لفت نظري تركيزك على هو وانا وانني..عندما تمر بنا في القرآن الكريم,ولها حكمتها لو تشرح لنا عنها اكثر,وشكرا للجهد الكبير .
ع ك
لفت نظري تركيزك على هو وانا وانني..عندما تمر بنا في القرآن الكريم,ولها حكمتها لو تشرح لنا عنها اكثر,وشكرا للجهد الكبير .
ع ك
موقع عدنان كنفاني
http://www.adnan-ka.com/
لعل الضوابط التي اعتمدتها وأصّلتها واضحة تحتاج تفصيلا يَـــتْـرَى مع إحصاء الأسماء الحسنى
ولا علاقة بين الضوابط الموصوفة وبين ما يتوكأ عليه بعض المتصوفة
﴿الرحمان﴾ إن اسمَ اللهِ الرحمانَ في تفصيل الكتاب المنزل يعني أن اللهَ وعَدَ برحمة منه، ولتختر لنفسك أيها المكلف بين أن تسَعك رحمةُ الرحمان وبين أن تُـحرَمَ من رحمة الرحمان.
وكذلك دلالة قوله ﴿بسم الله الرحمان الرحيم﴾ في أوائل السور، إذ يسع المكلّفَ القراءةُ وتركُها، فإن قرأ وتدبّر واستبصر وتذكّر نال وعد الرحمان الرحيم برحمة منه، وإن لم يقرأْ أو قرأَ وأعرضَ فهو محروم من رحمة الرحمان الرحيم،كما هي دلالة قوله ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الأعراف، وكذلك دلالة البسملة في ابتداء الطاعات على أن من لم ينتفع بطاعته فهو محروم من رحمة الرحمان الرحيم.
وقد وعد الرحمان في سورة الرحمان برحمةِ من تعلّمَ القرآن وبرحمة السعيدِ الموصوف الذي علَّمه الرحمان البيانَ، وبرحمةِ الذين سيخرون سجّدا وبكيا يوم تُتلى عليهم آيات الرحمان، ومن خشيَ الرحمان بالغيب، ووعد بجنات عدن عبادَه الذين يمشون على الأرض هوْنا ولهم صفاتهم المعلومة في سورة الفرقان، وسيجعل في الدنيا للذين آمنوا وعملوا الصالحات وُدًّا، وسيُساق المتقون إليه وفدا.
ويعني تذكير النبيّ هارون قومه بأن ربهم الرحمان: أنّ من عبد العجل منهم فقد حرَمَ نفسه من رحمة الرحمان، وكذلك دلالة خطاب الصّدّيقة مريم الملكَ الرسولَ مستعيذةً بالرحمان منه، ومفوِّضة أمرها إلى الرحمان ليرحَـمَها مما قد يقصدها به الذي تَـمثّل لها بشَرا، وقد أحصنت فرجها من قبلُ ووجدت نفسَها أمام رجل غريب في خلاء من الأرض وقد ابتعدت عن أهلها مسافة كالحجاب لا يرونها ولا يصل إليهم صراخها واستغاثتُها، ويعني نذْرها للرحمان صوما أن لن تُـحاسِبَ ذا الجهل على جهله وجهالته وهو يطعن فيها ويتّهمها.
وإنما المحروم من عذّبه الرحمان بذنوب قصرت به عن رحمته التي وسعت كل شيء، وأشفق الخليل الصّدّيق النبيّ على أبيه أن يَـمسَّه عذاب من الرحمان كما في قوله ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم، ويعني أن أولياء الشيطان في الدنيا أو في الآخرة هم من وقع عليهم عذاب من الرحمان كما هي دلالة قوله ﴿تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ النحل، أي هم معذّبون في البرزخ، ولهم عذاب أليم بعده في اليوم الآخر.
ويا حسرة على الذين يسبّون الرحمانَ ويشركون به حسب مبلغهم من الكفر، لقد قطعوا عن أنفسهم كل أسباب النجاة وحرَموها من رحمة الرحمان ولا تسل عن غرور الكافرين وهم يكفرون بالرحمان ولن يجدوا جُندا ينصرُهم منه يوم يقع عليهم العذاب في الدنيا وفي الآخرة، وأشدُّ الناس عذابا في جهنم هم الأشد عُتِــــيّا في الدنيا على الرحمان.
ويا حسرة على الذين عاصروا النبـيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آياتِ الرحمان يسمعونها ولا يسلمون بل يكفرون بالرحمان، ويكفرون بذكر الرحمان، ويعني أن الرحمان لن يرحمهم.
وأيس من رحمة الرحمان الذين كذَبوا وافتروْا أن الرحمان اتَّـخذ ولدا أو آلهة تعبد من دونه، وكذلك سيفتريها مبلسون في آخر الأمة وبينته في مادة ولد.
وقد عذّب الرحمان في الدنيا المكذبين بذكر ربهم ولن يجد خلَفهم في آخر هذه الأمة من يكلؤهم بالليل والنهار منه.
وامتلأ حكمة رجل جاء يسعى من أقصا المدينة ليعز الرسل الثلاثة إذ علم أن من يُرِدْهُ الرحمان بضر لن تغني عنه شفاعة الشافعين.
ونسي فرعون نفسه فتكبر وعظم في نفسه كما في قوله ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء، وتبعه خلَفه من كفار قريش كما في قوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ﴾ الفرقان.
وظهر الحمق والجهل في أصحاب القرية الذين كذّبوا الرسل الثلاثة وقالوا ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ﴾ يــــس.
ويألف المشركون سلوكا ويكْذبون إذ يزعمونه دِينا كما في قوله ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ الزخرف.
وعلى المؤمنين بالغيب ألا يفتتنوا بزخرف الحياة الدنيا التي قد يُمتّع فيها من يكفر بالرحمان متاع البيوت ذات المعارج والأبوابِ والسررِ وسقفٍ من فضة، واستدرج الرحمانُ برحمته الكفارَ ومن في الضلالة فأمدّ لهم نِعمه مدَّا حتى حسبوا أنفسهم من المكرمين عنده فمنهم من قال ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ يعني في يوم الدين لو بعث وجهل أن الـمُلْك في يوم الدين لله وحده وجهل أنه ليس من الرسل والنبيين وهم الذين اطلعوا الغيب واتخذوا عند الرحمان عهدا أن لا يعذبهم.
وإن يوم القيامة ليومٌ يغضب فيه الجبّار غضبا معلوما يُشفق منه النبيون فيتدافعون الشفاعة الكبرى، وتُعرَض جهنمُ فيه عرْضا فيعلم المكذبون من قبلُ صدقَ المرسلين.
وإن الـمُلك في يوم الدين للرحمان فمن هلك فيه فليدْعُ ثبورا أن حرم من رحمة الرحمان.
وليُبعثنَّ كل منا فردا إلى الرحمان ولتخشعنّ الأصوات للرحمان من رهبة الموقف ومبلغ الخطب ويخسر الذين كانوا يسبون الرحمان في الدنيا.
وإنما يأذن الرحمان بالشفاعة لمن اتخذ عنده عهدا في الدنيا أن لا يعذّبهم وهم الرسل والنبيون وبيّنته في مادة شفع.
وتعني الضراعة إلى الرحمان في آخر سورتي الأنبياء والملك أن المسلمين سيعجزون عن دفع الفتن والهرج والمرج والقتل والاستضعاف وعليهم أن يؤمنوا بالرحمان وأن يتوكلوا عليه ويستعينوا به ليحكم بالحق بينهم وبين عدوهم المتغلب، ولعلها مرحلة قد بدأت وفتنة قد اشرأبّت.
ولقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام لأجْل أن يُعبدَ فيهما، وتضمن تفصيل الكتاب المنزل الاستواء على العرش سبع مرات أي في الأعراف ويونس والرعد وطــه والفرقان والسجدة والحديد وأسند الاستواء إلى الله في غير الفرقان وطــه وإلى الرحمان فيهما، ولا يَفتقر القرآن إلى تأويلنا نحن المكلفين القاصرين بل يفسِّرُ بعضه بعضا ويستدل ببعضه على بعض، وعلم أولوا الألباب أن الله ما خلق السماوات والأرض باطلا بل لأجل التكليف والجزاء في اليوم الآخر كما في سورتي آل عمران وص، وتأخّر الاستواء على العرش عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بقرينة حرف ﴿ثم﴾ المقترنة بجميع الأحرف، للدلالة على أن إجراءات المحكمة الكبرى للقضاء بين الناس في يوم الفصل قد بدأ مع بدء التكليف والخطاب الأول على آدم وحواء لأن اللهَ علّامَ الغيوب سيسأل المرسَلين ويسأل الذين أُرسِل إليهم، ويقصُّ عليهم ما اختلفوا فيه بعِلْمٍ أي يَعرض أعمالَ هؤلاء وأعمال هؤلاء، وما كان اللهُ وملائكته الحفظة غائبين بل كانوا شهودا على كل شأن وعمل، وكذلك دلالة المثاني:
ـ ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ الأعراف
ـ ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنُه مِنْ قُرْآنٍ ولَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ يونس
ولْيَفْرَقْ فرَقًا أولوا الألباب ولْيَخافوا ولْيُشْفِقوا من يوم يُنبَّأ الإنسان بما قدّم وأخّر، ومن نبّأه الله عرَض عليه كل شيء يتعلق بالنبإ، كذلك تعرض الخطايا غير المغفورة في يوم الدِّين ويُعرَض على المحتضِر حين موته كلُّ شيء مما يستقبل وعُرِض على كل نبيٍّ ما يتعلق بأمته وهكذا سأل موسى ربه ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ الأعراف، لأنه رأى بأم عينيه عرْضا كُلَّ شيء فتاقت نفسه إلى المزيد، وذلك فرْقُ ما بين أن ينبّئ الله وأن ينبِّئ المخلوق فاعلم.
ويعني إسناد الاستواء على العرش إلى الله أن الله يُحَذّر المكلفين من الطغيان والمعصية والكفر لأنه سيحاسبهم.
ويعني إسناد الاستواء على العرش إلى الرحمان أن الرحمان لم يعجل بعقوبة السّفّاحين والمفسدين والعاصِين والمبطلين بل أمهلهم إلى يوم يجيء ربنا والملك صفا صفا ويحمل عرش ربنا يومئذ ثمانية.
وعجبي من المفسرين كيف وسِعَهم الإعراض عن الحدَث الخطير في المثاني:
ـ ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّنْ ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾
ـ ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ ذِكْرٍ مِّن الرَّحْمَانِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ الشعراء
ـ ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ الزخرف.
ـ ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيَّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ طـــه
ولقد كانت الإنجيلُ ذكرا مُحدَثا بعد التوراة وكان القرآنُ ذكرا مُحدَثا بعد الإنجيل، وبينته في مادة حدث وذكر وصحف وكتاب.
﴿الرحيم﴾
وإن اسم الله ﴿الرحيم﴾ في تفصيل الكتاب المنزل ليعني أن الله بنعمته عليك قد صرف عن المرحوم شرّا مستطيرا لا طاقة له بصرفه عنه، وينخرم ولا يطَّرد اختصاص رحمة الرحيم بالمؤمنين دون فرق المكذِّبين بقرينة قوله تعالى ﴿رَبُّكُمُ الذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ الإسراء، ولا تخفى النعمة بجريان الفلك في البحر وسلامتها من الغرق برحمة ربِّــنا الرحيم التي شملت بني آدم كلهم ومنهم الكافرون والفاسقون والظالمون ومنهم الأحزاب الذين يحاربون الله ورسوله.
ويعني قوله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساء، أن من رحمة اللهِ الرحيمِ تنزُّل التكليف بالنهي عن قتلِ النَّفس وأن من قتل نفسَه قد أبعدَها عن رحمة الرَّحيم أي لن يدخل الجنَّة أبدا ولو زعم الجهاد ونصرة المسلمين اجتهادا غير موفّقٍ فحريٌّ به إن كان من المؤمنين أن يصبح بعد الأحقاب من وقود النار كالحجارة، وكان نفس التكليف بالنهي عن قتل النفس قد تنزَّل من قبلُ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ تنبيها إلى رحمته السابقة التي شملت الذين آمنوا بالتوراة والإنجيل قبل تنزُّل القرآن، وإنما تنزل أول تشريع مدنيّ على بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده أي بعد قيام أول مجتمع مسلم لا سلطان لمتفرعن عليه وذلك حينُ إيتاء موسى التوراةَ.
ويعني قوله ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَحِيمٍ﴾ يس، بيان رحمة ربّنا الرحيم الذي صرف عن أهل الجنة عذاب النار، ويتلقّى أهلُ الجنَّة القولَ من ربِّـهم تبلّغُه الملائكةُ كما في قوله ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار﴾ الرعد، وكما أصَّلْتُه في أصول التفسير أن القول المسند إلى ربِّـــنا إنما هو بواسطة الوحي أو الملائكة أما القول المسند إلى الله فبواسطة الكتاب المنزل وبيّنته في مادة القول، وليهنأ أهل الجنة بسلام قولا من ربِّـهم يأمنون به غضبه وعذابه ونقمته ذلكم أن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب والفقه عدم النسخ في شيء من البلاغ من ربِّ العالمين أو في شيء من التكليف من ربِّـــنا كما في قوله ﴿قل تعالوْا أتْلُ ما حرَّم ربكم عليكم﴾ في سورة الأنعام، وعدّد تشريعا من التكليف الفردي جاء به النبيون عبر التاريخ ولا يلحقه نسخ ولا تبديل بل تضمنه الكتاب الذي جاء به موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم.
