منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 16 من 17 الأولىالأولى ... 614151617 الأخيرةالأخيرة
النتائج 151 إلى 160 من 162
  1. #151
    التمييز


    التَّمييزُ: اسمٌ نكرةٌ يذكرُ تفسيراً للمُبهَم من ذاتٍ أو نِسبةٍ. فالأوّلُ نحو: (اشتريتُ عشرينَ كتاباً)، والثاني نحو: (طابَ المجتهدُ نفساً).

    والمُفسّرُ للمُبهَمِ يُسمّى: تمييزاً ومُميّزاً، وتفسيراً ومُفسّراً، وتبييناً ومُبيّناً، والمُفَسّرُ يُسمّى: مُميّزاً ومُفسّراً ومُبيّناً.

    والتّمييزُ يكونُ على معنى (مِنْ)، كما أنَّ الحال تكون على معنى (في). فإذا قلتَ: (اشتريتُ عشرين كتاباً)، فالمعنى أنكَ اشتريتَ عشرين من الكتُب، وإذا قلتَ: (طابَ المجتهدُ نفساً)، فالمعنى أنهُ طابَ من جِهة نفسهِ.


    والتَّمييزُ قسمانِ: تمييزُ ذاتٍ (ويسمّى: تمييزَ مُفرَدٍ أيضاً)، وتمييزُ نِسبةٍ (ويُسَمّى أيضاً: تمييزَ جملةٍ).


    وفي هذا المَبحث ثمانيةُ مَباحثَ:


    1- تَمْيِيزُ الذَّاتِ وحُكْمُهُ


    تمييزُ الذاتِ: ما كان مُفسّراً لاسمٍ مُبهمٍ ملفوظٍ، نحو: (عندي رِطلٌ زَيتاً).
    والاسمُ المُبهَمُ على خمسة أنواع:


    أ- العَدَدُ، نحو: (اشتريتُ أحدَ عشرَ كتاباً).


    ولا فرقَ بينَ أن يكونَ العدَدُ صريحاً، كما رأيتَ، أو مُبهَماً، نحو: (كم كتاباً عندكَ؟).


    والعددُ قسمانِ: صريحٌ ومُبهمٌ.


    فالعدَدُ الصريحُ ما كان معروفَ الكميّةِ: كالواحد والعشرةِ والأحدَ عشرَ والعشرينَ ونحوِها.


    والعدَدُ المُبهَمُ: ما كانَ كنايةً عن عَدَدٍ مجهولٍ الكميّةِ وألفاظهُ: (كَمْ وكأيِّنْ وكذا)، وسيأتي الكلام عليه.


    ب- ما دلَّ على مِقدارٍ (أي شيءٍ يُقدَّرُ بآلة). وهو إمّا مِساحةٌ نحو: (عندي قَصبَةٌ أرضاً)، أو وزنٌ، نحو: (لك قِنطارٌ عَسَلاً، أو كيلٌ، نحو: (أعطِ الفقيرَ صاعاً قمحاً)، أو مِقياسٌ نحو: (عندي ذراعٌ جوخاً).

    ج- ما دلَّ على ما يُشبهُ المقدارَ - مما يَدُلُّ على غيرِ مُعيّنٍ - لأنهُ غيرُ مُقدَّر بالآلة الخاصّة. وهو إمّا إن يُشبهَ المِساحةَ، نحو: (عندي مَدُّ البصرِ أرضاً. وما في السماء قَدْرُ راحةٍ سَحاباً)، أو الوزن كقوله تعالى: {فمن يعمَلْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهُ، ومَنْ يعملْ مِثقالَ ذَرَّةٍ شرًّا يَرَهُ}، أو الكيلُ - كالأوعيةِ - نحو: (عندي جَرَّةٌ ماءً، وكيسٌ قمحاً، وراقودٌ خَلاًّ، ونِحْيٌ سَمناً، وحُبٌّ عسلاً"، وما أشبه ذلك، أو المِقياسَ، نحو: (عندي مَدُّ يَدِكَ حبلاً).

    [الراقود: خابية فخارية عظيمة مطلية من الداخل؛ والنِحي: الزق (من جلد السخلة؛ والحُب: إناء فخاري عظيم لحفظ الماء وتبريده بالرشح]

    د- ما أُجرِيَ مُجرَى المقادير - من كل اسمٍ مُبهَمٍ مُفتقرٍ إلى التّمييز والتّفسير، نحو: (لنا مِثلُ ما لَكم خيلاً. وعندنا غيرُ ذلك غَنَماً)، ومنه قولهُ تعالى: {ولو جئْنا بِمثلهِ مَدَداً}.


    هـ- ما كان فرعاً للتّمييز، نحو: (عندي خاتمٌ فِضّةً، وساعةٌ ذهباً، وثوبٌ صوفاً، ومِعطفٌ جوخاً).


    وحكمُ تمييز الذاتِ أنه يجوز نصبُهُ، كما رأيتَ، ويجوزُ جرُّه بمن، نحو: (عندي رِطلٌ من زيتٍ، ومِلْءُ الصّندوقِ من كتب)، وبالإضافة، نحو: (لنا قَصَبةُ أرضٍ، وقِنطارُ عَسَلٍ)، إلا إذا اقتضت إضافتُهُ إضافتْين - بأن كانَ المُمَيّزُ مضافاً - فتمتنعُ الإضافةُ، ويتَعيَّنُ نصبُهُ أو جَرُّهُ بِمِن، نحو: (ما في السّماءِ قدَرُ راحةٍ سَحاباً، أو من سَحابٍ). ويُستثنى منه تمييزُ العدَدِ، فإن له أحكاماً ستُذكر.


    2- تَمْيِيزُ النِّسْبَةِ وحُكمُهُ


    تمييزُ النّسبةِ: ما كان مُفسّراً لجملةٍ مُبهَمةِ النسبةِ، نحو: (حَسُنَ علي خُلُقاً. ومَلأ الله قَلبَكَ سُروراً). فإنَّ نسبةَ الحُسنِ إلى عليٍّ مُبهَمةٌ تحتملُ أشياءَ كثيرة، فأزلتَ إبهامَها بقولك (خلُقاً). وكذا نسبةُ مَلْءِ اللهِ القلبَ قد زال إبهامُها بقولك: (سروراً).

    ومن تمييزِ النسبةِ الاسمُ الواقعُ بعدَ ما يُفيدُ التَّعجُّبَ، نحو: (ما أشجعَهُ رجلاً. أكرمْ بهِ تلميذاً. يا لهُ رجلاً. للهِ درُّهُ بَطلاً. وَيحَهُ رجلاً. حَسبُكَ بخالدٍ شُجاعاً. كفى بالشَّيبِ واعظاً. عَظُمَ عليٌّ مَقاماً، وارتفعَ رتبةً).
    وهو على قسمين: مُحَوَّلٍ وغير مُحوَّل.


    فالمحوَّلُ: ما كانَ أصلُهُ فاعلاً؛ كقوله تعالى: {واشتعلَ الرأسُ شيباً}[فالأصل: اشتعل شيب الرأس]، ونحو: (ما أحسنَ خالداً أدباً!)، أو مفعولاً، كقوله سبحانهُ: {وفجَّرنا الأرضَ عُيوناً}، ونحو: (زَرَعتُ الحديقةَ شجراً)، أو مُبتدأ، كقوله عزَّ وجلَّ: (أنا أكثرُ منكَ مالاً وأعزُّ نفراً)، ونحو: (خليلٌ أوفرُ علماً وأكبرُ عقلاً).


    وحُكمهُ أنهُ منصوبٌ دائماً. ولا يجوزُ جرُّهُ بِمن أو بالإضافة، كما رأيتَ. وغيرُ المحول: ما كان غير محوّل عن شيء، نحو: (أكرمْ بسليم رجلاً. سَمَوتَ أديباً. عظُمت شجاعاً، لله دَرُّهُ فارساً, ملأتُ خزائني كُتُباً. ما أكرَمكَ رجلاً).
    وحُكمُهُ أنهُ يجوز نصبُهُ، كما رأيتَ، ويجوزُ جَرهُ بِمن، نحو: (لله دَرُّهُ من فارس. أكرِمْ به من رجل. سَمَوتَ من أديب).


    واعلم أنَّ ما بعدَ اسم التفضيل ينصَبُ وجوباً على التَّمييزِ، إن لم يكن من جنس ما قبلَهُ، نحو: (أنتَ أعلى منزلاً).


    فإن كان من جنس ما قبلهُ وجبَ جَرُّهُ بإضافتهِ، إلى (أفعل)، نحو: (أنتَ أفضلُ رجلٍ). إلاّ إذا كانَ (أفعَلُ) مضافاً لغير التَّمييز، فيجبُ نصبُ التمييز حينئذٍ، لتعذُّرِ الإضافة مَرتينِ، نحو: (أنتَ أفضلُ الناسِ رجلاً).

  2. #152
    3- حُكمُ تَمْيِيزِ العَدَدِ الصَّريح

    تمييزُ العددِ الصَّريحِ مجموعٌ مجرورٌ بالإضافة وجوباً، منَ الثلاثةِ إلى العشرة، نحو: (جاءَ ثلاثةُ رجالٍ، وعشرُ نِسوةٍ)، ما لم يكن التمييزُ لفظَ مِئَةٍ، فيكون مفرداً غالباً، نحو: (ثلاث مِئَةٍ). وقد يُجمعُ نحو: (ثلاثِ مئينَ، أو مِئاتٍ). أما الألفُ فمجموع البتةَ، نحو: (ثلاثة آلافٍ).

    واعلم أنَّ مُميَّزَ الثلاثةِ إلى العشرة، إنما يُجرُّ بالإضافة إن كان جمعاً كعشرةِ رجالٍ. فإن كان اسمَ جمعٍ أو اسمَ جنس، جُرَّ بمن. فالأولُ: كثلاثةٍ من القوم، وأَربعةٍ من الإبل، والثاني: كستَّةٍ من الطَّيرِ، وسَبعٍ من النَّخلِ. قال تعالى: {فَخُذْ أَربعةً من الطَّير}. وقد يُجرُّ بالإضافة كقوله تعالى:
    {وكان في المدينةِ تسعةُ رَهْطٍ}. وفي الحديثِ (ليس فيما دونَ خَمسٍ ذَوْدٍ صَدَقةٌ)،
    [الرهط: عدد من الرجال بين الثلاثة والعشرة] [الذود: عدد من الإبل ما بين الثلاث الى عشر. واللفظة مؤنثة، ولذلك كان العدد معها مذكراً. والصدقة الزكاة]

    وقال الشاعر:

    ثَلاثَةُ أَنفُسٍ، وثَلاَثُ ذَوْدٍ

    لَقَدْ جارَ الزَّمانُ على عِيالي

    وأما معَ أحدَ عشرَ إلى تسعةٍ وتسعينَ، فالتمييزُ مفردٌ منصوبٌ، نحو: (جاء أحدَ عشرَ تلميذاً، وتسعٌ وتسعونَ تلميذةً). وأما قوله تعالى: {وقَطَّعناهمُ اثنتيْ عشَرةَ أسباطاً}، فأسباطاً: ليس تمييزاً لاثنتيْ عَشرةَ، بل بدلٌ منه والتمييزُ مُقدَّر، أي: قطعناهم اثنتي عشرةَ فِرقةً، لأنَّ التمييزَ هنا لا يكونُ إلا مفرداً. ولو جازَ أن يكون مجموعاً - كما هو مذهبُ بعض العلماءِ - لَمَا جازَ هنا جعلُ (أَسباطاً تمييزاً، لأن الأسباطَ جمعُ سِبطٍ، وهو مُذكَّر، فكان ينبغي أن يُقالَ: وقطَّعناهم اثنتيْ عشرَ أسباطاً، لأنَّ الاثنين تُوافِقُ المعدودَ، والعشرةَ، وهي مركبةٌ، كذلك، كما مرَّ بك في بحث المركبات.


    وأما معَ المئَةِ والألفِ ومُثنَّاهما وجمعِهما، فهو مفردٌ مجرورٌ بالإضافة وجوباً، نحو: (جاءَ مِئَةُ رجلٍ؛ ومِئَتا امرأَةٍ، ومِئاتُ غُلامٍ، والفُ رجلٍ، وأَلفا امرأَةٍ، وثلاثةُ آلافِ غلامٍ). وقد شذَّ تمييزُ المِئَة منصوباً في قوله:


    إذا عاشَ الْفَتى مِئَتَيْنِ عاماً

    فَقَدْ ذّهَبَ الْمَسَرَّةُ وَالفَتاءُ

    4- (كم) الاستِفْهامِيَّة وتَمْيِيزُها


    كم على قسمينِ: استفهاميّة وخَبَريّة.


    فكَمِ الاستفهاميةُ: ما يُستفهَمُ بها عن عددٍ مُبهَمٍ يُراد تَعيينُهُ، نحو: (كم رجلاً سافرَ؟). ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ، كجميع أَدواتِ الاستفهام.

    ومُميّزُها مفردٌ منصوبٌ، كما رأَيتَ. وإن سبقها حرفُ جرّ جاز جره - على ضَعفٍ - بِمنْ مُقدَّرةً، نحو: (بكمْ درهمٍ اشتريتَ هذا الكتابَ؟) أَي: بكم من درهم اشتريته؟ ونصبُهُ أَولى على كلِّ حالٍ. وجرُّهُ ضعيفٌ. وأَضعفُ منه إظهارُ (مِنْ).
    ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميِّزها. ويكثرُ وقوعُ الفصل بالظّرف والجارِّ والمجرور، ونحو: (كم عندَك كتاباً؟. كم في الدار رجلاً؟). ويَقِلُّ الفصلُ بينهما بخبرها، نحو: (كم جاءَني رجلاً؟)، أو بالعامل فيها نحو: (كمن اشتريتَ كتاباً؟).
    ويجوزُ حذفُ تمييزِها، مثل: (كم مالُكَ؟) أي: كم درهماً، أو ديناراً، هُو؟.
    وحُكمُها، في الإعرابِ، أَن تكونَ في محلِّ جرٍّ، إن سبقَها حرفُ جرٍّ، أو مضافٌ، نحو: (في كم ساعة بلغتَ دمَشقَ؟)، ونحو: (رأيَ كم رجلاً أّخذتَ؟)، وأن تكونَ في محل نصب إن كانت استفهاماً عن المصدر، لأنها تكونُ مفعولاً مطلقاً، نحو: (كم إحساناً أحسنت؟)، أو عن الظّرفِ، لأنها تكونُ مفعولاً فيه، نحو: كم يوماً غِبْتَ؟ وكم ميلاً سِرتَ؟)، أَو عن المفعول به، نحو: (كم جائزةً نِلْتَ؟) أَو عن خبر الفعلِ الناقصِ، نحو: (كم إخوتُكَ؟).


    فإن لم تكن استفهاماً عن واحدٍ مما ذُكرَ، كانت في محل رفعٍ على أنها مبتدأ أو خبرٌ. فالأولُ نحو: (كم كتاباً عندَكَ؟)، والثاني نحو: (كم كتُبكَ؟). ولك في هذا أيضاً أن تجعل (كم) مبتدأ وما بعدَها خبراً. والأول أولى.

  3. #153
    5- (كم) الخَبَرِيَّة وتَمْيِيزُها

    كم الخبريّةُ: هي التي تكون بمعنى (كثيرٍ) وتكونُ إخباراً عن عدَد كثير مُبهَمِ الكميّةِ، نحو: (كم عالمٍ رأيتُ!)، أي: رأيتُ كثيراً من العلماء ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ، ويجوز حذفُ مُميّزها، إن دلَّ عليه دليلٌ، نحو: (كم عَصَيتَ أمري!)، أي: (كم مَرَّةٍ عصيتَهُ!).

    وحكمُ مُميّزها أن يكونَ مفرداً، نكرةً، مجروراً بالإضافةِ إليها أو بِمن، نحو: (كم علمٍ قرأتُ!) ونحو: (كم من كريم أكرمتُ!). ويجوزُ أن يكون مجموعاً، نحو: (كم عُلومٍ أعرِفُ!). وإفرادُهُ أَولى.

    ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميّزها. فإن فُصِلَ بينهما وجبَ نصبُهُ على التَّمييز، لامتناعِ الإضافةِ معَ الفصلِ، نحو: (كم عندكَ درهماً!)، ونحو: (كم لك يا فتى فضلاً!) أو جرُّه بِمنْ ظاهرةً، نحو: (كم عندكَ من درهم!). ونحو: (كم لك يا فتى من فضل!). إلاّ إذا كان الفاصل فعلاً مُتعدّياً متسلّطاً على (كم)، فيجبُ جرُّهُ بمن، نحو: (كم قَرأتُ من كتابٍ)، كيلا يلتبسَ بالمفعول به فيما لو قلت: (كم قَرأتُ كتاباً).


    (وذلك لأن الجملة الأولى تدل على كثرة الكتب التي قرأتها، والجملة الأخرى تدلّ على كثرة المرّات التي قرأت فيها كتاباً. فكم في الصورة الأولى في موضع نصب على أنها مفعول به مقدم لقرأت، وفي الصورة الأخرى في موضع نصب على أنها مفعول مطلق له. لأنها كناية عن المصدر، والتقدير: كم قراءة قرأت كتاباً فيكون تمييزها محذوفاً).


    ويجوز في نحوِ: (كم نالني منك معروفٌ!)، أن تَرفعَهُ على أنه فاعل (نالَ)، فيكون تمييزُ (كم) مقدَّراً، أي (كم مرَّةٍ!). ويجوز أن تنصبَهُ على التمييز، فيكون فاعلُ (نال) ضميراً مستتراً يعود إلى (كم).


    وحكمُ (كم) الخبريّةِ، في الإعراب، كحُكم (كم) الاستفهامية تماماً، والأمثلةُ لا تخفى.


    واعلم أنَّ (كم) الاستفهاميةَ و (كم) الخبريَّةَ، لا يَتقدَّمُ عليهما شيءٌ من متعلَّقاتِ جُملَتيهما، إلا حرفُ الجرّ والمضاف، فهما يَعملانِ فيهما الجرَّ. فالأولى نحو: (بكم درهماً اشتريتَ هذا الكتاب؟)

    ونحو: (ديوانَ كم شاعراً قرأتَ؟)، والثانيةُ نحو: (إلى كم بلدٍ سافرتُ!) ونحو: (خطبةَ كم خَطيبٍ سَمِعتُ فَوَعيتُ!)

    وتشترِكُ (كم) الاستفهاميةُ و (كم) الخبريّة في خمسةِ أمور: كونُهما كنايتَينِ عن عددٍ مُبهَمٍ مجهولِ الجنس والمِقدارِ، وكونُهما مُبنيَّتينِ، وكون البناءِ على السكونِ، ولُزومُ التصديرِ، والاحتياجُ إلى التَّمييز.

    ويفترقانِ في خمسة أُمور أيضاً:


    1- أنَّ مُميزيهما مختلفانِ إعراباً. وقد تقدَّم شرحُ ذلك.


    2- أنَّ الخبريّة تختصُّ بالماضي، كَرُبَّ، فلا يجوزُ أن تقول: (كم كتُبٍ سأشتري!)، كما لا تقولُ: (رُبَّ دارٍ سأبني). ويجوز أن تقول: (كم كتاباً ستشتري؟).


