الفصل الثاني عشر
التربية في أوائل فترة المايجي
ناغاي ميتشيو/ جامعة الأمم المتحدة ـ طوكيو: اليابان
في سبيل الاستقلال والثورة الصناعية
يتناول الباحث موضوع التربية بالفترة التي سبقت ثورة المايجي، ورافقتها بالفترة التأسيسية، أي بعد حدوثها عام 1868. وهو بذلك يسهم في إعطاء صورة واضحة للتناغم الذي ساهمت فيه كل الجهود.
يذكر الباحث أثر جهد رجلين كانا لهما أبعد الأثر في إرساء الأسس لنظام تربوي في اليابان، في بداية فترة المايجي وأشد بلاغة في التعبير عن آرائهما في هذه المسألة وهما: (موري أرينوري) و (فوكوزاوا يوكيتشي). فالأول كان وزيراُ للتربية والثاني كان قد أسس مدرسة خاصة قبل فترة المايجي. وقد اختارهما الباحث بصفة أن أحدهما يمثل الجانب الرسمي والآخر يمثل الجانب الأهلي (الخاص).
لقد تأثر الاثنان بما شاهداه من ابتلاع الغرب للهند والصين، واللتان أثرتا على مر التاريخ في التكوين الروحي والحضاري الياباني، وأدركا أن التفوق العسكري الغربي وحسن تنظيم وإدارة الاقتصاد فيه قد سهل مهمتهم في ذلك. وربطا ذلك بما سيؤول إليه مصير اليابان فيما لو تُرك على حاله.
في العادة، عندما تكون البلاد، معرضة لعدوانٍ خارجي محتمل، فإن أغلبية المواطنين الأحرار تكون مستعدة للذود عن البلاد والقتال من أجلها، وكان هذا الشعور هو السائد في عموم اليابان، إلا أن الرجلين (موري وفوكوزاوا) لم تجرهما نزعة القطيع، وقالا: (أنه ليس من الحكمة محاولة قتال الغزاة في حينه بل الانتظار حتى يصبح وطننا أكمل استعداداً لمكافحة الغريب غير المرغوب فيه).
كان من أهم أعمال موري كتابا بعنوان (التربية في اليابان)، ذكر فيه أن أهم أسباب الغليان في اليابان هو تأثير الحضارة الغربية. ومن أهم أهم أعمال فوكوزاوا (موجز نظرية الحضارة) و (إحياء المشاعر القومية)، وفي هذين الكتابين آمن أن العلوم والتكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد المتطور هي في أساس قوة الغرب العسكرية.
بكلام أدق يملك الغرب آلات الطباعة والهاتف والنظام البريدي والطاقة المولدة بواسطة البخار، وقد اكتملت لديه ما سميت بالثورة الصناعية، أما اليابان فلا تملك شيئاً من هذا وما لم تتطور وتحقق ثورتها الصناعية فليس لها أن تأمل بأن تبقى دولة مستقلة.
الجدال حول الديمقراطية
اعتبر أحد رواد التغيير واسمه ( أوكوبو توشيمتشي) أن على أي سياسي وهو يمارس الحكم أن يراعي القيود الخمسة التالية: (الأرض؛ الشعب؛ العصر؛ العادات؛ الأحوال السائدة). بكلام آخر: من المهم ألا يسهى عن بال السياسي: أين ومن ومتى وفي أي محتوى حضاري وفي ظل أية ظروف تعمل الحكومة.
كانت الإطاحة بالنظام الاقطاعي، وإقامة دولة المايجي، الخطوة الأولى نحو خلق الدولة القومية. لكن جدلا امتد حتى وضع الدستور، تناول شكل الحكم الذي يجب اعتماده: هل يكون شكلاً ديمقراطياً يقوم على سلطة شعبية؟ أو ملكياً يتمحور حول الامبراطور؟ أم يجب البحث عن حل وسط يجمع عناصر من كلا النظامين؟
بقي فوكوزاوا خارج الحكومة، رغم اعتراف كل رجال الحكم بحنكته وفضله على المايجي، لكنه رفض الانضمام للحكومة، بحجة أن النظام التربوي والتعليمي لا يتم من خلال الحكومة بل من القطاع الخاص. وهنا اختلف مع رفيقه (موري) الذي اعتبر أن الحكومة هي المسئولة عن تطوير التربية والتعليم فدخل في صفوف الحكومة.
تعميم التعليم
كانت همة القطاع الحكومي والقطاع الخاص المتفاهمتين وراء ارتفاع نسبة المتعلمين. ففي حين كانت نسبة الذين يقرأون ويكتبون في اليابان عام 1840 حوالي 40% من الذكور، و 10% من الإناث، أصبحت في عام 1900 حوالي 96% من الذكور والإناث. وكان قانون التعليم الإلزامي من طرف الحكومة عاملاً قوياً في تحقيق هذه الطفرة بوقت قياسي.
التعليم العملي التطبيقي
أكدت الدولة بجناحيها الحكومي والخاص على أهمية التعليم التطبيقي، وفي سنة 1866 تأسست أول جامعة يابانية وطنية هي (الجامعة الإمبراطورية) وضمت كليات للطب والهندسة والزراعة إضافة للعلوم والإنسانيات الأخرى.
قلدت اليابان كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فيما بعد، والغريب أن الدول الثلاثة هي خارج أوروبا، فاختارت النهج العلمي للحاق بأوروبا، وقطف الثمار من الثورة الصناعية بسرعة أكثر.
بين التغريب واليبننة [ مشتقة من اليابان]
لم يغفل القوميون اليابانيون عن مراقبة الجهود في نقل التجارب الغربية لليابان، فكما كان هناك جامعات حديثة وجد جامعات تحافظ على المُثل العريقة مثل جامعة (دايغاكوريو) في (كيوتو) تحت تأثير الكونفوشية والحضارة الصينية. كما كان هناك (الشوتشين) وهي مؤسسة لتعليم البوذية. ولكن طالب الكثيرون من اليابانيين بمزاوجة النمطين من المؤسسات التعليمية.
إن عدداً من أشهر جامعات الغرب حتى اليوم مثل كامبردج وأكسفورد وهايدلبرغ وباريس، هي مؤسسات ترقى بداياتها الى العصور الوسطى. وبالرغم من أنها تعرضت الى تغييرات جذرية منذ ذلك الوقت الى أنها احتفظت بنوع من الاستمرارية كذلك. ولو أن المؤسسات التربوية التقليدية في اليابان تطورت بنفس الطريقة لما كان في ذلك يدعو للاستغراب. ولكن اليابان اختارت الانفصال عن الماضي.
لقد كان استقدام المدرسين الأجانب جزءا لا يتجزأ من هذا المنحى، فقد أنفقت وزارة التربية اليابانية في عام 1871 حوالي 30% من ميزانيتها كرواتب للأساتذة الأجانب، والطلبة المبعوثين للدراسة في الغرب.
لقد ظهر رأيٌ في استبدال اللغة اليابانية باللغة الإنجليزية، لكنه جوبه بالرفض، حتى من الخبراء الأجانب ومنهم العالم الأمريكي (ويتني) الذي قال أن هذا سيخفض حضور الحضارة اليابانية الى الدرجة الثانية.
لقد تجاوز اليابانيون تلك المسألة وأصبح معظم المدرسين يابانيين وبلغة يابانية في حلول العام 1890.
القيادة الحكومية والحرية الأكاديمية
أحرزت التربية خلال فترة المايجي، بفضل المبادرة الحكومية، تقدما ملحوظا بالفعل. ولكن الشعب لم يكن كله راضيا عن نظام تربوي بقيادة حكومية. وخلال عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر ارتفعت أصوات تنادي عاليا بوجوب فصل التربية والفكر القول عن الحكومة.
تأسست في تلك الفترة جامعات خاصة مثل جامعة (واسيدا) و جامعة (دوشيشا)...
يبقى لغاية هذا اليوم الصراع بين التغريب واليبننة قائماً، وقد يكون عدم الاستسلام من طرف الى الآخر، هو السر وراء التنافس للنهوض بالبلاد.