ويعني قوله ﴿لِيُخْرِجَكُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب، أنهم لا يقدرون على إخراج أنفسهم من الظلمات وإنما أخرجهم منها اللهُ الرحيمُ إذ أرسل إليهم رسولا.
وتعني دلالة الاسمين ﴿الرحمان الرحيم﴾ حيث اقترنا استغراق رحمته التي شملت قارئ القرآن طاعة لله الذي كلّفه به وشملت الحامدين اللهَ ربَّ العالمين وشملت الـمُقِرّين أن إلــههم هو إلــه واحد لا إلــه إلا هو وشملت المؤمنين بتنزيل القرآن من الرحمان الرحيم.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الغفور الرحيم﴾ ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى، ومن تأصيلُ اقتران الاسمين ﴿الغفور الرحيم﴾ كما استنبطتُ هو تقديمُ الموعودِ المتأخر أو الأعظم في خطاب المؤمنين بالغيب وهو هنا مغفرة الغفور ومحلها وموعدها هو يوم الدين يومُ يعرض من الخطايا والذنوب ما لم يغفره الغفور فيحاسب به صاحبه، وتأخير الموعود المتقدم وهو رحمةُ الرحيم ولا تختص باليوم الآخر بل تشمل الدنيا،وسأل النبيون والرسل وأتباعهم المغفرة قبل الرحمة لِما عظُم في أنفسهم من افتضاح غير المغفور له أمام جميع الملائكة وجميع بني آدم وجميع الجن، ولدلالة المغفرة على الرحمة، وقد رحم الله في الدنيا الكافرين وإنهم لمعذبون في اليوم الآخر.
وإنما تقدمت الرحمة على المغفرة في دعاء طائفة بني إسرائيل عبَدت العجل وخافوا العذاب في الدنيا أكثر من خوفهم عذاب الآخرة.
ومن المفردات ـ وهي الكلمات التي لا مثاني لها ـ اقتران الاسمين ﴿الرحيم الغفور﴾ بتقديم الرحمة على المغفرة في قوله ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ سبإ، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿التواب الرحيم﴾ ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى، ويعني أن المكلف سيُعانِي من البلاء والتمحيص في الدنيا توبة عليه من الله ينال بها رحمة الرحيم في اليوم الآخر، كما لا يخفى في الثلاثة الذين خلّفوا، وفي أبويْنا بعد أكلهم الشجرة، وفي اللذيْن يأتيان الفاحشة ويتوبان ويصلحان.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الرؤوف الرحيم﴾ في سياق التذكير بنِعَم الله ربِّــنا وقصر المكلفون عن شكرها ولم يقع عليهم العذاب الذي استحقوه بجحودهم رأفة ورحمة من الله بهم، وبينته مفصلا في مادة اسم الله ﴿الرؤوف﴾. ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿العزيز الرحيم﴾ للدلالة على أن جهود المؤمنين القاصرة لم تُبَلِّغْهم النصرَ على عدوِّهم وسينصرُهم الله بعزّته رحمة من ربهم الرحيم بهم، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
ومن المفردات اقتران الاسمين ﴿البر الرحيم﴾ في قوله ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ الطور، ويعني أن الله البرّ الرحيم وعد في الكتاب المنزل أن يمنّ على المشفقين في الدنيا بالوقاية من عذاب السموم وأن يدخلهم الجنة رحمة بهم لا يبلغونها بجهودهم القاصرة، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
ومن المفردات اقتران الاسمين﴿الرحيم الودود﴾ في قوله ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ هود، من كلام شعيب يخاطب قومه مدين وبيّنه النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم بالحديث القدسي أنه من تقرب إلى الله شِبْرًا تقرب الله إليه ذراعا، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
الحقُّ: إن لِلحقِّ بصيغة الاسم والوصف في تفصيل الكتاب وبيان القرآن أكثر من دلالة ومعنى كالتفصيل التالي:
أولا: الكتاب المنزل والوحي كما في قوله:
ـ ﴿لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين﴾ يونس
ـ ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق﴾ الأنفال، أي بالوحي إليك أن اخرج بمن اتبعك منهم إلى عير قريش في بدر فلتصيبنّ إحدى الطائفتين العير أو رجال قريش المقاتلين.
وأما قوله ﴿قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون﴾ يونس
فلقد تكلف المفسرون وأهل البلاغة والبيان في تفسيره وإنما يعني وصف الرسل بأنهم هم الذين يهدون إلى الحق ـ الذي هو الكتاب المنزل وما أرسلوا به كذلك من البينات والآيات الخارقة للتخويف والقضاء ـ وأنهم أي الرسل والنبيون أحق أن يُــــتّبَعوا، أما الله فهو الذي يهدي الرسل والنبيين للحق قبل أن يكلفهم بهداية الناس إلى الحق وهكذا لم يكن في تفصيل الكتاب تكليف الناس باتباع الذي يهدي للحق في هـذا الحرف إذ هو الله الكبير المتعالي، وإنما المقارنة بين الرسل والنبيين من جهة وبين الكهنة والمتسلطة الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة والذين شرعوا للناس ما لم يأذن به الله، فافقه واعلم.
ثانيا: الآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها كما في قوله:
ـ ﴿ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون﴾ يونس، ووقعت دلالة الحق على الآيات الخارقة كاليد البيضاء من غير سوء والعصا التي أرسل بها موسى إلى فرعون وملئه فزعموها سحرا، ولم تنزل التوراة إلا بعد هلاك فرعون.
وكذلك دلالة المثاني في قوله:
ـ ﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾ الإسراء
ـ ﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾ الأنبياء
ـ ﴿قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوم قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾ سبأ
ـ ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا على صراط مستقيم﴾ الحج
وإنما هو الآيات الخارقة المنتظرة في آخر الأمّة كطلوع الشمس من مغربها وأن يصبح ماء الأرض غورا إلى غير ذلك من الحق الموعود الذي سيزهق بظهوره الباطل زهوقا تشهده خلافة على منهاج النبوّة في آخر الأمّة.
إن الحقّ الذي سيقذف به رب العالمين بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول في حرف سبإ وحرف الإسراء هو الذي سيتلاشى ويتبخر ويزهق بظهوره الباطل الوافر اليوم ومنه ما نشهده من غيّ المسلسلات والأغاني وما امتلأ به الأثير والأوراق من اللغط والصخب مما يشغل الناس عن تدبر القرآن.
ثالثا: الجِدّ وما كان في مقابلة العبث والهزل واللعب كما في قوله:
ـ ﴿وكذّب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل﴾ الأنعام
ـ ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحقِّ ويوم يقول كن فيكون قوله الحقُّ وله الملك يوم ينفخ في الصور﴾ الأنعام
ـ ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحقِّ وإن الساعة لآتيةٌ﴾ الحجر
ـ ﴿ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحقِّ وأجل مسمًّى والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ الأحقاف
ـ ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحقِّ ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين﴾ الدخان
ـ ﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لَـهْوًا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين﴾ الأنبياء
ويعني أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما لأجل أن يعبد فيهما فيسبّحه المسبّحون كثيرا ويذكره الذاكرون كثيرا، وورد نفْيُ اللعب وأثبت بدله خلقُهما بالحقّ في حرف الدخان، وكذا في قوله ﴿قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين﴾ الأنبياء، من تساؤُلِ قوم إبراهيم عن ما جاءهم به إبراهيم من توحيد الله ونبذ الأصنام أهو من الجِدِّ والصدق أم هو من اللعب والهزل والعبث ؟.
وإن من تفصيل الكتاب اقتران قوله ﴿بالحق﴾ أو نفي اللعب بخلق السماوات والأرض في سياق التذكير بالبعث والحساب أو التذكير ببأس الله وعذابه في الدنيا، واطَّرَدَ الاستقراء في حرف الأنبياء إذ كان قبله قوله ﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسُّوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ﴾ الأنبياء.
وإن من تفصيل الكتاب عدم اقتران قوله ﴿بالحق﴾ بخلق السماوات والأرض في سياق النعم كما في قوله:
ـ ﴿الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار﴾ إبراهيم
ـ ﴿أمّن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلـه مع الله بل هم قوم يعدلون أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإلـه مع الله قليلا ما تذكرون﴾ النمل
وأما قوله:
ـ ﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق﴾ البقرة وآل عمران والجاثية
ـ ﴿نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون﴾ القصص
ـ ﴿نحن نقص عليك نبأهم بالحق﴾ الكهف
فيعني أن ليس شيء من تلك القصص وتلك الحوادث من التسلية والعبث بل ذكّر بها في القرآن ليَهتدِيَ بالقرآن العجب من تدبره إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
رابعا: الصدق وموافقة العدل وما كان في مقابلة الباطل والكذب والظلم كما في قوله:
ـ ﴿فأخذتهم الصيحة بالحقّ فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين﴾ قد أفلح
ـ ﴿وأتيناك بالحق وإنا لصادقون﴾ الحجر
وهو مما مضى وانقضى في شأن ثمود وقوم لوط.
وأما المثاني في قوله:
ـ ﴿والله يقضي بالحق﴾ غافر
ـ ﴿والله يقول الحق وهو يهدي السبيل﴾ الأحزاب
ـ ﴿قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾ سبأ
فهو من الوعد الحق المنتظر في آخر الأمة.
وأما قوله:
ـ ﴿وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون﴾ الزمر
ـ ﴿والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون﴾ الأعراف
فهو من الغيب المنتظر بعد النفخ في الصور ليوم البعث.
وأما قوله:
ـ ﴿ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين﴾ الأعراف
ـ ﴿قال رب احكم بالحق وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون﴾ آخر سورة الأنبياء
فيعني الإنصافَ من المستفتِحين ومُـخَالِفيهم سنَّةً سَنَّها خطيب الرسل شعيب قد يضيق بها المتعصبون الذين لا يتصورون غير موافقتهم الحقّ، وتضمن حرف آخر سورة الأنبياء استفتاحا كاستفتاح شعيب بالـحُكم بالحق بين الفريقين، ويهتدي بالقرآن إلى الإنصاف بالابتعاد عن تزكية النفس وما يتبعه من التطرف كما في قوله تعالى ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون﴾ سبأ.
خامسا: النصيب والجزء المستحق كما في قوله:
ـ ﴿والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم﴾ المعارج
ـ ﴿قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق﴾ هود
ـ ﴿وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين﴾ النور
سادسا: البرهان أي الدليل الشرعي الواضح كما في قوله:
ـ ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق﴾ الأنعام والإسراء
ـ ﴿ويقتلون النبيين بغير الحق﴾ البقرة
ـ ﴿ويقتلون النبيين بغير حق﴾ آل عمران
ـ ﴿ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق﴾ آل عمران
ـ ﴿واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق﴾ القصص
ـ ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق﴾ الأعراف
ـ ﴿اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون﴾ الأحقاف
ويعني حرف الأنعام والإسراء النهي عن قتل النفس بغير دليل شرعي يأذن بقتلها وكان الصحابة الكرام يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في قتل منافقين معلومي نفاق وكفار معلومي كفر ولم يأذن لهم ولو قتلوهم دون إذنه لما كان قتلهم شرعيا ولكان قتلا في غير سبيل الله.
ويعني حرف البقرة أن الذين قتلوا النبيين وهم اليهود إنما قتلوهم بغير الحق وهو الدليل الشرعي وينحصر الدليل الشرعي في إحدى مسألتين: أولاهما: أن يتضمن الكتاب المنزل من عند الله كالتوراة والإنجيل والقرآن تكليفا بذلك، وثانيهما: أن يأمر به نبي من النبيين أو رسول من الرسل الكرام.
ويعني حرفا آل عمران أن الذين قتلوا النبيين إنما قتلوهم ظلما وعدوانا وبغير حجة وبرهان ولو ضعيفا وأن النبيين المقتولين لم يرتكبوا إثما ولا جرما يبيح قتلهم.
ويعني أحرف القصص والأعراف والأحقاف أن الذين يتكبرون في الأرض بغير برهان شرعي يعاقبهم الله بصرف قلوبهم عن اتباع الحق والهدى مع الرسل به إذ لا يجتمع في قلب واحد كِبْر وإيمان بالغيب أبدا.
سابعا : تمام الوعد ونفاذه كما في قوله:
ـ ﴿ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ يونس
ـ ﴿وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين﴾ الجاثية
ـ ﴿والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين﴾ الأحقاف
ـ ﴿وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد﴾ الشورى
ـ ﴿حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين﴾ الأنبياء
ـ ﴿ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مئابا﴾ النبأ
ويعني وصف الوعد بأنه حق أن سيتم نفاذه يوم الميعاد وهو الأجل الذي جعل الله له فيعرفه الذين قرأوا القرآن بالقرآن ولا يلتبس عليهم، ولكأنما ينطق الوعد في القرآن يوم يقع نفاذه بأن الكتاب المنزل حقّ وأن وعد الله على لسان رسله وأنبيائه حق فهنيئا للذين شهدوا حياة النبيّ وبشرهم بالجنة كالعشرة المبشرين وأهل البيعتين وأهل بدر ...
وأما قوله ﴿ويوم يقول كن فيكون قوله الحق﴾ الأنعام، فذلك في يوم موعود سيصبح شهادة في الدنيا وبينته في مادة القضاء.
ثامنا: تحقق الغيب أي ظهوره ظهورا مطابقا لما تقدم من الوصف يوم كان غيبا كما في قوله:
ـ ﴿وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا﴾ يوسف
ـ ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق﴾ الفتح
ـ ﴿كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق﴾ آل عمران، وهم أهل الكتاب الذين آمنوا بالتوراة أو الإنجيل آمنوا بما فيها من الغيب وشهدوا أي حضروا بعث الرسول تحقق في زمنهم فهؤلاء استوجبوا أن لا يهديهم الله.
ـ ﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ الأحقاف
ودلالته على مطابقة الحوادث يوم تصبح شهادة لما تقدم من وصفها أو النبوة بها يوم كانت غيبا ظاهرة.
ومن هذا القسم الاسم ﴿الـحقُّ ﴾ من الأسماء الحسنى في عشرة مواضع من الكتاب المنزل وتفصيلها كالتالي:
ـ ﴿فتعالى الله الملك الحق لا إلـه إلا هو رب العرش الكريم﴾ الفلاح
ـ ﴿ورُدُّوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ يونس
ـ ﴿ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحق﴾ الأنعام
ـ ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور﴾ الحج
ـ ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل﴾ لقمان
ـ ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل﴾ الحج
ـ ﴿ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ النور
ـ ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون﴾ يونس
ـ ﴿هنالك الولاية لله الحق﴾ الكهف
ـ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه﴾ طـه
ويعني أن الله قبل اليوم الآخر غيب عن مخلوقاته كلهم لم يره أحد منهم من قبل ولن يراه قبل البعث بعد الموت وهكذا آمن المؤمنون كلهم من الملائكة والنبيين والرسل والمؤمنين بالله إيمانا معدّى بالباء لدلالته على الغيب، كما بينت دلالتها في مادة آمن من المعجم، وفي يوم القيامة سيتبيّن العالمون كلهم أجمعون أن الله هو الحق المبين كما أخبر عن نفسه في الكتاب المنزل وعلى لسان رسله وأنبيائه وأنه لا يُخلِفُ وعدَه ولا الميعادَ ومنه الوعد بنصر أوليائه وأن يُـخْزِيَ أعداءَه بعذاب في الدنيا وفي الآخرة، ومنه أنه في يوم الدّين هو الغفور الرحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم.
تتواصل دلالة الحق
وكان يوم القيامة هو اليوم الحقُّ لمطابقته الموصوفَ في الكتاب المنزل من قبلُ، ويعلم المجرمون يومئذ أنه اليوم الحق وأن النار حق رغم أنهم يحشرون يوم القيامة عُمْيا لا يبصرون شيئا ورغم أنهم لا يُسْألون عن ذنوبهم أي لا يكلمهم الله ولا يحاسبهم ولا ينظر إليهم وهم العمْيُ ثم هم المحجوبون عن ربِّـــهم إذ سبق منهم التكذيب بآيات ربهم الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها في الدنيا
وأما في الحياة الدنيا فيقع الحقُّ في تفصيل الكتاب المنزل على الآيات الخارقة التي يزهق بها الباطل وعلى الكتاب المنزل وعلى الوعد من الله كما في التفصيل التالي:
أولا: بيان قوله ﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل﴾
إن قوله:
ـ ﴿وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحقُّ وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين﴾ الأعراف
ـ ﴿فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون﴾ يونس
ويعني حرف الأعراف أن الآية الخارقة المعجزة للتخويف والقضاء التي أرسل رب العالمين بها موسى هي الحقّ الذي وقع على الباطل وهو السِّحر مع السحرة فبطل مفعوله وغُلِب فرعونُ الذي راهن عليه وانقلب صاغرا هو ومن معه.
ويعني حرف يونس أن موسى وعد السحرة لما ألقَوْا حِبالهم وعِصِيَّهم وعودا ثلاثةً: أحدها أن الذي جاءوا به إنما هو سِحر سيبطله الله وكذلك بطل السحر بالعصا وهي الحقُّ من ربِّ العالمين لما وقع على الحبال والعصيِّ، وثانيها قوله ﴿إن الله لا يصلح عمل المفسدين﴾ وإنما المفسدون فيه هم الذين يعاصرون الرسل بالآيات ولا يهتدون بهم بل يشاقّونهم وهم الموعودون في القرآن وعلى لسان موسى أن لا يُصلح الله عمَلَهم، أما المفسدون غيرهم فينتصرون بقدر استخفافهم قومهم، وثالثها قوله ﴿ويُـحِقُّ الله الـحقَّ بكلماته ولو كره المجرمون﴾ ويعني أن الباطل لن يزال موفورا على ظهر الأرض ولن يتم إبطاله إلا بالآيات الخارقة المنتظرة في آخر أمة القرآن كما في المثاني:
ـ ﴿ويريد الله أن يُـحِقَّ الـحقَّ بكلماته ويقطعَ دابرَ الكافرين ليُحِقَّ الـحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون﴾ الأنفال
ـ ﴿ويَـمْحُ اللهُ الباطلَ ويُـحِقُّ الـحَقَّ بكلماته إنه عليم بذات الصدور﴾ الشورى
ـ ﴿قل إن ربِّـي يَقْذِف بالـحقِّ علّام الغيوب قل جاء الـحقُّ وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾ سبأ
ـ ﴿بل نَقْذِف بالـحقِّ على الباطل فيَدْمغُه فإذا هو زاهِقٌ﴾ الأنبياء
ـ ﴿وقل جاء الـحقُّ وزَهَقَ الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾ الإسراء
ـ ﴿أنزل من السماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال﴾ الرعد
ـ ﴿فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾ الحج
ويعني حرف الأنفال أن الله يريد أن يحق الحق بكلماته ويريد أن يقطع دابر الكافرين، ولا يخفى أن ما يريده الله في القرآن هو وَعْد منه سيتم نفاذه كما في قوله ﴿إن الله يفعل ما يريد﴾ الحج، وقوله ﴿ولكن الله يفعل ما يريد﴾ البقرة، وقوله ﴿وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد﴾ البروج، وإنما الوعد في حرف الأنفال في الدنيا خاصة إذ ليس في الآخرة صراع بين الباطل والحقِّ، ولم يقع منذ نزل القرآن إلى يومنا هـذا إحقاق الحقِّ بقطع دابر الكافرين وإبطال الباطل، بل هو وعد يريد الله أن يُـتِمَّه بكلماته يوم يأذن لصالح المؤمنين وأهل الذِّكْر معه بتوظيف كلمات الله ولعلها والله أعلم من فواتح السور آيات الكتاب المتشابهات ويومئذ يتمُّ الوعد ولو كره المجرمون المكذبون.
ويعني حرف الشورى أن الله وعَد في القرآن أن سيمحو الباطلَ وأن سيُحِقُّ الـحقَّ بكلماته وذلك من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يأتي بها الله العليم بذات الصدور ومنها ما في صدور قوم مؤمنين من الذل والاستضعاف والقهر أي هي بداية النصر والتمكين.
ويعني حرف سبإ أن رب العالمين سيقذف بالحق على الباطل فيذهب الباطل ثم لا ينتصر الباطل لنفسه ولا تقوم له دولة ولا صولة أبدا وذلك من الغيوب البعيدة جدا يوم نزل القرآن ولا يعلم متى تصبح شهادة إلا علام الغيوب.
ويعني حرف الأنبياء أن الله وعد في القرآن أن يقذف بالـحقِّ على الباطل فيدمغُه أي يصيبه في الدماغ والمقتل فيبطل الباطل وتزهق نفسه وتموت.
ويعني حرف الإسراء أن من القول في القرآن ـ وهو متأخّر النفاذ عن حياة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ـ أن يجيء الـحقُّ وأن يزهقَ الباطل أي تزهق نفسُه وتموت كما كان الباطل من قبل زهوقا بكلمات الله التامّات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر.
ويعني حرف الرعد أن الباطل سيظل ظاهرا في الأرض ممكنا فيها حتى يأتـيَ الـحقُّ كالسيْل الكبير فيحتمل الباطلَ كالزَّبد الذي يذهب جفاء، ولن يبقى من الباطل يومئذ شيء كما لا يبقى من القطعة من الذهب تُلقَى في النار ويوقد عليها كثيرا حتى تحمرَّ ويَذهب ما كان عليها من الأوساخ جفاء.
ويعني حرف الحج أن الله وعد في القرآن أن ينسخَ ما يُلقِي الشيطانُ من الباطل الموفور ومنه السِّحر وركام الثقافات وزخرف القول وما يلقي الشياطين بعضهم إلى بعض وقد امتلأت منه اليوم ملايين الكتب والمجلات والجرائد وامتلأ منه الأثير والفضاء مسلسلات ورقص وأغانـي كله سيتوقف ويتلاشى ويعدم وبينته في كلية الآيات.
وكما بينت في معجم معاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته من اختصاص فعل أتى بالقصر بما يفيد معاني المرور الخفيف والمفاجأة والمباغتة خلافا لفعل المجيء الذي يفيد العلم والانتظار والترقب والثقل، وإنما جاء الحقّ ويجيء وهو ثقيل على الناس لمخالفته ما تهواه الأنفس.
يتواصل