    3- أن المتكلَم بالخبرية لا يستدعي جواباً، لأنه مخبِرٌ، وليس بُمستفهِم.


    4- أنَّ التصديقَ أو التكذيب يتوجَّهُ على الخبرية، ولا يتوجّه على الاستفهاميّة، لأنَّ الكلامَ الخبريّ يحتملُ الصدقَ والكذبَ. ولا يحتملُهما الاستفهاميُّ، لأنه إنشائي.


    5- أنَّ المُبدَل من الخبريةِ لا يقترِنُ بهمزة الاستفهاميّة، تقولُ: (كم رجلٍ في الدار! عَشَرةٌ، بل عشرونَ). وتقولُ: (كم كتابٍ اشتريتَ! عَشَرةً، بل عشرينَ)، أما المُبدَلُ من الاستفهاميةِ فيقترن بها، نحو: (كم كتُبُكَ؟ أعشرَةٌ أم عشرون؟) ونحو: (كم كتاباً اشتريتَ؟ أَعشرةً، أَم عشرين؟).


    6- (كأَيِّنْ) وتَمْيِيزُها


    كأيّنْ: (وتُكتَبُ: كأيٍّ أيضاً) مثل: (كم) الخبريّة معنًى. فهي تُوافقُها في الإبهام، والافتقارِ إلى التمييز، والبناءِ على السكون، وإفادةِ التّكثير، ولُزومِ أن تكونَ في صدر الكلام، والاختصاصِ بالماضي.


    وحكمُ مُميزها أن يكون مفرداً مجروراً بِمِنْ، كقوله تعالى: {وكأيّنْ من نَبيّ قاتلَ معَهُ رِبَيُّونَ كثير}

    [الرِبيون: الألوف من الناس أو الجماعات. وفُسِرَت أيضاً هنا بالعلماء الأتقياء والعابدين والواحد (رِبِّي) نسبة الى الرِبة، وهي الجماعة]
    وقولهِ: {وكأيّنْ من دابّة لا تَحمِلُ رزقَها، اللهُ يَرزقُها وإياكم}
    [كأين: اسم كناية، في محل رفع مبتدأ. وجملة (لا تحمل رزقها): صفة الدابة وجملة (الله يرزقها وإياكم)، من المبتدأ والخبر: في محل رفع خبر (كأين)]
    وقولِ الشاعر:

    وَكائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ، لكَ مُعجبٍ

    زِيادَتُهُ، أَو نَقْصُهُ، في التَّكَلُّمِ!

    وقد يُنصبُ على قِلَّة، كقولِ الآخر:


    وَكائِنْ لَنا فَضْلاً عَلَيْكُمْ ومِنَّةً

    قَديماً! ولا تَدْرُونَ ما مَنُّ مُنْعِمِ؟
    وقول غيره:

    أُطْرُدِ الْيأْسَ بالرَّجا، فَكَأيِّنْ

    آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرٍ!

    وحكمها في الإعراب، كحكم أُختها (كم) الخبرية، إلا أنها إن وقعت مبتدأ لا يُخبَر عنها إلا بجملةٍ أو شبهها (أي الظَّرفِ والجارّ والمجرور)، كما رأيتَ ولا يُخبَرُ عنها بمفردٍ، فلا يقالُ: (كأينْ من رجلٍ جاهلٌ طريق الخير!)، بخلاف (كم).


    7- (كَذا) وتَمْيِيزُها


    تكونُ (كذا) كنايةً عن العددِ المبهَمِ، قليلاً كان أو كثيراً، نحو: (جاءني كذا وكذا رجلاً)، وعن الجملةِ، نحو: قلتُ: (كذا وكذا حديثاً) والغالب أن تكونَ مُكرَّرةً بالعطفِ، كما رأيت. وقد تُستعمَلُ مُفردَةً أو مكرَّرةً بلا عَطف.


    وحكمُ مُميّزها أنه مفردٌ منصوبٌ دائماً، كما رأيت. ولا يجوزُ جرهُ. قال الشاعر:


    عِدِ النَّفْس نُعْمى، بَعدَ بُؤْساكَ، ذاكراً

    كَذا وكَذا لُطْفاً بهِ نُسِيَ الجَهْدُ

    وحُكمُها في الإعراب أنها مبنيّةٌ على السكون. وهي تقع فاعلاً، نحو: (سافر كذا وكذا رجلاً)، ونائب فاعل، نحو: (أُكرِمَ كذا وكذا مجتهداً)، ومفعولاً به نحو:

    (أكرمتُ كذا وكذَا عالماً)، ومفعولاً فيه، نحو: (سافرتُ كذا وكذا يوماً. وسرت كذا وكذا ميلاً)، ومفعولاً مطلقاً، نحو: (ضربتُ اللصَّ كذا وكذا ضَربةً)، ومبتدأ، نحو: (عندي كذا وكذا كتاباً)، وخبراً، نحو: (المسافرونَ كذا وكذا رجلاً).

  4. #154
    8- بعضُ أَحكامٍ للتَّمْيِيز

    أ- عاملُ النّصبِ في تمييزِ الذاتِ هو الاسمُ المُبهَمُ المميَّزُ، وفي تمييزِ الجملةِ هو ما فيها من فعل أو شِبههِ.


    ب- لا يَتَقدَّمُ التمييزُ على عامله إن كان ذاتاً: (كرطل زيتاً)، أو فعلاً جامداً، نحو: (ما أحسنَهُ رجلاً. نِعمَ زيدٌ رجلاً. بِئس عَمرٌو امرأً). ونَدَر تَقدُّمُهُ على عاملهِ المتصرّفِ، كقولهِ:


    أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنى؟

    وداعِي المْمَنُونِ يُنادي جِهارا!

    أمّا تَوسُّطُهُ بينَ العاملِ ومرفوعهِ فجائزٌ، نحو: (طابَ نفساً علي).

    ج- لا يكونُ التمييزُ إلاّ اسماً صريحاً، فلا يكونُ جملةً ولا شِبهَها.

    د- لا يجوز تعدُّدُهُ.


    هـ- الأصلُ فيه أن يكونَ اسماً جامداً. وقد يكونُ مشتقاً، إن كان وصفاً نابَ عن موصوفهِ، نحو: (للهِ دَرُّهُ فارساً!. ما أحسنَهُ عالماً!. مررت بعشرينَ راكباً).

    (لأن الأصل: "لله درّهُ رجلاً فارساً، وما أحسنه رجلاً عالماً، ومررت بعشرين رجلاً راكباً). فالتمييز، في الحقيقة، إنما هو الموصوف المحذوف).


    و- الأصلُ فيه أن يكونَ نكرةً. وقد يأتي معرفةً لفظاً، وهو في المعنى نكرةٌ، كقول الشاعر:


    رَأَيتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجوهَنا

    صَدَدْتَ، وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو

    وقول الآخر:


    (عَلاَمَ مُلِئْتَ الرُّعبَ؟ وَالحَرْبُ لم تَقِدْ).


    فإن (أل) زائدةٌ، والأصل: (طِبتَ نفساً، ومُلِئتَ رعباً)، كما قال تعالى: {لَوَلْيتَ منهم فراراً،، ولُمُلئتَ منهم رُعباً}. وكذا قولهم: (ألِمَ فلانٌ رأسَهُ) أي: (ألِمَ رأساً). قال تعالى: {إلاّ مَنْ سَفِه نَفسَه}، وقال: {وكم أهلكنا من قرية بَطِرَتْ مَعيشَتها}، أي: (سَفِهَ نفساً، وبَطِرَت مَعيشةً). فالمعرفةُ هنا، كما ترى، في معنى النكرة.


    (وكثير من النحاة ينصبون الاسم في نحو: (ألم رأيه، وسفه نفسه، وبطرت معيشتها) على التشبيه بالمفعول به. ومنهم من لم يشترط تنكير التمييز، بل يجيز تعريفه مستشهداً بما مرّ من الأمثلة. والحق أن المعرفة لا تكون تمييزاً إلا اذا كانت في معنى التنكير، كما قدمنا).


    ز- قد يأتي التمييزُ مؤكّداً، خلافاً لكثير من العُلماءِ، كقوله تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عندَ اللهِ اثنا عشرَ شهراً} ونحو: (اشتريتُ من الكتبِ عشرينَ كتاباً)، فشهراً وكتاباً لم يذكرا للبيانِ، لأنَّ الذات معروفة، وإنما ذُكرا للتأكيد. ومن ذلك قول الشاعر:


    وَ التَّغْلِبِيُّونَ بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُم

    فَحْلاً، وأُمُّهُمُ زَلاَّءُ مِنْطِيقُ
    [الزلاَّء: الرسحاء، الخفيفة الوركين. والمنطيق: المرأة تضم الى عجيزتها حشيّةً تكبرها بها]

    ح- لا يجوزُ الفصلُ بينَ التمييزِ والعدَدِ إلاّ ضرورة في الشعر كقوله

    (في خَمْسَ عَشْرَةَ من جُمادَى لَيْلَةً)


    يريدُ: في خَمسَ عَشرَةَ ليلةً من جُمادى.


    ط- إذا جئتَ بعد تمييز العَددِ - كأحدَ عشرَ وأخواتها، وعشرين وأخواتها - بِنعتٍ، صَحّ أن تُفردهُ منصوباً باعتبارِ لفظِ التمييز، نحو: (عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون، رجلاً كريماً)، وصَحَّ أن تجمعهُ جمعَ تكسيرٍ منصوباً، باعتبار معنى التمييز، نحو: (عندي ثلاثة عَشر، أو ثلاثون رجلاً كِراماً، لأن رجلاً هُنا في معنى الرجال، ألا ترى أنَّ المعنى: ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون من الرجال).


    ولكَ في هذا الجمعِ المنعوتِ به أن تحمِلَهُ، في الإعراب، على العَدَد نفسه، فتَجعلهُ نعتاً لهُ، نحو: (عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون رجلاً كِراماً). ولكَ أن تقولَ: (عندي أَربعونَ درهماً عربياً أَو عربيّةً)، فالتذكير باعتبار لفظٍ الدرهم، والتأنيث باعتبار معناهُ، لأنه في معنى الجمع، كما تقدمَ.


    فإن جمعتَ نعتَ هذا التمييز جمعَ تصحيحٍ، وجبَ حملُهُ على نفسه، وجعلُهُ نعتاً لهُ لا للتمييز، نحو: (عندي أَربعةَ عشرَ، أو أَربعونَ، رجلاً صالحونَ).

    ي- قد يضافُ العددُ فيستغنى عن التّمييز، نحو: (هذه عَشَرَتُكَ، وعِشرُو أبيك، وأحدَ عشرَ أَخيكَ)، لأنك لم تُضِف إِلاَّ والمُميّزُ معلومُ الجنس عند السامع. ويستثنى من ذلك (اثنا عشرَ واثنتا عَشْرةَ)، فلم يُجيزُوا إضافتها، فلا يقال: (خُذِ اثنيْ عشرَكَ)، لأنَّ عَشْرَ هنا بمنزلةِ نون الاثنين، ونونُ الاثنينِ لا تجتمعُ هي والإضافة، لأنها في حكم التنوينِ، فكذلك ما كان في حكمها.
    واعلم أنَّ العددَ المركبَ، إذا اضيفَ، لا تُخِلُّ إِضافته ببنائه، فيبقى مبنيّ الجزءَين على الفتحِ، كما كان قبلَ إضافتهِ، نحو: (جاءَ ثلاثةَ عشرَكَ).

    ويرى الكوفيّون أنَّ العددَ المركّب إذا اضيفَ أعرب صدرُهُ بما تقتضيهِ العواملُ، وجرَّ عَجزُهُ بالإضافةِ نحو: "هذه خمسةُ عشَركِ. خُذْ خمسةَ عشرِكَ. أعطِ من خمسةِ عشرِكَ) والمختارُ عند النُّحاة أنَّ هذا العددَ يلزم بناءَ الجزءين، كما قدَّمنا.

  5. #155
    ( الاستثناء )


    الاستثناءُ: هو إخراجُ ما بعدَ (إلاّ) أو إحدَى أخواتها من أدوات الاستثناءِ، من حكم ما قبلَهُ، نحو: (جاءَ التلاميذُ إلاّ عليّاً)..


    والمُخرَجُ يُسمّى (مستثنى)، والمُخرَجُ منه (مُستثنى منه).


    وللاستثناءِ ثماني أَدواتٍ، وهي: (إلاّ وغيرٌ وسِوًى (بكسر السين. ويقال فيها أيضاً سُوًى - بضم السين - وسَواءٌ - بفتحها) وخَلا وعَدا وحاشا وليسَ ولا يكونُ).


    وفي هذا المبحث ثمانية مباحث:


    1- مَباحِثُ عامَّةٌ


    أ- المُستثنى قسمانِ: مُتَّصلٌ ومنقطعٌ.


    فالمُتّصلُ: ما كان من جنس المُستثنى منه، نحو: (جاءَ المسافرون إلا سعيداً).

    والمُنقطعُ: ما ليسَ من جنس ما استثنيَ منه، نحو: (احترقت الدارُ إلاّ الكتُبَ).

    ب- الاستثناء: استفعالٌ من (ثنَاهُ عن الأمر يثنيهِ): إذا صَرَفهُ عنه ولواه. فالاستثناءُ: صرفُ لفظِ المُستثنى منه عن عمومه، بإخراج المستثنى من أن يتناولهُ ما حُكِمَ به على المستثنى منه. فإذا قلتَ: (جاءَ القومُ، ظُنَّ أنَّ خالداً داخلٌ معهم في حكم المجيءِ أيضاً، فإذا استثنيتَهُ منهم، فقد صرفتَ لفظَ (القوم) عن عُمومه باستثناءِ أحدِ أفرادهِ - وهو خالدٌ - من حكم المجيءِ المحكومِ به على القوم. لذلك كان الاستثناءُ تخصيصَ صفةٍ عامّةٍ بذكر ما يَدُلُّ على تخصيص عمومها وشُمولها بواسطة أداةِ من أدوات الاستثناء.

    فإذا علمتَ هذا، علمتَ أَن الاستثناء من الجنس، هو الاستثناءُ الحقيقيُّ، لأنه يُفيدُ التخصيص بَعدَ التّعميم، ويُزيلُ ما يُظَنُّ من عُموم الحكم. وأَما الاستثناءُ من غير الجنس فهو استثناءٌ لا معنى له إلاّ الاستدراكُ، فهو لا يُفيدُ تخصيصاً، لأن الشيءَ إنما يُخصّصُ جنسَهُ. فإذا قلتَ: (جاءَ المسافرون إلا أَمتعتَهُم)، فلفظ (المسافرين) لا يتناول الأمتعةَ، ولا يدلُّ عليها. وما لا يَتناولهُ اللفظُ فلا يحتاجُ إلى ما يخرجُهُ منهُ. لكنْ إنما استثنيتَ هُنا استدراكاً كيلا يُتَوهم أن أَمتعتَهُم جاءَت مَعهم أَيضاً، عادةَ المسافرين.

    فالاستثناءُ المتَّصلُ يُفيدُ التَّخصيصَ بعدَ التعميم، لأنهُ استثناءٌ من الجنس. والاستثناءُ المُنقطعُ يُفيدُ الاستدراكَ لا التّخصيصَ، لأنه استثناءٌ من غير الجنس.


    ج- لا يستثنى إلاّ من معرفةٍ أو نكرةٍ مُفيدةٍ، فلا يقالُ (جاءَ قومٌ إلا رجلاً منهم)، ولا (جاءَ رجالٌ إلا خالداً). فإن أفادت النكرةُ جاز الاستثناء منها، نحو: (جاءَني رجالٌ كانوا عندكَ إلاّ رجلاً منهم) ونحو: (ما جاءَ أحدٌ إلا سعيداً)، قال تعالى: {فَلَبِثَ في قومهِ أَلفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً}.


    وتكونُ النكرةُ مفيدة إذا أُضيفتْ، أو وصِفت، أو وقعت في سياقِ النفي أو النَّهي أو الاستفهام.


    وكذا لا يُستثنى من المعرفة نكرةٌ لم تخصَّص، فلا يقالُ: (جاء القومُ إلاّ رجلاً). فإن تُخصّصَت جاز، نحو: (جاء القومُ إلاّ رجلاً منهم، أو إلاَّ رجلاً مريضاً، أو إلاّ رجلَ سُوءٍ).

    د- يصح استثناءُ قليلٍ من كثير. وكثيرٍ من أكثرَ منه. وقد يُستثنى من الشيء نصفُهُ، تقول: (لهُ عليَّ عشرةٌ إلا خمسةً)، قال تعالى: {يا أَيُّها المُزَّمِّلُ، قُمِ الليلَ إلاّ قليلاً، نِصفَه، أَو انقُصْ منهُ قليلاً، أو زِدْ عليه}. فقد سمّى النصفَ قليلاً واستثناهُ من الأصل. وقال قومٌ: لا يستثنى من الشيءِ إلا ما كان دونَ نصفهِ. وهو مردودٌ بهذه الآية.
    [الراجح من أقوال المفسرين أن (قليلاً) مستثنى من الليل، و(نصفه): بدلاً من قليلاً، وقِلته بالنسبة الى الكل]

    هـ- استثناءُ الشيء من غيرِ جنسهِ لا معنى له. وما ورد من ذلك فليست فيه (إلاّ) للاستثناء على سبيل الأصل. وإنما هي بمعنى (لكنْ)، وهو ما يُسمونهُ: (الاستثناء المُنقَطِع). ومعّ ذلك فلا بدّ من الارتباط بين المستثنى منه والمستثنى، كما ستعلم ذلك ... ومن ذلك قوله تعالى: {ما أنزَلنا عليك القرآنَ لِتشقى، إلا تَذكرَةً لِمن يخشى}، أي: لكن أنزلناهُ تذكرةً، وقولُهُ: {فذَكّر، إنما أنتَ مُذكّرٌ، لستَ عليهم بِمُسَيطرٍ، إلاّ مَنْ تَوَلى وكفرَ فَيُعذبُهُ اللهُ العذابَ الأكبرَ}، أي: لكنْ مَنْ تَوّلى وكفرَ.

    [تذكرة: مُستثنى من المصدر المؤول من (تشقى) بأن المُقدرة، والتقدير ما أنزلنا عليك القرآن لشقائك]
    [من تولى وكفر: من مستثنى من الضمير في عليهم]

  6. #156
    2- حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ

    إن كان المستثنى بإلاّ مُتَّصلاً، فلهُ ثلاثُ أحوال: وجوبَ النصبِ بإلاّ وجوازُ النّصبِ والبدليّةِ، ووجوبُ أن يكونَ على حسبِ العواملِ قبلَه.


    متى يجب نصب المستثنى بإلا؟


    يجبُ نصبُ المستثنى بإلاّ في حالتين:


    أ- أن يقعَ في كلامٍ تام موجَب، سواءٌ أتأخرَ عن المستثنى منهُ أم تقدَّمَ عليه. فالأولُ نحو: (ينجحُ التلاميذُ إلا الكسولَ)، والثاني نحو: (ينجحُ إلاّ الكسولَ التلاميذُ).


    والمُرادُ بالكلامِ التام أن يكونَ المُستثنى منه مذكوراً في الكلام، وبالمُوجَب أن يكونَ الكلامُ مُثَبتاً، غيرَ منفي. وفي حكم النَّفي النَّهيُ والاستفهامُ الإنكاري. ولا فرقَ بينَ أن يكون النفيُ معنًى أو بالأداةِ، كما ستعلم.


    ب- أن يقعَ في كلامٍ تام منفي، أو شِبهِ منفي، ويتقدَّمَ على المستثنى منه، نحو: (ما جاء إلا سليماً أحدٌ) ومنه قولُ الشاعر:

    ومَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ
    وما لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ

    فإن تقدَّمَ المستثنى على صفة المُستثنى منه، جاز نصبُ المستثنى بإلا، وجاز جعلهُ بدلاً من المستثنى منه، نحو: (ما في المدرسة أحد إلا أخاك، أو إلاّ أخوكَ، كَسولٌ).


    متى يجوز في المستثنى بالاّ الوجهان


    يجوز في المستثنى بإلاّ الوجهان - جَعلُهُ بَدَلاً من المستثنى منه. ونصبُهُ بالاّ - إن وقعَ بعدَ المستثنى منه في كلامٍ تام منفيٍّ أو شِبهِ منفيّ، نحو: (ما جاءَ القومُ إلاّ علي، وإلا علياً). وتقولُ في شِبه النفي: (لا يَقمْ أحدٌ إلاّ سعيدٌ، وإلا سعيداً. وهل فعلَ هذا أحدٌ إلا أنت، وإلا إياك!) والإتباع على البدليّة أولى. والنصبُ عربي جَيِّدٌ. ومنه قوله تعالى: {ولا يَلتفتْ منكم أحدٌ إلا امرأتَكَ}. (وقُرئَ إلا امرأتُكَ)، بالرفع على البدلية.


    ومن أمثلة البدليّةِ، والكلامُ منفيٌّ، قولُهُ تعالى: {ما فعلوهُ إلاَّ قليلٌ منهم}، وقرئَ (إلاّ قليلاً) بالنصب بالاّ، وقولُهُ: {لا إله إلاّ اللهُ}، وقوله: {ما من إله إلاّ إلهٌ واحدٌ}

    [من: حرف جر زائد. وإله: مجرور لفظاً بمن الزائدة، مرفوع محلاً لأنه مبتدأ. وخبره محذوف تقديره: موجود إله. إما بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. وإما بدل من محل إله الأول، لأن محله الرفع على الابتداء، كما ذكرنا]
    وقوله: {ما من إلهٍ إلاّ اللهُ}.

    ومن أمثلتها، والكلامُ شِبهُ منفي، لأنهُ استفهامٌ إنكاري، قولهُ تعالى: {ومَن يغفرُ الذُّنوبَ إِلاّ اللهُ!}، وقولهُ: {ومَن يقنَطُ من رحمةِ ربهِ إلاّ الضّالون؟!}.

    وقد يكونُ النفيُ معنوياً، لا بالأداةِ، فيجوزُ فيما بعدَ (إلاّ) الوجهان أيضاً - البدليّةُ والنصبُ بإلاّ، والبدليّة أولى - نحو: (تَبدَّلت أخلاقُ القوم إلاّ خالدٌ، وإلاّ خالداً)، لأن المعنى: لم تَبقَ أخلاقُهم على ما كانت عليه، ومنه قول الشاعر:


    وبَالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ

    عافٍ، تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ
    [ الصريمة: موضع، وأصلها: قطعة من الرمل ضخمة تنصرم ـ أي تنقطع ـ عن سائر الرمال. والخلق: البالي. والنؤي: حفير حول الخيمة يمنع السيل]

    فمعنى تغيّرَ: لم يبقَ على حاله.

    (وإنما جاز الوجهان في مثل ما تقدم، لأنك إن راعيت جانب اللفظ نصبت ما بعد (إلا)، لأن الجملة قد استوفت جزءيها - المسند والمسند إليه - فيكون ما بعد (إلا) فضلة، والفضلة منصوبة, وان راعيت جانب المعنى رفعت ما بعدها، لأن المسند إليه في الحقيقة هو ما بعد (إلا). لذلك يصح تفريغ العامل الذي قبلها له وتسليطه عليه. فان قلت: (ما جاء القوم إلا خالد. أو خالداً)، صحّ أن تقول: (ما جاء إلا خالد)، فنصبه باعتبار أنه عمدة في المعنى، فهو بدل مما قبله، والمبدل منه في حكم المطروح. ألا ترى أنك إن قلت: (أكرمت خالداً أباك)، صحّ أن تقول: (أَكرمت أَباك)).

    متى يجب أن يكون المستثنى بالا على حسب العوامل.


    يجبُ أن يكون المستثنى بإلا على حسب ما يطلبُهُ العاملُ قبلَهُ، متى حُذِفَ المستثنى منه من الكلام، فيتفرَّعُ ما قبلَ (إلا) للعملِ فيما بعدَها، كما لو كانت (إلا) غيرَ موجودةٍ. ويجبُ حينئذٍ أن يكون الكلامُ منفيّاً أو شِبهَ منفيٍّ، نحو: (ما جاءَ إلا عليٌّ، ما رأيتُ إلا عليّاً، ما مررتُ إلا بعليّ) ومنه في النهي قوله تعالى: {ولا تَقولوا على الله إلا الحقّ}، وقولهُ: {ولا تُجادلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي هيَ أحسن}. ومنه في الاستفهامِ قولُه سبحانهُ: {فَهَلْ يَهلِكُ إلا القومُ الفاسقون}.
    وقد يكونُ النفيُ معنويّاً، كقولهِ تعالى: {ويأبى الله إلا أن يُتِمَّ نورَهُ}، لأنَّ معنى يأبى: لا يريدُ.

  7. #157
    3- حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ



    إن كان المُستثنى بإلا منقطعاً، فليس فيه إلا النصبُ بالا، سواءٌ أتقدَّمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه، وسواءٌ أكان الكلام مُوجَباً أم منفياً، نحو ) جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتَهم. جاءَ إلا أمتعتَهمُ المسافرون. ما جاءَ المسافرون إلا أمتعتَهم(.

    ومن الاستثناء المُنقطع قولهُ تعالى: {ما لهم به من علمٍ، إلا إتباعَ الظنّ}، وقوله: {وما لأحدٍ عندَهُ من نِعمةٍ تُجزى، إلا ابتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى}.


    ولا تجوز البدليّةُ في الكلام المنفيّ، هنا، إن صحَّ تَفرُّغ العاملِ قبلَه له وتَسلُّطهُ عليه. فيجيزون أن يقالَ: (ما جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتُهم)، لأنك لو قلتَ: (ما جاءَ إلا أمتعةُ المسافرين)، لَصَحَّ. وعليه قولُ الشاعر:


    وبَلْدةٍ لَيْسَ بِها أَنيسُ

    إِلاَّ الْيَعافِيرُ، وإِلاَّ العِيسُ
    [اليعافير: جمع يعفور وهو ولد البقرة الوحشية (المها). والعيس: الإبل البيض المخلوط بياضها شقرة أو سواد خفي، والذكر أعيس والأنثى عيساء]

    وقول الآخر:


    عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّياحُ مَكانَها

    ولا النَّبْلُ، إِلاَّ المَشْرِفيُّ المُصَمِّمُ
    [المشرفي: السيف، والمصمم القاطع الماضي في الصميم، وهو العَظم الذي به قوام العضو]

    وقول غيره:


    وَبِنتَ كِرامٍ قد نَكحْنا، ولم يَكُنْ

    لَنا خاطِبٌ إلا السِّنانُ وعامِلُهُ
    [عامل الرمح: صدره]



    4- (إلاَّ) بِمَعْنى (غَيْر)


    الأصلُ في (إلاّ) أن تكونَ للاستثناء، وفي (غير) أن تكون وصفاً. ثمَّ قد تُحمَلُ إحداهما على الأخرى، فَيوصَفُ بإلاّ، ويُستثنى بغير.


    فان كانت (إلا) بمعنى (غير)، وقعت هي وما بعدَها صفةً لما قبلها، (وذلك حيثُ لا يُرادُ بها الاستثناءُ، وإنما يُرادُ بها وصفُ ما قبلَها بما يُغاير ما بعدَها)، ومن ذلك حديثُ: (الناسُ هلَكَى إلا العالِمونَ، والعالِمونَ هَلكَى إلا العامِلونَ، والعاملونَ هلكى إلاّ المخلصون)، أي: (الناسُ غيرُ العالمينَ هَلكى، والعالمونَ غيرُ العاملين هلكى، والعاملونَ غيرُ المخلصينَ هَلكى) ولو أراد الاستثناءَ لنصبَ ما بعدَ (إلا) لأنهُ في كلام تامٍّ مُوجَبٍ.

    وقد يصحُّ الاستثناءُ كهذا الحديث، وقد لا يصحُّ، فيتعيّن أن تكونَ (إلا) بمعنى (غير)، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا}. فالا وما بعدَها صفةٌ لآلهَة، لأنَّ المُرادَ من الآية نفي آلهةٌ المتعدِّدةِ وإثبات الآلهِ الواحد الفرد. ولا يصحُّ الاستثناءُ بالنصب، لأنَّ المعنى حينئذٍ يكون: (لو كان فيهما آلهةٌ، ليس فيهمُ اللهُ لفسدتا). وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهةٌ، فيهمُ الله، لم تَفسْدا، وهذا ظاهرُ الفسادِ. وهذا كما تقولُ: (لو جاءَ القوم إلا خالداً لأخفقوا) أي: لو جاءُوا مستثنًى منهم خالدٌ - بمعنى أنه ليس بينهم - لأخفقوا. فهم لم يُخفقوا لأنَّ بينهم خالداً. ونظيرُ الآية - في عدم جواز الاستثناءِ - أن تقول: (لو كان معي دراهمُ، إلا هذا الدرهمُ). فان قلتَ: (إلا هذا الدرهمَ)، بالنصب كان المعنى: لو كان معي دراهمُ ليس فيها هذا الدرهمُ لبذلتُها، فيُنتجُ أنكَ لم تبذُلها لوجودِ هذا الدرهمِ بينّها. وهذا غير المراد.

    ولا يَصِحُّ أيضاً أن يُعرَب لفظ الجلالةِ بدلاً من آلهة، ولا (هذا الدرهم)، بدلاً من دراهمَ، لأنهُ حيثُ لا يَصِحُّ الاستثناءُ لا تصحُّ البدليّةُ. ثم إنَّ الكلامَ مُثبتٌ، فلا تجوزُ البدليّةُ ولو صحَّ الاستثناءُ، لما علمتَ من أنَّ النصبَ واجبٌ في الكلام التامّ المُوجَبِ. وأيضاً: لو جعلتَهُ بدلاً لكان التقديرُ: (لو كان فيهما إلا اللهُ لفسدتا)، لأنَّ البدلَ على نِيَّةِ طرحِ المُبدَل منه، كما هو معلومٌ. ولعدَم صحَّةِ الاستثناءِ هنا وَعدَمِ جَواز البدليّة تَعيَّنَ أن تكونَ (إلا) بمعنى (غير).


    وممّا جاءَت فيه (إلا) بمعنى (غير)، معَ عدم تَعذُّرِ الاستثناءِ معنًى، قول الشاعر:


    وكلُّ أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ

    لَعَمْرُ أَبيكَ إلاَّ الفَرْقَدَانِ

    أي: كلُّ أخٍ، غيرُ الفرقدينِ، مفارقُهُ أخوه. ولو قال: (كل أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ إلا الفَرقدينِ) لَصَحَّ.

    [الفرقدان: هما كوكبان معروفان بتقاربهما ومجاورتهما الأزلية، من مجموعة بنات نعش [[صبح الأعشى: القلقشندي]] ]
    واعلم أنَّ الوصفَ هو (إلا) وما بعدَها معاً، لا (إلا) وحدَها، ولا ما بعدَها وحدَه، معَ بقائها على حرفيّتها، كما يُوصف بالجارّ والمجرورِ معَ بقاءِ حرف الجرِّ على حرفيته. والإعرابُ يكون لِما بعدَها. ومن العلماءِ من يجعلُها اسماً مبنياً بمعنى (غير) ويَجعلُ إعرابها المحلّي ظاهراً فيما بعدَها. والجمهور على الأول وهوَ الأولى.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #158
    5- حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى

    غيرٌ: نكرة مُتوغلةٌ في الإبهام والتَّنكير، فلا تُفيدُها إضافتُها إلى المعرفة تعريفاً، ولهذا تُوصَفُ بها النكرةُ مع إضافتِها إلى معرفةٍ، نحو: (جاءَني رجلٌ غيرُكَ، أو غيرُ خالدٍ). فلذا لا يُوصَفُ بها إلا نكرةٌ، كما رأيتَ، أو شبهُ النكرةِ مِمّا لا يفيدُ تعريفاً في المعنى، كالمُعرَّفِ بألِ الجنسيةٍ، فإنَّ المعرَّفَ بها، وإن كان معرفة لفظاً، فهو في حكم النكرةِ معنًى، لأنه لا يدُلُّ على مُعيَّنٍ. فان قلتَ: (الرجالُ غيرُك كثيرٌ)، فليس المرادُ رجالاً مُعيَّنينَ.


    ومثلُها في تنكيرها، وتَوَغُّلها في الإبهام، ووصفِ النكرةِ أو شبهها بها، وعدمِ تعرُّفها بالإضافةِ (مِثلٌ وسِوًى وشِبْهٌ ونظيرٌ). تقول: (جاءَني رجلٌ مِثلُك، أو سِواكَ، أو شِبهُكَ، أو نظيرُكَ).


    وقد تُحمَلُ (غير) على (إلا) فيُستثنى بها، كما يستثنى بإلا، كما حُملتْ (إلا) على (غير) فَوُصِفَ بها. والمستثنى بها مجرورٌ أبداً بالإضافة إليها، نحو: (جاءَ القومُ غيرَ عليّ).


    وقد تُحمَلُ (سِوى) على (إلا)، كما حُمِلت (غيرٌ)، لأنها بمعناها، فتقول: (جاءَ القومُ غيرَ خالدٍ)، بالنصب، لأنَّ الكلام تامٌّ مُوجَبٌ.


    وتقول: (ما جاءَ غيرَ خالدٍ أحدٌ)، النصب أيضاً، وإن كان الكلامُ منفيّاً، لأنها تقدَّمت على المستثنى منه.


    وتقول: (ما احترقتِ الدارُ غيرَ الكتبِ)، بالنصب، وإن كان الكلام منفيّاً، ولم يَتقدم فيه المستثنى على المستثنى منه، لأنها وقعت في استثناء مُنقطع.

    وتقول: (ما جاءَ القومُ غيرُ خالدٍ، أو غيرَ خالد)، بالرفع على أنها بدلٌ من القوم، وبالنصب على الاستثناء، لأنَّ الكلام تَامٌّ منفي. قال تعالى: {لا يَستوي القاعدون من المؤمنينَ، غيرُ أولي الضَرر، والمُجاهدون في سبيل اللهِ بأموالهم وأنفُسهم}. قُرئَ (غير) بالرفع، صفةً ل(القاعدون)، وبالجر، صفةً للمؤمنين، وبالنصب على الاستثناءِ.

    وتقول: (ما جاءَ غيرُ خالدٍ) بالرفع، لأنها فاعل، و (ما رأيتُ غيرَ خالد) بالنصب، لأنها مفعولٌ به، و (مررتُ بغير خالدٍ)، بجرها بحرف الجر. وإنما لم تُنصَب (غير) هنا على الاستثناء لأن المستثنى منه غيرُ مذكورٍ في الكلام، فتفرَّغَ ما كان يعملُ فيه للعمل فيها.


    واعلم أنه يجوز في (سوى) ثلاثُ لغاتٍ: (سِوى) بكسر السين، و (سُوى) بضمها، و (سَواء) بفتحها معَ المدّ.


    6- حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا


    خلا وعدا وحاشا: أفعال ماضيةٌ، ضُمّنت معنى (إلا) الاستثنائية، فاستثنيَ بها، كما يُستثنى بإلاّ.


    وحكمُ المستثنى بها جوازُ نصبِه وجرّهِ. فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية، وما بعدَها مفعولٌ به. والجرُّ على أنها أحرفُ جرٍّ شبيهةٌ بالزائدِ، نحو: (جاءَ القومُ خَلا عليّاً، أو عليٍّ).


    والنصبُ بخلا وعَدا كثيرٌ، والجرُّ بهما قليلٌ. والجرُّ بحاشا كثيرٌ، والنصبُ بها قليلٌ.


    وإذا جررتَ بهن كان الاسمُ بعدَهنَّ مجروراً لفظاً، منصوباً محلاً على الاستثناءِ.

    فإن جُعلت أفعالاً كان فاعلها ضميراً مستتراً يعودُ على المُستثنى منه.والتُزِمَ إفرادهُ وتذكيرهُ، لوقوعِ هذهِ الأفعالِ موقعَ الحرف، لأنها قد تضمّنت معنى (إلا)، فأشبهتها في الجمودِ وعَدَمِ التَّصرُّفِ والاستثناءِ بها. والجملةُ إما حالٌ من المستثنى منه، وإما استئنافية.

    ومن العلماءِ من جعلها أفعالاً لا فاعلَ لها ولا مفعولَ، لأنها محمولةٌ على معنى (إلا)، فهي واقعةٌ موقعَ الحرفِ. والحرفُ لا يحتاج إلى شيء من ذلك. فما بعدَها منصوبٌ على الاستثناء، حملاً لهذه الأفعال على (إلا). وهو قولٌ في نهاية الحِذقِ والتَّدقيق.

    (قال العلامة الاشموني في شرح الالفية: (ذهب الفراءُ الى أن (حاشا) فعل، لكن لا فاعل له. والنصب بعده إنما هو بالحمل على (إلا). ولم ينقل عنه ذلك في (خلا وعدا). على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك). قال الصبان في حاشيته عليه: (قوله لا فاعل له، أي ولا مفعول، كما قاله بعضهم. وقوله بالحمل على (إلا) أي. فيكون منصوباً على الاستثناء ومقتضى حمله على (إلا) أنه العامل للنصب فيما بعده)


    والحق الذي ترتاح إليه النفس أن تُجعل هذه الأدوات: (خلا وعدا حاشا) - في حالة نصبها ما بعدها - إما أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها واقعة موقع الحرف، وإما أحرفاً للاستثناء منقولة عن الفعلية الى الحرفية، لتضمنها معنى حرف الاستثناء كما جعلوها - وهي جارَّةٌ أحرفَ جر، وأصلها الافعال).


    وإذا اقترنت بخلا وعدا (ما) المصدريةُ، نحو: (جاءَ القوم ما خلا خالداً) وجبَ نصبُ ما بعدَهما، ويجوزُ جره، لأنهما حينئذٍ فعلانِ. و (ما) المصدريّة لا تَسبقُ الحروفَ. والمصدر المؤوَّل منصوبٌ على الحال بعد تقديره باسم الفاعل، والتقديرُ: جاءَ القومُ خالينَ من خالدٍ.


    (هكذا قال النحاة، وأنت ترى ما فيه من التكلف والبعد بالكلام عن أسلوب الاستثناء. والذي تطمئن إليه النفس أن (ما) هذه ليست مصدرية. وإنما هي زائدة لتوكيد الاستثناء، بدليل أن وجودها وعدمه، في إفادة المعنى، سواء على أن من العلماء من أجاز أن تكون زائدة، كما في شرح الشيخ خالد الأزهري لتوضيح ابن هشام).

    أما حاشا فلا تَسبقُها (ما) إلا نادراً. وهي تُستعملُ للاستثناءِ فيما ينزَّه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه، تقول: (أهملَ التلاميذُ حاشا سليمٍ)، ولا تقولُ: (صلَّى القومُ حاشا خالدٍ) لأنه لا يتنزَّه عن مشاركة القوم في الصَّلاة. وأما سليم - في المثال الأول، فقد يتنزَّه عن مشاركة غيرهِ في الإهمال.

    وقد تكون للتَّنزيه دون الاستثناء، فيُجرُّ ما بعدها إما باللام، نحو: (حاشَ للهِ)، وإما بالإضافة إليها، نحو: (حاشَ اللهِ). ويجوز حذفُ ألفها، كما رأيتُ، ويجوز إثباتها، نحو: (حاشا لله) و (حاشا اللهِ).


    ومتى استُعملت للتّنزيهِ المجرَّدِ كانت اسماً مُرادِفاً للتنزيهِ، منصوباً على المفعوليّة المُطلَقةِ انتصابَ المصدرِ الواقع بدلاً من التلفُّظ بفعلهِ. وهي، إن لم تُضَف ولم تُنوَّن كانت مبنيّةً، لشبهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى. وإن أُضيفت أو نُوّنت كانت مُعرَبةً، لِبُعدِها بالإضافة والتنوينِ من شَبِهٍ الحرف، لأنَّ الحروفَ لا تُضافُ ولا تنوَّنُ، نحو: (حاشَ اللهِ، وحاشا للهِ).


    وقد تكونُ فعلاً متعدِّياً مُتصرفاً، مثل: (حاشيتهُ أُحاشيهِ)، بمعنى: استثنيتُه أستثنيهِ. فإن سبقتها (ما) كانت حينئذٍ نافيةً. وفي الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: (أُسامة أحبُّ الناسِ إليَّ)، وقال راويهِ: (ما حاشى فاطمةَ ولا غيرَها).


    وتأتي فعلاً مضارعاً، تقول: (خالدٌ أفضلُ أقرانهِ، ولا أُحاشي أحداً)، أي: لا استثني، ومنه قول الشاعر:


    ولا أرَى فاعلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ

    وَلا أُحاشِي منَ الأَقوامِ مِنْ أحدِ

    وإن قلت: (حاشاك أن تكذب. وحاشى زهيراً أن يُهملَ)، فحاشى: فعلٌ ماضٍ بمعنى: (جانبَ) وتقولُ أيضاً: (حاشى لك أن تُهملَ)، فتكون اللام حرفَ جرّ زائداً في المفعول به للتقوية.


    وإن قلتَ: (أُحاشيك أن تقول غير الحقِّ)، فالمعنى أُنزِّهُك.



  9. #159
    7- حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون

    ليس ولا يكونُ: من الأفعال الناقصةِ الرَّافعة للاسم الناصبةِ للخبر. وقد يكونان بمعنى (إلا) الاستثنائية؛ فَيستثنى بهما، كما يُستثنى بها. والمستثنى بعدَهما واجبُ النصبِ، لأنه خبرٌ لهما، نحو: (جاءَ القومُ ليس خالداً، أو لا يكون خالداً). والمعنى: جاءُوا إلا خالداً. واسمُهما ضميرٌ مستتر يعود على المستثنى منه. والخلاف في مرجع الضمير فيهما كالخلاف في مرجعه في (خلا وعدا وحاشا) فراجِعهُ.


    (هكذا قال النحاة. أما ما تطمئن إليه النفس فان يجعلا فعلين لا مرفوع لهما ولا منصوب، لتضمنهما معنى (إلا) أو يجعلا حرفين للاستثناء، نقلاً لهما عن الفعلية إلى الحرفية، لتضمنهما معنى (إلا) كما جعل الكوفيون (ليس) حرف عطف إذا وقعت موقع (لا) النافية العاطفة، نحو: خذ (الكتابَ ليس القلمَ)، وكما قال الشاعر: (والأشرم المطلوبُ ليس الطالبُ). برفع (الطالب) عطفاً بليس على (المطلوب) أي: (الأشرمُ الطالب لا المطلوب).


    8- شِبْهُ الاستِثناء

    شبهُ الاستثناء يكون بكلمتين: (لا سِيَّما) و (بيدَ):


    فلا سِيّما: كلمةٌ مُركَّبةٌ من (سِيّ) بمعنى مثلٍ، ومُثناها سِيّانِ، ومن (لا) النافيةِ للجنس، وتُستعمل لترجيح ما بعدَها على ما قبلها. فإذا قلتَ: (اجتهدَ التلاميذُ، ولا سِيّما خالدٍ)، فقد رَجَّحْتَ اجتهادَ خالدٍ على غيرهِ من التلاميذ.


    وتشديد يائها وسَبقُها بالواوِ و (لا)، كلُّ ذلك واجب. وقد تُخففُ ياؤها. وقد تُحذَف الواو قبلها نادراً. وقد تُحذفُ (ما) بعدَها قليلاً. أما حذفُ (لا) فلم يَرد في كلام من يُحتج بكلامهِ.


    والمُستثنى بها، إن كان نكرةً جازَ جَرُّهُ ورَفعُه ونَصبُهُ. تقول: (كلُّ مجتهدٍ يُحَبُّ، ولا سيّما تِلميذٍ مثلِكَ) أو (ولا سيّما تلميذٌ مِثلَك)، أو (ولا سِيّما تلميذاً مثلَك). وجرُّهُ أَولى وأكثرُ وأشهرُ.

    (فالجر بالإضافة إلى (سيّ) وما: زائدة. والرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو. وتكون (ما): اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى (سي). وجملة المبتدأ والخبر: صلة الموصول. ويكون تقدير الكلام: (يُحَبُّ كل مجتهد لا مثل محبة الذي هو تلميذٌ مثلك، لأنك مُفصَّلٌ على كل تلميذ) والنصب على التمييز لسي، وما: زائدة).

    وإن كان المُستثنى بها معرفةً جازَ جَرُّه، وهو الأولى، وجاز رفعهُ، نحو: (نجحَ التلاميذُ ولا سِيّما خليلٍ) أو (ولا سِيّما خليلٌ). ولا يجوزُ نصبُهُ، لأن شرطَ التّمييز أن يكونَ نكرةً.


    وحكمُ (سِيّ) أنها، أن أُضيفت (كما في صورَتي جرَّ الاسم ورفعه بعدَها) فيه مُعرَبةٌ منصوبةٌ بلا النافية للجنس، كما يعرَبُ اسم (لا) في نحو: (لا رجلَ سوءٍ في الدار). وإن لم تُضَف فهي مبنيّةٌ على الفتح كما يُبنى اسم (لا) في نحو: (لا رجلَ في الدار).


    وقد تستعمل (لا سِيّما) بمعنى (خُصوصاً)، فيُؤتى بعدَها بحالٍ مُفردَةٍ، أو بحالٍ جُملةٍ، أو بالجملة الشرطية واقعةً موقعَ الحال. فالأول نحو: (أُحِبُّ المطالعةَ، ولا سِيّما منفرداً). والثاني نحو: (أُحبُّها، ولا سِيّما وأنا منفردٌ). والثالثُ نحو: (أُحبُّها، ولا سِيّما إن كنتُ منفرداً).


    وقد يَليها الظَّرفُ، نحو: (أُحبُّ الجلوسَ بين الغِياضِ، ولا سِيّما عند الماءِ الجاري)، ونحو: (يَطيبُ ليَ الاشتغالُ بالعلم، ولا سِيّما ليلاً)، أو (ولا سِيّما إذا أَوَى الناسُ إلى مضاجعهم).


    [الغياض: جمع غيضة وهو مكان يجتمع فيه الماء فتنبت الأشجار [لسان العرب]]

    أمّا (بَيدَ فهو اسمٌ ملازمٌ للنّصب على الاستثناءِ). ولا يكون إلا في استثناءٍ منقطع. وهو يَلزَمُ الإضافةَ إلى المصدر المؤوَّلِ بأنَّ التي تنصبُ الاسمَ وترفُ الخبرَ، نحو: (إنهُ لكثيرُ المال، بيدَ أنه بخيل). ومنه حديثُ: (أنا أفصَحُ من نطقَ بالضادِ، بَيدَ أني من قُرَيشٍ، واستُرضِعتُ في بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ).

  10. #160
    ( المنادى )


    المنادَى: اسمٌ وقعَ بعدَ حرفٍ من أَحرف النداءِ، نحو: (يا عبدَ الله). وفي هذا البحث أربعةَ عشرَ مبحثاً:


    1- أَحرُفُ النِّداءِ


    أحرفُ النداءَ سبعة، وهيَ: (أَ، أَيْ، يا، آ، أَيا، هَيا، وَا).
    فـ (أَيْ و أَ): للمنادَى القريب. و (أيا وهَيا وآ): للمنادى البعيد. و (يا): لكلّ مُنادًى، قريباً كان، أو بعيداً، أو مُتوسطاً. و (وا): للنُّدبة، وهي التي يُنادَى بها المندوبُ المُتفجَّعُ عليه، نحو: (وا كبدِي!. وا حَسرتي!).


    وتَتعيَّنُ (يا) في نداءِ اسمِ اللهِ تعالى، فلا يُنادَى بغيرها، وفي الاستغاثة، فلا يُستغاثُ بغيرِها. وتتعيَّنُ هيَ و (وَا) في النُّدبة، فلا يُندَُ بغيرهما، إلا أنَّ (وا" - في النُّدبة - أكثرُ استعمالاً منها، لأنَّ (يا) تُستعمل للنُّدبة إذا أُمِنَ الالتباسُ بالنداءِ الحقيقيِّ، كقوله:


    حُمِّلْتَ أَمراً عَظيماً، فاصطَبَرْتَ لَهُ

    وقُمْتَ فيهِ بِأَمْرِ اللهِ يا عُمَرَا!
    [البيت لجرير يندب عمر بن عبد العزيز، رضوان الله عليه. والمراد بالأمر الذي حمله هو الخلافة.]

    2- أَقسامُ المُنادى وأَحكامُهُ


    المنادَى خمسةُ أقسامٍ: المفردُ المعرفةُ، والنكرةُ المقصودة، والنكرةُ غيرُ المقصودة، والمضافُ، والشبيهُ بالمضافِ.


    (والمراد بالمفرد والمضاف والشبيه به: ما أريد به في باب (لا) النافية للجنس، فراجعه في الجزء الثاني من هذا الكتاب. والمراد بالنكرة المقصودة: كل اسم نكرة وقع بعد حرف من أحرف النداء وقُصد تعيينه، وبذلك يصير معرفة. لدلالته حينئذ على مُعّين. راجع مبحث المعرفة والنكرة في الجزء الأول من هذا الكتاب).


    وحكمُ المنادَى أنهُ منصوبٌ، إمّا لفظاً، وإمّا مَحَلاً.
    وعاملُ النَّصب فيه، إمّا فعلٌ محذوفٌ وجوباً، تقديرُهُ: (أَدعو)، نابَ حرفُ النداءِ منَابَهُ، وإمّا حرفُ النداءِ نفسُهُ لتَضمنهِ معنى (أَدعو)، وعلى الأول فهو مفعولٌ به للفعل المحذوف، وعلى الثاني فهو منصوب بـ (يا) نفسِها.

    فيُنصَبُ لفظاً (بمعنى أنهُ يكونُ مُعرَباً منصوباً كما تُنصب الأسماءُ المُعربَةُ) إذا كان نكرةً غيرَ مقصودةٍ، أو مُضافاً، أو شبيهاً به، فالأول نحو: (يا غافلاً تنبّهْ)، والثاني نحو: (يا عبدَ اللهِ)، والثالثُ نحو: (يا حسناً خُلُقُهُ).

    ويُنصبُ محلاً (بمعنى أنهُ يكونُ مبنياً في محلِّ نصب) إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرةً مقصودةً، فالأولُ نحو: (يا زُهيرُ)، والثاني نحو: (يا رجلُ). وبناؤه على ما يُرفَعُ بهِ من ضمَّةٍ أو ألفٍ أو واوٍ، نحو: (يا علي. يا موسى. يا رجلُ. يا فَتى. يا رجلانِ. يا مجتهدونَ.

    [ موسى: منادى مفرد مبني على ضم مقدر على الألف للتعذر؛ فتى: منادى نكرة مقصودة بالنداء، مبني على ضم مقدر على الألف للتعذر؛ رجلان: منادى نكرة مقصودة، مبني على الألف لأنه مثنى؛ مجتهدون: منادى نكرة مقصودة، مبني على الواو لأنه جمع مذكر سالم]

    بعض أحكام للمنادى المبني المستحق البناء


    أ- إذا كان المنادَى، المُستحقُّ للبناء، مبنيّاً قبلَ النداءِ، فإنهُ يبقى على حركة بنائهِ. ويقالُ فيه: إنهُ مبنيٌّ على ضمَّةٍ مُقدَّرةٍ، منعَ من ظهورها حركةُ البناءِ الأصليَّةُ، نحو: (يا سيبويهِ. يا حَذامِ. يا خَباث. يا هذا. يا هؤلاء). ويظهر أثرُ ضمِّ البناءِ المقدَّر في تابعه، نحو: (يا سيبويهِ الفاضلُ. يا حذامِ الفاضلةُ. يا هذا المجتهِدُ. يا هؤلاءِ المجتهدون).

    [سيبويه وحذام: كلاهما منادى مفرد معرفة، مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة البناء الأصلية. وحذام من أعلام الإناث؛ خباث: منادى نكرة مقصودة، إعرابها كإعراب حذام وهي من كلمات الشتم للإناث]

    ب- إذا كان المنادَى مفرداً علماً موصوفاً بابنٍ، ولا فاصلَ بينهما، والابنُ مضافٌ إلى علَمٍ، جاز في المُنادى وجهانِ: ضمُّهُ للبناءِ ونصبُهُ، نحو: (يا خليلُ بنَ أحمدَ. ويا خليلَ بنَ أحمدَ). والفتحُ أولى. أمّا ضمُّهُ فعلى القاعدةِ، لأنه مفردٌ معرفةٌ. وأما نصبُهُ فعلى اعتبارِ كلمة (ابن) زائدةً، فيكونَ (خليل) مضافاً و (أحمد) مضافاً إليه. وابنُ الشخص يُضافُ إليه، لمكان المناسبة بينهما. والوصف بابنةٍ كالوصفِ بابنٍ، نحو: (يا هندَ ابنةَ خالدٍ. ويا هندُ ابنةَ خالد).


    أمّا الوصفُ بالبنت فلا يُغيّر بناءَ المفرد العَلَم، فلا يجوزُ معَها إلا البناءُ على الضمِّ، نحو: (يا هندُ بنتَ خالدٍ).

    ويتَعيَّنُ ضَمُّ المنادى في نحو: (يا رجلُ ابنَ خالدٍ. ويا خالد ابنَ أَخينا) لانتفاءِ عَلَميَّةِ المنادَى، في الأول، وعَلَميَّةِ المضافِ إلى ابنِ في الثاني، لأنك، إن حذفتَ ابناً، فقلتَ: (يا رجلَ خالدٍ، ويا خالدَ أخينا)، لم يبق للإضافة معنًى. وكذا يَتعيّنُ ضمُّهُ في نحو: (يا عليٌّ الفاضلُ ابنَ سعيد)، لوجود الفَصل، لأنه لا يجوزُ الفصلُ بينَ المضافِ والمضاف إليه.

    ج-إذا كُرِّرَ المنادى مضافاً، فلك نصب الاسمينِ معاً، نحو: (يا سعدَ سعدَ الأوس)، ولكَ بناءُ الأول على الضم، نحو: (يا سعدُ سعدَ الأوس). أما الثاني فهو منصوب أبداً.


    (أما نصب الأول، فعلى أنه مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني زائد للتوكيد، لا أثر له في حفض ما بعده. أو على أنه مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف اليه الثاني. وأما بناؤه (أي بناء الأول) على الضم، فعلى اعتباره مفرداً غير مضاف. وأما نصب الثاني، فلأنه على الوجه الأول توكيد لما قبله، وعلى الوجه الثاني بدلٌ من محل أو عطف بيان).


    د- المنادَى المُستحقُّ البناءِ على الضمّ، إذا اضطُرَّ الشاعر إلى تنوينه جازَ تنوينُهُ مضموناً أو منصوباً. ويكونُ في الحالة الأولى مَبنيّاً، وفي الثانيةِ مُعرباً منصوباً كالعلم المضاف، فمن الأول قول الشاعر:


    سَلامُ الله يا مَطَرٌ عَلَيْها

    وَلَيْس عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ
    [ مطر الثانية: اسم رجل]

    وقولُ الآخر يخاطب جَمَله:


    حَيَّيْتكَ عَزَّةُ بَعْدَ الهَجْرِ وَانصَرَفَتْ

    فَحَيّ، وَيْحَكَ، مَنْ حَيَّاكَ، يا جَمَلُ

    لَيْتَ التَّحِيَّةَ كانَتْ لِي، فَأَشْكرَها،

    مَكانَ يا جَمَلٌ: حُيِّيتَ يا رَجُلُ

    ومن الثاني قول الشاعر:


    ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالتْ:

    يا عَيدِيّاً، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي
    [الأواقي: جمع واقية]

    ومن العلماءِ من اختارَ البناءَ، ومنهم من اختارَ النصبَ، ومنهم من اختارَ البناءَ مع العَلَمِ، والنصبَ مع اسم الجنس.


    فائدة

    إذا وقعَ (ابنٌ) أو (ابنةٌ) بينَ علَمينِ - في غير النداء - وأُريدَ بهما وصفُ العَلَم، فسبيلُ ذلكَ أن لا يُنوَّنَ العلَمُ قبلهما في رفع ولا نصبٍ ولا جرّ، تخفيفاً، وتُحذَفُ همزةُ (ابن) تقولُ: (قالُ عليٌّ بنُ أبي طالب. أُحب عليَّ بنَ أبي طالب. رَضي اللهُ عن عليٍّ بن أبي طالب).

صفحة 16 من 17 الأولىالأولى ... 614151617 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. موسوعة اللغة العربية واللسانيات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-25-2015, 08:06 PM
  2. الدروس المستفادة من الثورات العربية الحالية
    بواسطة د.مهندس عبد الحميد مظهر في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-23-2013, 05:14 PM
  3. موسوعة من الخطوط العربية
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان التصميم والابداع.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 01:17 AM
  4. موسوعة شهداء الأمة العربية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-08-2011, 09:33 AM
  5. موقع التعليم الإلكتروني باللغة العربية يقدم كافة الدروس مجانا
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-29-2008, 09:56 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •