قف! أمامك اللوبي اليهودي
د. فايز أبو شمالة
غبيٌ من ظن "نتانياهو" غبياً، ولا يدري بتفاصيل إعلان وزير الداخلية "إيلي يشاي" خطة بناء 1600 وحدة استيطانية لغلاة المتطرفين في القدس، وجاهل في السياسة من ظن "نتانياهو" كان يجهل ردود الفعل الأمريكية لهذا الإعلان أثناء زيارة الصهيوني "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي، ومتطرف في ولائه لأمريكا من تخيل أن "نتانياهو" سيتخلى عن تطرفه عندما يعتذر لفظاً عن التوقيت دون المساس بجوهر الاستيطان في القدس، فالزعيم اليهودي يعرف حدود ردة الفعل الأمريكية، ويعرف أن الإعلان عن ثلاثة وأربعين دقيقة من التأنيب، أو "النزيفاه" كما يسمونها، سترضي العرب والفلسطينيين، وتطفئ نار انفعالهم، وتشبع رغبتهم في الانتقام من شخص "نتانياهو" الذي احتقر انسيابهم إلى المفاوضات غير المباشرة رغم عدم توقف الاستيطان، فأراد أن يثبت عملياً، وعلى الأرض؛ أن العرب والفلسطينيين سيباشرون التفاوض رغم تواصل الاستيطان، وأن لا طريق آخر للعرب كي تمشي عليه.
لقد اختارت إسرائيل زمان ومكان المعركة الاستيطانية مع الإدارة الأمريكية، أما من حيث الزمان، فقد جاء الإعلان أثناء زيارة الصهيوني "جو بايدن" وقبل أسبوع من انعقاد مؤتمر "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" المعروفة باسم "إيباك" والتي تدخلت في اللحظة الأخيرة في الخلاف، وعبرت عن قلقها من تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين. وطالبت الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات فورية لإزالة التوتر في العلاقات. إنها الأوامر اليهودية العليا الصادرة للرئيس الأمريكي "أوباما"، ولاسيما أن الدولة العبرية قد حددت مكان المعركة، واختارت "أورشليم" القدس كنقطة إجماع كل اليهود في إسرائيل، وفي أمريكا على أنها أقدس مكان لليهود على وجه الأرض، وأن المساس بقداستها سيحرك قوى الشر جميعها، لتقف في وجه من يقف في وجه إسرائيل، وهذا ما عمل عليه القائد اليهودي "نتانياهو".
وسط زحمة التصريحات الأمريكية ضد خطة الاستيطان الإسرائيلية في القدس برزت مؤشرات الحل، والتي سترضي العرب، وتغريهم ببدء المفاوضات، إذ ستقوم حكومة "نتانياهو" ببعض الخطوات الإعلامية التي تحسب لصالح السلطة الفلسطينية ودول الاعتدال العربية، كإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وإزالة حواجز، وتوسيع مناطق السلطة، والموافقة الإسرائيلية على مناقشة كافة قضايا الخلاف على طاولة المفاوضات.
أزعم أن ما سبق من حقائق أضحي يدركها كل العرب بالتجربة المريرة، وهي التي أوصلت قياداتنا إلى التسليم بضياع فلسطين، وتمرير المخططات اليهودية، وأزعم أن أصحاب مقولة: تسعة وتسعين في المائة من الحل بيد أمريكا، هم الذين مهدوا الطريق لاتفاقية كامب ديفيد، التي عزلت مصر العروبة عن التأثير الإيجابي والموجع ضد إسرائيل، ومهدت للدولة العبرية كي تستفرد بأقاليم العرب كل على حده. ومن هؤلاء السيد طارق الحميد رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط، ومن التف مع فلسفته الغافية على ركبة أمريكا، وهو يقول في صحيفته: "من المهم أن يتنبه الفلسطينيون والعرب إلى ضرورة ألا يخسروا "أوباما" ففي النهاية، أمام الرجل انتخابات قادمة، ومصالح داخلية، هي الأهم بالنسبة له إن هو لم يجد من العرب ذكاء، ومرونة سياسية، والمطلوب من الفلسطينيين والعرب عدم ارتكاب أخطاء.
أتدرون ما المقصود بالذكاء؟ وما هي الأخطاء التي يحذر منها السيد طارق الحميد؟ إنه يحذرنا من المقاومة للغاصبين، ويحذرنا من الغضب للمسجد الأقصى، ويطالبنا أن نستكين حتى تعطف علينا أمريكا، متناسياً أن الشعوب التي تخلت عن خيار المقاومة، وتحديداً المقاومة المسلحة، قد تخلت عن كرامتها، ورهنت وجودها، ومستقبلها في يد أعدائها.