماجه 1/550، باب في صيام العشر ح (1727) من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلاَّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء ".
وأما النص على الصيام، فجاء فيه حديث عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - قالت : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر والخميس " أخرجه أبو داود وغيره كما سيأتي مفصلاً وهو حديث ضعيف.وعن أبي هريرة:" ما من أيامٍ أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كلِّ يوم منها بصيام سنة. وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر "أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث ضعيف أيضاً. وهناك أحاديث أخر وكلها ضعيفة أو موضوعة ،كما أشار إلى ذلك ابن رجب في "اللطائف" بقوله – بعد أن ذكر حديث الباب، وأحاديث أخر -: "وفي المضاعفة أحاديث مرفوعة، لكنها موضوعة، فلذلك أعرضنا عنها وعما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر، وهي كثيرة ... وقد روي في خصوص صيام أيامه، وقيام لياليه، وكثرة الذكر فيه، ما لا يحسن ذكره لعدم صحته" ا هـ ، والله أعلم.
وبعد :فإن ضعف هذه الأحاديث الواردة بخصوص الحث على صيام أيام العشر ،لا يلغي مشروعية صيامها ؛لأنها بلا شك من جملة العمل الصالح الذي ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري وغيره ـ كما سبق آنفاً ـ .فإن قيل : ما لجواب عن قول عائشة رضي الله عنها ـ الذي سبق قريباً ـ : "ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط " أفلا يدل ذلك على استثناء الصيام ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن النبي – صلى الله عليه وسلم - ربما ترك العمل خشية أن يفرض على أمته ـ كما في الصحيحين من حديث عائشة ـ أو لعلة أخرى قد لا تظهر لنا ،كتركه قيام الليل ،وكتركه هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ،وأمثلة ذلك كثيرة.ومن جملة هذه الموانع ،أن تركه – صلى الله عليه وسلم - لصيام العشر قد يكون لأن الصيام فيه نوع كلفة ،ولديه – صلى الله عليه وسلم - من المهام العظيمة المتعدي نفعها للأمة من تبليغ الرسالة ،والجهاد في سبيله ،واستقبال الوفود ،وإرسال الرسل ،وكتابة الكتب ،وغيرها من الأعمال الجسام،فلو صام كل هذه الأيام لربما حصل فيها نوع مشقة، بل ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أنه لما سأل عن صيام يوم وإفطار يوم قال" وددت أني طوقت ذلك".
الثاني : أن العمل يكفي لثبوت مشروعيته أي نص ثابت ،ولا يلزم منه أن يعمله هو – صلى الله عليه وسلم - فهاهم الناس يصومون ستاً من شوال اعتماداً على حديث أبي أيوب المشهور، وغيره من الأحاديث، مع أنه ـ حسب علمي ـ لم يثبت حديث واحد يدل على أنه – صلى الله عليه وسلم - يصومه ،فهل يمكن لأحد أن يقول لا يشرع صوم الست لأنه – صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه صومها ؟! لا أعلم أحداً يقول بهذا بناء على هذا المأخذ الأصولي، وأما خلاف الإمام مالك ـ رحمه الله ـ فلم يكن يرى مشروعية صيامها ،ليس بناء على هذا المأخذ، وإنما لأسباب أخرى معلومة عند أهل العلم، وليس هذا المقام مناسبا لذكرها .وقل مثل هذا في سنن كثيرة العمدة فيها على عموميات قولية ،لم يثبت عنه – صلى الله عليه وسلم -فعلها بنفسه ،كصيام يوم وإفطار يوم، وصيام يوم عرفة ـ الذي هو أحد أيام العشر ـ وغيرها من الأعمال الصالحة.
الثالث : وهو مبني على ما سبق ،أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة ،بل هو العمل الوحيد الذي اختص الله تعالى بجزائه ـ فرضاً ونفلاً ـ وورد في فضل نوافله أحاديث كثيرة يمكن لمن أراد الوقوف على بعضها ،أن يطالع رياض الصالحين للنووي ،أو جامع الأصول لابن الأثير ،وغيرها من الكتب .وقد راجعت كثيراً من كتب الفقهاء ،وإذا هم يذكرون من جملة ما يستحب صيامه صيام أيام العشر ـ أي سوى العيد كما هو معلوم ـ ولم أر أحداً ذكر أن صيامها لا يشرع أو يكره ،بل إن ابن حزم – رحمه الله – على ظاهريته قد قال باستحباب صيام أيام العشر. والذي دعاني للإطالة في هذا المقام ـ مع ظهوره ووضوحه ـ هو أنني وقفت على كلام لبعض إخواني من طلبة العلم ،ذكر فيه أن من جملة أخطاء الناس في العشر صيام هذه الأيام !! حتى أحدث كلامه هذا بلبلة عند بعض العامة الذين بلغهم هذا الكلام ،ولا أعلم أحداً قال بهذا من أهل العلم في القرون الغابرة ـ حسب ما وقفت عليه ـ ،ولا أدري ما الذي أخرج الصيام من جملة العمل الصالح ؟ .وبما تقدم تفصيله يمكن الجواب عما استشكله ذلك الأخ وغيره ،والله تعالى أعلم .أما الأحاديث الخاصة ، فسأذكر حالها بشيء من الإجمال ـوالتفصيل لا تحتمله هذه الفتوىـ فللتفصيل موضع آخر، وذلك كما يلي: أولاً : قال أبو داود 2/815 باب في صوم العشر ح ( 2437 ) : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الحرّ بن الصيّاح ، عن هنيدة بن خالد ، عن امرأته ، عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - قالت : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر والخميس " .
تخريجه :*أخرجه النسائي 4/205 باب صوم النبي – صلى الله عليه وسلم - ح (2372)،وفي باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح (2417، 2418) ،وأحمد 5/271،6/288،423 من طرق عن أبي عوانة به بنحوه ، إلاّ أن في ألفاظهم : " أول اثنين وخميسين " ، وهذا هو الموافق لقولها : " ثلاثة أيام " ، وأما رواية أبي داود فقد سبق الإشارة إلى أنها في بعض روايات السنن : " والخميس والخميس " بالتكرار .*وأخرجه النسائي 4/220 ،باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح ( 2416) ،وأحمد 6/287 ، وابن حبان 14 / 332 ح ( 6422 ) من طريق أبي إسحاق الأشجعي ،عن عمرو بن قيس الملائي ،والنسائي في " الكبرى " 2/135 ، باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ح ( 2723 ) من طريق زهير بن معاوية أبي خثيمة ، والنسائي في " الكبرى " 2/135، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح( 2722) ، من طريق شريك ، ثلاثتهم ( عمرو ، وزهير ، وشريك ) عن الحر بن الصياح ، عن هنيدة ، عن حفصة، إلاّ أن لفظ عمرو هو:" أربع لم يكن يدعهن النبي –صلى الله عليه وسلم-: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين قبل الغداة " ، ولفظ زهير : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، أول اثنين من الشهر ، ثم الخميس ، ثم الخميس الذي يليه"، ورواه شريك فجعله من مسند ابن عمر بلفظ حديث زهير. *وأخرجه أبو داود 2/822 ، باب من قال الاثنين والخميس ح ( 2452 ) عن زهير بن حرب ، والنسائي 4/221 ، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح(2419) عن إبراهيم الجوهري ، وأحمد 6/289 ، 310 ، ثلاثتهم ( زهير، والجوهري، وأحمد ) عن محمد بن فضيل ، والطبراني في " الكبير " 23/216 ، 420 ، من طريق عبد الرحيم بن سليمان ،كلاهما ( ابن فضيل ، وعبد الرحيم ) عن الحسن بن عبيد الله ، عن هنيدة ، عن ـ أمه – لم يقل عن امرأته – عن أم سلمة فذكر نحوه ، إلاّ أنه ليس في حديث الحسن بن عبيد الله ذكر لصيام تسع ذي الحجة ، وصيام يوم عاشوراء ، بل اقتصر على الأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر قال زهير في حديثه : " أولها الاثنين والخميس "، ولفظ الجوهري: " أول خميس ، والاثنين والاثنين " بالتكرار ، ولفظ أحمد:" أولها الاثنين والجمعة والخميس" .
--------------------------------------------------------------------------------
الحكم عليه: إسناد أبي داود رجاله ثقات، إلاّ أنه وقع في إسناده ومتنه اختلاف على هنيدة، الذي مدار الحديث عليه، ووقع فيه تفرد أبي إسحاق الأشجعي ، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحر، عن هنيدة، عن حفصة ، ومثل هذا بعيد أن يصحح حديثه إذا انفرد ،فكيف وقد وقع فيه هذه الااختلاف في إسناده ومتنه ؟.
ومما يضعف به حديث الباب إضافة إلى ما سبق ، أن ما تضمنه من الإخبار عن صيام النبي – صلى الله عليه وسلم - لتسع ذي الحجة ، مخالف لما ثبت في صحيح مسلم 2/833 ح ( 1176) ، وأبي دواد 2/816 ، باب في فطر العشر ح ( 2439 ) ، والترمذي 3/129، باب ما جاء في صيام العشر ح ( 756 ) ، ولفظ مسلم عن عائشة رضي الله عنها : " ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط " ، ولفظ مسلم الآخر : " أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يصم العشر " . ويضاف إلى ذلك أيضاً : السماع ، فليس في شيء منه التصريح بالتحديث سوى رواية أمه عن أم سلمة رضي الله عنها ، والله أعلم .
ثانياً: قال الترمذي 3/131 باب ما جاء في العمل في أيام العشر ح(758) : حدثنا أبو بكر بن نافع البصري، حدثنا مسعود بن واصل، عن نهاس بن قهْم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة:" ما من أيامٍ أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كلِّ يوم منها بصيام سنة. وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر ".قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث مسعود بن واصل ،عن النهاس، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا ، وقال: قد روي عن قتادة ، عن سعيد بن المسيَّب عن النبي– صلى الله عليه وسلم - مرسلاً شيءً من هذا ،وقد تكلم يحيى بن سيعد في نهاس بن قهم من قبل حفظه.
تخريجه:*أخرجه ابن ماجه 1/551، باب صيام العشر ح(1728) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/208 من طريق محمد بن مخلد العطار،كلاهما (ابن ماجه، والعطار) عن عمر بن شبة ، عن مسعود بن واصل به بنحوه.*وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص(120) ح(206) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، وعلقه الدارقطني في "العلل" 9/200 عن الأعمش عن أبي صالح،كلاهما (أبو سلمة، وأبو صالح ) عن أبي هريرة بنحوه، ولفـظ أبي سلمة :"ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من عشر ذي الحجة : التحميد ،والتكبير،والتسبيح والتهليل".
الحكم عليه: إسناد الترمذي فيه مسعود، والنهاس، وكلاهما ضعيف ، وقد قال الإمام الدارقطني في "العلل" 9/199: "وهو حديث تفرد به مسعود بن واصل، عن النهاس بن قهم ، عن قتادة، عن ابن المسيب ،عن أبي هريرة ".
ومع هذا التفرد في وصله، فإن بعض الأئمة صوَّبوا كونه عن قتادة ،عن سعيد بن المسيب مرسلاً كما أشار إلى ذلك البخاري – فيما نقله عنه الترمذي عقب إخراجه للحديث – وقال الدارقطني في "العلل" 9/200: " وهذا الحديث، إنما روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب مرسلاً".وهذا المرسل الذي صوَّبه الأئمة من رواية قتادة ،عن سعيد بن المسيب، سلسلة جعلها الحافظ ابن رجب – كما في شرح العلل 2/845 – من الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلاَّ شيء يسير،مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك، ونقل عن البرديجي قوله – عن هذه السلسة –: "هذه الأحاديث كلها معلولة،وليس عند شعبة منها شيء،وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث، وعند هشام منها آخر، وفيهما نظر" ا هـ.
وقد بين الإمام أحمد سبب ضعفها أيضاً – فيما نقله عنه أبو داود في مسائله (304) – بقوله: "أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشر رجالْ لا يعرفون".وأما الطريق التي رواها أبو صالح، فقد صوَّب الدارقطني – في العلل 9/200 – إرسالها.
وأما رواية الحديث من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، فقد سأل الترمذي الإمامين البخاري، وأبا عبدالرحمن الدارمي عنه، فلم يعرفاه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة.وقـال الدارقطني في "العلل" 9/200:" تفرد به أحمد بن محمد بن نيزك – وهو شيخ الترمذي في هذا الحديث – عن الأسود بن عامر، عن صالح بن عمر، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه ".
وكلام الدارقطني في "العلل" كله يدور على أن الحديث لا يصح مرفوعاً من حديث أبي هريرة، بل هو مرسل ، وعلى إرساله من رواية قتادة عن ابن المسيب ، وهي سلسلة مطروحة .
وقد ضعف الحديث جماعة من أهل العلم، ومنهم :
1- الحافظ ابن رجب، في "لطائف المعارف" ص (459)، وفي "فتح الباري" 9/16،17.
2- الحافظ ابن حجر، في "الفتح" 2/534 ح(969).والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
صيام يوم عاشوراء
السؤال: أسأل عن حكم صيام عاشوراء، وصفة صومه، وهل يوجّه الناس إلى تحرِّي هلال شهر المحرم؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
صيام يوم عاشوراء سنة يستحب صيامه؛ صامه النبي –صلى الله عليه وسلم- وصامه الصحابة، وصامه موسى قبل ذلك شكراً لله –عز وجل-؛ ولأنه يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى وبنو إسرائيل شكراً لله –عز وجل-، ثم صامه النبي –صلى الله عليه وسلم- شكراً لله –عز وجل- وتأسياً بنـبي الله موسى، وكان أهل الجاهلية يصومونه أيضاً، وأكَّده النبي –صلى الله عليه وسلم-على الأمة، فلما فرض الله رمضان قال:" من شاء صامه ومن شاء تركه" رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وأخبر –عليه الصلاة والسلام- أن صيامه يكفِّر اللهُ به السنةَ التي قبله.
والأفضل أن يصام قبله يوم أو بعده يوم خلافاً لليهود؛ لما ورد عنه –عليه الصلاة والسلام-:" صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" رواه أحمد، وفي لفظ:" صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" فإذا صام يوماً قبله أو بعده يوماً، أو صام اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده، أي صام ثلاثة أيام فكله طيب، وفيه مخالفة لأعداء الله اليهود.
أما تحري ليلة عاشوراء فهذا أمر ليس باللازم؛ لأنه نافلة ليس بالفريضة. فلا يلزم الدعوة إلى تحري الهلال؛ لأن المؤمن لو أخطأه فصام بعده يوماً وقبله يوماً لا يضره ذلك، وهو على أجر عظيم. ولهذا لا يجب الاعتناء بدخول الشهر من أجل ذلك؛ لأنه نافلة فقط.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز –رحمه الله- الجزء الخامس عشر ص (401)]
وافق تاسوعاء يوم السبت، فهل يصام؟
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كما تعلمون – حفظكم الله – وافق هذا العام يوم التاسع من محرم 1415هـ يوم السبت، وكان يوم العاشر يوم الأحد حسب تقويم أم القرى، وعملاً بالحديث : "لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع والعاشر" الحديث أو كما قال – صلى الله عليه وسلم -، صمت يومي السبت والأحد.
وقد استشكل بعضهم صوم السبت تطوعاً فأرجو من سماحتكم إيضاح هذا الإشكال مع ذكر الحديث ومدى صحته، وما نصيحتكم حول هذا الموضوع؟ والله يحفظكم.
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. وكان – صلى الله عليه وسلم – يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعاً. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز – رحمه الله تعالى – (15/412-413)].
استئذان المرأة زوجها في صيام التطوع
السؤال: هل يلزم المرأة أن تأخذ إذناً من زوجها أثناء صيام التطوع وما حكم هذا الصيام؟
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
الجواب:
نعم. لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه لأن له عليها حق العشرة والاستمتاع فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه، فلا يجوز لها ذلك ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه.
[المنتقى من فتوى الفوزان (4/73-74)].
الأيام المنهي عن صيامها
السؤال: ما الأيام التي يكره الصيام فيها؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
الأيام التي ينهى عن الصيام فيها يوم الجمعة، حيث لا يجوز أن يصوم يوم الجمعة مفرداً يتطوع بذلك؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك.
وهكذا لا يفرد يوم السبت تطوعاً، لكن إذا صام الجمعة ومعها السبت أو معها الخميس فلا بأس، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك ينهى عن صوم يوم عيد الفطر وذلك محرم. وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك، إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي؛ لما ثبت في البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – وابن عمر – رضي الله عنهما – قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، أما كونها تصام تطوعاً أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد؛ وهكذا يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت رؤية الهلال، فإنه يوم شك لا يجوز صومه في أصح قولي العلماء سواء كان صحواً أو غيماً؛ للأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن ذلك، والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز – رحمه الله تعالى – (15/407 – 408)].
إفراد يوم الجمعة بالصيام
السؤال: هل يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً قضاء؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
صيام يوم الجمعة منفرداً نهى عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا كان صومه لخصوصيته؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – دخل على امرأة من نسائه فوجدها صائمة يوم الجمعة؛ فقال: "أكنت صمت أمس؟" قالت: لا، فقال: "أتريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا، قال: "فأفطري"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده". لكن إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك؛ لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم الجمعة، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ وذلك لأنه يوم فراغه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فصامه فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء لا لأنه يوم الجمعة، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام"، فنص على التخصيص، أي على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز رحمه الله تعالى (15/414-415)].
الصيام بنية التطوع والقضاء
السؤال: هل يجوز صيام التطوع بنيتين: نية قضاء ونية سنة؟ وما حكم الصوم بالنسبة للمسافر والمريض؟ إذا كانا قادرين على الصيام فهل يقبل منهما أم لا؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
لا يجوز صيام التطوع بنيتين، نية القضاء ونية السنة، والأفضل للمسافر سفر قصر أن يفطر، ولكنه لو صام أجزأه، والأفضل لمن يشق عليه الصوم مشقة فادحة لمرضه أن يفطر، وإن علم أو غلب على ظنه أنه يصيبه ضرر أو هلاك بصومه وجب عليه الفطر؛ دفعاً للحرج والضرر، وعلى كل من المسافر والمريض قضاء صيام ما أفطره من أيام رمضان في أيام أخر، ولكنه لو صام مع الحرج أجزأه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/383)].
موالاة صيام الست
السؤال: هل صيام الأيام الستة يلزم بعد شهر رمضان عقب يوم العيد مباشرة أو يجوز بعد العيد بعدة أيام؟ على أن تصام متتالية في شهر شوال؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
لا يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة، بل يجوز أن يبدأ صومها بعد العيد بيوم أو أيام، وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما يتيسر له، والأمر في ذلك واسع، وليست فريضة بل هي سنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/391)].
إفراد يوم الجمعة بالصيام
السؤال: أريد أن أصوم يوم الجمعة بمفرده عن يوم من أيام الست من شوال، هل هذا داخل في النهي؟ أفيدونا مأجورين.
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
الجواب:
لا بأس بإفراد يوم الجمعة بصيام عن قضاء فريضة أو نذر أو صيام ست من شوال، لحديث جابر عن النبي –صلى الله عليه وسلم-:"لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" رواه مسلم (1144) وغيره.
قضاء صوم النافلة
السؤال: أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وفي أحد الأشهر أصابني مرض فلم أصمها، فهل علي قضاء أو كفارة؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
صوم النافلة لا يقضى ولو ترك اختياراً، إلا أن الأولى بالمسلم المداومة على ما كان يعمله من عمل صالح؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "أحب الأعمال إلى الله ماداوم عليه صاحبه وإن قل" فلا قضاء عليك في ذلك، ولا كفارة، علماً أن ما تركه الإنسان من عمل صالح كان يعمله لمرض أو عجز أو سفر ونحو ذلك يكتب له أجره؛ لحديث: "إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" رواه البخاري في صحيحه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/402-403)].
أفضل الأيام للتطوع بالصيام
السؤال: ما خير الأيام لصيام التطوع وأفضل الشهور لإخراج الزكاة؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
أفضل الأيام لصيام التطوع: الإثنين والخميس، وأيام البيض، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، وعشر ذي الحجة، وخاصة يوم عرفة، والعاشر من شهر محرم، مع صيام يوم قبله أو يوم بعده، وستة أيام من شوال.
أما الزكاة فتخرج بعد تمام الحول إذا بلغ المال نصاباً في أي شهر.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/385)].
نوى الصوم بعد الزوال
السؤال: إنه في يوم الإثنين استيقظت عند صلاة الظهر، فهل يجوز أن أكمل اليوم وأصوم؟ مع العلم أنني لم تكن عندي نية الصيام في هذا اليوم، وشكراً.
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
الجواب:
إذا كان الصوم نفلاً يجوز له أن ينويه من النهار، لما روى مسلم (1154) من حديث عائشة – رضي الله عنها - قالت: دخل عليَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: "فإني إذن صائم"، قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "فإني إذن صائم" تعليل لهذا الحكم بعدم وجود شيء في البيت، وهذا الحديث مطلق لم يقيد بما قبل الزوال أو بعد الزوال، فيجوز أن ينوي صيام هذا اليوم قبل الزوال وكذلك بعد الزوال، إلا أن الأجر يحسب له من حين النية، فليس من نوى قبل الزوال كمن نوى بعد الزوال، وكذلك جاءت الآثار الكثيرة عن الصحابة – رضي الله عنهم - مثل ما جاء عن أبي الدرداء وعن أبي طلحة وعن أنس وعن حذيفة وعن ابن مسعود أنهم صاموا بنية من النهار، -رضي الله عنهم- أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
الصيام في شهر شعبان
السؤال: ما حكم الصيام في شهر شعبان، وهل ليوم النصف منه وليلته مزية خاصة، وما حكم ما يقوم به بعض الناس من توزيع للأطعمة والهدايا في المنتصف منه؟.
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
الجواب:
اخترنا لك أخي الكريم إجابة شاملة لسؤالك بإذن الله لفضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – فإليك ما قاله الشيخ - رحمه الله – في هذا الموضوع:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فهذه كلمات يسيرة في أمور تتعلق بشهر شعبان.
الأمر الأول: في فضل صيامه.
ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان» البخاري (1969)، ومسلم (1156). وفي البخاري (1970) في رواية: «كان يصوم شعبان كله». وفي مسلم في رواية: «كان يصوم شعبان إلا قليلاً». وروى الإمام أحمد (21753)، والنسائي (2357) من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: «لم يكن (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) يصوم من الشهر ما يصوم من شعبان»، فقال له: لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال في الفروع (ص 120 ج 3 ط آل ثاني): والإسناد جيد.
الأمر الثاني: في صيام يوم النصف منه.
فقد ذكر ابن رجب - رحمه الله تعالى - في كتاب اللطائف (ص 341 ط دار إحياء الكتب العربية) أن في سنن ابن ماجة (1388) بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر».
قلت: وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع، حيث قال (ص 226 في المجلد الخامس من مجموع فتاويه): والصواب أنه موضوع، فإن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن أبي سبرة، قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين: إنه كان يضع الحديث.
وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث، اللهم إلا أن يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد، حتى يرتقي الخبر بها إلى درجة الحسن لغيره، فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذًّا.
وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة، لأن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» أخرجه مسلم (867) من حديث جابر – رضي الله عنه - .
الأمر الثالث: في فضل ليلة النصف منه.
وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي السابق: إنه قد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في صحيحه. ومن أمثلتها حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: "أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". خرجه الإمام أحمد (26018) والترمذي (739) وابن ماجة (1389)، وذكر الترمذي أن البخاري ضعَّفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف. اهـ.
وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً.
وذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله تعالى- أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل، فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره، ولا يمكن أن تصل إلى درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث.
الأمر الرابع: في قيام ليلة النصف من شعبان، وله ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يصلى فيها ما يصليه في غيرها، مثل أن يكون له عادة في قيام الليل فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة، معتقداً أن لذلك مزية فيها على غيرها، فهذا أمر لا بأس به، لأنه لم يحدث في دين الله ما ليس منه.
المرتبة الثانية: أن يصلى في هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها من الليالي، فهذا بدعة، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر به، ولا فعله هو ولا أصحابه.
وأما حديث علي ـ رضي الله عنه ـ الذي رواه ابن ماجة: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها». فقد سبق عن ابن رجب أنه ضعَّفه، وأن محمد رشيد رضا قال: إنه موضوع، ومثل هذا لا يجوز إثبات حكم شرعي به، وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، فإنه مشروط بشروط لا تتحقق في هذه المسألة، فإن من شروطه أن لا يكون الضعف شديداً، وهذا الخبر ضعفه شديد، فإن فيه من كان يضع الحديث، كما نقلناه عن محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى.
الشرط الثاني: أن يكون وارداً فيما ثبت أصله، وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه أحاديث ضعفها غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به، رجاء للثواب المذكور دون القطع به، وهو إن ثبت كان كسباً للعامل، وإن لم يثبت لم يكن قد ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل. ومن المعلوم أن الأمر بالصلاة ليلة النصف من شعبان لا يتحقق فيه هذا الشرط، إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره ابن رجب وغيره. قال ابن رجب في اللطائف (ص 541): فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه شيء. وقال الشيخ محمد رشيد رضا (ص 857 في المجلد الخامس): إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة اهـ.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: ما ورد في فضل الصلاة في تلك الليله فكله موضوع. اهـ.
وغاية ما جاء في هذه الصلاة ما فعله بعض التابعين، كما قال ابن رجب في اللطائف (ص 441) : وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك: فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، وقالوا: ذلك كله بدعة. اهـ.
ولا ريب أن ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي لا ريب فيه، وذلك لأن الله تعالى يقول: "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً" [المائدة:3] ولو كانت الصلاة في تلك الليلة من دين الله تعالى لبيَّنها الله تعالى في كتابه، أو بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله، فلما لم يكن ذلك علم أنها ليست من دين الله، وما لم يكن منه فهو بدعة، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل بدعة ضلالة».
المرتبة الثالثة: أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم، يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة. والأحاديث الواردة فيها أحاديث موضوعة، قال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 15 ط ورثة الشيخ نصيف): وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة.
الأمر الخامس: أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام.
وهذا باطل، فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى: "حمۤ * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ" [الدخان –6] وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كما قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ" وهي في رمضان، لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ" [البقرة:185] فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف ما دل عليه القرآن في هذه الاۤيات.
الأمر السادس: أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين.
وهذا أيضاً لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيها: «كل بدعة ضلالة».
وليعلم أن من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه يقع في عدة محاذير منها:
المحذور الأول: أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ "[المائدة:3]، لأن هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول الاۤية، فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته.
المحذور الثاني: أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله، حيث أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه. والله سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ الحدود وحذَّر من تعديها، ولا ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم بين يدي الله ورسوله، وتعدى حدود الله، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.
المحذور الثالث: أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال الله تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ" [الشورى:21].
المحذور الرابع: أن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بكون هذا العمل من الدين، وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه، وكلاهما قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأول فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة، وأما الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين الله تعالى.
المحذور الخامس: أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى، وإدخالهم فيها ما ليس منها، في العقيدة والقول والعمل، وهذا من أعظم العدوان الذي نهى الله عنه.
المحذور السادس: أن ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور، أو التقصير، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله: "وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران:105]، وفيما حذر منه بقوله: "إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" [الأنعام: 159].
المحذور السابع: أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع، فإنه ما ابتدع قوم بدعة إلا هدموا من الشرع ما يقابلها.
وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة لكفاية لمن هداه الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره، قال الله تعالى: "يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". وقال الله تعالى: "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاي فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ " [طه:123].
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا في الدنيا والاۤخرة إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله 20/25-33].
صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة
السؤال: كثر السؤال حول موضوع صيام يوم عرفة وقد وافق يوم السبت هذا العام، ويستشكل بعضهم أنه ورد في صيام يوم السبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم". أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
سئل فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن هذا الحديث فإليك نص الجواب:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. انظر صحيح البخاري (1985), وصحيح مسلم (1144). وكان – صلى الله عليه وسلم – يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". انظر مسند أحمد (26750), وصحيح ابن حبان (3616). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعاً. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز – رحمه الله تعالى – (15/412-413)].
صيام الأيام البيض
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل صح حديث في فضل صيام البيض، أم أن ما صح هو صيام ثلاثة أيام من كل شهر بدون تحديد؟
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لاريب أن الأصح هو ما ورد في صيام ثلاثة أيام من كل شهر من غير تحديد- كما ثبت ذلك في صحيح مسلم (1160) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
ومع هذا فإن صيام الأيام البيض الأحاديث فيها جيدة، وأقواها حديث جرير عند النسائي (2420)، ويقوي هذه الأحاديث ما عضدها من آثار صحاحٍ عن الصحابة، رضي الله عنهم، وعلى رأسهم الفاروق عمر، رضي الله عنه، فقد روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده (340- بغية) بسند صحيح أن عمر، رضي الله عنه، كان يصوم الأيام البيض، ومثل هذا لا يفعله عمر، رضي الله عنه، إلا عن توقيف، والله أعلم. وإذا ضممنا إلى ذلك- على سبيل الاستئناس- ما أثبته الطب من أن الدم في الليالي القمرية يحصل له شيء من الحركة الزائدة، فإنه قد ثبت أن الصوم يضيق مجاري الدم، فبهذا تلتقي الجهتان: الطبية مع الشرعية. وهذا- كما قلت- يُذكر على سبيل الاستئناس، وإلا فالشرع لا يثبت بمثل هذه الآراء المجردة. وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
هل ليلة القدر تختلف باختلاف البلدان؟!
السؤال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر: "التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"، ونظراً لاختلاف التقويم بين البلاد الإسلامية، فتختلف الليالي الوتر من بلد إلى آخر، فمثلاً هذا العام يوجد اختلاف بين مصر والسعودية في بداية الشهر، فتكون الليالي الوتر بمصر ليست وتراً في السعودية، فكيف يكون ذلك؟ وهل ليلة القدر هي واحدة فقط؟ -وجزاكم الله خير الجزاء-، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
الجواب:
الذي يظهر لي أنها لا تتكرر، وإنما هي ليلة واحدة في السنة، والنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" رواه البخاري(2016)، ومسلم(1167) من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، فكل العشر محل لأن تقع فيها ليلة القدر من وتر وغيره، وهو لما قال: "في الوتر"، لم يلغ الالتماس في غير الوتر، كما أنه قال: "التمسوها ليلة سبع وعشرين" انظر ما رواه مسلم(762) من حديث أُبي بن كعب-رضي الله عنه- أو: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" رواه البخاري(2015)، ومسلم(1165) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-"، وقال: "التمسوها في سبع يمضين، أو سبع يبقين" انظر ما رواه البخاري(2021)، وهذا اللفظ عند أحمد(2539)، من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-، وهذا يختلف من الشهر كونه تسع وعشرين أو ثلاثين، وعلى هذا فهي ليلة واحدة، فإذا كانت – مثلا- ليلة السبع وعشرين في السعودية فهي ليلة ثمان وعشرين في مصر، أو إذا كانت ليلة سبع وعشرين في مصر فهي ليلة ست وعشرين في السعودية بالنسبة لرمضان هذه السنة، والإنسان مطلوب منه أن يجتهد في العشر كلها، وهي ليلة خفية لم يعلم ما هي بالتحديد، ولهذا كان – عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر؛ طلباً لثوابها وإدراكها، وهو على حال يكون فيها أحسن ما يكون من التقرب إلى الله – تعالى- وحسن المناجاة له. والله ولي التوفيق.
الاعتكاف وأحكامه
السؤال: ما هو الاعتكاف ؟ وإذا أراد الإنسان أن يعتكف فماذا عليه أن يفعل وماذا عليه أن يمتنع؟ وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في البيت الحرام؟ وكيف يكون ذلك؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب:
الاعتكاف : عبادة وسنة وأفضل ما يكون في رمضان في أي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة ، كما قال تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " فلا مانع من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ، من الرجل والمرأة ، إذا كان لا يضر بالمصلين ولا يؤذي أحداً فلا بأس بذلك ، والذي على المعتكف أن يلزم معتكفه ويشتغل بذكر الله والعبادة ، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك أو لحاجة الطعام إذا كان لم يتيسر له من يحضر له الطعام فيخرج لحاجته فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخرج لحاجته ، ولا يجوز للمرأة أن يأتيها زوجها وهي في الاعتكاف ، وكذلك المعتكف ليس له أن يأتي زوجته وهو معتكف ؛ لأن الله تعالى قال : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " والأفضل له ألا يتحدث مع الناس كثيراً بل يشتغل بالعبادة والطاعة ، لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله وتحدثت معهم أو معهن فلا بأس ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره نساؤه في معتكفه ويتحدث معهن ثم ينصرفن فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك.
والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة ؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك ، وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجباً بالنذر وهو في حق المرأة والرجل سواء ، ولا يشترط أن يكون معه صوم على الصحيح فلو اعتكف الرجل أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان .
مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- ،الجزء الخامس عشر ، ص (440) .
المعتكف واستخدام الهاتف
السؤال: هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
الجواب:
نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض حوائج المسلمين إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه ؛ لأنه لم يخرج من المسجد ، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك ، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنياً بها لا يعتكف ؛ لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف لأن نفعها متعدٍّ ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته .
(كتاب الدعوة ، الجزء الثالث ، ص 61)
ليلـة القـــدر
السؤال: اعتاد بعض المسلمين وصف ليلة سبع وعشرين من رمضان بأنها ليلة القدر ، فهل لهذا التحديد أصل وهل عليه دليل ؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
الجواب:
نعم ، لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أُبيّ بن كعب – رضي الله عنه – ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً : أن ليلة القدر في العشر الأواخر ، ولا سيما في السبع الأواخر منها ، فقد تكون ليلة سبع وعشرين ، وقد تكون ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون ليلة السادس والعشرين ، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها ، فقد قال الله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " وقال - عز وجل- :" إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر. تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام هي حتى مطلع الفجر " .
(كتاب الدعوة ، الجزء الخامس ، ص 204).
عمل المسلم في ليلة القدر
السؤال: كيف يكون إحياء ليلة القدر؟ أبالصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
أولاً: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم-:"كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر"، ولأحمد ومسلم:"كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها".
ثانياً: حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
ثالثاً: من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي –صلى الله عليه وسلم- عائشة –رضي الله عنها-، فروى الترمذي وصححه عن عائشة –رضي الله عنها- قالت:"قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟" قال:"قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
رابعاً: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.
خامساً: وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلاً، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها