خطبة الجمعة ..لكي يجدي العمل.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير .. شنني قابس
الحمد لله الذي رفع مكانة العمل.. و شرف الإنسان بواسع الأمل...أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. بنى دينه على صالح الأعمال..وجعل ذلك منهاج شرعه في الحياة الدنيا, و يوم يكون إليه المآل..وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا و ضياء أبصارنا و نور بصائرنا محمدا عبده و رسوله..سيد العاملين..و القدوة و الأسوة في الدنيا و الدين..اللهم صل عليه و على آله الأكرمين الأطهرين..و ارض اللهم على أصحابه الغر الميامين..و على من تبعهم بإحسان و حسن يقين..
أما بعد.... أيها الإخوة في العقيدة
الإسلام دين عمل و كد.. و دين اجتهاد و جد.. فقد خلق الله الإنسان ليتعب .. قال تبارك و تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد.. و سخر له الأرض ليسعى.. قال تبارك و تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذ لولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ.. وعرّفه طريق الحق..وأنار له منهج الحلال ليتبع.. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.. و تفرق بنو آدم أمام أمر الله إلى فريقين..فريق اهتدى أهله إلى الحق..فآمنوا..وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ..وفريق ضل أهله..فكفروا..وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.. و من رحمة الله و عدله..أنه لا يحرم الكافر من فوائد كده و عمله.. قال جل جلاله.. كـُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا.. إلا أن الكافر.. ينال جزاء عمله في الدنيا..و لا يجد له يوم القيامة أجرا..قال عز و جل وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ..أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا..فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ.. و المؤمن حين يعمل و يجتهد كما أمر الله..فيختار العمل الحلال..و يخلص فيه..و يتقنه..فإن الله يسعده في الدنيا.. و يدخر له أجر عمله و كده نورا يرفعه يوم القيامة إلى درجات العاملين. فتكون سعادته الدائمة في جنات النعيم.. قال جل وعلا..مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.. أورد الإمام مسلم في صحيحه قول رَسُول ِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِى الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِى الآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِى الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.. لكن ..هل يكون من المؤمنين من يأتي يوم القيامة..وقد عمل من الصالحات في الدنيا..فلا يجد منها شيئا..؟ هل من الناس من يصلي فإذا عرضت صلاته على الله.. فتشت الملائكة له عنها..فلو يجدوا له ركعة..؟ وهل هناك من يصوم و يوم القيامة لا يجد له صوما..؟ و هل هناك من يزكي و يتصدق و ينفق ذات اليمين و ذات الشمال..ويوم القيامة يكون أفقر الناس..؟ وهل هناك من يحج الحجة بعد الحجة و يعتمر العمرة تلو العمرة..ويأتي يوم القيامة..فلا يرى في كتابه حجا و لا عمرة؟ هل يكون هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ..؟ نعم يكون.. و يكون بين يدي الله في عرصات القيامة.. نسال الله ألا يجعلنا منهم.. وهم على ثلاثة أصناف .. أما الصنف الأول ..فهم أهل الرياء.. الذين يسترضون الناس و يستجدون الدنيا.. و ينسون ربهم.. أورد الإمام مسلم في صحيحه.. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ.. فَأُتِىَ بِهِ.. فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا.. قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ.. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ.. وَقَرَأَ الْقُرْآنَ.. فَأُتِىَ بِهِ.. فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا .. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا.. قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ ..وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ.. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ... وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ.. فَأُتِىَ بِهِ.. فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ..قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ.. قَالَ كَذَبْتَ.. وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ.. من أجل ذلك كان أمر الله للمؤمنين..وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.. فالإخلاص واجب على المؤمن..في حياته كلها.. فإذا صليت أيها المؤمن اجعل صلاتك لله..لا تدخل عليها ما يفسدها.. عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ و الحديث من صحيح الترغيب.. قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.. قُلْنَا بَلَى يا رسول الله. فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِىُّ.. أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّى فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ الرَجُلٍ.. إن صلاها وحده عجل بها..و إن صلاها أمام الناس تأنى واعتدل..و ما نوى المصلي أن يشرك بالله غير الله.. و مع ذلك فهو شرك خفي..يفسد العبادة.. ويضر بالإيمان..فصلاتك أيها المؤمن.. مناجاة بينك و بين الله.. تذكر أنك أمام الله.. و أنك تقرأ و تسمع كلام الله.. وأن كل آية فيها أمر هو أمر لك..و كل آية فيها نهي هو نهي لك.. و افعل ذلك في عباداتك كلها.. وفي معاملاتك كلها.. أخلص جميع أمرك لله..
و أما الصنف الثاني ..فهم المخالفون ..الذين يخالف قولهم عملهم.. الذين يأمرون غيرهم بالمعروف و لا يعملون به..و ينهون عن المنكر ويأتونه.. جاء في صحيح الإمام البخاري ..قول رسول الله صلى الله عليه وسلم..يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ {أي تخرج أمعاؤه } فِي النَّارِ.. فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ.. و قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم صنف الخطباء.. الذين ينصحون الناس و يعلــّمون و يرشدون.. و يأتيهم الناس ليستمعوا و ينصتوا.. جاء في صحيح الترغيب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبريل قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به ..فمسؤولية الخطيب و مسؤولية الإمام ليست هينة.. و واجبه يفرض عليه أن يكلم الناس بفعله لا بقوله..وأن يعمم ما يقرأ من القرآن على كامل حياته..أن يقتدي بالقرآن في كل تصرفاته.
أما الصنف الثالث ..فهم أهل الغفلة ..الذين يسمعون حكم الله ..و يغفلون عن تطبيقه.. يسمعون الموعظة و يتهاونون في العمل بها.. فالحلال بين ..و الحرام واضح وجلي.. فمن لا يعلم أن الله حرم الغيبة .. كل الناس يعلمون أنها حرام.. فلماذا لا تحلو الكثير من المجالس إلا بها..و من لا يدري أن عقوق الوالدين يوجب غضب الله..فلماذا ترى بعض الأبناء يسيئون إلى والديهم..بشتى أنواع الإساءة.. و أين صلة الرحم.. و أين الإحسان إلى الجار..و أين غض البصر ..و أين المال الحلال..و أين اللباس الحلال.. و لماذا الغش..و لماذا التحايل .. و لماذا الظلم.. و لماذا تضيع الأمانه..و يشقى الملهوف فلا يجد من يقرضه.. كل ذلك سببه الغفلة عن شرع الله.. نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ... نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ.. فإذا المسلم..لا يحمل من الإسلام إلا إسمه..و لا يحمل من الشرع إلا رسمه.. أين العمل بهذا الدين العظيم.. أين الكد و الجد.. ونحن نعلم.. أن المصير إلى الله.. وأن الإنسان سيجد ما قدمت يداه..وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ..وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى .. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى..وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى.. وما دامت النهاية عند الله..فلنخش الله..و لنخلص عملنا لله..و عبادتنا لله..و معاملاتنا لله.. و لنجعل شرع الله هو الحكم في حياتنا كلها.. ففي ذلك الخير كل الخير.. يقول الله تبارك و تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ..لكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثبِيتا.. وَإِذن لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ..وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا..
اللهم اهدنا صراطك المستقيم..و ارزقنا الإخلاص و التوجه السليم.. واجعل أقوالنا و أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.. و اكتبنا من عبادك الصادقين.. المخلصين لك الدين.. السائرين على منهجك القويم..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \