الفصل الثالث: الاستقلال والتحديث في القرن التاسع عشر
تقديم: توياما شيجيكي/محفوظات يوكوهاما التاريخية/ اليابان
خطر الاستعمار
شكل الاستعمار خطراً كبيراً جداً على اليابان في الفترة الواقعة في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت مظاهر الخطر على أشدها في فترة الخمسينات من القرن نفسه، ولكنها بدت تخفت مع نهاية القرن التاسع عشر.
لقد كانت السفن الحربية تقف على مقربة من سواحل اليابان وكأنها وحوش تترقب بفريستها، وقد يكون كثرتها وراء عدم انقضاضها على اليابان، وذلك للتعقيدات التي كانت تنظم العلاقات بين الدول الاستعمارية، وقد تختلف اليابان عن الصين أو الهند بعدة نقاط منها:
1ـ بدأت الضغوطات الأجنبية على اليابان بعد مرور عشر سنوات على بدء الغرب عملية قضم الصين والتي لم تكن قد هُضمت بعد.
2ـ كان موقع اليابان في شمال شرقي آسيا بعيداً عن المواقع التي كانت بريطانيا تحتلها مثل الهند وما جاورها.
3ـ كانت بريطانيا منشغلة بصورة كلية بمواجهة الحركات الآسيوية الوطنية المناهضة للاستعمار.
العوامل الداخلية والاحتجاج الشعبي
رغم أن اليابان أدارت اتقائها للخطر الاستعماري بحنكة كبيرة، حيث وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة، إلا أن الوضع الداخلي في عام 1853 كان عاما مناسباً لتفكك الدولة اليابانية وتحويلها لمستعمرة بسهولة، لولا حذر المستعمرين من بعضهم البعض (البريطانيون والفرنسيون والهولنديون). لكن وفي العام نفسه تراجعت قبضة الإقطاع وارتفعت وتيرة الحراك السياسي الداخلي مما عقد من مهمة المستعمرين.
وممكن القول أن الفلاحين والذين قد بدءوا ثورتهم الأولى عام 1836 إثر انخفاض عوائدهم من المحاصيل الزراعية، مما لفت انتباه من أرادوا الثورة من الفئات الأخرى للانضمام للفلاحين، أو اعتبارهم ستاراً للارتفاع بمستوى الثورة. وهذا ما حدث في عام 1866، عندما أصبحت الاحتجاجات الشعبية ظاهرة ملفتة لم يكن بالإمكان تجاهلها، وإن كانت متقطعة وغير مستمرة وتفتقد لقيادة مركزية. لكنها كانت عاملاً هاماً في سقوط القيادات التقليدية وتهديم الإقطاع.
التجارة
في الفترة التي كان يتطلع الاستعمار للدخول فيها الى اليابان، برزت ظاهرة جديدة لم تكن معهودة سابقاً في اليابان، وهي إغراق الأسواق اليابانية بالبضائع المستوردة، والتي يقل ثمنها عن مثيلاتها اليابانية، كذلك تصدير خيوط الحرير، مما سبب ندرته في داخل اليابان وتعطيل الصناعات القائمة عليه.
هذا الوضع أدى الى ثورة الصناعيين والتجار، والمطالبة بوقف تصدير خيوط الحرير، ومراقبة ميناء (يوكوهاما) لوقف استيراد البضائع الأجنبية التي أضرت بالصناعة والتجارة المحلية.
وقد فسر البعض أن ثورة الفلاحين، كانت من وحي التجار والصناعيين وبدعمهم، ولكن ذلك غير صحيح، فقد لمست تلك الفئات منفردة الأضرار التي تلحق بها.
العلم والتكنولوجيا
لم تمنع قرون الانعزال الوطني، تغلغل بعض العلوم والتكنولوجيا الغربية والمعلومات حول العالم الخارجي الى اليابان وذلك عبر التجار الهولنديين في ميناء (ناغازاكي). وقد ركز اليابانيون في التزود بالثقافات والمعارف المتعلقة بالطب والفلك. وقد انتبه (الساموراي) الى أهمية نقل العلوم العسكرية وما يتعلق بالتسليح، فعملوا على نقلها ودفع سياسيين متنورين الى دفة الحكم يشاركونهم اهتماماتهم.
الإقطاع
أدى تدهور سيطرة الإقطاع الى إفقار مالية (الشوغونة: الحكومات المحلية وهيئات دعمها)، فلم تستطع أن تتسلح بما يكفي لبسط سيطرتها على مناطق نفوذها. فتبنت شعار (اطردوا البرابرة)، ملتقية بذلك مع القوى الوطنية الأخرى. لكنها بالوقت نفسه، كانت تعمل سراً على عدم الاصطدام مع القوى الأجنبية بالمعنى الحربي، لمعرفتها بضعف إمكاناتها.
لقد رفعت القوى المعادية (للشوغونة) نفس شعارهم (اطردوا البرابرة) لإحراج تلك الفئة وتحييدها.
الإعادة
لقد نجحت إعادة (المايجي) لأن التغييرات الكبيرة في نظام (الباكوهان )، قد تمت في تتابع سريع: (1) إعادة الحكم الإمبراطوري في عام 1868. (2) تسليم سلطات المقاطعات الى الحكومة الجديدة في عام 1869. (3) إقامة نظام الولايات في العام 1871. (4) احتواء وقمع المعارضة المسلحة التي قادها زعماء إقطاعيون متمردون. (5) ضبط الاحتكاك مع القوات الأجنبية المحيطة باليابان (6) الانفتاح بذكاء على العالم الخارجي.
ما هو الباكوهان؟ [أي: الحكومة الوطنية التي جاءت كحل وسط بين الحكومة المركزية (باكوفو) والحكومات المحلية (هان)، وعرفت (باللغة العربية ب الإقطاعية المركزية، ويختلف نظام الحكم هذا عن النظام الإقطاعي لغرب أوروبا والنظام الإقطاعي في الدول الآسيوية ذات الحكم المركزي قبل العصر الحديث ].
إرساء التحديث
في العام 1871، ومباشرة بعد إقامة نظام الولايات تم إيفاد بعثة (ايواكورا) التي ضمت العديد من كبار الموظفين، الى أمريكا وأوروبا من أجل التفاوض حول إعادة النظر في المعاهدات غير المتكافئة ودراسة أوضاع الغرب. وفي العام التالي اعتمدت الحكومة نظاماً تربويا جديداً. وفي العام 1873 صدر قانون التجنيد الإلزامي وآخر لتعديل الضريبة على الأملاك. كما أنشأت الحكومة نظاماً مصرفيا، وأرست الإطار القانوني لنشاط الشركات. كما أنها اتبعت سياسات من شأنها تشجيع الصناعة بعدة طرق منها على سبيل المثال إنشاء مصانع ممكننة ومزارع للدواجن تُدار من قبل الدولة في عدة مناطق. كما تم إدخال المؤسسات التكنولوجية والثقافية الأجنبية بالجملة.
لقد اكتشفت الدولة أن التقليد للغرب لم يفد شيئاً، لا في المصانع ولا في المزارع مما أدى الى بيع تلك المصانع والمزارع للقطاع الخاص.
وفي الأعوام بين 1880 و 1884، قامت احتجاجات شعبية واسعة، منها (300) ألف من ملاك الأراضي، والمصنعين والمزارعين، طالبت بتأسيس برلمان وطني، وتخفيض الضرائب، وتعديل الاتفاقات مع الدول الأجنبية، ومع ذلك فبالرغم من قصر المدة والقمع الشديد الذي مارسته الدولة ضد معارضيها، فإن تلك التجربة القصيرة كان لها الانعكاسات التالية:
أولاً: أدت الاحتجاجات الى إجبار الدولة على وضع دستور، والدعوة الى جمعية وطنية.
ثانياً: حالت حركات الإضراب دون زيادة الضرائب العقارية في عام 1880.
ثالثاً: إن الأفكار والتقنيات الجديدة الوافدة من الغرب والتي شجعت الحكومة على انتشارها بين سكان المدن ثم الى الأرياف، لينمو الوعي الديمقراطي والشعبي بالمعنى الحديث.
لقد أدت الجهود المتبادلة بين رجال الفكر والحركات الشعبية الى الوصول لدستور عام 1889، ثم انتخاب برلمان عام 1890، كانت الأغلبية فيه للمعارضة، لقد أعطى الدستور للإمبراطور سلطات واسعة لا تحدها السلطة الشرعية، كما ضمن هيمنة العسكريين والبيروقراطيين. هذا الوضع أدى الى إعادة توحيد اليابان بشكل قوي. وقد دفعت الحرب اليابانية ـ الصينية التي اندلعت عام 1894 الى وقوف المعارضة مع الجيش والسلطة المركزية.
وبعد أن انتصرت اليابان في حربها مع الصين، زاد التفاف المواطنين حول دولتهم، فالتزم الكل بنظام التعليم لترتفع نسبة من يدخلوا المدارس من 30% قبل الحرب الى 90%، كما التزم المواطنون بخدمة العلم العسكرية ليتبدل الشعار من الخدمة الإلزامية قبل الحرب اليابانية ـ الروسية الى شعار (أمة تحت السلاح).
وفي عام 1911 أصبحت اليابان الإمبريالية على قدم المساواة مع غيرها من دول الغرب.